سورة الإخلاص

سورة الإخلاص‏

مكّيّة.

و قيل : مدنيّة.

و آيها أربع . وقيل  خمس.

و سيأتي في الحديث [أنّها ثلاث‏] .

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الحمد سبع آيات وقل هو الله أحد ثلاث آيات.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيه بقل هو الله أحد، قيل له: يا عبد اللّه، لست من المصلّين.و في مجمع البيان : في حديث ابيّ: من قرأها، فكأنّما قرأ ثلث القرآن، واعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

و عن أنس بن مالك  قال: سأل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- رجلا من أصحابه، فقال: يا فلان، هل تزوّجت؟ وقد مرّ الحديث.

و في الحديث : أنّه كان يقال  لسورتي قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد المقشقشتان .

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عبد العزيز المهتدي قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن التّوحيد.

فقال: كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها، فقد عرف التّوحيد.

قلت: كيف يقرؤها؟

قال: كما يقرأها النّاس. وزاد فيه: كذلك اللّه ربّي كذلك اللّه ربّي، كذلك اللّه ربّي.

و في باب ذكر أخلاق الرّضا- عليه السّلام- ووصف عبادته : وكان إذا قرأ قل هو اللّه أحد قال: هو اللّه أحد. فإذا فرغ منها، قال: كذلك اللّه ربّنا، ثلاثا.

و في التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علّمني شيئا انصر به على الأعداء.

قال: قل: يا هو، يا من لا هو إلّا هو.

فلمّا أصبحت قصصتها على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال لي: يا عليّ، علّمت الاسم الأعظم. فكان على لساني يوم بدر.

و إنّ أمير المؤمنين قرأ قل هو الله أحد فلمّا فرغ قال: يا هو، يا من لا هو إلّاهو، اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين.

و في ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من مضت له جمعة ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد ثمّ مات، مات  على دين أبي لهب.

و بإسناده : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أصابه مرض أو شدّة، ولم يقرأ في مرضه أو شدّته بقل هو الله أحد ثمّ مات في مرضه في تلك الشّدّة الّتي نزلت به، فهو من أهل النّار.

و بإسناده : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة بقل هو الله أحد. فإنّه من قرأها، جمع اللّه له خير الدّنيا والآخرة وغفر اللّه له ولوالديه وما ولد.

و بإسناده : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ قل هو الله أحد مائة مرّة حين يأخذ مضجعه، غفر اللّه له ذنوب خمسين سنة.

و بإسناده : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- صلّى على سعد بن معاذ، فقال: لقد وافى من الملائكة تسعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلّون عليه.

فقلت له يا جبرئيل: بما استحقّ صلاتكم  عليه؟

فقال: بقراءته قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا.

و بإسناده : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من آوى إلى فراشه فقرأ قل هو الله أحد عشر مرّات ، حفظ  في داره وفي دويرات حوله.

و بإسناده : عن عبد اللّه  بن حيّ  قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام-يقول: من قرأ قل هو الله أحد عشر  مرّات  في دبر الفجر، لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وإن رغم أنف الشّيطان.

و بإسناده : عن إبراهيم بن مهزم، عن جل سمع أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: من قدّم قل هو الله أحد بينه وبين جبّار، منعه اللّه منه بقراءته بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله. فإذا فعل ذلك، رزقه اللّه خيره ومنعه شرّه.

و بإسناده : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أوتر بالمعوّذتين وقل هو الله أحد قيل له: يا عبد اللّه، أبشر فقد قبل اللّه وترك.

و بإسناده  إلى سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من مضت به ثلاثة أيّام لم يقرأ فيها قل هو الله أحد فقد خذل ونزع ربقة الإيمان من عنقه. فإن مات في هذه الثّلاثة أيّام ، كان كافرا باللّه العظيم.

و في التّوحيد ، إلى عمر  بن حصين: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بعث سريّة واستعمل عليها  عليّا. فلمّا رجعوا سألهم.

فقالوا: كلّ خير، غير أنّه قرأ بنا في كلّ الصّلاة بقل هو الله أحد.

فقال: يا عليّ، لم فعلت هذا؟

فقال: لحبّي لقل هو الله.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما أحببتها حتّى أحبّك اللّه.

و بإسناده  إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ قل هو الله أحد مرّة واحدة، فكأنّما قرأ ثلث القرآن، وثلث التّوراة، وثلث الإنجيل، وثلث الزّبور.

و في الخصال ، في مناقب أمير المؤمنين وتعدادها قال- عليه السّلام-: وأمّا الحاديةو السّتّون، فإنّي سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول : يا عليّ، مثلك [في امّتي‏]  مثل قل هو الله أحد. فمن أحبّك بقلبه، فكأنّما قرأ ثلث القرآن. ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه، فكأنّما قرأ ثلثي القرآن. ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه ونصرك بيده، فكأنّما قرأ القرآن كلّه.

و فيه : عن عليّ- عليه السّلام-: من قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه، وكّل اللّه به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي الدّنيا المغربيّ المعمّر قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ قل هو الله أحد مرّة، فكأنّما قرأ ثلث القرآن.

و من قرأها مرّتين، فكأنّما قرأ ثلثي القرآن. ومن قرأها ثلاث مرّات، فكأنّما قرأ القرآن كلّه.

و في صحيفة الرّضا ، وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من مرّ على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرّة، ثمّ وهب أجره للأموات، اعطي من الأجر بعدد الأموات.

و في الكافي ، بإسناده إلى بكر بن محمّد: عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قال هذه الكلمات عند كلّ صلاة مكتوبة، حفظ في نفسه داره وماله وولده: أجير نفسي ومالي وولدي وأهلي وداري وكلّ ما هو منّي باللّه الواحد الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وأجير نفسي ومالي وولدي وكلّ ما هو منّي بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (السّورة) وبرب الناس (إلى آخرها) وبآية الكرسيّ إلى آخرها.

و بإسناده  إلى محمّد بن الفضيل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يكره أن يقرأ قل هو الله أحد بنفس واحد.و بإسناده  إلى صالح، عن  سليمان الجعفريّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- [قال: سمعته‏]  يقول: ما من أحد في حدّ الصّبا يتعهّد في كلّ ليلة قراءة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس كلّ واحدة ثلاث مرّات وقل هو الله أحد مائة مرّة، فإنّ لم يقدر فخمسين، إلّا صرف اللّه عنه كلّ لمم أو عرض من أعراض الصّبيان، والعطاش وفساد المعدة، وبدور الدّم أبدا ما تعوهد بهذا حتّى يبلغه الشّيب. فإن تعهّد نفسه بذلك أو تعوهد ، كان محفوظا إلى يوم يقبض اللّه نفسه.

و بإسناده  إلى المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا مفضّل، احتجز  من النّاس كلّهم ببسم الله الرحمن الرحيم وبقل هو الله أحد اقرأ عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك، ومن خلفك، ومن فوقك، ومن تحتك. وإذا دخلت على سلطان جائر، فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرّات، واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها حتّى تخرج من عنده.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن ذكر السّورة من الكتاب ندعو  بها في الصّلاة، مثل قل هو الله أحد.

فقال: إذا كنت تدعو بها، فلا بأس.

أحمد  عن  يحيى بن إبراهيم، عن محمّد بن يحيى، عن ابن أبي البلاد [، عن أبيه‏] ، عن بزيع أبي عمرو  بن بزيع قال: دخلت على أبي عبد اللّه - عليه السّلام- وهو يأكل خلّا وزيتا في قصعة سوداء، مكتوب في وسطها بصفرة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.و في من لا يحضره الفقيه : وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من أحبّ أن يخرج من الدّنيا، وقد تخلص  من الذّنوب، كما يتخلّص الذّهب الّذي لا كدر فيه، ولا يطلبه أحد بمظلمة، فليقل في دبر الصّلوات الخمس نسبة الرّبّ- تعالى- اثني عشرة  مرّة. ثمّ يبسط يديه ويقول: اللّهمّ، إنّي أسألك باسمك المخزون المكنون الطّهر الطّاهر المبارك، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد. يا واهب العطايا، يا مطلق الأسارى، يا فكّاك الرّقاب من النّار، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تعتق رقبتي من النّار، وأن تخرجني من الدّنيا آمنا، وأن تدخلني الجنّة سالما، وأن تجعل دعائي أوّله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا، إنّك أنت علّام الغيوب.

ثمّ قال- عليه السّلام-: هذا من المخبّيات  ممّا علّمني رسول اللّه، وأمرني أن أعلّم الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

و في مصباح الكفعميّ : روي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لدغته عقرب وهو في الصّلاة. فلمّا فرغ، قال: لعن اللّه العقرب ما تدع مصلّيا ولا غيره إلّا لدغته. وتناول نعله فقتله بها، ثمّ دعا بماء وملح فجعل يمسح ذلك عليها ويقرأ التّوحيد والمعوّذتين.

و في طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: شكوت إليه وجع أضراسي وأنّه يسهر في اللّيل.

قال: فقال لي: يا أبا بصير، إذا احست  بذلك تضع يدك عليه، واقرأ سورة الحمد وقل هو الله أحد ثم اقرأ وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ فإنّه يسكن ثمّ لا يعود.

و بإسناده  إلى عمر بن يزيد الصّيقل: عن الصّادق- عليه السّلام- قال: شكا إليه رجل من أوليائه القولنج .فقال: اكتب له أمّ القرآن وسورة الإخلاص والمعوّذتين. ثمّ تكتب أسفل ذلك:

أعوذ بوجه اللّه العظيم، وبعزّته الّتي لا ترام، وبقدرته الّتي لا يمتنع منها شي‏ء، من شرّ هذا الوجع ومن شرّ ما فيه. ثمّ تشربه على الرّيق بماء المطر، تبرأ بإذن اللّه.

و بإسناده  إلى سلمة بن محرز قال: سمعت الباقر- عليه السّلام- يقول: كلّ من لم تبرئه سورة الحمد وقل هو الله أحد لم يبرئه  [شي‏ء]  وكلّ علّة تبرأ بهاتين  السّورتين.

و في مجمع البيان : عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أ يعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟

قلت: يا رسول اللّه، ومن يطيق ذلك؟

قال: اقرأ  قل هو الله أحد.

و عن أنس ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ قل هو الله أحد مرّة، بورك عليه. ومن قرأها مرّتين، بورك عليه وعلى أهله. فإنّ قرأها ثلاث مرّات، بورك عليه وعلى أهله وعلى جميع جيرانه. فإن قرأها اثنتي عشرة مرّة، بني له اثنا عشر قصرا في الجنّة، فتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا. فإنّ قرأها مائة مرّة، كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة، ما خلا الدّماء والأموال. فإن قرأها أربعمائة مرّة، كفّرت عنه ذنوب أربعمائة سنة. فان قرأها ألف مرّة، لم يمت حتّى يرى مكانه في الجنّة أو يرى له.

و عن سهل بن سعد السّاعديّ  قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فشكا إليه الفقر وضيق المعاش.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا دخلت بيتك فسلّم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلّم واقرأ قل هو الله أحد مرّة واحدة.

ففعل الرّجل، فأفاض اللّه عليه رزقا حتّى أفاض على جيرانه.و فيه : وروى في الحديث: لكلّ شي‏ء نسبة، ونسبة اللّه سورة الإخلاص.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حميد قال: سئل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن التّوحيد.

فقال: إنّ اللّه علم أنّه يكون في آخر الزّمان أقوام متعمّقون، فأنزل اللّه قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله: عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. فمن رام وراء ذلك، فقد هلك.

أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: انسب لنا ربّك. فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثمّ نزلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (إلى آخرها).

و في الخرائج : قال أبو هاشم: قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد- عليه السّلام- في القرآن، أهو مخلوق أم غير مخلوق ؟

فأقبل عليّ- عليه السّلام- وقال: او ما بلغك ما روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- لمّا نزلت قل هو الله أحد خلق اللّه أربعة آلاف جناح، فما كانت تمرّ بملإ من الملائكة إلّا خشعوا لها. وقال: هذه نسبة اللّه.

و في معاني الأخبار ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: نسبة اللّه تعالى قل هو الله أحد.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، ذكرته بتمامه أوّل الإسراء مسندا . وفيه يقول أبو عبد اللّه- عليه السّلام- حاكيا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن اللّه- تعالى- أنّه قال له: اقرأ قل هو الله أحد كما نزلت فإنّها نسبتي ونعتي.قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .

الضّمير للشّأن، كقولك: هو زيد منطلق. وارتفاعه بالابتداء، وخبره الجملة.

و لا حاجة إلى العائد، لأنّها هي هو. أو لما سئل عنه، أي: الّذي سألتموني عنه هُوَ اللَّهُ. إذ

روي: أنّ قريشا قالوا: يا محمّد، صف لنا ربّك الّذي تدعونا إليه، فنزلت.

و «أحد» بدل. أو خبر ثان يدلّ على مجامع صفات الجلال، كما دلّ اللّه على جميع صفات الكمال، إذ الواحد الحقيقيّ ما يكون منزّه الذّات عن أنحاء التّركيب والتّعدّد وما يستلزم أحدهما، كالجسميّة والتّحيّز والمشاركة في الحقيقة، وخواصّها، كوجوب الوجود والقدرة الذّاتيّة والحكمة التّامّة المقتضية للألوهيّة.

و قرئ : هُوَ اللَّهُ بلا «قل» مع الاتّفاق على أنّه لا بدّ منه في قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولا يجوز في «تبّت».

قيل : ولعلّ ذلك، لأنّ سورة الكافرين مشاقّة الرّسول، أو موادعته لهم.

و «تبّت» معاتبة عمّه، فلا يناسب أن يكون منه. وأمّا هذا فتوحيد يقول به تارة، ويؤمر بأن يدعو  إليه أخرى.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام- مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شي‏ء، فإن قال (قائل) : فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأن اللّه واحد أحد؟

قيل: لعلل منها، أنّه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة، لجاز لهم أن يتوهّموا مدبّرين أو أكثر من ذلك. وإذا جاز ذلك، لم يهتدوا إلى الصّانع لهم من غيره، لأنّ كلّ إنسان منهم كان لا يدري لعلّه  إنّما يعبد غير الّذي خلقه ويطيع غير الّذي أمره، فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه إذا لم يعرف الآمر بعينه ولا النّاهي من غيره.

و منها، أنّه لو جاز أن يكون اثنين، لم يكن أحد الشّريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الآخر. وفي إجازة أن يطاع ذلك الشّريك، إجازة أن لا يطاع اللّه. وفي‏ [إجازة]  أن لا يطاع اللّه، كفر باللّه وبجميع كتبه وملائكته  ورسله، وإثبات كلّ باطل، وترك كلّ حقّ، وتحليل كلّ حرام، وتحريم كلّ حلال، والدّخول في كلّ معصية، والخروج من كلّ طاعة، وإباحة كلّ فساد، وإبطال كلّ حقّ.

و منها، أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد، لجاز لإبليس أن يدّعي أنّه ذلك الآخر حتّى يضادّ اللّه في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه، فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشدّ النّفاق.

و في التّوحيد ، بإسناده إلى أبي البختريّ، وهب بن وهب: عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، محمّد بن عليّ- عليهم السّلام- في قوله- تعالى-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.

قال: «قل»، أي: أظهر ما أوحينا إليك ونبّأناك به بتأليف الحروف الّتي قرأناها لك، ليهتدي به من ألقى السّمع وهو شهيد. وهو اسم مكنّى ومشار إلى غائب، فإنّ الهاء تنبيه عن معنى ثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواسّ، كما أنّ قولك:

هذا، إشارة إلى الشّاهد عند الحواسّ. وذلك أنّ الكفّار نبّهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشّاهد المدرك، فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار، فأشّر أنت، يا محمّد، إلى إلهك الّذي تدعو إليه حتّى نراه وندركه ولا نأله فيه . فأنزل اللّه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فالهاء تثبيت للثّبات، والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواسّ.

فإنّه تعالى عن ذلك، بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواسّ.

و فيه : وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: «اللّه» معناه: المعبود الّذي يأله فيه الخلق، ويؤله إليه . واللّه هو المستور عن درك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات.

قال الباقر- عليه السّلام- : «اللّه» معناه: المعبود الّذي أله الخلق عن درك ماهيّته  والإحاطة بكيفيّته وتقول العرب: أله الرّجل: إذا تحيّر في الشّي‏ء فلم يحط به‏

 علما. ووله: إذا فزع إلى شي‏ء ممّا يحذره ويخافه. فالإله هو المستور عن حواسّ  الخلق.

و فيه  كلام للرّضا- عليه السّلام- في التّوحيد، وفيه: أحد لا بتأويل عدد.

قال الباقر- عليه السّلام- : «الأحد» الفرد المتفرّد. و«الأحد» و«الواحد» بمعنى واحد، وهو المتفرّد الّذي لا نظير له. و«التّوحيد» الإقرار بالوحدة، وهو الانفراد.

و «الواحد» المتباين الّذي لا ينبعث من شي‏ء ولا يتّحد بشي‏ء. ومن ثمّ  قالوا: إنّ بناء العدد من الواحد، وليس الواحد من العدد، [لأنّ العدد]  لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين. فمعنى قوله: اللَّهُ أَحَدٌ، أي : المعبود الّذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكفيّته، فرد بالإلهيّة ، متعال عن صفات خلقه.

و بإسناده  إلى المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه قال: إنّ أعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول إنّ اللّه واحد؟

قال: فحمل النّاس عليه، وقالوا: يا أعرابيّ، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟

فقال- عليه السّلام-: دعوه، فإنّ الّذي يريده الأعرابيّ هو الّذي نريده من القوم.

ثمّ قال: يا أعرابيّ، إنّ القول في أنّ اللّه- تعالى- واحد على أربعة أقسام:

فوجهان منها لا يجوزان على اللّه، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد. ألا ترى أنّه كفر من قال: ثالث ثلاثة؟ وقول القائل: هو واحد من النّاس، يريد به النّوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه، لأنّه تشبيه وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه، فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبيه، كذلك ربّنا. وقول القائل: إنّه ربّنا- تعالى- أحديّ المعنى ، يعني به: أنّه‏لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن المختار [بن محمد بن المختار]  الهمدانيّ ومحمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلويّ جميعا، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: وهو اللّطيف الخبير [السّميع البصير]  الواحد الأحد الصّمد- إلى قوله-: كفوا أحد. [لو كان، كما يقول المشبّهة]  لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا المنشئ من المنشأ. لكنّه المنشئ فرق بين من جسّمه وصوّره وأنشاه، إذ كان لا يشبهه شي‏ء ولا يشبه هو شيئا.

قلت: أجل، جعلني اللّه فداك، لكنّك قلت: الأحد الصّمد، وقلت: لا يشبهه شي‏ء. واللّه واحد والإنسان واحد، أليس قد تشابهت الوحدانيّة؟

قال: يا فتح، أحلت، ثبّتك اللّه، إنّما التّشبيه في المعاني فأمّا في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة  على المسمّى. وذلك أنّ الإنسان وإن قيل: واحد، فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين. والإنسان نفسه ليس بواحد، لأنّ أعضاءه مختلفة [و ألوانه مختلفة]  غير واحد، وهو أجزاء مجزّأ  ليست بسواء، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلائق . فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى، واللّه- تعالى- هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان. فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة وجواهر شتّى، غير أنّه بالاجتماع شي‏ء واحد.

قلت: جعلت فداك، فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : الأحد لا بتأويل عدد.و في الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه- : روى أبو داود  بن القاسم الجعفريّ قال: قلت لأبي جعفر الثّاني- عليه السّلام-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ما معنى الواحد ؟

قال: المجمع عليه بالوحدانيّة. أما سمعته يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ثمّ يقولون بعد ذلك: له شريك وصاحبة.

اللَّهُ الصَّمَدُ : السّيّد، المصمود إليه إليه في الحوائج. من صمد إليه:

إذا قصد. وهو الموصوف به على الإطلاق، فإنّه يستغني عن غيره مطلقا، وكلّ ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته.

و تعريفه، لعلمهم بصمديّته بخلاف أحديّته.

و تكرير لفظ «اللّه» للإشعار بأنّ من لم يتّصف به لم يستحقّ للألوهيّة .

و إخلاء الجملة عن العاطف، لأنّها كالنّتيجة للأولى، أو الدّليل عليها .

و في الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد ولقبه شباب الصّيرفيّ، عن داود بن القاسم الجعفريّ قال: قلت لأبي جعفر الثّاني- عليه السّلام-: ما الصّمد؟

قال: السّيّد، المصمود إليه في القليل والكثير.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد  بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن الحسن  بن السّريّ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن شي‏ء من التّوحيد.

فقال: إنّ اللّه تباركت أسماؤه- الّتي يدعى بها وتعالى في علوّ كنهه واحد توحّدبالتّوحيد في توحّده ، ثمّ أجراه  على خلقه فهو واحد صمد قدّوس يعبده كلّ شي‏ء ويصمد إليه كلّ شي‏ء ووسع كلّ شي‏ء علما. فهذا هو المعنى الصّحيح في تأويل الصّمد، لا ما ذهب إليه المشبّهة: «أنّ تأويل الصّمد المصمت الّذي لا جوف له» لأنّ ذلك لا يكون إلّا من صفة الجسم، واللّه متعال عن ذلك هو أعظم وأجلّ من أن تقع الأوهام على صفته، أو تدرك كنه عظمته. ولو كان تأويل الصّمد في صفة اللّه المصمت، لكان مخالفا لقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ لأنّ ذلك من صفة الأجسام المصمتة الّتي لا أجواف لها، [مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة الّتي لا جوف لها]  تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

فأما ما جاء في الأخبار من ذلك، فالعالم- عليه السّلام- أعلم بما قال (انتهى).

و في كتاب التّوحيد : قال الباقر- عليه السّلام-: حدّثني أبي، زين العابدين، عن أبيه، الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- أنّه قال: «الصّمد» الّذي لا جوف له [و «الصّمد» الّذي قد انتهى سؤده. و«الصمد» الّذي لا يأكل ولا يشرب‏]  و«الصّمد» الّذي لا ينام «الصمد» الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

قال الباقر- عليه السّلام-: كان محمّد بن الحنفيّة، يقول : «الصّمد» القائم بنفسه، الغنيّ عن غيره.

 [و قال‏] : قال غيره: «الصّمد» المتعالي عن الكون والفساد. و«الصّمد» الّذي لا يوصف بالتّغاير.

قال الباقر- عليه السّلام-: «الصّمد» السّيّد المطاع الّذي ليس فوقه آمر وناه.

قال: وسئل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن الصّمد.

فقال: «الصّمد» الّذي لا شريك له، ولا يؤده حفظ شي‏ء، ولا يعزب عنه شي‏ء.قال وهب بن وهب القرشي : قال زين العابدين- عليه السّلام-: «الصّمد» الّذي إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. و«الصّمد» الّذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ.

قال وهب بن وهب القرشي : حدّثني الصّادق، عن أبيه الباقر- عليهما السّلام-، عن آبائه: أنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ [- عليه السّلام-]  يسألونه عن الصّمد.

فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد: فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من قال في القرآن بغير علم، فليتبوّأ مقعده من النّار. وإنّ اللّه قد فسّر الصّمد، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ. ثمّ فسّره فقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. وستسمع تمام الخبر عند قوله: لَمْ يَلِدْ (إلى آخرها).

قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصّادق- عليه السّلام- يقول: قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر- عليه السّلام- فسألوه عن مسائل، فأجابهم، ثمّ سألوه عن الصّمد.

قال: تفسيره فيه. «الصّمد» خمسة أحرف:

 «فالألف» دليل على إنّيّته، وهو قوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواسّ.

و «اللّام» دليل على إلهيّته بأنّه هو اللّه. والألف واللّام مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السّمع، ويظهران في الكتابة دليلان على أنّ إلهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا تقع في لسان واصف ولا أذن سامع. لأنّ تفسير الإله: هو الّذي اله الخلق عن درك ماهيّته  وكيفيّته بحسّ أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواسّ. وإنّما يظهر ذلك عند الكتابة، دليل على أنّ اللّه أظهر ربوبيّته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللّطيفة في أجسادهم الكثيفة. فإذا نظر [عبد]  إلى نفسه، لم‏ير روحه، كما أنّ لام الصّمد لا تتبيّن  ولا تدخل في حاسّة  من الحواسّ الخمس. فإنّ  نظر إلى الكتابة، ظهر له ما خفي ولطف. فمتى تفكّر العبد ماهية  البارئ وكيفيّته، اله فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشي‏ء يتصوّر له، لأنّه خالق الصّور. فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنّه- تعالى- خالقهم ومركّب أرواحهم في أجسادهم.

و أمّا «الصّاد» فدليل على أنّه صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده إلى اتّباع الصّدق، ووعد بالصّدق دار الصّدق.

و أمّا «الميم» فدليل على ملكه، وأنّه الملك الحقّ [لم يزل و]  لا يزال ولا يزول ملكه.

و أمّا «الدّال» فدليل على دوام ملكه، وأنّه- تعالى- دائم تعالى عن الكون والزّوال، بل هو [اللّه- عزّ وجلّ-]  مكوّن  الكائنات الّذي كان بتكوينه كلّ كائن.

ثمّ قال- عليه السّلام-: لو وجدت لعلمي الّذي آتاني اللّه حملة، لنشرت التّوحيد  والإسلام [و الإيمان والدّين‏]  والشّرائع من الصّمد. وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي، أمير المؤمنين- عليه السّلام- حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء، ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّ بين الجوانح منّي علما جمّا، هاه هاه، ألا لا أجد من يحمله، ألا وإنّي عليكم من اللّه الحجّة البالغة فلا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ.

ثمّ قال الباقر- عليه السّلام-: الحمد للّه الّذي منّ علينا ووفّقنا لعبادته ، [الأحد]  الصّمد  الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وجنّبنا عبادة الأوثان حمدا سرمدا وشكرا واصبا.و بإسناده  إلى الرّبيع بن مسلم قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- وسئل عن الصّمد، فقال: الصّمد الّذي لا جوف له.

و بإسناده  إلى محمّد بن مسلم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: انسب لنا ربّك. فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثمّ نزلت هذه السّورة .

فقلت: ما الصّمد؟

فقال: الّذي ليس بمجوّف.

أبي- رحمه اللّه-  قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن الحلبيّ وزرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أحد صمد ليس له جوف. وإنّما الرّوح خلق من خلقه، نصر وتأييد وقوّة، يجعله اللّه في قلوب الرّسل والمؤمنين.

و بإسناده  إلى هارون بن عبد الملك: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: واللّه نور لا ظلام فيه، وصمد لا مدخل فيه.

لَمْ يَلِدْ: لأنّه لم يجانس ولم يفتقر إلى ما يعنيه. أو يخلف عنه، لامتناع الحاجة والغناء عليه .

قيل : ولعلّ الاقتصار على لفظ الماضي، لوروده ردّا على من قال: إنّ  الملائكة بنات اللّه ، والمسيح بن اللّه. أو ليطابق قوله: وَلَمْ يُولَدْ : وذلك لأنّه لا يفتقر إلى شي‏ء، ولا يسبقه عدم.

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، أي: ولم يكن أحد يكافئه، أو يماثله من صاحبة وغيرها.و كان أصله أن يؤخّر الظّرف، لأنّه [صلة]  «كفوا» .

لكن لمّا كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته، قدّم تقديما للأهمّ.

و يجوز أن يكون حالا من المستكنّ في «كفوا». أو خبرا ويكون «كفوا» حالا من «أحد» .

و لعلّ ربط الجمل الثّلاث بالعطف، لأنّ المراد منها نفي أقسام الأمثال، فهي كجملة واحدة منبّهة  عليها بالجمل .

و قرأ  حمزة ويعقوب ونافع في رواية: «كفؤا» بالتّخفيف. وحفص «كفوا» بالحركة، وقلب الهمزة واوا.

و لاشتمال هذه السّورة، مع قصرها، على جميع المعارف الإلهيّة والرّدّ على من ألحد فيها،

جاء في الحديث : أنّها تعدل ثلث القرآن.

فإنّ مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص.

و في التّوحيد ، متّصلا بقوله: كُفُواً أَحَدٌ. لَمْ يَلِدْ لم يخرج منه شي‏ء كثيف، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين، ولا شي‏ء لطيف، كالنّفس، ولا يتشعّب منه البدوات ، كالسّنة والنّوم والخطرة، والهمّ والحزن والبهجة، والبكاء والضّحك، والخوف والرّجاء والرّغبة والسّأمة، والجوع والشّبع. تعالى عن أن يخرج منه شي‏ء، وأن يتولّد منه شي‏ء كثيف أو لطيف. لَمْ يُولَدْ ولم يتولّد من شي‏ء ولم يخرج من شي‏ء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشّي‏ء من الشّي‏ء، والدّابّة من الدّابّة، والنّبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثّمار من الأشجار، ولا كما  تخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسّمع من الأذن،و الشّمّ من الأنف، والذّوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتّميّز من القلب، وكالنّار من الحجر. لا  بل هو اللّه الصّمد الّذي لا من شي‏ء ولا في شي‏ء [و لا على شي‏ء] ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه. فذلكم [اللَّهُ الصَّمَدُ]  الّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

و فيه  خطبة لعليّ- عليه السّلام- أيضا، وفيها: تعالى عن أن يكون له كفو فيشبّه به.

و بإسناده  إلى يعقوب السّراج : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث له: لَمْ يَلِدْ  يشبهه لأنّ الولد يشبه أباه. وَلَمْ يُولَدْ فيشبه من كان قبله. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ من خلقه كُفُواً أَحَدٌ. تعالى عن صفة من سواه علوّا كبيرا.

و بإسناده  إلى حمّاد بن عمرو النّصيبيّ قال: سألت جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن التّوحيد.

فقال: واحد صمد، أزليّ صمديّ، لا ظلّ له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلّتها، لَمْ يَلِدْ فيورث. وَلَمْ يُولَدْ فيشارك. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

و بإسناده» إلى ابن أبي عمير: عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- أنّه قال: واعلم أنّ اللّه واحد أحد صمد لَمْ يَلِدْ فيورث وَلَمْ يُولَدْ فيشارك.

و في مجمع البيان ، وعن عبد خير قال: سأل رجل عليّا- عليه السّلام- عن تفسير هذه السّورة.

فقال: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بلا تأويل عدد. الصَّمَدُ بلا تبعيض بدد. لَمْ يَلِدْ فيكون موروثا هالكا. وَلَمْ يُولَدْ فيكون إلها مشاركا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ من خلقه كُفُواً أَحَدٌ.و في نهج البلاغة : لَمْ يُولَدْ سبحانه فيكون في العزّ مشاركا. ولَمْ يَلِدْ فيكون موروثا هالكا.

و فيه - أيضا-: لَمْ يَلِدْ فيكون مولودا. وَلَمْ يُولَدْ فيصير محدودا، جلّ عن اتّخاذ الأبناء.

و فيه : ولا كفو له فيكافئه.

و في الكافي : بإسناده إلى حمّاد بن عمرو النّصيبيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول في آخره: لَمْ يَلِدْ فيورث. وَلَمْ يُولَدْ فيشارك. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  وقوله: لَمْ يَلِدْ، أي: لم يحدث. وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ قال: لا له كفو، ولا شبه، ولا شريك، ولا ظهير، ولا معين.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن سعيد بن عجب الأنباريّ، عن سويد بن سعيد، عن عليّ بن مسهّر، عن حكيم بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: إنّما مثلك مثل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإنّ من قرأها مرّة، فكأنّما قرأ ثلث القرآن. ومن قرأها مرّتين، فكأنّما قرأ ثلثي القرآن. ومن قرأها ثلاث مرّات، فكأنّما قرأ القرآن كلّه. وكذلك أنت من أحبّك بقلبه، كان له ثلث ثواب العباد. ومن أحبّك بقلبه ولسانه، كان له ثلثا ثواب العباد. ومن أحبّك بقلبه ولسانه ويده، كان له ثواب العباد أجمع.

و يؤيّده: ما رواه - أيضا-، عن عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن إسحاق بن بشر  الكاهليّ، عن عمرو بن أبي المقدام، عن سماك بن حرب، عن النّعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [مرّة]  فكأنّما قرأ ثلث القرآن. ومن قرأها مرّتين، فكأنّما قرأ ثلثي القرآن. ومن قرأها ثلاثا،فكأنّما قرأ القرآن كلّه.

و كذلك من أحبّ عليّا بقلبه، أعطاه اللّه ثلث ثواب هذه الأمّة. ومن أحبّه بقلبه ولسانه، أعطاه اللّه ثلثي ثواب هذه الأمّة . ومن أحبّه بقلبه ولسانه ويده، أعطاه اللّه ثواب هذه الأمّة كلّها.

و يعضده: ما رواه - أيضا-، عن عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمد، عن الحكم بن سليمان، عن محمّد بن كثير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه: يا عليّ، إنّ فيك مثلا من قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. من قرأها مرّة، فقد فقرأ ثلث القرآن.

و من قرأها مرّتين، فقد قرأ ثلثي القرآن. ون قرأها ثلاثا، فقد قرأ القرآن [كلّه‏] . يا عليّ، من أحبّك بقلبه كان له مثل أجر ثلث هذه الأمّة. ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه كان له مثل اجر ثلثي هذه الامة، ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه ونصرك بسيفه، كان له مثل أجر هذه الأمّة.

ثمّ قال: أعلم، وفّقك اللّه لمحبّته وجعلك من أهل مودّته، أنّ هذا التّأويل عبرة لذوي الاعتبار وتبصرة لأولي الأبصار.

و لنورد لك في فضل محبّته وفضل محبيّه وشيعته ما تقرّ به عينك، وتثبّت به فؤادك على محبّته وولايته:

فمن ذلك:

ما ذكر ابن بابويه ، عن أبيه قال: حدّثني عبد اللّه بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن عليّ الإصفهانيّ ، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن محمّد بن أسلم الطّوسيّ قال: حدّثنا أبو رجاء، قتيبة بن سعيد، عن حمّاد بن زيد قال: حدّثني عبد الرّحمن السّرّاج، عن نافع، عن عبد اللّه بن عمر قال: سألنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فغضب- صلّى اللّه عليه وآله-: وقال: ما بال قوم يذكرون من له منزلة عند اللّه ومقام، كمنزلتي ومقامي إلّا النّبوّة؟

ألا ومن أحبّ عليّا فقد أحبّني، [و من أحبّني‏]  رضي اللّه عنه، ومن رضي اللّه‏عنه كافأه  بالجنّة.

ألا ومن أحبّ عليّا،- عليه السّلام- لا يخرج من الدّنيا حتّى يشرب من الكوثر، ويأكل من طوبى، ويرى مكانه من الجنّة.

ألا ومن أحبّ عليّا، قبل اللّه منه صلاته وصيامه وقيامه، واستجاب اللّه دعاءه.

ألا ومن أحبّ عليّا، استغفرت له الملائكة وفتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخلها من أيّ باب شاء بغير حساب.

ألا ومن أحبّ عليّا، أعطاه اللّه كتابه بيمينه وحاسبه حساب الأنبياء.

ألا ومن أحبّ عليّا، هوّن اللّه عليه سكرات الموت، وجعل قبره روضة من رياض الجنّة.

ألا ومن أحبّ عليّا، أعطاه بكلّ عرق في بدنه حوراء، وشفع في ثمانين من أهل بيته، وله بكلّ شعرة في بدنه مدينة في الجنّة.

ألا ومن أحبّ عليّا، بعث اللّه إليه ملك الموت، كما يبعثه للأنبياء، ودفع اللّه عنه هول منكر ونكير، ونوّر قبره وفسّحه مسيرة سبعين عاما، وبيّض وجهه يوم القيامة، وكان مع حمزة سيّد الشّهداء.

ألا ومن أحبّ عليّا، أظلّه اللّه في ظلّ عرشه مع الصّديقين والشّهداء والصّالحين، وآمنه يوم الفزع الأكبر من أهوال الصّاخّة.

ألا ومن أحبّ عليّا، أثبت  اللّه الحكمة  في قلبه، وأجرى على لسانه الصّواب، وفتح اللّه عليه أبواب الجنّة .

ألا ومن أحبّ عليّا، سمّي في السّموات أسير اللّه في الأرض ، وباهى به ملائكة السّموات وحملة العرش.

ألا ومن أحبّ عليّا، ناداه ملك من تحت العرش: يا عبد اللّه، استأنف العمل‏فقد غفر اللّه لك الذّنوب كلّها.

ألا ومن أحبّ عليّا، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر.

ألا ومن أحبّ عليّا، وضع اللّه على رأسه تاج الملك وألبسه حلّة العزّ والكرامة.

ألا ومن أحبّ عليّا، مرّ على الصّراط، كالبرق الخاطف، ولم ير مؤنة  المرور.

ألا ومن أحبّ عليّا، كتب اللّه له براءة من النّار وجوازا على الصّراط وأمانا من العذاب، ولم ينشر له ديوان، ولم ينصب له ميزان، وقيل له: ادخل الجنّة بلا حساب.

ألا ومن أحبّ عليّا ومات على حبّه، صافحته الملائكة وزاره الأنبياء وقضى اللّه له كلّ حاجة.

ألا ومن أحب آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- أمن من الحساب والميزان والصّراط.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- أنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء.

ألا ومن أبغض آل محمّد، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة اللّه.

ألا ومن مات على بغض آل محمّد، مات كافرا.

ألا ومن مات على بغض آل محمّد، لم يشمّ رائحة الجنّة.

قال أبو رجاء: كان حمّاد بن زيد يفتخر بهذا الحديث ويقول: هذا هو الأصل.

انظر ببصر البصيرة إلى راوي هذا الحديث الشّريف كيف عدل عن حبّ أهل الإجلال والتّشريف، واتّبعه على ذلك أهل الشّقاق والتبديل والتّحريف وجنود إبليس أجمعون. فهو ممّن قال اللّه سبحانه: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ.

و من ذلك: ما رواه - أيضا-، عن الحسن بن عبد اللّه بن سعيد، عن محمّد بن أحمد بن حمدان  القشيريّ، عن المغيرة بن محمّد بن  المهلّب، عن عبد الغفّار بن محمّد بن كثير الكلابيّ الكوفيّ، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر لَمْ يَلِدْ، عن أبيه [، عليّ، عن أبيه،]  الحسين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة  مواطن أهوالهن عظيمة: عند الوفاة،و في القبر، وعند النّشور، وعند الكتاب، (و عند الحساب)  وعند الميزان، وعند الصّراط.

و من ذلك: ما رواه - أيضا-، عن الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد اللّه، عن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن الحكم، عن هشام، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن آبائه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، ما ثبت حبّك في قلب امرئ مؤمن فزلّت به قدم على الصّراط إلّا وثبت له قدم، حتّى يدخله اللّه بحبّك الجنّة.

و من ذلك: ما رواه - أيضا-، عن عبد اللّه بن محمّد بن عبد الوهّاب، بإسناده، عن عطاء، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حبّ عليّ يأكل السّيّئات، كما تأكل النّار الحطب.

و من ذلك: ما رواه - أيضا-، عن محمّد بن القاسم استراباديّ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن هارون، عن عمّار بن رجاء، عن يزيد بن هارون، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جاءه رجل، فقال:

يا رسول اللّه، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصّين فأسرع الكرّة وآب بالغنيمة، وقد حسده أهل ودّه، وأوسع على قراباته  وجيرانه؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ مال الدّنيا كلّما ازداد كثرة وعظما، ازداد صاحبه بلاء. فلا تغبطوا أصحاب المالّ إلّا من جاد بماله في سبيل اللّه. ولكن [ألا]  أخبركم بمن هو أقلّ من صاحبكم بضاعة، وأسرع منه كرّة، وأعظم منه غنيمة، وما اعدّ له من الخيرات محفوظ [له‏]  في خزائن عرش الرّحمن؟

قالوا: بلى، يا رسول اللّه.

 [فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: انظروا إلى هذا المقبل إليكم.فنظروا، فإذا برجل من الأنصار رثّ الهيئة.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:]  إنّ [هذا]  قد صعد له اليوم إلى الحقّ  من الخيرات والطّاعات ما لو قسّم على جميع أهل [السّماوات و]  الأرض، لكان نصيب أقلّهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنّة.

قالوا: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- بماذا استوجب هذا؟

قال: سلوه، يخبركم عمّا صنع في هذا اليوم.

قال: فأقبل أصحاب رسول اللّه على ذلك الرّجل، فقالوا  له: هنيئا لك بما بشّرك به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فما صنعت  في يومك هذا حتّى كتب  لك ما قد كتب؟

فقال الرّجل: ما أعلم أنّي [قد]  صنعت شيئا، غير أنّي خرجت من بيتي وأردت حاجة كنت أبطأت عنها فخشيت أن تكون قد فاتتني، فقلت في نفسي:

لأغتاضنّ عنها بالنّظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقد سمعت رسول اللّه يقول: النّظر إلى وجه عليّ عبادة.

فقال رسول اللّه: إي، واللّه، عبادة (و أيّ عبادة؟)  إنّك، يا عبد اللّه، ذهبت تبتغي أن تكسب دينارا لقوت عيالك، ففاتك ذلك، فاعتضت عنه بالنّظر إلى وجه عليّ- عليه السّلام- وأنت له محبّ ولطاعته معتقد. وذلك خير لك من أن [لو]  كانت الدّنيا كلّها لك ذهبة حمراء، فأنفقتها في سبيل اللّه، ولتشفعنّ بعدد كلّ نفس تنفّسته في مسيرك  إليه في ألف رقبة يعتقها اللّه من النّار بشفاعتك.

و من ذلك: ما رواه - أيضا-، قال: حدّثني أبي، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن جمهور، عن يحيى بن صالح، عن عليّ بن أسباط، عن عبد اللّه بن القاسم، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق- عليه السّلام- قال:بينا رسول اللّه في ملأ من أصحابه، وإذا بأسود  على جنازة تحمله أربعة من الزّنوج، ملفوف في كساء يمضون به إلى قبره.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بالأسود.

فوضع بين يديه، فكشف عن وجهه. ثمّ قال لعليّ- عليه السّلام- يا عليّ، هذا [رياح‏]  غلام آل النّجّار.

فقال عليّ- عليه السّلام-: واللّه، ما رآني قطّ إلّا وحجل في قيوده، وقال: يا عليّ، إنّي أحبّك.

قال: فأمر رسول اللّه بغسله، وكفّنه في ثوب من ثيابه وصلّى عليه، وشيّعه [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  والمسلمون إلى قبره، وسمع النّاس دويّا شديدا في السّماء.

فقال رسول اللّه: إنّه قد شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة، كلّ قبيل سبعون ألف ملك. واللّه، ما نال ذلك إلّا بحبّك، يا عليّ.

قال: ونزل رسول اللّه في لحده، ثمّ أعرض عنه، ثمّ سوّى عليه اللّبن.

فقال له أصحابه: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، رأيناك قد أعرضت عن الأسود ساعة، ثمّ سوّيت عليه اللّبن! فقال: نعم، إنّ وليّ اللّه خرج من الدّنيا عطشانا فتبادر إليه أزواجه من الحور العين بشراب من الجنّة. ووليّ اللّه غيور، فكرهت أن أحزنه بالنّظر إلى أزواجه، فأعرضت عنه.

و من ذلك: ما رواه الشّيخ أبو جعفر الكراجكيّ  في «كتاب كنز الفوائد» حديثا  مسندا، يرفعه إلى سلمان الفارسيّ قال: كنّا عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في مسجده، إذ جاء أعرابيّ فسأله عن مسائل في الحجّ وغيره. فلمّا أجابه، قال (له) : يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ حجيج قومي ممّن شهد ذلك معك أخبرنا، أنّك قمت بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بعد قفولك  من الحجّ ووقفته بالشّجرات من خمّ،فافترضت على المسلمين طاعته ومحبّته وأوجبت عليهم جميعا ولايته، وقد أكثروا علينا [في ذلك. فبيّن لنا، يا رسول اللّه أ ذلك فريضة علينا من الأرض لما أدنته الرّحم والصّهر منك، أم من اللّه افترضه علينا وأوجبه من السّماء ؟].

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: بل اللّه افترضه [علينا]  وأوجبه من السّماء، وافترض ولايته على أهل السّموات و[على‏]  أهل الأرض جميعا.

يا أعرابيّ، إنّ جبرئيل هبط عليّ يوم الأحزاب، وقال: إنّ ربّك يقرؤك السّلام، ويقول لك: إنّي قد افترضت حبّ عليّ بن أبي طالب ومودّته على أهل السّموات وأهل الأرض، فلم أعذر في محبّته أحدا، فمر أمّتك بحبّه. فمن أحبّه، فبحبّي  وحبّك أحبّه .

و من أبغضه، فببغضي  وبغضك أبغضه . أما إنّه ما أنزل اللّه كتابا ولا خلق خلقا إلّا وجعل له سيّدا، فالقرآن سيّد الكتب المنزلة، وشهر رمضان سيّد الشّهور، وليلة القدر سيّدة اللّيالي، والفردوس سيّد الجنان، وبيت اللّه الحرام سيّد البقاع، وجبرئيل سيّد الملائكة، وأنا سيّد الأنبياء، وعليّ سيّد الأوصياء، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ولكلّ امرئ من عمله سيّد، (و حبّي)  وحبّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- سيّد الأعمال، وما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم [إلّا بحبّ عليّ‏] .

يا أعرابيّ، إذا كان يوم القيامة نصب  لإبراهيم منبر عن  يمين العرش، ونصب لي منبر عن شمال العرش، ثمّ يدعى بكرسيّ عال يزهر نورا فينصب بين المنبرين. فيكون إبراهيم على منبره، وأنا على منبري، ويكون أخي (عليّ)  على ذلك الكرسيّ، فما رأيت أحسن منه حبيبا بين خليلين.

يا أعرابيّ: ما هبط عليّ جبرئيل إلّا وسألني عن عليّ- عليه السّلام- ولا عرج إلّاو قال: اقرأ على عليّ  منّي السّلام .

نبأ عظيم يشتمل على شي‏ء من فضائله [و أنّ الملائكة تحبّه وتشتاق له وتسلّم عليه‏]

و هو: ما رواه - صاحب كتاب الواحدة-، أبو الحسن عليّ بن محمّد بن جمهور، عن الحسن بن عبد اللّه الأطروش  قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ السّرّاج قال:

حدّثني وكيع بن الجرّاح، قال: حدّثنا الأعمش، عن مورّق العجليّ، عن أبي ذرّ الغفاريّ- رحمه اللّه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ذات يوم في منزل أمّ سلمة، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يحدّثني، وأنا أسمع، إذ دخل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فأشرق وجهه نورا [و]  فرحا بأخيه وابن عمّه، ثمّ ضمّه إليه وقبّل [ما] بين عينيه.

ثمّ التفت إليّ، فقال: يا أبا ذرّ، أتعرف هذا الدّاخل علينا حقّ معرفته؟

فقال أبو ذرّ: فقلت: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- هذا أخوك وابن عمّك وزوج فاطمة البتول وأبو الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أبا ذرّ، هذا الإمام الأزهر ورمح اللّه الأطول وباب اللّه الأكبر، فمن أراد اللّه فليدخل الباب.

يا أبا ذرّ، هذا القائم بقسط اللّه والذّابّ عن حريم اللّه والنّاصر لدين اللّه وحجّة اللّه على خلقه، إنّ اللّه لم يزل يحتجّ على خلقه في الأمم كلّ أمّة يبعث فيها نبيّا.

يا أبا ذرّ، إنّ اللّه جعل على كلّ ركن من أركان عرشه سبعين ألف ملك، ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلّا الدّعاء [لعليّ وشيعته، والدّعاء]  على أعدائه.

يا أبا ذرّ، لولا عليّ ما بان حقّ من باطل، ولا مؤمن من كافر، ولا عبد اللّه لانّه ضرب رؤوس المشركين حتّى أسلموا وعبدوا  اللّه، ولولا ذلك لم يكن ثواب ولا عقاب، ولا يستره من اللّه ستر، ولا يحجبه من اللّه حجاب، وهو الحجاب والسّتر. ثمّ قرأ رسول‏اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: «شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه اللّه يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب».

يا أبا ذرّ، إنّ اللّه تفرّد بملكه، ووحدانيّته وفردانيّته في وحدانيّته فعرّف عباده المخلصين لنفسه، وأباح لهم جنّته، فمن أراد أن يهديه عرّفه ولايته، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفته.

يا أبا ذرّ، هذا راية الهدى، وكلمة التّقوى، والعروة الوثقى، وإمام أوليائي ونور من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمها اللّه المتّقين، فمن أحبّه كان مؤمنا، ومن أبغضه كان كافرا، ومن ترك ولايته كان ضالّا مضلّا، ومن جحد ولايته كان مشركا.

يا أبا ذرّ، يؤتى بجاحد ولاية عليّ- عليه السّلام- يوم القيامة أصمّ [و]  أعمى [و] أبكم، فيكبكب في ظلمات القيامة [ينادي: يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ]  وفي عنقه طوق من نار، لذلك الطّوق ثلاثمائة شعبة، على كلّ شعبة منها شيطان يتفل في وجهه ويكلح في جوف قبره إلى النّار.

قال أبو ذرّ: فقلت: زدني بأبي أنت وأمّي، يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: نعم، إنّه لمّا عرج بي إلى السّماء فصرت إلى سماء الدّنيا، أذّن ملك من الملائكة وأقام الصّلاة، فأخذ بيدي جبرئيل وقال لي: يا محمّد، صلّ [بالملائكة فقد طال شوقهم إليك، فصلّيت‏] بسبعين صفّا من الملائكة، الصّف ما بين المشرق والمغرب لا يعلم عددهم إلّا [اللّه‏] الّذي خلقهم.

فلمّا قضيت الصّلاة أقبل إليّ شرذمة من الملائكة يسلّمون عليّ، ويقولون: لنا إليك حاجة. فظننت أنّهم يسألوني الشّفاعة، لأنّ اللّه فضّلني بالحوض والشّفاعة على جميع الأنبياء.

فقلت: ما حاجتكم [يا]  ملائكة ربّي؟

قالوا: إذا رجعت إلى الأرض فاقرأ عليّا منّا السّلام، وأعلمه بإنّا قد طال شوقنا إليه.فقلت: ملائكة ربّي، تعرفوننا حقّ معرفتنا؟

فقالوا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم لا نعرفكم وأنتم أوّل خلق خلقه اللّه من نور، خلقكم اللّه أشباح نور من نور في نور من نور اللّه، وجعل لكم مقاعد في ملكوته بتسبيح وتقديس وتكبير له، ثمّ خلق الملائكة ممّا أراد من أنوار شتّى، وكنّا نمرّ بكم وأنتم تسبّحون اللّه وتقدّسونه وتكبّرونه وتحمدون وتهلّلون، فنسبّح ونقدّس ونحمّد ونهلّل ونكبّر بتسبيحكم وتقديسكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم، فما نزل من اللّه فإليكم وما صعد إلى اللّه فمن عندكم، فلم لا نعرفكم؟

ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّانية، فقالت لي الملائكة مثل مقالة أصحابهم.

فقلت: ملائكة ربّي، هل تعرفوننا حقّ معرفتنا؟

قالوا: ولم لا نعرفكم وأنتم صفوة اللّه من خلقه، وخزّان علمه، والعروة الوثقى، والحجّة العظمى، وأنتم [الجنب والجانب، وأنتم‏]  الكرسي  وأصول العلم؟ فاقرأ عليّا منّا السّلام.

ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّالثة، فقالت لي الملائكة مثل مقالة أصحابهم.

فقلت: ملائكة ربّي، هل تعرفوننا حقّ معرفتنا؟

قالوا: ولم لا نعرفكم وأنتم باب المقام، وحجّة الخصام، وعليّ دابّة الأرض وفاصل القضاء وصاحب العصا وقسيم النّار غدا وسفينة النّجاة، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها في النّار يتردّى يوم القيامة، أنتم الدّعائم من تخوم  الأقطار والأعمدة وفساطيط السّجاف الأعلى (على)  كواهل أنواركم، فلم لا نعرفكم؟ فاقرأ عليّا منّا السّلام.

ثمّ عرج بي إلى السّماء الرّابعة، فقالت لي الملائكة مثل مقالة أصحابهم.

فقلت: ملائكة ربّي، تعرفوننا حقّ معرفتنا؟

قالوا: ولم لا نعرفكم وأنتم شجرة النّبوّة، وبيت الرّحمة ، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، وعليكم ينزل جبرئيل بالوحي من السّماء، فاقرأ عليّا منّا السّلام.ثمّ عرج بي إلى السّماء الخامسة، فقالت لي الملائكة مثل مقالة أصحابهم.

فقلت: ملائكة ربّي، تعرفوننا (حقّ معرفتنا) ؟

فقالوا: ولم لا نعرفكم ونحن نمرّ عليكم بالغداة والعشيّ بالعرش  وعليه مكتوب:

 «لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أيّده  بعليّ بن أبي طالب [وليّيّ‏]  فعلمنا عند ذلك أنّ عليّا وليّ [من أولياء]  اللّه، فاقرأه منّا السّلام.

ثمّ عرج بي إلى السّماء السّادسة، فقالت لي الملائكة مثل مقالة أصحابهم.

فقلت: ملائكة ربّي تعرفوننا [حقّ معرفتنا] ؟

قالوا: ولم لا نعرفكم، وقد خلق اللّه جنّة الفردوس وعلى بابها شجرة، وليس فيها ورقة إلّا وعلى حرف  منها مكتوب بالنّور: «لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عروة اللّه الوثقى وحبل اللّه المتين وعينه على الخلائق أجمعين» فاقرأه منّا السلام.

ثمّ عرج بي إلى السّماء السّابعة، فسمعت الملائكة يقولون: الحمد للّه الّذي صدقنا وعده.

فقلت: وبماذا وعدكم؟

قالوا: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا خلقتم أشباح نور في نور من نور اللّه عرضت علينا ولايتكم فقبلناها، وشكونا محبّتكم إلى اللّه. فأمّا أنت فوعدنا بأن يريناك معنا في السّماء وقد فعل. وأمّا عليّ- عليه السّلام- فشكونا محبّته إلى اللّه، فخلق لنا في صورته ملكا  وأقعده عن يمين عرشه على سرير من ذهب مرصّع بالدّرّ والجوهر عليه قبّة من لؤلؤة بيضاء، يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، بلا دعامة من تحتها ولا علاقة من فوقها، قال لها صاحب العرش: قومي بقدرتي، فقامت  فكلّما اشتقنا إلى رؤية عليّ نظرنا إلى ذلك الملك في السّماء، فاقرأ عليّا منّا السّلام.

 [و نحن- أيضا- نسلّم على‏من سلّمت الملائكة عليه ونهدي منّا التّحية الحسنة الوافرة إليه - صلّى اللّه عليه وعلى ذرّيته الطيّبين صلاة دائمة إلى يوم الدّين.

و لنختم هذه الأحاديث بحديث جامع لفضله وفضيلة ذرّيّته الطّيبين، وأنّهم أفضل [الخلق‏]  الأفاضل أجمعين وهو:

ما رواه  الشّيخ ابن بابويه، عن الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشميّ- رحمه اللّه- قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ الهمدانيّ، عن أبي الفضل، العبّاس بن عبد اللّه البخاريّ، عن محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، عن عبد السّلام بن الهروي، عن الرّضا، عن أبيه، موسى بن جعفر، عن أبيه، جعفر بن محمّد، عن أبيه، محمّد بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن الحسين، عن أبيه، الحسين بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي.

قال عليّ- عليه السّلام- فقلت: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال: يا عليّ، إنّ اللّه فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك، يا عليّ، وللأئمّة من بعدك، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

يا عليّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بولايتنا.

يا عليّ، لولا نحن ما خلق اللّه آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النّار ولا السّماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتقديسه وتهليله، لأنّ أوّل  ما خلق اللّه أرواحنا فأنطقها اللّه بتوحيده وتمجيده.

ثمّ خلق الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمرنا، فسبّحنالتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون، وأنّه تعالى منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا  ونزّهته عن صفاتنا. فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة ألّا إله إلّا اللّه [و أنّا عبيد لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا : لا إله إلّا اللّه‏]  فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا  لتعلم الملائكة أنّ اللّه أكبر من أن ينال عظم المحلّ إلّا به. فلمّا شاهدوا ما جعله اللّه لنا من العزّة والقوّة، قلنا: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، لتعلم الملائكة ألّا حول ولا قوّة إلّا باللّه، فقالت الملائكة: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه [العليّ العظيم‏] . فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا وأوجبه لنا من فرض الطّاعة، قلنا: الحمد للّه، لتعلم الملائكة ما يحقّ للّه- تعالى ذكره- علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد للّه. فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللّه وتسبيحه وتهليله وتمجيده وتحميده.

ثمّ إنّ اللّه لمّا خلق آدم أودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسّجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم [للّه- عزّ وجلّ-]  عبوديّة، ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه. فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سجدوا (لآدم)  كلّهم أجمعون.

و أنّه لمّا عرج بي إلى السّماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى. ثمّ قال: تقدّم، يا محمّد.

فقلت له يا جبرئيل، أتقدّم عليك؟! فقال: نعم، إنّ اللّه فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضّلك خاصّة، فتقدّمت فصلّيت بهم ولا فخر.

فلمّا انتهينا إلى حجب النّور قال لي جبرئيل: تقدّم، يا محمّد. وتخلّف عنّي.

فقلت: يا جبرئيل، في مثل هذا الموضع  تفارقني؟

فقال: يا محمّد، إنّ انتهاء حدّي الّذي وضعني اللّه فيه هو هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت  أجنحتي لتعدّيّ حدود ربّي.فزجّني في النّور زجّة حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه من ملكوته، فنوديّت: يا محمّد.

فقلت: لبّيك، يا ربّي، وسعديك تباركت وتعاليت.

فنوديت: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربّك، فإيّاي فأعبد وعليّ فتوكّل، فإنّك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجّتي على بريّتي، لمن اتّبعك خلقت جنّتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.

فقلت: يا ربّ ومن أوصيائي؟

فنوديت: يا محمّد، أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش.

فنظرت، وأنا بين يدي ربّي  إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كلّ نور سطر  أخضر عليه اسم  وصيّ  من أوصيائي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي.

فقلت: يا ربّي، هؤلاء أوصيائي [بعدي؟

فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي‏]  وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزّتي وجلالي، لأظهرنّ بهم ديني ، ولأعلينّ بهم كلمتي، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكّنه مشارق الأرض ومغاربها، ولاسخرنّ له الرّياح، ولأذلّلنّ له الصّعاب، ولأرقّينّه في الأسباب، ولأنصرنّه بجندي، ولأؤيّدنه  بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ولاديمنّ ملكه، ولاداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة.

 [و بعد]  فحيث ختمنا هذه الأحاديث بهذا الحديث الجامع لفضلهم الظّاهر الشّائع، رأينا أن نأتي بعده بحديث يتضمّن ما خصّهم اللّه من البلاء العظيم، وما أعدّ [اللّه‏]  لهم من الجزاء على صبرهم في جنّات النّعيم، وما أعدّه لأعدائهم من العذاب‏الأليم في دركات الجحيم [و ذلك ممّا تفرح به قلوب المؤمنين وتيقّن أنّها على الحقّ المبين بموالاتهم لخاتم النبيّين وأهل بيته الطيبين وبالبراءة من أعدائهم الظّالمين من الأوّلين والآخرين‏] .

و هو:

ما نقله  الشّيخ أبو القاسم، جعفر بن قولويه  قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا اسري بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قيل له: إنّ اللّه مختبرك في ثلاث، لينظر كيف صبرك.

قال: أسلّم لأمرك يا ربّ وأصبر، ولا قوّة لي على الصّبر إلّا بك، فما هنّ؟

قيل له: أوّلهن الجوع والاثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة.

قال: قلت : يا ربّ، قبلت ورضيت وسلّمت، ومنك التّوفيق للصّبر.

و أمّا الثّانية: فالتّكذيب والخوف الشّديد، وبذلك مهجتك  فيّ، ومحاربتك الكفّار بنفسك ومالك، والصّبر على ما يصيبك منهم من الأذى من أهل النّفاق، والألم في الحرب والجراح.

قال: يا ربّ، قبلت ورضيت وسلّمت، ومنك التّوفيق للصّبر.

و أمّا الثّالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل.

ما أخوك، فيلقى من أمّتك الشّتم والتّعنيف والتّوبيخ والحرمان والظّلم والجهد، وآخر ذلك القتل.

فقال: يا ربّ، سلّمت وقبلت، ومنك التّوفيق للصّبر.

و أمّا ابنتك، فتظلم وتحرم، ويؤخذ حقّها غصبا الّذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها حريمها ومنزلها بغير إذن، ثمّ يسمّها هوان وذلّ ثمّ لا تجد مانعا، وتطرح ما في بطنها من ذلك الضّرب  [و تموت من ذلك الضّرب‏] .قال: فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، قبلت يا ربّ وسلّمت، ومنك التّوفيق للصّبر .

و يكون لها من أخيك ابنان، يقتل أحدهما غدرا [و يسلب‏]  ويطعن ويسمّ، يفعل  به ذلك أمّتك.

قال: قبلت  يا ربّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وسلّمت، ومنك التّوفيق للصّبر .

و أمّا ابنها الآخر، فتدعوه أمّتك إلى الجهاد ثمّ يقتلونه صبرا، ويقتلون ولده ومن معه من أهل بيته، ثمّ يسلبون حريمه فيستعين بي، وقد مضى القضاء منّي فيه بالشّهادة له ولمن معه، ويكون قتله حجّة على من بين قطريها، فيبكيه أهل السّموات وأهل الأرض جزعا عليه وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته. ثمّ اخرج من صلبه ذكرا به أنصرك، وأنّ شبحه عندي تحت العرش يملأ الأرض بالعدل ويطبقّها  بالقسط، يسير معه الرّعب، ويقتل حتّى يشكّ فيه.

فقلت: إنّا للّه [و إنّا إليه راجعون‏] .

فقيل لي: ارفع رأسك. فنظرت إلى رجل من أحسن النّاس صورة، وأطيبهم ريحا، والنّور يسطع من فوقه ومن تحته، فدعوته فأقبل إليّ وعليه ثياب النّور وسيماء كلّ خير حتّى قبّل بين عينيّ، ونظرت إلى ملائكة قد حفّوا به لا يحصيهم إلّا اللّه.

فقلت: يا ربّ لمن يغضب هذا، ولمن أعددت  هؤلاء  الملائكة، وقد وعدتني النّصر فيهم، فأنا أنتظره منك وهؤلاء أهلي وأهل بيتي وقد أخبرتني بما يلقون من بعدي، ولو شئت لأعطيتني النّصر [فيهم‏] على من بغي عليهم، وقد سلّمت وقبلت [و رضيت‏] ، ومنك التّوفيق  والرّضا والعون على الصّبر.

فقيل لي : أمّا أخوك، فجزاؤه عندي جنّة المأوى نزلا بصبره، وأفلح  حجّته‏على الخلائق يوم البعث، وأوليّه حوضك يسقي منه أولياءكم ويمنع (منه)  أعداءكم، وأجعل جهنّم عليه بردا وسلاما يدخلها فيخرج منها من كان في قلبه [مثقال‏]  ذرّة من المودّة لكم، وأجعل منزلتكم في درجة واحدة من الجنّة.

و أمّا ابنك المقتول المخذول المسموم وابنك المغدور  المقتول صبرا، إنّهما ممّن  أزيّن بهما عرشي، ولهما من الكرامة سوى ذلك ما لا يخطر على قلب بشر لما أصابهما من البلاء، وعليّ لكلّ من زار قبره من الخلائق الكرامة، لأنّ زوّاره زوّارك، وزوّارك زوّاري، وعليّ كرامة زائري، وأن أعطيه ما سأل وأجزيه جزاء يغبطه من نظر إلى عطيّتي إيّاه وما أعددت له من كرامتي [إيّاه‏] .

و أمّا ابنتك، فإنّي أوقفها عند عرشي، فيقال لها: إنّ اللّه قد حكّمك في خلقه، فمن ظلمك وظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فإنّي أجيز حكومتك فيهم. فتشهد العرصة  فإذا أوقف ظلمها أمرت به إلى النّار.

فيقول الظّالم: وا حسرتاه عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ويتمنّى الكرّة وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.

و قال: حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ.

فيقول الظّالم: أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون [أو الحكم لغيرك‏] .

فيقال  لهما: ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.

فأوّل من يحكم فيهما محسن بن علىّ- عليه السّلام- في قاتله، ثمّ في قنفذ.فيؤتيان هو وصاحبه ويضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت  من مشرقها إلى مغربها، ولو جعلت  على جبال الدّنيا لذابت حتّى تصير  رمادا، فيضربان بها.

ثمّ يجثو أمير المؤمنين- عليه السّلام- بين يدي اللّه للخصومة مع الرّابع، ويدخل الثّلاثة في جبّ فيطبّق عليهم لا يراهم (أحد)  ولا يرون أحدا، فعندها يقول الّذين في ولايتهم: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.

فيقول اللّه: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ.

فعند ذلك ينادون بالويل والثّبور، ويأتيان الحوض يسألان عن أمير المؤمنين ومعهما حفظة فيقولان: اعف عنّا واسقنا وخلّصنا.

فيقال لهما: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ، يعني، بإمرة المؤمنين، ارجعوا ظماء مظمّئين إلى النّار فما شرابكم إلّا الحميم والغسلين، وما تنفعكم شفاعة الشّافعين.

و ممّا نقله  بهذا المعنى بهذا الإسناد، عن عبد اللّه الأصمّ ، عن عبد اللّه بن بكير الأرجانيّ قال: صحبت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في طريق مكّة إلى المدينة، فنزلنا منزلا يقال له: عسفان ، ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطّريق وحش.

فقلت له: يا ابن رسول اللّه، ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطّريق مثل هذا.

فقال لي: يا ابن بكير، أ تدري أيّ جبل هذا؟

قلت: لا.

قال: هذا جبل يقال له: الكمد، وهو على واد من أودية جهنّم، وفيه قتلة أبي، الحسين- عليه السّلام- استودعهم اللّه فيه، تجري من تحته مياه جهنّم من الغسلين‏و الحميم والصّديد، وما يخرج من جبّ الخزي ، وما يخرج من الفلق، [و ما يخرج‏]  من أثام، وما يخرج من طينة الخبال، وما يخرج من جهنّم، وما يخرج من لظى (و)  من الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الحميم ، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السّعير. وما مررت بهذا الجبل في سفري، فوقفت فيه، إلّا رأيتهما يستغيثان إليّ.

و إنّي لأنظر إلى قتلة أبي- عليه السّلام- فأقول لهما: هؤلاء إنّما فعلوا ما فعلوا بما اسستمالهم ، لم ترحمونا إذ ولّيتم، وحرمتمونا وقتلتمونا، ووثبتم على حقّنا واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رحم اللّه من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدّمتما وما اللّه بظلّام للعبيد، وأشدّهما تضرّع واستكانة الثّاني، فربّما وقفت عليهما ليسلّي عنّي بعض ما في قلبي، وربّما طويت الجبل الّذي هما فيه وهو جبل الكمد.

قال: قلت له: جعلت فداك، إذا طويت الجبل فما تسمع؟

قال: أسمع أصواتهما ينادياني: عرّج إلينا نكلّمك، فإنّا نتوب. وأسمع من الجبل صارخا يصرخ بي: أجبهما، وقل لهما: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ.

قال: قلت: جعلت فداك، ومن معهم؟

قال: كلّ فرعون عتا على اللّه وحكى عنه فعاله، وكلّ من علّم العباد الكفر.

قلت: من هم؟

قال: بولس الّذي علّم اليهود أنّ يد مغلولة. ونحو بسطور  الّذي علّم النّصارى أنّ المسيح ابن اللّه، وقال لهم: إنّه ثلاثة . ونحو فرعون موسى الّذي قال: أنا ربّكم الأعلى. ونحو نمرود الّذي قال: قهرت أهل الأرض، وقتلت من في السّماء. وقاتل أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وقاتل فاطمة. وقاتل الحسن والحسين ومحسن. وأمّا معاويةو عمرو بن العاص فلا يطعمان في الخلاص، ومعهم كلّ من نصب لنا العداوة وأعان علينا ولسانه وماله.

قلت له: جعلت فداك، فإنّك تسمع هذا كلّه ولا تفزع؟

قال: يا ابن بكير، إنّ قلوبنا غير قلوب النّاس، إنّا مصفّون مصطفون، نرى ما لا يرى النّاس، ونسمع ما لا يسمعون. وإنّ الملائكة تنزل علينا في رحالنا، وتتقلّب  على فرشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون، تصلّي معنا، وتدعو لنا، وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلّب  على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدّوابّ أن تصل إلينا، وتأتينا ممّا في الأرضين من (كلّ)  نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كلّ أرض نجد ذلك في آنيتنا، وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلّا وهي تنبّهنا  لها، وما من ليلة تأتي علينا إلّا وأخبار كلّ أرض عندنا وما يحدث فيها وأخبار الجنّ وأخبار أهل الهواء من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غير مقامه إلّا (و)  أتتنا بخبره وكيف سيرته في الّذين قبله، وما من أرض من ستّة أرضين إلى الأرض السّابعة إلّا نحن نؤتى بخبرها.

فقلت له: جعلت فداك، أين منتهى هذا الجبل؟

قال: إلى الأرض السّابعة ، وفيها جهنّم على واد من أوديتها، عليه حفظة أكثر من نجوم السّماء وقطر المطر وعدد ماء البحار وعدد الثّرى، وقد وكّل كلّ ملك منهم بشي‏ء، وهو مقيم عليه لا يفارقه.

قلت: جعلت فداك، إليكم جميعا يلقون الأخبار؟

قال: لا، إنّما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر [منّا] . وإنّا لنحمل ما لا يقدر العباد على حمله ولا على الحكومة فيه، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته  الملائكة على قولنا، وأمرت الّذين يحفظون ناحيته أن يقصروه على قولنا. فإن كان من الجنّ (من)  أهل‏الخلاف والكفر، أو ثقته وعذّبته حتّى يصير إلى (ما)  حكمنا به.

قلت: جعلت فداك، فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب.

فقال: يا ابن بكير، فكيف يكون حجّة على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم؟ وكيف يكون حجّة على قوم غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه ؟

و كيف يكون مؤدّيا عن اللّه وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم؟ وكيف يكون حجّة عليهم وهو محجوب عنهم؟ وقد حيل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربّه فيهم، واللّه يقول: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ، يعني به: من على الأرض. والحجّة بعد النّبيّ يقوم مقامه، وهو الدّليل على من تشاجرت فيه الأمّة، والآخذ بحقوق النّاس، والقائم بأمر اللّه، والمنصف بعضهم من بعض. فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله- تعالى- وهو يقول:

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ (الآية)] . فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها اللّه أهل الآفاق . وقال: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها قال :

فأيّ آية أكبر منّا.