سورة الرّحمن

سورة الرّحمن‏ 

مكّيّة، أو مدنيّة، [أو متبعّضة] .

و آياتها ستّ أو سبع أو ثمان وسبعون .

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في ثواب الأعمال : بإسناده  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لا تدعوا قراءة سورة الرّحمن والقيام بها، فإنّها لا تقرّ في قلوب المنافقين، ويؤتى بها  يوم القيامة في صورة آدميّ في أحسن صورة وأطيب ريح حتّى تقف  من اللَّه موقفا لا يكون أحد أقرب إلى اللَّه منها، فيقول لها: من الّذي كان يقوم بك في الحياة الدّنيا ويدمن قراءتك؟

فتقول : يا ربّ، فلان وفلان. فتبيضّ وجوههم، فيقول لهم: اشفعوا فيمن أحببتم.

فيشفعون حتّى لا يبقى لهم غاية ولا أحد يشفعون [له، فيقول‏]  لهم: ادخلوا الجنّة واسكنوا فيها حيث شئتم.

و بإسناده : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الرّحمن فقال عند كلّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ: لا بشي‏ء من آلائك ربّ  أكذب، فإن قرأها ليلاثمّ مات مات شهيدا، وإن قرأها نهارا ثمّ مات  مات شهيدا.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، [عن النّبيّ‏] - صلّى اللَّه عليه وآله- قال :

من قرأ الرّحمن رحم اللَّه ضعفه، وأدّى شكر ما أنعم اللَّه عليه.

و روي ، عن موسى بن جعفر، عن آبائه- عليهم السّلام- [عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-]  قال: لكلّ شي‏ء عروس، وعروس القرآن سورة الرّحمن.

و عن الصّادق- عليه السّلام-  قال: من قرأ سورة الرّحمن ليلا يقول عند كلّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ: لا بشي‏ء من آلائك ربّ  أكذّب، وكلّ اللَّه به ملكا، وإن قرأها من أوّل اللّيل  يحفظه حتّى يصبح، وإن قرأها حين يصبح وكلّ اللَّه به ملكا ان  يحفظه حتّى يمسي.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن عبد اللَّه بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد بن عيسى  قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: يستحبّ أن تقرأ  في دبر الغداة يوم الجمعة الرّحمن كلّها، ثمّ تقول  كلّما قلت: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ: لا بشي‏ء من آلائك ربّ  أكذّب.

الرَّحْمنُ  عَلَّمَ الْقُرْآنَ  لمّا كانت السّورة مقصورة على تعداد النّعم الدّنيويّة والأخرويّة، صدّرها بالرّحمن. وقدّم ما هو أصل النّعم الدّينيّة وأجلّها . وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنّه أساس الدّين، ومنشأ الشّرع، وأعظم الوحي، وأعزّ الكتب السّماويّة، إذ هوبإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدّق لنفسه ومصداق  لها. ثمّ أتبعه قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ  عَلَّمَهُ الْبَيانَ : إيماء بأنّ خلق البشر وما تميّز به عن سائر الحيوان من البيان، وهو التّعبير عمّا في الضّمير وإفهام الغير لما أدركه، لتلقّي الوحي وتعرّف الحقّ وتعلّم الشّرع.

و إخلاء الجمل الثّلاث، الّتي هي أخبار مترادفة للرّحمن، عن العاطف لمجيئها على نهج التّعدّد .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ قال: جوابه: الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

و في مجمع البيان : عَلَّمَهُ الْبَيانَ قال الصّادق- عليه السّلام-: البيان الاسم الأعظم الذي به علم كلّ شي‏ء.

و في شرح الآيات الباهرة : [محمّد بن العباس، حدّثنا]  الحسن بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن غير واحد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سورة الرّحمن فينا من أوّلها إلى آخرها.

و روى - أيضا-: عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم ابن هاشم، عن عليّ بن معبد ، عن الحسين بن خالد، عن الرّضا- عليه السّلام- قال:

سألته عن قول اللَّه- تعالى-: الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

قال: اللَّه علم القرآن.

قلت: فقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ؟

قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام-، علّمه اللَّه بيان كلّ شي‏ء يحتاج إليه‏النّاس.

و يؤيّده :

ما رواه  صاحب الاحتجاج، بإسناده إلى عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، ذكر حديثا مسندا يرفعه إلى حمّاد اللّحّام قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: نحن، واللَّه، نعلم ما في السّموات وما في الأرض وما في الجنّة وما في النّار وما بين ذلك.

قال حمّاد: فنهضت إليه النّظر.

فقال: يا حمّاد، إنّ ذلك في كتاب اللَّه يقولها ثلاثا. ثمّ تلا هذه الآية: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى‏ هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى‏ لِلْمُسْلِمِينَ إنّه من كتاب اللَّه  الّذي فيه تبيان كلّ شي‏ء.

 [فمعنى قوله: إنّه من كتاب اللَّه، [أي: أنّ الّذي نعلمه من كتاب اللَّه‏]  الّذي فيه تبيان كلّ شي‏ء يحتاج النّاس إليه‏] .

و يعضده

ما رواه أيضا  بحذف الإسناد مرفوعا إلى أبي حمزة الثّماليّ قال: قلت لمولاي، علي بن الحسين- عليه السّلام-: [أسألك عن شي‏ء أنفي  به عنّي ما خامر نفسي.

قال: ذلك  إليك.

قلت:]  أسألك عن الأوّل والثّاني.

قال: عليهما لعائن اللَّه كلّها، مضيا واللَّه، مشركين كافرين باللَّه العظيم.

قال: قلت: يا مولاي، والأئمّة منكم يحيون الموتى ويبرءون الأكمه والأبرص ويمشون على الماء؟قال- عليه السّلام-: ما أعطى اللَّه نبيّا شيئا إلّا أعطى محمّدا مثله، وأعطاه ما لم يعطهم وما لم يكن عندهم، وكلّما كان عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقد أعطاه أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ إماما بعد إمام إلى يوم القيامة، مع الزّيادة الّتي تحدث في كلّ سنة وفي كلّ شهر وفي كلّ يوم.

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ : يجريان بحساب معلوم مقدّر في بروجهما ومنازلهما، ويتسق بذلك أمور الكائنات السّفليّة، وتختلف الفصول والأوقات، ويعلم السّنون والحساب.

وَ النَّجْمُ: والنّبات الّذي ينجم، أي: يطلع من الأرض ولا ساق له.

وَ الشَّجَرُ: والّذي له ساق.

يَسْجُدانِ : ينقادان للَّه- تعالى- فيما يريد بهما طبعا انقياد السّاجدين من المطيعين طوعا.

و كان حقّ النّظم في الجملتين أن يقال: وأجرى الشّمس والقمر وأسجد النّجم والشّجر، أو الشّمس والقمر بحسبانه والنّجم والشّجر يسجدان له. ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتّصالهما بالرّحمن، لكنّهما جرّدتا عمّا يدلّ على الاتصال إشعارا بأنّ وضوحه يغنيه عن البيان، وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدّلالة على أن ما يحسّ به من تغيّرات أحوال الأجرام العلويّة والسّفليّة بتقديره وتدبيره.

وَ السَّماءَ رَفَعَها: خلقها مرفوعة محلّا ورتبة، فإنّها منشأ أقضيته ومتنزل أحكامه ومحلّ ملائكته.

و قرئ ، بالرّفع، على الابتداء.

وَ وَضَعَ الْمِيزانَ : العدل، بأن وفّر على كلّ مستعد مستحقّه ووفّى كلّ ذي حقّ حقّه [حتّى‏]  انتظم أمر العالم واستقام، كما

قال- عليه السّلام-: بالعدل قامت السّموات والأرض.

أو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما، كأنّه لمّا وصف‏السّماء بالرّفعة  من حيث أنّها مصدر القضايا  والأقدار، أراد وصف الأرض بما فيها ممّا يظهر به التّفاوت ويعرف به المقدار ويسوّى به الحقوق والمواجب.

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ : لأن لا تطغوا فيه، أي: لا تعتدوا ولا تجاوزوا الإنصاف.

و قرئ : «لا تطغوا» على إرادة القول .

وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ : ولا تنقصوه، فإنّ من حقّه أن يسوّى، لأنّه المقصود من وضعه وتكريره مبالغة في التّوصية به وزيادة حثّ على استعماله.

و قرئ : «و لا تخسروا» بفتح التّاء وضمّ السّين وكسرها وفتحها، على أنّ الأصل: «و لا تخسروا في الميزان» فحذف الجارّ وأوصل الفعل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن الرّضا- عليه السّلام- في قوله: الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ قال: اللَّه علّم [محمّدا]  القرآن.

قلت: خَلَقَ الْإِنْسانَ؟

قال: ذلك أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

قلت: عَلَّمَهُ الْبَيانَ؟

قال: علّمه بيان  كلّ شي‏ء يحتاج إليه النّاس.

قلت: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ؟

قال: هما يعذّبان .

قلت: الشّمس والقمر يعذّبان؟

قال: سألت عن شي‏ء فأتقنه، إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللَّه يجريان بأمره مطيعان له ضوؤهما من نور عرشه وحرّهما من جهنّم، فإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما وعاد إلى النّار حرّهما، فلا يكون شمس ولا قمر، وإنما عناهما- لعنهما اللَّه-. أو ليس قد روى النّاس أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: إنّ الشّمس والقمر نوران في النّار؟

قلت: بلى.

قال: أما سمعت قول النّاس: فلان وفلان شمس  هذه الأمّة ونورها ؟ فهما في النار، واللَّه، ما عنى غيرهما.

قلت: النَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ؟

قال: النّجم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقد سمّاه اللَّه في غير موضع، فقال:

وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏. وقال: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. فالعلامات الأوصياء، والنّجم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قلت: يَسْجُدانِ؟

قال: يعبدان.

قلت: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ؟

قال: السّماء رسول اللَّه رفعه اللَّه إليه، والميزان أمير المؤمنين نصب لخلقه.

قلت: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ؟

قال: لا تعصوا الإمام.

قلت: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ؟

قال: أقيموا الإمام بالعدل.

قلت: وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ؟

قال: لا تبخسوا الإمام حقّه [و لا تظلموه‏] .

و في شرح الآيات الباهرة : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، عن الحسن بن عليّ ابن مروان ، عن سعيد بن عثمان، عن داود الرقيّ  قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه‏السّلام- عن قول اللَّه: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ.

قال: يا داود، سألت عن أمر فاكتف بما يرد عليك، إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللَّه يجريان بأمره، ثمّ إنّ اللَّه ضرب ذلك مثلا لمن وثب علينا وهتك حرمتنا [و ظلمنا حقّنا] ، قال: هما بحسبان، قال: هما في عذابي.

قال : قلت: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ؟

قال: النّجم رسول اللَّه، والشجر أمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة- عليهم السّلام- لم يعصوا اللَّه طرفة عين.

قال: قلت: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ؟

قال: السّماء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قبضه اللَّه ثمّ رفعه إليه، وَوَضَعَ الْمِيزانَ الميزان أمير المؤمنين- عليه السّلام- ونصبه لهم من بعده.

قلت: أَلَّا تَطْغَوْا فِي [الْمِيزانِ؟ قال: لا تطغوا]  الإمام بالعصيان والخلاف.

قلت: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ؟

قال: أطيعوا الإمام بالعدل  ولا تبخسوه حقّه.

 [معنى قوله: «هما بحسبان : أي : هما في عذابي. فالحسبان بالضم لغة العذاب ومنه قوله تعالى: وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ (الآية) والضمير في قوله:

هما، راجع إلى من وثب عليهم، وهما الأوّل والثاني‏] .

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها: خفضها مدحوّة.

لِلْأَنامِ : للخلق.

و قيل : «الأنام» كلّ ذي روح.

و في الخصال : عن عليّ- عليه السّلام- قال: خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون وبهم يمطرون وبهم ينصرون: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمّار، وحذيفة، وعبد اللَّه بن مسعود، قال عليّ- عليه السّلام-: وأنا إمامهم، وهم الّذين شهدوا الصّلاة على فاطمة- عليها السّلام-.

فِيها فاكِهَةٌ: ضروب ممّا يتفكّه به.

وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ : أوعية التّمر، جمع، كمّ. أو كلّ ما يكمّ، أي: يغطّى من ليف وسعف وكفرى، فإنّه ينتفع به كالمكموم، كالجذع والثّمرة .

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وغيرهما، بأسانيد مختلفة، في احتجاج أمير المؤمنين- عليه السّلام- على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الرّبيع بن زياد إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قد غمّ أهله وأحزن ولده بذلك، فقال [أمير المؤمنين- عليه السّلام-] : عليّ بعاصم بن زياد. فجي‏ء به، فلمّا رآه عبّس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، أ ترى اللَّه أحلّ لك الطّيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون على اللَّه من ذلك، أو ليس اللَّه يقول: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ‏

 (الحديث) وستقف عليه بتمامه عند قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ. (الآية).

وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ، كالحنطة والشّعير وسائر ما يتغذّى به.

و «العصف» ورق النّبات اليابس، كالتّبن.

وَ الرَّيْحانُ ، يعني: المشموم. أو الرّزق، من قولهم: خرجت أطلب ريحان اللَّه.

و قرأ  ابن عامر: «و الحبّ ذا العصف والرّيحان»، يعني: وخلق الحبّ والرّيحان، أو أخصّ . ويجوز أن يراد: وذا الرّيحان، فحذف المضاف.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «و الرّيحان» بالخفض، والباقون بالرّفع. وهو فيعلان، من الرّوح، فقلبت الواو ياء وادغم ثم خفّف.

و قيل : روحان، فقلبت واوه ياء للتّخفيف.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ قال: للنّاس.

فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ قال: يكبر ثمر النّخل في القمع  ثمّ يطلع منه.

قوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ قال: «الحبّ» الحنطة والشّعير والحبوب، و«العصف» التّبن ، و«الرّيحان» ما يؤكل منه.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : الخطاب للثّقلين، المدلول عليها، بقوله: «للأنام»، وقوله: «أيّها الثّقلان».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قال: في الظّاهر مخاطبة الجنّ والإنس، وفي الباطن فلان وفلان.

حدّثنا أحمد بن عليّ ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن، محمّد بن أسلم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

قال: قال اللَّه: فبأيّ النّعمتين تكفران؟ بمحمّد أم عليّ- صلوات اللَّه عليهما-.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى [بن محمّد] ، رفعه، في قول اللَّه:

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أبا لنّبيّ أم بالوصي، نزلت في الرّحمن.

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ  «الصّلصال»  الطّين اليابس الّذي له صلصلة، و«الفخّار» الخزف. وقد خلق اللَّه آدم من تراب جعله طينا ثمّ حمأ مسنونا ثمّ صلصالا، فلا يخالف ذلك قوله: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ونحوه.

وَ خَلَقَ الْجَانَّ: الجنّ. أو أبا الجنّ.

مِنْ مارِجٍ: من صاف من الدّخان.

مِنْ نارٍ : بيان «لمارج»، فإنّه في الأصل للمضطرب، من مرج: إذااضطرب.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وسأله عن اسم أبي الجنّ.

فقال: شومان، وهو الّذي خلق من مارج من نار.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : ممّا أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتّى صيّركما أفضل المركّبات وخلاصة الكائنات.

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ : مشرقي الشّتاء والصّيف.

و مغربيهما.

و في الاحتجاج  للطبرسي- رحمه اللَّه- حديث طويل، وفيه: وأمّا قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فإنّ مشرق الشّتاء على حدة [و مشرق الصيف على حدة ] ، أما تعرف ذلك  من قرب الشّمس وبعدها. وأمّا قوله: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ فإنّ لها ثلاثمائة وستّين برجا، تطلع كلّ يوم من برج وتغيب في آخر، فلا تعود إليه إلّا من قابل في ذلك اليوم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللَّه- في قوله- تعالى-: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ قال: مشرق الشّتاء ومشرق الصّيف، ومغرب الشّتاء ومغرب الصّيف.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : ممّا في ذلك من الفوائد الّتي لا تحصى، كاعتدال الهواء، واختلاف الفصول، وحدوث ما يناسب كلّ فصل فيه إلى غير ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ.

قال: المشرقين رسول اللَّه وأمير المؤمنين، والمغربين الحسن والحسين- عليهم السّلام- وفي  أمثالهما تجري.فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قال: محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وعلي- عليه السّلام-.

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: أرسلهما، من مرج الدّابّة: إذا أرسلها، والمعنى: أرسل البحر الملح والبحر العذب.

يَلْتَقِيانِ : يتجاوزان ويتماسّ سطوحهما. أو بحري فارس والرّوم يلتقيان في المحيط، لأنّهما خليجان يتشعّبان منه.

و في المناقب  لابن شهر آشوب، بعد أن ذكر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّا وفاطمة- عليهما السّلام-: وروي أنّه قال: مرحبا ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ: حاجز من قدرة اللَّه- تعالى-. أو من الأرض.

لا يَبْغِيانِ : لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصّيّة. أو لا يتجاوزان حدّيهما بإغراق ما بينهما.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ : كبار الدّرّ وصغاره.

و قيل : «المرجان» الخرز الأحمر، وإن صحّ أنّ الدّرّ يخرج من الملح، فعلى الأوّل إنّما قال: «منهما»، لأنّه يخرج من مجتمع الملح  والعذب. أو لأنّهما لمّا اجتمعا صارا  كالشّي‏ء الواحد، فكأن  المخرج من أحدهما كالمخرج منهما.

و قرأ  نافع وأبو عمرو ويعقوب: «يخرج».

و قرئ : «نخرج»، و«يخرج» بنصب اللّؤلؤ والمرجان.

و في قرب الإسناد  للحميريّ، بإسناده إلى أبي البختريّ: عن الصّادق- عليه السّلام-، عن أبيه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال:

من ماء السّماء ومن ماء البحر، فإذا مطرت فتحت الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر، فتخلق اللّؤلؤة الصّغيرة من القطرة الصّغيرة والكبيرة من القطرة الكبيرة.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللَّه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن يحيى بن سعيد العطّار  قال:

سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول في قول اللَّه: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: عليّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

و في الكافي : عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، ذكرنا أوّله عند قوله:

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ويتّصل بآخر ما نقلنا هناك، أعني: قوله: ذاتُ الْأَكْمامِ. أو ليس [اللَّه‏]  يقول: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [إلى قوله‏]  يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فباللَّه، لابتذال  نعم اللَّه بالفعال أحبّ إليه من ابتذاله لها بالمقال، وقد قال- تعالى-: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟

فقال: ويحك، إنّ اللَّه فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة النّاس، كي لا يتبيّغ  بالفقير فقره.

فألقى عاصم بن زياد العباء، ولبس الملاء.

و في مجمع البيان : وروي عن سلمان الفارسيّ وسعيد بن جبير وسفيان الثّوريّ، أنّ «البحرين» عليّ وفاطمة- عليهما السّلام-. «بينهما برزخ» محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن‏محفوظ بن بشير ، عن عمر بن شمر، عن جابر الجعفيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: عليّ وفاطمة.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: لا يبغي عليّ على فاطمة، ولا تبغي فاطمة على عليّ.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [قال‏]  الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

و قال - أيضا-: حدّثنا جعفر بن سهل، عن أحمد بن محمّد عن  عبد الكريم، عن يحيى بن عبد الحميد، عن قيس بن  الرّبيع، عن (أبي)  هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ في قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: عليّ وفاطمة- عليهما السّلام-. قال:

لا يبغي هذا على هذه، ولا هذه على هذا.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

و قال - أيضا-: حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن الصلت ، عن أبي الجارود، زياد  بن المنذر، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاس في قوله:

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: «البحرين» عليّ وفاطمة.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: النّبيّ.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال: الحسن والحسين.

و قال - أيضا-: حدّثنا عليّ بن مخلّد الدّهّان، عن أحمد بن سليمان، عن إسحاق ابن إبراهيم الأعمش، عن كثير بن هشام، عن كهمش بن الحسن، عن أبي سليل، عن أبي ذرّ في قوله- تعالى-: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: عليّ وفاطمة- عليهما السّلام-.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-. فمن رأى‏مثل هؤلاء الأربعة: عليّ وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام-؟ لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا كافر، فكونوا مؤمنين بحبّ أهل البيت، ولا تكونوا كفّارا ببغض أهل البيت فتلقوا [في النار] .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  وَلَهُ الْجَوارِ، أي: السّفن. جمع، جارية.

و قرئ ، بحذف الياء ورفع الرّاء، كقوله:

         لها ثنايا أربع حسان             وأربع فكلّها ثمان

 الْمُنْشَآتُ: المرفوعات الشّرع ، أو المصنوعات.

و قرأ  حمزة وأبو بكر، بكسر الشّين، أي: الرّافعات الشّرع ، أو اللّاتي ينشئن الأمواج، [أو السّير] .

فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ، كالجبال. جمع، علم، وهو الجبل الطّويل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ قال: كما قالت الخنساء، ترثي أخاها [صخرا] :

         وإنّ صخرا [لمولانا وسيّدنا             وإنّ صخرا إذا يستوقد النّار

         وإنّ صخرا]  لتّأتمّ الهداة به             كأنّه علم في رأسه نار

 فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : من خلق موادّ السّفن، والإرشاد إلى أخذها، وكيفيّة تركيبها، وإجرائها في البحر، بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره.

كُلُّ مَنْ عَلَيْها: من على الأرض من الحيوانات أو المركبات، و«من» للتّغليب. أو من الثّقلين.فانٍ  وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ: ذاته، ولو استقريت جهات الموجودات وتفحّصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلّا وجه اللَّه، أي: الوجه الّذي يلي جهته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ قال: من على وجه  الأرض.

وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ قال: دين ربّك.

و قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام- : نحن وجه اللَّه الّذي يؤتى  منه.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، حديث طويل، وفيه: فقلت: يا ابن رسول اللَّه، فما معنى الخبر الّذي رووه:

أن ثواب «لا إله إلّا اللَّه» النّظر إلى وجه اللَّه؟

فقال: يا أبا الصّلت، من وصف اللَّه بوجه، كالوجوه، فقد كفر، ولكن وجه اللَّه أنبياؤه  وحجّجه الّذين بهم يتوجّه إلى اللَّه وإلى دينه ومعرفته، وقال اللَّه: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ. وقال- تعالى-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فالنّظر إلى أنبياء اللَّه ورسله وحججه في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين [يوم القيامة] ، وقد قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- من أبغض أهل بيتي وعترتي، لم يرني ولم أره يوم القيامة.

و في التّوحيد ، بإسناده إلى أبي هاشم الجعفريّ: عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: وإذا أفنى اللَّه الأشياء أفنى الصّور والهجاء، ولا ينقطع ، ولا يزال من لم يزل عالما.

و في المناقب  لابن شهر آشوب: قوله: وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ قال الصّادق- عليه السّلام-: نحن وجه اللَّه.و في الاحتجاج  للطبرسي- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وأمّا قوله: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فالمراد : كلّ شي‏ء هالك إلّا دينه، لأنّ من المحال أن يهلك منه كلّ شي‏ء ويبقى الوجه، هو أعظم وأجلّ من ذلك، وإنّما يهلك من ليس منه، ألا ترى أنّه قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ففصل [بين‏]  خلقه ووجهه.

ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ : ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : أي: ممّا ذكرنا من قبل من بقاء الذّات وإبقاء ما لا يحصى ممّا هو على صدد الفناء رحمة وفضلا، أو ممّا يترتّب على إفناء الكلّ من الإعادة والحياة الدّائمة والنّعيم المقيم.

يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: فإنّهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم، وسائر ما يهمّهم ويعنّ  لهم.

و المراد بالسّؤال: ما يدلّ على الحاجة إلى تحصيل الشّي‏ء، نطقا كان أو غيره.

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ : كلّ وقت يحدث أشخاصا ويجدّد أحوالا على ما سبق به قضاؤه، وهو ردّ لقول اليهود: إنّ اللَّه لا يقتضي يوم السّبت شيئا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: يحيي ويميت، ويرزق، ويزيد وينقص.

و في الكافي : خطبة مرويّة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: الحمد للَّه الّذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه، لأنّه كلّ يوم هو في شأن من إحداث بديع لم يكن.

و في مجمع البيان : وعن أبي الدّرداء، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله:

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين.و في المناقب  لابن شهر آشوب: وقال المسيّب بن نجيّة الفزاريّ وسليمان بن صرد الخزاعيّ للحسن بن عليّ- عليهما السّلام-: ما ينقضي تعجّبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز! فقال الحسن: قد كان ذلك، فما ترى الآن؟

قال: واللَّه، أرى أن ترجع لأنّه نقض [العهد] .

فقال: يا مسيّب، إنّ الغدر لا خير فيه، ولو أردت لما فعلت.

فقال حجر بن عديّ: أما، واللَّه، لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين  بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبّوا.

فلمّا خلا به [الحسن- عليه السّلام-]  [قال: يا حجر]  قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلّا إبقاء عليكم، واللَّه كلّ يوم هو في شأن.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : أي: ممّا يسعف به سؤالكما. [أو ممّا يخرج لكما]  من مكمن العدم حينا فحينا.

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ : سنتجرّد  لحسابكم  وجزائكم، وذلك يوم القيامة فإنّه [تعالى‏]  لا يفعل فيه غيره.

و قيل : تهديد مستعار، من قولك لمن تهدّده: سأفرغ لك. فإنّ المتجرّد للشّي‏ء كان أقوى عليه، وأجدّ فيه.

و قرأ  حمزة والكسائي، بالياء.

و قرئ : «سنفرغ إليكم»، أي: سنقصد إليكم.

و «الثّقلان» الإنس والجن، سمّيا بذلك لثقلهما على الأرض، أو لرزانةرأيهما وقدرهما ، أو لأنّهما مثقلان بالتّكليف.

و في عيون الأخبار ، في باب آخر في ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ للَّه ديكا عرفه  تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض  السّابعة السّفلى، إذا كان في الثّلث الأخير من اللّيل سبّح اللَّه بصوت يسمعه كلّ شي‏ء ما خلا الثّقلين، الجنّ والإنس، فيصيح عند ذلك ديكة الدّنيا.

و في التّوحيد ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- يقول فيها: وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده  من الثّقلين، الجنّ والإنس، لتعرف  بذلك ربوبيّته [و تمكن  فيهم طواعيته‏] .

و فيه : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: فمن المبلغ عن اللَّه إلى الثّقلين، الجنّ والإنس؟

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال:

نحن وكتاب اللَّه، والدّليل على ذلك قوله- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّي تارك فيكم الثّقلين، كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس، حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن هارون بن خارجة، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال: «الثّقلان» نحن والقرآن.

 

و يؤيّده :

ما رواه- أيضا-، عن محمّد بن همام، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ،عن السّندي بن محمّد، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ.

قال: نحن وكتاب اللَّه.

و يؤيّده :

ما رواه- أيضا-، عن عبد اللَّه بن محمّد بن ناجية، عن مجاهد بن موسى، عن ابن مالك، عن حجّام، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّي تارك فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه [حبل‏]  ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

و إنّما سمّي الثّقلين لعظم خطرهما وجلالة قدرهما.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السّموات والأرض هاربين من اللَّه، فارّين من قضائه- تعالى-.

فَانْفُذُوا: فاخرجوا.

لا تَنْفُذُونَ: لا تقدرون على النّفوذ.

إِلَّا بِسُلْطانٍ : إلّا بقوّة وقهر، وأنّى لكم ذلك. أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السّموات والأرض فانفذوا لتعلموا، ولكن لا تنفذون ولا تعلمون إلّا ببيّنة نصبها اللَّه فتعرجون عليها بأفكاركم.

و في مجمع البيان : وروى مسعدة بن صدقة، عن كليب قال: كنّا عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فأنشأ يحدّثنا.

فقال: إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه العباد في صعيد واحد، وذلك أنّه يوحي إلى السّماء الدّنيا: أن اهبطي بمن فيك. فيهبط أهل السّماء الدّنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة [ثمّ يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرّتين‏]  فلا يزالون كذلك حتّى يهبط أهل السموات السبع : فيصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من‏الملائكة، ثمّ ينادي مناد: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ (الآية). فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور ابن يونس، عن عمر بن شيبة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول ابتداء منه: إنّ اللَّه إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه أمر مناديا ينادي، فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين، ثمّ أذن لسماء الدّنيا فتنزل وكان من وراء النّاس، وأذن للسّماء الثّانية فتنزل وهي ضعف الّتي تليها، فإذا رآها أهل السّماء الدّنيا قالوا:

جاء ربّنا، قالوا: لا وهو آت، يعني: أمره، حتّى تنزل كلّ سماء يكون كلّ واحدة منها من وراء الأخرى، وهي ضعف الّتي تليها، ثمّ ينزل أمر اللَّه في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربّكم ترجع الأمور، ثمّ يأمر اللَّه مناديا ينادي: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ (الآية)

 (الحديث).

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، أي: من التّنبيه والتّحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة. أو ممّا نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية، فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلي.

يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ: لهب مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ: ودخان.

قال:

         تضي‏ء كضوء السراج السّلي             ط  لم يجعل اللَّه فيه نحاسا

 أو صفر مذاب يصبّ على رؤوسهم.

و قرأ  ابن كثير: «شواظ» بالكسر، وهو لغة. و«نحاس» بالجرّ عطفا على «نار» ووافقه فيه أبو عمرو ويعقوب في رواية.

و قرئ : «و نحس» وهو جمع، كلحف.

فَلا تَنْتَصِرانِ : فلا تمتنعان.و في الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-، بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، فيه خطبة الغدير، وفيها يقول- صلّى اللَّه عليه وآله-: معاشر النّاس، إنّي ادعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلّغت  ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر وغائب وعلى كلّ أحد من شهد أو لم يشهد ولد أم  لم يولد، فليبلّغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، لعن اللَّه الغاصبين والمغتصبين، وعندها سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ : فإنّ التهديد لطف، والتّمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفّار في عداد الآلاء.

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً، أي: حمراء كالوردة.

و قرئت ، بالرّفع، على «كان» التّامّة، فيكون من باب التّجريد ، كقوله:

         ولئن بقيت لأرحلنّ بغزوة             تحوى  الغنائم أو يموت  كريم‏

 كَالدِّهانِ : مذابة كالدّهن. وهو اسم لما يدهن به، كالحزام. أو جمع، دهن.

و قيل : هو الأديم الأحمر.

و في محاسن البرقي : عنه، عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة دعي برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فيكسى حلّة ورديّة.

فقلت: جعلت فداك، ورديّة؟

قال: نعم، أما سمعت قول اللَّه: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ‏. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، أي: ممّا يكون بعد ذلك.

فَيَوْمَئِذٍ، أي: فيوم تنشقّ السّماء.

لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ .

قيل : لأنّهم يعرفون  بسيماهم، وذلك حين يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا  على اختلاف مراتبهم. وأمّا قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ونحوه، فحين يحاسبون في المجمع.

و «الهاء» للإنس باعتبار اللّفظ، فإنّه وإن تأخّر لفظا تقدّم رتبة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ قال: منكم، يعني: من الشّيعة.

إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قال: معناه: من تولّى  أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتبرّأ من أعدائه وآمن باللَّه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ثمّ دخل في الذّنوب ولم يتب في الدّنيا، عذّب بها  في البرزخ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسال عنه يوم القيامة.

و في مجمع البيان : وروي عن الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ منكم عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ. [و المعنى:]  أنّ من أعتقد الحقّ ثمّ أذنب ولم يتب في الدّنيا عذّب عليه في البرزخ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسال عنه.

و في شرح الآيات الباهرة : روى ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن  ماجيلويه، بإسناده، عن رجاله، عن حنظلة، عن ميسرة قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: واللَّه، لا يرى منكم في النّار اثنان، لا واللَّه ولا واحد.

قال: قلت: فأين ذلك من كتاب اللَّه؟

قال: فأمسك عنّي سنة.قال: فإنّي معه ذات يوم في الطّواف إذ قال لي: يا ميسرة، اليوم اذن لي في جوابك عن مسألة كذا.

فقلت: فأين هو من القرآن؟

قال: سورة الرّحمن، وهو قول اللَّه: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه منكم إنس ولا جان.

فقلت له: ليس فيه «منكم».

قال: إنّ أوّل من غيرها «ابن أروى» وذلك أنّها حجّة عليه وعلى أصحابه، ولو لم يكن فيها «منكم» لسقط عقاب  اللَّه عن خلقه، إذ لم يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فلمن يعاقب إذا يوم القيامة؟

 [فمعنى «منكم» أي: من الشيعة. وقوله: ابن اروى، يعني: [أحد]  أئمّة الضلال عليهم النكال والوبال‏] .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، أي: ممّا أنعم على عباده المؤمنين في هذا اليوم.

يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ: وهو ما يعلوهم من الكابة والحزن.

فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ : مجموعا بينهما.

و قيل : يؤخذون بالنّواصي تارة، وبالأقدام أخرى.

و في بصائر الدّرجات : إبراهيم بن هاشم، عن سليمان  الدّيلميّ [أو عن سليمان‏] ، عن معاوية الدهنيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ. قال: يا معاوية، ما يقولون في هذا؟

قلت: يزعمون أنّ اللَّه يعرف المجرمين بسيماهم يوم  القيامة، فيأمر بهم، فيؤخذ  بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النّار.فقال لي: وكيف يحتاج- تعالى-  إلى معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم؟

فقلت: جعلت فداك وما ذلك؟

قال: ذلك لو  قام قائمنا أعطاه  اللَّه السّيماء، فيأمر بالكافرين  فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسّيف خبطا.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الشّيخ [المفيد]  بإسناده، عن رجاله، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ قال: اللَّه يعرفهم، ولكن هذه نزلت في القائم- عليه السّلام- وهو يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسّيف هو وأصحابه خبطا.

يعرف به سيماهم، أي: علاماتهم بأنّهم مجرمون.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ  يَطُوفُونَ بَيْنَها: بين النّار يحرقون بها.

وَ بَيْنَ حَمِيمٍ: ماء حارّ.

آنٍ : بلغ النّهاية في الحرارة يصبّ عليهم، أو يسقون منه.

و قيل : إذا استغاثوا من النّار أغيثوا بالحميم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد حديث طويل، وفيه: قال: قلت له: يا ابن رسول اللَّه، أخبرني عن الجنّة والنّار، أ هما [اليوم‏]  مخلوقتان؟

قال: نعم، وأنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قد دخل الجنّة ورأى النّار لمّا عرج به إلى السّماء.

قال: فقلت له: إنّ قوما يقولون: إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين.

قال- عليه السّلام-: لا هم منّا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنّة والنّار فقدكذّب النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وكذّبنا، وليس من ولايتنا على شي‏ء، ويخلّد في نار جهنّم، قال اللَّه- تعالى-: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. وقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا عرج بي إلى السّماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة.

 (الحديث).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقرأ أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: «هذه جهنّم الّتي كنتما  بها تكذّبان تصليانها ولا تموتان [فيها]  ولا تحييان»، يعني: الأوّلين .

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ قال: لها أنين من شدّة حرّها.

و في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: «هذه جهنّم الّتي كنتما بها تكذّبان اصلياها فلا تموتان فيها ولا تحييان».

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ: موقفه الّذي يقف فيه العباد للحساب. أو قيامه على أحواله ، من قام عليه: إذا راقبه.

أو مقام الخائف عند ربّه للحساب بأحد المعنيين ، فأضيف  إلى الرّب تفخيما وتهويلا. أو ربّه، ومقام مقحم للمبالغة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن [محمد بن عيسى، عن الحسن بن‏]  محبوب، عن داود الرقيّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قال: من علم أنّ اللَّه يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمل  من خير أوشرّ، فيحجزه  ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الّذي خاف مقام ربّه  ونهي النّفس عن الهوى.

جَنَّتانِ : جنّة للخائف الإنسي وأخرى للخائف الجنّي، فإنّ الخطاب للفريقين، والمعنى: لكلّ خائفين منكما، أو لكلّ واحد  جنّة لعقيدته وأخرى لعمله، أو جنّة لفعل الطّاعات وأخرى لترك المعاصي، أو جنّة يثاب بها وجنّة يتفضّل بها عليه، أو روحانيّة وجسمانيّة، وكذا ما جاء مثنى بعد .

و في من لا يحضره الفقيه ، في مناهي النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: وقال- عليه السّلام-: من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللَّه حرّم اللَّه عليه النّار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.

و في التّوحيد ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: أيّها النّاس- من خاف ربّه كفّ ظلمه.

و في الخصال : عن الحسن قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قال اللَّه:

و عزّتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدّنيا أخفته في الآخرة، وإذا خافني في الدّنيا أمنته يوم القيامة .

و عن الباقر- عليه السّلام-  قال: ثلاث درجات، وثلاث كفّارات، وثلاث موبقات، وثلاث منجيات.

... إلى أن قال: وأمّا المنجيات فخوف اللَّه في السّرّ والعلانية.

 (الحديث)

و عن الصّادق- عليه السّلام- ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّته له: يا عليّ، ثلاث درجات، وثلاث كفّارات. وذكر كالسّابق.فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  ذَواتا أَفْنانٍ : أنواع من الأشجار والثّمار، جمع فنّ. أو أغصان، جمع فنن، وهي الغصنة الّتي تتشعّب من فرع الشّجر، وتخصيصها بالذّكر لأنّها الّتي تورق وتثمر وتمدّ الظّلّ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ : حيث شاءوا في الأعالي والأسافل.

قيل : إحداهما التّسنيم والأخرى السّلسبيل.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ :

صنفان، غريب ومعروف أو رطب ويابس.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللَّه- نقلا عن تفسير محمّد بن العبّاس بن مروان، بإسناده إلى جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: عن آبائه- عليهم السّلام-، عن عليّ- عليه السّلام- عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله- مخاطبا للمقداد بعد أن ذكر شيعة عليّ- عليه السّلام- وكرامتهم عند اللَّه: فلا يزالوا، يا مقداد، محبّو  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في العطايا والمواهب، حتّى أنّ المقصّر من شيعة عليّ- عليه السّلام- يتمنّى في أمنيّته مثل جميع الدّنيا منذ خلقها اللَّه إلى يوم القيامة، قال لهم ربّهم: لقد قصّرتم في أمانيّكم ورضيتم بدون ما يحقّ لكم، فانظروا إلى مواهب ربّكم.

فإذا بقباب وقصور  في أعلى علّيين من الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض يزهر نورها ، فلو لا أنّه مسخّر إذا للمعت الأبصار منها، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأحمر مفروش بالسّندس الأخضر، وما كان منها من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالرّباط  الصفر، مبثوثة بالزّبرجد الأخضر والفضّة البيضاء والذّهب الأحمر، قواعدها وأركانها من الجوهر، ينور من أبوابها وأعراضها نور شعاع الشّمس عنده مثل‏الكوكب الدّرّي في النّهار المضي‏ء، وإذا على كلّ باب قصر من تلك القصور جنّتان مدهامّتان، [فيهما عينان نضّاختان،]  وفيهما من كلّ فاكهة زوجان.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ: من ديباج ثخين، وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنّك بالظّهائر.

و «متّكئين» مدح للخائفين. أو حال منهم، لأن «من خاف» في معنى الجمع.

وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ : قريب يناله القاعد والمضطجع.

و «جنى» اسم، بمعنى: مجنى.

و قرئ، بكسر الجيم.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  فِيهِنَّ: في الجنّان، فإنّ «جنّتان» تدل على جنان هي للخائفين. أو فيما فيهما من الأماكن والقصور. أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنّتين والعينين والفاكهة والفرش.

قاصِراتُ الطَّرْفِ: نساء قصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-]  في قوله:

فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ قال: الحور العين، يقصر الطّرف عنها من ضوء نورها.

و في مجمع البيان : وقال أبو ذرّ: إنّها تقول لزوجها: وعزّة ربّي: ما أرى في الجنّة أخير  منك، فالحمد للَّه الّذي جعلني زوجك وجعلك زوجي.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ : لم يمسّ الإنسيّات إنس، ولا الجنّيات جنّ.

و قرأ  الكسائيّ، بضمّ الميم.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ ، أي: في حمزة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما .

و في مجمع البيان : وفي الحديث: أنّ المرأة من أهل الجنّة يرى مخّ ساقها من‏وراء سبعين حلّة من حرير.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ: في الاعتقاد والعمل.

إِلَّا الْإِحْسانُ : في الثّواب، وهو الجنّة.

و في مجمع البيان : وجاءت الرّواية، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- هذه الآية، فقال: هل تدرون ما يقول ربّكم؟

قالوا: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: فإنّ ربّكم يقول: هل جزاء من أنعمنا عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة.

و روى العيّاشي ، بإسناده: عن  الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: آية في كتاب اللَّه مسجلة.

قلت: ما هي؟

قال: قول اللَّه: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر. ومن صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليس المكافأة أن تصنع  كما صنع حتّى تربى ، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قال:

ما جزاء من أنعمت عليه بالمعرفة إلّا الجنّة.

و في التّوحيد : حدّثنا أبو أحمد، الحسن بن عبد اللَّه بن سعيد العسكريّ قال:

حدّثنا محمّد بن أحمد بن حمران القشيريّ قال: حدّثنا أبو الحريش ، أحمد بن عيسى الكلابيّ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر - عليه السّلام- سنة خمسين ومائتين قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه [عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه‏] ، عن‏عليّ- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قال: عليّ- عليه السّلام-: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: إنّ اللَّه قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسن بن عبد اللَّه: عن آبائه، عن جدّه، الحسن بن عليّ- عليهما السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل في تفسير «سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر» وفيه قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: وأمّا قوله: لا إله إلّا اللَّه، فثمنها الجنّة، وذلك قول اللَّه: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قال: هل جزاء من قال: لا إله إلّا اللَّه، إلّا الجنّة.

و في الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أربعة أسرع شي‏ء عقوبة:

رجل أحسنت إليه وكافأك  بالإحسان إليه إساءة.

 (الحديث)

و في من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: لعن اللَّه قاطعي سبيل المعروف.

قيل: وما قاطعي سبيل المعروف؟

قال: الرّجل يصنع إليه المعروف فيكفره، فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  وَمِنْ دُونِهِما قيل : أي: ومن دون تينك الجنّتين الموعودتين للخائفين المقرّبين.

جَنَّتانِ : لمن دونهم من أصحاب اليمين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن  بن غالب، عن عثمان بن محمّد عن  عمران قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ.

قال: خضراوتان في الدّنيا، يأكل المؤمنون منهما حتّى يفرغوا  من الحساب.و في مجمع البيان : وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ‏

روي عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: جنّتان من فضّة آنيتهما  وما فيهما، وجنّتان من ذهب آنيتهما  وما فيهما.

و قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-:]  ولا تقولنّ: الجنّة واحدة، إنّ اللَّه يقول:

وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ .

 (الحديث)

و عن العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [قال:]  قلت له: إنّ النّاس يتعجبون منّا إذا قلنا: يخرج قوم من النّار  فيدخلون الجنّة، فيقولون لنا: فيكونون مع أولياء اللَّه في الجنّة؟

فقال: يا علاء ، إنّ اللَّه يقول: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ لا، واللَّه، ما يكونون مع أولياء اللَّه.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  مُدْهامَّتانِ : خضراوان  تضربان  إلى السّواد من شدّة الخضرة.

و فيه إشعار بأنّ الغالب على هاتين الجنّتين النّبات والرّياحين المنبسطة على وجه الأرض، وعلى الأوليين  الأشجار والفواكه، دلالة على ما بينهما من التّفاوت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى يونس بن ظبيان: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: مُدْهامَّتانِ قال: يتّصل ما بين مكّة والمدينة نخلا.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ

: فوّارتان بالماء.قيل : وهو- أيضا- أقلّ  ممّا وصف به الأوليين  [و كذا ما بعده‏] .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ :

عطفهما على «الفاكهة» بيانا لفضلهما، فإنّ ثمرة النّخل فاكهة وغذاء، وثمرة الرّمان فاكهة ودواء.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن أحمد ابن سليمان، عن أحمد بن يحيى  الطّحّان، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: خمس من فواكه الجنّة في الدّنيا: الرّمّان الإمليسيّ، والتّفّاح الشّيسقاني ، والسّفرجل، والعنب الرّازقيّ، والرّطب المشان .

و بإسناده  إلى أبي الجارود: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أربعة نزلت من الجنّة: العنب الرّازقيّ، والرّطب المشان، والرّمان الإمليسيّ، والتّفاح الشّيسقاني.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏] ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السلام- قال: الفاكهة مائة وعشرون لونا، سيّدها الرّمّان.

و بإسناده  إلى عمر بن أبان الكلبيّ قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- وأبا جعفر- عليه السّلام- يقولان: ما على وجه الأرض  ثمرة كانت أحبّ إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من الرّمان، وكان واللَّه، إذا أكلها [أحبّ أن‏]  لا يشركه أحد فيها.

و بإسناده  إلى حمّاد بن عثمان: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما من‏شي‏ء أشارك فيه أبغض إليّ من الرّمان، وما من رمّانة إلّا وفيها حبّة من الجنّة، فإذا أكلها الكافر بعث اللَّه إليه  ملكا فانتزعها منه.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  فِيهِنَّ خَيْراتٌ، أي: خيّرات.

فخفّفت، لأنّ «خير» الّذي بمعنى: أخير، لا يجمع. وقد قرئ على الأصل.

حِسانٌ : حسان الخلق والخلق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ قال: جوار نابتات على شطّ الكوثر، كلّما أخذت منها  واحدة نبتت مكانها أخرى .

و في مجمع البيان : خَيْراتٌ حِسانٌ، أي: نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه. روته أمّ سلمة، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: الخيرات الحسان من نساء أهل الدّنيا، وهنّ أجمل من الحور العين.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى-: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ.

قال: هنّ صوالح  المؤمنات العارفات.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ، عن الحسين ابن أعين، أخو مالك بن أعين، قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول الرّجل للرّجل: جزاك اللَّه خيرا، ما يعني به؟

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ خيرا نهر في الجنّة، مخرجه من الكوثر، والكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الأوصياء وشيعتهم، وعلى حافّتي ذلك النّهر جوارنابتات كلّما قلعت واحدة نبتت أخرى، سمين  تلك الجواري باسم ذلك  النّهر، وذلك قوله- تعالى- في كتابه: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ. فإذا قال الرّجل لصاحبه: جزاك اللَّه خيرا، فإنّما يعني بذلك: تلك المنازل التي  أعدّها اللَّه لصفوته وخيرته من خلقه.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ :

قصرن في خدورهنّ، يقال: امرأة قصيرة وقصورة [و مقصورة] ، أي: مخدّرة. أو مقصورات الطّرف على أزواجهنّ.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن يعقوب، بإسناده، عن  الحلبيّ قال:

سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قوله تعالى-: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ.

قال: هنّ صوالح.  المؤمنات العارفات.

قال: قلت: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ.

قال: هنّ البيض المصونات  المخدّرات في الخيام: الدّرّ والياقوت والمرجان، لكلّ خيمة أربعة أبواب، على  كلّ باب سبعون [كاعبا]  حجابا لهنّ، ويأتيهنّ في كلّ يوم كرامة من اللَّه ليسرّ اللَّه بهنّ المؤمنين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ قال: يقصر الطّرف عنهنّ .

و في مجمع البيان : عن أنس، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- [قال‏] : مررت ليلة اسري بي بنهر حافّتاه قباب المرجان، فنوديت منه: السّلام عليك، يا رسول اللَّه.

فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟قال: هؤلاء جوار من حور العين استأذنّ ربّهنّ أن يسلّمن عليك، فأذن لهنّ.

فقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن النّاعمات فلا نيأس ، أزواج رجال كرام.

ثمّ قرأ رسول اللَّه: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ.

و روي  عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- [أنّه‏]  قال: الخيمة درّة واحدة، طولها في السّماء ستّون ميلا.

و في جوامع الجامع : وفي الحديث: الخيمة درّة واحدة، طولها في السّماء ستّون ميلا، في كلّ زاوية منها أهل للمؤمن لا يراه الآخرون.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ، كحور الأوّلين، وهم أصحاب  الجنّتين، فإنّهما يدلّان عليهم .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ  مُتَّكِئِينَ عَلى‏ رَفْرَفٍ خُضْرٍ: وسائد، أو نمارق. جمع، رفرفه.

و قيل : «الرّفرف» ضرب من البسط، أو ذيل الخيمة. وقد يقال لكلّ ثوب عريض: [رفرف‏] .

وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ  فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ :

 «العبقري» منسوب إلى عبقر  تزعم العرب أنّه اسم بلد للجنّ فينسبون إليه كلّ شي‏ء عجيب، والمراد به: الجنس، ولذلك جمع «حسان» حملا على المعنى.

و

في جوامع الجامع : وقرئ في الشّواذّ: «رفارف خضر وعباقريّ»، كمدائني.و روي ذلك عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و إن شذّ في القياس ترك صرف عباقريّ فلا يستنكر مع استمراره في الاستعمال.

تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ: تعالى اسمه من حيث أنّه مطلق على ذاته، فما ظنّك بذاته.

و قيل : «الاسم» بمعنى: الصّفة. أو مقحم، كما في قوله:

         إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

 

 ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ .

و قرأ  ابن عامر، بالرّفع، صفة «للاسم».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن عليّ بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر - عليه السّلام- في قول اللَّه: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ فقال: نحن جلال اللَّه، وكرامته الّتي أكرم [اللَّه- تعالى-]  العباد بطاعتنا [و محبّتنا] .