سورة الذّاريات‏

سورة الذّاريات مكّيّة.

و آياتها ستّون بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة والذّاريات في يوم أو في ليلة، أصلح اللَّه له معيشته، وأتاه برزق واسع، ونور له قبره بسراج يزهر إلى يوم القيامة.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قرأ سورة والذّاريات، اعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كلّ ريح هبّت وجرت في الدّنيا.

وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً ، يعني: الرّياح تذر والتّراب أو غيره. أو النّساء الولود ، فإنّهنّ يذرين الأولاد. أو الأسباب الّتي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم.

و قرأ  أبو عمرو وحمزة، بإدغام التّاء [في الذال‏] .

فَالْحامِلاتِ وِقْراً : فالسّحب الحاملة للأمطار. أو الرّياح الحاملة للسّحاب. أو النساء الحوامل. أو أسباب ذلك.و قرى : «وقرا» على تسمية المحمول بالمصدر.

فَالْجارِياتِ يُسْراً : فالسّفن الجارية في البحر سهلا. أو الرّياح الجارية في مهابّها. أو الكواكب الّتي تجري في منازلها.

 

و «يسرا» صفة مصدر محذوف، أي: جريا ذا يسر.

فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً : الملائكة التي تقسّم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو ما يعمّهم وغيرهم  من أسباب القسمة. أو الرّياح تقسّم الأمطار بتصريف السّحاب.

فإنّ حملت على ذوات مختلفة، فالفاء لترتيب الإقسام بها باعتبار ما بينها من التّفاوت في الدّلالة على كمال القدرة ، وإلّا فالفاء لترتيب الأفعال ، إذ الرّيح مثلا تذرو الأبخرة إلى الجوّ حتّى تنعقد سحابا فتحمله، فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسّم المطر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [في قوله‏] : وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فقال: إنّ ابن الكواء سأل أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن وَالذَّارِياتِ ذَرْواً.

قال: الرّيح.

و عن فَالْحامِلاتِ وِقْراً.

فقال: هي السّحاب.

و عن فَالْجارِياتِ يُسْراً.

فقال: هي السّفن.

و عن فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً.فقال: الملائكة، وهو قسم كلّه.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الرضا- عليه السّلام- في قول اللَّه: فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً قال: الملائكة تقسّم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس، فمن نام فيما بينهما، نام عن رزقه.

وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً وما عطف عليه قسم، وقوله: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ  وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ : جواب للقسم، كأنه استدلّ باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطّبيعة على اقتداره على البعث الموعود.

و «ما» موصولة، أو مصدريّة.

و «الدّين» الجزاء. و«الواقع» الحاصل.

و في مجمع البيان : قال أبو جعفر- عليه السّلام- وأبو عبد اللَّه- عليه السّلام-:

لا يجوز لأحد أن يقسم إلّا باللَّه، واللَّه- سبحانه- يقسم بما شاء من خلقه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد  قال: حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في قول اللَّه- تعالى-: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ، يعني: في عليّ- عليه السّلام-. وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ، يعني: عليّا، وعليّ- عليه السّلام- هو الدين.

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ : ذات الطّرائق.

و المراد إمّا الطّرائق المحسوسة الّتي هي مسيرة الكواكب، أو المعقولة الّتي يسلكها النّظّار ويتوصّل بها إلى المعارف، أو النّجوم فإن لها طرائق أو أنّها تزيّنها، كما يزيّن الموشي طرائق الوشي. جمع حبيكة، كطريقة وطرق. أو حباك، كمثال ومثال.

و قرئ : «الحبك» بالسّكون، كالقفل. والحبك، كالإبل. والحبك، كالسّلك. والحبك، كالجبل. والحبك، كالنّعم. والحبك، كالبرق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قال: «السّماء» رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وعليّ- عليه السّلام- ذات الحبك.حدثني أبي ، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال:

قلت له: أخبرني عن قول اللَّه: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ.

فقال: هي محبوكة إلى الأرض. وشبك بين أصابعه.

فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض واللَّه يقول : رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟

فقال: سبحان اللَّه أ ليس يقول: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟

فقلت: بلى.

فقال: فثمّ عمد، ولكن لا ترونها.

قلت: كيف ذلك، جعلني اللَّه فداك؟

فبسط كفّه اليسرى ثمّ وضع اليمنى عليها، فقال: هذه أرض الدّنيا [و السّماء الدّنيا]  عليها فوقها قبّة، والأرض الثّانية  [فوق السّماء الدّنيا والسّماء الثّانية]  [فوقها قبّة، والأرض‏]  الثّالثة فوق السّماء الثّانية والسّماء الثّالثة فوقها قبة، والأرض الرّابعة فوق السّماء الثالثة والسّماء الرابعة فوقها [قبّة، والأرض‏]  الخامسة فوق السّماء الرّابعة والسّماء الخامسة فوقها قبّة، والأرض السّادسة فوق السّماء الخامسة والسّماء السّادسة فوقها قبّة، والأرض السّابعة  فوق السّماء السّادسة والسّماء السّابعة فوقها قبّة، وعرش الرّحمن فوق السّماء السّابعة، وهو قول اللَّه : الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً  وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ. فأمّا صاحب الأمر فهو رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- والوصي بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-  قائم هو على وجه الأرض، فإنّما يتنزّل الأمر إليه من فوق السماء من بين السّموات والأرضين.

قلت: فما تحتنا إلّا أرض واحدة؟

فقال: ما تحتنا إلّا أرض واحدة، وأنّ السّتّ فهي  فوقنا.و في مجمع البيان : «ذات الحبك» أي: ذات الطرائق الحسنة .

... إلى قوله:

و قيل: ذات الحسن والزّينة ... عن عليّ- عليه السّلام-.

و في جوامع الجامع : وعن عليّ- عليه السّلام-: حسنها وزينتها .

إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ .

قيل : في الرسول- صلّى اللَّه عليه وآله- وهو قولهم تارة: إنّه شاعر، وتارة: إنّه ساحر، وتارة: إنّه شاعر، وتارة: إنّه ساحر، وتارة: إنّه مجنون. أو في القرآن. أو في القيامة. أو أمر الدّيانة. ولعلّ النّكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بالطّرائق للسّموات في تباعدها واختلاف غاياتها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ [، يعني: قول مختلف‏]  في عليّ- عليه السّلام-، يعني: اختلفت هذه الأمّة في ولايته، فمن استقام على ولاية علي- عليه الصّلاة والسّلام- دخل الجنة، ومن خالف ولاية عليّ دخل النّار.

يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ .

قيل : يصرف عن الرسول، أو القرآن، أو الإيمان. من صرف إذ لا صرف أشدّ منه فكأنّه لا صرف بالنّسبة إليه . أو يصرف من صرف في علم اللَّه وقضائه .

و يجوز أن يكون الضّمير للقول، على معنى: يصدر إفك من افك عن القول المختلف وبسببه، كقوله:

         ينهون عن أكل وعن شرب‏أي: يصدر تناهيهم  عنهما وبسببهما.

و قرئ : «أفك» بالفتح، أي: من أفك النّاس، وهم قريش كانوا يصدّون النّاس عن الإيمان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ فإنه يعنى: عليّا- عليه السّلام-. فمن أفك عن ولايته، أفك عن الجنّة.

قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ : [الكذّابون من أصحاب القول المختلف: وأصله:

الدعاء بالقتل، أجري مجرى اللعن‏] .

الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ، أي: في جهل يغمرهم.

ساهُونَ : غافلون عما أمروا به.

يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ، أي: فيقولون: متى يوم الجزاء، أي:

وقوعه.

و قرئ : «إيّان» بالكسر.

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ : يحرقون. جواب للسّؤال، أي: يقع يوم هم على النّار يفتنون. أو هو يوم هم على النّار يفتنون، وفتح «يوم» لإضافته إلى غير متمكّن، ويدلّ عليه أنه قرئ  بالرّفع .

ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ، أي: مقولا لهم هذا القول.

هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ : هذا العذاب هو الّذي كنتم به تستعجلون.

و يجوز أن يكون «هذا» بدلا من «فتنتكم» و«الّذي» صفته.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .

آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ: قابلين لما أعطاهم راضين به، ومعناه: أنّ كلّ ماآتاهم حسن مرضيّ متلقى بالقبول.

إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ : قد أحسنوا أعمالهم. وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك.

كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ : تفسير لإحسانهم.

و «ما» مزيدة، أي: يهجعون [في طائفة من الليل، أو يهجعون‏]  هجوعا قليلا.

أو مصدرية، أو موصولة، أي: في قليل من اللّيل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه. ولا يجوز أن تكون نافية، لأنّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها.

و فيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم، ذكر القليل، واللّيل الّذي هو وقت السّبات، والهجوع الّذي هو الفرار من النّوم، وزيادة «ما» .

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن عليّ بن محبوب، عن الحسن بن عليّ، عن العبّاس بن عامر ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ قال: كان القوم ينامون، ولكن كلّما انقلب أحدهم قال: الحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر.

وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ، أي: أنّهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجّدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار، كأنّهم أسلفوا في ليلتهم الجرائم.

و في بناء الفعل على الضّمير إشعار بأنّهم أحقّاء بذلك، لوفور علمهم باللَّه وخشيتهم منه.

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل، عن أحمد بن عبد العزيز قال حدثني بعض أصحابنا قال: كان أبو الحسن الأوّل- عليه السّلام- إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك وشكره ضعيف وذنبه عظيم، وليس له إلّا رأفتك  ورحمتك، فإنّك قلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  طال هجومي وقلّ قيامي، وهذا السّحر وأنااستغفرك لذنبي استغفار من لا يجد لنفسه نفعا ولا ضرّا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ثمّ يخرّ ساجدا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّار، عن محمّد ابن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من اللّيل فإن لم يقم، أتاه الشّيطان فبال في أذنه.

قال: وسألته عن قول اللَّه: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ.

قال: كانوا أقلّ اللّيالي تفوتهم لا يقومون فيها.

و في مجمع البيان : كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وقيل: معناه: قلّ ليلة تمرّ بهم إلّا صلّوا فيها. وهو المرويّ عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وقال أبو عبد اللَّه - عليه السّلام-: كانوا يستغفرون [اللَّه‏]  في الوتر سبعين مرّة .

وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ: نصيب يستوجبونه على أنفسهم، تقرّبا إلى اللَّه وإشفاقا على النّاس.

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ .

قيل : للمستجدي، والمتعفّف الّذي يظنّ غنيا فيحرم الصّدقة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «السّائل» الّذي يسأل، و«المحروم» الّذي قد منع كدّه.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن ابن فضّال، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [قال:

 «المحروم»]  المحارف  الّذي قد حرم كدّيده في الشّراء والبيع.

و في رواية أخرى : عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- أنهما قالا: «المحروم» الرّجل الّذي ليس بعقله  بأس، ولا يبسط له في الرّزق، وهو محارف.

وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ، أي: فيها دلائل من أنواع المعادن والحيوانات. أو وجوه  دلالات في الدّحو والسّكون، وارتفاع بعضها عن الماء، واختلاف أجزائها، في الكيفيّات والخواصّ والمنافع، تدل على وجود الصّانع وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله : وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ قال: في كلّ شي‏ء خلقه اللَّه آية، قال الشّاعر:

         وفي كلّ شي‏ء له آية             تدلّ على أنه واحد

 وَفِي أَنْفُسِكُمْ، أي: وفي أنفسكم آيات، إذ ما في العالم شي‏ء إلّا وفي الإنسان نظير له يدلّ دلالته، مع ما انفرد به من الهيئات النّافعة والمناظر البهيّة  والتّركيبات العجيبة والتّمكّن من الأفعال الغريبة واستنباط الصّنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوّعة.

أَ فَلا تُبْصِرُونَ : تنظرون نظر من يعتبر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ قال: خلقك سميعا بصيرا، تغضب مرّة وترضى مرّة، وتجوع مرّة  وتشبع مرّة ، وذلك كلّه من آيات اللَّه.

و في مجمع البيان : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ، أي: أ فلا ترون أنّها متصرّفة.

من حال إلى حال.

... إلى قوله:

و قيل: إنّه خلقك سميعا بصيرا تغضب  وترضى، وتجوع وتشبع،و ذلك كلّه من آيات اللَّه ... عن الصّادق- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي الحسن الرضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفي آخره: قال الرّجل- وكان زنديقا-: فأخبرني متى كان؟

قال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّي لمّا نظرت إلى جسدي ولم يمكنّي فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطّول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبيّنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعت أبي يحدث، عن أبيه أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: يا أمير المؤمنين، بما عرفت ربّك؟

قال: بفسخ العزم ونقض الهمّ ، لمّا أن هممت فحال بيني وبين همّي وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أنّ المدبّر غيري.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى هشام بن سالم قال: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- فقيل له: بما عرفت ربّك؟

قال: بفسخ العزم  ونقض الهمّ ، عزمت ففسخ عزمي [و هممت‏]  فنقض  همّي.

وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ: أسباب رزقكم، أو تقديره.و قيل : المراد بالسّماء: السّحاب، وبالرّزق: المطر، فإنّه سبب الأقوات.

وَ ما تُوعَدُونَ .

قيل : من الثواب لأنّ الجنّة فوق السّماء السّابعة، أو لأنّ الأعمال وثوابها مكتوبة مقدّرة في السماء.

و قيل : إنّه مستأنف خبره فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ. وعلى هذا فالضمير «لما» ، وعلى الأوّل يحتمل أن يكون له ولما ذكر من الآيات أو الرّزق والوعد .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ قال:

المطر ينزل من السّماء فتخرج به أقوات العالم من الأرض. «و ما توعدون» من أخبار الرّجعة والقيامة، والأخبار الّتي في السماء.

و فيه : عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- حديث طويل، وفيه: ثمّ سأله ملك الرّوم عن أرزاق الخلائق.

فقال [الحسن- عليه السّلام-: أرزاق الخلائق‏]  في السّماء الرّابعة، تنزل  بقدر وتبسط بقدر.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السلام- قال : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا فرغ أحدكم من الصّلاة فليرفع يديه إلى السّماء ولينصب في الدعاء.

فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين، أ ليس اللَّه في كلّ مكان؟

قال: بلى.

قال: فلم يرفع [يديه إلى السّماء] ؟

فقال: أو ما تقرأ: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فمن أين تطلب الرّزق إلّا من موضع الرّزق، وما وعد اللَّه السّماء.و في كتاب الخصال : فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: إذا فرغ أحدكم ... وقال- عليه السلام- نحو ما نقلنا عن علل الشّرائع [بحذف‏]  وتغيير غير مغير للمعنى.

عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-  قال: غسل الإناء وكسح الفناء  مجلبة للرّزق.

و في الصّحيفة السّجاديّة ، في دعائه إذا أقتر عليه الرزق : واجعل ما صرحت به من عدتك في وحيك، وأتبعته من قسمك في كتابك، قاطعا لاهتمامنا بالرّزق الّذي تكفّلت به، وحسما  للاشتغال بما ضمنت الكفاية له، فقلت وقولك الحقّ الأصدق، وأقسمت وقسمك الأبرّ الأوفى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. ثمّ قلت: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللَّه- حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- وفي يقول: اطلبوا الرّزق فإنّه مضمون لطالبه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل له مع بعض الزّنادقة، وفيه: قال السّائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السّماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- وذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السّماء نحو العرش لأنّه جعله معدن الرّزق.

و بإسناده  إلى أبان الأحمر: عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال:

و الّذي بعث جدي بالحقّ نبيّا، إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- ليرزق العبد على قدر المروّة، وإنّ المعونة لتنزل [من السّماء على قدر المئونة، وإنّ الصّبر لينزل‏]  على قدر شدّة البلاء.و بإسناده  إلى أبي البختريّ قال: حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-، عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: يا عليّ، إنّ اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط اللَّه، ولا تحمدنّ أحدا على ما آتاك اللَّه، ولا تذمّنّ أحدا على ما لم يؤتك اللَّه، فإنّ الرّزق لا يجرّه حرص حريض، ولا يصرفه كره كاره.

 (الحديث)

و بإسناده  إلى أبان الأحمر: عن الصادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- أنّه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمّي، عظني موعظة.

فقال- عليه السّلام-: إن كان اللَّه- تبارك وتعالى- قد تكفّل بالرّزق، فاهتمامك لما ذا!؟ وإن كان [الرزق‏]  مقسوما فالحرص لما ذا!؟

 (الحديث)

و بإسناده  إلى أبي حمزة: عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال : خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط فاتّكأت  عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثمّ قال لي: يا عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- ما لي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدّنيا حزنك فرزق اللَّه حاضر للبرّ والفاجر؟

فقلت: ما على هذا أحزن وإنّه لكما تقول.

قال: يا عليّ بن الحسين، هل رأيت أحدا سأل اللَّه فلم يعطه؟

قلت: لا.

قال: ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده  إلى إبراهيم بن أبي رجاء، أخي طربال، قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كفّ الأذى وقلّة الصّخب  يزيدان في الرّزق.و بإسناده  إلى عليّ بن الحسين قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول : إنّ اللَّه جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه، كثر دعاؤه.

و بإسناده  إلى داود بن سليمان الفرّاء: عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: [التوحيد نصف الدّين، و]  استنزل الرّزق بالصّدقة.

مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ، أي: مثل نطقكم، كما أنّه لا شكّ لكم في أنكم تنطقون، ينبغي أن لا تشكّوا في تحقّق ذلك.

و نصبه على الحال من المستكنّ في «لحقّ». أو الوصف لمصدر محذوف، أي: أنّه لحقّ حقّا مثل نطقكم.

و قيل : إنّه مبنيّ على الفتح لإضافته إلى غير متمكّن، وهو «ما» إن كانت بمعنى شي‏ء، و«أنّ» بما في حيّزها إن جعلت زائدة.

و محلّه الرّفع على أنه صفة «لحقّ» ويؤيّده قراءة حمزة والكسائي وأبي  بكر، بالرّفع.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-]  حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن الحسن بن الحسين، عن سفيان بن إبراهيم، عن عمرو بن هاشم، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في قول اللَّه: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ‏]  قال: قوله: إِنَّهُ لَحَقٌّ هو قيام القائم، وفيه نزلت : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ (الآية) .هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ: فيه تفخيم لشأن الحديث، وتنبيه على أنّه أوحي إليه.

و «الضّيف» في الأصل مصدر، ولذلك يطلق على الواحد والمتعدّد.

و قيل : كانوا اثني عشر ملكا.

و قيل : ثلاثة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل. وسمّاهم ضيفا، لأنهم كانوا في صورة الضّيف.

الْمُكْرَمِينَ ، أي: مكرمين عند اللَّه. أو عند إبراهيم إذ خدمهم بنفسه وزوجته.

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ: ظرف للحديث، أو الضّيف، أو المكرمين.

فَقالُوا سَلاماً، أي: نسلّم عليكم سلاما.

قالَ سَلامٌ، أي: عليكم سلام. عدل به إلى الرّفع بالابتداء لقصد الثّبات، حتّى تكون تحيّة أحسن من تحيّتهم.

و قرئا ، مرفوعين.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «قال سلم».

و قرئ  منصوبا، والمعنى واحد.

قَوْمٌ مُنْكَرُونَ : [، أي: أنتم قوم منكرون‏]  وإنّما أنكرهم لأنّه ظنّ أنّهم بنو آدم ولم يعرفهم، أو لأنّ السّلام لم يكن تحيّتهم فإنّه علم الإسلام وهو كالتّعرّف عنهم .

فَراغَ إِلى‏ أَهْلِهِ: فذهب إليهم في خفية من ضيفه. وإنّما راغ مخافة أن يمنعوه من تكليف مأكول، كعادة الظّرفاء.

فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ .

قيل : لأنّه كان عامّة ماله البقر.و كان مشويّا، لقوله في آية أخرى: حَنِيذٍ .

فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ: بأن وضعه بين أيديهم.

قالَ أَ لا تَأْكُلُونَ ، أي: منه، وهو مشعر بكونه حنيذا.

و الهمزة فيه للعرض والحثّ على الأكل على طريقة الأدب أن قاله أوّل ما وضعه، وللإنكار أن قاله حينما رأى إعراضهم.

فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً: فأضمر منهم خوفا لمّا رأى إعراضهم عن طعامه، لظنّه أنّهم جاؤوه بشرّ.

 

و قيل : وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، وهو فرقد، عن أبي يزيد الحمّار ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل، فمرّوا بإبراهيم وهم معتمّون فسلموا عليه فلم يعرفهم، ورأى هيئة حسنة، فقال: لا يخدم هؤلاء أحد إلّا أنا بنفسي. وكان صاحب أضياف، فشوى لهم عجلا سمينا حتّى أنضجه ثمّ قرّبه إليهم، فلمّا وضعه بين أيديهم رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة، فلمّا رأى ذلك جبرئيل، حسر  العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم. فقال: أنت هو؟ فقال: نعم. ومرّت امرأته سارة فبشّرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فقالت ما قال اللَّه- عزّ وجلّ- فأجابوها بما في الكتاب العزيز.

 (الحديث) قالُوا لا تَخَفْ: إنّا رسل اللَّه.

قيل : مسح جبرئيل العجل بجناحه  فقام يدرج حتّى لحق بأمّه، فعرفهم وأمن منهم.

وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ: هو إسحاق.عَلِيمٍ : يكمل علمه إذا بلغ.

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ: سارة إلى بيتها، وكانت في زاوية تنظر إليهم.

فِي صَرَّةٍ: في صيحة من الصّرير. ومحلّه النصب على الحال أو المفعول إن اوّل «أقبلت» بأخذت.

و في مجمع البيان : فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ وقيل: في جماعة. [عن الصادق- عليه السّلام-] .

فَصَكَّتْ وَجْهَها.

قيل : فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجّب.

و قيل : وجدت حرارة دم الحيض، فلطمت وجهها من الحياء.

وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ، أي: أنا عجوز عاقر، فكيف ألد.

قالُوا كَذلِكَ، أي: مثل ذلك الّذي بشّرناه به قالَ رَبُّكِ، وإنّما نخبرك به عنه.

إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ : فيكون قوله حقّا، وفعله محكما.

قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ : لمّا علم أنّهم ملائكة وأنّهم لا ينزلون مجتمعين إلّا لأمر عظيم، سأل عنه.

قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ، يعنون: قوم لوط.

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ .

قيل : يريد السّجيل، فإنّه طين متحجّر.

أقول: هذا هو الظّاهر، وفي الحديث الآتي المنقول من العلل ما ينافيه فإن فيه إهلاكهم كان بقلب الأرض عليهم، ويمكن الجمع إمّا بحمل إرسال الحجارة على إرسال  قطعات الأرض المقلوبة بعد إرسالهم، أو بالحمل على أنّ إهلاكهم بقلب الأرض كان بعد تعذيبهم بإرسال الحجارة.مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ: مرسلة، من أسمت  الماشية. أو معلّمة، من السّؤمة وهي العلامة.

لِلْمُسْرِفِينَ : المجاوزين الحدّ في الفجور.

فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها: في قرى قوم لوط. وإضمارها، وإن لم يجر ذكرها، لكونها معلومة.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : ممّن آمن بلوط.

فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : غير أهل بيت من المسلمين.

قيل : يعني: لوطا وبنتيه .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى [عن أحمد بن محمّد] ، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان، عن سالم الحنّاط قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- لم يبق فيها غيرهم.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك، فهل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا يعملون؟

فقال: نعم، إلّا أهل بيت منهم مسلمين ، أما تسمع لقوله- تعالى-: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

و بإسناده  إلى أبي حمزة الثّماليّ: عن أبي جعفر- عليه السّلام- أن رسول اللَّه‏- صلّى اللَّه عليه وآله- سأل  جبرئيل: كيف كان مهلك قوم لوط؟

 [فقال: إنّ قوم لوط]  كانوا أهل قرية لا يتنظّفون  من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة، بخلاء أشحّاء على الطّعام.

و إن لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة، وإنّما كان نازلا عليهم ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم  ولا قوم، وإنّه دعاهم إلى اللَّه وإلى الإيمان به واتّباعه، ونهاهم عن الفواحش وحثّهم على طاعة اللَّه فلم يجيبوه ولم يطيعوه.

و إنّ اللَّه لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا نذرا ، فلمّا عتوا عن أمره، بعث إليهم الملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين فأخرجوهم منها.

... إلى قوله- عليه السّلام-: وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر: يا جبرئيل، حقّ القول من اللَّه بحتم عذاب قوم لوط، فاهبط إلى قرية [قوم لوط]  وما حوت فاقلبها  من تحت سبع أرضين، ثمّ اعرج  بها إلى السّماء فأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آية بيّنة من منزل لوط عبرة للسّيّارة.

فهبطت على أهل القرية الظّالمين، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها  وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى  عليه غربها ، فاقتلعتها، يا محمّد، من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسّيّارة.

ثمّ عرجت بها في خوافي جناحي حتّى وقفتها  حيث يسمع أهل السّماء زقاء  ديوكها ونباح  كلابها، فلمّا طلعت الشّمس نوديت من تلقاء العرش: يا جبرئيل، اقلب القرية على القوم. فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها.

 (الحديث)وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً: علامة لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ : فإنّهم المعتبرون بها.

قيل : هي تلك الأحجار، أو صخر منضود فيها، أو ماء أسود منتن.

وَ فِي مُوسى‏: عطف على «و في الأرض» أو «تركنا فيها» على معنى:

و جعلنا في موسى، كقوله:

         علفتها تبنا وماء باردا

 

 إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : هو معجزاته، كاليد والعصا.

فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ: فأعرض عن الإيمان به، كقوله : وَنَأى‏ بِجانِبِهِ. أو فتولّى بما [كان‏]  يتقوّى به من جنوده. وهو اسم لما يركن إليه الشّي‏ء، ويتقوّى به.

و قرئ  بضمّ الكاف.

وَ قالَ ساحِرٌ، أي: هو ساحر.

أَوْ مَجْنُونٌ ، كأنّه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجنّ، وتردّد في أنه حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما .

َخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ‏

: فأغرقناهم في البحر.

هُوَ مُلِيمٌ‏

 : آت بما يلام عليه من الكفر والعناد. والجملة حال من الضّمير في «أخذناه».

وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ .

سمّاها عقيما لأنّها أهلكتهم وقطعت دابرهم ، أو لانّها لم تتضمّن منفعة، وهي الدّبور أو الجنوب أو النّكباء.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما خرجت‏ريح قطّ إلّا بمكيال إلّا زمن عاد، فإنّها عتت على خزّانها، فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد.

و روي عليّ بن رئاب ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ للَّه جنودا من الرّيح يعذّب بها من عصاه.

... إلى قوله: وقال اللَّه: الرِّيحَ الْعَقِيمَ. وأمّا الرّياح الأربع، فإنّها أسماء الملائكة: الشّمال، والجنوب، والصّبا، والدّبور. وعلى كلّ ريح منهنّ ملك موكّل بها.

و فيه : وقال عليّ- عليه السّلام-: الرّياح خمسة، منها الرّيح  العقيم. [فنعوذ باللَّه من شرّها] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللَّه بن سنان، عن معروف بن خربوز، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الرّيح العقيم تخرج من تحت الأرضين السّبع، وما خرج  منها شي‏ء  قطّ إلّا على قوم عاد حين غضب اللَّه عليهم، فأمر الخزّان أن يخرجوا منها بقدر سعة الخاتم، فعصت  على الخزنة فخرج منها  مقدار منخر الثّور تغيّظا منها على قوم عاد، فضجّ الخزنة إلى اللَّه من ذلك وقالوا: يا ربّنا، إنّها قد عتت علينا ونحن نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمّار بلادك. فبعث اللَّه جبرئيل فردّها بجناحه، وقال لها: اخرجي [على ما أمرت به. فرجعت وخرجت على‏]  ما أمرت به فأهلكت قوم عاد  ومن كان بحضرتهم.

و في روضة الكافي : عنه، عن أحمد بن محمّد [عن‏]  بن محبوب، عن عبد اللَّه ابن سنان، عن معروف بن خربوز، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، فيه مثل ما نقلنا من تفسير عليّ بن إبراهيم من غير تغيير مغيّر للمعنى المراد.

ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ: مرّت عليه.إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ، كالرّماد. من الرّم، وهو البلى والتّفتّت.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عليّ بن سالم: عن أبيه قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: لمّا حضرت نوحا الوفاة، دعا الشّيعة فقال لهم: اعلموا أنّه سيكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطّواغيت، وإنّ اللَّه يفرّج عنكم بالقائم من ولدي، اسمه هود- عليه السّلام- له سمت وسكينة  ووقار يشبهني في خلقي [و خلقي‏] ، وسيهلك اللَّه أعداءكم عند ظهوره بالرّيح.

فلم يزالوا يرقبون  هودا وينتظرون ظهوره حتّى طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر اللَّه نبيّه هودا عند اليأس منهم وتناهي البلاء بهم، وأهلك الأعداء بالرّيح العقيم الّتي وصفها اللَّه فقال: ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.

ثمّ وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أن ظهر صالح.

وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ، تفسيره: قوله: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وذلك أنّهم لمّا عقروا النّاقة قال لهم صالح: تمتّعوا ثلاثة أيّام.

فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ: فاستكبروا عن امتثاله.

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، أي: العذاب بعد الثّلاثة.

و قرأ  الكسائيّ: «الصّعقة» وهي المرة من الصّعق.

وَ هُمْ يَنْظُرُونَ : إليها، فإنّها جاءتهم معاينة بالنّهار.

فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ، أي: من نهوض، والمعنى: أنّهم لم ينهضوا من تلك الصّرعة .

و قيل : هو من قولهم: ما يقوم به: إذا عجز عن دفعه.

وَ ما كانُوا مُنْتَصِرِينَ : ممتنعين منه.

وَ قَوْمَ نُوحٍ، أي: وأهلكنا قوم نوح، لأنّ ما قبله يدلّ عليه، أو اذكر.و يجوز أن يكون عطفا على محلّ «في عاد»  ويؤيّده قراءة  أبي عمرو وحمزة والكسائيّ، بالجرّ.

مِنْ قَبْلُ أي: من قبل هؤلاء المذكورين.

إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ : خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان.

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ: بقوّة.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- فقلت: قول اللَّه : يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.

فقال: «اليد» في كلام العرب القوّة والنّعمة، قال اللَّه : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ. وقال: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ، أي: بقوّة. وقال : أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، أي: قوّاهم . ويقال: لفلان عندي يد بيضاء، أي: نعمة.

وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ : لقادرون، من الوسع، بمعنى: الطّاقة. و«الموسع» القادر على الإنفاق. أو لموسعون السّماء، أو ما بينها وبين الأرض، أو الرّزق.

وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها: مهّدناها ليستقرّوا عليها.

فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ، أي: نحن.

وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: من الأجناس خَلَقْنا زَوْجَيْنِ: نوعين لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ : فتعلمون أن التّعدّد من خواصّ الممكنات، وأنّ الواجب بالذّات لا يقبل التّعدّد والانقسام.

و في أصول الكافي، بإسناده إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- خطبة طويلة ،و فيها: بتشعيره المشاعر عرف ألّا مشعر له، وبتجهيزه الجواهر عرف ألّا جوهر له، وبمضادّته بين الأشياء عرف ألّا ضدّ له ، وبمقارنته بين الأشياء  عرف ألّا قرين له، ضادّ النّور بالظّلمة، واليبس بالبلل ، والخشن باللّين، والبرد  بالحرور، مؤلّفا بين متعادياتها، ومفرّقا بين متدانياتها، دالّة بتفريقها على مفرّقها، وبتأليفها على مؤلّفها، وذلك قوله:

وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. ففرّق  بين قبل وبعد ليعلم ألّا قبل له ولا بعد له ، شاهدة بغرائزها ألّا غريزة له ، مخبرة بتوقيتها ألّا وقت لموقّتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم ألّا حجاب بينه وبين خلقه .

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ قيل : من عقابه، بالإيمان والتّوحيد وملازمة الطّاعة.

و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن زيد بن عليّ بن الحسين، أنّه قال:

سألت  أبي سيّد العابدين- عليه السّلام- فقلت له: يا أبت، أ ليس اللَّه- تعالى- لا يوصف بمكان؟

فقال: بلى، تعالى اللَّه عن ذلك علوّا كبيرا.

قلت: فما معنى قول موسى لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ارجع إلى ربّك؟

قال: معناه معنى قول إبراهيم: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ . ومعنى قول موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى‏ . ومعنى قوله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ، يعني: حجّوا إلى بيت اللَّه.

يا بنيّ، إنّ الكعبة بيت اللَّه فمن حجّ بيت اللَّه فقد  قصد إلى اللَّه، والمساجدبيوت اللَّه فمن سعى [إليها فقد سعى‏]  إلى اللَّه وقصد إليه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ، أي: من عذابه المعدّ لمن أشرك أو عصى.

نَذِيرٌ مُبِينٌ : بين كونه منذرا من اللَّه بالمعجزات، أو مبيّن ما يجب أن يحذر عنه.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي الجارود، زياد بن المنذر: عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏]  قال: حجّوا إلى اللَّه.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، [عن محمد]  بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ قال حجّوا إلى اللَّه- عزّ وجلّ-.

و في مجمع البيان :]  فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ. وقيل: معناه: حجّوا. عن الصّادق- عليه السّلام-.

وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ قيل : إفراد لأعظم ما يجب أن يفرّ منه.

إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ : تكرير للتّأكيد. أو الأوّل مرتّب على ترك الإيمان والطّاعة أو على ترك الحجّ كذلك، والثّاني على الإشراك.

كَذلِكَ، أي: الأمر مثل ذلك، والإشارة إلى تكذيبهم الرّسول وتسميتهم إيّاه ساحرا أو مجنونا.

 [و قوله‏] : ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ : كالتّفسير له.

و لا يجوز نصبه «بأتى» أو ما يفسره، لأنّ ما بعد «ما» النّافية لا يعمل فيما

 قبلها.

أَ تَواصَوْا بِهِ، أي: كأنّ الأوّلين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول، حتّى قالوه جميعا.

بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ : إضراب عن أن التّواصي جامعهم، لتباعد أيّامهم، إلى أنّ الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطّغيان الحامل عليه.

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ: فأعرض عن مجادلتهم بعد ما كرّرت عليهم الدّعوة فأبوا إلّا الإصرار والعناد.

فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ : على الإعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.

وَ ذَكِّرْ: ولا تدع التّذكير والموعظة فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ : من قدّر اللَّه إيمانه، أو من آمن فإنّه يزداد بها بصيرة.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان: قال المأمون فيه بعد كلام لعمران الصّابيّ: يا عمران، إنّ هذا سليمان المروزيّ متكلّم خراسان.

قال عمران: يا أمير المؤمنين، إنّه يزعم أنه  واحد خراسان في النظر وينكر  البداء.

قال: فلم لا تناظره ؟

قال عمران: ذلك إليك . وكان ذلك قبل دخول الرّضا- عليه السّلام- المجلس.

فلمّا دخل- عليه السّلام- قال: في أيّ شي‏ء كنتم؟

قال عمران: يا ابن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- هذا سليمان المروزيّ.

فقال له سليمان : أ ترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟

قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء، على أن يأتيني فيه بحجّة أحتجّ بها على نظرائي من أهل النّظر.

فقال المأمون: يا أبا الحسن، ما تقول فيما تشاجروا فيه؟

قال: وما أنكرت من البداء، يا سليمان، واللَّه- تعالى- يقول : [أ ولم يرالْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً. ويقول - عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ. ويقول : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. ويقول - عزّ وجلّ-: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ. ويقول : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ويقول - عزّ وجلّ-:

وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ. ويقول - عزّ وجلّ-: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ‏] .

قال سليمان : هل رويت فيه عن آبائك شيئا؟

قال: نعم، رويت [عن أبي،]  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ للَّه- عزّ وجلّ- علمين: علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلّا هو، و من ذلك يكون البداء، وعلما علّمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبيّنا يعلمونه.

قال سليمان: أحبّ أن تنزعه لي من كتاب اللَّه.

فقال: قال اللَّه- عزّ وجلّ- لنبيّه: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ. أراد هلاكهم، ثمّ بدا للَّه- تعالى- فقال: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

قال [سليمان‏] : زدني، جعلت فداك. قال الرّضا: لقد أخبرني أبي، عن آبائه‏

 (الحديث).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: «فتولّ عنهم [يا محمّد]  فما أنت بملوم» قال: همّ اللَّه بهلاك أهل الأرض فأنزل  على رسوله: «فتولّ عنهم [يا محمّد]  فما أنت بملوم». ثمّ بدا للَّه في ذلك فأنزل عليه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

و في روضة الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى  بن محمّد، عن‏الوشّاء [عن أبان،]  عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّهما قالا: إنّ النّاس لمّا كذّبوا رسول  اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- همّ اللَّه- تبارك وتعالى- بهلاك أهل الأرض إلّا عليّا فما سواه بقوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ. ثمّ بدا له فرحم المؤمنين، ثمّ قال لنبيّه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

و في مجمع البيان : وروي بالإسناد، عن مجاهد قال: خرج عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- معتمّا  مشتملا في قميصه، فقال: لمّا نزلت: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ لم يبق منّا أحد إلّا أيقن بالهلكة حين قيل للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فلمّا نزل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ طابت أنفسنا.

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  .

قيل : أي [لم أخلق الجن والإنس‏]  إلّا لعبادتي، والمعنى: لعبادتهم إيّاي، فإذا عبدوني استحقّوا الثّواب.

و قيل : إلّا لآمرهم وأنهاهم وأطلب منهم العبادة، [عن مجاهد] . والّلام لام الغرض، والمراد: أنّ الغرض في خلقهم تعريضهم للثّواب وذلك لا يحصل إلّا بأداء العبادات، فصار كأنّه- سبحانه- خلقهم للعبادة، ثمّ إنّه إذا لم يعبده قوم، لم يبطل الغرض، ويكون كمن هيّأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه، فحضروه ولم يأكله بعضهم، فإنّه لا ينسب إلى السّفه ويصحّ غرضه فإنّ الأكل موقوف على اختيار الغير، وكذلك المسألة فإنّ اللَّه إذا أزاح علل المكلّفين من القدرة والآلة والألطاف وأمرهم بعبادته، فمن خالف فقد اتي من قبل نفسه لا من قبله- سبحانه-.

و قيل : معناه: إلّا ليقرّوا بالعبوديّة طوعا و كرها.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى محمد بن أبي عمير قال: قلت لأبي الحسن‏موسى بن جعفر- عليه السّلام-: وما معنى قول رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: اعملوا، فكلّ ميسّر لما خلق له؟

فقال: إنّ اللَّه خلق الجنّ والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله- تعالى-: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فيسّر كلّا لما خلق له، فويل لمن استحبّ العمى على الهدى.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: خرج الحسين بن علي على أصحابه فقال:

أيّها النّاس، إنّ اللَّه ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.

فقال له رجل: يا ابن رسول اللَّه، بأبي أنت وأمّي، فما معرفة اللَّه؟

قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الّذي تجب عليهم طاعته.

و بإسناده  إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى-: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قوله‏]  وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

قال: خلقهم للأمر والنّهي والتّكليف. [و ليست خلقتهم جبرا أن يعبدوه، ولكن خلقهم  اختيارا ليختبرهم بالأمر والنهي ومن يطيع اللَّه ومن يعصي.

و في حديث آخر  قال: هي منسوخة بقوله : وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏] .

و في تفسير العيّاشي : عن يعقوب بن سعيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

سألته عن قول اللَّه: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

قال- عليه السّلام-: خلقهم للعبادة.

قال: قلت: وقوله: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ .فقال: نزلت هذه بعد ذلك.

ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، أي: ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به، والمراد: أن يبيّن أنّ شأنه مع عباده ليس شأن السّادة مع عبيدهم، فإنّهم إنّما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم.

و يحتمل أن يقدّر «بقل» فيكون بمعنى قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ: الّذي يرزق كلّ ما يفتقر إلى الرّزق. وفيه إيماء باستغنائه عنه.

و قرئ : «إنّي أنا الرّزاق».

ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ : شديد القوّة.

 [و قرئ : «المتين»]  بالجرّ، صفة للقوّة.

و في الصّحيفة السّجّاديّة : اللَّهمّ، إنّي أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلّي عليك، وصرفت وجهي عمّن يحتاج إلى رفدك ، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك، ورأيت أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه وضلّة من عقله. فكم قد رأيت، يا إلهي، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا، فصحّ بمعاينة أمثالهم حازم وفّقه اعتباره وأرشده إلى طريق صوابه اختياره. فأنت، يا مولاي، دون كلّ مسؤول موضع مسألتي، ودون كلّ مطلوب إليه وليّ حاجتي.

و فيها : اللّهمّ، لا طاقة لي بالجهد، ولا صبر لي على البلاء، ولا قوّة لي على الفقر. فلا تحظر عليّ رزقي، ولا تكلني إلى خلقك، بل تفرّد بحاجتي وتولّ كفايتي، وانظر إليّ  في جميع أموري، فإنّك إن وكلتني إلى نفسي عجزت عنها ولم أقم ما فيه مصلحتها، وإن وكلتني إلى خلقك تجهّموني، وإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني، وإن‏أعطوا أعطوا قليلا نكدا ومنّوا عليّ طويلا وذمّوا كثيرا. فبفضلك، اللّهمّ، فأغنني، وبعظمتك فأنعشني، وبسعتك فأبسط يدي، وبما عندك فاكفني.

و فيها : فمن حاول سدّ خلّته من عندك ورام صرف الفقر عن نفسه بك، فقد طلب حاجته في مظانّها، وأتى طلبته من وجهها. ومن توجّه بحاجته إلى أحد من خلقك أو جعله سبب نجحها دونك، فقد تعرّض للحرمان واستحقّ من عندك فوت الإحسان.

اللّهمّ، ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي، وتقطّعت دونها حيلي، وسوّلت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك ولا يستغني في طلباته عنك، وهي زلّة من زلل الخاطئين وعثرة من عثرات المذنبين. ثمّ انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي، ونهضت بتوفيقك من زلّتي، ونكصت بتسديدك من عثرتي، وقلت: سبحان ربّي، كيف يسأل محتاج محتاجا، وأنّى يرغب معدم إلى معدم.

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى سدير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أيّ شي‏ء على الرّجل في طلب الرّزق؟

فقال: إذا فتحت بابك وبسطت بساطك، فقد قضيت ما عليك.

محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور، عن أبيه، رفعه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا، أنّ اللَّه لم يجعل للعبد وإن اجتهد  جهده وعظمت حيلته وكثرت مكابدته  أن يسبق ما سمّي له في الذّكر الحكيم، ولم يحل بين  العبد في ضعفه وقلّة حيلته أن يبلغ ما سمّي له في الذّكر الحكيم. أيّها النّاس، إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه، ولن ينقص امرؤ نقيرا بحمقه.

 (الحديث)

و بإسناده  إلى عليّ بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما فعل عمر بن مسلم؟

قلت: جعلت فداك، أقبل على العبادة وترك التّجارة.

فقال: ويحه، أما علم أنّ تارك الطّلب لا يستجاب له.

 (الحديث)و بإسناده  إلى عمر  بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-:

 [رجل‏]  قال : لأقعدنّ في بيتي ولأصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربّي، فأمّا رزقي فيأتيني .

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هو أحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم.

و بإسناده  إلى أيّوب، أخي أديم بيّاع الهروي، قال: كنّا جلوسا عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- إذا أقبل العلاء بن كامل فجلس قدّام أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقال: ادع اللَّه أن يرزقني في دعة.

فقال: لا أدعو لك، اطلب كما أمرك اللَّه.

و بإسناده  إلى عبد الأعلى، مولى آل سام، قال: استقبلت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحرّ، فقلت: جعلت فداك، حالك عند اللَّه وقرابتك من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟

فقال: يا عبد الأعلى، خرجت في طلب الرّزق لأستغني به عن مثلك.

و بإسناده  إلى فضل  بن أبي قرّة: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى داود: إنّك نعم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئا.

قال: فبكى داود أربعين صباحا، فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى الحديد: أن لن لعبدي داود، فألان اللَّه له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستّين درعا فباعها بثلاثمائة وستّين ألفا واستغنى عن بيت المال.

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً، أي: للّذين ظلموا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بالتّكذيب نصيبا من العذاب.

مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ: مثل نصيب نظرائهم من الأمم السّالفة. وهو مأخوذ من مقاسمة السّقاة الماء بالدّلاء، فإنّ الذّنوب هو الدّلو العظيم المملوء.فَلا يَسْتَعْجِلُونِ : جواب لقولهم: مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ : من يوم القيامة.

قيل : أو يوم بدر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم أجمعين- «ذنوبا» (إلى آخر السّورة) .