غسل الجنابة

الأغسال في الشريعة الإسلاميّة منها واجبة ومنها مستحبّة ، والواجبة على ستّة أقسام : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، والميّت ، ومسّ الميّت بعد برده وقبل تطهيره .

 

 

الجنابة  :

قال تعالى :   وَإِن كُنتُم جُنُباً فَاطَّهَّرُوا  ([1]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « غسل الجنابة واجب »([2]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « من ترك شعرة متعمّداً لم يغسلها من الجنابة فهو في النار »([3]) .

وسُئل متى يجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ قال [  عليه‏السلام] : « إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم »([4]) .

وعن حفيده الإمام الرضا  عليه‏السلام : « إذا التقى الختانان وجب الغسل »([5]) .

وسئل عن المفخّذ هل عليه غسل ؟ قال [  عليه‏السلام] : « نعم إذا أنزل »([6]) .

وسئل عن المرأة ترى ما يرى الرجل ؟ قال [  عليه‏السلام] : « إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل »([7]) .

الفقهاء  :

كلّ ذلك محلّ وفاق وإجماع ، بل هو ضرورة دينيّة ، حيث لم يختلف إثنان قديماً وحديثاً في أنّ الجنابة سبب للغسل ، وأ نّها تتحقّق بأمرين : إدخال الحشفة ، وإنزال المني المعلوم كيف اتّفق ، متدفّقاً أو متثاقلاً ، بشهوة أو بغيرها ، في نوم أو في يقظة . وهنا صور كثيراً ما تقع .

________________

[1] المائدة : 6 .

[2] الوسائل 2 : 174 ، ب1 من أبواب الجنابة ، ح3 .

[3] الوسائل 2 : 175 ، ب1 من أبواب الجنابة ، ح5 .

[4] الوسائل 2 : 182 ، ب6 من أبواب الجنابة ، ح1 .

[5] الوسائل 2 : 183 ، ب6 من أبواب الجنابة ، ح2 .

[6] الوسائل 2 : 186 ، ب7 من أبواب الجنابة ، ح1 .

[7] الوسائل 2 : 187 ، ب7 من أبواب الجنابة ، ح5 .

 

 

صـور  :

منها  : أنّ من رأى في المنام أ نّه جامع وحين استيقظ لم يجد أثراً فلا غسل عليه ، فلقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل يرى في المنام حتّى يجد الشهوة وهو يرى أ نّه قد احتلم ، فإذا استيقظ لم يرَ في ثوبه الماء ولا في جسده ؟ قال : « ليس عليه الغسل ، أنّ علياً  عليه‏السلام كان يقول : إنّما الغسل من الماء الأكبر ، فإذا رأى في منامه ولم يرَ الماء فليس عليه غسل »([1]) .

ومنها  : إذا خرج من الرجل منيّ واغتسل من الجنابة وبعد الغسل رأى رطوبة لا يعلم هل هي منيّ أو لا ؟ فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانية ؟

الجواب  :

إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه ، وإلاّ أعاد الغسل ، هذا بالقياس إلى الرجل ، أمّا المرأة فلا تعيد الغسل أبداً ، سواءً أبالت قبل الغسل أو لا.

والدليل أنّ سائلاً سأل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء ؟ قال : « يعيد الغسل » ، قال السائل : فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل ؟ قال : « لا تعيد » ، وحين استفسر السائل عن الفرق بينهما أجابه الإمام   عليه‏السلام : « بأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل »([2]) .

ومنها  : إذا خرج من الرجل رطوبة دون أن يجامع ولم يدرِ هل هي منيّ أم لا فماذا عليه ؟

الجواب  :

إذا جمعت هذه الرطوبة الأوصاف الثلاثة : الشهوة والدفع والفتور فعليه أن يغتسل ، وإلاّ فلا .

والدليل قول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس »([3]) .

ومنها  : إذا خرج المنيّ من غير المكان المعتاد وجب الغسل ؛ لأنّ ظاهر النصّ شامل له .

ومنها  : إذا رأى على ثوبه منيّاً وشكّ هل هو منه أو من غيره فلا يجب الغسل استصحاباً للطهارة .

وإذا اغتسل من الجنابة وبعد ذلك بأمد رأى على ثوبه جنابة وشكّ هل تجدّدت بعد الغسل أو أ نّها نفس الجنابة التي اغتسل منها فلا يجب الغسل ؛ لأنّ الاُولى اغتسل منها قطعاً والثانية مشكوكة ، فتنفى بالأصل حتّى يثبت العكس .

ومنها  : أنّ لباساً واحداً قد استعمله اثنان بالتناوب ثمّ ظهر عليه المنيّ هو من أحدهما قطعاً ولكن لا نعرفه بعينه فهل يجب عليهما الغسل ؟

الجواب  :

لا ؛ لأنّ لكلّ واحد أن يستصحب الطهارة في حقّ نفسه ما دام لا يرتبط تكليف أحدهما الشرعي بتكليف الآخر ، ولو حصل الارتباط بين التكليفين بنحو من الأنحاء ترتّب عليه آثاره ، ولذا أفتى الفقهاء بأ نّه لا يجوز لأحدهما أن يستأجر الآخر لكنس المسجد ؛ لأ نّه والحال هذه يكون واحداً من اثنين : إمّا مباشراً لدخول المسجد ، وإمّا مسبّباً للدخول فيه ، وكلٌّ من المباشرة والتسبيب محرّم .

وأيضاً لايجوز أن يقتدي أحدهما في الصلاة بالآخر ؛ للعلم بأنّ الجنب الإمام أو المأموم ، وإذا تردّدت الجنابة بين ثلاثة جاز أن يكون أحدهما إماماً للاثنين ؛ إذ من الجائز أن يكون الجنب هو المأموم الثالث ، وحينئذٍ لايحصل العلم لكلّ واحد بفساد صلاته .

_________________

[1] الوسائل 2 : 196 ، ب9 من أبواب الجنابة ، ح1 .

[2] الوسائل 2 : 252 ، ب36 من أبواب الجنابة ، ح10 .

[3] الوسائل 2 : 194 ، ب8 من أبواب الجنابة ، ح1 ، وفيه : « عن موسى بن جعفر  عليهماالسلام » .

 

 

غايات الغسل  :

قال تعالى :   وَاللّه‏ُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ  ([1]) . وقال الإمام الصادق عليه‏السلام : « كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة ، والعرب تغتسل ، والأغسال من شرائع الحنيفيّة([2]) »([3]) .

وسئل عن الجنب يجنب ثمّ يريد النوم ؟ قال [  عليه‏السلام] : « إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل ، والغسل أحبّ إليَّ »([4]) .

تدلّ هذه النصوص وما إليها على أنّ الغسل راجح في نفسه ، وأنّ للجنب أن يغتسل ابتغاء مرضاة اللّه‏ متى شاء ، ودون أن يقصد أ يّة غاية من الغايات ، وأيضاً يكون الغسل مستحبّاً للغايات المستحبّة ، وواجباً لغاية واجبة ، كالصلوات الخمس والطواف الواجب .

______________________

[1] التوبة : 108 .

[2] في الطبعات السابقة « الحنفية » وما أثبتناه من المصدر .

[3] الوسائل 2 : 177 ، ب1 من أبواب الجنابة ، ح14 ، وفيه : « الإغتسال من . . . » .

[4] الوسائل 2 : 228 ، ب25 من أبواب الجنابة ، ح6 .

 

 

الصوم والجنابة  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح ؟ قال : « يتمّ صومه ثمّ يقضيه »([1]) .

وأيضاً سئل عن مثل ذلك ؟ فقال [  عليه‏السلام] : « يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً »([2]) .

وأيضاً سئل عن رجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى يجيء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ؟ قال [  عليه‏السلام] : « لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره »([3]) .

وأيضاً سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان ؟ قال [  عليه‏السلام] : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام »([4]) .

الفقهاء  :

واستناداً إلى هذه النصوص أجمع الفقهاء على وجوب الغسل من الجنابة لصيام شهر رمضان وقضائه ، وأنّ من تعمّد البقاء على الجنابة في الشهر المبارك فعليه القضاء والكفّارة ، وإذا تعمّد البقاء فلا يقبل منه ، أمّا الناسي فلا شيء عليه سوى القضاء ، ومثله الجاهل .

أمّا من صام استحباباً فله أن يتعمّد البقاء على الجنابة ؛ لأنّ رجلاً قال للإمام الصادق  عليه‏السلام : أخبرني عن التطوّع وعن صوم هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل وأعلم أنّي أجنبت فأنام متعمّداً حتّى يطلع الفجر أصوم أو لا أصوم ؟ قال له : « صم »([5]) .

_______________

[1] الوسائل 10 : 63 ، ب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1.

[2] الوسائل 10 : 63 ، ب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح2.

[3] الوسائل 10 : 67 ، ب19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1.

[4] الوسائل 10 : 238 ، ب30 من أبواب من يصحّ منه الصوم ، ح3 .

[5] الوسائل 10 : 68 ، ب20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1.

 

 

ما يحرم على الجنب  :

سئل الإمام أبو جعفر  عليه‏السلام عن الجنب والحائض هل يقرءان من القرآن شيئاً ؟ قال : « نعم ، ما شاءا إلاّ السجدة([1]) ويذكران اللّه‏ على كلّ حال »([2]) .

وسئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن النفساء والحائض والجنب هل يقرؤون القرآن ؟ قال : « يقرؤون ما شاؤوا »([3]) . وفي رواية ثانية : « يقرؤون سبع آيات »([4]) . وثالثة : « وسبعين آية »([5])([6]) .

وقال  عليه‏السلام : « لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم اللّه‏ »([7]) .

وقال  عليه‏السلام : « الجنب لا يجلس في المسجد ، ولكن يمرّ فيه إلاّ المسجد الحرام ومسجد المدينة »([8]) .

وقال  عليه‏السلام : « الجنب  والحائض  يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً »([9]) .

الفقهاء  :

هذه النصوص متّفق على العمل بمضمونها بين الفقهاء ، فلقد أجمعوا على أنّ الجنب لا يجوز له مسّ خط المصحف إطلاقاً ، سواء أكان فيه اسم اللّه‏ ، أم لم يكن ، ولا اسم اللّه‏ وصفاته ، وإن لم تكن في المصحف ، ولا أن يقرأ سور العزائم الأربعة ، ويكره أن يقرأ غيرها من القرآن ، وتشتدّ الكراهة إذا زاد على السبع من آي الذكر الحكيم ، ولا أن يمكث في المسجد ، أيّ مسجد ، وله أن يمرّ فيه مستطرقاً إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، فلا يجوز له المكث فيهما ولا المرور .

_____________________

[1] أراد الإمام  عليه‏السلام بالسجدة السور التي تحتوي على آية السجدة . ويجب السجود عند سماعها ، وهي أربع سور : اقرأ باسم ربك ، والنجم ، وحم السجدة ، ولقمان [  منه  قدس‏سره ] . كذا وردت في الأصل والصواب : الم السجدة ، بدل لقمان .

[2] الوسائل 2 : 216 ، ب19 من أبواب الجنابة ، ح4 .

[3] الوسائل 2 : 217 ، ب19 من أبواب الجنابة ، ح6 .

[4] الوسائل 2 : 218 ، ب19 من أبواب الجنابة ، ح9 .

[5] الوسائل 2 : 218 ، ب19 من أبواب الجنابة ، ح10 .

[6] جمع بعض الفقهاء بين رواية السبع ورواية السبعين بأنّ ما زاد على السبع مكروه ، وتشتدّ الكراهة إذا بلغت القراءة سبعين آية [  منه  قدس‏سره ] .

[7] الوسائل 2 : 214 ، ب18 من أبواب الجنابة ، ح1 .

[8] الوسائل 2 : 206 ، ب15 من أبواب الجنابة ، ح5 .

[9] الوسائل 2 : 213 ، ب17 من أبواب الجنابة ، ح1 .

 

 

تفريع على دخول المسجد  :

ويتفرّع على جواز الأخذ من المسجد دون الوضع فيه أنّ الجنب له أن يدخل المسجد ويأخذ الماء منه ليغتسل به من الجنابة ، وبما أنّ هذا يستدعي المكث فيه قليلاً فعليه أن يتيمّم من أجل المكث ، لا من أجل الدخول والمرور ، وبعد أن يأخذ الماء من المسجد ، ويخرج منه ينتقض التيمّم ؛ لوجدان الماء .

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا التيمّم لا يبيح سوى المكث في المسجد بمقدار الضرورة ، أمّا مسّ كتابة القرآن وقراءة العزائم وما إليها فلا ، تماماً كالتيمّم عند ضيق الوقت عن الغسل أو الوضوء فإنّه يبيح الدخول في الصلاة فقط .

 

 

صورة الغسل  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن غسل الجنابة ؟ قال : « تغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ، ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكلّ شيء مسّته الماء فقد أنقيته ، ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك ، وإن لم يدلك جسده »([1]) .

وسئل عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك ؟ قال  عليه‏السلام : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك »([2]) .

الفقهاء  :

بعد أن أوجب الفقهاء في غسل الجنابة ما أوجبوه في الوضوء من النيّة الخالصة من شوائب الرياء ، واستدامتها إلى نهاية الغسل ، ومن إطلاق الماء وطهارته وإباحته بعد أن أوجبوا ذلك قالوا : إنّ لغسل الجنابة صورتين : الترتيب والارتماس .

الترتيب  :

والغسل الترتيبي أن تبدأ بغسل الرأس والرقبة ، ثمّ بالطرف الأيمن من البدن من الكتف إلى رؤوس الأصابع ، ثمّ الطرف الأيسر كذلك .

وذهب جماعة من كبار الفقهاء إلى عدم وجوب الترتيب ، وجواز غسل البدن كيف اتّفق ، تماماً كما قال السنّة .

قال صاحب المدارك ـ بعد أن ذكر الروايات ـ : ( وهذه الروايات ـ أي التي جاءت عن أهل البيت  عليهم‏السلام ـ هي كالصريحة في عدم وجوب الترتيب بين الجانبين ـ  أي الأيمن والأيسر ـ لورودها في مقام البيان المنافي للإجمال ، والعمل بها متّجه ، إلاّ أنّ المصير إلى ما عليه أكثر الفقهاء أحوط )([3]) .

ومعنى هذا أنّ أقوال أهل البيت  عليهم‏السلام قد جاءت لتعليم وتوضيح كلّ ما يجب في الغسل ، ولو وجب الترتيب لوجب ذكره ، ولم يجز إهماله بحال ، مع أ نّه لا عين له ولا أثر في أقوالهم ، فدلّ ذلك على عدم وجوبه .

وقال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : ( القول بعدم الترتيب بين الأيمن والأيسر قويّ جداً ، لكن مخالفة المشهور مشكلة )([4]) .

ونجيبه نحن بما هو مشهور أيضاً من أنّ موافقة المشهور من غير دليل أشكل.

وقال قائل : إنّ الإمام الصادق  عليه‏السلام أمر في تغسيل الميّت أن يبدأ الغاسل برأس الميّت ، ثمّ يضجعه على الأيسر ويغسّل الأيمن ، ثمّ يضجعه على الأيمن ، ويغسّل الأيسر([5]) ، ويدلّ هذا أنّ جميع الأغسال كذلك .

وجوابنا على ذلك أنّ قياس الأحياء على الأموات ، تماماً كقياس النبات على الجماد . ثمّ إنّ الّذين أوجبوا الترتيب بين الأعضاء الثلاثة : الرأس مع الرقبة والجانب الأيمن والأيسر ، قالوا : لا يجب الابتداء من كلّ عضو ، كما هي الحال في الوضوء ، بل يجوز الابتداء من أسفل الأيمن ، ومن أسفل الأيسر .

وأجمع الفقهاء على أنّ الموالاة والفوريّة بين الأعضاء لا تجب ، فلو غسّل رأسه وبعد ساعات غسّل جانبه الأيمن ، وبعده بأمد غسّل الأيسر صحّ .

قال الإمام الصادق   عليه‏السلام : « إنّ عليّاً  عليه‏السلام لم يرَ بأساً أن يغسل الجنب رأسه غدوة ، وسائر جسده عند الصلاة »([6]) .

الارتماس  :

الصورة الثانية لغسل الجنابة الارتماس ، وهو أن يرمس الجنب جسده بالماء الطاهر بحيث يستوعب جميع أجزائه دفعة واحدة ، وكذلك إذا وقف في المطر ، ونوى

الارتماس ، والأولى ـ كما أراه ـ أن ينوي الترتيب ، ويمرّ بيده على جسده.

_________________________

[1] الوسائل 2 : 230 ، ب26 من أبواب الجنابة ، ح5 ، وفيه : « أمسسته الماء » .

[2] الوسائل 2 : 231 ، ب26 من أبواب الجنابة ، ح10 .

[3] المدارك 1 : 295 .

[4] مصباح الفقيه 3 : 369 .

[5] الوسائل 2 : 484 ، ب2 من أبواب غسل الميّت ، ح10 .

[6] الوسائل 2 : 238 ، ب29 من أبواب الجنابة ، ح3 .

 

 

مسائل  :

1 ـ  إذا بال أو خرج منه ريح وهو يغتسل وقبل أن ينتهي فماذا يصنع ؟

الجواب  :

يتمّ الغسل ويتوضّأ للصلاة ؛ لأنّ المفروض أنّ ما خرج منه لا يوجب الغسل بل الوضوء ، وهنالك رواية عن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام دلّت على وجوب إعادة الغسل من أوّله([1]) . وقال صاحب المدارك : ( إنّي لم أقف على سند هذه الرواية ، فالواجب إتمام الغسل والوضوء بعده )([2]) . وأقرّ السيّد الحكيم([3]) فتوى صاحب المدارك وما قاله في شأن الرواية المزعومة .

2 ـ  كلّ غسل معه وضوء إلاّ غسل الجنابة إجماعاً ونصّاً .

3 ـ  لا بدّ من طهارة جميع أجزاء البدن ، إمّا قبل الغسل ، وإمّا أن يباشر بتطهير العضو النجس أثناء الغسل ، كأن يطهّره أوّلاً ، ثمّ ينوي غسله من الجنابة ، وليس من شكّ أنّ التطهير أوّلاً وقبل المباشرة بالغسل أولى .

وإذا شكّ في وجود الحاجب الّذي يمنع وصول الماء إلى البشرة وجب الاجتهاد حتّى يعلم بوصوله ؛ لأنّ العلم بوجوب الغسل يستدعي العلم بالتأدية والامتثال على الوجه المطلوب ، كما تقدّم في فصل الوضوء .

4 ـ  إذا شكّ في أ نّه غسل رأسه لأجل الجنابة أو لا فإن كان قبل أن يباشر بالجانب الأيمن فعليه أن يغسل الرأس ؛ لأ نّه شكّ قبل الدخول بالغير ، وعليه فلا تجري قاعدة التجاوز التي أشرنا إليها في فصل الوضوء .

وإن شكّ بعد أن باشر بالجانب الأيمن فلا يلتفت ؛ لأ نّه قد دخل بالغير ، فتجري القاعدة المذكورة . وكذلك الحكم إذا شكّ في الأيمن بالقياس إلى الأيسر .

وإن شكّ بالأيسر فإن كان بعد أن بنى على إتيانه فلا يلتفت ، وإلاّ فعليه أن يغسله .

5 ـ  إذا صلّى وبعد الفراغ من الصلاة شكّ وتردّد هل كان قد اغتسل للجنابة قبل أن يصلّي أو لا ، فماذا يصنع ؟

الجواب  :

إنّ صلاته صحيحة ، ولا يجب عليه إعادتها ؛ لأ نّه شكّ في صحّتها بعد فراغه منها ، وعلى هذا تجري قاعدة الفراغ ، ولكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية استصحاباً لبقاء الجنابة .

ولا منافاة هنا بين الأخذ بقاعدة الفراغ التي مؤدّاها صحّة الصلاة ، وبين الأخذ بالاستصحاب الّذي يؤدّي إلى بقاء الجنابة ، لا منافاة لاختلاف الموضوع ، فإنّ موضوع القاعدة صحّة الصلاة ، وموضوع الاستصحاب الجنابة وبديهة أنّ المنافاة ترتفع بتعدّد الموضوع.

6 ـ  قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة ، وإذا اجتمعت للّه‏ عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد ، وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها([4]) وحيضها وعيدها »([5]) .

وقول الإمام  عليه‏السلام ـ كماترى ـ يشمل جميع الأغسال المجتمعة على المكلّف في آن واحد ، مهما كان نوعها واجبة بكاملها ، أو مستحبّة كذلك ، أو واجبة ومستحبّة ، بينها غسل جنابة أو لا .

أمّا قول من قال : الأقوى والأحوط والأظهر فهو أعرف بتكليفه .

______________________

[1] المستدرك 1 : 474 ، ب 21 من أبواب الجنابة ، ح1 .

[2] المدارك 1 : 308 ، ولكنه نقل الرواية عن الإمام الصادق  عليه‏السلام .

[3] المستمسك 3 : 127 .

[4] في الطبعات السابقة « وجمعيتها » وما أثبتناه من المصدر .

[5] الوسائل 2 : 261 ، ب43 من أبواب الجنابة ، ح1 .