الوقوف في عرفات

ذكرنا في فصل العمرة وفي مطاوي الفصول السابقة وظيفة المعتمر مفرداً والمعتمر متمتّعاً ، ثمّ أشرنا إليها ملخّصاً في آخر الفصل السابق ـ التقصير أو الحلق ـ ونشير في هذا التمهيد إلى أنّ كلاًّ منهما لا يطلب منه الوقوف في عرفات ولا في المزدلفة ولا في منى وأعمالها ؛ لأ نّها من وظيفة الحاجّ بشتّى أنواعه ، والبيان في هذا الفصل وما يليه .

 

 

إنّ الحاجّ كلّ حاجّ متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً يجب أن يبتدئ بالإحرام من مكّة ، ويثني بالوقوف في عرفات ، ولهذا الوقوف مستحبّات وواجبات .

 

 

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا كان يوم التروية ـ أي اليوم الثامن من ذي الحجّة ـ فاغتسل ، ثمّ البس ثوبيك ـ أي ثوبي الإحرام ـ وادخل المسجد حافياً ، وعليك السكينة والوقار ، ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم  عليه‏السلام أو في الحجر ، ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثمّ في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحجّ ، وعليك السكينة والوقار »([1]) .

وسئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام عن رجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحجّ ويخرج إلى منى قبل يوم التروية ؟ قال : « نعم » ، فقال السائل : يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً ؟ قال : « لا » ، قال السائل : يعجّل بيوم ؟ قال : « نعم » ، قال السائل : بيومين ؟ قال : « نعم » ، قال : بثلاثة ؟ قال : « نعم » ، قال : أكثر من ذلك ؟ قال الإمام  عليه‏السلام : « لا »([2]) .

الفقهاء :

قالوا : يستحبّ للحاجّ أن يغتسل في مكّة يوم التروية ويلبس ثوبي الإحرام ويتّجه إلى المسجد حافياً عليه السكينة والوقار ، ويصلّي عند المقام أو في غيره من أجزاء المسجد الحرام صلاة الظهر أو العصر أو هما أو صلاة نافلة ، وأقلّها ركعتان ، ثمّ يعقد إحرامه قائلاً : إنّي اُريد الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك ، ويجوز لذوي الأعذار ـ  كالمريض والشيخ الكبير وغيرهما ـ ممّن يخاف الزحام أن يعجل قبل يوم التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة .

وأيضاً يستحبّ الدعاء بالمأثور والتلبية عند كلّ صعود وهبوط حتّى يصل إلى عرفات ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا غدوت إلى عرفات فقل وأنت متوجّه إليها : اللّهم إليك صمدت وإيّاك اعتمدت ووجهك أردت ، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي ،

وأن تقضي لي حاجتي ، وتجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي ، ثمّ تلبّي وأنت غاد إلى عرفات »([3]) .

_____________________________________________

[1] الوسائل 13 : 519 ، ب1 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1.

[2] الوسائل 13 : 522 ، ب3 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1 ، وفيه : « مكاناً ويتروّح بذللك المكان » .

[3] الوسائل 13 : 529 ، ب8 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1.

 

 

لو سأل سائل : ما هي الأعمال الواجبة في عرفات ؟

لجاء الجواب : لا شيء بالإجماع ، سوى مجرّد الوجود والكون فيها مع نيّة القربة بأيّة صورة تكون قياماً أو قعوداً أو مشياً أو ركوباً ، والمسمّى من هذا الكون والوجود ـ أي ما يصدق عليه اسم الوجود ـ هو الركن ، بحيث من ترك الكون إطلاقاً عن عمد بطل حجّه ، ومن تركه عن سهو ونسيان تداركه ما دام وقته الاختياري أو الاضطراري باقياً . ولو فاته التدارك صحّ بالإجماع بشهادة صاحب الجواهر([1]) .

وتسأل : إذا كان الواجب مجرّد الكون في عرفات كيف اتّفق فلماذا سمّي ذلك وقوفاً ؟

الجواب :

إنّ للكون في عرفات حالات ، وأفضلها شرعاً الوقوف ، فسمّي الكلّي باسم أفضل أفراده وأكملها .

_____________________________________________

[1] الجواهر 19 : 33 .

 

 

للوقوف الواجب بعرفات وقتان : اختياري ، وهو من زوال اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى المغرب ، ويجب الكون في عرفات كلّ هذه المدّة ، والركن منها ما يتحقّق به مسمّى الوقوف كما قدّمنا . ويدلّ على هذا الوقت بالإضافة إلى الإجماع قول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا زالت الشمس يوم عرفة ـ أي التاسع من ذي الحجّة ـ فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »([1]) . وسئل متى تفيض ـ أي تخرج ـ من عرفات ؟ قال [  عليه‏السلام] : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » ، وأشار بيده إلى المشرق([2]) .

والوقت الثاني اضطراري ، ويمتدّ إلى طلوع الفجر من اليوم العاشر إجماعاً ونصّاً ، ومنه أنّ الإمام الصادق  عليه‏السلام سئل عن رجل أدرك الناس بجمع ـ أي بالمزدلفة ـ وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها ؟ قال : « إن ظنّ أ نّه يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، وإنّ ظنّ أ نّه لا يدرك جمعاً ـ قبل طلوع الشمس ـ فليقف بجمع ثمّ يفيض مع الناس ، فقد تمّ حجّه »([3]) .

والمعنى المتحصّل من هذه الرواية أنّ من اضطرّ إلى ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب ينظر في أمره ، فإن علم أ نّه إذا ذهب إلى عرفات ووقف بها قليلاً يمكنه الرجوع إلى المزدلفة قبل طلوع الشمس ؛ لأنّ المفروض أن يكون فيها في هذا

الوقت كما يأتي في الفصل التالي ، إذا كان كذلك وجب عليه الذهاب إلى عرفات ثمّ العودة إلى المزدلفة ، وإذا تأكّد أنّ ذهابه إلى عرفات يفوت عليه الوقوف في المزدلفة قبل طلوع الشمس ترك عرفات واكتفى بالمزدلفة .

_____________________________________________

[1] الوسائل 13 : 529 ، ب9 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1.

[2] الوسائل 13 : 557 ، ب22 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح2 .

[3] الوسائل 14 : 36 ـ 37 ، ب22 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3 ، وفيه : « فإن خشي أن لا يدرك » .

 

 

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « حدّ عرفات من بطن عرنة وثوية([1]) ونمرة إلى ذي المجاز »([2]) ، أسماء أماكن . وقال [  عليه‏السلام] : « إن أصحاب الأراك الّذين ينزلون تحت الأراك لا حجّ لهم »([3]) .

وسئل ولده الإمام الكاظم  عليه‏السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض ؟ قال : « على الأرض »([4]) .

وعرفات بحدودها المذكورة كلّها موقف ، ففي أيّ مكان وقف منها أجزأ ، وكفى بالإتّفاق . قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « وقف رسول اللّه‏ بعرفات فازدحم الناس عليه ، وبادروا إلى خفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحّى الناقة عنهم ففعلوا مثل ذلك ،

فقال : أ يّها الناس ليس الموقف هو خفاف ناقتي فقط ، ولكن هذا ـ مشيراً إلى عرفات ـ موقف ، ولو لم يكن إلاّ خفاف ناقتي لم يسع الناس »([5]) .

_____________________________________________

[1] في الطبعات السابقة : « ثوبة » وما أثبتناه من المصدر .

[2] الوسائل 13 : 531 ، ب10 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1 .

[3] الوسائل 13 : 532 ، ب10 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح3 .

[4] الوسائل 13 : 532 ، ب10 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح5 .

[5] الوسائل 13 : 535 ، ب11 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح4 .

 

 

1 ـ  الطهارة من الحدث والخبث ليست شرطاً للوقوف بعرفات ، ولكنّها تستحبّ ، كما يستحبّ استقبال القبلة ، والإكثار من الدعاء والاستغفار مع الخشوع والخضوع وحضور القلب .

2 ـ  سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق  عليهماالسلام عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ؟ قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ـ أي يوم العيد ـ فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله »([1]) .

واستناداً إلى ذلك قال الفقهاء : إذا خرج من عرفات قبل الزوال عامداً فعليه أن يعود إليها ، فإن عاد فلا شيء عليه ، وإلاّ كفّر ببدنة ينحرها يوم العاشر من ذي الحجّة ، فإن عجز صام ( 18 ) يوماً بالتوالي ، وإن خرج منها عن سهو لا عن عمد ولم يتذكّر حتّى فات الوقت فلا شيء عليه ، على شريطة أن يدرك الوقوف بالمزدلفة في وقته ، وإن تذكّر قبل فوات الوقت وتمكّن من الرجوع فعليه أن يرجع ، وإن أهمل والحال هذه كفّر ببدنة .

وتجدر الإشارة إلى أ نّه إذا خرج عن جهل فلا شيء عليه ، سئل الإمام الصادق عليه‏السلامعن رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ؟ قال : « إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان متعمّداً ـ أي عالماً ـ فعليه بدنة »([2]) .

_____________________________________________

[1] الوسائل 13 : 558 ، ب23 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح3 .

[2] الوسائل 13 : 558 ، ب23 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح1 .

 

 

أسماء المكان :

والموقف الثاني بعد عرفات هو المزدلفة ، سمّي بذلك لأ نّه محلّ الزلفى والتقرّب إلى اللّه‏ ، أو لأنّ الحجّاج يزدلفون من عرفات إليه ، وأيضاً يسمّى المشعر الحرام حيث فيه تقع العبادة ، ووصف بالحرام لحرمته ، أو لأ نّه من الحرم . وأيضاً يسمّى جمعاً بالفتح وسكون الميم ؛ لأنّ الناس يجتمعون فيه ويزدلفون إلى اللّه‏ بالطاعة ، وهو أقرب الموقفين إلى مكّة .

 

 

سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام عن حدود المزدلفة ؟ قال : « ما بين المأزمين إلى وادي محسّر »([1]) .

والمزدلفة كلّها موقف ، تماماً كعرفات ، ففي أيّ جزء وقف منها أجزأ وكفى.

_____________________________________________

[1] الوسائل 14 : 18 ، ب8 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح5 .

 

 

قال تعالى :  فَإذا أَفضتُم مِّن عَرفَاتٍ فَاذكُرُوا اللّه‏ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ وَاذكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم وَإِن كُنتُم مِّن قَبلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين * ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أفَاضَ النَّاسُ وَاستَغفِرُوا اللّه‏َ إِنَّ اللّه‏َ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ([1]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « الوقوف بعرفات سنّة ، وبالمشعر فريضة ، وما سوى ذلك من المناسك سنّة »([2]) . ما ثبت وجوبه بكتاب اللّه‏ يسمّى فريضة ، وما ثبت في سنّة الرسول  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم يسمّى سنّة([3]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار . . . »([4]) .

و« أصبح بعد ما تصلّي الفجر على طهر ، وقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث شئت . . . »([5]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « يستحبّ للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله »([6]) .

والمشعر الحرام جبل هناك يسمّى قزح .

وقال [  عليه‏السلام] : « صلّ المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئاً ، هكذا فعل رسول اللّه‏  عليه‏السلام »([7]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « خذ حصى الجمار من جمع ـ أي المشعر الحرام ـ وإن أخذتها من رحلك بمنى أجزأك . . . »([8]) . و « تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء »([9]) .

الفقهاء :

أجمعوا على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام ، وأ نّه الموقف الثاني بعد عرفات ، وأعظم وأفضل من الوقوف فيها ، ولذا قالوا : من فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس تمّ حجّه .

والواجب من الوقوف بالمشعر هو مجرّد الكون والوجود مع نيّة القربة على أ يّة صورة يكون من القعود أو المشي أو الركوب ، تماماً كما هي الحال في عرفات . ولايجب المبيت ليلة النحر في المشعر ولكنّه أفضل .

ويستحبّ الكون على الطهارة عند الصباح والتهليل والتكبير ، والدعاء بالمأثور وغير المأثور ، وللصرورة أن يصعد على جبل هناك يسمّى قزحاً .

وأيضاً يستحبّ التقاط حصى الجمار من المشعر ، والاحتفاظ بها إلى منى للرمي([10]) ـ كما يأتي ـ وعددها سبعون ، وأن تكون بلون الكحل ، وبقدر رأس الأنملة . أمّا كونها أبكاراً لم يرم بها من قبل فيأتي الكلام .

وأجمع الشيعة والسنّة على استحباب الجمع بين صلاة المغرب والعشاء في المشعر ، قال ابن قدامة في المغني نقلاً عن ابن المنذر : ( أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أنّ السنّة أن يجمع الحاجّ بين المغرب والعشاء ، والأصل في ذلك أنّ النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم جمع بينهما )([11]) .

واستدلّ الشيعة بفعل النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم على جواز الجمع بين الظهرين والعشاءين مطلقاً في كلّ مكان وزمان ، حيث قال : « صلّوا كما رأيتموني اُصلّي »([12]) . والجمع مرّة ، أو في مكان خاصّ يستدعي جوازه في كلّ مكان وكلّ مرّة ، إلاّ أن يرد نصّ على التخصيص وعدم الشمول ، ولا نصّ بالإتّفاق ، فيكون الجمع جائزاً إطلاقاً في كلّ زمان ومكان.

_____________________________________________

[1] البقرة : 198 ـ 199 .

[2] الوسائل 14 : 10 ، ب4 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3 .

[3] تستعمل كلمة « السنّة » بالمستحبّ تارةً ، وبما وجب بدليل من السنّة النبويّة اُخرى ، وهذا الاستعمال كثير جدّاً في كلام الفقهاء ، ويعرف أحد المعنيين بالسياق أو بقرينة من خارج [ منه1] .

[4] الوسائل 14 : 5 ، ب1 من أبواب الوقوف المشعر ، ح1 .

[5] الوسائل 14 : 20 ، ب11 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح1 .

[6] الوسائل 14 : 16 ، ب7 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح1 .

[7] الوسائل 14 : 15 ، ب6 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3 .

[8] الوسائل 14 : 31 ، ب18 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح1 ، وفيه : « وإن أخذته من رحلك » .

[9] الوسائل 14 : 34 ، ب20 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح2 .

[10] في الطبعات السابقة : « الرمي » .

[11] المغني لابن قدامة 3 : 438 .

[12] عوالي اللآلي 1 : 198 ، ح8 .

 

 

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل وقف مع الناس بجمع ثمّ أفاض قبل أن يفيضوا ؟ قال : « إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان قد أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة »([1]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « رخّص رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل »([2]) . و« أ يّة امرأة أو أيّ رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس »([3]) .

الفقهاء :

قالوا : للوقوف بالمشعر وقتان : أوّلهما لغير النساء والصبيان ممّن لا عذر له في التأخير ، وقد أسموه الوقت الاختياري ، وهو ما بين الطلوعين من يوم العيد ـ أي طلوع الفجر وطلوع الشمس ـ على أن يستوعب الوقوف هذه الفترة بكاملها .

ومن أفاض من المشعر الحرام عالماً عامداً قبل طلوع الفجر بعد أن كان فيه ليلاً ولو قليلاً لم يبطل حجّه ، إن كان قد وقف بعرفات ولكن عليه دم شاة ، وإن تركه جهلاً فلا شيء عليه كما هو صريح الرواية عن الإمام  عليه‏السلام .

وثاني الوقتين للنساء والصبيان ، ولمن له عذر يمنعه من الوقوف بين الطلوعين ، ويمتدّ من طلوع الفجر إلى زوال الشمس من يوم العيد .

والركن من كلا الوقوفين هو أدنى ما يصدق عليه اسم الوقوف ، مع العلم بوجوب الوقوف في جميع الوقت المحدّد ، فمن ترك الوقوف كلّية بدون عذر في الوقت الاختياري والاضطراري ولم يكن قد وقف ليلاً بطل حجّه ، ولو تركه لعذر مشروع لم يبطل ، على شريطة أن يكون قد وقف بعرفات .

ومن فاته الوقوف بعرفات وبالمشعر ولم يقف فيهما إطلاقاً لا في الوقت الاختياري ولا الاضطراري بطل حجّه حتّى ولو ترك لعذر مشروع ، وعليه أن يحجّ في العام المقبل وجوباً إن كان الحجّ الّذي فاته واجباً ، واستحباباً إن كان الفائت كذلك .

_____________________________________________

[1] الوسائل 14 : 27 ، ب16 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح1 ، وفيه : « عن أبي إبراهيم 7 » .

[2] الوسائل 14 : 29 ، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3 .

[3] الوسائل 14 : 29 ، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح4 .

 

 

1 ـ  تبيّن لك في هذا الفصل أنّ للوقوف بالمشعر وقتين : اختياريّاً وهو من طلوع فجر اليوم العاشر من ذي الحجّة إلى طلوع شمسه ، واضطراريّاً يمتدّ من طلوع هذا الفجر إلى الزوال .

وقدّمنا في فصل عرفات أنّ للوقوف فيها وقتين أيضاً : اختياريّاً وهو من زوال اليوم التاسع إلى غروب شمسه ، واضطراريّاً يمتدّ من الزوال إلى فجر اليوم العاشر.

إذا تمهّد هذا فمن أدرك الوقتين الاختياريّين للوقوف بعرفات والمشعر ، أو اختياريي أحدهما واضطراريي الآخر أو اضطرارييهما معاً أو اختياريي أحدهما فقط صحّ حجّه عند المشهور ، وفي ذلك روايات عن أهل البيت عليهم‏السلام([1]) .

ومن أدرك اضطراري عرفات فقط فلا حجّ له بالإجماع ، وعليه أن يأتي بعمرة مفردة ويحجّ في قابل ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « من لم يدرك المشعر فقد فاته الحجّ وليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحجّ من قابل »([2]) .

أمّا من أدرك اضطراري المشعر فقد ذهب جماعة إلى صحّة الحجّ والاجتزاء به . وقال أكثر الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر([3]) : يبطل حجّه ولا يكفيه ، وقد جاء في كلّ من القولين روايات عن أهل البيت عليهم‏السلام([4]) ، ولكن الدالّة على البطلان أكثر وأصرح من الدالّة على الصحّة ، بل قال الشيخ المفيد : ( إنّ هذه نادرة ، وتلك متواترة )([5]) . فلا ريب أنّ الرجحان بجانبها من وجوه لا من وجه واحد كما قال صاحب الجواهر([6]) .

2 ـ  سبق أنّ الواجب في الوقوف بالمشعر وعرفات هو مجرّد الكون والوجود فقط كيف اتّفق ، فلو افترض أنّ شخصاً وجد هناك ولكنّه نام طوال المدّة المحدّدة فهل يصحّ وقوفه والحال هذه ؟

الجواب :

إنّ المطلوب هو الوجود من حيث إنّه عبادة ، وليس من شكّ أنّ العبادة تفتقر إلى نيّة القربة ، فإذا وصل إلى الموقف متنبّهاً ونوى ثمّ نام أو عرض له الجنون أو الإغماء صحّ وقوفه ، أمّا إذا دخله نائماً وخرج منه كذلك فلا يكون هذا وقوفاً.

3 ـ  كلّ من بطل حجّة لسبب من الأسباب المبطلة فعليه أن ينتقل بنيّته من الحجّ إلى العمرة المفردة ، ويأتي بأفعالها ، ثمّ يقضي الحجّ على الصفة التي وجبت عليه من التمتّع أو القران أو الإفراد . قال صاحب الجواهر : ( للإجماع والروايات المستفيضة )([7]) .

منها  : قول الإمام  عليه‏السلام : « أ يّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد أو متمتّع بالعمرة للحجّ قدم وقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحجّ من قابل »([8]) .

وسئل الإمام  عليه‏السلام عن رجل جاء حاجّاً ففاته الحجّ ولم يكن قد طاف ؟ قال : « يقيم مع الناس حراماً ـ أي محرماً ـ أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ ، وعليه الحجّ من قابل ، ويحرم من حيث أحرم الناس »([9]) .

_____________________________________________

[1] انظر الوسائل 14 : 34 ، 44 ، ب21 ، 24 من أبواب الوقوف بالمشعر.

[2] الوسائل 14 : 36 ، ب22 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح2 .

[3] الجواهر 19 : 45 .

[4] انظر الوسائل 14 : 35 ، 37 ، ب22 ، 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.

[5] المقنعة : 431 .

[6] الجواهر 19 : 47 .

[7] الجواهر 19 : 88 .

[8] الوسائل 14 : 49 ، ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ذيل الحديث 1.

[9] الوسائل 14 : 50 ، ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3 .