سورة التّحريم

سورة التّحريم‏

مدنيّة.

و آياتها اثنتا عشرة بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الطّلاق والتّحريم في فريضة ، أعاذه اللّه من أن يكون يوم القيامة ممّن يخاف أو يحزن، وعوفي من النّار، وأدخله اللّه الجنّة بتلاوته إيّاهما ومحافظته عليهما، لانّهما للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و

في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، [أعاذه اللّه من النّار، و]  أعطاه اللّه توبة نصوحا.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قيل : إنّه- صلّى اللّه عليه وآله- خلا بمارية في يوم عائشة أو حفصة، فأطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه، فحرّم مارية، فنزلت.و قيل : شرب عسلا عند حفصة، فواطأت  عائشة وسودة وصفيّة فقلن له: إنّا نشمّ منك مثل ريح المغافير . فحرّم العسل، فنزلت.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قال: اطّلعت عائشة وحفصة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو عند مارية، فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: واللّه، ما أقربها. فأمره اللّه أن يكفّر عن يمينه.

قال عليّ بن إبراهيم: كان سبب نزولها، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في بعض بيوت نسائه، وكانت مارية القبطيّة تكون معه تخدمه، وكان ذات يوم في بيت حفصة، [فذهبت حفصة في حاجة لها،]  فتناول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت، وأقبلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هذا في يومي وفي داري وعلى فراشي؟! فاستحيا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله منها- فقال: كفى فقد حرّمت مارية على نفسي، ولا أطؤها بعد هذا أبدا، وأنا أفضي إليك سرّا فإن أنت أخبرت به فعليك لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين.

فقالت: نعم، ما هو؟

فقال: إنّ أبا بكر يلي  الخلافة بعدي، ثمّ من بعده أبوك.

فقالت: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ .

فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك، وأخبرت عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له: إنّ عائشة أخبرتني عن حفصة بشي‏ء ولا أثق بقولها، فاسأل أنت حفصة.فجاء عمر إلى حفصة فقال لها: ما هذا الّذي أخبرت عنك عائشة؟

فأنكرت ذلك، و قالت: ما قلت لها من ذلك شيئا.

فقال لها عمر: إن كان هذا حقّا فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه.

فقالت: نعم، قد قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فاجتمعوا أربعة على أن يسمّوا رسول اللّه، فنزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بهذه السّورة: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي- إلى قوله-:

تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، يعني: قد أباح اللّه لك أن تكفّر عن يمينك وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

و

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن محمّد بن سماعة، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام.

فقال لي: لو كان لي عليه سلطان أوجعت رأسه، وقلت له: اللّه أحلّها لك، فما حرّمها عليك؟ إنّه لم يزد على أن كذب فزعم أنّ ما أحل اللّه له حرام، ولا يدخل عليه طلاق ولا كفّارة.

فقلت: قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ فجعل فيه الكفّارة.

فقال: إنّما حرم عليه جاريته، مارية وحلف أن لا يقربها، فإنّما جعل عليه الكفّارة في الحلف ولم يجعل عليه في التّحريم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قال اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ فجعلها يمينا، وكفّرها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قلت: بم كفّر؟

قال: أطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ.قلنا: فما حدّ  الكسوة؟

قال: ثوب يواري به عورته.

و

في مجمع البيان : واختلف العلماء فيمن قال لامرأته: أنت عليّ حرام.

... إلى أن قال: وقال أصحابنا: إنّه لا يلزم به شي‏ء، ووجوده كعدمه، وإنّما أوجب اللّه فيه الكفّارة، لأن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان حلف ألّا يقرب جاريته أو لا يشرب الشّراب المذكور، فأوجب اللّه عليه أن يكفّر عن يمينه ويعود إلى استباحة ما كان حرّمه، وبيّن أنّ التّحريم لا يحصل إلّا بأمر اللّه ونهيه، ولا يصير الشّي‏ء حراما بتحريم من يحرّمه على نفسه إلّا إذا حلف على تركه.

و اعلم أنّه ليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه صغير أو كبير، لأنّ تحريم الرّجل بعض نسائه أو بعض الملاذّ لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح ولا داخل في جملة الذّنوب، ولا يمتنع أن يكون خرج هذا مخرج التّوجّع له إذا بالغ في إرضاء أزواج وتحمّل في ذلك المشقّة، ولو أنّ إنسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهنّ، لجاز أن يقال له: لم فعلت ذلك وتحملت فيه المشقّة؟ وإن كان لم يفعل قبيحا. ولو قلنا: إنّه- صلّى اللّه عليه وآله- عوتب على ذلك، لأنّ ترك التّحريم كان أفضل من فعله، ولم يمتنع لأنّه يحسن أن يقال لتارك الفعل: لم لم تفعله، ولم عدلت عنه؟ ولأنّ تطييب قلوب النّساء ممّا لا تنكره العقول.

تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ: تفسير «لتحرّم»، أو حال من فاعله، أو استئناف لبيان الدّاعي إليه.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ: لعباده.

رَحِيمٌ : بهم إذا رجعوا إلى ما هو الأولى والأليق.

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ: قد شرع لكم تحليلها، وهو حلّ ما عقدته بالكفّارة.

وَ اللَّهُ مَوْلاكُمْ: متولّي أمركم.

وَ هُوَ الْعَلِيمُ: بما يصلحكم.الْحَكِيمُ : المتّقن في أفعاله وأحكامه.

و

في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّي لأكره للرّجل أن يموت وقد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم يأتها.

فقلت: وهل تمتّع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: نعم. وقرأ هذه الآية.

وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ، يعني: حفصة.

حَدِيثاً: تحريم مارية. أو العسل. أو أنّ الخلافة يليها بعده أبو بكر وعمر.

فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ، أي: فلمّا أخبرت حفصة عائشة بالحديث.

وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: وأطلع اللّه نبيّه على ما جرى من إفشاء سرّه.

عَرَّفَ بَعْضَهُ: عرف الرّسول حفصة بعض  ما فعلت.

و قرأ  الكسائي، بالتّخفيف.

وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ: عن إعلام بعض تكرّما. أو جازاها على بعض بأن طلّقها تطليقة، وأعرض عن بعض بأن راجعها بأمر اللّه.

و

في مجمع البيان : وقيل: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- خلا في يوم عائشة مع جاريته، إمّ إبراهيم مارية القبطيّة، فوقفت حفصة على ذلك.

فقال لها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا تعلمي عائشة ذلك. وحرّم مارية على نفسه.

فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها إيّاه، فأطلع اللّه نبيّه على ذلك، وهو قوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً، يعني: حفصة.

... عن الزّجّاج قال: ولمّا حرّم مارية القبطيّة، أخبر حفصة أنّه يملك من بعده أبو بكر و عمر، فعرّفها بعض ما أفشت من الخبر، وأعرض عن بعض أنّ أبا بكر [و عمر]  يملكان بعدي.و قريب من ذلك :

ما رواه العياشيّ، بالإسناد، عن عبد اللّه بن عطاء المكّيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- إلّا أنّه زاد في ذلك، أنّ كلّ واحدة منهما حدّثت أباها في ذلك، فعاتبهما [رسول اللّه‏]  في أمر مارية وما أفشتا عليه من ذلك، وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر.

فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ : بسرائر الصّدور.

إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ: خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات، للمبالغة في المعاتبة.

فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما : فقد وجد منكما ما يوجب التّوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحبّ ما يحبّه وكراهة [ما يكرهه.

وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ: بما يسوؤه.

و قرأ  الكوفيّون بالتخفيف.

و

في جوامع الجامع : وقرأ موسى بن جعفر- عليه السّلام-: وإن تظاهروا.] .

و

في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى محمّد بن [محمّد بن‏]  عبد العزيز قال:

وجدت في كتاب أبي، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاس قال: وجدت حفصة رسول اللّه مع أمّ إبراهيم في يوم عائشة، فقالت: ولأخبرنّها .

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اكتمي ذلك وهي عليّ حرام.

فأخبرت حفصة عائشة بذلك، فأعلم اللّه نبيّه، فعرّف حفصة أنّها أفشت سرّه فقالت  له: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. فآلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من نسائه شهرا، فأنزل اللّه- عزّ اسمه-: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.قال ابن عبّاس : فسألت عمر بن الخطّاب: من اللّتان تظاهرتا على رسول اللّه؟

فقال: حفصة وعائشة.

فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ: فلن يعدم من يظاهره من اللّه والملائكة وصلحاء المؤمنين، فإنّ اللّه ناصره، وجبريل رئيس الكروبيّين قرينه، ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه.

وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ : متظاهرون.

قيل : وتخصيص جبرئيل لتعظيمه، والمراد بالصّالح: الجنس، ولذلك عمّم  بالإضافة وبقوله: «بعد ذلك» تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره اللّه به.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إِنْ تَتُوبا- إلى قوله-: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ.

قال: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

 [و في مجمع البيان : وعن ابن عبّاس قال: قلت لعمر بن الخطّاب : من المرأتان اللّتان تظاهرتا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: عائشة وحفصة ...]  أورده البخاريّ في الصّحيح.

و وردت الرّواية من طريق العامّة والخاصّة، أنّ المراد بصالح المؤمنين: [أمير المؤمنين علي- عليه السّلام-] .

و

في كتاب شواهد التّنزيل ، بالإسناد: عن سدير الصّيرفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لقد عرّف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [عليّا- عليه السّلام-]  أصحابه مرّتين، أمّا مرّة فحيث قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وأمّا الثّانية، فحيثمانزلت هذه الآية: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (الآية) أخذ رسول اللّه بيد عليّ وقال:

يا أيّها النّاس، هذا صالح المؤمنين.

 [و قالت أسماء بنت عميس: سمعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول. «و صالح المؤمنين»]  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- .

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس: فقد روى من يعتمد عليه من رجال المخالف والمؤالف، أنّ المراد بصالح المؤمنين: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وقد ذكرنا بعض الرّوايات في كتاب الطرائف.

و في شرح الآيات الباهرة : سبب نزول هذه الآيات ، أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أسرّ إلى عائشة وحفصة حديثا، وهو: أنّ أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده  بالقهر والغلبة، فلمّا أسرّ إليهما ذلك عرّفت كلّ واحدة أباها وأفشت سرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فأنزل اللّه على رسوله يخبره بما فعلتا ، ويعرّفهما بأنّهما إن تابتا ممّا فعلتاه  فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، أي: مالت إلى الهدى وعدلت إلى الرّشاد وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ، أي: على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [إن  تتقوّيا]  فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ، أي: ناصره ومؤيّده، وكذلك جِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ.

و صالح المؤمنين:]  أمير المؤمنين- عليه السّلام- على ما رواه محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-، من طريق العامّة والخاصّة، أورد في تفسيره هذا المنقول (منه)  اثنين وخمسين‏حديثا اخترنا منها بعضها:

قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الحسينيّ، عن عيسى بن مهران، عن مخلد  بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن [محمّد بن‏]  عبد اللَّه بن أبي رافع [عن عون بن عبد اللَّه بن أبي رافع‏]  قال: لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [عشي عليه‏]  ثمّ أفاق، وأنا أبكي وأقبّل يديه وأقول: من لي ولولدي بعدك، يا رسول اللَّه؟

قال: لك اللَّه بعدي ووصيّي صالح المؤمنين، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال- أيضا- : [حدّثنا]  محمّد بن سهل القطّان، عن عبد اللَّه [بن محمّد البلويّ، عن إبراهيم‏]  عن عبد اللَّه  [بن‏]  العلا ، عن سعيد  بن مربوع ، عن أبيه، عن عمّار بن ياسر قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يقول: دعاني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: ألا أبشّرك؟

قلت: بلى، يا رسول اللَّه، وما زلت مبشّرا بالخير.

قال: لقد أنزل اللَّه فيك قرآنا.

قلت: وما هو يا رسول اللَّه؟

قال: قرنت  بجبرئيل. ثمّ قرأ: وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. فأنت والمؤمنون من بنيك الصّالحون.

و قال- أيضا- : حدّثنا إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عرّف أصحابه أمير المؤمنين مرّتين، وذلك أنّه قال لهم:أ تدرون من وليّكم بعدي؟

قالوا: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: إنّ اللَّه قد قال: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، يعني:

أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو وليّكم بعدي.

و المرّة الثّانية يوم غدير خمّ حين قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و قال- أيضا- : حدّثنا عليّ بن عبيد ومحمّد بن القاسم قالا: حدّثنا حسين بن الحكم، عن حسن بن حسين، عن حيّان بن عليّ، عن الكلبيّ، عن صالح ، عن ابن عبّاس في قول اللَّه: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. قال: نزلت في عليّ خاصّة.

و إنّما أفرد جبرئيل من بين الملائكة وأمير المؤمنين- عليه السّلام- من بين النّاس لعلوّ شأنّهما، فأمّا جبرئيل فعطف الملائكة عليه، وأمّا أمير المؤمنين لم يشرك معه أحدا من النّاس، فتلك فضيلة لم يسبق إليها، ولا قدر أحد من البشر عليها. وهذا مثل قوله- تعالى-: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.

و المؤمنون عبارة عنه لأنّه أميرهم، وكما قيل: النّاس ألف  منهم بواحد وواحد [كألف إن أمر عنّا] .

و قال الآخر:

         ليس على اللَّه  بمستنكر             أن يجمع العالم في واحد

 عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ: على التّغليب، أو تعميم الخطاب.

و قرأ  نافع وأبو عمرو: «يبدله» بالتّخفيف.و

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سعد بن عبد اللَّه القمّيّ قال: دخلت على أبي محمّد- عليه السّلام- بسرّ من رأى، فوجدت على فخذه الأيمن مولانا القائم- عليه السّلام- وهو علام، وقد كنت اتّخذت طومارا، وأثبتّ فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا.

فقال: ما جاء بك، يا سعد؟

قلت: شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.

قال: و المسائل الّتي أردت أن تسأله ؟

فقلت: على حالها، يا مولاي.

قال: فسل قرّة عيني عنها. وأومأ إلى الغلام.

فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك منها.

فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنكم أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين- عليه السّلام- حتّى قال» يوم الجمل لعائشة: إنّك قد أرهجت  على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فاكففي عنّي غربك  وإلّا طلّقتك. ونساء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [قد كان‏]  طلاقهنّ وفاته.

قال: ما الطّلاق؟

قلت: تخلية السّبيل.

قال: فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول اللَّه قد خلّيت لهنّ السّبيل ، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟

قلت: لأنّ اللَّه حرّم الأزواج عليهنّ.

قال: كيف وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟!قلت: فأخبرني، يا ابن مولاي، عن معنى الطّلاق الّذي فوّض رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حكمه إلى أمير المؤمنين.

قال: إنّ اللَّه- تقدّس اسمه- عظّم شأن نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فخصّهنّ بشرف الأمّهات، فقال رسول اللَّه: يا أبا الحسن، إنّ هذا الشّرف باق لهنّ ما دمن للَّه  على الطّاعة، فأيّتهن [عصت  اللَّه‏]  بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها  من شرف أمومة المؤمنين.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه للقوم لمّا مات عمر بن الخطّاب: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد جعل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- طلاق نسائه بيده غيري؟

قالوا: لا.

مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ: مقرّات مخلصات، أو منقادات مصدّقات.

قانِتاتٍ: مصلّيات، أو مواظبات على الطّاعة.

تائِباتٍ: عن الذّنوب.

عابِداتٍ: متعبّدات، أو متذلّلات لأمر الرّسول.

سائِحاتٍ: صائمات، سمّي الصّائم: سائحا، لأنّه يسيح بالنّهار بلا زاد.

أو مهاجرات.

ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً .

وسّط العاطف بينهما لتنافيهما، ولأنّهما في حكم صفة واحدة ، إذ المعنى:

مشتملات على الثّيّبات والأبكار.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ: بترك المعاصي، وفعل الطّاعات.

وَ أَهْلِيكُمْ: بالنّصح والتّأديب.و قرئ : «أهلوكم» عطفا على واو «قوا»، فيكون أنفسكم أنفس  القبيلين على تغليب المخاطبين.

ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ: ناراً  تتّقد بهما اتّقاد غيرها بالحطب.

و

في أصول الكافي ، بإسناده إلى سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أ فأدعوهم إلى هذا الأمر؟

فقال: نعم، إنّ اللَّه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ.

و

في الكافي ، بإسناده إلى عبد الأعلى، مولى آل سام: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً.

جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي فكيف أقي  أهلي؟

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك.

و

بإسناده  إلى عثمان بن عيسى: [عن سماعة]  عن أبي بصير في قول اللَّه- تعالى-: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً. قلت: كيف أقيهم؟

قال: تأمرهم بما أمر اللَّه، وتنهاهم عمّا نهاهم اللَّه، فإن أطاعوك [كنت‏]  قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك.

و

بإسناده : عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً كيف نقي أهلنا؟

قال: تأمرونهم وتنهونهم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى زرعة بن محمّد: عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ (الآية) فقلت: هذه نفسي أقيها، فكيف أقي أهلي؟

قال: تأمرهم بما أمرهم اللَّه به، وتنهاهم عمّا نهاهم اللَّه عنه، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك.

و

في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللَّه: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً كيف نقيهنّ؟

قال: تأمرونهنّ وتنهونهنّ.

قيل له: إنّا نأمرهنّ وننهاهنّ فلا يقبلن.

قال: إذا أمرتموهنّ ونهيتموهنّ فقد قضيتم ما عليكم.

و

في كتاب جعفر بن محمّد الدّرويستّيّ : وفي خبر آخر عن ابن مسعود قال: لمّا نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ (الآية) تلاها رسول اللَّه على أصحابه، فخرّ فتًى مغشيّا عليه، فوضع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- يده على قلبه فوجده يكاد يخرج من مكانه.

فقال: يا فتى، قل: لا إله إلّا اللَّه. فتحرّك الفتى فقالها، فبشّره النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- بالجنّة.

فقال القوم: يا رسول اللَّه، من بيننا؟

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: أما سمعتم اللَّه يقول : ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ.

عَلَيْها مَلائِكَةٌ: تلي أمرها، وهي الزّبانية.

غِلاظٌ: غلاظ الأقوال.

شِدادٌ: شداد الأفعال. أو غلاظ الخلق، شداد الخلق، أقوياء على الأفعال الشّديدة.

و

في روضة الكافي ، بإسناده إلى جابر: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ الرّوح الأمين أخبرني أنّ اللَّه لا إله غيره إذا وقف الخلائق‏و جمع الأوّلين والآخرين اتي بجهنّم تقاد بألف زمام، أخذ بكلّ زمام مائة ألف ملك من الغلاظ. (الحديث)

لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ: فيما مضى.

وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ : فيما يستقبل. أو لا يمتنعون عند قبول الأوامر والتزامها، ويؤدّون ما يؤمرون.

و

في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في هاروت وماروت حديث طويل، وفيه يقول: إنّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف اللَّه، قال- تعالى- فيهم: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما  أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، أي:

يقال لهم ذلك عند دخولهم النّار. والنّهي عن الاعتذار لأنّه لا عذر لهم، أو العذر لا ينفعهم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً: بالغة في النّصح، وهو صفة التّائب، فإنّه ينصح نفسه بالتّوبة، وصفت به على الإسناد المجازيّ مبالغة. أو في النّصاحة، وهي الخياطة، كأنّها تنصح ما خرق الذّنب.

و قرأ  أبو بكر، بضمّ النّون، وهو مصدر بمعنى: النّصح، كالشّكر والشّكور، أو النّصاحة، كالثّبوت والثّبات، تقديره: ذات نصوح، أو تنصح نصوحا، أو توبوا نصوحا لأنفسكم.

و

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أحمد بن هلال، قال: سألت أبا الحسن الأخير - عليه السّلام- عن [التوبة]  النّصوح ما هي.

فكتب- عليه السّلام-: أن يكون الباطن كالظّاهر، وأفضل من ذلك.

و

بإسناده  إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:

تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً. قال: هو صوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة.و

بإسناده  إلى عبد اللَّه بن سنان وغير واحد : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: [التوبة]  النّصوح، أن يكون باطن الرّجل كظاهره، وأفضل.

و روي : أنّ التّوبة النّصوح، أن يتوب الرّجل من ذنب وينوي ألّا يعود إليه أبداً.

و

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبّه اللَّه فستر عليه [في الدنيا والآخرة.

فقلت: كيف يستر عليه؟]  قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذّنوب، ويوحي إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى اللَّه حين يلقاه وليس شي‏ء يشهد عليه بشي‏ء من الذّنوب.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً.

قال: يتوب العبد من الذّنب ثمّ لا يعود فيه.

قال محمّد بن الفضيل: سألت عنها أبا الحسن- عليه السّلام-.

فقال: يتوب من الذّنب ثمّ لا يعود فيه، وأحبّ العباد إلى اللَّه المفتّنون  التّوّابون.

عليّ بن إبراهيم :، [عن أبيه‏]  عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً.

قال: هو الذّنب الّذي لا يعود فيه أبدا.

قلت: وأيّنا لم يعد؟فقال: يا [أبا]  محمّد، إنّ اللَّه يحبّ من عبادة المفتّن، التّوّاب.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن جدّه، الحسن بن راشد، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول- وذكر كما سبق سواء.

عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:

- ذكر بصيغة الإطماع جريا على عادة الملوك، وإشعارا بأنّه تفضّل والتّوبة غير موجبة، وأنّ العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء.

و

في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: باب التّوبة مفتوح لمن أرادها، فتوبوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ.

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن  حمّاد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: صعد أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالكوفة المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، إنّ الذّنوب ثلاثة.

... إلى أن قال: وأمّا الذّنب الثّالث فذنب ستره اللَّه على خلقه ورزقه التّوبة منه، فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربّه، فنحن له، كما هو لنفسه، نرجو له الرّحمة ونخاف عليه العذاب.

يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ: ظرف «ليدخلكم».

وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: عطف على «النّبيّ»- صلّى اللَّه عليه وآله- إحمادا لهم، وتعريضا لمن ناوأهم.

و قيل : مبتدأ خبره نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.

قيل : أي: على الصّراط.و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ (الآية) فمن كان له نور يومئذ نجا، وكلّ مؤمن له نور.

و

بإسناده  إلى صالح بن سهل: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ قال: أئمّة المؤمنين نورهم يسعى [بين أيديهم وبأيمانهم، حتّى ينزلوا منازلهم.

و

في مجمع البيان : وقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يسعى أئمّة المؤمنين يوم القيامة]  بين أيديهم وبأيمانهم، حتّى ينزلوهم منازلهم في الجنّة.

يَقُولُونَ.

قيل : يقولون إذا طفئ نور المنافقين: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ .

و قيل : تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم، فيسألونه  إتمامه تفضّلا.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ: بالسّيف. وَالْمُنافِقِينَ: بالحجّة.

و

في مجمع البيان : روي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: جاهد الكفار بالمنافقين.

و قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لم يقاتل منافقا قطّ، إنّما كان يتألّفهم.

وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ: واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرّفق مداه.

وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ : جهنّم، أو مأواهم.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ:

مثّل اللَّه حالهم، في أنّهم يعاقبون بكفرهم ولا يحابون  بما بينهم وبين النّبيّ والمؤمنين من النّسبة، بحالهما.كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ، يريد به: تعظيم نوح ولوط.

فَخانَتاهُما: بالنّفاق.

فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ: فلن يغن النبيّان عنهما بحقّ الزواج.

شَيْئاً: إغناء ما.

وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ، أي: لهما عند موتهما، أو يوم القيامة.

مَعَ الدَّاخِلِينَ : مع سائر الداّخلين من الكفرة، الّذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله- تعالى- [: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا: ثمّ ضرب اللَّه مثلا فقال:]  ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا- إلى قوله-: فَخانَتاهُما فقال:

و اللَّه، ما عنى بقوله: فَخانَتاهُما إلّا الفاحشة، وليقيمنّ الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق البصرة، وكان طلحة  يحبّها، فلمّا أراد أن تخرج إلى البصرة قال لها طلحة : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم. فزوّجت  نفسها من طلحة .

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه: وقد كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تزوّج، وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان، أنّهما قد كانتا تحت [عبدين من عبادنا]  صالحين.

فقلت: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [ليس في ذلك‏]  بمنزلتي، إنّما هي تحت يده وهي مقرّة بحكمه مقرّة بدينه.

قال: فقال لي: ما ترى من الخيانة في قول اللَّه: فَخانَتاهُما ما يعني بذلك إلّا الفاحشة، وقد زوّج رسول اللَّه فلانا .

و

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن‏بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: ما تقول في مناكحة النّاس، فإنّي قد بلغت ما ترى وما تزوّجت  قطّ؟

قال : وما يمنعك من ذلك؟ ما يمنعني [إلّا أنّي أخشى‏]  أن لا يكون يحلّ لي مناكحتهم، فما تأمرني؟

قال: كيف تصنع وأنت شابّ أتّصبر.

قلت: أتّخذ الجواري.

قال: فهات الآن فبم تستحلّ الجواري؟ أخبرني.

قلت: إنّ الأمة ليست بمنزلة الحرّة، إن رابتني الأمة بشي‏ء بعتها أو اعتزلتها.

قال: حدّثني فبم تستحلّها؟

قال: فلم يكن عندي جواب.

فقلت: جعلت فداك، أخبرني ما ترى أتزوّج؟

قال: ما أبالي أن تفعل.

قلت: أ رأيت قولك: ما أبالي أن تفعل، فإنّ ذلك على وجهين، تقول: لست أبالي أن تأثم  أنت من غير أن آمرك، فما تأمرني أفعل ذلك عن أمرك؟

قال: فإنّ  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قد تزوّج، وكان من امرأة نوح وامرأة لوط ما قصّ اللَّه- عزّ وجلّ- وقد قال اللَّه- تعالى-: ضَرَبَ اللَّهُ (الآية).

فقلت: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لست في ذلك مثل منزلته، إنّما هي تحت يديه وهي مقرّة بحكمة مظهرة دينه. أما واللَّه، ما عنى بذلك إلّا في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَخانَتاهُما [ما]  عنى بذلك. (الحديث)

و

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سالم: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قيل له: كيف كان يعلم قوم لوط أنّه قد جاء لوطا رجل؟

قال: كانت امرأته تخرج فتصفر، فإذا سمعوا الصّفير جاؤوا، فلذلك كره التصّفير.

و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو عليّ الطّبرسي، هذا مثل ضربه اللَّه لأزواج النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- اللّواتي أفشين سرّه، حثّا لهنّ على التّوبة والطّاعة، وبيانا لهنّ أنّ مصاحبة الرّسول ومماسّته مع مخالفته وإفشاء سرّه لا ينفعهنّ ذلك.

و

يؤيّده: ما روي ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: [قوله- تعالى-:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا (الآية) مثل‏]  ضربه اللَّه لعائشة وحفصة إذ تظاهرا  على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأفشتا  سرّه.

وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ:

شبّه حالهم، في أنّ وصلة الكافرين لا تضرّهم، بحال آسية ومنزلتها عند اللَّه، مع أنّها كانت تحت أعدى أعداء اللَّه.

إِذْ قالَتْ: ظرف للمثل المحذوف.

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ: قريبا من رحمتك، أو في أعلى درجات المقرّبين.

وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ: من نفسه الخبيثة وعمله السّيّ‏ء.

وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : من القبط التّابعين له [في الظلم‏] .

و

في شرح الآيات الباهرة : جاء في رواية محمّد بن عليّ، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله:

وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ (الآية) أنّه قال: هذا مثل ضربه اللَّه لرقيّة بنت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الّتي تزوّجها عثمان بن عفّان.

قال: وقوله: نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، تعني: من الثّالث وعمله.

و قوله: وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، تعني به: بني أميّة.

وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ: عطف على «امرأة فرعون» تسلية للأرامل.الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها: من الرّجال.

فَنَفَخْنا فِيهِ: في فرجها.

و قرئ : «فيها»، أي: في مريم، أو في الجملة .

مِنْ رُوحِنا، أي: من روح خلقناه بلا توسّط أصل.

وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها: بصفحة المنزّلة، أو بما أوحي إلى أنبيائه.

وَ كُتُبِهِ: وما كتِب في اللّوح. أو جنس الكتب المنزّلة، ويدلّ عليه قراءة البصريّين وحفص بالجمع.

و قرئ : بكلمة الله وكتابه، أي: بعيسى والإنجيل.

وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ : من عداد المواظبين على الطّاعة.

و التّذكير للتّغليب، والإشعار بأنّ طاعتها لم تقصر عن طاعة الرّجال الكاملين حتّى عدّت من جملتهم، أو من نسلهم فيكون «من» ابتدائيّة.

و

في من لا يحضره الفقيه : ودخل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على خديجة وهي لما بها، فقال لها: بالرّغم منّا ما نرى بك، يا خديجة، فإذا قدمت على ضرائرك فأقرئيهنّ  السّلام.

فقالت: من هنّ، يا رسول اللَّه؟

فقال: مريم بنت عمران، وكلثم اخت موسى، وآسية امرأة فرعون.

فقالت: بالرفاء  يا رسول اللَّه.

و

في مجمع البيان : وجاءت الرّاوية، عن معاذ بن جبل قال: دخل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على خديجة وهي تجود بنفسها، فقال: أكره ما نزل بك، يا خديجة، وقد جعل اللَّه في الكره خيرا كثيرا، فإذا قدمت على ضرائرك فأقرئيهنّ  منّي السّلام.

قالت: يا رسول اللَّه، ومن هنّ؟قال: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، [و كلثم أو حكيمة  أخت موسى- شكّ الراوي.

فقالت: بالرفاء  والبنين.

و

عن أبي موسى ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم،]  امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد.

و

في كتاب الخصال : عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين : مؤمن آل يس، وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وآسية، امرأة فرعون.

عن عليّ بن حمزة ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: خطّ عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: أربع خطط في الأرض، وقال: أ تدرون ما هذا؟

قلنا: اللَّه ورسوله أعلم.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون.

و

في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: [في حلية الأولياء]  قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فرّحم اللَّه ذرّيّتها على النّار.

قال ابن مندة : خاصّ الحسن والحسين.

و يقال: أي: من ولدته بنفسها. وهو المرويّ عن عليّ بن موسى- عليه السّلام-.

و الاولى كلّ مؤمن منهم.

و

فيه : قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّمها اللَّه‏و ذرّيّتها على النّار.

و

في شرح الآيات الباهرة ، بالإسناد المتقدّم: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها هذا مثل ضربه اللَّه لفاطمة- عليها السّلام-.

و قال: إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللَّه ذرّيّتها على النّار.

و

يؤيّده: ما رواه محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّياري، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها قال: هذا مثل ضربه اللَّه لفاطمة- عليها السّلام- بنت محمّد [- صلّى اللَّه عليه وآله وعلى أهل بيته وسلّم تسليما-] .