الأنفال

الجهة الرابعة من مباحث الخمس : والأنفال جمع نفل ، وله في اللغة معانٍ شتّى ، منها : الغنيمة والهبة والزيادة ، يقال : هذا نفل على ذاك ، أي زيادة عليه . وفي الشرع ما يختصّ بالإمام منتقلاً إليه من الرسول الإعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم .

قال اللّه‏ جلّ وعلا :  يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للّه‏ِِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه‏َ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ([1]) .

وقال الإمام  عليه‏السلام : « الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله ـ  أي للإمام ـ رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها ،

وله صوافي الملوك ، ما كان في أيديهم من غير غصب ؛ لأنّ الغصب كلّه مردود »([2]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « الأنفال للّه‏ وللرسول ، فما كان للّه‏ فهو للرسول ، يضعه حيث يشاء ، وما كان للرسول فهو للإمام »([3]) .

الفقهاء :

قالوا : الأنفال كلّها للإمام منتقلة إليه من النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ؛ لأ نّه خليفته ووارثه ، وهيعلى أنواع :

1 ـ  الأرض التي تملك من غير المسلمين بدون قتال ، سواء انجلى عنها أهلها وتركوها للمسلمين ، أو مكّنوهم منها طوعاً مع بقائهم فيها .

2 ـ  الأرض الموات ، سواء اُملكت ثمّ باد أهلها ، أم لم تملك من الأساس ، كالمفاوز وسواحل البحار .

3 ـ  رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام أي الأحراج .

4 ـ  كل ما اختصّ به سلطان الحرب منقولاً أو غير منقول ، على شريطة أن لا يكون مغتصباً من مسلم أو معاهد.

5 ـ  ما يصطفيه لنفسه من غنائم الحرب قبل القسمة ، فإذا اختار منها الفرس أو الثوب أو الجارية فهو له من الأنفال .

6 ـ  ميراث من لا وراث([4]) له .

والأنفال بشتّى أقسامها وأنواعها تعطى للإمام ، ولا يجوز التصرّف بشيء منها إلاّ بإذنه ورضاه في حال حضوره ، أمّا في حال الغياب ـ كهذا العصر ـ فقد أحلّها للشيعة وجعلها لهم ، ولما يعود على الإسلام بالخير والصالح العامّ . ويدلّ على ذلك

قول الإمام  عليه‏السلام : « ما كان لنا فهو لشيعتنا »([5]) . وقوله [  عليه‏السلام] : « كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا »([6]) .

وقال الشهيد الثاني في آخر الخمس ما نصّه بالحرف : ( الأصحّ إباحة الأنفال حالة الغيبة )([7]) .

ويأتي في باب إحياء الموات قول الإمام : « من أحيا أرضاً ميتة فهي له »([8]) .

وقوله [  عليه‏السلام] : « الأرض للّه‏ ولمن عمّرها »([9]) . ويأتي أيضاً : أنّ ميراث من لا وارث له يعود لبيت مال المسلمين .

قال صاحب الحدائق في آخر باب الخمس : ( وظاهر جملة من متأخّري المتأخّرين القول بالتحليل مطلقاً ، وهو الظاهر من أخبار أهل البيت  عليهم‏السلام ، ويدلّ عليه جملة من الروايات ، كرواية يونس بن ظبيان ، ومعلّى بن خنيس ، وصحيحة أبي خالد الكابلي ، وصحيحة عمر بن يزيد ، ومنها الأخبار الكثيرة الواردة في إحياء الموات ، وميراث من لا وارث له ، ونحو ذلك )([10]) .

وقال السيّد الحكيم في المستمسك : ( لا يبعد استمرار السيرة على التصرّف فيما للإمام من الأرض بأقسامها المتقدّمة ، بل عموم الابتلاء بها من غير نكير ، بل لولا الحلّ لوقع أكثر الناس في الحرام )([11]) .

وغير بعيد أن يكون المراد من الروايات الدالّة بظاهرها على سقوط الخمس مطلقاً هو سقوط الأنفال خاصّة دون الأصناف السبعة التي سبق الكلام عنها ، وعلى هذا يرتفع التعارض والتضاد بين الروايات المثبتة للخمس إطلاقاً في زمن الغياب

والحضور ، والروايات النافية له كذلك ، فنحمل روايات النفي على تحليل الأنفال ، وروايات الإثبات على وجوب الخمس وبقائه في الأصناف السبعة ، ومتى اختلف الموضوع وتعدّد زال التعارض حتماً .

_____________________

[1] الأنفال : 1 .

[2] الوسائل 9 : 524 ، ب1 من أبواب الأنفال ، ح4 .

[3] الوسائل 9 : 527 ، ب1 من أبواب الأنفال ، ح10 ، وعبارة : « وما كان للرسول فهو للإمام » ليس موجودة فيها ، بل موجودة في : ح7 .

[4] في الطبعات السابقة « ميراث » والصحيح ما أثبتناه .

[5] الوسائل 9 : 551 ، 548 ، ب4 من أبواب الأنفال ، ح17 ، 12 .

[6] الوسائل 9 : 551 ، 548 ، ب4 من أبواب الأنفال ، ح17 ، 12 .

[7] المسالك 1 : 475 .

[8] الوسائل 25 : 412 ، ب1 من كتاب إحياء الموات ، ح5 ، 6 .

[9] الوسائل 25 : 414 ، ب3 من كتاب إحياء الموات ، ح1 .

[10] الحدائق 12 : 481 .

[11] المستمسك 9 : 606 .