مكان المصلّي

قال رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً »([1]) . وفي حديث آخر : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً ، أينما أدركتني الصلاة صلّيت »([2]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « الأرض كلّها مسجد إلاّ بئر غائط ، أو مقبرة ، أو حمّام »([3]) . واستثنى الإمام  عليه‏السلام هذه الثلاثة على سبيل الكراهة لا التحريم .

الفقهاء  :

قالوا : إنّ معنى المكان هنا هو ما يستقرّ عليه المصلّي والفضاء الّذي يشغله بدنه ، ويعتبر فيه اُمور :

1 ـ  أن يكون مباحاً غير مغصوب ، وما ذكرناه في الساتر يجري هنا بلا تفاوت .

2 ـ  أن لا يكون نجساً نجاسة تتعدّى إلى ثوبه أو بدنه ؛ لأنّ الطهارة شرط في الصلاة كما تقدّم ، ومعنى هذا أ نّه يجوز للإنسان أن يصلّي على ثوب أو مكان نجس ، مع اليبوسة وعدم التعدّي ، إلاّ موضع الجبهة حيث يشترط السجود على الطاهر ، كما يأتي .

3 ـ  أن يكون المكان ثابتاً مستقرّاً ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً إلاّ من ضرورة »([4]) . حيث استفاد الفقهاء من هذه الرواية وجوب الاستقرار مطلقاً ؛ لأنّ المورد ـ وهوالركوب على الدابة ـ لا يخصّص الوارد وهو الاستقرار ، وألغوا هذا الشرط في حال الاضطرار فقط .

4 ـ  هل يجوز لكلّ من الرجل والمرأة أن يصلّي إلى جانب الآخر ، أو تتقدّم المرأة على الرجل في الصلاة دون أن يكون بينهما حائل أو بُعد عشرة أذرع ؟

الجواب  :

في هذه المسألة قولان : أحدهما عدم الجواز ، وأ نّهما إذا صلّيا معاً وشرعا في آنٍ واحد جنباً إلى جنب أو تقدّمت المرأة بطلت صلاتهما ، وإن سبق أحدهما صحّت صلاته وبطلت صلاة اللاحق ، إلاّ إذا كان بينهما حائل ، أو بعد عشرة أذرع بذراع اليد ، وعلى هذا أكثر الفقهاء المتقدّمين .

القول الثاني الجواز ، وصحّة الصلاة على كراهيّة ، دون أن يوجد الحائل أو المسافة المذكورة ، فإن كان أحدهما ارتفعت الكراهيّة ، وعلى هذا أكثر الفقهاء المتأخّرين([5]) ومنهم صاحب الجواهر الّذي قال : ( الجواز على كراهة أشبه باُصول المذهب وإطلاق الأدلّة ، مضافاً إلى قول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا بأس بأن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي » . وأيضاً سئل عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف ؟ قال : « مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ، ولا تعيد » . أمّا الروايات الاُخر الدالّة على الحائل والفاصل فلا تصلح إلاّ للحمل على الكراهة )([6]) .

ثمّ ذكر هذه الروايات وناقشها بكلام طويل ، واستشهد منها وفيها على وجوب الحمل على الكراهيّة لا التحريم ، وأنهى كلامه الطويل بهذه الجملة : ( فظهر لك من ذلك كلّه أ نّه لا محيص عن القول بالكراهة )([7]) .

والكلمة الجامعة لشروط مكان المصلّي هي : أنّ كلّ مكان يجوز له التصرّف فيه ثابت غير متزلزل وخال من نجاسة متعدّية تصحّ فيه الصلاة ، بما في ذلك بيع اليهود وكنائس النصارى ، فلقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الصلاة في البيع والكنائس ؟ فقال : « صلّ فيها قد رأيتها ما أنظفها . . . أما تقرأ القرآن :   قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُم أَعلَمُ بِمَن هُوَ أَهدَى سَبِيلاً   !»([8]) .

____________________

[1] الوسائل 5 : 117 ، ب1 من أبواب مكان المصلّي ، ح2 .

[2] الوسائل 5 : 118 ، ب1 من أبواب مكان المصلّي ، ح5 .

[3] الوسائل 5 : 118 ، ب1 من أبواب مكان المصلّي ، ح4 .

[4] الوسائل 4 : 326 ، ب14 من أبواب القبلة ، ح4 .

[5] اعتمدنا على كتاب المدارك ، والجواهر لنسبة عدم الجواز إلى أكثر السلف ، ونسبة الجواز إلى أكثر الخلف [  منه  قدس‏سره ] .

[6] الجواهر 8 : 305 ـ 308 .

[7] الجواهر 8 : 313 .

[8] الوسائل 5 : 138 ، ب13 من أبواب مكان المصلّي ، ح3 .

 

 

مسجد الجبهة  :

قال رجل للإمام الصادق  عليه‏السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لايجوز ، فقال : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس » ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك ؟ قال : « لأنّ السجود خضوع للّه‏ عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة اللّه‏ عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الّذين اغترّوا بغرورها »([1]) .

وسئل عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً ؟ قال : « إذا كان مضطرّاً فليفعل »([2]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « السجود على طين قبر الحسين  عليه‏السلام ينوّر إلى الأرضين السبع ، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين  عليه‏السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبّح بها »([3]) .

الفقهاء  :

قالوا ـ عملاً بهذه الروايات ـ : يشترط في مسجد الجبهة ـ وهو المقدار الّذي توضع عليه حال السجود ـ أن يكون من الأرض أو ما ينبت منها ، على شريطة أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً في العادة ، فإذا استحال إلى شيء آخر ، كالرماد والجص امتنع السجود عليه ، وبالأولى الزجاج والبلّور . وأن لا يكون من المعادن كالعقيق والفيروز والذهب وما إلى ذلك ، فإنّ المعدن وإن خرج من الأرض وخلق فيها إلاّ أنّ ندرته وقيمته عند الناس تخرجه عن اسم الأرض . وأن يكون طاهراً غير نجس ، حتّى ولو لم تتعدّ النجاسة إلى ثوبه وبدنه ، وأن يكون مباحاً غير مغصوب .

______________________

[1] الوسائل 5 : 343 ، ب1 من أبواب ما يسجد عليه ، ح1 .

[2] الوسائل 5 : 352 ، ب4 من أبواب ما يسجد عليه ، ح9 .

[3] الوسائل 5 : 365 ، ب16 من أبواب ما يسجد عليه ، ح1 .

 

 

مسائل  :

1 ـ  يجوز السجود على القرطاس ـ أي الورق ـ حيث سئل الإمام  عليه‏السلام عن السجود على القراطيس والكواغد ؟ فقال : « يجوز »([1]) .

وقال الشهيد الثاني في [ شرح ]([2]) اللمعة : ( يجوز السجود على القرطاس ، للإجماع والنصّ الصحيح الدالّ عليه ، وبه خرج عن أصله المقتضي ؛ لعدم جواز السجود عليه ؛ لأ نّه مركّب من جزأين لا يصحّ السجود عليهما وهما النورة وما مازجها من القطن والكتّان وغيرهما )([3]) .

2 ـ  هل يصحّ السجود على الخزف أو لا ؟

الجواب  :

لم يرد نصّ بالخصوص في ذلك سلباً ولا إيجاباً ، ونقل صاحب مفتاح الكرامة عن كثير من الفقهاء الجواز([4]) ، بل قال بعضهم : ( لا نعلم في ذلك خلافاً )([5]) . وقال آخر : ( إنّ هذه المسألة تعمّ بها البلوى )([6]) . ومع ذلك لم ينقل عن أحد ممّن سلف القول بالمنع .

3 ـ  إذا سجد على شيء معتقداً جواز السجود عليه ثمّ تبيّن العكس صحّت الصلاة ؛ لحديث : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود »([7]) . ويأتي الكلام عن هذا الحديث مفصّلاً إن شاء اللّه‏ .

4 ـ  إذا فقد وهو في أثناء الصلاة ما يصحّ السجود عليه فما يفعل ؟

الجواب  :

إذا كان في الوقت سعة وجب عليه أن يقطعها ويستأنف الصلاة من جديد ؛ لأنّ المفروض أ نّه قادر على صلاة كاملة ، فتكون غيرها فاسدة ، مأموراً بالإعراض عنها وعدم الاعتداد بها ؛ لأ نّها لم تشرع من الأساس .

وإذا كان الوقت ضيّقاً لا يتّسع إلاّ للصلاة التي هو فيها وجب الإتمام ، والسجود على طرف ثوبه القطن أو الكتان ، وإلاّ فعلى المعادن ؛ لأ نّهما قريبان من الأرض وما أنبتت ممّا يصحّ السجود عليه ، وإلاّ سجد على كفّه ، وفي ذلك رواية عن الإمام أبي جعفر  عليه‏السلام قال له رجل : أكون في السفر فتحضرني الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع ؟ قال الإمام [  عليه‏السلام] : « تسجد على بعض ثوبك » . قال الرجل : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا في ذيله ، قال له : « اُسجد على كفّك ، فإنّها أحد المساجد »([8]) .

__________________________

[1] الوسائل 5 : 356 ، ب7 من أبواب ما يسجد عليه ، ح2 .

[2] ما بين المعقوفين ليس في الطبعات السابقة ، أضفناها لاقتضاء السياق .

[3] الروضة 1 : 227 ـ 228 .

[4] مفتاح الكرامة 2 : 248 .

[5] البحار 85 : 151 ـ 152 .

[6] الروض 2 : 595 .

[7] الوسائل 1 : 371 ـ 372 ، ب3 من أبواب الوضوء ، ح8 .

[8] الوسائل 5 : 351 ، ب4 من أبواب ما يسجد عليه ، ح5 .