سورة الزّخرف‏

الزّخرف‏ مكّيّة.

و قيل : إلا قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا.

و آياتها تسع، أو ثمان وثمانون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أدمن قراءة حم الزّخرف، آمنه اللَّه في قبره من هوامّ الأرض وضغطة القبر حتّى يقف بين يدي اللَّه- عزّ وجلّ-. ثمّ جاءت حتى تدخله الجنّة بأمر اللَّه- تبارك وتعالى-.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الزّخرف كان ممّن يقال له يوم القيامة: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ادخلوا الجنة بغير حساب.

حم .

قد مرّ تفسيره.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا «حم» فمعناه: الحميد المجيد.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «حم» حروف  من الاسم الأعظم.

وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ  إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا أقسم بالقرآن المبيّن للحلال والحرام وجميع ما يحتاج إليه الأنام من شرائع الإسلام، على أنّه جعله قرآنا عربيّا. وهو من البدائع لتناسب القسم والمقسم عليه، ولعلّ إقسام اللَّه بالأشياء استشهاد بما فيها من الدّلالة على المقسم عليه.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : لكي تفقهوا معانيه.

وَ إِنَّهُ: عطف على «إنّا».

و قرأ  حمزة والكسائيّ بالكسر على الاستئناف.

فِي أُمِّ الْكِتابِ: في اللّوح المحفوظ، فإنّه أصل الكتاب السّماويّة.

و قرئ : «أمّ الكتاب» بالكسر.

لَدَيْنا: محفوظا عندنا عن التّغيير.

لَعَلِيٌّ: رفيع الشأن في الكتب، لكونه معجزا من بينها.

حَكِيمٌ : ذو حكمة بالغة، أو محكم لا ينسخه غيره.

و هما خبران «لإنّ». و«في أمّ الكتاب» متعلّق «بعليّ» واللّام لا تمنعه ، أو حال منه و«لدينا» بدل منه ، أو حال من «أمّ الكتاب»، [أو حال من «الكتاب»] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- مكتوب في الفاتحة في قوله- عز وجلّ-:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تهذيب الأحكام»، في الدّعاء المنقول بعد صلاة يوم الغدير: عن أبى عبد اللَّه‏- عليه السّلام-: ربّنا، آمنّا واتّبعنا مولانا ووليّنا وهادينا وداعينا وداعي الأنام وصراطك المستقيم  السّويّ وحجّتك وسبيلك الدّاعي إليك على بصيرة هو ومن اتّبعه، سبحان اللَّه عمّا يشركون بولايته وما يلحدون باتّخاذ الولائج دونه.

نشهد  يا إلهي، أنّه الإمام الهادي المرشد الرّشيد، عليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- الّذي ذكرته في كتابك فقلت: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ. لا أشرك معه إماما ولا أتّخذ من دونه وليجة.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أحمد بن عبد اللَّه  بن إبراهيم بن هاشم قال:

حدّثنا أبي، عن جدّي، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قال: هو أمير المؤمنين- عليه السّلام- ومعرفته، والدليل على أنّه أمير المؤمنين قوله- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

و هو أمير المؤمنين- عليه السّلام- في أمّ الكتاب في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الحسن بن [أبي‏]  الحسن الدّيلميّ- رحمه اللَّه- بإسناده: عن رجاله إلى حمّاد السّنديّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وقد سأله سائل عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

قال: هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و روى محمّد بن العبّاس - رحمه اللَّه-، عن أحمد بن إدريس، عن عبد اللَّه بن محمّد [بن عيسى،]  عن موسى بن القاسم، عن محمّد بن عليّ بن جعفر قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- وهو يقول: قال  أبي- عليه السّلام- وقد تلا هذه الآية: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ قال: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و روي  عنه أنّه سئل: أين ذكر عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في أمّ‏الكتاب؟

فقال: في قوله- سبحانه-: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. وهو عليّ- عليه السّلام-.

و قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن محمّد النّوفليّ، عن محمّد بن حمّاد الشّاشي ، عن الحسين بن أسد الطّفاوي ، عن عليّ بن إسماعيل الميثميّ، عن عبّاس الضايع ، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أمير المؤمنين- عليه السّلام- حتّى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان، فإذا هو على فراشه، فلمّا رأى عليّا خفّ له .

فقال له علي- عليه السّلام-: لا تتّخذن زيارتنا إيّاك فخرا على قومك.

قال: لا يا أمير المؤمنين [و لكن‏]  ذخرا وأجرا.

فقال له: واللَّه، ما كنت علمتك إلّا خفيف المئونة كثير المعونة.

فقال صعصعة: وأنت، واللَّه، يا أمير المؤمنين  ما علمتك إلّا [أنّك‏]  باللَّه لعليم، وأنّ اللَّه في عينك لعظيم، وأنّك في كتاب اللَّه لعليّ حكيم، وأنّك بالمؤمنين رؤوف رحيم.

و قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن واصل  بن سليمان، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا صرع  زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- حتى جلس عند رأسه، فقال: رحمك اللَّه، يا زيد، قد كنت خفيف المئونة عظيم المعونة.

فرفع زيد رأسه إليه فقال: وأنت، جزاك اللَّه خيرا، يا أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فو اللَّه ما علمتك إلّا باللَّه عليما [و في أمّ الكتاب عليّا]  حكيما، وأنّ اللَّه في‏صدرك عظيما.

أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً: أ فنذوده ونبعده عنكم، من قولهم: ضرب الغرائب عن الحوض.

و «الفاء» للعطف على محذوف، أي: أ نهملكم فنضرب عنكم الذّكر.

و «صفحا» مصدر من غير لفظه فإنّ تنحية الذّكر عنهم إعراض، أو مفعول له، أو حال بمعنى: صافحين. وأصله: أن تولّي الشّي‏ء صفحة عنقك.

و قيل : إنّه بمعنى: الجانب، فيكون ظرفا، ويؤيّده أنّه قرئ: «صفحا» وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح، جمع صفوح، بمعنى: صافحين.

و المراد: إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه.

أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ ، أي: لأن كنتم. وهو في الحقيقة علّة مقتضية لترك الإعراض.

و قرأ  نافع وحمزة والكسائي: «إن» بالكسر، على أنّ الجملة شرطيّة مخرجة للمحقّق  مخرج المشكوك استجهالا لهم، وما قبلها دليل للجزاء.

وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ  وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ : تسلية لرسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- عن استهزاء قومه.

فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً، أي من الوقم المسرفين، لأنّه صرف الخطاب عنهم إلى الرّسول مخبرا عنهم.

وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ : وسلف في القرآن قصّتهم العجيبة. وفي وعد للرّسول ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأوّلين.

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ :

لعلّه لازم مقولهم، أو ما دلّ عليه إجمالا أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجّة عليهم، فكأنّه قالوا: اللَّه، كما حكى عنهم في موضع آخر، وهو الّذي من صفته ما سرد من‏الصّفات. ويجوز أن يكون مقولهم وما بعده استئناف.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً: فتستقرّون فيها.

و قرأ  غير الكوفيّين: «مهادا» بالألف.

وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا: تسلكونها.

لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ : لكي تهتدوا إلى مقاصدكم، أو إلى حكمة الصّانع بالنّظر في ذلك.

وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ: بمقدار ينفع ولا يضر.

فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً: زال عنه النمّاء .

و تذكيره، لأنّ البلدة بمعنى: البلد والمكان.

كَذلِكَ: مثل ذلك الانشار تُخْرَجُونَ : تنشرون من قبوركم.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائيّ: «تخرجون» بفتح التّاء [و ضمّ الراء] .

وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها: أصناف المخلوقات.

وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ : ما تركبونه، على تغليب [المتعدّي بنفسه على‏]  المعتدّي بغيره، إذ يقال: ركبت الدّابّة، وركبت في السّفينة. أو المخلوق للرّكوب على المصنوع له، أو الغالب على النّادر ولذلك قال: لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ، أي: ظهور ما تركبون. وجمعه للمعنى.

ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ: تذكروها بقلوبكم، معترفين بها، حامدين عليها.

وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ : مطيقين، من أقرن الشّي‏ء: إذا أطاقه. وأصله: وجده قرينه، إذ الصّعب لا يكون قرينة الضّعيف.

و قرئ  بالتّشديد [و المعنى واحد] .

وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ، أي: راجعون.و اتّصاله بذلك لأنّ الرّكوب للنّقل، والنّقلة العظمى هو الانقلاب إلى اللَّه. أو لأنّه محضر فينبغي للرّاكب أن لا يغفل عنه ويستعدّ للقاء اللَّه- تعالى-.

و في مجمع البيان : ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ‏

و روى العيّاشي، بإسناده: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ذكر النّعمة أن تقول: الحمد للَّه الّذي هدانا للإسلام، وعلّمنا القرآن، ومنّ علينا بمحمّد وآله. ويقول بعده: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا (إلى آخره).

و روي  عن ابن عمر أنّ رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- كان إذا استوى على بعيره خارجا في سفر كبّر ثلاثا، وقال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ اللّهمّ، إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى والعمل بما ترضى، اللّهمّ، هوّن علينا سفرنا وأطوعنا بعده، اللّهمّ، أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل [و المال‏] ، اللّهمّ، إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال.

و إذا رجع قال: آئبون تائبون لربّنا  حامدون. أورده مسلم في الصّحيح.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: إذا ركبتم الدّوابّ فاذكروا اللَّه- تعالى- وقولوا: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟

قال: نعم.

قلت: ما هو؟

قال: يحمد اللَّه على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في‏ماله حقّ أدّاه، ومنه قوله- عزّ وجلّ-: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، [وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ‏] .

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبن أسباط  ومحمّد بن أحمد، عن موسى بن القاسم البجلّي، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وإن خرجت برّا فقل الّذي قال اللَّه- عزّ وجلّ-:

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ. فإنّه ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيصيبه شي‏ء بإذن اللَّه.

عليّ بن إبراهيم : [عن أبيه‏]  عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى، جميعا، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل:

الحمد للَّه الّذي هدانا للإسلام، [و علّمنا القرآن‏]  ومنّ علينا بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

و الحمد للَّه ربّ العالمين.

اللّهمّ، أنت الحامل على الظّهر والمستعان على الأمر، اللّهمّ، بلّغنا بلاغا يبلغ إلى خير بلاغا يبلغ إلى مغفرتك ورضوانك، اللّهمّ لا طير إلّا طيرك  ولا خير إلّا خيرك ولا حافظ غيرك.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: فإن ركبت الظّهر فقال: الحمد لله الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن الدّهقان، عن درست، عن‏إبراهيم، عن عبد الحميد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إذا ركب الرّجل.

... إلى أن قال: وقال : من قال إذا ركب الدّابّة: بسم اللَّه، لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ (الآية)  سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ  حفظت له دابّته ونفسه [حتّى ينزل.] .

و في من لا يحضره الفقيه : وسأل سعد بن سعد الرّضا- عليه السّلام- عن سجدة الشّكر، فقال: أرى أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة، ويقولون: هي سجدة الشكر.

فقال: إنّما الشّكر  إذا أنعم اللَّه- عزّ وجلّ- على عبده أن يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ والحمد للَّه ربّ العالمين‏]  [و يسبّح اللَّه سبعا، ويحمّد اللَّه سبعا، ويهلّل اللَّه سبعا] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ- إلى قوله-: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ.

قال: فإنّه حدّثني أبي، عن ابن فضّال، عن المفضّل بن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال: أمسكت لأمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- بالرّكاب وهو يريد أن يركب، فرفع رأسه ثمّ تبسّم.

فقلت له: يا أمير المؤمنين، رأيتك رفعت رأسك ثمّ تبسّمت؟

قال: نعم، يا أصبغ،: أمسكت لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كما أمسكت لي، فرفع رأسه ثمّ تبسّم، فسألته عن تبسّمه كما سألتني، وسأخبرك كما أخبرني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. أمسكت لرسول اللَّه بغلته الشّهباء، فرفع رأسه إلى السّماء وتبسّم.فقلت: يا رسول اللَّه، رفعت رأسك إلى السّماء وتبسّمت، لما ذا؟

فقال: يا عليّ، إنّه ليس من أحد يركب فيقرأ آية الكرسيّ، ثمّ يقول: أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم الحيّ القيّوم وأتوب إليه، اللّهمّ، اغفر لي ذنوبي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، إلّا قال السّيّد الكريم: يا ملائكتي، عبدي يعلم أنه لا يغفر الذّنوب غيري، اشهدوا أنّي قد غفرت له ذنوبه.

حدّثني  أبي، عن عليّ بن أسباط قال: حملت متاعا إلى مكّة فكسد عليّ، فجئت إلى المدينة فدخلت إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فقلت: جعلت فداك، إنّي قد حملت متاعا إلى مكّة فكسد عليّ، وقد أردت مصر فأركب بحرا أو برّا؟

فقال: بمصر الحتوف، وتفيض إليها  أقصر النّاس أعمارا.

قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا تغسلوا رؤوسكم بطينها، ولا تشربوا في فخارها، فإنّه يورث الذّلّة ويذهب بالغيرة.

ثمّ قال: لا عليك أن تأتي مسجد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وتصلّي فيه ركعتين، وتستخير اللَّه- عزّ وجلّ- مائة مرّة ومرّة، فإذا عزمت على شي‏ء وركبت البرّ فإذا استويت  على راحلتك فقل: سُبْحانَ  الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ فإنّه ما ركب أحد ظهرا فقال هذا وسقط إلّا لم يصبه كسر، ولا وني ولا وهن.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً: متّصلا بقوله: «و لئن سألتهم»، أي: وقد جعلوا بعد ذلك الاعتراف من عباده ولدا، فقالوا: الملائكة بنات اللَّه.

و لعلّه سمّاه: جزءا، كما سمّاه: بعضا، لأنّه بضعة من الوالد، دلالة على استحالته على الواحد الحقّ في ذاته.

و قرئ : «جزءا» بضمّتين.

إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ : ظاهر الكفران، ومن ذلك نسبة الولد إلى اللَّه، لأنّها من فرط الجهل به والتّحقير لشأنه.أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ .

معنى الهمزة في «أم» للإنكار والتّعجبّ من شأنهم حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا حتّى جعلوا له من مخلوقاته جزءا  أخسّ ممّا اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم، بحيث إذا بشّر أحدهم بها اشتد غمّه، كما قال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا: بالجنس الّذي جعله له [مثلا] ، إذ الولد لا بدّ وأن يماثل الوالد.

ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا: صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة.

وَ هُوَ كَظِيمٌ : مملوء قلبه من الكرب. وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه. وتعريف البنين لما مر في الذّكور.

و قرئ : «مسودّ» و«مسوادّ» على أنّ في «ظلّ» ضمير المبشّر، و«وجهه مسودّ» جملة وقعت خبرا.

أَ وَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ، أي: او جعلوا له. أو اتّخذ من يتربّى في الزّينة، يعني: البنات.

وَ هُوَ فِي الْخِصامِ: في المجادلة.

غَيْرُ مُبِينٍ : مقرّر لما يدّعيه من نقصان العقل وضعف الرأي.

و يجوز أن يكون «من» مبتدأ محذوف الخبر، أي: او من هذا حالة ولده. وفي «الخصام» متعلّق «بمبين» وإضافة «غير» إليه لا يمنعه، كما عرفت.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص: «ينشأ»، أي: يربّى.

 [و قرئ : «ينشأ»]  و«يناشأ» بمعناه. ونظير ذلك: أعلاه، وعلاه، وعالاه بمعنى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللَّه-: وقوله- عزّ وجلّ- أَ وَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ، أي: ينشّأ في الذّهب.

وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ قال: إن موسى- عليه السّلام- أعطاه اللَّه- عزّ وجلّ- من القوة أن أرى فرعون صورته على فرس من ذهب رطب، عليه ثياب من ذهب رطب،فقال فرعون: أَ وَمَنْ يُنَشَّؤُا [فِي الْحِلْيَةِ، أي ينشأ]  بالذّهب . وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ قال: لا يبيّن الكلام ولا يتبيّن من النّاس، ولو كان نبيّا لكان خلاف النّاس.

وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً: كفر آخر تضمّنه مقالهم شنّع به عليهم، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على اللَّه أنقصهم رأيا وأخسّهم صنفا.

و قرئ : «عبيد».

و قرأ  الحجازيّان والبصريّان: «عند» على تمثيل زلفاهم.

و قرئ : «انثاء» وهو جمع الجمع.

أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ: أحضروا خلق اللَّه إيّاهم فشاهدوهم إناثا، فإنّ ذلك ممّا يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكّم بهم.

و قرأ  نافع: «أ أشهدوا» بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين. و«آ أشهدوا» بمدّة بينهما.

سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ: الّتي شهدوا بها على الملائكة.

وَ يُسْئَلُونَ : عنها يوم القيامة، وهو وعيد.

و قرئ : «سيكتب» [و «سنكتب»]  بالياء والنّون. و«شهاداتهم» وهي أنّ للَّه جزءا ، وأنّ له بنات وهن الملائكة. «و يساءلون» من المسائلة.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن بكر  بن صالح، عن عبد اللَّه بن إبراهيم بن عبد العزيز بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن جعفر الجعفريّ قال:

حدّثنا يعقوب بن جعفر قال: كنت مع أبي الحسن- عليه السّلام- بمكة، فقال له رجل:

إنّك لتفسر من كتاب اللَّه ما لم يسمع.

فقال: علينا نزل قبل النّاس، ولنا فسر قبل أن يفسر في النّاس، فنحن نعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وسفريّه وحضريّه ، وفي أيّ ليلة نزلت [كم‏]  من آية،و فيمن نزلت، وفيما أنزلت فنحن حكماء اللَّه في أرضه وشهداؤه على خلقه، وهو قول اللَّه- تبارك وتعالى-: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ. فالشّهادة لنا والمساءلة للمشهود  عليه، فهذا علم [ما]  قد أنهيته [إليك وأدّيته إليك ما لزمني، فإن قبلت فاشكر، وإن تركت، فإنّ اللَّه على كلّ شي‏ء شهيد] .

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى عبد اللَّه بن إبراهيم  الجعفريّ قال: كتب يحيى بن عبد اللَّه بن الحسن إلى موسى بن جعفر- عليهما السّلام-:

أمّا بعد، فإنّي أوصي نفسي بتقوى اللَّه وبها أوصيك، فإنّها وصيّة اللَّه في الأوّلين ووصيّته في الآخرين، خبّرني من ورد عليّ من أعوان اللَّه على دينه ونشر طاعته بما كان من تحنّنك مع خذلانك، وقد شاورت في الدّعوة للرّضا من آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- وقد احتجبتها [و احتجبها]  أبوك من قبلك، وقديما ادعيتم ما ليس لكم وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم اللَّه، فاستهويتم وأضللتم، وأنا محذّرك ما حذّرك اللَّه من نفسه.

فكتب إليه أبو الحسن، موسى بن جعفر: من موسى بن [أبي‏]  عبد اللَّه، جعفر وعلى المشركين  في التذّلّل للَّه وطاعته، إلى يحيى بن عبد اللَّه بن الحسن:

أمّا بعد، فإني أحذّرك اللَّه ونفسي، وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه وتكامل نقماته. وأوصيك ونفسي بتقوى اللَّه، فإنها زين الكلام وتثبيت  النّعم، أتاني كتابك تذكر فيه أنّي مدّع وأبي من قبل، وما سمعت ذلك منّي وسَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا محمّد بن هوذة الباهليّ، عن إبراهيم بن إسحاق النّهاونديّ، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن عمرو  بن شمر قال: قال ابو عبد اللَّه- عليه السّلام-:أمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبا بكر وعمر وعليّا- عليه السّلام- أن يمضوا إلى الكهف والرّقيم، فيسبغ أبو بكر الوضوء ويصفّ قدميه ويصلّي ركعتين وينادي ثلاثا، فإن أجابوه وإلّا فليفعل  مثل ذلك عمر، فإن أجابوه وإلّا فليفعل  مثل ذلك عليّ- عليه السّلام-.

فمضوا وفعلوا ما أمرهم به رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فلم يجيبوا أبا بكر ولا عمر، فقام عليّ- عليه السّلام- وفعل ذلك فأجابوه. وقالوا: لبّيك لبّيك، ثلاثا.

فقال لهم: ما لكم لم تجيبوا الصّوت الأول والثّاني وأجبتم الثّالث؟

فقالوا: إنّا أمرنا أن لا نجيب إلّا نبيّا أو وصيّا.

ثمّ انصرفوا إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فسألهم ما فعلوا، فأخبروه، فأخرج رسول اللّه صحيفة حمراء فاقل لهم: اكتبوا شهادتكم بخطوطكم فيها بما رأيتم وسمعتم.

فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ يوم القيامة.

و قال- أيضا- : حدّثنا الحسين بن أحمد بن المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن خلف، عن حماد بن عيسى، عن أبي بصير قال: ذكر أبو جعفر- عليه السّلام- الكتاب الذي تعاقدوا عليه في الكعبة، وأشهدوا فيه وختموا عليه  بخواتيمهم.

فقال: يا [أبا]  محمّد، إنّ اللَّه أخبر نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بما يصنعونه قبل أن يكتبوه، وأنزل اللَّه فيه كتابا.

قلت: أنزل اللَّه فيه كتابا؟

قال: نعم، أ لم تسمع قوله- تعالى-: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ.

وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ، أي: لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم.

فاستدلّوا بنفي مشيئة عدم عبادة الملائكة على امتناع النّهي عنها، أو على  حسنها، وذلك باطل لأنّ المشيئة متعلّق بكل الممكنات الواقعة مأمورا كان أو منهيّا حسنا كان أو غيره، ولذلك جهّلهم فقال: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ : يتمحّلون تمحّلا  باطلا.

و يجوز أن تكون الإشارة إلى أصل الدّعوى، كأنّه لمّا أبدى وجوه فسادها وحكى شبههم المزيّفة نفي أن يكون لهم بها علم من طريق العقل.

ثمّ أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل فقال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ: من قبل القرآن، أو ادّعائهم ينطق على صحّة ما قالوه.

 [فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ : بذلك الكتاب متمسّكون.

بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ ، أي:

لا حجّة لهم على ذلك‏] عقليّة ولا نقليّة، وإنّما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة.

و «الأمّة» الطّريق الّتي تؤمّ، كالرحلة للمرحول إليه.

و قرئت  بالكسر، وهي الحالة الّتي يكون عليها الآمّ، أي: القاصد، ومنها الدّين.

وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ : تسلية لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ودلالة على أنّ التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وأنّ متقدّميهم- أيضا- لم يكن لهم سند منظور إليه.

و تخصيص المترفين، إشعار بأنّ التّنعّم وحبّ البطالة صرفهم عن النّظر إلى التقليد.

قالَ أَ وَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ، أي: أ تتّبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم. وهو حكاية أمر ماض أوحي إلى النّذير، أو خطاب لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و يؤيّد الأول أنّه قرأ  ابن عامر وحفص: «قال».

و قوله: قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ، أي: وإن كان أهدى، إقناطا للنّذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه.

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ: بالاستئصال.فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ : ولا تكترث بتكذيبهم.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ: واذكر وقت قوله  هذا، ليروا كيف تبرأ عن التّقليد وتمسّك بالدّليل. أو ليقلّدوه إن لم يكن لهم بدّ من التّقليد، فإنّه أشرف آبائهم.

لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ : بري‏ء من عبادتكم، أو معبودكم.

مصدر نعت به، ولذلك استوى فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنّث.

و قرئ : «بري‏ء». و«براء»، ككريم وكرام.

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي: استثناء منقطع. أو متصل، على أنّ ما يعمّ أولي العلم وغيرهم وأنّهم كانوا يعبدون اللَّه والأوثان. أو صفة، على أنّ «ما» موصوفة، أي: إنّني براء من آلة تعبدونها غير الّذي فطرني.

فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ : سيثبّتني على الهداية. [أو سيهديني إلى‏]  ما وراء ما هداني إليه.

وَ جَعَلَها: وجعل إبراهيم- عليه السّلام- أو اللَّه كلمة التّوحيد كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ: في ذرّيته، فيكون فيهم أبدا من يوحّد ويدعو إلى توحيده.

و قرئ : «كلمة» و«في عقبه» على التّخفيف. و«في عاقبه»، أي: فيمن عقبه.

و في كتاب كمال الدين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى هشام بن سالم: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، وفي آخره قال هشام: قلت: فهل تكون الإمامة في أخوين  بعد الحسن والحسين- عليهما السّلام-؟

قال: لا، إنّما هي جارية في عقب الحسين- عليه السّلام- كما قال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ثمّ هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة.

و بإسناده  إلى محمّد بن قيس، عن ثابت الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ‏بن أبي طالب- عليهم السّلام- أنه قال: فينا أنزلت هذه الآية وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ. والإمامة في عقب الحسين- عليه السّلام- إلى يوم القيامة.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله اللَّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: في عقب الحسين- عليه السّلام-. فلم يزل هذا الأمر منذ افضي إلى الحسين- عليه السّلام- ينقل من والد  إلى ولد، لا يرجع إلى أخ وعمّ، ولا يتمّ بعلم  أحد منهم إلّا وله ولد، وإن عبد اللَّه خرج من الدّنيا ولا ولد له ولم يمكث بين ظهراني أصحابه إلّا شهرا.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة: عن أبيه، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قوله اللَّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ.

قال: هي الإمامة، جعلها اللَّه- عزّ وجلّ- في عقب الحسين- عليه السّلام- باقية إلى يوم القيامة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث، يقول فيه- عليه السّلام- في خطبة الغدير: معاشر النّاس، القرآن يعرّفكم أنّ الأئمة من بعده ولده، وعرّفتكم أنّه منّي وأنا منه، حيث يقول اللَّه - عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ. وقلت: لن تضلّوا ما أن تمسّكتم بهما.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: الأعرج، عن أبي هريرة قال: سألت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عن قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ.

قال: جعل الإمامة في عقب الحسين- عليه السّلام- يخرج من صلبه تسعة من الأئمة، منهم مهديّ هذه الأمّة.

المفضّل بن عمر  قال: سألت الصّادق- عليه السّلام- عن هذه الآية.قال: يعني بذلك: الإمامة، جعلها في عقب الحسين- عليه السّلام- إلى يوم القيامة.

فقلت: كيف صارت في ولد الحسين- عليه السّلام- دون ولد الحسن- عليه السّلام-؟

فقال: إن موسى وهارون كانا نبيّين ومرسلين أخوين، فجعل اللَّه النّبوة في صلب هارون دون صلب موسى.

ثمّ ساق الحديث- إلى قوله-: وهو الحكيم في أفعاله، لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- حدّثنا عليّ بن محمّد الجعفيّ، عن أحمد بن القاسم الأكفانيّ، عن عليّ بن محمّد بن مروان، عن أبيه، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم  بن قيس قال: خرج علينا عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ونحن في المسجد، فاحتوشناه.

فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن القرآن فإنّ في القرآن علم الأوّلين والآخرين، لم يدع لقائل مقالا ولا يعلم تأويله إلّا اللَّه والرّاسخون في العلم، وليسوا بواحد، ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كان واحدا منهم علّمه اللَّه- سبحانه- إيّاه، وعلّمنيه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ثمّ لا يزال في عقبه  إلى يوم تقوم الساعة . ثمّ قرأه :

وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى‏ وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ. فأنا  من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بمنزلة هارون من موسى إلّا النّبوّة، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم السّاعة. ثمّ قرأ. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ.

ثمّ قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عقب إبراهيم، ونحن أهل البيت عقب إبراهيم وعقب محمّد- صلوات اللَّه عليهما-.

و قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن الحسين بن عليّ بن مهران  قال: حدّثني أبي،عن أبيه، عن الحسين  بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام، عن سورة بن كليب عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: إنّها في [عقب‏]  الحسين- عليه السّلام-. فلم يزل هذا الأمر منذ افضي إلى الحسين ينتقل من والد  إلى ولد، لا يرجع إلى أخ ولا إلى عمّ، ولا يعلم أحد منهم خرج من الدّنيا إلّا وله ولد، وإنّ عبد اللَّه بن جعفر خرج من الدنيا ولا ولد له ، ولم يمكث بين ظهراني أصحابه إلّا شهرا.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحّد.

بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ: هؤلاء المعاصرين للرسول من قريش وَآباءَهُمْ: بالمدّ في العمر والنّعمة فاغترّوا بذلك، وانهمكوا في الشّهوات.

حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ: دعوة التّوحيد، أو القرآن.

وَ رَسُولٌ مُبِينٌ : ظاهر الرّسالة بماله من المعجزات. أو مبيّن للتّوحيد بالحجج والآيات.

وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ: ينبّههم عن الغفلة قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ : زادوا شرارة، فضمّوا إلى شركهم معاندة الحقّ والاستخفاف به، فسمّوا القرآن: سحرا، وكفروا به واستحقروا الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-.

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ: من إحدى القريتين، مكّة والطّائف.

عَظِيمٍ : بالجاه والمال، كالوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثّقفيّ، فإنّ الرّسالة منصب عظيم لا يليق إلّا بعظيم، ولم يعلموا أنّها روحانيّة تستدعي عظم  النّفس بالتّحلّي بالفضائل والكمالات القدسيّة، لا التزخرف بالزّخارف الدّنيويّة.

أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ: إنكاره فيه تجهيل وتعجيب من تحكّمهم، والمرادبالرّحمة: النّبوّة.

نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: وهم عاجزون عن تدبيرها وهي خويصة أمرهم في دنياهم، فمن أين لهم أن يتدبّروا في أمر النّبوّة الّتي هي أعلا المراتب الإنسيّة!

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: وعن أبي محمّد، الحسن العسكريّ، عن أبيه- عليهم السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة، إذ قال له عبد اللَّه بن أميّة المخزوميّ: لو أراد اللَّه أن يبعث إلينا رسولا، لبعث أجلّ من فيما بيننا مالا  وأحسنه حالا، فهلّا»

 نزّل هذا القرآن الّذي تزعم أن اللَّه أنزله عليك وابتعثك به رسولا، على رجل من القريتين عظيم، إما الوليد بن المغيرة بمكة، وإمّا عروة بن مسعود الثّقفيّ بالطّائف.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: وأمّا قولك: لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكّة أو عروة بالطّائف، فإنّ اللَّه ليس يستعظم مال الدّنيا، كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده، كما له خطر عندك، بل لو كانت الدّنيا عنده تعدل جناح بعوضة، لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء، وليس قسمة اللَّه إليك، بل اللَّه هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس هو- عزّ وجلّ- ممّن يخاف أحدا، كما تخاف أنت، لماله وحاله فعرفته بالنّبوّة لذلك، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله أو في حاله، كما تطمع أنت، فتخصّه بالنّبوّة لذلك، ولا ممّن يحبّ أحدا محبّة الهوى، كما تحبّ أنت، فتقدم من لا يستحقّ التّقديم، وإنّما معاملته بالعدل فلا يؤثر  لأفضل مراتب الدّين [و جلاله‏]  إلّا الأفضل في طاعته والأجد  في خدمته، وكذا لا يؤخّر في مراتب الدّين [و جلاله‏]  إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته.

و إذا كان هذا صفته، لم ينظر إلى مال ولا إلى حال، بل هذا المال والحال من‏تفضّله وليس لأحد من عباده عليه ضربة  لازب ، فلا يقال له: إذا تفضّلت بالمال على عبد فلا بدّ أن تتفضل عليه بالنّبوّة- أيضا- لأنّه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده، ولا إلزامه تفضّلا لأنّه تفضّل قبله بنعمة.

ألا ترى، يا عبد اللَّه، كيف أغنى واحدا وقبّح صورته، وكيف حسّن صورة واحد وأفقره، وكيف شرّف واحدا وأفقره وكيف أغنى واحدا ووضعه، ثمّ ليس لهذا الغنيّ أن يقول: هلّا أضيف إلى يساري جمال فلان، ولا للجميل أن يقول: هلّا أضيف إلى جمالي مال فلان، ولا للشّريف أن يقول: هلّا أضيف إلى شر في مال فلان، ولا للوضيع أن يقول: هلّا أضيف إلى مالي  شرف فلان، ولكنّ الحكم للَّه يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله.

و ذلك قوله: وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال اللَّه: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا محمّد نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

فأحوجنا بعضا إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته. فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضّروب، إمّا سلعة معه ليست معه، وإمّا خدمة يصلح لها لا يتهيّأ لذلك الملك أن يستغني إلّا به، وإمّا باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا [الفقير] . فهذا الفقير  يحتاج إلى مال ذلك الملك الغنيّ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثمّ ليس للملك أن يقول: هلّا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول: هلّا اجتمع إلى معرفتي  وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: لو حلف القانع  بتملّكه الدّارين، لصدّقه اللَّه- عزّ وجلّ- بذلك ولأبرّه  لعظم شأن مرتبته في القناعة، ثمّ كيف‏لا يقنع العبد بما قسم اللَّه- عزّ وجلّ- له وهو يقال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. فمن أذعن  وصدّقه بما شاء ولما شاء  بلا غفلة وأيقن بربوبيّته ، أضاف تولية الإقسام إلى نفسه بلا سبب، ومن قنع بالمقسوم استراح من الهمّ والكرب.

وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ: وأوقعنا بينهم التّفاوت في الرّزق وغيره.

لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا: ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم، فيحصل بينهم تآلف وتضامّ ينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر.

ثمّ إنّه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرّف، فكيف يكون فيما هو أعلى منه.

وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ: هذه، يعني: النّبوّة وما يتبعها.

خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ : من حطام الدّنيا، والعظيم من رزق منها لا منه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي، متّصلا بآخر ما نقلنا عنه، أعني: قوله: مال هذا الملك الغنيّ. ثمّ قال: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا. ثمّ قال: يا محمّد [قل لهم:]  وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، [أي: ما]  يجمعه هؤلاء من أموال الدّنيا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ولو لا أن يرغبوا في الكفر، إذا رأوا الكفّار في سعة وتنعّم لحبّهم الدّنيا، فيجتمعوا عليه.

لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ: ومصاعد، جمع معرج.

و قرئ : «معاريج» جمع معراج.

عَلَيْها يَظْهَرُونَ : يعلون السّطوح لحقارة الدّنيا.

و «لبيوتهم» بدل من «لمن» بدل الاشتمال، أو علة، كقولك: وهبت له ثوبا لقميصه.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو: «سقفا» اكتفاء بجمع «البيوت».و قرئ : «سقفا» وهو لغة في «سقف».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، أي: على مذهب واحد. لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: المعارج الّذي يظهرون بها .

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللَّه بن غالب [الأسدي‏]  [عن أبيه‏] ، عن سعيد بن المسيّب قال: سألت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.

فقال : عنى بذلك: أمّة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- أن يكونوا على دين واحد كفّارا كلّهم لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ.

و لو فعل ذلك بأمة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- لحزن المؤمنون وغمّهم ذلك، ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد اللَّه بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- وذكر كما نقلنا عن كتاب العلل.

... إلى قوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ‏

فإنّه ليس في أصول الكافي.

وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ : أي: أبوابا وسررا من فضّة.

وَ زُخْرُفاً: وزينة، عطف على «سقفا». أو ذهبا، عطفا على محلّ من «فضّة».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: عَلَيْها يَظْهَرُونَ. قال: وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً قال: البيت المزخرف بالذّهب.

قال الصّادق- عليه السّلام- لو فعل اللَّه ذلك لما آمن أحد، ولكنّه جعل [في‏المؤمنين أغنياء، وفي الكافرين فقراء، و]  في المؤمنين فقراء وفي الكافرين أغنياء، ثمّ امتحنّهم بالأمر والنّهي والصّبر والرّضا.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى منصور بن يونس قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: قال اللَّه- عزّ وجلّ-: لو لا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه ، لعصّبت الكافر بعصابة من ذهب.

و في أصول الكافي»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد عن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلا، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ فقراء المؤمنين  يتقلّبون  في رياض الجنّة قبل أغنيائهم أربعين خريفا.

ثمّ قال: سأضرب لك مثل ذلك، إنّما [مثل ذلك‏]  مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر  فنظر في إحداهما  فلم ير فيها شيئا  فقال: أسربوها ، ونظر في الأخرى فإذا هي موقورة  فقال: احبسوها.

و بإسناده  قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لو لا إلحاح المؤمنين على اللَّه في طلب الرّزق، لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى حال أضيق منها.

و بإسناده  إلى سعدان قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إن اللَّه- عزّ وجلّ- يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيها بالمعتذر إليهم، فيقول:

و عزّتي وجلالي، ما أفقرتكم في الدّنيا من هو ان بكم عليّ، ولترون ما أصنع بكم اليوم، فمن زوّد [أحدا]  منكم في دار الدّنيا معروفا، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال: فيقول رجل منهم: يا ربّ، إنّ أهل الدّنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النّساء ولبسوا الثّياب اللّيّنة وأكلوا الطّعام وسكنوا الدّور وركبوا المشهور من الدّواب، فأعطني مثل ما أعطيتهم.

فيقول- تعالى-: لك ولكلّ عبد منكم  مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت الدّنيا إلى أن انقضت الدّنيا سبعون ضعفا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن إسماعيل بن سهل وإسماعيل بن عباد، جميعا، يرفعانه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلّا فقيرا ولا كافر إلّا غنيّا، حتّى جاء إبراهيم- عليه السّلام- فقال:

رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا . فصير اللَّه في هؤلاء أموالا وحاجة، [و في هؤلاء أموالا وحاجة] .

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: جاء رجل  موسر  إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [نقيّ الثوب، فجلس إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  فجاء رجل معسر  درن الثّوب  فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أخفت أن يمسّك من فقره شي‏ء؟

 [قال: لا.

قال: فخفت أن يصيبه من غناك شي‏ء؟]  قال: لا.

قال فخفت أن يوسّخ ثيابك؟

قال: لا.

قال: فما حملك على ما صنعت؟قال: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- إن لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح ويقبّح لي كلّ حسن، وقد جعلت له نصف مالي.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- للمعسر: أ تقبل.

قال: لا.

فقال له الرّجل: ولم؟

قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك.

و بإسناده  إلى حفص بن غياث: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: في مناجاة موسى- عليه السّلام-: [يا موسى‏]  إذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصّالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجّلت عقوبته.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: طوبى للمساكين بالصّبر، وهم الذين يرون ملكوت السّموات [و الأرض‏] .

و بإسناده  قال : قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر المساكين، طيبوا نفسا وأعطوا اللَّه الرّضا من قلوبكم يثبكم اللَّه على فقركم، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم  الحذّاء، عن محمّد بن صغير ، عن جدّه، شعيب [عن مفضّل‏]  قال: [قال‏]  أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-:

لو لا إلحاح هذه الشّيعة على اللَّه في طلب الرّزق، لنقلهم من الحال الّتي هم عليها إلى ما هو أضيق منها.

و بإسناده  إلى المفضّل بن عمر: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إن اللَّه ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدّنيا، كما يتعذر الأخ إلى أخيه، فيقول:و عزّتي، ما أحوجتك في الدّنيا من هو ان كان بك عليّ، فارفع هذا السّجف  فانظر إلى ما عوّضتك من الدّنيا.

فيرفع فيقول: ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن مبارك، غلام شعيب قال: سمعت أبا الحسن، موسى- عليه السّلام- يقول: إنّ اللَّه يقول:

إنّي لم أغن الغنيّ لكرامة به عليّ، ولم أفقر الفقير لهوان به عليّ، وهو ممّا ابتليت به الأغنياء بالفقراء ، ولو لا الفقراء ، لم يستوجب الأغنياء الجنّة.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الفقر الموت الأحمر.

فقلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: الفقر من الدّينار والدرهم؟

قال: لا، ولكن من الدّين.

وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا.

 «إن» هي المخفّفة، و«اللّام» هي الفارقة.

و قرأ  حمزة وعاصم وهشام: «لمّا» بالتّشديد، بمعنى: إلّا، و«إن» نافية.

و قرئ  به  مع «إن» و«ما».

وَ الْآخِرَةُ: خير عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ : الكفر والمعاصي.

و فيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدّنيا، وإشعار بما لإجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتّى يجتمع النّاس على الإيمان، وهو أنّه تمتّع قليل بالإضافة إلى ما لهم في الآخرة مخلّ به في الأغلب لما فيه من الآفات قلّ من يتخلّص عنها، كما أشار إليه بقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ يتعام ويعرض عنه، لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشّهوات.و قرئ : «يعش» بالفتح، أي: يعم. يقال: عشي: إذا كان في بصره آفة .

و عشى: إذا تعشى بلا آفة، كعرج وعرج.

و قرئ : «يعشو» على أنّ «من» موصولة.

نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً: يوسوسه ويغويه دائما.

و قرأ  يعقوب، بالياء، على إسناده إلى ضمير الرّحمن.

و من رفع «يعشو» ينبغي أن يرفعه.

و «التّقيّض» الإتاحة، قيّض اللَّه فلانا لفلان : جاء به.

فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ  وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ: عن الطّريق الّذي من [حقّه أن‏]  يسبل.

و جمع الضميرين للمعنى، إذ المراد: جنس العاشي، والشّيطان المقيّض لهم.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: من تصدّى  بالإثم أعشى  عن ذكر اللَّه . من ترك الأخذ عمّن  أمر اللَّه بطاعته، قيّض  له شيطان فهو له قرين.

وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ .

الضّمائر الثّلاثة : الأول له ، والباقيان للشّيطان، أي: يحسبون أن الشياطين يهتدون فيتّبعونهم، والمراد: رؤساء الضّلالة وعلماء السّوء.

حَتَّى إِذا جاءَنا، أي: العاشي.

و قرأ  الحجازيّان وابن عامر وأبو بكر: «جاء انا»، أي: العاشي والشّيطان.

 «قال»، أي: العاشي للشّيطان.يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ: بعد المشرق والمغرب، فغلّب المشرق وثنّي، وأضيف البعد إليهما.

فَبِئْسَ الْقَرِينُ : أنت.

و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها: ولئن تقمّصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ وركباها ضلالة واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما مهّدا، يتلاعنان في دورهما، ويتبرأ كلّ منهما من صاحبه، يقول  لقرينه إذا التقيا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ. فيجيبه الأشقى على رثوثة: يا ليتني لم اتّخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذّكر بعد إذ جاءني، وكان الشيطان للإنسان خذولا . فأنا الذّكر الّذي عنه ضلّ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد الكريم [بن عبد الرحيم‏] ، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت هاتان الآيتان هكذا: «حتّى إذا جاءانا» ، يعني:

فلانا وفلانا، يقول أحدهما لصاحبه حين يراه: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ.

وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ، أي: ما أنتم عليه من التّمنّي.

إِذْ ظَلَمْتُمْ: إذ صحّ أنكم ظلمتم أنفسكم في الدّنيا. بدل من اليوم.

أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ : لأنّ حقّكم أن تشتركوا  أنتم وشياطينكم في العذاب، كما كنتم مشتركين في سببه.

و يجوز أن يسند الفعل إليه، بمعنى: ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب، كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسّمهم بمكابدة عنائده، إذ لكلّ‏منكم ما لا تسعه طاقته .

و قرئ : «إنّكم» بالكسر، وهو يقوّي الأوّل.

و في شرح الآيات الباهرة : قال  محمد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاري، عن محمد بن خالد البرقيّ، عن أبي أسلم، عن أيّوب البزّاز، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ آل محمّد حقّهم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ.

أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ: إنكار تعجيب من أن يكون هو الّذي يقدر على هدايتهم بعد تمرّنهم على الكفر واستغراقهم في الضّلال، بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصّمم .

قيل : كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلّا غيّا، فنزلت.

وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : عطف على «العمي» باعتبار تغاير الوصفين. وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكّنهم في ضلال لا يخفى.

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ، أي: فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم. و«ما» مزيدة مؤكّدة  بمنزلة لام القسم في استجلاب النّون المؤكّدة.

فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ : بعذاب في الدّنيا وفي الآخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللَّه-، متّصلا بقوله: فَبِئْسَ الْقَرِينُ. فقال اللَّه لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قل لفلان وفلان وأتباعهما: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ آل محمد حقّهم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ.

ثمّ قال لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، يعني: من فلان وفلان.حدّثني  أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ يا محمّد [من مكّة]  إلى المدينة فإنّا رادّوك إليها، ومنتقمون منهم بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في مجمع البيان : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ (الآية)

روي: أنّه اري ما تلقى أمّته بعده، فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتّى لقي اللَّه.

و روى  جابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ قال: إنّي لأدناهم من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في حجّة الوداع بمنى حتّى قال: لألفينكم  ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم اللَّه، لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة الّتي تضاربكم.

ثمّ التفت إلى خلفه فقال: أو عليّ أو عليّ [ثلاث مرّات‏] . فرأينا أنّ جبرئيل غمزه فأنزل اللَّه على إثر ذلك: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في تفسير فرات بن إبراهيم  قال: حدّثنا أبو القاسم [العلويّ‏]  قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفيّ قال: حدّثنا الفضل بن يوسف القصبانيّ قال: حدثني إبراهيم بن الحكم بن ظهير قال: حدّثنا  أبي، عن  السّدّيّ، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس، في قوله- تعالى-: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ قال: بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى النّوفليّ، عن عيسى بن مهران، عن يحيى بن حسن بن فرات، بإسناده إلى حرب  بن أبي الأسود الدّؤليّ، عن عمّه أنّه قال: إنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- [قال:]  لمّا نزلت فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أي: بعليّ- عليه السّلام-. كذلك حدّثني جبرئيل.و قال- أيضا- : حدّثني عبد العزيز بن يحيى، عن المغيرة بن محمّد، عن عبد الغفّار بن محمّد، عن منصور بن أبي الأسود، عن زياد بن المنذر، عن عديّ بن ثابت قال:

سمعت ابن عبّاس يقول: ما حسدت قريش عليّا- عليه السّلام- بشي‏ء ممّا سبق له أشدّ ممّا وجدت يوما ونحن عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: كيف أنتم [معشر قريش‏]  لو قد كفرتم من بعدي فرأيتموني في كتيبة أضرب وجوهكم بالسيف؟

فهبط عليه جبرئيل فقال: قل: إن شاء اللَّه أو عليّ.

فقال: إن شاء اللَّه أو عليّ- عليه السّلام-.

و قال- أيضا- : حدّثني الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [قال:]  قال اللَّه: أنتقم بعليّ- عليه السّلام- يوم البصرة  وهو اليوم  الّذي وعد اللَّه رسوله.

و قال- أيضا- : حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن عليّ بن هلال، عن محمّد بن الرّبيع قال: قرأت على يوسف الأزرق حتّى انتهيت في الزّخرف فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ.

قال: يا محمّد، أمسك. فأمسكت.

فقال يوسف: قرأت على الأعمش، فلمّا انتهيت إلى هذه الآية قال: يا يوسف، أ تدري فيمن نزلت؟

قلت: اللَّه أعلم.

قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ بعليّ «منتقمون» محيت واللَّه من القرآن، واختلست واللَّه من القرآن.

أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ: أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم.و قرأ  يعقوب برواية رويس: «أو نرينك» بإسكان النّون، وكذا «نذهبن».

فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ : لا يفوتوننا.

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ: من الآيات والشّرائع.

و قرئ : «أوحى» على البناء للفاعل، وهو اللَّه.

إِنَّكَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : لا عوج له.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن النّضر بن شعيب، عن خالد بن ماد ، عن محمّد بن الفضل ، عن الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أوحى اللَّه إلى نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

قال: إنّك على ولاية عليّ- عليه السّلام-. وعلي- عليه السّلام- هو الصّراط المستقيم.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-:]  حدّثنا عليّ ابن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن عليّ بن هلال، عن الحسن بن وهب، عن جابر ابن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- تبارك وتعالى-: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ قال: في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- .

و روى الشّيخ محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن النّضر بن شعيب، بإسناده إلى محمّد بن الفضل ، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أوحى اللَّه إلى نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ في ولاية عليّ- عليه السّلام- عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. [و علي هو الصراطالمستقيم‏] .

وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ: لشرف لك.

وَ لِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ، أي: عنه يوم القيامة، وعن قيامك بحقّه.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللَّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نحن قومه، ونحن المسئولون.

الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه، عبد الرّحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قوله:

وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.

قال: إيّانا عنى، ونحن أهل الذّكر، ونحن المسئولون.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. فرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأهل بيته المسئولون، وهم أهل الذّكر.

أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجل-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ قال: «الذّكر القرآن» ونحن قومه، ونحن المسئولون.

محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل، عن محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين، جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، و عبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- ونقل حديثاطويلا، يقول فيه: وسمّى اللَّه القرآن: ذكرا، فقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.

عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السنديّ ، عن جعفر بن بشير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن شهادة ولد الزّنا تجوز؟

فقال: لا.

فقلت: إن الحكم بن عتيبة  يزعم أنّها تجوز.

فقال: اللّهم، لا تغفر ذنبه، ما قال اللَّه للحكم : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ فليذهب الحكم يمينا وشمالا، فو اللَّه، لا يؤخذ العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا يحيى بن زكريّاء، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ فقال: «الذّكر» القرآن، ونحن قومه، ونحن المسئولون.

و في بصائر الدّرجات : العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر  بن يزيد قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ قال: «الذّكر»  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وأهل بيته أهل الذّكر، وهم المسئولون.

يعقوب بن يزيد ، عن  ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن  معاوية، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- تعالى-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. قال: إنّما عنانا بها. نحن أهل الذّكر، ونحن المسئولون.و في شرح الآيات [الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-:] . حدّثنا محمّد ابن القاسم، عن الحسين بن الحكم، عن حسين بن  نصر، عن أبيه، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. فنحن قومه، ونحن المسئولون.

و قال- أيضا- : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن سلام، عن أحمد بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.

قال: إيّانا عنى، ونحن أهل الذّكر، ونحن المسئولون.

و قال- أيضا- : حدّثنا الحسين بن عامر، عن محمّد بن الحسين، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد  الحلبيّ [عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-]  قال: قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. فرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [الذكر]  وأهل بيته أهل الذّكر، وهم المسئولون أمر اللَّه النّاس أن  يسألونهم، فهم ولاة النّاس وأولاهم بهم، فليس يحلّ لأحد من النّاس أن يأخذ هذا الحقّ الّذي افترضه اللَّه لهم.

و قال- أيضا- : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يوسف، عن صفوان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: قوله- تعالى-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ [من هم‏] ؟

قال: نحن هم.

و روي  عن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسين بن يوسف ، عن أبيه، عن ابني‏القاسم، عن عبد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.

قال: قوله: «و لقومك»، يعني: عليّا أمير المؤمنين- عليه السّلام-. «و سوف تسألون» عن ولايته.

وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا: واسأل رسل  أممهم وعلماء دينهم.

و في شرح الآيات الباهرة : روى من طريق العامّة أبو نعيم الحافظ، أنّ النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ليلة اسري [به إلى السّماء]  جمع اللَّه بينه وبين الأنبياء، ثمّ قال له: سلهم، يا محمّد، على ما ذا بعثتم؟

فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

محمّد بن العبّاس - رحمه اللَّه-، عن جعفر بن محمّد الحسنيّ ، عن عليّ بن إبراهيم القطّان، عن عبّاد بن يعقوب، عن محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سويد، عن علقمة، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في حديث الإسراء:

فإذا ملك قد أتاني، فقال: يا محمّد، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما ذا بعثتم؟

فقلت لهم: معاشر الرّسل والنّبيّين، على ما ذا بعثكم اللَّه قبلي؟

قالوا: على ولايتك [يا محمّد] ، وولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

الحسن بن أبي الحسن الديلميّ ، بإسناده، عن رجاله إلى محمّد بن مروان قال:

حدّثنا السّائب بإسناده إلى ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لما عرج بي إلى السّماء انتهى بي المسير مع جبرئيل إلى السّماء الرّابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر.

فقال لي جبرئيل: يا محمّد، هذا البيت المعمور خلقه اللَّه قبل خلق السّموات‏و الأرض بخمسين ألف عام، فصلّ فيه. فقمت للصّلاة وجمع اللَّه النّبيّين والمرسلين، فصفّهم جبرئيل صفّا فصلّيت بهم.

فلمّا سلّمت أتاني آت من عند ربّي، فقال: يا محمّد، ربّك يقرئك السّلام، ويقول لك: سل الرّسل على ما ذا أرسلتم من قبل ؟

فقلت: معاشر الأنبياء والرّسل، على ما ذا بعثكم ربّي قبلي؟

قالوا: على ولايتك، وولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و ذلك قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا.

و من طريق العامّة: عن أبي نعيم الحافظ ، عن محمّد بن حميد ، يرفعه عن ابن عبّاس في تفسير قوله- تعالى-: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا قال: قال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا جمع اللَّه بيني وبين الأنبياء ليلة الإسراء قال اللَّه: سلهم، يا محمّد، على ما بعثتم؟

قالوا: بعثنا اللَّه على شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والإقرار  بنبوّتك، وعلى الولاية لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و من طريق الخاصّة: روى الشّيخ محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث اللَّه  رسولا إلّا بنبوّة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- ووصيّة عليّ- عليه السّلام-.

و روى- أيضا- ، عن محمّد بن أحمد ، عن سلمة بن الخطّاب، عن عليّ بن سيف ، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق العمشاني ، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ولايتنا ولاية اللَّه الّتي لم يبعث اللَّه‏نبيّا إلّا بها.

و روي الشّيخ أبو جعفر الطّوسي - رحمه اللَّه- في أماليه مسندا ، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد الصّادق- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما قبض اللَّه نبيّا حتّى أمره أن يوصي إلى أفضل عترته من عصبته، وأمرني أن أوصي.

فقلت: إلى من، يا ربّ؟

فقال: أوص، يا محمّد، إلى ابن عمّك، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فإنّي قد أثبتّه في الكتب السّالفة، وكتبت فيها: أنّه وصيّك، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي، أخذت مواثيقهم لي بالرّبوبية، ولك يا محمّد بالنّبوّة، ولعليّ بن أبي طالب بالولاية.

و روى الشّيخ محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: ما من نبيّ جاء قطّ إلّا بمعرفتنا وتفضيلنا على من سوانا.

و روي  مسندا مرفوعا، عن جابر بن عبد اللَّه أنّه قال: قال لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا جابر، أيّ الإخوة أفضل؟

قال: قلت: البنين  من الأب والأمّ.

فقال: إنّا، معاشر الأنبياء، إخوة وأنا أفضلهم، وأحبّ الإخوة إليّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فهو عندي أفضل من الأنبياء: فمن زعم أنّ الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلّهم، ومن جعلني أقلّهم فقد كفر، لأنّي لم أتّخذ عليّا أخا إلا لما علمت من فضله وأرمني ربّي بذلك.

و روي المفضّل بن محمّد المهلبيّ ، عن رجاله مسندا، عن محمّد بن ثابت قال:حدّثني أبو الحسن، موسى- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لعليّ: أنا رسول اللَّه المبلّغ عنه، وأنت وجه اللَّه و»

 المؤتمّ به، فلا نظير لي إلّا أنت، ولا مثل لك إلّا أنا.

أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ : هل حكمنا بعبادة الأوثان، وهل جاءت في ملّة من مللهم؟

و المراد به: الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التّوحيد، والدّلالة على أنّه ليس ببدع أبدعه فيكذّب ويعادى له، فإنّه كان أقوى ما حملهم على التّكذيب والمخالفة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي الرّبيع قال: حججت مع أبي جعفر- عليه السّلام- في السّنة الّتي حجّ فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع بن الأزرق مولى عمر بن الخطّاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر- عليه السّلام- في ركن البيت وقد اجتمع إليه النّاس.

فقال [لهشام‏] : يا أمير المؤمنين، من هذا الّذي تتكافأ  عليه [الناس‏] ؟

فقال: هذا نبيّ أهل الكوفة، محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-.

فقال نافع: لأئتيه فأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصي نبيّ [أو ابن وصيّ‏] .

فقال هشام: فاذهب إليه فاسأله، فلعلّك أن تخجله.

فجاء نافع فاتكى على النّاس ثمّ أشرف على أبي جعفر- عليه السّلام- فقال: يا محمّد بن عليّ، إنّي قرأت التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئتك أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصي نبيّ أو ابن وصيّ نبيّ.

فرفع إليه أبو جعفر- عليه السّلام- رأسه، فقال: سل.فقال: أخبرني كم بين عيسى ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- من سنة؟

فقال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

فقال: أخبرني بالقولين جميعا.

فقال: أما بقولي فخمسمائة سنة، وأمّا بقولك فستّمائة سنة.

فقال: فأخبرني عن قول اللَّه: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا (الآية) من ذا الّذي سأله  محمّد وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟

قال: فتلا أبو جعفر- عليه السّلام- هذه الآية : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، فكان من الآيات الّتي أراها اللَّه محمّدا حين اسري به إلى بيت المقدس أن حشر اللَّه له الأولين والآخرين من النّبيّين والمرسلين، ثمّ أمر جبرئيل فأذّن شفعا وأقام شفعا، ثمّ قال في إقامته: حيّ على خير العمل. ثمّ تقدّم محمد- صلّى اللَّه عليه وآله- فصلّى بالقوم، فأنزل اللَّه عليه: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا (الآية).

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: على ما تشهدون، وما كنتم تعبدون؟

فقالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنّك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا.

قال نافع: صدقت، يا ابن رسول اللَّه. يا أبا جعفر، أنتم واللَّه أوصياء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وخلفاؤه في التّوراة، وأسماؤكم في الإنجيل وفي الزّبور وفي الفرقان، وأنتم أحق بالأمر من غيركم.

و في روضة الكافي : عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، ثابت بن دينار الثّماليّ وأبي  منصور، عن أبي الرّبيع، مثله.

... إلى قوله: قال نافع: صدقت. من غير تغيير وحذف مغيّر للمعنى.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين حديث طويل، يقول فيه:و أمّا قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا. فهذا من براهين نبيّنا- صلّى اللَّه عليه وآله- الّتي آتاه اللَّه إياها وأوجب به الحجّة على سائر خلقه، لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله اللَّه رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل خصّه بالارتفاء إلى السّماء عند المعراج، وجمع له يومئذ الأنبياء، فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من عزائم اللَّه وآياته وبراهينه، فأقرّ الأجمعون  بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة  وصيّه من المؤمنين والمؤمنات الّذين سلّموا لأهل الفضل فضلهم، ولم يستكبروا عن أمرهم، وعرف من أطاعهم وعصاهم من أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدّم أو تأخّر.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ .

يريد باقتصاصه: تسلية الرّسول، ومناقضة قولهم: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. والاستشهاد بدعوة موسى إلى التّوحيد.

فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا [إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ : (فاجئوا لوقت ضحكهم منها، أي:)  استهزؤوا بها أوّل ما رأوها ولم يتأمّلوا فيها.

وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها:]  إلّا وهي بالغة أقصى درجات الإعجاز، بحيث يحسب النّاظر فيها أنّها أكبر ممّا يقاس إليها من الآيات، والمراد:

وصف الكلّ بالكبر، كقولك: رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض.

أو إلّا وهي مختصّة بنوع من الإعجاز، مفضلّة على غيرها بذلك الاعتبار.

وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ، كالسّنين والطّوفان والجراد.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : على وجه يرجى رجوعهم.

وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ: نادوه بذلك في تلك الحال لشدّة شكيمتهم وفرط حماقتهم، أو لأنّهم كانوا يسمّون العالم الباهر: ساحرا.

و قرأ  ابن عامر، بضمّ الهاء.ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ: بعهده عندك من النبوة. أو من أن يستجيب دعوتك. أو أن يكشف العذاب عمّن اهتدى. أو بما عهد عندك فوفيت به، وهو الإيمان والطّاعة.

إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ : إن تدع لنا فيكشف عنّا العذاب.

فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ : فاجئوا نكث عهدهم بالاهتداء.

وَ نادى‏ فِرْعَوْنُ: بنفسه، أو بمناديه.

فِي قَوْمِهِ: في مجمعهم، أو فيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم.

قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ، أي: أنهار النّيل.

قيل : معظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِي: تحت قصري، أو أمري، أو بين يدي في جناني.

و «الواو» إما عاطفة «لهذه الأنهار» على «الملك» و«تجري» حال منها، أو واو حال و«هذه» مبتدأ و«الأنهار» و«تجري» خبرها.

أَ فَلا تُبْصِرُونَ : ذلك.

أَمْ أَنَا خَيْرٌ: مع هذه الأملاك والبسطة مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ: ضعيف حقير لا يستعدّ للرّئاسة. من المهانة، وهي القلّة.

وَ لا يَكادُ يُبِينُ : الكلام لما به من الرّتّة ، فكيف يصلح للرّسالة.

و «أم» إمّا منقطعة والهمزة فيها للتّقرير، إذ قدّم من أسباب فضله. أو متّصلة على إقامة المسبّب مقام السّبب، والمعنى: أ فلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أنّي خير منه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَلا يَكادُ يُبِينُ قال: لم يبين الكلام.

فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، أي: فهلّا ألقي عليه مقاليد الملك إن‏كان صادقا.

قيل : إذ كانوا إذا سوّدوا  رجلا سوّروه وطوّقوه بسوار وطوق من ذهب.

و «أساورة» جمع إسوار ، بمعنى: السّوار، على تعويض التاء من ياء أساوير، وقد قرئ به.

و قرأ  يعقوب وحفص: «أسورة»، وهي جمع سوار.

و قرئ  أساور، جمع أسورة. و«ألقى [عليه أسورة» و«أساور»]  على بناء الفاعل، وهو اللَّه.

و في نهج البلاغة : ولقد دخل موسى بن عمران، ومعه أخوه هارون، على فرعون وعليهما مدارع الصّوف وبأيديهما العصيّ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزّه، فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذّلّة، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب؟ إعظاما للذّهب وجمعه، واحتقارا للصّوف ولبسه! ولو أراد اللَّه- عليه السّلام- سبحانه- لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، ومعادن  العقيان ، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السّماء ووحوش الأرضين لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحلّت الأنباء ، ولما وجب للقابلين  أجور المبتلين، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها.

و لكنّ اللَّه- سبحانه- جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى.و لو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام، وعزة لا تضام، وملك تمدّ نحوه أعناق الرّجال، [و تشدّ إليه عقد الرّحال‏]  لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وأبعد لهم في الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت السّيّئات مشتركة، والحسنات مقتسمة.

و لكنّ اللَّه أراد أن يكون الاتّباع لرسله، والتّصديق بكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصّة لا يشوبها من غيرها شائبة، وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء  أجزل.

أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ : مقرونين يعينونه أو يصدّقونه، من قرنته به، فاقترن. أو متقارنين، من اقترن، بمعنى: تقارن.

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ: فطلب منهم الخفّة في مطاوعته. أو فاستخفّ أحلامهم.

فَأَطاعُوهُ: فيما أمرهم به.

إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ : فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.

فَلَمَّا آسَفُونا: أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان. منقول من أسف: إذا اشتدّ غضبه.

انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ : في اليمّ.

في كتاب التوحيد ، بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد اللَّه، [عن أبيه،]»

 رفعه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال: إنّ اللَّه لا يأسف، كأسفنا، ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مدبّرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لأنّه جعلهم الدّعاة إليه والأدلّاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلى اللَّه، كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك.

و قد قال- أيضا-: من أهان لي وليّا، فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها. وقال‏- أيضا- : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ. وقال- أيضا- : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ. وكلّ هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرّضاء والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل  ذلك.

و لو كان يصل إلى المكوّن الأسف والضّجر، وهو الّذي أحدثهما وأنشأهما، لجاز لقائل أن يقول: إنّ المكوّن يبيد يوما ما، لأنّه إذا دخله الضّجر والغضب دخله التّغيّر، فإذا دخله التّغيّر لم يؤمن عليه الإبادة.

و لو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوّن [من المكوّن‏] ، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى اللَّه عن هذا القول علوّا كبيرا، هو الخالق للأشياء لا لحاجة، [فإذا كان لا لحاجة]  استحال الحدّ والكيف فيه. فافهم [ذلك إن شاء اللَّه- تعالى-] .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمّه، حمزة بن بزيع، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه:

فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فقال: إنّ اللَّه لا يأسف، كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون، مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنّه جعلهم الدّعاة إليه-

و ذكر الى آخر ما نقلنا عن كتاب التّوحيد من غير تغيير وحذف مغيّر للمعنى.

فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً: قدوة لمن بعدهم من الكفّار يهتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم. مصدر نعت به، أو جمع سالف، كخدم وخادم.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بضمّ السّين واللام، جمع سليف كرغف [و رغيف‏] .

أو سالف، كصبر [جمع صابر] . أو سلف، كخشب.و قرئ : «سلفا» بإبدال ضمّة اللّام فتحة. أو على أنّه جمع سلفة، أي: ثلّة سلفت.

وَ مَثَلًا لِلْآخِرِينَ : وعظة لهم. أو قصّة عجيبة تسير مسير الأمثال لهم، فيقال: مثلكم مثل قوم فرعون.

وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا قيل : أي: ضربه ابن الزّبعري لما جادل رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- في قوله: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. أو غيره بأن قال: النصارى أهل كتاب، وهم يعبدون عيسى ويزعمون أنه ابن اللَّه، والملائكة أولى بذلك.

و قيل : معناه: ولمّا ضرب وصف ابن مريم شبيها في العذاب بالآلهة، أي:

فيما قالوا على زعمهم، وذلك أنّه لمّا نزل قوله: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قال المشركون: قد رضينا بأن تكون آلهتنا حيث يكون عيسى، فإن كان عيسى في النّار فكذلك آلهتنا.

و قيل : إنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا مدح المسيح وأمّه، وأنّه كآدم في الخاصّيّة، قالوا: إنّ محمّدا يريد أن نعبده، كما عبدت النّصارى عيسى.

إِذا قَوْمُكَ: قريش.

مِنْهُ: من هذا المثل.

يَصِدُّونَ : يضجّون فرحا، لظنّهم أن الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- صار ملزما به.

و قرأ  نافع وابن عامر والكسائي، بالضّمّ، من الصّدود، أي: يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه.

و قيل : هما لغتان، نحو: يعكف ويعكف.

و في كتاب معاني الأخبار : حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال:حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن الحسين بن بريد النّوفليّ، عن اليعقوبيّ، عن عيسى بن عبد اللَّه الهاشميّ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ قال:

الصّدود في العربيّة: الضّحك.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني سعيد بن الحسين بن مالك قال: حدثنا أبو الحسن، يعني: عبد الواحد، قال: حدّثنا الحسن  بن يحيى بن [أبي‏]  يعلى، عن الصّباح بن يحيى، عن الحارث بن حصرة ، عن ربيعة بن ناجد  قال:

سمعت عن أمير المؤمنين عليّ  بن أبي طالب- عليه السّلام- يقول: فيّ نزلت هذه الآية وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا (الآية).

و قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن يوسف [قال: حدّثني يوسف‏]  بن [موسى ابن‏]  عيسى بن عبد اللَّه قال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: جئت إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وهو في ملأ من قريش، فنظر إليّ ثمّ قال: يا عليّ، إنّما مثلك في هذه الأمّة كمثل عيسى بن مريم، أحبّه قوم فأفرطوا، وأبغضه قوم فأفرطوا.

فضحك الملأ الّذين عنده وقال: انظروا  كيف يشبّه ابن عمّه بعيسى بن مريم.

قال: فنزل الوحي: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا (الآية).

و قال : حدّثنا أحمد بن قاسم قال: أخبرنا عبادة، يعني: ابن زيادة، قال:حدّثنا محمّد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد ، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا عليّ، إن فيك مثلا من عيسى بن مريم، إنّ اليهود أبغضوه حتّى بهتوه ، وأن النّصارى أحبّوه حتى جعلوه إلها، ويهلك فيك رجلان: محبّ مفرط ، ومبغض مفتر.

قال المنافقون: [ما يألوا]  ما رفع بضبع  ابن عمّه جعله مثلا لعيسى بن مريم، وكيف يكون هذا؟ وضجّوا ما قالوا.

فأنزل اللَّه هذه الآية: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، أي:

يضجّون.

قال: وهي قراءة ابيّ بن كعب .

و قال : حدّثني الحسين بن سعيد ومحمّد بن عيسى بن زكريّا قالا: حدّثنا يحيى ابن أبي  الصّباح المزنيّ، عن عمرو بن عمير، عن أبيه قال: بعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عليّا إلى شعب فأعظم فيه العناء ، فلما أن جاء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال:

يا عليّ،- عليه السّلام- قد بلغني عناؤك  والّذي صنعت، وأنا عنك راض.

قال: فبكى عليّ- عليه السّلام-.

فقال  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما يبكيك، يا عليّ- عليه السّلام- أفرح أم حزن؟

قال: بل فرح. وما لي لا أفرح، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأنت عنّي‏راض؟! قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: أما وإنّ  اللَّه وملائكته وجبرئيل وميكائيل عنك راضون. أما واللَّه، لو لا أن يقول  فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك قولا لا تمرّ بملإ منهم قلّوا أو كثروا إلّا قاموا  إليك يأخذون التّراب من تحت قدميك يلتمسون البركة في ذلك.

قال: فقالت قريش: ما رضى حتّى جعله مثلا لابن مريم.

فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، قال:

يضجّون.

وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، أي: آلهتنا خير عندك أم عيسى، فإن كان في النّار فلتكن آلهتنا معه. أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى، فإذا جاز أن يعبد ويكون ابن اللَّه كانت آلهتنا أولى بذلك. أو آلهتنا خير أم محمّد، فنعبده وندع آلهتنا.

و قرأ  الكوفيّون، بتخفيف الهمزتين وألف بعدهما.

ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا: ما ضربوا هذا المثل إلّا لأجل الجدل والخصومة، لا لتمييز الحقّ من الباطل.

بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ : شداد الخصومة، حراص على اللّجاج.

إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ: بالنّبوّة.

وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ : أمرا عجيبا، كالمثل السّائر لبني إسرائيل، وهو كالجواب المزيح لتلك الشّبهة.

و في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء المرويّ: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- بعد ركعتي صلاة الغدير: ربّنا، فقد أجبنا داعيك النّذير المنذر، محمّدا عبدك ورسولك إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- الّذي أنعمت عليه وجعلته مثلا لبني إسرائيل، إنّه أمير المؤمنين ومولاهم ووليّهم إلى يوم القيامة يوم الدين، فإنّك قلت:إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ.

وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ: لولدنا منكم، كما ولدنا عيسى من غير أب.

مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ : يخلفونكم في الأرض.

و المعنى: أنّ حال عيسى وإن كانت عجيبة، فإنّ اللَّه قادر على ما هو أعجب من ذلك وهو توليد الملائكة منكم.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم، ولو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة.

قال: فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم، فقالوا:

ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى بن مريم.

فأنزل اللَّه على نبيّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ (الآية) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ يعني من بني هاشم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (الحديث).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن أبي الأعزّ، عن سلمان الفارسي قال: بينا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- جالس في أصحابه إذ قال: يدخل عليكم السّاعة شبيه عيسى بن مريم.

فخرج بعض من كان جالسا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ليكون هو الدّاخل، فدخل عليّ- عليه السّلام-.

فقال الرّجل لبعض أصحابه: أما رضي  محمّد أن فضّل عليّا علينا حتّى شبّهه  بعيسى بن مريم، واللَّه، لآلهتنا الّتي كنّا نعبدها في الجاهليّة أفضل منه.فأنزل اللَّه في ذلك المجلس: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ  وَقالُوا (الآية)- إلى قوله-: «إن عليّ إلّا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل» فمحي  اسمه عن هذا الموضع.

و في مجمع البيان : وقوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ (الآية) اختلف في المراد به على وجوه.

... إلى قوله: ورابعها، ما

رواه سادة أهل البيت، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: جئت إلى النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- يوما فوجدته في ملأ من قريش، فنظر إليّ ثم قال:

يا عليّ، إنّما مثلك في هذه الأمّة كمثل عيسى بن مريم، أحبّه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا.

فعظم ذلك عليهم فضحكوا، فقالوا: يشبّهه بالأنبياء والرّسل. فنزلت هذه الآية.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: وقال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى. فدخل عليّ- عليه السّلام- فضحكوا من هذا القول، فنزل: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا (الآية).

و في كتاب الخصال  في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على النّاس يوم الشّورى قال: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: احفظ الباب فإنّ زوّارا من الملائكة يزوروني ، فلا تأذن لأحد. فجاء عمر فرددته ثلاث مرّات، [و أخبرته‏]  أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- محتجب وعنده زوّار من الملائكة وعدّتهم كذا وكذا، ثمّ أذنت له فدخل.

فقال: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّي قد جئتك ثلاث مرّات ، وكلّ‏ذلك يردّني، ويقول: إن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- محتجب وعنده زوّار من الملائكة وعدّتهم كذا وكذا، فكيف علم بالعدّة أعاينهم؟

فقال: يا عليّ ، كيف علمت بعدّتهم؟

فقلت : اختلفت عليّ التّحيات وسمعت الأصواب فأحصيت العدد.

قال: صدقت، فإنّ فيك شبها  من أخي عيسى.

فخرج عمر وهو يقول: ضربه لابن مريم مثلا. فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ. قال: يضجّون. «و قالوا» (الآية) غيري؟

قالوا: اللّهمّ، لا.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا الحسين بن سعيد قال:

حدثنا إسماعيل، يعني: ابن إسحاق قال: حدّثنا يحيى بن سالم، عن صباح، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق، عن القاسم- أحسبه ابن جندب - قال

: بعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عليّا إلى شعب فأعظم فيه العناء ، فأتاه جبرئيل فأخبره عنه.

فلما رجع، قام إليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقبّله  وجعل يمسح عرق وجه عليّ بوجهه ، وهو يقول: قد بلغني عناؤك  والّذي صنعت، فأنا عنك راض.

قال: فبكى عليّ- عليه السّلام-.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما يبكيك، يا عليّ، أفرح أم حزن؟

فقال: [بل فرح.]  ومالي لا أفرح وأنت تخبرني، يا رسول اللَّه، أنّك عنّي.راض؟! قال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ اللَّه وملائكته وميكائيل وجبرئيل عنك رضوان. أما واللَّه، لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملإ منهم قلّوا أو كثروا، إلّا قاموا إليك ويأخذون التّراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة. قالت قريش: ما رضي [حتى جعله مثلا لابن مريم.

فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا]  إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ قال:

يضجّون. [إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ‏] .

و قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن هند الجعفيّ قال: حدّثني أحمد بن سليمان الفرقانيّ : قال لنا ابن المبارك [الصّوري‏]

: لم قال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لأبي ذرّ:

 «ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ»؟، أ لم يكن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أصدق من أبي ذرّ؟! قال: بلى.

قال: فما القصّة، يا أبا عبد اللَّه، في ذلك؟

قال: كان النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- في نفر من قريش إذ قال: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يشبه عيسى بن مريم. فاستشرفت  قريش للموضع  فلم يطلع أحد، فقام النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لبعض حاجته إذ طلع من ذلك الفجّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فلمّا رأوه قالوا: الارتداد وعبادة الأوثان أيسر علينا ممّا يشبّه ابن عمّه بنبيّ .

فقال أبو ذرّ: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّهم قالوا: كذا وكذا.فقالوا بأجمعهم: كذب. وحلفوا على ذلك، فوجد  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على أبي ذرّ ، فما برح حتى نزل عليه الوحي: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [قال: يضجّون‏] . «و قالوا» (الآية).

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّاء، عن مخدع  بن عمير الحنفيّ ، عن عمرو بن قائد، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: بينا النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- في نفر من أصحابه إذ قال: الآن يدخل عليكم نظير عيسى  ابن مريم في أمّتي.

فدخل أبو بكر، فقالوا: هو هذا؟

فقال: لا.

 [فدخل عمر، فقالوا: هو هذا؟

فقال: لا] .

فدخل عليّ- عليه السّلام- فقالوا: هو هذا؟] قال: نعم.

فقال قوم: لعبادة اللّات والعزّى أهون من هذا! فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ (الآيات).

و قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن سهل العطّار قال: حدّثنا أحمد بن عمرو الدّهقان، عن محمّد بن كثير الكوفيّ، عن محمّد بن ثابت ، عن أبي صالح، عن ابن‏عبّاس قال: جاء قوم إلى النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- فقالوا: يا محمّد، إن عيسى بن مريم كان يحيى الموتى، فأحي لنا الموتى.

فقال لهم: من تريدون؟

فقالوا: فلان، وإنه قريب عهد بموت.

فدعا عليّ بن أبي طالب فأصغى إليه بشي‏ء لا نعرفه، ثمّ قال له: انطلق معهم إلى الميّت فادعه باسمه واسم أبيه.

فمضى معهم حتى وقف على قبر الرّجل، ثمّ ناداه: يا فلان بن فلان. فقام الميّت، فسألوه ثمّ اضطجع في لحده، فانصرفوا وهم يقولون: إنّ هذا من أعاجيب بني عبد المطّلب، أو نحوها. فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، أي يضجّون.

و قال- أيضا- : حدّثنا عبد اللَّه بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه ابن نمير، عن شريك، عن عثمان بن عمير البجليّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:

قال عليّ- عليه السّلام-: مثلي في هذه الأمّة مثل عيسى بن مريم، أحبّه قوم فغالوا في حبّه فهلكوا، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا.

و قال- أيضا- : حدّثنا [محمّد بن‏]  مخلد الدّهّان، عن عليّ بن أحمد العريضي بالرّقّة، عن إبراهيم بن عليّ [بن جناح، عن الحسن بن عليّ‏]  بن محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- نظر إلى عليّ- عليه السّلام- وأصحابه حوله وهو مقبل، فقال: أما إنّ فيك لشبها من عيسى بن مريم، ولو لا مخافة أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا من تحت قدميك التّراب، يبتغون به البركة.

فغضب من كان حوله وتشاوروا فيما بينهم، وقالوا: لم يرض  إلّا أن جعل ابن عمّه مثلا لبني إسرائيل!فأنزل اللَّه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا (الآية)- إلى قوله-: «و لو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون».

قال: فقلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: ليس في القرآن «بني هاشم»؟! قال: محيت، واللَّه، فيما محي. ولقد قال عمرو بن العاص على منبر مصر:

محي من كتاب اللَّه ألف حرف، وحرف منه بألف حرف، وأعطيت مائتي ألف درهم على أن أمحي إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. فقالوا: لا يجوز ذلك. [قلت:]  فكيف جاز ذلك لهم ولم يجز لي؟! فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه: قد بلغني ما قلت على منبر مصر، ولست هناك.

وَ إِنَّهُ: وإنّ عيسى لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، لأنّ نزوله من أشراط السّاعة يعلم به دنوّها.

و قرئ : «لعلم»، أي: علامة. و«لذكر» [على تسمية]  ما يذكر به ذكرا.

 [و قيل : الضّمير للقرآن، فإنّ فيه الإعلام بالسّاعة والدّلالة عليها.] .

فَلا تَمْتَرُنَّ بِها: فلا تشكّنّ فيها.

وَ اتَّبِعُونِ: واتّبعوا هداي، أو شرعي، أو رسولي.

و قيل : هو قول الرسول، أمر أن يقوله.

هذا: الّذي أدعوكم إليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ : لا يضلّ سالكه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، يعني: عليا أمير المؤمنين.

و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو عليّ الطبرسي- رحمه اللَّه-: إنّ هاء الضّمير في «إنّه» يعود إلى عيسى، أي: أنّ نزوله علم للسّاعة، أي: من أشراطها يعلم به قربها، وذلك عند ظهور القائم.و روى جابر بن عبد اللَّه  قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول : ينزل عيسى بن مريم فيقول له  أميرهم، يعني: القائم [تعال‏]  صلّ بنا.

فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللَّه لهذه الأمة. أورده مسلم في الصّحيح.

و في حديث آخر : كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم، يعني به: المهديّ.

و جاء في تفسير أهل البيت: أن الضّمير في «إنّه» يعود إلى عليّ- عليه السّلام-.

لما روي  بحذف الإسناد، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ.

قال: عنى بذلك: عليّا- عليه السّلام-.

و قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا علي أنت علم هذه الأمّة. فمن اتّبعك نجى ومن تخلّف عنك هلك وهوى.

و لا منافاة في اختلال التأويل بين عليّ- عليه السّلام- وعيسى في أنّ يكون كلّ واحد منهما علما للسّاعة ، لما تقدّم من أنّ مثل عليّ- عليه السّلام- في هذه الأمّة مثل عيسى- عليه السّلام- في بني إسرائيل، أنّ عيسى ينزل عند قيام القائم وكلاهما علم للسّاعة، وإذا كان القائم- عليه السّلام- علما للسّاعة وهو ابن أمير المؤمنين- عليه السّلام- فصحّ أن يكون أبوه علما للسّاعة، وهو المطلوب.

و قد جاء في تأويل السّاعة، أنّها ساعة ظهور القائم- عليه السّلام-.

وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ عن المتابعة.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ : ثابت عداوته، بأن أخرجكم عن الجنّة وعرّضكم للبليّة.

وَ لَمَّا جاءَ عِيسى‏ بِالْبَيِّناتِ: بالمعجزات، أو بآيات الإنجيل، أو بالشّرائع‏الواضحات.

قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ: بالإنجيل والشّريعة.

وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ.

قيل : وهو ما يكون من أمر الدين لا ما يتعلّق بأمر الدّنيا، فإنّ الأنبياء لم تبعث لبيانه، ولذلك قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنتم أعلم بأمر دنياكم .

و قيل : إنّ المعنى: كلّ الّذي تختلفون فيه، كقول لبيد:

         أو تخترم بعض النّفوس حمامها

 

 أي: كلّ النفوس.

و قيل : البعض هو الّذي جاء به عيسى  في الإنجيل، ويبيّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: محمّد بن أبي عمير الكوفيّ، عن عبد اللَّه بن الوليد السّمّان قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما يقول النّاس في أولي العزم وصاحبكم عليّ- عليه السّلام-؟

قال: قلت: ما يقدّمون على أولي العزم أحدا.

قال: فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: [قال اللَّه لموسى‏] :وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً  ولم يقل: كلّ شي‏ء موعظة . وقال لعيسى: وَلِأُبَيِّنَ  لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولم يقل: في كلّ شي‏ء. وقال لصاحبكم عليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قُلْ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ .

و قال - تعالى-: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. وعلم هذا الكتاب عنده.

و في بصائر الدّرجات : عليّ  بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو الزّيّات، عن عبد اللَّه بن الوليد قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: أي شي‏ء يقول الشّيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين؟

قلت: يقولون: إنّ عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين. [قال: أ يزعمون أن أمير المؤمنين‏]  قد علم ما علم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قلت: نعم، ولكن لا يقدّمون على أولي العزّم من الرّسل أحدا.

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: فخاصمهم بكتاب اللَّه.

قلت: وفي أيّ موضع منه أخاصمهم؟

قال: قال اللَّه لموسى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ علمنا أنّه لم يكتب لموسى كلّ شي‏ء. وقال اللَّه- تبارك وتعالى- لعيسى: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وقال- تعالى- [لمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-] -: وَجِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ : فيما أبلغه عنه.

إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ: بيان لما أمرهم بالطّاعة فيه، وهو اعتقاد التّوحيد والتّعبّد بالشّرائع.

هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ .

الإشارة إلى مجموع الأمرين، وهو من تتمّة كلام عيسى. أو استئناف من اللَّه‏يدلّ على ما هو مقتض للطّاعة في ذلك.

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: الفرق المتحزّبة.

مِنْ بَيْنِهِمْ: من بين النّصارى. أو اليهود والنّصارى من بين قومه المبعوث إليهم.

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: من المتحزّبين.

مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ : هو يوم القيامة.

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ الضّمير لقريش، أو «للّذين ظلموا».

أَنْ تَأْتِيَهُمْ: بدل من السّاعة، والمعنى: هل ينظرون إلّا إتيان السّاعة.

بَغْتَةً: فجأة.

وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ : غافلون عنها، لاشتغالهم بأمور الدّنيا وإنكارهم لها.

الْأَخِلَّاءُ: الأحبّاء.

يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، أي: يتعادون يومئذ لانقطاع العلق، لظهور ما كانوا يتحابّون له سببا للعذاب.

إِلَّا الْمُتَّقِينَ : فإنّ خلّتهم لمّا كانت في اللَّه تبقى نافعة أبد الآباد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: ألا كلّ خلّة كانت في الدّنيا في غير اللَّه فإنها تصير عداوة يوم القيامة.

و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وللظّالم غدا يكفيه عضّة  [يديه‏] . وللرّجل حيل  وشيك. وللأخلّاء ندامة إلّا المتّقين.

أخبرنا  أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّادبن عيسى، عن شعيب بن يعقوب، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن عليّ- عليه السّلام- قال في خليلين مؤمنين وخليلين كافرين ومؤمن غنيّ ومؤمن فقير وكافر غنيّ وكافر فقير:

فأمّا الخليلان المؤمنان فتخالّا في  حياتهما في طاعة اللَّه، وتباذلا عليها وتوادّا عليها، فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه اللَّه منزلته في الجنّة يشفع لصاحبه، فيقول :

يا ربّ خليلي فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك، فثبّته على ما ثبتني عليه من الهدى حتّى تريه ما أريتني. فيستجيب اللَّه له حتّى يلتقيا عند اللَّه، فيقول كلّ منهما لصاحبه: جزاك اللَّه من خليل خيرا، كنت تأمرني بطاعة اللَّه وتنهاني عن معصيته.

و أمّا الكافران فتخالّا بمعصية اللَّه وتباذلا عليها وتوادّا عليها، فمات أحدهما قبل صاحبه فأراده اللَّه منزلته في النّار، فيقول : يا ربّ، خليلي فلان كان يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك، فثبّته على ما ثبّتني عليه من المعاصي حتّى تريه ما أريتني من العذاب. فيلتقيان عند اللَّه يوم القيامة يقول كلّ واحد منهما لصاحبه: جزاك اللَّه من خليل شرا، كنت تأمرني بمعصية اللَّه وتنهاني من طاعة اللَّه.

قال: ثمّ قرأ: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.

 (الحديث).

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. واللَّه، ما أراد بهذا غيركم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإن اللَّه لم يخلق أفضل منهم على وجه الأرض بعد النبيين، وما أنعم [اللَّه على عبد بمثل ما أنعم‏]  به من التّوفيق لصحبتهم ،قال- تعالى-: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.

و أظنّ أنّ من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب، بقي بلا صديق.

يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ : حكاية لما ينادي به المتّقون المتحابّون في اللَّه يومئذ.

و قرأ  ابن كثير وحمزة والكسائيّ وحفص، بغير الياء.

الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا: صفة للمنادى.

وَ كانُوا مُسْلِمِينَ : حال من الواو، أي: الّذين آمنوا مخلصين، غير أنّ هذه العبارة آكد.

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ: نساؤكم المؤمنات.

تُحْبَرُونَ : تسرون سرورا ، يظهر حباره، أي: أثره على وجوهكم.

أو تزيّنون، من الحبر، وهو حسن الهيئة. أو تكرمون إكراما يبالغ فيه، و«الحبرة» المبالغة فيما وصف بجميل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا، يعني: الأئمّة.- صلوات اللَّه عليهم- وَكانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ، أي: تكرمون.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمد، صرتم عند أهل هذا العالم  شرار النّاس، وأنتم واللَّه في الجنّة تحبرون وفي النّار تطلبون.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن الحسين، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن [عليّ بن‏]  أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: يا أبا محمّد، أنتم في الجنة تحبرون وبين أطباق النّار تطلبون فلا توجدون.

 (الحديث)و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني الحسين بن سعيد قال:

حدثنا محمّد بن مروان قال: حدثنا بن عبد [اللَّه بن‏]  الفضل الثّوريّ، عن جعفر، عن أبيه- عليهم السّلام- قال: ينادي مناد يوم القيامة: أين المحبّون لعليّ- عليه السّلام-؟

فيقومون من كلّ فجّ عميق.

فيقال لهم: من أنتم؟

فيقولون : نحن المحبون لعليّ- عليه السّلام- الخالصون له حبّا.

قال: فتشركون في حبّه أحد من النّاس؟

فيقولون: لا.

فيقال لهم ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ.

و قال : حدّثنى الحسين بن سعيد قال: حدّثنا عليّ بن السّحب  قال: حدّثنا الحسن بن الحسين بن أحمد قال: حدّثنا أحمد بن سعيد الأنماطيّ، عن عبد اللَّه بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: [يا عليّ،]  كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

يا عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين محبّي [عليّ- عليه السّلام-]  وشيعته، أين محبّي عليّ ومن يحبّه، أين المتحابّون في اللَّه، أين المتباذلون  في اللَّه، أين المؤثرون على أنفسهم، أين الّذين جفّت ألسنتهم من العطش، أين الّذين يصلّون باللّيل والنّاس نيام، أين الّذين يبكون من خشية اللَّه؟ لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، أين رفقاء نبيّي  محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-  آمنوا وقرّوا عينا ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ.

و قال : حدثني الحسين بن سعيد قال: حدثنا عبد اللَّه بن الوضّاح اللّؤلؤيّ قال:حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن عمرو، عن  جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال :

إذا كان يوم القيامة ينادي مناد  من السّماء: أين عليّ  ابن أبي طالب- عليه السّلام-.

قال : فأقوم، فيقال لي: أنت عليّ؟

فأقول: أنا ابن عمّ النّبيّ- صلى اللَّه عليه وآله- [و وصيّه‏]  ووارثه.

فيقال لي: صدقت، ادخل الجنة فقد غفر اللَّه لك ولشيعتك، وقد آمنك اللَّه وآمنهم معك من الفزع الأكبر ادْخُلُوا الْجَنَّةَ آمنين لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.

و قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن زكرياء الدّهقان قال: حدّثنا عبد الرّحمن، يعني ابن سراج قال: حدثنا أبو  حفص ، عن أبي حمزة الثّمالي، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. فإذا قالها لم يبق أحد إلا رفع رأسه ، فإذا قال: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ. لم يبق أحد إلّا طأطأ رأسه إلّا المسلمين المحبّين.

قال: ثمّ ينادي: هذه فاطمة بنت محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- تمرّ بكم، وهمّت ومن معها إلى الجنّة. ثمّ يرسل اللَّه إليها ملكا فيقول: يا فاطمة، سليني حاجتك.

فتقول: يا ربّ، حاجتي أن تغفر  لمن نصر ولدي.

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ «الصّحاف» جمع صحفة، وهي الجام الّذي يؤكل فيه الطّعام. و«الأكواب» جمع كوب، وهو كوز لا عروة له.

وَ فِيها: وفي الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ.

و قرأ  نافع وابن عامر: «ما تشتهيه» على الأصل.وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ: بمشاهدته.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن الحجّة القائم- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه أنّه سئل عن أهل الجنة: هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟

فأجاب: انّ الجنة لا حمل فيها للنّساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطّفوليّة، وفيها ما تشتهيه  الأنفس وتلذّ الأعين، كما قال اللَّه، فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه اللَّه بغير حمل ولا ولادة على الصّورة الّتي يريد، كما خلق آدم عبرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن ابن يسار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ الرّجل في الجنّة يبقى على مائدته  أيّام الدّنيا، ويأكل في أكلة واحدة بمقدار اكله في الدّنيا.

وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ : فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وفوت الزّوال، ومستعقب للتّحسّر في ثاني الحال.

وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

و قرئ : «ورثتموها». شبّه جزاء العمل بالميراث، لأنّه يخلفه عليه العامل.

و «تلك» إشارة إلى الجنّة المذكورة وقعت مبتدأ، و«الجنّة» خبرها، و«الّتي أورثتموها» صفتها. أو «الجنّة» صفة  «تلك»، و«الّتي» خبرها، أو صفة «الجنّة» والخبر «بما كنتم تعملون» وعليه يتعلّق الباء بمحذوف لا «بأورثتموها».

لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ : بعضها تأكلون لكثرتها ودوام نوعها.

 [قيل : و]  لعلّ تفصيل التّنعّم بالمطاعم والملابس وتكريره في القرآن، وهو حقير بالنّسبة إلى سائر  نعائم الجنّة، لما كان بهم من الشّدّة والفاقة.

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ: الكاملين في الإجرام.قيل: وهم الكفّار، لأنّه جعل قسيم المؤمنين بالآيات وحكى عنهم ما يخصّ بالكفّار.

فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ : خبر «إنّ». أو «خالدون» خبر، والظّرف متعلّق به لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ: لا يخفّف عنهم، من فترت عنه الحمى: إذا سكنت قليلا. والتّركيب للضّعف .

وَ هُمْ فِيهِ: في العذاب.

مُبْلِسُونَ : آيسون من النجاة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر اللَّه ما أعدّه لأعداء آل محمّد- عليهم السّلام- فقال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ- إلى قوله-: مُبْلِسُونَ، أي: آيسون من الخير. فذلك قول أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وأمّا أهل المعصية فخلّدوا في النّار ، وأوثق منهم الأقدام، وغلّ منهم الأيدي إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل القطران، وقطّعت لهم  مقطّعات من النّار، هم في عذاب قد اشتد حرّه، ونار قد أطبق على أهلها فلا يفتح عنهم أبدا، ولا يدخل عليهم ريح أبدا، ولا ينقضي منهم الغمّ  أبدا، العذاب أبدا شديد، والعقاب أبدا جديد، لا الدّار زائلة  تفنى ، ولا آجال القوم تقضى.

وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ .

مرّ مثله غير مرّة. و«هم» فصل .

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-]  حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السيّاريّ، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ‏قال: وما ظلمناهم بتركهم ولاية أهل بيتك ولكن كانوا هم الظّالمين.

وَ نادَوْا يا مالِكُ وقرئ : «يا مال» على التّرخيم، مكسورا ومضموما.

و في مجمع البيان :

و في الشّواذّ «يا مال» وروي ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.

و لعلّه إشعار بأنّهم لضعفهم لا يستطيعون تأدّية اللّفظ بالتّمام، ولذلك اختصروا فقالوا: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ.

و المعنى: سل ربّك أن يقضي علينا. من قضى عليه: إذا أماته. وهو لا ينافي إبلاسهم، فإنّه جؤار وتمن للموت  من فرط الشّدّة.

قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ : لا خلاص لكم بموت ولا بغيره.

لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ: بالإرسال والإنزال. وهو تتمّة الجواب إن كان في «قال» ضمير اللَّه وإلّا فجواب منه، وكأنّه- تعالى- تولّى جوابهم بعد جواب مالك.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ : لما في اتّباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح.

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً: في تكذيب الحقّ وردّه، ولم يقتصروا على كراهته.

فَإِنَّا مُبْرِمُونَ : أمرا في مجازاتهم. والعدول عن الخطاب، للإشعار بأنّ ذلك أسوأ من كراهتهم.

أو أنّه أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرّسول فإنّا مبرمون كيدنا بهم، ويؤيّده قوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ: حديث نفسهم بذلك.

وَ نَجْواهُمْ: وتناجيهم.

بَلى‏: نسمعها.

وَ رُسُلُنا: والحفظة مع ذلك.

لَدَيْهِمْ: ملازموهم.

يَكْتُبُونَ : ذلك.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ حكى نداء أهل النّار فقال- جلّ جلاله-:

وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قال: أي: نموت، فيقول مالك: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ.

ثمّ قال- تعالى-: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، [يعني‏]  بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.

و الدليل على أنّ «الحقّ» ولاية أمير المؤمنين - عليه السّلام- قوله - تعالى-: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، يعني: ولاية عليّ- عليه السّلام-. فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ، يعني: ظالمي آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم-. «نارا».

ثمّ ذكر- تعالى- على أثر هذا خبرهم وما تعاهدوا عليه في الكعبة: ألّا يردّوا  الأمر في أهل بيت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: أَمْ أَبْرَمُوا- إلى قوله-:

يَكْتُبُونَ.

و في أصول الكافي : الحسين بن محّمد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللَّه عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قول اللَّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى فلان وفلان [و فلان‏] ، ارتدّوا عن الايمان في ترك ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

قلت: قوله : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ.

قال: نزلت، واللَّه، فيهما وفي أتباعهما، وهو قول اللَّه الّذي نزل به جبرئيل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ في عليّ- عليه السّلام- سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قال : دعوا بني أميّة إلى ميثاقهم ألا يصيّرواالأمر فينا بعد النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ولا يعطونا من الخمس شيئا ، وقالوا: إن أعطيناكم [إيّاه‏]  لم يحتاجوا إلى شي‏ء ولم يبالوا أن لا يكون  الأمر فيهم فقالوا:

سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الّذي دعوتمونا إليه، وهو الخمس، ألّا نعطيهم منه شيئا.

و قوله: كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ والّذي نزّل اللَّه ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم، فأنزل اللَّه: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ  سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ (الآية).

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن عليّ بن الحسين‏]  عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه - عزّ وجلّ-: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ.

قال: نزلت هذه الآية في فلان [و فلان‏]  وأبي عبيدة بن الجرّاح وعبد الرّحمن بن عوف وسالم، مولى أبي حذيفة، والمغيرة بن شعبة، حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتواثقوا : لئن مضى محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النّبوّة أبدا. فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية.

قال: قلت: قوله- تعالى-: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى‏ وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ.

قال: وهاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم.

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لعلّك ترى أنّه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلّا يوم قتل الحسين- عليه السّلام-. وهكذا كان في سابق علم اللَّه الّذي أعلمه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين- عليه السّلام- وخرج الملك من‏بني هاشم، فقد كان ذلك كلّه.

 (الحديث)

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-]  حدّثنا أحمد بن محمّد النّوفليّ، عن محمّد بن حمّاد السّاميّ ، عن الحسين بن أسد الطّغاويّ ، عن علي بن إسماعيل الميثميّ، عن الفضيل  بن الزّبير، عن أبي داود، عن بريدة الأسلميّ، أنّ النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- قال لبعض أصحابه: سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقال رجل من القوم: لا، واللَّه، لا تجتمع النبوّة والخلافة في أهل بيت أبدا.

فأنزل اللَّه: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (الآية).

و روى  عن عبد اللَّه بن العبّاس أنّه قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أخذ عليهم الميثاق مرّتين لأمير المؤمنين- عليه السّلام-:

الأولى حين قال: أ تدرون من وليّكم من بعدي؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: صالح المؤمنين، وأشار بيده إلى عليّ- عليه السّلام- وقال: هذا وليّكم من بعدي.

و الثّانية يوم غدير خمّ يقول: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.

و كانوا قد أسرّوا في أنفسهم وتعاقدوا ألّا نرجع إلى أهله هذا الأمر ولا نعطيهم الخمس، فأطلع اللَّه نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على أمرهم وأنزل عليه: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (الآية).

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ : منكم، فإنّ النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- يكون أعلم باللَّه وبما يصحّ له وما لا يصحّ، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه، ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده، ولا يلزم من ذلك صحّة كينونة الولد وعبادته له، إذ المحال قد يستلزم المحال، بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه، كقوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. غير أنّ «لو» ثمّ مشعرة بانتفاء الطّرفين، و«إن» هاهنا لا يشعر به ولا بنقيضه، فإنها لمجرّد الشّرطيّة، بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللّازم الدّالّ على انتفاء ملزومه، والدّلالة على أنّ إنكاره للولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى‏النّاس بالاعتراف به.

و قيل : معناه: إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين للَّه الموحّدين له. أو الآنفين منه، أو من أن يكون له ولد، من عبد يعبد: إذا اشتدّ أنفه. أو ما كان له ولد فأنا أوّل الموحدين من أهل مكّة.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «ولد» بالضّمّ وسكون اللّام.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه لمّا أراد أن يخلق آدم أرسل الماء على الطّين، ثمّ قبض قبضة فعركها ، ثمّ فرقها فرقتين بيده، ثمّ ذراهم فإذا هم يدبّون، ثمّ رفع لهم نارا فأمر أهل الشّمال أن يدخلوها، فذهبوا إليها فهابوها ولم يدخلوها، ثمّ أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا إليها فدخلوها، فأمر اللَّه النّار فكانت عليهم بردا وسلاما.

فلمّا رأى ذلك أهل الشّمال قالوا: ربّنا، أقلنا. فأقالهم ، [ثمّ قال لهم‏] :

ادخلوها. فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها، فأعادهم طينا وخلق منها آدم.

و قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء.

قال: فيرون أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أوّل من دخل تلك النّار، فذلك قوله: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: قوله: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ، أي: الجاحدين.

و التأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وقوله: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ، يعني: أول القائلين للَّه - عزّ وجلّ- أن يكون له ولد.سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ :

عن كونه ذا ولد، فإنّ هذه الأجسام لكونها أصولا  ذات استمرار تبرّأت عمّا يتّصف به سائر الأجسام من توليد المثل، فما ظنّك بمبدعها وخالقها.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حنّان بن سدير: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، ذكر فيه العرش وقال: إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة، يقول فيه:

فمن اختلاف صفات العرش أنّه قال- تبارك وتعالى-: رَبِّ الْعَرْشِ [عَمَّا يَصِفُونَ. وهو عرش وصف الوحدانيّة لأنّ قوما أشركوا ، كما قلت لك، قال- تبارك وتعالى-: «ربّ العرش»]  ربّ الوحدانيّة «عمّا يصفون»، وقوما  وصفوه بيدين فقالوا:

يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، وقوما  وصفوه بالرّجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدّس فمنها ارتقى إلى السّماء، وقوما  وصفوه بالأنامل فقالوا: إنّ محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: إنّي وجدت برد أنامله على قلبي. فلمثل هذه الصّفات قال: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ يقول: ربّ المثل الأعلى عمّا به مثّلوه، وللَّه المثل الأعلى الّذي لا يشبهه شي‏ء ولا يوصف ولا يتوهّم، فذلك المثل  الأعلى.

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا: في باطلهم.

وَ يَلْعَبُوا: في دنياهم.

حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ، أي: القيامة. وهو دلالة على أنّ قولهم هذا جهل واتّباع هوى، وأنّهم مطبوع على قلوبهم معذّبون في الآخرة.

وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ: مستحقّ لأن يعبد فيهما. والظّرف متعلّق به لأنّه بمعنى: المعبود، أو متضمّن معناه، كقولك: وهو حاتم في‏البلد، وكذا فيمن قرأ : «اللَّه»، والرّاجع مبتدأ محذوف لطول الصّلة بمتعلّق الخبر والعطف عليه، ولا يجوز جعله خبرا له لأنّه لا يبقى له عائد، لكن لو جعل صلة وقدر لإله  مبتدأ محذوف يكون به جملة مبيّنة للصّلة دالّة على أنّ كونه في السّماء بمعنى الألوهيّة دون الاستقرار.

و فيه نفي الآلهة السّماويّة والأرضيّة، واختصاصه باستحقاق الألوهيّة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم قال: قال أبو شاكر الدّيصانيّ: إنّ في القرآن آية هي قولنا.

 

قلت: وما هي؟

فقال: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ.

فلم أدر بما أجيبه، فحججت فأخبرت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول: فلان، فقل له:

ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول: فلان، فقل: كذلك اللَّه ربّنا في السّماء إله، وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كلّ مكان إله.

قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته.

فقال: هذه نقلت من الحجاز.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن منصور، عن أبي أسامة قال:

سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ.

فنظرت، واللَّه، إليه وقد لزم الأرض وهو يقول: واللَّه- عزّ وجلّ-  الّذي هو، واللَّه ربّي في السّماء إله وفي الأرض إله، وهو اللَّه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: عن عليّ- عليه السّلام- وفيه:و قوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وقوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ، وقوله : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ. فإنّما أراء بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة الّتي ركّبها فيهم على جميع خلقه، وإنّ فعلهم فعله.

وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ : كالدّليل على سابقه.

وَ تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، كالهواء.

وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ: العلم  بالسّاعة الّتي تقوم القيامة فيها.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : للجزاء.

و قرأ  نافع وابن عامر وأبو عمرو وحمزة وعاصم وروح، بالتّاء، على الالتفات للتّهديد .

وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ، أي: من دون اللَّه.

الشَّفاعَةَ، كما زعموا أنّهم شفعاؤهم عند اللَّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: هم الّذين عبدوا في الدّنيا لا يملكون الشّفاعة لمن عبدهم.

إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ : بالتّوحيد.

و الاستثناء متّصل  إن أريد بالموصول كلّ ما عبد من دون اللَّه، لاندراج الملائكة والمسيح فيه. ومنفصل إن خصّ بالأصنام.

و في من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: القضاة أربعة: ثلاثة في النّار وواحد في الجنّة، رجل قضى بجور وهو يعلم أنّه جور فهو في النّار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم أنّه جور في النّار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النّار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة.

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ: سألت العابدين، والمعبودين.

لَيَقُولُنَّ اللَّهُ: لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره.و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد ابن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن أبي هاشم الجعفريّ قال: سألت أبا جعفر الثّاني- عليه السّلام-: ما معنى الواحد؟

فقال: إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة، لقوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفيّ ، [و عقبة] ، جميعا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه خلق الخلق، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ فكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة، وخلق من أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النّار، ثمّ بعثهم في الظّلال.

فقلت: وأيّ شي‏ء الظّلال؟

قال: أ لم تر إلى ظلّك في الشّمس شيئا وليس بشي‏ء، ثمّ بعث اللَّه فيهم النّبيّين يدعوهم  إلى الإقرار باللَّه، وهو قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. ثمّ دعاهم  إلى الإقرار بالنبيّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعض، ثمّ دعاهم  إلى ولايتنا فأقرّ بها واللَّه، من أحبّ وأنكرها من أبغض، وهو قوله : فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ.

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: كان التّكذيب ثمّ.

فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ : يصرفون من عبادته إلى عبادة غيره.

وَ قِيلِهِ: وقول الرّسول.

و نصبه للعطف على سرّهم، أو على محلّ «السّاعة»، أو لإضمار فعله، أي:

و قال: قيله.و جرّه عاصم وحمزة عطفا على «السّاعة».

و قرئ ، بالرّفع، على أنّه مبتدأ خبره يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ . أو معطوف على «علم السّاعة» بتقدير مضاف.

و قيل : هو قسم منصوب بحذف الجارّ، أو مجرور بإضماره، أو مرفوع بتقدير:

و قيله يا ربّ قسمي، و«إنّ هؤلاء» جوابه.

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ: فأعرض عن دعوتهم [آيسا عن إيمانهم‏] .

وَ قُلْ سَلامٌ: [تسلم منكم ومتاركة]  فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ :

تسلية للرسول وتهديد لهم.

و قرأ  ابن عامر ونافع، بالتّاء، على أنّه من المأمور بقوله لهم.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن  وغيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين، جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في حديث طويل: ثمّ أنزل اللَّه [- جلّ ذكره- عليه‏]  أن أعلن فضل وصيّك.

فقال: ربّ، إنّ العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ، ولا يعرفون فضل نبوّات  الأنبياء ولا شرفهم، ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي.

فقال اللَّه: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. فذكر من فضل وصيّه ذكرا فوقع النّفاق في قلوبهم.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الصمد [بن بشير]  قال: ذكر أبو عبد اللَّه - عليه السّلام- بدء الأذان و قصّته  في إسراء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- [حتّى قال:]  حتّى انتهى إلى سدرة المنتهى.

قال: فقالت السّدّرة: ما جازني  مخلوق قبل.

قال : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏، فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى‏.

قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال.

... إلى قوله: وفتح صحيفة أصحاب الشّمال فإذا فيها أسماء أهل النّار وأسماء آبائهم وقبائلهم.

قال: فقال رسول اللَّه-- صلّى اللَّه عليه وآله-: ربّ، إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون.

فقال اللَّه- تعالى-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ  سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : متّصلا بما سبق من قوله: لمن عبدهم: ثمّ قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا ربّ، إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون.

فقال اللَّه- تعالى-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.