أحكام النجاسات

طرق ثبوت النجاسة  :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قِبل نفسك ، وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته ولعلّه سرقة . . . والمرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ؛ والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة »([1]) .

إنّ إثبات الطهارة لا يحتاج إلى دليل ما دام مجرّد الشكّ في النجاسة كافياً للحكم بالطهارة ، وهذا من الموارد التي يتغلّب فيها الضعيف على القويّ . فلو احتملت ( 90 ) بالمئة بأنّ هذا نجس و ( 10 ) بالمئة بأ نّه طاهر كانت الغلبة للعشرة على التسعين .

أمّا النجاسة فلا تثبت إلاّ بدليل كالحسّ والاستصحاب والبيّنة الشرعيّة ، تماماً كغيرها من الموضوعات التي أشار إليها الإمام [  عليه‏السلام] بقوله : « والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة » أي يظهر لك ذلك بالحسّ ، أو يشهد شاهدان .

_____________________

[1] الوسائل 17 : 89 ، ب4 من أبواب ما يكتسب به ، ح4 .

 

 

خبر الواحد  :

اتّفق الفقهاء على أنّ خبر الثقة الواحد يؤخذ به في الأحكام ، فإذا رُوي عن المعصوم أنّ هذا حلال وذاك حرام كان حجّة معتبرة ، واتّفقوا أيضاً على أنّ الحقّ لا يثبت بقوله وحده في باب التقاضي والتخاصم . واختلفوا : هل تثبت الموضوعات الخارجيّة بقوله في غير باب التخاصم أو لا ؟ فلو قال : هذا نجس ولم يخاصمه أحد في ذلك هل يكون حجّة ؟ ذهب أكثر العلماء إلى عدم الاعتماد على الخبر الواحد في الموضوعات ، حتّى مع عدم التخاصم .

وقال الشيخ الهمداني في المصباح : ( الأقوى الاعتماد عليه والأخذ به مستدلاًّ ببناء العقلاء ، وبأ نّه ثبت شرعاً الاعتماد على أذان الثقة في دخول الوقت )([94]) .

والحقّ أنّ خبر الواحد ليس بشيء في الموضوعات إلاّ إذا كان سبباً للاطمئنان وركون النفس ، وعليه يكون المعوّل على الاطمئنان .

صاحب اليد  :

إذا أخبر صاحب اليد ـ كالزوجة والخادم وما إليهما ـ بأنّ هذا نجس هل يؤخذ بقوله ؟

الجواب  :

أجل ، والدليل سيرة الفقهاء وبناء العقلاء .

_____________________

[94] مصباح الفقيه 8 : 169 ـ 170 .

 

 

النجس والمتنجّس  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الجرح كيف يصنع به صاحبه ؟ قال : « يغسل ما حوله »([1]) .

وسئل عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذه ؟ قال [  عليه‏السلام] : « يغسل ذكره وفخذه »([2]) .

وسئل الإمام الكاظم  عليه‏السلام عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة فتصيب ثوبه ورجليه هل يصلح أن يدخل المسجد فيصلّي ولا يغسل ما أصابه ؟ قال : « إن كان يابساً فلا بأس »([3]) .

وهناك روايات اُخر .

والنجس ما كانت نجاسته بالذات ، بحيث لا يمكن زوالها بحال ، مثل الكلب والخنزير والبول والدم ، لذا قيل : ما بالذات لا يتغيّر ، أمّا المتنجّس فطاهر بالذات ، متنجّس بالعرض ، كاليد يصيبها الدم أو البول .

واتّفق الفقهاء أنّ الطاهر إذا سرت إليه النجاسة بمماسّته للنجس يصير متنجّساً وأيضاً اتّفقوا على تحريم أكل النجس والمتنجّس وشربه تحريماً نفسيّاً ، وعلى وجوب تطهير الثوب والبدن من النجاسة لأجل الصلاة أو الطواف الواجب وجوباً غيريّاً .

__________________

[1] الوسائل 3 : 438 ، ب24 من أبواب النجاسات ، ح4 .

[2] الوسائل 3 : 441 ، ب26 من أبواب النجاسات ، ح1 .

[3] الوسائل 3 : 443 ، ب26 من أبواب النجاسات ، ح8 .

 

 

ما يعفى عنه بالصلاة  :

سئل الإمام  عليه‏السلام عن الرجل تخرج منه القروح ، فلا تزال تدمي ، كيف يصلّي ؟

قال : « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل »([1]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « لا بأس بأن يصلّي الرجل في ثوب فيه دم [ متفرّقاً شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ]([2]) ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم »([3]) .

لذا اتّفق الفقهاء على أ نّه يعفى في الصلاة عن دم الجروح والدمامل المنتشرة في الجسد ، سواء أكان الدم في الثوب أو البدن قليلاً كان أو كثيراً ، على شريطة بقاء الجرح وعدم برئه ، وكذلك يعفى عن القيح المتنجّس بالدم ، وعمّا ينضح من البواسير .

وأيضاً اتّفقوا على العفو عن الدم الذي لا يزيد بمجموعه عن عقدة الإبهام العليا ، وإن لم يكن في الجسم جروح وقروح ، على شريطة أن لا يكون من دم الحيض ولا الاستحاضة ولا النفاس ، ولا من نجس العين ـ كالكلب والخنزير والميتة ـ بل ولا من دم غير مأكول اللحم ، وأيضاً يشترط إذا كان هذا الدم في الثوب أن لا يقدر على غيره .

_________________

[1] الوسائل 3 : 434 ، ب22 من أبواب النجاسات ، ح4 .

[2] من المصدر .

[3] الوسائل 3 : 430 ، ب20 من أبواب النجاسات ، ح4 .

 

 

ما لا تتمّ به الصلاة  :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز ـ أي لا تتمّ ـ الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه ، وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكّة والكمرة والنعل وما أشبه ذلك »([1]) . ولذا اتّفقوا على أنّ ما يحمله الإنسان ممّا لا يمكن أن يكون ساتراً ([2]) وكان نجساً تصحّ الصلاة فيه ، على شريطة أن لا يكون من أجزاء الميتة ، ولا من نجس العين كالكلب والخنزير .

_______________

[1] الوسائل 3 : 457 ، ب31 من أبواب النجاسات ، ح5 .

[2] في الطبعات السابقة « سائراً » والصحيح ما أثبتناه .

 

 

تطهير المساجد  :

روي عن النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أ نّه قال : « جنّبوا مساجدكم النجاسة »([1]) .

اتّفق الفقهاء على أنّ من رأى نجاسة في المسجد فعليه أن يزيلها وجوباً كفائيّاً .

وأيضاً تجب إزالة النجاسة عن المصحف وغلافه وورقه ؛ لأنّ بقاءها هتك لحرمات اللّه‏ .

___________________

[1] الوسائل 5 : 229 ، ب24 من أبواب أحكام المساجد ، ح2 .

 

 

هل ينجّس المتنجّس  ؟

سئل الإمام  عليه‏السلام عن الرجل يبول ولا يكون عنده ماء فيمسح ذكره بالحائط ؟

قال : « كلّ شيء يابس ذكيّ »([1]) أي لا يُنجّس .

وسئل عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الماء مراراً ، أو اغتسل أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلّخة ؟ فقال [  عليه‏السلام] : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة »([2]) .

اتّفق الفقهاء على أنّ النجس يُنجّس ، واختلفوا في المتنجّس هل ينجّس أو لا ؟

ومعنى الجملة الاُولى وهي « النجس يُنجّس » أ نّه لو حصلت المماسّة بين الطاهر كبدنك ـ مثلاً ـ وبين نجس العين كالكلب وكان على أحدهما رطوبة وانتقلت هذه الرطوبة من الكلب إلى البدن تنجّس البدن بالإتّفاق . أمّا إذا حصلت المماسّة بينهما وكان كلّ منهما جافّاً ولم تنتقل الرطوبة من النجس إلى الطاهر فيبقى على طهارته بالإتّفاق أيضاً .

ومعنى الجملة الثانية وهي « هل ينجّس المتنجّس ؟ » أ نّه لو افترض أنّ الجسم سرت إليه النجاسة من العين النجسة وأصبح متنجّساً قطعاً ثمّ أنّ هذا الجسم الّذي صار متنجّساً لو لاقى جسماً آخر برطوبة فهل ينجّس أيضاً هذا الجسم الآخر أو يبقى على طهارته ؟ وبكلمة أنّ الطاهر يتنجّس إذا لاقى النجس مباشرة بلا ريب ، ولكن هل يتنجّس أيضاً إذا لاقاه بالواسطة أو لا ؟

والفقهاء في ذلك على ثلاثة أنواع  :

الأوّل  : أفتى بأنّ المتنجّس يُنجّس ، واستدلّ فيما استدلّ بما نقلناه عن الإمام  [  عليه‏السلام] : « يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة » .

الثاني  : أفتى بالطهارة وعدم التنجيس ، قال السيّد الخوئي في الجزء الثاني من التنقيح : ( ذهب الحلّي ونظراؤه إلى عدم تنجيس المتنجّسات ، بل ظاهر كلامه أنّ عدم التنجيس كان من الاُمور المسلّمة في ذلك الزمان ، أمّا العلماء المتقدّمون فلم يتعرّضوا لهذه المسألة إطلاقاً ، ولم يفتِ أحد منهم بتنجيس المتنجّس ، مع كثرة الابتلاء به في اليوم والليلة ، ومعه كيف يدّعى الإجماع على تنجيس المتنجّسات ؟ ! ثمّ قال السيّد الخوئي : إنّ الآغا رضا الإصفهاني قال :

والحكم بالتنجيس‏إحداث‏الخلف ولم نجد قائله من السلف )([3])

النوع الثالث  : سكت عن هذه المسألة ، ولم يفتِ بها سلباً ولا إيجاباً ونحن هنا نسكت عن الفتوى مع الساكتين ، مع العلم أ نّا نجتنب المتنجّس ، ونطهّر ما لاقاه برطوبة بدافع العادة والتربية .

___________________________

[1] الوسائل 1 : 351 ، ب31 من أبواب أحكام الخلوة ، ح5 .

[2] الوسائل 1 : 142 ، ب4 من أبواب الماء المطلق ، ح1 .

[3] التنقيح في شرح العروة الوثقى  الطهارة  3 : 206 ـ 207 .