سورة الزمر

سورة الزمر مكيّة، إلّا ثلاث آيات، قوله: قُلْ يا عِبادِيَ (الآية) إلى آخره. فإنّها نزلت بالمدينة. 

و قيل : غير آية: يا عِبادِيَ (الآية).

و آياتها خمس وسبعون، أو ثنتان وسبعون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الزّمر، استخفها  من لسانه، أعطاه اللّه [من‏]  شرف الدّنيا والآخرة. وأعزّه بلا مال ولا عشيرة، حتّى يهابه من يراه. وحرّم جسده على النّار. وبنى  له في الجنّة ألف مدينة، في كلّ مدينة ألف قصر، في كلّ قصر مائة حوراء. وله مع هذا عينان تجريان  نضّاختان، وجنّتان  مدهامّتان، وحور مقصورات في الخيام، وذواتا أفنان، ومن كلّ فاكهة زوجان.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ

سورة الزّمر، لم يقطع اللّه رجاه. وأعطاه ثواب الخائفين الّذين خافوا اللّه- تعالى.

تَنْزِيلُ الْكِتابِ:

خبر محذوف، مثل: هذا. أو مبتدأ خبره: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .

و هو على الأوّل، صلة التّنزيل، [أو خبر ثان، أو حال عمل فيها معنى الإشارة أو التنزيل.]  والظّاهر أنّ «الكتاب» على الأوّل السّورة، وعلى الثّاني القرآن.

و قرئ : «تنزيل» بالنّصب، على إضمار فعل، نحو: اقرأ، أو: الزم.

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ: ملتبسا بالحقّ. أو: بسبب إثبات الحقّ وإظهاره وتفصيله.

فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ : ممحّصنا له الدّين من الشّرك والرّياء.

و قرئ  برفع «الدّين»، على الاستئناف، لتعليل الأمر.

و تقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللّام، كما صرّح به مؤكّدا. وإجراؤه مجرى المعلوم المقرّر، لكثرة حججه وظهور براهينه. فقال:

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، أي: ألا هو الّذي وجب اختصاصه بأنّ يخلص له الطّاعة. فإنّه المتفرّد بصفات الألوهيّة والاطّلاع على الأسرار والضّمائر.

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، أي: زعموا أنّ لهم من دون اللّه مالكا عليهم .

و هو مبتدأ خبره: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، بإضمار القول، أي: يقولون.

و الزّلفى: القربى. وهو اسم أقيم مقام المصدر.

و قرئ : «قالوا ما نعبدهم». و«ما نعبدكم إلّا لتقرّبونا»، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم. و«نعبدهم» بضمّ النّون، اتباعا.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه:

 ثمّ أقبل- صلّى اللّه عليه وآله- على مشركي العرب  فقال: وأنتم، فلم عبدتم الأصنام من دون اللّه؟ فقالوا: نتقرّب بذلك إلى اللّه- تعالى.

فقال لهم: أ وهي سامعة مطيعة لربّها عابدة له، حتّى تتقرّبوا بتعظيمها إلى اللّه- تعالى؟ قالوا: لا.

قال: فأنتم الّذين نحتّموها  بأيديكم؟ [قالوا: نعم.

قال:]  فلئن تعبدكم هي- لو كان يجوز منها العبادة- لأحرى من أن تعبدوها، إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم، والحكيم فيما يكلّفكم!

و في قرب الإسناد  للحميريّ، بإسناده إلى مسعدة بن زياد قال: وحدّثني جعفر، عن أبيه أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يأتي يوم القيامة بكلّ شي‏ء يعبد من دونه، من شمس أو قمر أو غير ذلك. ثمّ يسأل كلّ إنسان عمّا كان يعبد. فيقول كلّ من عبد غيره: ربّنا إنّا كنّا نعبدها لتقرّبنا إليك زلفى. قال: فيقول اللّه- تبارك وتعالى- للملائكة: اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النّار، ما خلا من استثنيت فإنّ  أولئك عنها مبعدون.

إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الدّين، بإدخال المحقّ الجنّة، والمبطل النّار.

و الضّمير للكفرة ومقابليهم.

و قيل : لهم ولمعبوديهم. فإنّهم يرجون شفاعتهم، وهم يلعنونهم .

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي: لا يوفّق للاهتداء إلى الحقّ مَنْ هُوَ كاذِبٌ على اللّه ورسوله، كَفَّارٌ  بما أنعم اللّه عليه. فإنّهما فاقدا البصيرة.

لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً، كما زعموا من أنّ الملائكة بنات اللّه، أو المسيح ابن اللّه، أو عزيز ابن اللّه.

لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ، أي: لاختار ممّا يخلق ما يشاء. أي: ما كان‏يتّخذ الولد باختيارهم حتّى يضيفوا إليه من شاءوا، بل كان يخصّ من خلقه ما يشاء كذلك لأنّه غير ممنوع من مراده.

ثمّ أخبر أنّه منزّه عن اتّخاذ الأولاد بقوله:

سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ .

فإنّ الألوهيّة الحقيقيّة تتبع الوجوب المستلزم للوحدة الذّاتيّة، وهي تنافي المماثلة، فضلا عن التّوالد. لأنّ كلّ واحد من المثلين مركّب من الحقيقة المشتركة والتّعيّن المخصوص، والقهّاريّة المطلقة تنافي قبول الزّوال المحوج إلى الولد.

ثمّ استدلّ على ذلك بقوله:

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ: يغشي كلّ واحد منهما الآخر، كأنّه يلفّه عليه لفّ اللّباس باللّابس. أو:

يغيّبه به، كما يغيّب الملفوف باللّفافة. أو: يجعله كارّا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار.

العمامة.

و في كتاب الخصال

 أنّ أعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول إنّ اللّه واحد؟ [قال:]  فحمل النّاس عليه وقالوا:

يا أعرابيّ! أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب!؟ فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: دعوه. فإنّ الّذي يريد الأعرابيّ، هو الّذي نريده من القوم. ثمّ قال:

يا أعرابيّ، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام. فوجهان منها لا يجوزان على اللّه- تعالى. ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه، فقول القائل واحد، يقصد به باب الأعداد. فهذا ما لا يجوز. لأنّ مالا ثاني له، لا يدخل في باب الأعداد. ألا ترى أنّه كفر من قال: إنّه ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من النّاس- يريد به النّوع من الجنس- فهذا ما لا يجوز.

لأنّه تشبيه. وجلّ ربّنا عن ذلك.

و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه، [فقول القائل:]  هو واحد ليس له في الأشياء شبيه . كذلك ربّنا. وقول القائل: إنّه- عزّ وجلّ- أحديّ المعنى. يعني به: أنّه لاينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم. كذلك ربّنا- عزّ وجلّ.

وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هو منتهى دوره، أو منقطع حركته.

أَلا هُوَ الْعَزِيزُ: القادر على كلّ ممكن الغالب على كلّ شي‏ء.

الْغَفَّارُ ، حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصّنائع من الرّحمة وعموم المنفعة.

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها: نوع .

استدلال آخر بما أوجده في العالم السّفليّ، مبدوءا به من خلق الإنسان، لأنّه أقرب وأكثر دلالة وأعجب. وفيه على ما ذكره ثلاث دلالات: خلق آدم- عليه السّلام- أوّلا، من غير أب وأمّ. ثمّ خلق حوّاء من فضل طينته. ثمّ تشعيب الخلق الغائب للحصر منهما.

و «ثمّ» للعطف على محذوف، وهو صفة «نفس» مثل «خلقها». أو على معنى «واحدة»، أي: من نفس وحدت، ثمّ جعل منها زوجها، فشفعها بها. أو على «خلقكم»، لتفاوت ما بين الآيتين. فانّ الأولى عادة مستمرّة دون الثّانية.

و في مجمع البيان  عند قوله: ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها: وفي خلق الوالدين قبل الولد ثلاثة أقوال- إلى قوله:- وثالثها

أنّه خلق الذّرّيّة في ظهر آدم، وأخرجها من ظهره كالذّرّ. ثمّ خلق من بعد ذلك حوّاء من ضلع من أضلاعه، على ما ورد في الأخبار.

و هذا ضعيف.

وَ أَنْزَلَ لَكُمْ: وقضى أو قسّم لكم. فإنّ قضاياه وقسمه توصف بالنّزول من السّماء حيث كتبت في اللّوح. أو: أحدث لكم بأسباب نازلة منها، كأشعّة الكواكب والأمطار.

مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: ذكرا وأثنى، من البقر والإبل والضّأن والمعز.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه: وقال: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ. فإنزاله ذلك خلقه إيّاه.يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ:

بيان لكيفيّة خلق ما ذكر من الأناسي والأنعام، إظهارا لما فيها من عجائب القدرة.

غير أنّه غلّب أولي العقل أو خصّهم بالخطاب، لأنّهم المقصودون.

خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ: حيوانا سويّا، من بعد عظام مكسوّة لحما، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف.

فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ:

في مجمع البيان : فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ: ظلمة  البطن، وظلمة الرّحم، وظلمة المشيمة. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام.

و في كتاب مصباح الزّائر  لابن طاوس في دعاء الحسين- عليه السّلام- يوم عرفة: وابتدعت خلقي من منّي يمنى. ثمّ أسكنتني في ظلمات ثلاث، بين لحم وجلد ودم.

لم تشهر بخلقي، ولم تجعل إليّ شيئا من أمري. ثمّ أخرجتني إلى الدّنيا سويّا.

و في كتاب التّوحيد  للمفضّل بن عمر المنقول عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرّدة على الدّهريّة، قال- عليه السّلام-: سنبتدئ - يا مفضّل- بذكر خلق الإنسان. فاعتبر به. فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرّحم- وهو محجوب في ظلمات ثلاث: ظلمة  البطن، وظلمة الرّحم، وظلمة المشيمة- حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء، ولا دفع  أذى، ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرّة. فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه، كما يغذوا الماء النّبات . فلا يزال ذلك غذاء، حتّى إذا كمل خلقه، واستحكم بدنه، وقوي أديمه  على مباشرة الهواء، وبصره على ملاقاة الضّياء، هاج الطّلق بأمّه. فأزعجه أشدّ إزعاج ذا عنفة حتّى يولد.

و في نهج البلاغة : أم هذا الّذي أنشاه في ظلمات الأرحام وشغف  الأستار، نطفة دهاقا، وعلقة محاقا، وجنينا، وراضعا، ووليدا، ويافعا .و في تهذيب الأحكام : محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن موسى الورّاق، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي جرير القمّي قال: سألت العبد الصّالح- عليه السّلام- عن النّطفة ما فيها من الدّية، وما في العلقة، وما في المضغة المخلّقة وما يقرّ في الأرحام.

قال: إنّه يخلق في بطن أمّه خلقا من بعد خلق. يكون نطفة أربعين يوما. ثمّ يكون علقة أربعين يوما. ثمّ مضغة أربعين يوما. ففي النّطفة أربعون  دينارا. وفي العلقة ستّون دينارا. وفي المضغة ثمانون دينارا. فإذا اكتسى العظام لحما، ففيه مائة دينار. قال اللّه - عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. فإن كان ذكرا، ففيه الدّية. وإن كان أثنى، ففيها الدّية.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن السّنديّ، عن محمّد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه قال: كنت عند أبي الحسن - عليه السّلام- كنت عند حيث دخل عليه داود الرّقّيّ فقال له: جعلت فداك إنّ النّاس يقولون: إذا مضى للحمل ستّة أشهر، فقد فرغ اللّه من خلقته. فقال أبو الحسن- عليه السّلام- يا داود، ادع، ولو بشقّ الصّفا. فقلت: جعلت فداك، وأيّ شي‏ء الصّفا؟ قال: ما يخرج مع الولد. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يفعل ما يشاء.

ذلِكُمُ: الّذي هذه أفعاله اللَّهُ رَبُّكُمْ: هو المستحقّ لعبادتكم والمالك لكم.

لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، إذ لا يشاركه في الخلق غيره.

فَأَنَّى تُصْرَفُونَ : يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك.

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ: عن إيمانكم.وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ، لاستضرارهم به، رحمة عليهم.

و في كتاب التّوحد ، بإسناده إلى فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: شاء وأراد. ولم يحبّ يرض. شاء ألّا يكون شي‏ء إلّا بعلمه.

و أراد مثل ذلك. ولم يحبّ أن يقال له: ثالث ثلاثة. ولم يرض لعباده الكفر.

وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ. ويرده منكم، ويثبكم .

و الهاء في «يرضه» كناية عن المصدر الّذي دلّ عليه «و إن تشكروا». والتّقدير:

يرض الشّكر لكم.

و قرأ  ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائيّ، بإشباع ضمّة الهاء. لأنّها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرّك.

و عن أبي عمرو ويعقوب  إسكانها. وهو لغة فيها.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن بعض أصحابه، رفعه في قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ فقال: الكفر هاهنا الخلاف. والشّكر الولاية والمعرفة.

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمحاسبة والمجازاة.

إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ . فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم.

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ، لزوال ما ينازع العقل في الدّلالة على أنّ مبدأ الكلّ منه.

ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ: أعطاه. من الخول، وهو: التّعهّد. أو الخول، وهو: الافتخار.

نِعْمَةً مِنْهُ: من اللّه.

نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ، أي: نسي الضّرّ الّذي كان يدعو اللّه إلى كشفه، أو ربّه الّذي كان يتضرّع إليه مِنْ قَبْلُ: من قبل النّعمة.

وَ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، أي: ليضلّ النّاس عن سبيل اللّه ودينه.و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء.

قيل : والضّلال والإضلال لمّا كانا نتيجة جعله، صحّ تعليله بهما، وإن لم يكونا غرضين.

قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا:

أمر تهديد، فيه إشعار بأنّ الكفر نوع تشهّ لا سند له. وإقناط للكافرين من التّمتّع في الآخرة.

و لذلك علّله بقوله: إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، على سبيل الاستئناف للمبالغة.

و في شرح الآيات الباهرة»: روى محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه- عن رجاله، عن عمّار السّاباطيّ، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ (الآية).

قال: نزلت في أبي الفضيل. وذلك أنّه كان عنده أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ساحر. فإذا مسه الضر، يعني: السّقم، دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ، يعني: تائبا إليه من قوله في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. [ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ، يعني: العافية، نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، يعني: التوبة ممّا كان يقول في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  بأنّه ساحر. ولذلك قال اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، يعني: بإمرتك على النّاس بغير حقّ من اللّه ومن رسول اللّه.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ: قائم بوظائف الطّاعات آناءَ اللَّيْلِ: ساعاته.

و «أم» متّصلة بمحذوف. تقديره: الكافر خير أم من هو قانت. أو منقطعة، والمعنى:

بل أمّن هو قانت كمن هو بضدّه.

و قرأ  الحجاريّان وحمزة بتخفيف الميم، بمعنى: أمّن هو قانت للّه، كمن جعل له أندادا.

ساجِداً وَقائِماً:حالان من ضمير «قانت».

و قرئا  بالرّفع، على الخبر بعد الخبر، والواو للجمع بين الصّفتين.

يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ في موضع الحال، أو الاستئناف، للتّعليل.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:

نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العلميّة، بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة، على وجه أبلغ، لمزيد فضل العلم.

و قيل : تقرير للأوّل، على سبيل التّشبيه، أي: كما لا يستوي العالمون والجاهلون، لا يستوي القانتون والعاصون.

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. قال: يعني صلاة اللّيل.

و في الكافي  مثله، سندا ومتنا.

 

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي: وروي عن الحسن  العسكريّ- عليه السّلام- أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- أنّ رجلا من فقهاء الشّيعة كلّم بعض النّصّاب فأفحمه  بحجّته  حتّى أبان عن فضيحته. فدخل على عليّ بن محمّد- عليهما السّلام- وفي صدر مجلسه دست  عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدّست، وبحضرته خلق من العلويّين وبني هاشم. فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدّست، وأقبل عليه.

فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف. فأمّا العلويّون، فأجلّوه عن العتاب. وأمّا لها شميّون، فقال له  شيخهم: يا ابن رسول اللّه، هكذا تؤثر عامّيّا على سادات بني هاشم من الطّالبين والعباسيّين!؟فقال- عليه السّلام-: إيّاكم وأن تكونوا من الّذين قال اللّه - تعالى- فيهم:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ! أ ترضون بكتاب اللّه- عزّ وجلّ- حكما؟ قالوا: بلى.

قال: أو ليس قال اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ!؟ فكيف تنكرون رفعي لهذا، لمّا رفعه اللّه!؟ إنّ كسر هذا لفلان النّاصب بحجج اللّه الّتي علّمه إيّاها، لأفضل له من كلّ شرف في النّسب.

و في هذا الحديث شي‏ء حذفناه، وهو مذكور عند قوله - تعالى-: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ.

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ  بأمثال هذه البيّنات.

و قرئ : «يذّكّر» بالإدغام.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار السّاباطيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ.

قال: نزلت في أبي الفصيل  أنّه كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عنده ساحرا. فكان إذا مسه الضر، يعني: السّقم، دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ، يعني: تائبا اليه من قوله في رسول اللّه ما يقول. ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ، يعني: العافية، نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، يعني: نسي التّوبة إلى اللّه- عزّ وجلّ- ممّا كان يقول في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه ساحر. ولذلك قال اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، يعني: إمرتك على النّاس بغير حقّ من اللّه- عزّ وجلّ- ومن رسوله- صلّى اللّه عليه وآله.

قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ثمّ عطف القول من اللّه- عزّ وجلّ- في عليّ- عليه السّلام- يخبر بحاله وفضله عند اللّه- تبارك وتعالى- فقال: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ‏

 

أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أنّ محمّدا رسول اللّه وأنّه ساحر كذّاب. إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: هذا تأويله يا عمّار.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكرنا اللّه- عزّ وجلّ- وشيعتنا وعدوّنا في آية من كتابه، فقال- عزّ وجلّ-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. فنحن الّذين يعلمون. وعدوّنا الّذين لا يعلمون. وشيعتنا أولوا الألباب.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : بعض أصحابنا، عن هشام بن الحكم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: قال الحسن بن عليّ- عليه السّلام- إذا طلبتم الحوائج، فاطلبوها من أهلها.

قيل: يا ابن رسول اللّه ومن أهلها؟ قال: الّذين قصّ اللّه في كتابه وذكرهم فقال:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. قال: هم أولو العقول.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاريّ، عن سعة، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ قال [أبو جعفر: إنّما]  نحن الّذين يعلمون. والّذين لا يعلمون عدوّنا. وشيعتنا أولو الألباب.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. قال: نحن الّذين يعلمون. وعدوّنا الّذين لا يعلمون. وشيعتنا أولو الألباب.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه قال: قال رسول اللّه‏

 - صلّى اللّه عليه وآله-: ما قسم اللّه لعباده شيئا أفضل من العقل. فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. وإفطار العاقل أفضل من صوم  الجاهل. وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل. ولا بعث اللّه [رسولا ولا]  نبيّا حتّى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمّته. وما يضمر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في نفسه أفضل من اجتهاد جميع المجتهدين. وما أدّى العاقل  فرائض اللّه، حتّى عقل منه. ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل. إنّ العقلاء  هم أولو الألباب الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

عنه ، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا ومعلّى بن خنيس علي أبي عبد اللّه- عليه السّلام. فأذن لنا وليس هو في مجلسه. فخرج علينا من جانب [البيت‏]  من عند نسائه، وليس عليه جلباب. فلمّا نظر إلينا، رحّب وقال: مرحبا بكما وأهلا. ثمّ جلس وقال: أنتم أولو الألباب في كتاب اللّه. قال اللّه- تبارك وتعالى-: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. فأبشروا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، [عن النّضر بن سويد] ، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. قال: نحن الّذين نعلم»

. وعدوّنا الّذين لا يعلمون.

و أولو الألباب شيعتنا.

محمّد بن الحسين ، عن أبي داود المسترق، عن محمّد بن مروان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. [قال: نحن الّذين نعلم. وعدوّنا الّذين لا يعلمون. وشيعتنا  أولو الألباب.]

 قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ بلزوم طاعته.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ، أي: للّذين أحسنوا بالطّاعات في الدّنيا، مثوبة حسنة في الآخرة.

و قيل : معناه: للّذين أحسنوا، حسنة في الدّنيا، هي الصّحة والعافية. وفِي هذِهِ الدُّنْيا بيان لمكان الحسنة.

وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ. فمن تعسّر عليه التّوفّر على الإحسان في وطنه، فليهاجر إلى حيث يتمكّن منه.

إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ على مشاقّ الطّاعة من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها، أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ : أجرا لا يهتدي إليه حساب الحسّاب.

و في تفسير البيضاويّ : وفي الحديث أنّه تنصب  الموازين يوم القيامة لأهل الصّلاة والصّدقة والحجّ فيوفّون بها أجورهم. ولا تنصب  لأهل البلاء، بل يصبّ عليهم الأجر صبّا. حتّى يتمنّى أهل العافية في الدّنيا أنّ أجسادهم تقرض بالمقاريض ممّا يذهب به أهل البلاء من الفضل.

و في أمالي شيخ الطّائفة - رحمه اللّه- بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه: اعلموا- يا عباد اللّه- أنّ المؤمن من يعمل لثلاث من الثّواب.

أمّا لخير، فإنّ اللّه يثيبه بعمله في دنياه- إلى قوله:- وقد اللّه- تعالى-: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ. فمن أعطاهم اللّه في الدّنيا، لم يحاسبهم به في الآخرة.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشيّ بالإسناد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا نشرت الدّواوين، ونصبت الموازيين، لم ينصب لأهل البلاء ميزان. ولم ينشر لهم ديوان. ثمّ تلا هذه الآية إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن‏

 شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، يقوم عنق من النّاس، فيأتون باب الجنّة فيضربونه. فيقال لهم:

من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصّبر. فيقال لهم: على ما صبرتم؟ فيقولون: كنّا نصبر على طاعة اللّه، ونصبر عن معاصي اللّه. فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: صدقوا. أدخلوهم الجنّة.

و هو قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ : موحّدا له.

وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ : وأمرت بذلك، لأجل أن أكون مقدّمهم في الدّنيا والآخرة. لأنّ قصب السّبق في الدّين بالإخلاص. أو لأنّه أوّل من أسلم وجهه للّه من قريش ومن دان بدينهم.

و العطف لمغايرة الثّاني الأوّل بتقييده بالعلّة والإشعار بأنّ العبادة المقرونة بالإخلاص، وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها، فهي أيضا تقتضيه لما يلزمها من السّبقة في الدّين.

و يجوز أن تجعل اللّام مزيدة- كما في: أردت لأن أفعل- فيكون أمرا بالتّقدّم في الإخلاص والبدء بنفسه في الدّعاء إليه، بعد الأمر به.

قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشّرك والرّياء، عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، لعظمة ما فيه.

قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي :

أمر بالإخبار عن إخلاصه  وأن يكون مخلصا له دينه، بعد الأمر بالإخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص، خائفا عن  المخالفة من العقاب، قطعا لأطماعهم.

و لذلك رتّب عليه قوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ، تهديدا وخذلانا لهم.

قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ: الكاملين في الخسران الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالضّلال وَأَهْلِيهِمْ بالإضلال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر في‏قوله- تعالى-: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ [يقول: غبنوا أنفسهم وأهليهم.]

 

يَوْمَ الْقِيامَةِ، حين يدخلون النّار بدل الجنّة، لأنّهم جمعوا وجوه الخسران.

و قيل : وخسروا أهليهم، لأنّهم إن كانوا من أهل النّار، فقد خسروهم، كما خسروا أنفسهم. وأن كانوا من أهل الجنّة، فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده.

أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ :

مبالغة في خسرانهم، لما فيه من الاستئناف والتّصدير ب «ألا» وتوسيط الفعل وتعريف «الخسران» ووصفه ب «المبين».

لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ:

شرح لخسرانهم.

وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ: أطباق من النّار، وهي ظلل لآخرين.

ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ: ذلك العذاب هو الّذي يخوّفهم به، ليتجنّبوا ما يوقعهم فيه.

يا عِبادِ فَاتَّقُونِ ، ولا تتعرّضوا لما يوجب سخطي.

وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ: البالغ غاية الطّغيان. فعلوت منه، بتقديم اللّام على العين. بني للمبالغة في المصدر- كالرّحموت- ثمّ وصف به للمبالغة في النّعت.

و لذلك اختصّ بالشّيطان ونظرائه.

أَنْ يَعْبُدُوها:

بدل اشتمال منه.

وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ: وأقبلوا إليه بشراشرهم، عمّا سواه.

لَهُمُ الْبُشْرى بالثّواب، على ألسنة الرّسل أو الملائكة، عن حضور الموت.

و في مجمع البيان : وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى. و

روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: أنتم هم. ومن أطاع جبّارا، فقد عبده.و في شرح الآيات الباهرة : روي بحذف الإسناد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه، عن أبي جعفر- عليهما السّلام- أنّه قال: أنتم الّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها. ومن أطاع جبّارا، فقد عبده.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن  أبي نصر، عن حمّاد بن  عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن ذكر فضل الإمام [و المعترفين به: ثمّ نسبهم‏]  فقال : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، يعني: بالإمام وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. يعني  الّذين اجتنبوا [الجبت و]  الطّاغوت أن يعبدوها. والجبت والطّاغوت فلان وفلان. والعبادة طاعة النّاس لهم. ثمّ قال :

أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ. ثمّ جزاهم فقال :هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ

. والإمام يبشّرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم، وبالنّجاة في الآخرة والورود على محمّد وآله- عليهم السّلام- الصّادقين على الحوض .فَبَشِّرْ عِبادِ  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ:

وضع الظّاهر موضع ضمير الَّذِينَ اجْتَنَبُوا، للدّلالة على مبدأ اجتنابهم، وأنّهم نقّاد في الدّين يميّزون بين الحقّ والباطل، ويؤثرون الأفضل فالأفضل.

أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ لدينه.

وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ : العقول السّليمة عن منازعة الوهم والعادة.

و في أصول الكافي : [أبو عبد اللّه الأعشري، عن‏]  بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه- جلّ ثناؤه-: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. قال: هو الرّجل يسمع الحديث، فيحدّث به كما سمعه. لا يزيد فيه، ولا ينقص منه.

أحمد بن مهران - رحمه اللّه- عن عبد العظيم الحسنيّ، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن الحكم بن أيمن، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (إلى آخر الآية). قال: هم المسلّمون لآل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- الّذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه، ولم ينقصوا منه. جاؤوا به كما سمعوه.

أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ :

جملة شرطيّة معطوفة على محذوف دلّ عليه الكلام. تقديره: أ أنت مالك أمرهم، فمن‏حقّ عليه العذاب، أ فأنت تنقذه!؟ فكرّرت الهمزة في الجزاء، لتأكيد الإنكار والاستبعاد.

و وضع مَنْ فِي النَّارِ موضع الضّمير، لذلك وللدّلالة على أنّ من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه، لامتناع الخلف فيه، وأنّ اجتهاد الرّسول في دعائهم إلى الإيمان، سعي في إنقاذهم من النّار. ويجوز أن يكون أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ جملة مستأنفة للدّلالة على ذلك، والإشعار بالجزاء المحذوف.

لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ: علاليّ  بعضها فوق بعض مَبْنِيَّةٌ: بنيّت بناء المنازل على الأرض.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، أي: من تحت تلك الغرف.

وَعْدَ اللَّهِ:

مصدر مؤكّد. لأنّ قوله: لَهُمْ غُرَفٌ في معنى الوعد.

لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ :

لأنّ الخلف نقص وهو على اللّه محال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم»

- رحمه اللّه-: قوله-: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ- إلى قوله:- الْمِيعادَ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سأل عليّ- عليه السّلام- رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن تفسير هذه الآية فقال : بماذا بنيت هذه الغرف يا رسول اللّه؟

فقال: يا عليّ، تلك غرف بناها اللّه لأوليائه بالدّرّ والياقوت والزّبرجد. سقوفها الذّهب، محبوكة بالفضّة. لكلّ غرفة منها ألف باب من ذهب. على كلّ باب منها ملك موكّل به. وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض، من الحرير والدّيباج بألوان مختلفة.

وحوشها المسك والعنبر والكافور. وذلك قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ.

فإذا دخل المؤمن إلى منازله في الجنّة، وضع على رأسه تاج الملك والكرامة.

و ألبس حلل الذّهب والفضّة والياقوت والدّر منظوما في الإكليل تحت التّاج. وألبس‏سبعين حلّة بألوان مختلفة منسوجة بالذّهب [و الفضّة]  واللّؤلؤ والياقوت الأحمر. وذلك قوله : يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.

فإذا جلس المؤمن على سريره، اهتزّ سريره فرحا. فإذا استقرت بوليّ اللّه منازله في الجنّة، استأذن عليه الملك الموكّل بجنانه، ليهنّئه بكرامة اللّه إيّاه. فيقول له خدّام المؤمن ووصفاؤه: مكانك! فإنّ وليّ اللّه قد اتّكى على أريكته ، وزوجته الحوراء العيناء قد تهيّأت إليه . فاصبر لوليّ اللّه، حتّى يفرغ من شغله.

قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها، تمشي مقبلة، وحولها وصفاؤها .

و عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت واللّؤلؤ [و الزبرجد]  قد صبغن بمسك وعنبر. وعلى رأسها تاج الكرامة. وفي رجليها نعلان من ذهب مكلّلان بالياقوت واللّؤلؤ، شراكهما ياقوت أحمر. فإذا دنت من وليّ اللّه، وهمّ أن يقوم إليها شوقا، تقول له: يا وليّ اللّه، ليس هذا يوم تعب ولا نصب، فلا تقم. أنا لك، وأنت لي. فيعتنقان قدر خمسمائة عام من أعوام الدّنيا، لا يملّها ولا تملّه.

قال: فينظر إلى عنقها، فإذا عليها قلادة من قصب ياقوت أحمر، وسطها لوح مكتوب: أنت- يا وليّ اللّه- حبيبي. وأنا الحوراء حبيبتك. إليك تتأهّب  نفسي، وإليّ تتأهّب  نفسك.

ثمّ يبعث اللّه ألف ملك يهنّئونه بالجنّة، ويزوّجونه الحوراء. قال: فينتهون إلى أوّل باب  من جنانه. فيقولون للملك الموكّل بأبواب الجنان: استأذن لنا على وليّ اللّه. فإنّ اللّه بعثنا مهنّئين له . فيقول الملك: حتّى أقول للحاجب. فيعلمه مكانكم.

قال: فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان، حتّى ينتهي إلى أوّل باب، فيقول للحاجب: إنّ على باب العرصة  ألف ملك، أرسلهم ربّ العالمين.

جاؤوا يهنّئون وليّ اللّه. وقد سألوا أن يستأذن  لهم عليه. فيقول الحاجب: إنّه ليعظم عليّ‏أن أستأذن لأحد على ولي اللّه، وهو مع زوجته.

قال: وبين الحاجب وبين وليّ اللّه جنّتان. فيدخل الحاجب على القيّم فيقول له:

إنّ على باب العرصة  ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين يهنّئون وليّ اللّه [فاستأذن لهم.

فيقوم القيّم إلى الخدّام فيقول لهم: إنّ رسل الجبّار على باب العرصة، وهم ألف ملك أرسلهم يهنّئون وليّ اللّه. فأعلمهم كأنهم. قال: فيعلمونه الخدّام‏]  مكانهم.

قال: فيؤذن لهم، فيدخلون على وليّ اللّه، وهو في الغرفة، ولها ألف باب. [و على كلّ (باب)  من أبوابها ملك موكّل به. فإذا أذن للملائكة بالدّخول على وليّ اللّه، فتح كلّ ملك بابه الّذي قد وكّل به. فيدخل كلّ ملك من باب‏] من أبواب الغرفة، فيبلّغونه رسالة الجبّار. وذلك قول اللّه : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، يعني من أبواب الغرفة سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. وذلك قوله : وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً، يعني بذلك وليّ اللّه، وما هو فيه من الكرامة والنّعيم والملك العظيم، وأنّ الملائكة من رسل الجبّار ليستأذنون عليه، فلا يدخلون عليه إلّا بإذنه. فذلك الملك العظيم.

و في روضة الكافي  مثله، سندا ومتنا، إلّا أنّ في الرّوضة بعد قوله: «و لا تملّه»:

فإذا فتر بعض الفتور  من غير ملالة، نظر إلى عنقها (إلى آخره).

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي السّلام العبديّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت له: ما تقول في رجل يؤخّر [صلاة]  العصر متعمّدا؟ قال:

يأتي يوم القيامة موتورا أهله وماله.

قال: قلت: جعلت فداك، وإن كان من أهل الجنّة؟ قال: وإن كان من أهل الجنّة؟ قال: وإن كان من أهل الجنّة.

قال: قلت: فما منزلته في الجنّة؟ قال: موتورا أهله وماله. بتضيّف  أهلها. ليس له فيها منزل.

و بإسناده  إلى أبي بصير قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام- : إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: الموتور أهله وماله، من ضيّع صلاة العصر.

قلت: وما الموتور أهله وماله؟ قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنّة.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً:

هو المطر.

فَسَلَكَهُ: فأدخله يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ:

هي عيون أو مجاري كائنة فيها أو مياه  نابعات فيها. إذ الينبوع جاء للمنبع وللنّابع.

فنصبها  على المصدر أو الحال.

ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ: أصنافه من برّ وشعير وغيرهما. أو:

كيفيّاته، من حمرة وخضرة وغيرهما.

ثُمَّ يَهِيجُ: يتمّ جفافه. لأنّه إذا تمّ جفافه، حال له أن يثور عن منبته.

فَتَراهُ مُصْفَرًّا من يبسه.

ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً: فتانا.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى: لتذكرة بأنّه لا بدّ من حكيم دبّره وسوّاه. أو بأنّه مثل الحياة الدّنيا، فلا تغترّ بها.

لِأُولِي الْأَلْبابِ ، إذ لا يتذكّر به غيرهم.

أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، حتّى تمكّن فيه بيسر.

عبّر به عمّن خلق نفسه  شديدة الاستعداد لقبوله، غير متأبّية عنه. من حيث إنّ الصدر محلّ للقلب المنبع للرّوح المتعلّق بالنّفس القابلة للإسلام.

فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، يعني: المعرفة والاهتداء إلى الحقّ.

و خبر «من» محذوف، دلّ عليه ما بعده. أي: كمن لم يشرح صدره وقسا قلبه؟

و في تفسير علي بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-:أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ. قال: نزلت في أمير المؤمنين- عليه السّلام.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الواحديّ في أسباب النّزول  قال: قال عطا في تفسيره: إنّها نزلت في عليّ وحمزة.

و في روضة الواعظين : وروي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قرأ: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فقال: إنّ النّور إذا وقع في القلب، انفتح  له وانشرح.

قالوا: يا رسول اللّه فهل لذلك علامة يعرف بها؟ قال: التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله.

فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ:

من أجل ذكر اللّه.

و هو أبلغ من أن يكون «عن» مكان «من». لأنّ القاسي من أجل الشّي‏ء أشد تأبّيا من قبوله، من القاسي عنه بسبب آخر.

و للمبالغة في وصف أولئك بالقبول، وهؤلاء بالامتناع، ذكر شرح الصّدر، وأسنده إلى اللّه- تعالى- وقابله بقساوة القلب، وأسنده إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: قال الصّادق- عليه السّلام-: والقسوة والرّقّة من القلب. وهو قوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ  يظهر للنّاظر بأدنى نظر.

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ:

يعني: القرآن. سمّاه اللّه  حديثا، لأنّه كلام اللّه. والكلام سمّي حديثا، كما سمّى كلام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديثا. أو لأنّه حديث التّنزيل، بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء. وهو أحسن الحديث، لفرط فصاحته وإعجازه، واشتماله على‏جميع ما يحتاج إليه المكلّف.

و بناء «نزّل» عليه تأكيد للإسناد إليه، وتفخيم للمنزل، واستشهاد على حسنه.

كِتاباً مُتَشابِهاً:

بدل من «أحسن»، أو حال منه. وتشابهه تشابه أبعاضه في الإعجاز، وتجاوب النّظم وصحّة المعنى، والدّلالة على المنافع العامّة.

و قيل : معناه يشبه كتب اللّه المتقدّمة، وإن كان أعمّ وأنفع وأجمع.

مَثانِيَ: جمع مثنّى أو مثنى على ما مرّ في الحجر. سمّي به، لأنّه يثنّى فيه القصص والأخبار والأحكام والمواعظ بتصريفها في ضروب البيان، ويثنّى أيضا في التّلاوة، فلا يملّ لحسن مسموعه.

و قيل : وصف به كتابا، باعتبار تفاصيله، كقولك: القرآن سور وآيات، والإنسان عظام وعروق وأعصاب. أو جعل تمييزا من «متشابها»، كقولك: رأيت رجلا حسنا شمائله.

تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ: تشمئزّ خوفا ممّا فيه من الوعيد.

و هو مثل في شدّة الخوف.

و اقشعرار الجلد: تقبّضه. وتركيبه من حروف القشع- وهو الأديم اليابس- بزيادة الرّاء، ليصير رباعيّا، كتركيب اقمطرّ من القمط، وهو الشّدّ.

و في مجمع البيان : تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (الآية).

روي عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية اللّه، تحاتت  عنه الذّنوب، كما يتحاتّ عن الشّجرة اليابسة ورقها.

ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ بالرّحمة وعموم المغفرة. والإطلاق للإشعار بأنّ أصل أمره الرّحمة، وأنّ رحمته سبقت غضبه.

و التّعدية ب «إلى» لتضمين معنى السّكون والاطمئنان. وذكر القلوب، لتقدّم الخشية الّتي هي من عوارضها.

ذلِكَ، أي: الكتاب. [أو: الكائن من الخشية أو الرحمة.]  هُدَى اللَّهِ يَهْدِي‏بِهِ مَنْ يَشاءُ هدايته.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ: ومن يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ  يخرجهم من الضّلال.

أَ فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ: يجعله درقة يقي به نفسه- لأنّه يكون مغلولة يداه إلى عنقه، فلا يقدر أن يتّقي إلّا بوجهه- سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، كمن هو آمن منه؟

فحذف الخبر، كما حذف في نظائره.

وَ قِيلَ لِلظَّالِمِينَ، أي: لهم. فوضع الظّاهر موضعه، تسجيلا عليهم بالظّلم، وإشعارا بالموجب لما يقال لهم، وهو: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ، أي: وباله.

و الواو للحال. وقد مقدّرة.

كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ :

من الجهة الّتي لا يخطر ببالهم أنّ الشّرّ يأتيهم منها.

فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ: الذّلّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، كالمسخ والخسف والقتل والسّبي والإجلاء.

وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ المُعدّ لهم أَكْبَرُ، لشدّته ودوامه.

لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ : [لو كانوا]  من أهل العلم والنّظر، لعلموا ذلك، واعتبروا به.

وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج إليه النّاظر في أمر دينه.

لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ : يتّعظون به.

قُرْآناً عَرَبِيًّا:

حال من «هذا». والاعتماد فيها على الصّفة، كقولك: جاءني زيد رجلا صالحا.

أو مدح له.

غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: لا اختلال فيه بوجه ما. فهو أبلغ من المستقيم، وأخصّ بالمعاني.

و قيل : بالشّكّ، استشهادا بقوله:

         وقد أتاك يقين غير ذي عوج             من الإله وقل غير مكذوب‏

 و هو تخصيص له ببعض مدلوله.

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ :

علّة أخرى مرتّبة على الأولى.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمشرك والموحّد رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورجلا سالما لرجل:

مثل المشرك- على ما يقتضيه مذهبه من أن يدّعي كلّ واحد من معبوديه عبوديّته، ويتنازعون فيه- بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامّهم المختلفة، في تحيّره وتوزّع قلبه. والموحّد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل.

و «رجلا» بدل من «مثلا». و«فيه» صلة «شركاء».

و التّشاكس والتّشاخس: الاختلاف.

و قرأ  نافع وابن عامر والكوفيّون: «سلما» بفتحتين. وقرئ بفتح السّين وكسرها، مع سكون العين. وثلاثتها مصادر سلم، نعت بها، أو حذف منها ذا.

و رجل سالم، أي: وهناك رجل سالم. وتخصيص الرّجل، لأنّه أفطن للضّرّ والنّفع.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء. احذروا أن تغلبوا عليها، فتضلّوا في دينكم. أنا السّلم لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. يقول اللّه- عزّ وجلّ-: «و رجلا سلما لرجل».

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وروى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ بالإسناد، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: أنا ذلك الرّجل السّلم لرسول اللّه.

و روى العيّاشي ، بإسناده عن أبي خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الرّجل السّلم للرّجل حقّا، عليّ وشيعته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه- في قوله- عزّ وجلّ-: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ: فإنّه مثل ضربه اللّه- عزّ وجلّ- لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وشركاؤه الّذين ظلموه وغصبوا حقّه. وقوله- تعالى-: مُتَشاكِسُونَ،أي: متباغضون. وقوله- عزّ وجلّ-: «رجلا سلما لرجل» أمير المؤمنين- عليه السّلام- سلم لرسول اللّه.

هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا: صفة وحالا. ونصبه على التّمييز. ولذلك وحّده.

و قرئ : «مثلين»، للإشعار باختلاف النّوع. أو لأنّ المراد: هل يستويان في الوصفين. على أنّ الضّمير للمثلين. فإنّ التّقدير: مثل رجل، ومثل رجل.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا.

قال: أمّا الّذي فيه شركاء متشاكسون فلان الأوّل  الّذي  يجمع المتفرّقون ولايته، وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض. وأمّا رجل سلم لرجل، فإنّه الأوّل  حقّا وشيعته.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

الْحَمْدُ لِلَّهِ: كلّ الحمد له، لا يشاركه فيه على الحقيقة سواه. لأنّه المنعم بالذّات، والمالك على الإطلاق.

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، فيشركون به غيره، من فرط جهلهم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن عمرو بن محمّد بن  تركيّ، عن محمّد بن الفضل ، عن محمّد بن شعيب، عن قيس  بن الرّبيع، عن منذر الثّوريّ، عن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه في قول اللّه- عزّ وجلّ-: «و رجلا سلما لرجل»: أنا ذلك الرّجل السّالم لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي بكير ، عن حمران، قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏

 في قول اللّه- عزّ وجلّ-: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورجلا سلما»:

هو عليّ- عليه السّلام. «لرجل» هو النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. وشُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ، أي: مختلفون. وأصحاب عليّ- عليه السّلام- مجتمعون على ولايته.

و قال أيضا : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن سلام ، عن أحمد بن عبد اللّه بن عيسى بن مصقلة القمّيّ، عن بكر بن الفضيل ، عن أبي خالد الكابليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

 «و رجلا سلما لرجل». قال: الرّجل السّالم لرجل عليّ- عليه السّلام- [و شيعته‏] .

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ، فإنّ الكلّ بصدد الموت وفي عداد الموتى.

و قرئ : «مائت ومائتون»، لأنّه ممّا سيحدث.

ثُمَّ إِنَّكُمْ- على تغليب المخاطب على الغيب- يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ . فتحتجّ عليهم بأنّك كنت على الحقّ في التّوحيد، وكانوا على الباطل في التّشريك. واجتهدت في الإرشاد والتّبليغ، ولجّوا في التّكذيب والعناد. ويعتذرون بالأباطيل مثل: أطعنا سادتنا، ووجدنا آباءنا.

و قيل : المراد به الاختصام العامّ. يخاصم النّاس بعضهم بعضا، فيما دار بينهم في الدّنيا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه- متّصلا بقوله: أمير المؤمنين- عليه السّلام- سلم لرسول اللّه: ثمّ عزّى نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال- جلّ ذكره-: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، يعني:

أمير المؤمنين ومن غصبه حقّه.

و في عيون الأخبار ، في باب آخر في ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا نزلت هذه الآية:

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، قلت: يا ربّ، أ تموت الخلائق كلّهم، وتبقى الأنبياء؟فنزلت : كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ.

و في باب  ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من أخباره المجموعة، وبإسناده عن علي بن أبي طالب- عليه السّلام-: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، لأبغض الأمل وترك طلب الدّنيا.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، بإضافة الولد والشّريك إليه.

وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ- وهو ما جاء به محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إِذْ جاءَهُ، من غير توقّف وتفكّر في أمره.

أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ . وذلك يكفيهم مجازاة لأعمالهم.

و اللّام تحتمل العهد والجنس.

وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ:

قيل : «الّذي» للجنس، ليتناول الرّسول والمؤمنين لقوله:

أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ .

و قيل : هو النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. والمراد هو ومن تبعه، كما في قوله :

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.

و في تفسير البيضاويّ : وقيل: الجائي هو الرّسول. والمصدّق أبو بكر. وذلك يقتضي إضمار «الّذي»، وهو غير جائز.

و قرى : «و صدَق به» بالتّخفيف، أي: صدق به النّاس، فأدّاه إليهم كما نزل [من غير تحريف‏] . أو: صار صادقا بسببه. لأنّه معجز يدلّ على صدقه. و«صدّق به» على البناء للمفعول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر أيضا أعداء آل محمّد، ومن كذب على اللّه وعلى رسوله- صلّى اللّه عليه وآله- وادّعى ما لم يكن له. فقال- جلّ ذكره-: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ، يعني: بما جاء به رسول اللّه‏- صلّى اللّه عليه وآله- من الحقّ، وولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام. ثمّ ذكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام. أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.

- وفي مجمع البيان : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ. قيل: الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ- وهو القرآن و جبرئيل. وَصَدَّقَ بِهِ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- تلقّاه بالقبول.

و قيل : الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ- وهو قول لا إله إلّا اللّه- هو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. وَصَدَّقَ بِهِ هو أيضا، وبلّغه إلى الخلق.

و قيل : الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ: الأنبياء. وَصَدَّقَ بِهِ أتباعهم.

و قيل :

الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. وَصَدَّقَ بِهِ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. وهو المرويّ عن أئمّة الهدى من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و في شرح الآيات الباهرة : تأويله  ما نقله ابن مردويه عن الجمهور، بإسناده مرفوعا إلى الإمام موسى بن جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: الّذي كذّب بالصّدق [هو الّذي ردّ قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في عليّ- عليه السّلام.

و يؤيّده ما

ذكره الشيخ في أماليه عن عليّ- عليه السّلام- في قوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ‏]  إذ جاءه. قال: الصّدق ولايتنا أهل البيت.

و قال محمّد بن العبّاس - رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن همّام، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ. قال: الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. وَصَدَّقَ بِهِ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الجنّة.ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ  على إحسانهم.

لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا:

خصّ الأسوأ للمبالغة. فإنّه إذا كفّر، كان غيره أولى بذلك. أو للإشعار بأنّهم لاستعظامهم الذّنوب، يحسبون أنّهم مقصّرون مذنبون، وأنّ ما يفرط منهم من الصّغائر أسوأ ذنوبهم. ويجوز أن يكون بمعنى السّيّئ.

و قرئ : «أسواء» جمع سوء.

وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ: ويعطيهم ثوابهم.

بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ : فيعدّ لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه، لفرط إخلاصهم فيها.

أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ:

استفهام إنكار للنّفي، مبالغة في الإثبات. والعبد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و يحتمل الجنس. ويؤيّده قراءة  حمزة والكسائيّ: «عباده». وفسّر بالأنبياء.

وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ:

قيل : يعني قريشا. فإنّهم قالوا له: إنّا نخاف أن تخبلك  آلهتنا، لعيبك إيّاها.

و قيل : بعث خالدا ليكسر العزّى. فقال له سادنها: أحذّركها! إنّ لها شدّة. فعمد إليها خالد، فهشم أنفها. فنزل تخويفه [منزلة تخفيفه‏] - صلّى اللّه عليه وآله. لأنّه الآمر له بما خوّف عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ: يعني: يقولون لك: يا محمّد، أعفنا من عليّ- عليه السّلام.

و يخوّفونك أنّهم يلحقون بالكفّار.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ، حتّى غفل عن كفاية اللّه له وخوّفه بما لا ينفع ولا يضرّ، فَما لَهُ مِنْ هادٍ  يهديهم إلى الرّشاد.

وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ، إذ لا رادّ لفعله. كما قال:

أَ لَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ: غالب منيع.

في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، [عن محمد بن عيسى،]  عن [محمّد بن‏]  إسماعيل السرّاج، عن ابن مسكان، عن ثابت بن سعيد، قال:

 

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا ثابت، ما لكم وللنّاس!؟ كفّوا عن النّاس! ولا تدعوا أحدا إلى أمركم! فو اللّه، لو أنّ أهل السّموات و[أهل‏]  الأرضين، اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد اللّه ضلالته، ما استطاعوا على أن يهدوه. ولو أنّ أهل السّموات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا يريد اللّه هداه، ما استطاعوا أن يضلّوه. كفّوا عن النّاس، ولا يقول أحد: عمّي، وأخي، وابن عمّي وجاري! فإنّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا، طيّب روحه. فلا يسمع معروفا إلّا عرفه، ولا منكرا، إلّا أنكره. ثمّ يقذف [اللّه‏]  في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

ذِي انْتِقامٍ ، ينتقم من أعدائه.

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، لوضوح البرهان على تفرّده بالخالقيّة.

قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ، أي: أرأيتم بعد ما تحقّقتم أنّ خالق العالم هو اللّه، أنّ آلهتكم إن أراد اللّه أن يصيبني بضرّ، هل يكشفنّه.

أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ: بنفع، هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ، فيمسكها عنّي.

و قرأ  أبو عمرو: «كاشفات ضرّه» و«ممسكات رحمته» بالتّنوين فيهما، ونصب «ضرّه» و«رحمته».

قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ كافيا في إصابة الخير ودفع الضّرّ. إذ تقرّر بهذا التّقرير، أنّه القادر الّذي لا مانع له لما يريده من خير أو شرّ.

نقل  أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سألهم، فسكتوا. فنزل ذلك. وإنّما قال: «كاشفات» و«ممسكات»، على ما يصفونها به من الأنوثة، تنبيها على كمال ضعفها.

عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ، لعلمهم بأنّ الكلّ منه- تعالى.

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ: على حالكم. ام للمكان استعير للحال.

كما استعير «هنا» و«حيث» من المكان للزّمان.

و قرئ : «مكاناتكم».

إِنِّي عامِلٌ، أي: على مكانتي. فحذف للاختصار، والمبالغة في الوعيد، والإشعار بأنّ حاله لا تقف. فإنّه- تعالى- يزيده على مرّ الأيام قوّة ونصرة.

و لذلك توعّدهم بكونه منصورا عليهم في الدّارين، فقال : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ  مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ. فإنّ خزي أعدائه دليل غلبته.

وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ : دائم. وهو عذاب النّار.

إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ: لأجلهم- فإنّه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم- بِالْحَقِّ: ملتبسا بالحقّ.

فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ، إذ نفع به نفسه.

وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، فَإنّ وباله لا يتخطّاها.

وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ، وما وكّلت عليهم لتجبرهم على الهدى. وإنّما أمرت بالبلاغ، وقد بلّغت.

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها، أي: يقبضها عن الأبدان، بأن يقطع عنها تعلّقها وتصرّفها فيها، إمّا ظاهرا وباطنا- وذلك عند الموت- أو ظاهرا لا باطنا، فهو في النّوم.

و في إرشاد المفيد : لمّا عرض على عبيد اللّه بن زياد- لعنه اللّه- عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال له: من أنت؟ فقال: أنا عليّ بن الحسين.

فقال: أليس قد قتل اللّه عليّ بن الحسين!؟ فقال له عليّ- عليه السّلام- قد كان لي أخ يسمّى عليّا. قتله النّاس.

فقال ابن زياد- لعنه اللّه-: بل اللّه قتله. فقال [علي بن الحسين‏]

 - عليه السّلام-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها. فغضب ابن زياد- لعنه اللّه.

و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجل يواقع أهله، أ ينام على ذلك؟ قال: الله يتوفى الأنفس في منامها. ولا يدري ما يطرقه من البليّة. إذا فرغ، فليغتسل.

و في مجمع البيان : روى العيّاشيّ بالإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت  أبي المقدام ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السّماء، وبقيت روحه في بدنه. وصار بينهما سبب كشعاع الشّمس. فإن أذن اللّه- تعالى- في قبض الأرواح، أجابت الرّوح النّفس. وإن أذن اللّه في ردّ الرّوح، أجابت النّفس الرّوح. وهو قوله- سبحانه-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (الآية). فما  رأت في ملكوت السّموات ، فهو ممّا له تأويل. وما رأت فيما بين السّماء والأرض، فهو ممّا يخيّله الشّيطان، ولا تأويل له.

و في أصول الكافي  حديث طويل عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- يقول فيه: «لا واللّه! ما مات أبو الدّوانيق إلّا أن يكون مات موت النّوم». يقول ذلك مخاطبا لمن أخبره أنّه مات.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا آوى أحدكم إلى فراشه، فليقل: اللّهم إنّي احتبست  نفسي، فاحتبسها  في محلّ رضوانك ومغفرتك. فإن  رددتها إلى بدني، فارددها مؤمنة عارفة بحقّ أوليائك، حتّى تتوفّاها على ذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، رفعه قال: تقول‏إذا أردت النّوم: اللّهم إن أمسكت نفسي، فارحمها. وإن أرسلتها، فاحفظها.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا قمت باللّيل من منامك، فقل: الحمد للّه الّذي ردّ عليّ روحي لأحمده وأعبده.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد اللّه، [عن أبي جعفر] - عليهما السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: واللّه، ما من عبد من شيعتنا ينام، إلّا أصعد اللّه روحه إلى السّماء، فيبارك عليها.

فإن كان قد أتى عليها أجلها، جعلها في كنوز من رحمته، وفي رياض جنّته ، وفي ظلّ عرشه. وإن كان أجلها متأخّرا، بعث بها مع أمنته  من الملائكة، ليردّوها إلى الجسد الّذي خرجت منه، لتسكن فيه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال  فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: لا ينام المسلم وهو جنب. ولا ينام إلّا على طهور. فإن لم يجد الماء، فليتيمّم بالصّعيد. فإنّ روح المؤمن ترفع إلى اللّه- تعالى- فيقبلها ويبارك عليها. فإن كان أجلها قد حضر، جعلها في كنوز رحمته. وإن لم يكن أجلها قد حضر، بعث بها مع أمنائه من الملائكة، فيردّونها في جسد .

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى السّكونيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله-: إذا آوى أحدكم إلى فراشه، فليمسحه بطرف إزاره. فإنّه لا يدري ما يحدث عليه. ثمّ ليقل: اللّهم إن أمسكت نفسي في منامي، فاغفر لها. وان أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين.و في كتاب كمال الدّين وتمام النعمة ، بإسناده إلى داود بن القاسم الجعفريّ، عن محمّد بن عليّ الثانيّ- عليه السّلام- قال: أقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام- ذات يوم، ومعه الحسن بن عليّ وسلمان الفارسيّ- رحمه اللّه- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- متّكئ على يد سلمان. فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللّباس. فسلّم على أمير المؤمنين- عليه السّلام. [فردّ- عليه السّلام.]  فجلس.

ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن [ثلاث‏]  مسائل، إن أخبرتني بهنّ، علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا  بمأمونين في دنياهم، ولا في آخرتهم.

و إن تكن الأخرى، علمت أنّك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

سلني عمّا بدا لك.

قال: أخبرني عن الرّجل إذا نام، أين تذهب روحه؟ وعن الرّجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الولد، كيف يشبه  الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ- عليه السّلام- فقال: يا أبا محمّد أجبه.

فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنّ روحه معلّقة بالرّيح. والرّيح معلّقة بالهواء، إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة. فإن أذن اللّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الروح  على صاحبها، جذبت تلك الرّوح الرّيح. [و جذبت تلك الريح‏]  الهواء. فرجعت الرّوح فأسكنت في بدن صاحبها. وإن لم يأذن اللّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الرّوح على صاحبها، جذبت  الهواء الرّيح، وجذبت الرّيح الرّوح، فلم تردّ إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب التّوحيد  حديث طويل عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات-:و أمّا قوله : يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، وقوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها، وقوله : تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ، وقوله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، وقوله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ]  طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يدبّر الأمور كيف يشاء. ويوكّل من خلقه من يشاء، بما يشاء. أمّا ملك الموت، فإنّ اللّه يوكّله بخاصّة من  يشاء من خلقه. ويوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه . [و الملائكة الّذين سمّاهم اللّه- عزّ وجلّ ذكره- وكّلهم بخاصّة من يشاء من خلقه. فهو- تعالى-]  يدبّر الأمور كيف يشاء.

و ليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس. لأنّ فيهم القويّ والضّعيف. ولأنّ منه ما يطاق حمله، ومنه ما لا يطاق حمله، إلّا من  يسهّل اللّه له حمله، وأعانه عليه من خاصّة أوليائه.

و إنّما يكفيك أن تعلم أنّ اللّه هو المحيي المميت، وأنّه يتوفّى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه، من ملائكة وغيرهم.

فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، فلا يردّها إلى البدن.

و قرأ  حمزة والكسائي: «قضي» بضمّ القاف وكسر الضّاد، و«الموت» بالرّفع.

وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى- أي: النّائمة إلى بدنها عند اليقظة- إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. وهو الوقت المضروب لموته، وهو غاية جنس الإرسال.

إِنَّ فِي ذلِكَ، من التّوفّي والإمساك والإرسال، لَآياتٍ دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  في كيفيّة تعلّقها بالأبدان، وتوفّيها عنه بالكلّيّة حين الموت، وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السّعادة والشّقاوة، والحكمة في توفّيها عن ظواهرها وإرسالها حينا بعد حين إلى توفّي آجالها.أَمِ اتَّخَذُوا: اتّخذ فريش مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ يشفع لهم عند اللّه.

قُلْ أَ وَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ : أ يشفعون ولو كانوا على هذه الصّفة، كما تشاهدونهم جمادات لا تقدر ولا تعلم.

قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً:

قيل : لعلّه ردّ لما عسى يجيبون به. وهو أنّ الشّفعاء أشخاص مقرّبون هي تماثيلهم.

و المعنى: أنّه مالك الشّفاعة كلّها، لا يستطيع أحد شفاعة إلّا بإذنه، ولا يستقلّ بها.

ثمّ قرّر ذلك فقال:

لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

فإنّه مالك الملك كلّه. لا يملك أحد أن يتكلّم في أمره دون إذنه ورضاه.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  يوم القيامة، فيكون الملك له أيضا]  [حينئذ.

ثمّ أخبر- سبحانه- عن سوء اعتقادهم وشدّة عنادهم فقال:]  وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ دون آلهتهم، اشْمَأَزَّتْ: انقبضت ونفرت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.

وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ- يعني: الأوثان- إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.

لفرط افتتانهم بها، ونسيانهم حقّ اللّه.

و لقد بالغ في الأمرين [حتّى بلغ الغاية فيها. فإنّ الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا، حتّى ينبسط له بشرة وجهه. والاشمئزاز أن يمتلئ غضبا وغمّا، حتّى ينقبض أديم وجهه.

و في روضة الكافي :]  عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: حدّثني أبو الخطّاب في أحسن ما يكون حالا، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. قال إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ بطاعة من أمر اللّه، بطاعته من آل محمّد، اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. وإذا ذكر الّذين لم يأمر اللّه بطاعتهم، إذا هم يستبشرون.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن سليمان بن صالح، رفعه عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال: إنّ حديثكم هذا لتشمأزّ منه  قلوب الرّجال. فمن أقرّبه، فزيدوه. ومن أنكره، فذروه.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، فإنّها نزلت في فلان وفلان [و فلان‏] .

قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ: التجئ إلى اللّه بالدّعاء، لمّا تحيّرت في أمرهم، وعجزت من عنادهم وشدّة شكيمتهم. فإنّه القادر على الأشياء، والعالم بأحوالها كلّها.

أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ : فأنت وحدك تقدر أن تحمكم بيني وبينهم.

وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ:

وعيد شديد، وإقناط كلّيّ لهم من الخلاص.

وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ :

زيادة مبالغة فيه. وهو نظير قوله : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ في الوعد.وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا: سيّئات أعمالهم الّتي فعلوها، حين تعرض صحائفهم.

وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ : وأحاط بهم جزاؤه.

فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا:

إخبار عن الجنيس بما يغلب فيه. والعطف على قوله: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ بالفاء، لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التّسبّب، بمعنى: أنّهم يشمئزّون عن ذكر اللّه وحده، ويستبشرون بذكر الآلهة. فإذا مسّهم ضرّ، دعوا من اشمأزّوا من ذكره، دون من استبشروا بذكره. وما بينهما اعتراض مؤكّد، لإنكار ذلك عليهم.

ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا: أعطيناه إيّاها تفضّلا. فإنّ التّخويل يختصّ به.

قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: على علم منّي بوجوه كسبه، أو بأنّي سأعطاه لما لي من استحقاقه أو من اللّه بي واستحقاقي.

و الهاء ل «ما» إن جعلت موصولة، وإلّا، فللنّعمة، والتذكير لأنّ المراد شي‏ء منها.

بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ: امتحان له بها، أ يشكر، أم يكفر.

و هو ردّ لما قاله. وتأنيث الضّمير باعتبار الخبر، أو لفظة النّعمة. وقرئ  بالتّذكير.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ  ذلك.

قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:

الهاء لقوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ، لأنّها كلمة أو جملة. وقرئ  بالتّذكير.

و الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قارون وقومه. فإنّه قاله، ورضي به قومه.

فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ  من متاع الدّنيا.

فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا: جزاء سيّئات أعمالهم، أو جزاء أعمالهم. وسمّاه سيّئة، لأنّه في مقابلة أعمالهم السّيّئة، رمزا إلى أنّ جميع أعمالهم كذلك.

وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالعتوّ مِنْ هؤُلاءِ [المشركين.

و «من» للبيان، أو للتبعيض.]

سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، كما أصاب أولئك.و قد أصابهم. فإنّهم قحطوا سبع سنين، وقتل ببدر صناديدهم.

وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ : فائتين.

أَ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، حيث حبس عنهم الرّزق سبعا، ثمّ بسط لهم سبعا .

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، أي: يصدّقون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-  لأنّهم المنتفعون بها.

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أفرطوا في الجناية عليها، بالإسراف في المعاصي.

و إضافة العباد، تخصّصه بالمؤمنين، على ما هو عرف القرآن.

لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ: لا تيأسوا من مغفرته أوّلا، وتفضّله ثانيا.

إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً : صغائرها وكبائرها، بالنّدم.

 [و من ارتكب الذنب‏]  ولم يندم عليه، فهو خارج عن الإيمان، ويخرجه عن هذا الحكم إضافة العباد. والنّدم على الذّنب، يستلزم العزم على عدم العود، وإن عادوا النّدم على الذّنب، مع العزم على عدم العود. وهو معنى التّوبة.

ما قيل  من أنّ تقييده بالتّوبة خلاف الظّاهر، خلاف الواقع. ويدلّ على إطلاقه فيما عدا الشّرك قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (الآية).

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ :

تعليل للسّابق.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لا يعذر  أحد يوم القيامة بأن يقول: يا ربّ، لم أعلم أنّ ولد فاطمة هم الولاة. وفي ولد فاطمة- عليها السّلام- أنزل اللّه هذه الآية خاصّة:

يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه، إذ يقول: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. واللّه، ما أراد بهذا غيركم.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : عجبت لمن يقنط، ومعه الاستغفار.

و فيه أيضا : الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه (الحديث).

و في مجمع البيان : وعن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: ما في القرآن آية أو سع من يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا (الآية).

و قيل : إنّ هذه الآية نزلت في وحشيّ قاتل حمزة، حين أراد أن يسلم، وخاف أن لا تقبل توبته. فلمّا نزلت الآية، أسلم. فقيل: يا رسول اللّه، هذه له خاصّة؟ أم للمسلمين عامّة؟ فقال: بل للمسلمين عامّة. وهذا لا يصحّ. لأنّ الآية نزلت بمكّة، ووحشيّ أسلم بعدها بسنين كثيرة.

لكن يمكن أن يكون قرأت عليه [الآية] ، فكانت سبب إسلامه.

فالآية محمولة على عمومها.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، [عن أحمد بن محمّد] ، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد الجزريّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول : إنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث نبيّا من أنبيائه إلى قومه. وأوحى  إليه أن قل لقومك إنّ رحمتي سبقت غضبي، فلا تقنطوا من رحمتي. فإنّه لا يتعاظم عندي ذنب أغفره.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن حمّاد، عن بعض أصحابه، رفعه‏

 قال: صعد أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالكوفة المنبر. فحمد اللّه، وأثنى عليه. ثمّ قال:

يا أيّها النّاس! إنّ الذّنوب ثلاثة. ثمّ أمسك.

فقال له حبّة العرنيّ: يا أمير المؤمنين! قلت: «الذّنوب ثلاثة» ثمّ أمسكت.

فقال: ما ذكرتها إلّا وأنا أريد أن أفسّرها. ولكن عرض لي بهر  حال بيني وبين الكلام. نعم، الذّنوب ثلاثة. فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه.

قال: يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- فبيّنها لنا.

قال: نعم. أمّا الذّنب المغفور، فعبد عاقبة اللّه على ذنبه في الدّنيا. فاللّه أحكم  وأكرم من أن يعاقب عبده مرّتين. وأمّا الذنب  الّذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- إذا برز خلقه ، أقسم قسما على نفسه فقال: وعزّتي وجلالي، لا يجوزني ظلم ظالم، ولو كفّ بكفّ، [و لو مسحة بكفّ،]  ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجمّاء . فيقتصّ للعباد بعضهم من بعض، حتّى لا يبقى لأحد على أحد مظلمة. ثمّ يبعثهم للحساب. وأمّا الذّنب الثّالث، فذنب ستره اللّه على خلقه، ورزقه التّوبة منه. فأصبح خائفا من ذنبه، راجيا لربّه. فنحن له، كما هو لنفسه. نرجو الرّحمة، ونخاف عليه العذاب.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ المؤمن ليهوّل عليه في نومه، فيغفر له ذنوبه. وإنّه ليمتهن  في بدنه، فيغفر له ذنوبه.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى الحسين- عليه السّلام- قال: قيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: صف لنا الموت.فقال: على الخبير سقطتم. هو أحد أمور ثلاثة يرد عليها : إمّا بشارة بنعيم أبدا. وإمّا بشارة بعذاب أبدا. وإمّا تخويف  وتهويل وأمره [ه‏]  مبهم  لا يدري من أيّ الفريقين  هو. فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا، فهو المبشّر بنعيم الأبد. وأمّا عدوّنا المخالف علينا، فهو المبشّر بعذاب الأبد. وأمّا المبهم أمره الّذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه. لا يدري ما يؤول إليه حاله. يأتيه الخبر مبهما محزنا  ثمّ لن يسوّيه اللّه- عزّ وجلّ- بأعدائنا. لكن يخرجه اللّه- عزّ وجلّ- من النّار بشفاعتنا. فاعملوا! وأطيعوا! ولا تتّكلوا ! ولا تستصغروا عقوبة اللّه- عزّ وجلّ! فإنّ من المسرفين من لا تلحقه  شفاعتنا، إلّا بعد [عذاب‏]  ثلاثمائة ألف سنة.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، ومحمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن عبّاد بن زياد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا عبّاد! ما على ملّة إبراهيم أحد غيركم! وما يقبل  إلّا منكم! ولا تغفر الذّنوب إلّا لكم‏

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه- نقلا عن تفسير الكلبيّ: بعث وحشيّ  وجماعة إلى  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه ما يمنعنا من دينك إلّا أنّنا سمعناك تقرأ في كتابك أنّ من يدعو مع اللّه إلها آخر، ويقتل النّفس ويزني، يلق أثاما، ويخلّد في العذاب . ونحن قد فعلنا هذا كلّه.

فبعث إليهم بقوله- تعالى- : إِلَّا مَنْ تابَ [وَ آمَنَ‏]  وَعَمِلَ صالِحاً. فقالوا:

نخاف أن لا نعمل صالحا. فبعث إليهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ . فقالوا: نخاف أن لا ندخل في المشيئة. فبعث إليهم:يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً.

فجاءوا وأسلموا. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لوحشيّ قاتل حمزة: غيّب وجهك عنّي. فإنّي لا أستطيع النّظر إليك. قال: فلحق  بالشّام  فمات في الخبر  هكذا ذكر الكلبيّ .

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حاكيا عن اللّه- جلّ جلاله-: يا ابن آدم! بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء- إلى قوله:- وبسوء ظنّك قنطت من رحمتي.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن  فضّال، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: لا يعذر اللّه أحدا يوم القيامة بأن يقول: يا ربّ! لم أعلم أنّ ولد فاطمة هم الولاة! وفي [شيعة]  ولد فاطمة أنزل اللّه هذه الآية خاصّة: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

و روى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه  في حديث قال: حدّثني محمّد بن الحسن الصّفّار، عن عبّاد بن سليمان، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه أبو بصير. فقال له الإمام: يا أبا بصير، لقد ذكركم اللّه في كتابه، إذ يقول: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ- رَحْمَةِ اللَّهِ- إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏

 . واللّه، ما أراد بذلك غيركم، يا أبا محمّد! فهل سررتك؟ فقال: نعم.

محمّد بن عليّ ، عن عمر  بن عثمان، عن عمران بن سليمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا تَقْنَطُوا مِنْ- رَحْمَةِ اللَّهِ- إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فقال: إنّ اللّه يغفر لكم الذّنوب جميعا.

قال: فقلت: ليس هكذا نقرؤه! فقال: يا أبا محمّد، فإذا غفرت الذّنوب جميعا، فلمن  يعذّب!؟ واللّه، ما عنى من «عبادي»  غيرنا و[غير]  شيعتنا. وما نزلت إلّا هكذا: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لكم الذُّنُوبَ جَمِيعاً.

وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ :

قيل : معناه: اجعلوا أنفسكم خالصة.

و قيل : ارجعوا عن الشّرك والذّنوب إلى اللّه، فوحّدوه. وأسلموا له، وانقادوا بالطّاعة فيما يأمركم به.

وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ: محكمات القرآن.

و قيل : القرآن. أو: المأمور به دون المنهيّ عنه. أو: العزائم دون الرّخص. أو:

النّاسخ دون المنسوخ. ولعلّه ما هو أنجى وأسلم، كالإنابة والمواظبة على الطّاعة.!

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ  بمجيئه فتتداركوا.

أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: كراهة أن تقول.

و تنكير «نفس»، لأنّ القائل بعض الأنفس.

يا حَسْرَتى:

و قرئ  بالياء، على الأصل.عَلى ما فَرَّطْتُ: بما قصّرت.

فِي جَنْبِ اللَّهِ: في جانبه، أي: في حقّه، وهو طاعته.

قال سابق البريريّ :

         أما تتّقين اللّه في جنب وامق             له كبد حرّى عليك مقطّع‏

 وهو كناية فيها مبالغة، كقوله:

         إنّ السّماحة والمروة والنّدى             في قبّة ضربت على ابن الحشرج‏

 وقيل : في ذاته، على تقدير مضاف كالطّاعة.

و قيل : في قربه، من قوله : وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ.

و قرئ : «في ذكر اللّه».

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبته: أنا الهادي. وأنا المهديّ . وأنا أبو اليتامى والمساكين، وزوج الأرامل. وأنا ملجأ كلّ ضعيف، ومأمن كلّ خائف. وأنا قائد المؤمنين [إلى الجنّة] . وأنا حبل اللّه المتين. وأنا عروة اللّه الوثقى، وكلمة التّقوى.

و أنا عين اللّه، ولسانه الصّادق [، ويده‏] . وأنا جنب اللّه الّذي يقول: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ. وأنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرّحمة والمغفرة.

و أنا باب حطّة. من عرفني [و عرف حقّي‏] ، فقد عرف ربّه. لأنّي وصيّ نبيّه في أرضه، وحجته على خلقه. لا ينكر هذا إلّا رادّ على اللّه ورسوله.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى خيثمة الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: نحن جنب اللّه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حسان الجمّال قال: حدّثني هاشم بن أبي عمّار  الجنينيّ  قال: سمعت‏

 أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: أنا عين اللّه. وأنا يد اللّه. وأنا جنب اللّه. وأنا باب اللّه.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمّه حمزة بن بزيع، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [قال: جنب اللّه‏]  أمير المؤمنين- عليه السّلام. وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرّفيع، إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام- نحن جنب اللّه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وقد زاد- جلّ ذكره- في التبيان  وإثبات الحجّة بقوله في أصفيائه وأوليائه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، تعريفا للخليقة قربهم. ألا ترى أنّك تقول: «فلان إلى جنب فلان»، إذا أردت أن تصف قربه منه. وإنّما جعل اللّه- تبارك وتعالى- في كتابه هذه الرّموز الّتي لا يعلمها غيره و[غير]  أنبيائه وحججه في أرضه، لعلمه بما يحدثه  في كتابه المبدّلون، من إسقاط أسماء حججه منه، وتلبيسهم ذلك على الأمّة، ليعينوا على باطلهم. فأثبت فيه  الرّموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدّالّ على ما أحدثوه فيه.

و في مجمع البيان : روى العيّاشيّ بالإسناد، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: نحن جنب اللّه.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أبو ذرّ في خبر عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أبا ذرّ، يؤتى بجاحد عليّ يوم القيامة أعمى أبكم، يتكبكب في ظلمات يوم‏القيامة، ينادي: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، وفي عنقه طوق  من النّار.

و روى العيّاشيّ ، بإسناده إلى أبي الجارود، عن الباقر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ قال: نحن جنب اللّه.

و في محاسن البرقي : عنه، [عن ابن محمّد،]  عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن يزيد الصّائغ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا يزيد، إنّ أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة الّذين وصفوا العدل ثمّ خالفوه. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن هوذة الباهليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن حمران بن أعين، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه [قال: خلقنا اللّه جزءا من جنب اللّه . وذلك قوله- عزّ وجلّ-: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ يعني: في ولاية عليّ- عليه السّلام.]

و قال أيضا : حدّثنا عليّ بن العبّاس، عن حسن بن محمّد، عن حسين بن عليّ بن بهيس ، عن موسى بن أبي الغدير، عن عطاء الهمدانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ قال: قال عليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وأنا جنب اللّه. وأنا حسرة النّاس يوم القيامة.

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حمزة بن بزيع، عن البنانيّ ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ قال: جنب اللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. وكذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرّفيع، حتّى ينتهي الأمر  إلى الأخير منهم . واللّه أعلم بما هو كائن‏بعده.

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن هوذة، عن ابراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن سدير الصيرفيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول، وقد سأله رجل عن قول اللّه- عزّ وجلّ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نحن- واللّه- خلقنا من نور جنب اللّه. وذلك قول الكافر إذا استقرّت به الدّار: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ يعني: ولاية محمّد وآل محمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين.

وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ : المستهزئين بأهله.

و محلّ: وَإِنْ كُنْتُ نصب، على الحال. كأنّه قال: فرّطت، وأنا ساخر.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: نحن الخزّان لدين اللّه. ونحن مصابيح العلم. إذا مضى منّا علم ، بدا علم. لا يضلّ من تبعنا . ولا يهتدى من أنكرنا. ولا ينجو من أعان علينا عدوّنا. ولا يعان من أسلمنا. فلا تتخلّفوا عنّا لطمع دنيا وحطام زائل عنكم [و أنتم‏]  تزولون عنه. فإنّ من آثر الدّنيا على الآخرة، واختارها علينا، عظمت حسرته غدا. وذلك قول اللّه- تعالى-: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة بن أيّوب، عن القاسم بن بريد ، عن مالك الجهنيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: أنا شجرة من جنب اللّه. فمن وصلنا، وصله اللّه. قال ثمّ تلا هذه الآية: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ.

أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي بالإرشاد إلى الحقّ، لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  الشّرك والمعاصي.أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  في العقيدة والعمل.

و «أو» للدّلالة على أنّه لا تخلو من هذه الأقوال، تحيّرا أو تعلّلا بما لا طائل تحته.

بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ :

ردّ من اللّه عليه، لما تضمّنه قوله: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي من معنى النّفي. وفصله عنه، لأنّ تقديمه يفرق القرائن، وتأخير المودود يخلّ بالنّظم المطابق للوجود. لأنّه يتحسّر بالتّفريط، ثمّ يتعلّل بفقد الهداية، ثمّ يتمنّى الرّجعة.

و تذكير الخطاب على المعنى.

و قرئ  بالتّأنيث للنّفس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً (الآية). فردّ اللّه- عزّ وجلّ- عليهم فقال: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها يعني بالآيات الأئمّة- صلوات اللّه عليهم. وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ يعني: باللّه.

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، بأن وصفوه بما لا يجوز، كاتّخاذ الولد. أو ادّعوا أنّهم إمام وليسوا بإمام .

وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ بما ينالهم من الشّدّة. أو: ما يتخيّل عليها من ظلمة الجهل.

و الجملة حال. إذ الظّاهر أنّ «ترى» من رؤية البصر، واكتفى فيها بالضّمير عن الواو.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من ادّعى أنّه إمام، وليس بإمام . قلت: وإن كان علويّا فاطميّا؟ قال: وإن كان علويّا فاطميّا.

و في كتاب اعتقادات الإماميّة  للصّدوق: وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن‏

قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. قال:

من زعم أنّه إمام، وليس بإمام. قيل: وإن كان علويّا فاطميّا؟ قال: وإن كان علويّا فاطميّا.

و في كتاب ثواب الأعمال : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن ابن فضّال، عن معاوية بن وهب، عن أبي سلام، عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. قال: من زعم أنّه إمام، وليس بإمام.

قلت: وإن كان علويّا فاطميّا؟ قال: وإن كان علويّا فاطميّا.

و في شرح الآيات الباهرة : روى العيّاشيّ بإسناده إلى خيثمة بن عبد الرّحمن قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من حدّث عنّا بحديث، فنحن سائلوه عنه يوما. فإن صدق علينا، فإنّما يصدق على اللّه وعلى رسوله. وإن كذب علينا، فإنّما يكذب على اللّه وعلى رسوله. لأنّا إذا حدّثنا لا نقول: قال فلان، وقال فلان. وإنّما نقول: قال اللّه- عزّ وجلّ- وقال رسوله. ثمّ تلا هذه الآية: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. ثمّ أشار خيثمة إلى أذنيه  وقال: صمّتا إن لم أكن سمعته.

أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً: مقام لِلْمُتَكَبِّرِينَ  عن الإيمان والطّاعة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: قوله- عزّ وجلّ- أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ. قال: فإنّه‏

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له «سقر». شكا إلى اللّه- تعالى- شدّة حرّه، وسأله أن يتنفّس. فأذن له. فتنفّس، فأحرق جهنّم.»:

وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا قرئ : «ينجي».

بِمَفازَتِهِمْ: بفلاحهم. مفعلة من الفوز.

و قرأ  الكوفيّون غير حفص بالجمع، تطبيقا له بالمضاف إليه.و الباء فيها للسّببية صلة ل «ينجّي»، أو لقوله:

لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . وهو حال أو استئناف لبيان المفازة.

اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: محدث كلّ شي‏ء ومبدعه.

وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ : حافظ مدبّر.

لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: لا يملك أمرها ولا يتمكّن من التّصرّف فيها غيره.

و هو كناية عن قدرته وحفظه لها. وفيها مزيد دلالة على الاختصاص. لأنّ الخزائن لا يدخلها، ولا يتصرّف فيها، إلّا من بيده مفاتيحها.

و هو جمع مقليد أو مقلاد من قلّدته: إذا ألزمته.

و قيل : جمع إقليد- معرّب «إكليد»- على الشّذوذ كمذاكير.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ : متّصل بقوله:

وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا. وما بينهما اعتراض، للدّلالة على أنّه مهيمن على العباد، مطّلع على أفعالهم، مجاز عليها.

و تغيير النّظم، للإشعار بأنّ العمدة في فلاح المؤمنين فضل اللّه، وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم. وللتّصريح بالوعد، والتّعريض بالوعيد، قضيّة للكرم أو بما يليه.

قيل : والمراد بآيات الله: دلائل قدرته، واستبداده بأمر السّموات والأرض.

أو: كلمات توحيده وتمجيده.

و قد سبق أنّ المراد بالآيات. الأئمّة- صلوات اللّه عليهم. وتخصيص الخسار بكافريهم، لأنّ غيرهم له حظّ من الرّحمة والثّواب.

قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ  أي: أ فغير اللّه أعبد بعد هذه الدّلائل والمواعيد!؟

و تَأْمُرُونِّي اعتراض، للدّلالة على أنّهم أمروه به عقيب ذلك، وقالوا: استلم بعض آلهتنا، ونؤمن بإلهك، لفرط غباوتهم.

و يجوز أن ينتصب «غير» بما دلّ عليه تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ. لأنّه بمعنى: تعبدونني.على أنّ أصله: تأمرونني أن أعبد. فحذف «أن» ورفع كقوله: «أحضر الوغى» .

و يؤيّده قراءة  «أعبد» بالنّصب.

و قرأ  ابن عامر: «تأمرونني». بإظهار النّونين على الأصل، ونافع بحذف الثّانية.

فإنّها تحذف كثيرا.

و في الآية دلالة على أنّ من أنكر الأئمّة، وأمر بالإنكار، يعبد غير اللّه، بناء على ما سبق من أنّ المراد بالآيات: الأئمّة- عليهم السّلام.

وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ أي: من الرّسل.

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ :

كلام على سبيل الفرض. والمراد به تهييج الرّسل، وإقناط الكفرة، والإشعار على حكم أمّته.

و إفراد الخطاب، باعتبار كلّ واحد. واللّام الأولى موطّئة للقسم. والأخريان للجواب. وعطف الخسران عليه، من عطف المسبّب على السّبب.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: انّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمر بقطع لصّ. فقال اللّصّ: يا رسول اللّه، قدمته في الإسلام، وتأمره بالقطع!؟ فقال: لو كانت ابنتي فاطمة! [فسمعت فاطمة]  فخزنت. فنزل جبرئيل بقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.

فخزن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فنزل : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

فتعجّب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من ذلك. فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك. فهذه الآيات لموافقتها، لترضى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الكريم بن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه لنبيّه: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ‏

 . قال: تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية عليّ- عليه السّلام- من بعدك، ليحبطنّ عملك، ولتكوننّ من الخاسرين.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن القاسم، عن عبيد بن مسلم، عن جعفر بن عبد اللّه المحمديّ، عن الحسن بن إسماعيل الأفطس، عن أبي موسى المشرقانيّ قال: كنت عنده إذ  حضره قوم من الكوفيّين، فسألوه عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.

فقال: ليس حيث تذهبون. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- حيث أوحى إلى نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يقيم عليّا للنّاس علما، اندسّ إليه معاذ بن جبل فقال: أشرك في ولايته (أي الأوّل والثاني)  حتّى يسكن النّاس إلى قولك، ويصدّقوك. فلمّا أنزل اللّه - عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، شكا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى جبرئيل، فقال: إنّ النّاس يكذّبوني، ولا يقبلون منّي! فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

ففي هذا نزلت هذه الآية. ولم يكن اللّه ليبعث رسولا إلى العالم، وهو صاحب الشّفاعة في العصاة، يخاف أن يشرك بربّه. [و]  كان رسول اللّه أوثق عند اللّه من أن يقول له: «لئن أشركت بي»، وهو جاء بإبطال الشّرك ورفض الأصنام وما عبد مع اللّه.

و إنّما عنى: تشرك في الولاية من الرّجال. فهذا معناه.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس آخر للرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء، بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام.

فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون!؟

قال- عليه السّلام-: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه- إلى أن قال:- فأخبرني عن قول اللّه - تعالى-:عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا ممّا نزل ب «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».

خاطب اللّه- تعالى- بذلك نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأراد به أمّته. وكذلك قوله- عزّ وجلّ-: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، وقوله - تعالى-: وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

قال: صدقت يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و فيه أيضا ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من أخباره المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- يحاسب كلّ خلق، إلّا من أشرك باللّه. فإنّه لا يحاسب [يوم القيامة] ، ويؤمر به إلى النّار.

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ:

ردّ لما أمروه به. ولو لا دلالة التّقديم على الاختصاص، لم يكن كذلك.

وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ  إنعامه عليك.

و فيه إشارة إلى موجب الاختصاص.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحكم بن بهلول، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [قال:]  يعني: إن أشركت في الولاية غيره. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. يعني: بل اللّه فاعبد بالطّاعة. وكن من الشّاكرين أن عضدك  بأخيك وابن عمّك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: ثمّ خاطب اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه فقال:

وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. فهذه مخاطبة للنّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى لأمّته. وهو ما قال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث نبيّه «إيّاك أعني واسمعي‏يا جارة». والدّليل على ذلك قوله- عزّ وجلّ-: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

و قد علم أنّ نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- يعبده ويشكره، ولكن استعبد»

 نبيّه بالدّعاء إليه، تأديبا لأمّته.

وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: ما قدروا عظمته في أنفسهم حقّ تعظيمه حيث جعلوا له شريكا، ووصفوه بما لا يليق به من أنّه فوّض أمر الإمامة إلى اختيار الأمّة.

و قرئ  بالتّشديد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  في قوله- عزّ وجلّ-: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ:

قال: نزلت في الخوارج.

وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ:

تنبيه على عظمته وكمال قدرته، وحقارة الأفعال العظام الّتي تتحيّر فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته. ودلالة على أنّ تخريب العالم أهون شي‏ء عليه، على طريقة التّمثيل والتّخييل، من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم: شابت لمّة اللّيل.

و القبضة: المرّة من القبض. أطلقت بمعنى القبضة وهو المقدار المقبوض بالكفّ، تسمية بالمصدر، أو بتقدير: ذات قبضة.

و قرئ  بالنّصب، على الظّرف، تشبيها للمؤقّت بالمبهم.

و تأكيد «الأرض» بالجميع، لأنّ المراد بها الأرضون السّبع، أو جميع أبعاضها البادية والغائرة.

و قرئ : «مطويّات» على أنّها حال، و«السّموات» معطوفة على «الأرض» منظومة  في حكمها.

سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ : ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته، عن إشراكهم، أو ما يضاف إليه من الشّركاء.

و في كتاب التّوحيد  خطبة لعليّ- عليه السّلام. وفيها يقول: الّذي لمّا شبّهه العادلون بالخلق المبعّض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنّواحي المختلفة في طبقاته،و كان- عزّ وجلّ- الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى  شقى أن يكون قدروه [حقّ قدره‏]  فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد، وارتفاعا عن قياس المقدّرين له بالحدود من كفرة العباد: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

فما  دلّك القرآن عليه من صفته، فاتّبعه ليوصل  بينك وبين معرفته. وائتمّ به، واستضي‏ء بنور هدايته. فإنّها نعمة وحكمة أوتيتهما ، فخذ ما أوتيت، وكن من الشّاكرين. وما دلّك الشّيطان عليه، ممّا ليس في القرآن عليك فرضه، ولا في سنّة الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- وأئمّة الهدى- عليهم السّلام- أثره، فكل علمه إلى اللّه- عزّ وجلّ-. فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك.

حدّثنا  محمّد بن [محمّد بن‏]  عصام الكلينيّ- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيّ قال: حدّثنا عليّ بن محمّد- المعروف بعلّان الكلينيّ- قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد قال: سألت أبا الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. فقال:

ذلك تعيير اللّه- تبارك وتعالى- لمن شبّهه بخلقه. ألا ترى أنّه قال: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ!؟ ومعناه: [ «إذ قالوا: إنّ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. كما قال - عزّ وجلّ-: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‏]  إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شي‏ء. ثمّ نزّه- عزّ وجلّ- نفسه عن القبضة واليمين، فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

حدّثنا  أحمد بن محمّد بن الهيثم العجلي - رحمه اللّه - قال: حدّثنا أحمد بن‏

 يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلل، عن أبيه، عن أبي الحسن العبديّ، عن سليمان بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. فقال: يعني ملكه. لا يملكها معه أحد. والقبض من اللّه- تعالى- في موضع آخر: المنع. والبسط منه: الإعطاء والتّوسيع . كما قال - عزّ وجلّ- وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. يعني: يعطي ويوسّع، ويمنع ويضيّق. والقبض منه- عزّ وجلّ- في وجه آخر: الأخذ. [و الأخذ]  في وجه: القبول منه. كما قال : وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ  أي: يقبلها من أهلها، ويثبت عليها.

قلت: فقوله- عزّ وجلّ-: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. قال: اليمين: اليد.

و اليد: القدرة والقوّة. يقول- عزّ وجلّ-: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أي: بقدرته وقوّته. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

و بإسناده  إلى الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول : إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يوسف. قال: وقال زرارة: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللّه لا يوصف. وكيف يوصف، وقد قال في كتابه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ!؟ فلا يوصف بقدر  إلّا كان أعظم من ذلك.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه  بن جعفر، [عن‏]  السّياريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: والّذي بعث محمّدا بالحقّ، وأكرم أهل بيته، ما من شي‏ء يطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق، أو إفلات دابّة من صاحبها، أو ضالّة، أو آبق، إلّا وهو في القرآن. فمن أراد ذلك، فليسألني عنه.

قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أخبرني عمّا يؤمن يخبر الحرق‏و الغرق. فقال: اقرأ هذه الآيات: اللَّهُ  الَّذِي نَزَّلَ  الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.

وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ- إلى قوله:- سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. فمن قرأها، فقد أمن من الحرق والغرق.

قال: فقرأها رجل، واضطرمت النّار في بيوت جيرانه، وبيته وسطها، فلم يصبه شي‏ء.

و لحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب طبّ الأئمّة - عليهم السّلام-: أبو عتاب عبد اللّه بن بسطام قال:

 

حدّثنا إبراهيم بن محمّد الأزديّ»، عن صفوان الجمّال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين- عليهم السّلام-: إنّ رجلا شكا  إلى أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- فقال: يا ابن رسول اللّه إنّي أجد وجعا في عراقيبي  قد منعني عن النّهوض إلى الصّلاة . قال: فما يمنعك من العوذة!؟ قال: لست أعلمها.

قال: فإذا أحسست بها، فضع يدك عليها وقل: بسم اللّه [و باللّه‏]  والسّلام على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ثمّ اقرأ عليه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

ففعل الرّجل ذلك، فشفاه اللّه- تعالى.

و في كتاب الخصال  فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب، ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: من خاف منكم الغرق، فليقرأ: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . بسم اللّه الملك القويّ . وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ:

يعني المرّة الأولى.

فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ: خرّ ميّتا، أو مغشيّا عليه.

إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ:

قيل : جبرئيل [و ميكائيل‏]  وإسرافيل. فإنّهم يموتون بعد.

و قيل : حملة العرش.

و قيل : الشّهداء الّذين قتلوا في سبيل اللّه.

و في مجمع البيان : وعن أبي هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه سأل جبرئيل عن هذه الآية: من الّذين  لم يشأ اللّه أن يصعقهم؟ قال: هم الشّهداء، متقلّدون أسيافهم حول العرش.

و القول الأوّل، هو المرويّ [عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-]  في حديث طويل مرفوع.

ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى: [نفخة أخرى‏] .

و هي تدلّ على أنّ المراد بالأولى و«نفخ في الصّور» نفخة واحدة. كما صرّح به في مواضع.

و «أخرى» تحتمل النّصب والرّفع.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: ولمّا عاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من تبوك إلى المدينة، قدم عليه عمرو بن معدي كرب الزّبيديّ . فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أسلم يا عمرو، يؤمنك اللّه من الفزع الأكبر.

فقال: يا محمّد، وما الفزع الأكبر؟ فإنّي لا أفزع! فقال: يا عمرو، إنّه ليس كما تظنّ وتحسب. إنّ النّاس يصاح بهم صيحة واحدة، فلا يبقى ميّت إلّا نشر، ولا حيّ إلّا مات إلّا ما شاء اللّه. ثمّ يصاح بهم صيحة أخرى،

فينشر من مات، ويصفّون جميعا. وتنشقّ السّماء، وتهدّ الأرض. وتخرّ الجبال [هدّا] .

و ترمي  النّار بمثل الجبال شررا. فلا يبقى ذو روح إلّا انخلع [قلبه‏] ، وطاش لبّه، وذكر ذنبه، وشغل بنفسه، إلّا ما شاء اللّه. فأين أنت- يا عمرو!- من هذا؟

قال: ألا إنّي أسمع أمرا عظيما. فآمن باللّه وبرسوله، وآمن معه من قومه ناس.

و رجعوا إلى قومهم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: سئل عن النّفختين كم بينهما. قال: ما شاء اللّه. فقيل له : فأخبرني يا ابن رسول اللّه، كيف ينفخ فيه؟

فقال: أمّا النّفخة الأولى، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يأمر إسرافيل، فيهبط إلى الدّنيا، ومعه الصّور وللصّور رأس واحد، وطرفان. وبين طرف كلّ رأس منهما [إلى الآخر، مثل‏]  ما بين السّماء إلى الأرض.

قال: فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الدّنيا، ومعه الصّور، قالوا: قد أذن اللّه في موت أهل الأرض، وفي موت أهل السّماء.

قال: فيهبط إسرافيل بخطيرة بيت المقدس، ويستقبل الكعبة. فإذا رأوه أهل الأرض، قالوا: قد أذن اللّه- عزّ وجلّ- في موت أهل الأرض.

قال: فينفخ  فيه نفخة، فيخرج الصّوت من الطّرف الّذي يلي [أهل‏]  الأرض. فلا يبقى في الأرض ذو روح إلّا صعق ومات. ويخرج الصّوت من الطّرف الّذي يلي [أهل‏]  السّموات. فلا يبقى [في السموات‏]  ذو روح إلّا صعق ومات إلّا إسرافيل. [فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه.]

 

قال: فيقول اللّه لإسرافيل: يا إسرافيل، مت! فيموت إسرافيل. فيمكثون في ذلك‏ما شاء اللّه. ثمّ يأمر السّموات فتمور، ويأمر الجبال فتسير. وهو قوله - تعالى-: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً يعني: تبسط، وتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ  يعني: بأرض لم تكسب عليها الذّنوب بارزة، ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة، مستقلّا بعظمته وقدرته.

قال: فعند ذلك ينادي الجبّار- تبارك وتعالى- بصوت من قبله جهوريّ يسمع أقطار السّموات والأرضين: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يقول الجبّار- عزّ وجلّ- مجيبا لنفسه: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ . وأنا قهرت الخلائق كلّهم فأمتّهم. إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا، وحدي لا شريك لي ولا وزير. وأنا خلقت خلقي بيدي. وأنا أمتّهم بمشيّتي. وأنا أحييهم بقدرتي.

قال: فينفخ الجبّار نفخة أخرى في الصّور فيخرج الصّوت من أحد الطّرفين الّذي يلي السّموات، فلا يبقى في السّموات أحد إلّا حيي وقام كما كان، ويعود حملة العرش، وتحضر الجنّة والنّار، وتحشر الخلائق للحساب.

قال: فرأيت عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يبكي عند ذلك بكاء شديدا.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال السّائل: أ فتتلاشى الرّوح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصّور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حسّ ولا محسوس. ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت  لسبت فيها الخلق، وذلك بين النّفختين.

و في مجمع البيان : وقال قتادة في حديث رفعه: إنّما بين النّفختين أربعون  سنة.

فَإِذا هُمْ قِيامٌ: قائمون من قبورهم، أو متوقّفون.

و قرئ  بالنّصب، على أنّ الخبر يَنْظُرُونَ ، وهو حال من ضميره.

و المعنى يقلّبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين. أو ينتظرون ما يفعل بهم.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أراد اللّه أن يبعث الخلق أمطر السّماء على الأرض أربعين صباحا، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللّحوم.

و قال: أتى جبرئيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع، فانتهى به إلى قبر، فصوّت بصاحبه فقال: قم بإذن اللّه. فخرج منه رجل أبيض الرّأس واللّحية يمسح التّراب عن رأسه ، وهو يقول: الحمد للّه واللّه أكبر. فقال جبرئيل:

عد بإذن اللّه. ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم بإذن اللّه. فخرج منه رجل مسوّد الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه. ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه بإذن اللّه- عزّ وجلّ. فقال: يا محمّد، هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى.

وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها:

قيل : بما أقام فيها من العدل. سمّاه نورا، لأنّه يزيّن البقاع ويظهر الحقوق كما سمّى الظّلم ظلمة. وفي الحديث: الظّلم ظلمات يوم القيامة. ولذلك أضاف اسمه إلى الأرض. أو بنور خلق فيها لا بتوسّط أجسام من شمس أو قمر تضي‏ء به الأرض، ولذلك أضافه إلى نفسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد قال: حدّثني القاسم بن الرّبيع قال: حدّثني صباح المدائنيّ قال: حدّثنا المفضّل بن عمر أنّه سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قوله- عزّ وجلّ-:

وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها قال: ربّ الأرض يعني: إمام الأرض.

قلت : فإذا خرج، يكون ما ذا؟

قال: إذا يستغني النّاس عن ضوء الشّمس ونور القمر وتجبرون  بنور الإمام.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: وروى المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه‏

 - عليه السّلام- يقول: إذا قام قائمنا، أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشّمس، وذهبت  الظّلمة.

وَ وُضِعَ الْكِتابُ: للحساب والجزاء، من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه، أو صحائف الأعمال في أيدي العمّال. واكتفى باسم الجنس عن الجمع.

و قيل : اللّوح المحفوظ، يقابل  به الصّحائف.

وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ: الّذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين.

و قيل : المستشهدون الّذين استشهدوا في سبيل اللّه.

و قيل : هم جميع الشّهداء من الجوارح والمكان والزّمان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الشُّهَداءِ الأئمّة- عليهم السّلام. والدّليل على ذلك قوله في سورة الحج : لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا أنتم يا معشر الأئمّة  شهداء على الناس.

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ: بين العباد بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ : بنقص ثواب، أو زيادة عذاب على ما جرى به الوعد.

وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ جزاءه. وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ  فلا يفوته شي‏ء من أفعالهم.

ثمّ فصّل التّوفية فقال: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً: أفواجا متفرّقة بعضها في أثر بعض، على تفاوت أقدامهم في الضّلالة والشّرارة.

و اشتقاقها من «الزّمر» وهو الصّوت، إذ الجماعة لا تخلو عنه. أو من قولهم: شاة زمرة: قليلة الشّعر، ورجل زمر: قليل المروءة.

حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها: ليدخلوها، وهي سبعة أبواب.

و «حتّى» هي الّتي تحكى بعدها الجملة.و قرأ  الكوفيّون: «فتحت» بتخفيف التّاء.

وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: تقريعا وتوبيخا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [من جنسكم‏]  يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا: وهو وقت دخولهم النّار .

قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ : كلمة اللّه بالعذاب علينا، وهو الإخبار عنهم بالشّقاوة وأنّهم من أهل النّار.

و وضع الظّاهر فيه موضع الضّمير، للدّلالة على اختصاص ذلك بالكفرة.

و قيل : هو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جدّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ للنّار سبعة أبواب:

باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون.

و باب يدخل منه المشركون والكفّار ممّن لم يؤمن باللّه طرفه عين.

و باب يدخل منه بنو أميّة، هو لهم خاصّة [لا يزاحمهم فيه أحد،]  وهو باب لظى، وهو باب سقر، وهو باب الهاوية، تهوي بهم سبعين خريفا، وكلّما هوي بهم سبعين خريفا، فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا، [ثمّ تهوي بهم كذلك  سبعين خريفا]  فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلّدين.

و باب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا، وإنّه لأعظم الأبواب وأشدّها حرّا.

قال: محمّد بن الفضيل  الزّرقيّ : فقلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الباب الّذي ذكرت عن أبيك عن جدّك- عليهم السّلام- أنّه يدخل منه بنو أميّة، يدخله من مات‏منهم على الشّرك أو من  ممّن أدرك الإسلام منهم؟

فقال: لا أمّ لك، ألم تسمعه يقول: وباب يدخل منه المشركون والكفّار؟ فهذا باب يدخل منه  كلّ مشرك وكلّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة، لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة. يدخلون من ذلك الباب، فتحطّمهم النّار فيه حطما لا يسمع لهم فيها واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون.

و في مجمع البيان : «لها سبعة أبواب» فيه قولان: أحدهما، ما روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض، ووضع إحدى يديه على الأخرى، فقال: هكذا، وأنّ اللّه وضع الجنان على العرض، ووضع النّيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنّم، وفوقها لظى، وفوقها الحطمة، [و فوقها سقر،]  وفوقها الجحيم، وفوقها السّعير، وفوقا الهاوية.

و في رواية الكلبيّ : أسفلها الهاوية وأعلاها جهنّم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي بصير قال: يؤتى بجهنّم لها سبعة أبواب: بابها الأوّل للظّالم  وهو زريق، وبابها الثّاني لحبتر ، والثّالث للثّالث، والرّابع لمعاوية، والخامس لعبد الملك، والسّادس لعكر  بن هوس ، والسّابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن أتّبعهم.

و في كتاب الخصال ، في سؤال بعض اليهود عليّا- عليه السّلام- عن الواحد إلى المائة: قال له اليهوديّ: فما السّبعة؟

قال: سبعة أبواب النّار متطابقات .

قال: فما الثّمانية؟قال: ثمانية أبواب الجنّة .

و فيه، أيضا ، في بيان مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتعدادها: قال- عليه السّلام-: وأمّا التّاسعة والثّلاثون، فإنّي سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّا، لا يجتمع حبّي وحبّه إلّا في قلب مؤمن، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل أهل حبّي وحبّك، يا عليّ، في أوّل زمرة  أوّل السّابقين إلى الجنّة، وجعل أهل بغضي وبغضك في أوّل زمرة الضّالّين من أمّتي الى النّار.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أخبرني عن أوّل  من يدخل النّار.

قال: إبليس، ورجل عن يمينه ورجل عن يساره.

فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ .

اللّام فيه للجنس، والمخصوص بالذّمّ سبق ذكره.

وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ قيل : إسراعا بهم إلى دار الكرامة.

و قيل : سيق مراكبهم، إذ لا يذهب بهم إلّا راكبين.

و قيل : ذكر السّوق للمقابلة.

زُمَراً: على تفاوت مراتبهم في الشّرف وعلوّ الطّبقة.

حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها حذف جواب «إذا» للدّلالة على أنّ لهم حينئذ من الكرامة والتّعظيم مالا يحيط به الوصف، وأنّ أبواب الجنّة تفتح لهم قبل مجيئها غير منتظرين.

و قرأ  الكوفيّون: «فتحت» بالتّخفيف.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ‏

 - عليهم السّلام- قال: إنّ للجنّة ثمانية أبواب:

باب يدخل منه النّبيّون والصّدّيقون.

و باب يدخل منه الشّهداء والصّالحون.

و خمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا، فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول:

ربّ، سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن تولّاني في دار الدّنيا. فإذا النّداء من بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك. ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولّاني ونصرني وحارب من حاربني، بفعل أو قول، في سبعين ألفا  من جيرانه وأقربائه.

و باب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد : أن لا إله إلّا اللّه، ولم يكن في قلبه مثقال  ذرّة من بغضنا أهل البيت.

و عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: أحسنوا الظّنّ باللّه، واعلموا أنّ للجنّة ثمانية أبواب، عرض كلّ باب منها مسيرة  أربعمائة  سنة.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ- عليهم السّلام- حديث طويل، وفيه: ومن صلّى ثلث ليلة، لم يبق ملك إلّا غبطه بمنزلته من اللّه- عزّ وجلّ. وقيل له: ادخل من أيّ أبواب الجنّة الثّمانية شئت.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: وروي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لعثمان بن مظعون: للجنّة ثمانية أبواب، وللنّار سبعة أبواب.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن وهب، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: للجنّة باب يقال لها :

باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح، وهم متقلّدون بسيوفهم، والجمع في الموقف، والملائكة تزجر، فمن ترك الجهاد، ألبسه اللّه ذلّا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه. إنّ اللّه أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها.و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، [عن محمّد بن زياد،]  عن محمّد بن أورمة، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله، فإنّ للجنّة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدّنيا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في قرب الإسناد  [للحميريّ، بإسناده‏]  إلى الحسين بن علوان: عن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ للجنّة بابا يقال له: باب المعروف، [لا يدخله إلّا أهل  المعروف‏] .

و في مجمع البيان : وعن سهل بن سعد السّاعديّ، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ في الجنّة ثمانية أبواب، منها باب يسمّى: الرّيّان، لا يدخلها إلّا الصّائمون. رواه البخاريّ ومسلم في الصّحيحين.

و في من لا يحضره الفقيه ، في خبر بلال: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: قلت لبلال: فما أبوابها يعني: الجنّة؟

قال: إنّ أبوابها مختلفة، باب الرّحمة من ياقوتة حمراء.

 [قلت: فما حلقته؟

فقال: ويحك! كفّ عنّي، فقد كلّفتني شططا.

قلت: ما أنا بكافّ عنك حتّى تؤدّي إلىّ ما سمعت من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.]

 

قال: اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. أمّا باب الصّبر، فباب صغير له مصراع واحد من ياقوتة حمراء [لا حلق له‏] . وأمّا باب الشّكر، فإنّه من ياقوتة بيضاء، لها مصراعان، مسيرة [ما بينهما]  مسيرة  خمسمائة عام، له ضجيج وحنين يقول: اللّهمّ، جئني  بأهلي.قال: قلت: هل يتكلّم الباب؟

قال: نعم، ينطقه اللّه- ذو الجلال والإكرام. وأمّا باب البلاء.

قلت: أليس باب البلاء هو باب الصّبر؟

قال: لا.

قلت: فما البلاء؟

قال: المصائب والأسقام والأمراض والجذام. وهو باب من ياقوتة صفراء، له  مصراع واحد ما أقلّ من يدخل فيه! [قلت: يرحمك اللّه زدني وتفضّل عليّ فإنّي فقير.

فقال: يا غلام، لقد كلّفتني شططا.]  أمّا الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصّالحون، وهم أهل الزّهد والورع والرّاغبون إلى اللّه- عزّ وجلّ- المستأنسون به.

و في روضة الكافي ، كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا، يقول فيه: اعلموا، عباد اللّه، أنّ أهل الشّرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدّواوين، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمرا، وإنّما نصب الموازين ونشر الدّواوين لأهل الإسلام.

و في نهج البلاغة : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها]  قد أمن العذاب، وانقطع العتاب ، وزحزحوا عن النّار، واطمأنّت بهم  الدّار، ورضوا المثوى والقرار. الّذين كانت أعمالهم في الدّنيا زاكية، وأعينهم باكية، وكان ليلهم في دنياهم نهارا تخشّعا واستغفارا، وكان نهارهم ليلا توحّشا وانقطاعا، فجعل اللّه لهم الجنّة ثوابا  وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها  في ملك دائم، ونعيم قائم.

وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ: لا يعتريكم بعد مكروه.

طِبْتُمْ: طهرتم عن دنس المعاصي.

فَادْخُلُوها خالِدِينَ : مقدّرين الخلود.

و «الفاء» للدّلالة على أنّ الطّيب سبب لدخولهم وخلودهم، وهو لا يمنع دخول العاصي لأنّه يطهّر بالتّوبة أو غيرها ثمّ يدخلها.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه وقد ذكر عليّا- عليه السّلام- وأولاده- عليهم السّلام-: ألا إنّ أولياءهم  الّذين يدخلون الجنّة آمنين، وتتلقّاهم الملائكة بالتّسليم أن طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ.

 

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: فأمّا قوله - عزّ وجلّ-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. فإنّ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء اللّه- عزّ وجلّ- بعد ما يفرغون  من الحساب إلى نهر يسمّى: الحيوان، فيغتسلون فيه ويشربون منه، فتنضر وجوههم إشراقا، فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث ، ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون الجنّة، فذلك قوله- عزّ وجلّ- في تسليم الملائكة عليهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ. فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنّة والنّظر إلى ما وعدهم [ربّهم‏] ، فذلك قوله: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وإنّما يعني بالنّظر إليه: النّظر إلى ثوابة- تبارك وتعالى.

وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ: بالبعث والثّواب.

وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يريدون: المكان الّذي استقرّوا فيه على الاستعارة.

قيل : و«إيراثها» تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم. أو تمكينهم من التّصرف فيها، تمكين الوارث فيما يرثه.

و قيل : ورثوها من أهل النّار.

نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي: يتبوّأ كلّ منّا في أيّ مقام أراده في الجنّة. وهذا إشارة إلى كثرة قصورهم ومنازلهم، وسعة نعيمهم.فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ : الجنّة.

و في الكافي : سهل بن زياد قال: روى أصحابنا أنّ حدّ القبر إلى التّرقوة، وقال بعضهم: إلى الثّدي، وقال بعضهم: قامة الرّجل حتّى يمدّ الثّوب على رأس من في القبر، وأمّا اللّحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس.

قال: ولمّا حضر عليّ بن الحسين- عليه السّلام- الوفاة، أغمي عليه، فبقي ساعة، ثمّ رفع عنه الثّوب، ثمّ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي [صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الجنّة نتبوّأ منها حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.

ثمّ قال: احفروا لي وابلغوا إلى الرّشح. ثمّ مدّ الثّوب عليه، فمات- عليه السّلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ منها  حيث نشاء» يعني: أرض الجنّة.

حدّثني أبي  قال: حدّثنا إسماعيل بن همّام، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: لمّا حضر عليّ بن الحسين- عليه السّلام- الوفاة أغمي عليه ثلاث مرّات، فقال في المرّة الأخيرة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. ثمّ مات.

و في أصول الكافي : محمّد بن أحمد، عن عمّه عبد اللّه بن الصّلت، عن الحسن  بن عليّ بن بنت إلياس، عن أبي الحسن قال: سمعته يقول: عليّ بن الحسين- عليه السّلام- لمّا حضرته الوفاة، أغمي عليه، ثمّ فتح عينيه وقرأ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ وإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. ثمّ قبض من ساعته ولم يقل شيئا.

و بإسناده  إلى أبي حمزة الثّماليّ: عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين قام مناد فنادى يسمع النّاس، فيقول: أين المتحابّون في اللّه؟قال: فيقوم عنق من النّاس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب.

قال: فتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟

فيقولون: إلى الجنّة بغير حساب.

قال : فيقولون: فأيّ حزب أنتم من النّاس؟

يقولون: نحن المتحابّون [في اللّه‏] .

قال: فيقولون: وأيّ شي‏ء كانت أعمالكم؟

قالوا: كنّا نحبّ في اللّه ونبغض في اللّه.

قال: فيقولون: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏]  عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت العبد الصّالح يقول: من زار أخاه المؤمن للّه، لا لغيره، يطلب به ثواب اللّه ويرجو  ما وعد اللّه- عزّ وجلّ- وكلّ اللّه- عزّ وجلّ- به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزلة حتّى يعود إليه، ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنّة، تبوّأت من الجنّة منزلا.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الكراجكيّ- رحمه اللّه- في كنز الفوائد، بإسناده، عن رجاله مرفوعا إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة يقبل قوم على نجائب من نور، ينادون بأعلا أصواتهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وأورثنا أرضه نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ.

قال: فتقول الخلائق: هذه زمرة الأنبياء.

فإذا النّداء من قبل اللّه- عزّ وجلّ-: هؤلاء شيعة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، فهم  صفوتي من عبادي وخيرتي من بريتّي.

فيقول الخلائق: إلهنا وسيّدنا، بما نالوا هذه الدّرجة؟

فإذا النّداء من اللّه: بتختّمهم باليمين ، وصلاتهم إحدى وخمسين، وإطعامهم‏المسكين، وتعفيرهم الجبين، وجهرهم «ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم».

وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ: محدقين.

مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي: حوله.

و «من» مزيدة، أو لابتداء الحفوف.

يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: متلبّسين بحمده.

و الجملة حال ثانية، أو مقيّدة للأولى.

قيل : والمعنى: ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذّذا به. وفيه إشعار بأنّ منتهى درجات العلّيّين وعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات الحقّ.

و قيل : ينزهون اللّه- تعالى- عمّا لا يليق به، ويذكرونه بصفاته الّتي هو عليها.

و قيل : يحمدون اللّه حيث دخل الموحّدون الجنّة.

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي: بين الخلق بإدخال بعضهم النّار وبعضهم الجنّة.

أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم.

وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ  أي: على ما قضى بيننا بالحقّ.

و القائلون هم المؤمنون من المقضيّ بينهم، أو الملائكة وطيّ ذكرهم لتعيّنهم وتعظيمهم.

و في كتاب التّوحيد  خطبة عجيبة لأمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام: وفيها: ثمّ إنّ اللّه- وله الحمد- افتتح الكتاب بالحمد  لنفسه، وختم أمر الدّنيا ومجي‏ء الآخرة بالحمد لنفسه، فقال: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و في شرح الآيات الباهرة : ورد من طريق العامّة في أحاديث عليّ بن الجعد، عن قتادة، عن أنس بن مالك في تفسير قوله- تعالى-: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا كانت ليلة  المعراج، نظرت تحت العرش أمامي، [فإذا أنا بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-قائم أمامي‏]  تحت العرش يسبّح اللّه ويقدّسه.

فقلت: يا جبرئيل، سبقني  شيعني عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إلى هاهنا؟

قال: لا، ولكنّي أخبرك، يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يكثر من الثّناء والصّلاة على عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فوق عرشه، فاشتاق العرش إلى رؤية عليّ، فخلق اللّه هذا الملك على صورة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- تحت العرش لينظر إليه العرش فيسكن شوقه، وجعل اللّه- سبحانه- تسبيح هذا الملك وتقديسه وتمجيده [ثوابا]  لشيعة أهل بيتك، يا محمّد.

فعلى محمّد وأهل بيته من ربّ العرش العظيم أفضل الصّلاة وأكمل التّسليم، ما نسمت هبوب وهبّ نسيم