الحجّ

الحجّ([1])

للحجّ في اللغة معانٍ : منها القصد ، والتردّد في المكان . وفي الشريعة قصد بيت اللّه‏ الحرام ؛ لأداء المناسك المخصوصة عنده ، ويأتي بيانها مفصّلاً .

الوجوب :

الحجّ ركن من أركان الإسلام ، تماماً كالصلاة والصوم والزكاة ، ومن أنكره فقد خرج من الإسلام بالكتاب والسنّة والإجماع . وإذن وجوب الحجّ ليس محلاًّ للاجتهاد أو التقليد ؛ لأ نّه من البديهات ، ومع ذلك نذكر طرفاً من الآيات والروايات التي حثّت عليه وألزمت به ، نذكرها في حلقة الدرس حين يستدلّ بآية أو رواية على مثل ما نحن فيه من الوضوح . فمن الآيات :

وَطَهِّر بَيتيَ لِلطَّائفينَ وَالقَائمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ([2]) .

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ([3]) .

وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للّه‏ِِ ([4]) .

وَللّه‏ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللّه‏َ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ([5]) .

وسأل رجل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن قوله تعالى :  وَمَن كَفَرَ  مستفهماً : من لم يحجّ منّا فقد كفر ؟ قال له الإمام [  عليه‏السلام] «لا ، ولكن من قال : ليس هذا كهذا فقد كفر»([6]) . أي من أنكر وجوب الحجّ من الأساس فهو كافر .

وقال كثير من الفقهاء والمفسّرين : إنّ معنى الكفر : من ترك ؛ لأنّ الكفر في اللغة يأتي بمعنى الترك .

ثمّ قال السائل للإمام  عليه‏السلام : «ما معنى قوله :  وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للّه‏ِِ  ؟ قال الإمام  عليه‏السلام : «يعني بتمامهما أداءهما ، واتقاء ما يتّقي المحرم فيهما» . ثمّ قال السائل : ما

معنى الحجّ الأكبر في قوله تعالى :  وَأَذَانٌ مِّنَ اللّه‏ِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَومَ الحَجِّ الأكبَرِ ـ  أوّل سورة التوبة ـ ؟ قال الإمام  عليه‏السلام : «الحجّ الأكبر الوقوف يعرفه ، ورمي الجمار ، والحجّ الأصغر العمرة([7])»([8]) .

______________________

[1] لا يفهم الحجّ على حقيقته بالدرس والمطالعة إلاّ بعد أداء فريضته ؛ لأ نّه عمليّ لا نظريّ ، وفي القديم قال عالم كبير بعد أن حجّ : الآن فهمنا الحجّ ، ولا نفهم مسائل الحيض حتّى نحيض . وفي سنة 1383  هـ أ لّفت كتاب الحجّ على المذاهب الخمسة ثمّ أدّيت الفريضة في السنة ذاتها ، وأ لُّف كتابي هذا سنة (1384 هـ) فجاء بعد دراستي الحجّ نظريّاً وتطبيقه عمليّاً ، والحمد للّه‏ وحده ، وهو المسؤول أن يوفّقني وإيّاك أ يها القارئ للعلم والعمل [ منه قدّس سرّه] .

[2] الحجّ : 26 .

[3] الحجّ : 27 .

[4] البقرة : 196 .

[5] آل عمران : 97 .

[6] الوسائل 11 : 16 ، ب2 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح1 ، وفيه « عليّ بن جعفر عن أخيه موسى7 » .

[7] ليس في الطبعات السابقة وما أثبتناه من المصدر .

[8] الوسائل 11 : 7 ـ 8 ، ب1 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح2.

 

 

الفور :

ليس من شكّ أنّ الحجّ يجب في العمر مرّة واحدة ، ولكن هل يجب على الفور أو على التراخي ؟ بمعنى أ نّه إذا تحقّقت شروط الحجّ ووجدت الاستطاعة فهل على المستطيع أن يبادر إلى الحجّ في نفس السنة التي استطاع فيها ولا يجوز له أن يؤخّر ويماطل إلى السنة القادمة بحيث إذا أخّر عصى وأثم ووجب عليه أن يبادر إلى الأداء والوفاء في السنة القادمة ، فإذا أهمل إلى الثالثة عصى وأثم وبادر أيضاً إلى العمل في الرابعة وهكذا ، أو لا عصيان بالتأخير والتأجيل ما دام يظنّ البقاء والسلامة بل هو مخيّر بين الأداء في السنة الاُولى وما يليها ، تماماً كالصلاة يؤدّيها في أوّل الوقت وآخره ؟

الجواب :

أجمع العلماء على أنّ حجّة الإسلام تجب على الفور لا على التراخي ، حتّى أنّ كثيراً منهم قالوا : إنّ التأخير كبيرة موبقة ومهلكة ، وليس لنا ولا لأحد غيرنا أن يناقش في انعقاد هذا الإجماع ، وقيامه في كلّ عصر ، ولكن مع اعترافنا به نقول : إنّه ليس بحجّة يركن إليها ؛ لأنّ المعروف من اُصول المذهب أنّ الإجماع إنّما يكون دليلاً يركن إليه إذا علم بأ نّه يكشف عن رأي المعصوم ، فإذا علم أو احتمل أ نّه استند إلى آية أو رواية أو أصل أو احتياط سقط عن الدلالة والاعتبار ، بداهة أنّ العلم لا  يناقض العلم ، والاحتمال لا يجتمع مع العلم بحال.

ونحن نعلم أنّ الفقهاء قد استدلّوا واعتمدوا لوجوب الفور بروايات لا تدلّ على وجوبه ، وأظهر هذه الروايات قول الإمام الصادق  عليه‏السلام : «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثمّ دفع ذلك وليس له شغل يعذر به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»([1]) .

وهذا القول من الإمام  عليه‏السلام أجنبيّ عن الفور ؛ لأنّ المفهوم منه أن سوّف حتّى أدّى به التسويف إلى ترك الحجّ كليّة فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ، لا أنّ من أخّر إلى السنة الثانية أو الثالثة مع ظنّ السلامة .

وتدلّ على ما قلناه لفظة «ترك» ، ولو أراد التراخي لقال : «أخّر أو تراخي» ، ولا أقل من احتمال إرادة أحد المعنيين : الفور أو التراخي ، ولا ترجيح لأحدهما بعد البناء على أنّ الأمر لا يدلّ على الفور ولا على التراخي ، بل على مجرّد وجود الفعل وكفى .

هذا ، إلى أنّ أكثر الناس حتّى العلماء وقادة الدين يؤخّرون الحجّ إلى الخامسة والسادسة ، لا إلى الثانية فقط ، ولا يرون أنفسهم أو يراهم أحد أ نّهم تاركون لشريعة من شرائع الإسلام .

ومهما يكن فإنّ المبادرة في السنة الاُولى أفضل ، وأحفظ للدين ؛ لقوله تعالى :  فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ ([2]) ، ولأنّ التأخير عرضة للفوات وحوادث الزمان .

_______________

[1] الوسائل 11 : 26 ، ب6 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح3 ، وفيه : « شغل يعذره » .

[2] البقرة : 148 .

 

 

الشروط :

ويجب الحجّ بشروط :

1 ـ  العقل ؛ لأ نّه متى أخذ ما وهب سقط ما وجب ، ولو أفاق المجنون مدّة تتّسع لأداء الحجّ بتمامه وجب عليه إن كان مستطيعاً ، وإذا لم يتّسع وقت الإفاقة لجميع الأعمال سقط عنه الوجوب .

2 ـ  البلوغ ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : «لو أنّ غلاماً ([1]) حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام»([2]) .

بداهة أنّ الإتيان بغير الواجب لا يسقط الواجب حتّى ولو كان مستحبّاً لذاته ، فكيف به إذا كان لمجرّد التمرين([3]) .

ومهما يكن فقد ذهب المشهور إلى أنّ حجّ الصبيّ المميّز يتوقّف على إذن الوليّ.

ويستحبّ للوليّ أن يحرم بالصبيّ غير المميّز ، ويطوف به ويرمي عنه ، ويحلق رأسه ، وما إلى ذاك من أفعال الحجّ . قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه الجحفة أو إلى بطن مر ، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه»([4]) .

ونقل صاحب الجواهر([5]) عن المشهور : أنّ الصبيّ المميّز إذا باشر بالحجّ ثمّ بلغ قبل الوقوف بالمشعر وفعل باقي الأركان أجزأه ذلك عن([6]) حجّة الإسلام حيث ثبت عن أهل البيت [  عليهم‏السلام] : «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ »([7]) .

3 ـ  الاستطاعة ، وسنعقد لها فصلاً مستقلاًّ .

أ مّا الاختتان فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى أ نّه شرط في وجود الحجّ وصحّته ، لا في أصل وجوبه . فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن نصرانيّ أسلم وحضر الحجّ ولم يكن قد اختتن أيحجّ قبل أن يختتن ؟ قال : «لا ، ولكن يبدأ بالسنّة»([8]) .

وعلى افتراض اعتبار التطهير فإنّه يعتبر مع التمكّن منه ، وإلاّ صحّ الحجّ والطواف .

____________________

[1] في الطبعات السابقة : « غلاماً ما » .

[2] الوسائل 11 : 46 ، ب13 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح2 .

[3] يرى كثير من الفقهاء أو الأكثر أنّ عبادة الصبيّ المميّز صحيحة ، بمعنى أ نّه مأمور بها استحباباً حقيقيّاً ، وأ نّه مأجور عليها ، أ مّا نحن فنرى أ نّها صحيحة لمجرّد التمرين فقط ، وأنّ الأجر والثواب يعود لوليّه الممرّن . ويدلّ على ذلك أوّلاً : ما جاء في صوم الصبيّ من « أنّ فيه تمريناً ومنعاً عن الفساد » كما قال الإمام 7 [ الوسائل 10 : 233 ، ب29 من أبواب من يصحّ منه الصوم] . وثانياً : أنّ التكليف لا يتجزّأ ، فإذا صحّ تكليفه استحباباً حقيقيّاً فينبغي أن يصحّ تكليفه على سبيل الوجوب والتحريم أيضاً ، ولا قائل بذلك [ منه 1] .

[4] الوسائل 11 : 287 ، ب17 من أبواب أقسام الحجّ ، ح3 ، وفيه : « فقدّموه إلى الجحفة » .

[5] الجواهر 17 : 229 .

[6] ليس في الطبعات السابقة .

[7] انظر الوسائل 14 : 37 ، ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر .

[8] الوسائل 13 : 271 ، ب33 من أبواب مقدّمات الطواف ، ح4 .