أحكام صلاة المسافر

التلازم بين القصر والإفطار :

كلّ موضع يجب فيه قصر الصلاة حتماً يجب فيه الإفطار في شهر رمضان كذلك وبالعكس([1]) ؛ لقول الإمام [  عليه‏السلام] : « إذا قصّرت ـ أي وجوباً ـ أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت »([2]) . وبكلمة : أنّ شروط قصر الصلاة والإفطار واحدة .

وكما أنّ صوم رمضان لا يجوز في السفر كذلك قضاؤه أيضاً ، ويأتي التفصيل في باب الصوم إن شاء اللّه‏ تعالى .

____________________

[1] إلاّ في ثلاثة موارد : الأوّل : في الأماكن الأربعة : حرم اللّه‏ ، وحرم الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ومسجد الكوفة ، والحائر الحسيني حيث يتخيّر المسافر بين الصلاة قصراً وتماماً ، ويتعيّن عليه الإفطار . الثاني : المسافر إذا خرج من بيته بعد الزوال يبقى على الصيام ويقصر . الثالث : المسافر يصل إلى بيته بعد الزوال فإنّه يتمّ ويفطر [  منه  قدس‏سره ] .

[2] الوسائل 10 : 184 ، ب4 من أبواب من يصحّ منه الصوم ، ح1 .

 

 

المواطن الأربعة :

يتخيّر المسافر بين القصر والتمام ، والتمام أفضل في أربعة مواطن ، وهي : حرم اللّه‏ عزّ وجلّ ، وحرم الرسول  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ومسجد الكوفة ـ حيث قتل الإمام أمير المؤمنين عليه‏السلام  ـ والحائر الحسيني .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « من مخزون علم اللّه‏ الإتمام في أربعة مواطن : حرم اللّه‏ ، وحرم الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، وحرم أمير المؤمنين  عليه‏السلام ، وحرم الحسين بن علي عليهماالسلام »([1]) .

وفي هذا المعنى روايات تجاوزت حدّ التواتر . وغير بعيد أن تكون الحكمة في ذلك الإشارة إلى أنّ هذه المواطن المقدّسة هي وطن الروح والقلب للإنسان ، بخاصّة المؤمن المخلص .

____________________

[1] الوسائل 8 : 524 ، ب25 من أبواب صلاة المسافر ، ح1 .

 

 

التمام في موضع القصر :

من أتمّ الصلاة عالماً عامداً مع توافر شروط القصر بطلت صلاته ، وعليه الأداء داخل الوقت ، والقضاء في خارجه ؛ لأنّ ما أتى به غير ما اُمر به .

ومن أتمّ جاهلاً بالحكم الشرعي وأنّ المسافر يجب عليه القصر صحّت صلاته ، ولايعيد إطلاقاً ، لا في الوقت ، ولا في خارجه ، وعلى هذا كلّ الفقهاء أو جلّهم.

ودليلهم أنّ الإمام الصادق  عليه‏السلام سئل عن رجل صام في السفر ؟ فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يبلغه فلا شيء عليه »([1]) .

وفي معنى هذه الرواية كثير غيرها ، وهي وإن كانت مختصّة بالصوم إلاّ أ نّه لا قائل بالفصل بين الصوم والصلاة ؛ لما تقدّم من قول الإمام [  عليه‏السلام] : « إذا أفطرت قصّرت ، وإذا قصّرت أفطرت » .

وتقول : كيف يعقل هذا ويجتمع مع القول بأنّ الأحكام الشرعيّة تعمّ العالم والجاهل على السواء ، وأنّ من صلّى صلاة لا يعرف أحكامها فهي باطلة ، حتّى ولو كان جاهلاً عن قصور ؟

الجواب  :

إنّ الواجب الأوّل هو القصر في السفر ، ولكن اكتشفنا من هذه الروايات الصحيحة أنّ الشارع قد أسقط هذا الواجب عن الجاهل إذا صلّى تماماً تفضّلاً منه وكرماً ، وأ نّه أسقط أيضاً وجوب قضاء الصوم كذلك على من صام في السفر جهلاً ، ولا محذور أبداً من المنّة والتفضّل بل على العكس ، ومثله إذا أخفت جهلاً في مكان الجهر ، أو جهر في مكان الإخفات ، وبسقوط التكليف يسقط العقاب أيضاً ، ولا

يلتفت إلى قول من قال من الفقهاء بأنّ هذا الجاهل معاقب وإن صحّ عمله ، بخاصّة أنّ الحديث عن العقاب لا يدخل باختصاص الفقهاء ، وأنّ واجبهم منحصر بالكلام عن الحلال والحرام والطاهر والنجس والصحيح والفاسد فقط .

ومن أتمّ الصلاة ناسياً لا عامداً ولا جاهلاً فإن تذكّر قبل خروج وقت الصلاة أعاد ، وإلاّ فلا قضاء عليه ، فلقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل ينسى فيصلّي بالسفر أربع ركعات ؟ قال : « إذا ذكر في ذلك اليوم ـ أي قبل خروج وقت الصلاة  ـ فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا »([2]) .

____________________

[1] الوسائل 10 : 179 ، ب2 من أبواب من يصحّ منه الصوم ، ح3 .

[2] الوسائل 8 : 506 ، ب17 من أبواب صلاة المسافر ، ح2 .

 

 

السفر بعد الوقت :

إذا دخل الوقت وهو حاضر ثمّ سافر وأخّر الصلاة ليؤدّيها في سفره فهل يأتي بها أربعاً ـ معتبراً حال الوجوب لأ نّه لو أدّاها في أوّل الوقت لأتى بها تامّة ـ أو يأتي بها ركعتين معتبراً حال فعلها وأدائها ؟ وإذا دخل الوقت وهو مسافر ، ثمّ صار حاضراً فهل يأتي قصراً أخذاً بحال الوجوب أو تماماً أخذاً بحال الأداء ؟

واختلف الفقهاء على أقوال تبعاً لاختلاف الروايات ، فمن قائل بأنّ العبرة بحال الأداء ، ومن قائل بل بحال الوجوب ، وقائل بالتخيير ، ورابع مفصّل بين من كان حاضراً فصار مسافراً ، وبين من كان مسافراً فصار حاضراً .

والّذي نختاره أن يلحظ المصلّي الحال التي هو فيها عند الصلاة ، بصرف النظر عمّا كان قبلها ، فإن كان مسافراً حين الصلاة قصّر ، وإن كان حاضراً أتمّ ، بديهة أنّ الأحكام تتبع الأسماء وجوداً وعدماً .

 

 

خروج ناوي الإقامة :

إذا نوى الإقامة عشرة أ يّام في بلدٍ مّا ثمّ خرج منه إلى ما دون أربعة فراسخ وعاد إلى محلّ الإقامة هل ينتقض العزم على الإقامة بذلك ولا يصحّ التمام والصيام ، أو تبقى الإقامة على حالها ويتمّ الصلاة ويصوم ؟

وقد تضاربت أقوال الفقهاء ، ولم يأتوا بشيء تركن إليه النفس في هذه المسألة ؛ إذ كلّ أدلّتهم أو جلّها استحسان . وخيرها جميعاً ما ذكره صاحب العروة الوثقى([1]) من أ نّه إذا رجع في يومه وقبل المبيت يبقى على الإقامة ؛ لأنّ العرف والحال هذه لا يسلب عنه اسم المقيم ، وبديهة أن الأحكام تتبع الأسماء ، بل النائيني في حاشيته على العروة الوثقى قال : ( بل وإن كان ناوياً مبيت ليلة على الأظهر )([2]) .

____________________

[1] العروة الوثقى 1 : 752 ، م8 .

[2] العروة الوثقى 3 : 481 ، طبع مؤسسة النشر الإسلامي بقم .

 

 

العدول عن الإقامة :

إذا نوى الإقامة عشرة أ يّام وقبل أن يصلّي صلاة تامّة عدل عن نيّته فعليه أن يقصّر ولا يتمّ ، وإذا عدل بعد أن صلّى صلاة تامّة يبقى على التمام . ويدلّ عليه أنّ أبا ولاّد قال للإمام الصادق  عليه‏السلام : كنت نويت حين دخلت المدينة أن اُقيم عشرة أ يّام فاُتمّ الصلاة ثمّ بدا لي بعدُ أن لا اُقيم بها ، فماترى لي اُتمّ أم اُقصّر ؟ فقال : « إن كنت دخلت المدينة وصلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج عنها ، وإن كنت دخلتها على نيّتك المقام فلم تصلِّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانوِ المقام عشرة أ يّام وأتمّ ، وإن لم تنوِ المقام فقصّر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك شهر ـ أي مع التردّد وعدم نيّة الإقامة عشرة ـ فأتمّ الصلاة »([1]) .

___________________

[1] الوسائل 8 : 508 ، ب18 من أبواب صلاة المسافر ، ح1 .