العمرة

معناها :

العمرة في اللغة الزيارة بوجه العموم ، وفي الشرع زيارة بيت اللّه‏ الحرام ؛ لأداء مناسك خاصّة كالطواف والسعي والتقصير .

 

 

نوعان :

والعمرة على نوعين : مفردة مستقلّة عن الحجّ ، ومتمتّع بها إلى الحجّ ، أي أنّ الحجّ يتأ لّف منها ومن غيرها ، وتعرف حقيقة هذه العمرة عند الكلام على حجّ التمتّع.

وتفترق عمرة التمتّع عن العمرة المفردة من جهات :

1 ـ  إنّ طواف النساء ـ يأتي معناه ـ واجب في العمرة المفردة ، ولا يجب في عمرة التمتّع . وقال البعض : لا يشرّع فيها إطلاقاً .

2 ـ  إنّ وقت عمرة التمتّع يبتدئ من أوّل شوّال إلى اليوم التاسع من ذي الحجّة ، أ مّا العمرة المفردة فوقتها طوال أيّام السنة .

3 ـ  إنّ المعتمر بعمرة التمتّع يحلّ بالتقصير فقط ، أ مّا المعتمر بعمرة مفردة فهو مخيّر بين التقصير والحلق . ويأتي التوضيح .

 

 

حكم المفردة :

قال تعالى :  وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للّه‏ِِ ([1]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام في تفسير هذه الآية : « الحجّ والعمرة مفروضان »([2]) .

وقيل له : فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ أيجزي عنه ؟ قال [  عليه‏السلام] : « نعم »([3]) . أي أنّ عمرة التمتّع تجزي عن العمرة المفردة على فرض وجوبها .

وقال أبوه الإمام الباقر  عليه‏السلام : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ؛ لأنّ اللّه‏ تعالى يقول :  وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للّه‏ِِ  . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة »([4]) .

الفقهاء :

ستعرف عمرة التمتّع مفصّلاً عند الكلام على حجّ التمتّع ، وعقدنا هذا الفصل للعمرة المفردة ، وبصفة أهم لحكمها ، وليس من شكّ أ نّها راجحة في ذاتها ، بل يستحبّ تكرارها مرّات ومرّات ، ولكن هل تجب وجوباً ذاتاً مستقلاًّ عن الحجّ ـ بحيث إذا استطاع الإنسان لها وحدها دون الحجّ كما لو تمكّن من السفر إلى البيت الحرام في شهر ربيع دون أشهر الحجّ فيجب أن يسافر في ربيع ويعتمر ـ أو لا تجب كذلك ، وإنّما تجب تبعاً للحجّ ، فإذا استطاع الإنسان له أدّاهما معاً ، وإن لم يستطع للحجّ فلا يجب الحجّ ولا العمرة ؟

الجواب :

لا خلاف بين الفقهاء في وجوب العمرة بأصل الشرع ، وأنّ على حاضري المسجد الحرام ـ وهم الّذين لم يبعدوا عن مكّة ( 12 ) ميلاً ([5]) ـ أن يعتمروا عمرة مفردة ، وأ نّها تسقط عمّن بعد هذه المساحة أو أكثر إذا حجّ حجّة التمتّع .

أمّا وجوب العمرة على بعد ( 12 ) ميلاً عن مكّة إن استطاع لها وحدها فقال صاحب الجواهر : ( لم أجد للأصحاب في ذلك كلاماً منقّحاً )([6]) ، وقال أيضاً : ( يظهر التشويش في كلامهم )([7]) ، بل كرّر لفظة التشويش ثلاث مرّات وهو يتكلّم عن هذهالمسألة بالذات .

ثمّ قال : ( ويقوى في النظر سقوطها عن النائي الّذي يجب عليه أن يتمتّع بها إلى الحجّ ولا عمرة مفردة عليه )([8]) . أي أنّ العمرة المفردة لا تجب على من كانت وظيفته حجّ التمتّع على تقدير استطاعته ووجوب الحجّ عليه .

وعلى رأيه هذا أكثر العلماء ، ومنهم صاحب الشرائع والسيّد الحكيم والسيّد الخوئي([9]) ، بل عليه سيرة الفقهاء منذ القديم ، فلم نرَ فقيهاً واحداً قال : إنّ النائي عن المسجد الحرام إذا استطاع للعمرة المفردة وحدها قبل‏أشهر الحجّ ولم يفعل فقد ترك واجباً ، وأ نّه إذا مات قبل أدائها وجب الاستئجار عنه من تركته . وعليه فالعمرة المفردة تجب على من حضر المسجد الحرام فقط ، وهو من بَعُدَ عن أحد جوانبه الأربعة ( 12 ) ميلاً .

_________________

[1] البقرة : 196 .

[2] الوسائل 14 : 295 ، ب1 من أبواب العمرة ، ح1 .

[3] الوسائل 14 : 296 ، ب1 من أبواب العمرة ، ح3 .

[4] الوسائل 14 : 295 ، ب1 من أبواب العمرة ، ح2 .

[5] هذا رأي صاحب الجواهر ، وقيل : هم الّذين يبعدون عن مكّة ثمانية وأربعين ميلاً . ونسب هذا إلى المشهور ، ولكن صاحب الجواهر  18 : 6  قال : ( لم نتحقّق صحّة هذه النسبة ) [ منه1] .

[6] الجواهر 20 : 445 .

[7] الجواهر 20 : 447 .

[8] الجواهر 20 : 448 .

[9] الشرائع 1 : 276 . المستمسك 11 : 137 . المعتمد في شرح العروة 27 : 134 ـ 135 .

 

 

العمرة لدخول مكّة :

سئل الإمام الصادق عليه‏السلام : هل يدخل الحرم أحد إلاّ محرماً ؟ قال : « إلاّ مريض أو مبطون »([1]) .

الفقهاء :

قالوا : لا يجوز لمن أراد دخول مكّة أن يتجاوز الميقات ولا دخول حرمها إلاّ محرماً بنسك حتّى ولو كان قد حجّ واعتمر مرّات ، إلاّ إذا تكرّر الدخول والخروج في ضمن شهر ، أي لو دخلها محرماً ثمّ خرج ثمّ دخل ثانية قبل مضيّ ثلاثين يوماً فلا يجب عليه الإحرام ، وإلاّ وجب . فالإحرام بالقياس إلى من يدخل مكّة تماماً كالوضوء بالقياس إلى مسّ كتابة القرآن ، والغسل من الجنابة إلى دخول المسجد .

ويستثنى من هذا الحكم العذر كالمريض الّذي لا يمكنه الإحرام ، والحطّاب ومن إليه ممّن تقتضي مهنته التردّد والتكرار .

_______________________

[1] الوسائل 12 : 403 ، ب50 من أبواب الإحرام ، ح1 ، وفيه : « قال : لا ، إلاّ . . . » .

 

 

زمان العمرة :

تصحّ العمرة المفردة في جميع أيّام السنة ، وأفضلها ما وقع في رجب ، قال الإمام الصادق عليه‏السلام : « يعتمر المعتمر في أيّ شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب »([1]) .

_________________

[1] الوسائل 14 : 303 ، ب3 من أبواب العمرة ، ح13 .

 

 

أفعال العمرة :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا دخل المعتمر مكّة من غير تمتّع ـ أي من غير حجّة التمتّع ـ وطاف بالكعبة وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق بأهله متى شاء »([1]) .

وفي رواية ثانية : « وحلق . . . ومن شاء أن يقصّر قصّر »([2]) . أي أخذ من شعره ، أو قلّم ظفره .

الفقهاء :

قال صاحب الجواهر : ( إنّ أفعال العمرة المفردة ثمانية : النيّة والإحرام من الميقات والطواف وركعتاه والسعي والتقصير أو الحلق وطواف النساء وركعتاه ، بلا خلاف أجده في شيء من ذلك فتوىً ونصّاً إلاّ في وجوب طواف النساء ، والأصحّ ما هو المشهور من وجوبه )([3]) .

والخلاصة أنّ المعتمر بعمرة مفردة يحرم من الميقات ثمّ يطوف سبعاً بالبيت الحرام ويصلّي ركعتين ، ثمّ يسعى سبعاً بين الصفا والمروة ، ثمّ يقصّر أو يحلق ، ويحلّ له كلّ شيء إلاّ النساء والصيد([4]) ، ثمّ يطوف ثانية طواف النساء ويصلّي ركعتين ، ويحلّ له كلّ شيء حتّى النساء .

وفيما يأتي نعقد لكلّ موضوع من هذه الموضوعات فصلاً مستقلاًّ ، ونتحدّث عنه مفصّلاً .

________________________

[1] الوسائل 14 : 316 ، ب9 من أبواب العمرة ، ح2 .

[2] الوسائل 14 : 316 ، ب9 من أبواب العمرة ، ح1 .

[3] الجواهر 20 : 449 .

[4] يحرم الصيد في الحرم إطلاقاً على الحاجّ وغيره محرماً كان أو غير محرم ، ويسمّى هذا « صيد حرمي » أ مّا الصيد الإحرامي فهو حرام في الحرم الشريف وخارجه ؛ لأنّ حرمته لأجل الإحرام ، لا من أجل الحرم [ منه 1] .