سورة المجادلة

سورة المجادلة

مدنيّة.

و قيل : العشر الأوّل مكّيّ، والباقي مدنيّ.

و آياتها إحدى أو اثنتان وعشرون.

بسم الله الرحمن الرحيم و

في ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الحديد والمجادلة في صلاة فريضة أدمنها لم يعذّبه اللّه حتّى يموت أبدا، ولا يرى في نفسه ولا أهله سوء أبدا، ولا خصاصة في بدنه.

و

في مجمع البيان : ابيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب اللّه يوم القيامة.

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ قيل : روي أنّ خولة بنت ثعلبة ظاهر عنها زوجها، أوس بن الصّامت، فاستفتت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: حرمت عليه.

فقالت: ما طلّقني.

فقال: حرمت عليه.فاغتمّت لصغر أولادها وشكت إلى اللّه، فنزلت هذه الآيات الأربع .

و «قد» تشعر بأن الرّسول يتوقّع أنّ اللّه يسمع مجادلتها وشكواها ويفرّج عنها كربها .

و أدغم حمزة والكسائيّ وأبو عمرو وهشام، عن ابن عامر «دالها»  في السّين.

وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما: تراجعكما الكلام، وهو على تغليب الخطاب.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ : للأقوال والأحوال.

و في شرح الآيات الباهرة : لهذه الآية تأويل  ظاهر وباطن فالظّاهر ظاهر.

و أمّا الباطن فهو:

ما رواه محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن عبد الرّحمن ، عن محمّد ابن سليمان بن بزيع ، عن جميع بن المبارك، عن إسحاق بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- أنّه قال: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لفاطمة- عليها السّلام-: إنّ زوجك يلاقي بعدي كذا وكذا. فخبّرها بما يلقى بعده.

فقالت: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- ألا تدعو اللّه أن يصرف ذلك عنه؟

فقال: قد سألت اللّه ذلك له، فقال: إنّه مبتلى ومبتلى به.

فهبط جبرئيل، فقال: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي إل قوله بَصِيرٌ [و شكواها له، لا منه، ولا عليه‏] .

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ «الظّهار» أن يقول الرّجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي. مشتقّ من الظّهر.

و في «منكم» تهجين لعادتهم فيه، فإنّه كان من إيمان أهل الجاهليّة.

و أصل «يظّهّرون» يتظهّرون.و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائيّ: «يظّاهرون»، من اظّاهر. وعاصم «يظاهرون» من ظاهر.

ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، أي: على الحقيقة.

إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ: فلا تشبَّه بهن في الحرمة إلّا من ألحقها اللّه بهنّ، كالمرضعات وأزواج الرّسول.

و عن عاصم: «أمّهاتهم» بالرّفع، على لغة تميم .

و قرئ : «بأمّهاتهم» وهو- أيضا- على لغة من ينصب .

وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ: إذ الشّرع أنكره.

وَ زُوراً: منحرفا عن الحقّ، فإنّ الزّوّجة  لا تشبه الأمّ.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ : لما سلف منه مطلقا. أو إذا تيب عنه.

وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا: إلى قولهم بالتّدارك.

و منه المثل: عاد الغيث على ما أفسده.

و في مجمع البيان : فأمّا ما ذهب إليه أئمّة الهدى [من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين-]  فهو أنّ المراد بالعود: إرادة الوطء ونقض القول الّذي قاله، لأنّ الوطء لا يجوز له إلّا بعد الكفّارة، ولا يبطل حكم قوله الأوّل إلّا بعد الكفّارة.

فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أي: فعليهم، أو فالواجب إعتاق رقبة.

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، أي: من قبل أن يجامعها فيتماسّا.

و

في الكافي : عن عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه-، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجاج، [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال: الظّهار ضربان: أحدهما فيه الكفّارة قبل المواقعة، والآخربعدها.

فالّذي يكفّر قبل المواقعة هو الّذي يقول: أنت عليّ كظهر أمّي، ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا.

و الّذي يكفّر بعد المواقعة هو الّذي يقول: أنت عليّ كظهر أمّي إن قربتك.

ذلِكُمْ، أي: ذلك الحكم بالكفّارة تُوعَظُونَ بِهِ: لأنّه يدلّ على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة [و يردع عنه‏] .

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : لا تخفى عليه خافية.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، أي: الرّقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

فإن أفطر لزمه الاستئناف، إلّا أن صام شهرا ومن الشّهر الثّاني شيئا.

و

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: صيام كفّارة اليمين في الظّهار شهرين متتابعين. و«التّتابع» أن يصوم شهرا ويصوم  من الشّهر الآخر أيّاما أو شيئا منه، فإن عرض له شي‏ء يفطر فيه: [أفطر]  ثمّ قضى ما بقي عليه، وإن صام شهرا ثمّ عرض له شي‏ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا، فلم يتابع أعاد الصّوم كلّه.

فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، أي: الصّوم، لعطاش أو مرض.

فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، أي: فعليه إطعام ستّين مسكينا، لكلّ مسكين مدّ عند بعض، ومدّان عند آخرين.

ذلِكَ، أي: ذلك البيان، أو التّعليم للأحكام. ومحلّه النّصب بفعل معلّل بقوله: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أي: فرض ذلك لتصدّقوا باللّه ورسوله في قبول شرائعه، ورفض ما كنتم عليه في جاهليّتكم.

وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ: لا يجوز تعدّيها.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال : كان سبب نزول هذه السّورة، أنّه أوّل من‏ظاهر في الإسلام كان رجلا يقال له: أوس بن الصّامت من الأنصار، وكان  شيخا كبيرا، فغضب على أهله يوما فقال لها: أنت عليّ كظهر أمّي. ثمّ ندم على ذلك.

قال: وكان الرّجل في الجاهليّة إذا قال لأهله: أنت عليّ كظهر أمّي، حرمت عليه آخر الأبد.

و قال أوس لأهله: يا خولة، إنّا كنّا نحرّم هذا في الجاهليّة، وقد أتانا اللّه بالإسلام، فاذهبي إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسليه  عن ذلك.

فأتت خولة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ أوس بن الصّامت هو زوجي وأبو ولدي وابن عمّي، فقال لي:

أنت عليّ كظهر أمّي، وكنّا نحرّم ذلك في الجاهليّة وقد أتانا اللّه بالإسلام بك.

حدّثنا عليّ بن الحسين  قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ امرأة من المسلمات أتت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقالت: يا رسول اللّه، إنّ فلانا زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ولم يرمّني مكروها، أشكوه إليك.

فقال: فبم تشكينه؟

قالت: إنّه قال: أنت عليّ كظهر أمّي، وقد أخرجني من منزلي، فانظر في أمري.

فقال لها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما أنزل اللّه في ذلك كتابا أقضي فيه بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلّفين.

فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى اللّه- عزّ وجلّ- وإلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وانصرفت.

قال: فسمع [اللّه- تبارك وتعالى-]  مجادلتها لرسول اللّه في زوجها وما شكت إليه، وأنزل اللّه في ذلك قرآنا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي- إلى قوله-: غَفُورٌ.

قال: فبعث رسول اللّه إلى المرأة، فأتته.فقال لها: جيئيني بزوجك. فأتت به.

فقال له: أقلت لامرأتك هذه: أنت عليّ حرام  كظهر أمّي؟

فقال: قد قلت لها ذلك.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قد أنزل اللّه فيك وفي امرأتك قرآنا، وقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ- إلى قوله-: غَفُورٌ. فضمّ إليك امرأتك، فإنّك قد قلت منكرا من القول وزورا، وقد عفا اللّه عنك وغفر لك، ولا تعد.

قال: فانصرف الرّجل وهو نادم على ما قال لامرأته، وكره اللّه ذلك للمؤمنين بعد، وأنزل اللّه: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال: يعني: [لما قال‏]  لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي.

قال: فمن قالها بعد ما عفا اللّه وغفر للرّجل‏]  الأوّل. فإنّ عليه تحرير رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، يعني: مجامعتها- إلى قوله-: سِتِّينَ مِسْكِيناً. قال: فجعل اللّه عقوبة من ظاهر بعد النّهي هذا، ثمّ قال: ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ قال:

هذا حدّ الظّهار.

قال حمران : قال أبو جعفر- عليه السّلام-: ولا يكون ظهار في يمين، ولا في إضرار، ولا في غضب. ولا يكون ظهار إلّا على طهر من غير جماع، بشهادة شاهدين مسلمين.

 [وَ لِلْكافِرِينَ، أي: الّذين لا يقبلون الحدود، عَذابٌ أَلِيمٌ . وهو نظير قوله : «و من كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين».

و

في 1 الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه [جميعا]  عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل مملك  ظاهر من امرأته.

فقال: لا يكون ظهار ولا إيلاء حتّى يدخل بها.محمّد بن يحيى  عن أحمد بن محمّد عن أبي نصر، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: الظّهار لا يقع على الغضب.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق  [بن صدقة] ، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الظّهار الواجب.

قال: الّذي يريد به الرّجل الظّهار بعينه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكوني، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا قالت المرأة: زوجي علي كظهر أمّي، فلا كفّارة عليها.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن محمّد الزّيات قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: إنّي ظاهرت من امرأتي.

فقال: كيف قلت؟

 [قال: قلت:]  أنت عليّ كظهر أمّي إن فعلت كذا وكذا.

فقال: لا شي‏ء، عليك، ولا تعد.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن رجل من أصحابنا، عن رجل [قال: قلت‏]  لأبي الحسن- عليه السّلام-: إنّي قلت لامرأتي : أنت عليّ كظهر أمّي إن خرجت من باب الحجرة، فخرجت.

فقال: ليس عليك شي‏ء.

فقلت: إنّي قويّ على أن أكفّر.

فقال: ليس عليك شي‏ء.

فقلت: إنّي أقوى على أن أكفر رقبة ورقبتين.قال: ليس عليك شي‏ء، قويت أو لم تقو.

عليّ بن إبراهيم : عن أبيه، وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

سمعته يقول: جاء رجل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- ظاهرت من امرأتي.

قال: اذهب فأعتق رقبة.

قال: ليس عندي [شي‏ء] .

قال: اذهب وصم  شهرين متتابعين.

قال: لا أقوى.

قال: اذهب فأطعم ستّين مسكينا.

قال: ليس عندي.

قال: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا أتصدّق عنك. فأعطاه تمرا لإطعام ستّين مسكينا، قال: اذهب فتصدّق بها.

فقال: والّذي بعثك بالحقّ، لا أعلم بين لابتيها  أحدا أحوج إليه منّي ومن عيالي.

قال: فاذهب وكل  وأطعم عيالك.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن المملوك، أ عليه ظهار؟

فقال: نصف ما على الحرّ من الصّوم، وليس عليه كفّارة صدقة ولا عتق.

عليّ ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه‏و  أبي الحسن- عليهما السّلام- في رجل كان له عشر جوار، فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعا بكلام واحد.

فقال: عليه عشر كفّارات.

أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار، [عن صفوان،]  عن سيف التّمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أختي ، أو خالتي، أو عمّتي.

فقال: إنّما ذكر اللّه الأمّهات، وإنّ هذا الحرام.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر عمّته، أو خالته.

فقال: هو الظّهار.

أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار، والرّزّاز، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان [بن يحيى‏] ، عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم- عليه السّلام- عن الرّجل يظاهر من جاريته.

فقال: الحرّة والأمة في ذا  سواء.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً قال: من مرض أو عطاش.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

 [و للظّهار أحكام وتفاصيل كثيرة مذكورة في محالّها. فمن أرادها، وقف عليها هناك.]

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: يعادونهما، فإنّ كلّا من المتعاديين في حدّغير حدّ الآخر. أو يضعون. أو يختارون غير حدودها.

كُبِتُوا: أخزوا أو أهلكوا. وأصل الكبت: الكبّ.

كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يعني: الأمم الماضية.

وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ: تدلّ على صدق الرّسول وما جاء به.

وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ : يذهب عزّهم وتكبّرهم.

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ: منصوب «بمهين» أو بإضمار «اذكر».

جَمِيعاً: كلّهم، لا يدع أحدا غير مبعوث. أو مجتمعين.

فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، أي: على رؤوس الأشهاد، تشهيرا لحالهم وتقريرا لعذابهم. أَحْصاهُ اللَّهُ: أحاط به عددا، لم يغب منه شي‏ء.

وَ نَسُوهُ: لكثرته. أو تهاونهم به.

وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ : لا يغيب عنه شي‏ء.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: كلّيا وجزئيّا.

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ: ما يقع من تناجي ثلاثة.

و يجوز أن يقدّر مضاف، أو يؤوّل «نجوى» بمتناجين، ويجعل «ثلاثة» صفة لها.

و اشتقاقها من النّجوة، وهي ما ارتفع من الأرض، فإنّ السّرّ [أمر]  مرفوع إلى الذّهن لا يتيسر لكلّ أحد أن يطّلع عليه.

إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ: إلّا  يجعلهم اللّه أربعة، من حيث إنّه يشاركهم في الاطّلاع عليها.

و الاستثناء  من أعمّ الأحوال .

وَ لا خَمْسَةٍ: ولا نجوى خمسة إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ.قيل : تخصيص العددين، إمّا لخصوص الواقعة فإنّ الآية نزلت في تناجي المنافقين، أو لأنّ اللّه وتر يحبّ الوتر والثّلاثة أوّل الأوتار، أو لأنّ التّشاور لا بدّ له من اثنين يكونان، كالمتنازعين وثالث يتوسّط بينهما.

و قرئ : «ثلاثة وخمسة» بالنّصب على الحال بإضمار «يتناجون»، أو بتأويل «نجوى» بمتناجين.

وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ: ولا أقلّ ممّا ذكر، كالواحد والاثنين.

وَ لا أَكْثَرَ، كالسّتّة وما فوقها.

إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ: يعلم ما يجري بينهم.

و قرأ  يعقوب: «و لا أكثر» بالرّفع، عطفا على محلّ «من نجوى» أو محلّ «لا أدنى» إن جعلت «لا» لنفي الجنس .

أَيْنَ ما كانُوا: فإنّ علمه بالأشياء ليس بقرب مكانيّ، حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة.

ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ: تفضيحا لهم، وتقريرا لما يستحقّونه من الجزاء.

إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ : لأنّ نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكلّ على سواء.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: [قوله : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ‏]  وقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ.  وقوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ.

فإنّما أراد بذلك: استيلاء امنائه بالقدرة الّتي ركّبها فيهم على جميع خلقه، وأنّ فعلهم‏فعله.

و

في كتاب الاهليلجة  المنقول عن الصّادق- عليه السّلام-: وإنّما سمّي جميعا سميعا لأنّه ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ [ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ‏]  أَيْنَ ما كانُوا. يسمع النّجوى، ودبيب النّمل على الصّفا، وخفقان الطّير في الهواء، لا يخفى عليه خافية، ولا شي‏ء ممّا أدركته الأسماع والأبصار، وما لا تدركه الأسماع والأبصار، ما جلّ من ذلك وما دقّ وما صغر من ذلك وما كبر.

و

في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عمر  بن أذينة: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ (الآية) فقال: هو واحد أحديّ الذّات، بائن من خلقه، وبذلك وصف نفسه، وهو بكلّ شي‏ء محيط بالإشراف والاحاطة والقدرة، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بالإحاطة والعلم لا بالذّات، لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة، فإذا كان بالذات لزمه الحواية.

و

في اصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، رفعه قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال له: أخبرني عن اللّه أين هو؟

فقال أمير المؤمنين: هو هاهنا وهاهنا، وفوق، وتحت ومحيط بنا، ومعنا، وهو قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ (الآية).

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ قال: فلان وفلان وأبي  فلان أمينهم»

 حين اجتمعوا، فدخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا: إن مات محمّد ألّا نرجع الأمر فيهم أبدا.و

في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن عليّ بن الحسين،] ، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ (الآية) قال: نزلت هذه الآية في فلان وفلان، وأبي عبيدة  الجرّاح، وعبد الرّحمن بن عوف، وسالم، مولى أبي حذيفة، والمغيرة بن شعبة، حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتواثقوا : لئن مضى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النّبوّة أبدا. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- فيهم هذه الآية.

... إلى قوله- عليه السّلام-: لعلّك ترى أنّه كان يوم  يشبه يوم كتب الكتاب إلّا يوم قتل الحسين- عليه السّلام-؟! وهكذا كان في سابق علم اللّه، الّذي أعلمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين- عليه السّلام- وخرج الملك من بني هاشم، فقد كان ذلك كلّه.

و

في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: مع كلّ شي‏ء  لا بمقارنة، وغير كلّ شي‏ء لا بمزايلة.

و

في إرشاد المفيد : وجاءت الرواية

 أنّ بعض أحبار اليهود جاء إلى أبي بكر، فقال له: أنت خليفة نبيّ  هذه الأمّة؟

فقال له: نعم.

فقال: إنّا نجد في التّوراة خلفاء الأنبياء أعلم أممهم، فخبّرني عن اللّه أين هو، في السّماء هو أم في الأرض؟

فقال له أبو بكر: هو في السّماء على العرش.

قال اليهوديّ: فأرى الأرض خالية منه، وأراه على هذا القول في مكان دون مكان.

فقال له أبو بكر: هذا كلام الزّنادقة، أعزب عنّي وإلّا قتلتك. [فولّى الحبر متعجّبا يستهزئ بالإسلام. فاستقبله أمير المؤمنين- عليه السّلام-.] .

فقال له أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: يا يهوديّ، قد عرفت ما سألت عنه وما أجبت به، وإنّا نقول لك: اللّه أيّن الأين فلا أين له، وجلّ أن يحويه مكان، هو في [كلّ‏]  مكان بغير مماسّة ولا مجاورة، يحيط علما بما فيها ولا يخلو شي‏ء منها من تدبيرها، وإنّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدّق ما ذكرته لك، فإنّ عرفته أ تؤمن به؟

قال اليهودي: نعم.

قال- عليه السّلام-: ألستم تجدون في بعض  كتبكم أنّ موسى بن عمران كان ذات يوم جالسا إذ جاءه ملك من المشرق، فقال له موسى: من أين أقبلت؟ قال: من عند اللّه. ثمّ جاءه ملك [آخر من المغرب‏]  فقال له موسى: من أين أقبلت؟ قال: من عند اللّه. ثمّ جاءه ملك فقال له: قد جئتك  من السّماء السّابعة من عند اللّه. ثمّ جاءه ملك آخر فقال له: قد جئتك  من الأرض السّفلى من عند اللّه. فقال موسى: سبحان من لا يخلوا منه مكان ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان؟

فقال اليهودي: أشهد أنّ هذا هو الحقّ، وأنّك أحقّ بمقام نبيّك ممّن استولى عليه.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ: نزلت في اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، فنهاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ عادوا لمثل فعلهم.

وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، أي: بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرّسول.

و قرأ  حمزة: «و ينتجون». وروي عن يعقوب [مثله‏]  وهو، يفتعلون، من‏ «النّجوى».

و

في مجمع البيان : وقرأ حمزة ورويس عن يعقوب: «ينتجون» والباقون:

 «يتناجون». ويشهد لقراءة حمزة قول النّبيّ في علي- لما قال له بعض أصحابه: أ تناجيه دوننا؟-: ما أنا انتجيته. بل اللّه انتجاه.

وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ: فيقولون: السّام  عليك، أو أنعم صباحا. واللّه يقول : وَسَلامٌ عَلى‏ عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى‏.

و

في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: وقال- تعالى- في سورة المجادلة: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ (الآية) وروي أنّ اليهود أتت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: السّام عليك، يا محمّد . والسّام بلغتهم: الموت.

فقال رسول اللّه: [و عليكم‏] . فأنزل اللّه هذه الآية.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ (الآية) قال: كان أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يأتون رسول اللّه فيسألونه أن يسأل اللّه لهم، وكانوا يسألون ما لا يحلّ لهم، فأنزل اللّه: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ. وقولهم له إذا أتوه: أنعم صباحا، وأنعم مساء. وهي تحيّة أهل الجاهليّة، فأنزل اللّه: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.

فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قد أبدلنا اللّه بخير من ذلك تحيّة أهل الجنّة ، السّلام عليكم.

وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: فيما بينهم.

لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ: هلّا يعذّبنا اللّه بذلك لو كان محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- نبيّا.

حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ: عذابا.يَصْلَوْنَها: يدخلونها.

فَبِئْسَ الْمَصِيرُ : جهنّم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، كما يفعل المنافقون.

و عن يعقوب : «فلا تنجوا».

وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى‏: بما يتضمّن خير  المؤمنين، والاتّقاء عن معصية الرّسول.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ : فيما تأتون وتذرون، فإنّه يجازيكم عليه.

إِنَّمَا النَّجْوى‏، أي: النّجوى بالإثم والعدوان مِنَ الشَّيْطانِ، فإنّه المزيّن لها والحامل عليها.

لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا: بتوهّمهم أنّها في نكبة أصابتهم.

وَ لَيْسَ: الشّيطان، أو التّناجي .

بِضارِّهِمْ: المؤمنين.

شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: إلّا بمشيئته.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : ولا يبالوا بنجواهم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سبب نزول هذه الآية، أنّ فاطمة- عليها السّلام- رأت في منامها أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- همّ أن يخرج هو وفاطمة وعليّ والحسن والحسين- عليهم السّلام- من المدنية، فخرجوا حتّى جازوا من حيطان المدينة، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول اللّه ذات اليمين حتّى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول اللّه شاة كبيرا ،- وهي الّتي في أحد أذنيها نقط بيض- فأمربذبحها. فلمّا أكلوا منها ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة، فلم تخبر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بذلك.

فلمّا أصبحت جاء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بحمار فأركب عليه فاطمة، وأمر أن يخرج أمير المؤمنين- عليه السّلام- والحسن والحسين- عليهما السّلام- من المدينة، كما رأته فاطمة- عليها السّلام- في نومها.

فلمّا خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان، فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذات اليمين، كما رأيت فاطمة، حتّى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شاة ذرآء ، كما رأت فاطمة- عليها السّلام-.

فأمر بذبحها فذبحت وشويت.

فلمّا أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحّت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا، فطلبها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى وقف  عليها وهي تبكي.

فقال: ما شأنك، يا بنيّة؟

فقالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رأيت البارحة كذا وكذا في نومي، وقد فعلت أنت كما رأيته في نومي، فتنحّيت عنكم لئلا أراكم تموتون.

فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فصلّى ركعتين، ثمّ ناجى ربّه، فنزل عليه جبرئيل فقال: يا محمّد، هذا شيطان يقال له: الزّها، وهو الّذي أرى فاطمة هذه الرّؤيا ويري  المؤمنين في نومهم ما يغتمّون به.

فأمر جبرئيل- عليه السّلام- فجاء به إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال له: أنت الّذي أريت فاطمة- عليها السّلام- هذه الرّؤيا؟

فقال: نعم، يا محمّد. فبزق عليه ثلاث بزقات، فشجّه  في ثلاثة  مواضع.

ثمّ قال جبرئيل- عليه السّلام- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: يا محمّد، إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه المقرّبون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصّالحون، من شرّ ما رأيت من رؤياي. ويقرأ الحمدو المعوّذتين وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنّه لا يضرّه ما رأى.

فأنزل اللّه على رسوله: إِنَّمَا النَّجْوى‏ مِنَ الشَّيْطانِ (الآية).

أخبرنا  أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي بكر الحضرميّ وبكر بن أبي بكر قال: حدّثنا سليمان بن خالد قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: إِنَّمَا النَّجْوى‏ مِنَ الشَّيْطانِ.

قال: الثاني .

و

في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه‏] ، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا رأى  الرّجل منكم ما يكرهه في منامه، فليتحوّل عن شقّه الّذي كان عليه نائما، وليقل: إِنَّمَا النَّجْوى‏- إلى قوله-:

بِإِذْنِ اللَّهِ. ثمّ ليقل: عذت بما عاذت به ملائكة اللّه المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصّالحون، عن شر ما رأيت ومن شر الشّيطان الرّجيم.

و في مجمع البيان : وقيل: إنّ الآية المراد بها: أحلام المنام الّتي يراها الإنسان في نومه فتحزنه.

ورد في الخبر ، عن عبد اللّه بن مسعود [قال: قال: النّبيّ:]

 إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك يحزنه.

 

و

عن ابن عمر ، عنه- صلّى اللّه عليه وآله- قال- صلّى اللّه عليه وآله-: لا يتناج اثنان دون الثالث [صاحبهما، فانّ ذلك يحزنه‏] .

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ: توسّعوا فيه، وليفسح بعضكم عن بعض. من قولهم: افسح عنّي، أي: تنحّ.

و قرئ : «تفاسحوا».

و المراد بالمجلس: الجنس، و يدلّ عليه قراءة عاصم ، بالجمع. وأو مجلس رسول‏اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فإنّهم كانوا يتضامّون به تنافسا على القرب منه، وحرصا على استماع كلامه.

فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ: فيما تريدون التّفسّح فيه من المكان والرّزق والصّدر وغيرها.

وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا  انهضوا للتّوسعة، أو لما أمرتم به- كصلاة أو جهاد-، أو ارتفعوا عن المجلس، فَانْشُزُوا.

و قرأ  نافع وابن عامر وعاصم، بضمّ الشّين فيهما.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا (الآية) قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا دخل المسجد يقوم له النّاس، فنهاهم أن يقوموا له، فقال: تَفَسَّحُوا، أي: وسّعوا له [في المجلس‏] . وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا، يعني:

إذا قال: قوموا، فقوموا.

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ: بالنّصر، وحسن الذّكر في الدّنيا، وإيوائهم غرف الجنّة [في الآخرة] .

وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ: ويرفع العلماء منهم خاصّة درجات بما جمعوا بين العلم والعمل.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن الحسن  العسكري- عليه السّلام- [أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري- عليهم السّلام-]

 أنّ رجلا من فقهاء الشّيعة كلّم بعض النّصّاب فأفحمه  بحجّته  حتّى أبان عن فضيحته، فدخل على  عليّ بن محمّد- عليهما السّلام- وفي صدر مجلسه دست  عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدّست، وبحضرته خلق من العلويّين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك‏الدّست وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف، فأما العلويّون  فأجلّوه عن العتاب.

و أمّا الهاشميّون، فقال له  شيخهم: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هكذا تؤثر عاميّا على سادات بني هاشم من الطالبيّين والعبّاسيّين؟

فقال- عليه السّلام-: إيّاكم وأن تكونوا من الّذين قال اللّه - تعالى- فيهم:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى‏ كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. أ ترضون بكتاب اللّه حكما؟

قالوا: بلى.

قال- عليه السّلام-: أليس يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا- إلى قوله-: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ. فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلّا أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني  عنه- تعالى- قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ أو قال: يرفع اللّه الذين أوتوا سرف النّسب درجات؟ أو ليس قال اللّه : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟ إنّ كسر هذا لفلان النّاصب بحجج اللّه الّتي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النّسب.

 (الحديث)

و

في مجمع البيان: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ.

و قد ورد أيضا في الحديث أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: فضل العالم على الشّهيد درجة، وفضل الشهيد على العابد درجة. وفضل النّبيّ على العالم درجة. وفضل القرآن على سائر الكلام، كفضل اللّه على  خلقه. وفضل العالم على سائر النّاس كفضلي على أدناهم. رواه جابر بن عبد اللّه.

و

قال عليّ - عليه السّلام-: من جاءته منيّته، وهو يطلب العلم، فبينه وبين‏الأنبياء درجة.

و

في جوامع الجامع : وعن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: بين العالم والعابد مائة درجة، بين كلّ درجتين خصر  الجواد المضمر  سبعين سنة.

و عنه - عليه السّلام-: فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.

و عنه - عليه السّلام-: تشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : تهديد لمن لم يمتثل الأمر، أو استكرهه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً:

فتصدّقوا قدّامها. مستعار ممّن له يدان.

و في هذا الأمر تعظيم الرّسول، وإنفاع الفقراء، والنّهي عن الإفراط في السّؤال، والتّمييز والتميّز بين المخلص والمنافق، ومحبّ الآخرة ومحبّ الدّنيا.

ذلِكَ [، أي: ذلك التصدّق‏]  خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ: اي لأنفسكم من الزينة وحبّ المال.

فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لمن لم يجد، حيث رخص له في المناجاة بلا تصدّق.

أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ: أخفتم الفقر من تقديم الصّدقة. أو أخفتم التّقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر.

و جمع «صدقات» لجمع المخاطبين، أو لكثرة التّناجي.

فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: بأن رخصّ أن لا تفعلوا.فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ: فلا تفرّطوا في أدائهما.

وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: في سائر الأوامر، فإنّ القيام بها كالجابر للتّفريط في ذلك.

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : ظاهرا وباطنا.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود، وفيه: فأنزل اللّه- تعالى- أن لا يكلّموني حتّى يتصدّقوا بصدقة، وما كان ذلك لنبيّ قطّ، قال اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ (الآية) ثمّ وضعها عنهم بعد أن فرضها عليهم برحمة منه.

و

عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد أنزلت فيه هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ (الآية) فكنت أنا الّذي قدّم الصّدقة غيري؟

قالوا: لا.

و

في كتاب الخصال ، في مناقب عليّ- عليه السّلام- وتعدادها: قال- عليه السّلام-: وأمّا الرّابعة والعشرون، فإنّ اللّه أنزل على رسوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ (الآية) فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول اللّه- صلّى الله عليه وآله- أتصدّق قبل ذلك بدرهم، وو اللّه، ما فعل هذا أحد [من أصحابه‏]  قبلي [و لا بعدي‏] ، فأنزل اللّه: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (الآية) فهل تكون التّوبة إلّا عن ذنب؟

و

فيه ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر: قال: فأنشدك باللّه، أنت الّذي قدّم بين يدي نجواه لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله- [صدقة]  فناجاه وعاتب اللّه قوما فقال: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا (الآية) أم أنا؟

قال: بل أنت.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ (الآية) قال: إذا سألتم رسول اللّه حاجة فتصدّقوا بين يدي حاجتكم ليكون أقضى لحوائجكم، فلم يفعل ذلك أحد إلّا أمير المؤمنين- عليه السّلام- فإنّه تصدّق بدينار، وناجى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عشر نجوات .

حدّثنا  أحمد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-:

إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ (الآية).

قال: قدّم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بين يدي نجواه صدقة، ثمّ نسخها قوله: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا (الآية).

و

بإسناده  إلى مجاهد قال: قال عليّ- عليه السّلام-: إنّ في كتاب اللّه لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل به أحد بعدي، وهي آية النّجوي، إنّه كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فجعلت أقدّم بين يدي كلّ نجوى أناجيها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- درهما.

قال: فنسخها قوله: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا (الآية).

و

في مجمع البيان : قال- عليه السّلام-: بي خفّف اللّه عن هذه الأمّة ، ولم تنزل في أحد قبلي ولن تنزل  في أحد بعدي.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمد بن العبّاس- رحمه اللّه-، عن عليّ بن عقبة  ومحمّد بن القاسم قالا: حدّثنا الحسين بن الحكم، عن حسن  بن حسين، عن حيّان  بن عليّ، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ (الآية) قال: نزلت في عليّ خاصّة. كان له دينار فباعه‏بعشرة دراهم، فكان كلّما ناجاه، قدّم درهما حتّى ناجاه عشر مرّات، ثمّ نسخت. فلم يعمل بها أحد قبله ولا بعده.

و

قال- أيضا- : حدثنا عليّ بن عبّاس، عن محمّد بن مروان، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن السّدي، عن عبد خير، عن عليّ- عليه السّلام- قال: كنت أوّل من ناجى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، وكلّمت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عشر مرّات، كلّما أردت أن أناجيه تصدّقت بدرهم فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال المنافقون:

ما يألوا ما ينجش  لابن عمّه. حتّى نسخها اللّه- تعالى- فقال: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا (الآية).

ثمّ قال- عليه السّلام-: فكنت أوّل من عمل بهذه الآية وآخر من عمل بها، فلم يعمل بها أحد قبلي ولا بعدي.

و قال- أيضا- : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّاء، عن أيّوب بن سليمان، عن محمّد بن مروان، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله- تعالي-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ (الآية) قال: إنّه حرّم كلام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ رخص لهم في كلامه بالصّدقة، فكان إذا أراد الرّجل أن يكلّمه تصدّق بدرهم ثمّ كلمه بما يريد.

قال: فكف النّاس عن كلام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه، فتصدّق عليّ- عليه السّلام- بدينار كان له، فباعه بعشرة دراهم في عشر كلمات سألهنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره، وبخل أهل الميسرة أن يفعلوا ذلك.

فقال المنافقون: ما صنع عليّ بن أبي طالب الّذي صنع من الصّدقة إلّا أنّه أراد أن يروّج  لابن عمّه! فأنزل اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ‏من إمساكها وَأَطْهَرُ يقول: وأزكى لكم من المعصية فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا الصّدقة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَ أَشْفَقْتُمْ يقول الحكيم: أ أشفقتم، يا أهل الميسرة أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ  يقول: قدّام نجواكم، يعني: كلام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صَدَقَةً على الفقراء؟ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا يا أهل الميسرة وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، يعني: تجاوز عنكم إذ لم تفعلوا فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يقول: أقيموا الصلوات الخمس وَآتُوا الزَّكاةَ، يعني: أعطوا الزّكاة، يقول: تصدّقوا. فنسخت ما أمروا به عند المناجاة بإتمام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بالصّدقة في الفريضة والتّطوّع وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، أي: تنفقون.

و

فيه : ونقلت من مؤلّف شيخنا، أبي جعفر الطّوسيّ هذا الحديث، ذكر أنّه في جامع التّرمذي وتفسير الثّعلبيّ، بإسناده: عن [عليّ بن‏]  علقمة الأنماريّ، يرفعه إلى عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: بي خفّف اللّه عن هذه الأمّة، لأنّ اللّه امتحن الصّحابة بهذه الآية فتقاعسوا [كلّهم‏]  عن مناجاة الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-. وكان قد احتجب في منزله من مناجاة كلّ أحد إلّا من تصدّق بصدقة. وكان معي دينار فتصدّقت به، فكنت أنا سبب التّوبة من اللّه على المسلمين حين عملت بالآية. ولو لم يعمل بها أحد، لنزل العذاب لامتناع  الكلّ من العمل بها .

صدق- صلوات اللّه عليه- لأنّه ما زال سببا لكلّ خير يعزى إليه، وإنّ اللّه- سبحانه- أراد أن ينوّه بفضله، ويجعل هذه الآية منقبة له دون غيره، إذ لم يجعل للصّدقة مقدارا معيّنا، ولو جعل لأمكن أكثر النّاس أن يتصدّقوا، ففي ترك عملهم بها ونسخها دليل على أنّها كانت منقبة  له خاصّة، لأنه- تعالى- عالم بما يكون قبل كونه، وعلم صدقات عليّ- عليه السّلام- وتقاعس غيره عنها، فأراد اللّه- سبحانه- إظهار فضله عند تقاعس غيره وذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يعني: اليهود.ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ: لأنّهم منافقون مذبذبون [بين ذلك‏] .

وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ: وهو ادّعاء الإسلام.

وَ هُمْ يَعْلَمُونَ : أنّ المحلوف عليه كذب، كمن يحلف بالغموس .

و في هذا التّقييد دليل على أنّ الكذب يعمّ ما يعلم المخبر عدم مطابقته، وما لم يعلم.

قيل : روي أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في حجرة من حجراته، فقال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبّار وينظر بعين شيطان.

فدخل عبد اللّه بن نبتل  المنافق، وكان أزرق، فقال- صلّى اللّه عليه وآله- له:

علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف باللّه ما فعل، ثمّ جاء بأصحابه فحلفوا، فنزلت.

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً: نوعا من العذاب متفاقما .

إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : فتمرّنوا على سوء العمل وأصرّوا عليه.

اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ، أي: الّتي حلفوا بها.

و قرئ  بالكسر، أي: إيمانهم الّذي أظهروه.

جُنَّةً: وقاية دون دمائهم وأموالهم.

فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: فصدّوا النّاس في خلال أمنهم عن دين اللَّه بالتّحريش والتّثبيط.

فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ : وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم.

و قيل : الأوّل عذاب القبر، وهذا عذاب الآخرة.

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : قد سبق مثله.

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ، أي: للّه، على أنّهم مسلمون ويقولون‏بالبعث .

كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ: في الدّنيا إنهم لمنكم.

وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ: [في حلفهم الكاذب‏]  لأن تمكّن النّفاق في نفوسهم بحيث يخيّل إليهم في الآخرة أنّ الأيمان الكاذبة تروّج الكذب على اللّه، كما تروّجه عليكم [في الدّنيا] .

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ : البالفون الغاية في الكذب [حيث يكذبون‏]  مع عالم الغيب والشّهادة و[يحلفون‏]  عليه.

و

في تفسير علي بن إبراهيم : وقوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قال: نزلت في الثّاني، لأنه  مرّبه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو جالس عند رجل من اليهود ويكتب خبر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فأنزل اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ (الآية).

فجاء الثّاني إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال [له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] : رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى اللّه عن ذلك؟! فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كتبت عنه ما في التّوراة من صفتك.

و أقبل يقرأ ذلك على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو- صلّى اللّه عليه وآله- غضبان.

فقال له رجل من الأنصار: ويلك، أ ما ترى غضب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليك؟! فقال: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله، إنّي إنّما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا فلان، لو أنّ موسى بن عمران فيهم قائما، ثمّ أتيته رغبة عمّا جئت به، لكنت كافرا بما جئت به. وهو قوله: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ، أي: حجابا بينهم وبين الكفّار، وأيمانهم إقرار باللّسان [خوفا من‏السيف‏]  ورفع الجزية.

و قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ قال: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الّذين غصبوا آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- حقّهم  فيعرض عليهم أعمالهم، فيحلفون له أنّهم لم يعملوا منها شيئا، كما حلفوا لرسول اللّه في الدّنيا حين حلفوا أن لا يردّوا الولاية في بني هاشم، وحين همّوا بقتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في العقبة. فلمّا أطلع اللّه نبيّه وأخبره، حلفوا له أنّهم لم يقولوا ذلك ولم يهمّوا به حين أنزل اللّه على رسوله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ (الآية) [قال: ذلك إذا عرض عليهم ذلك في  القيامة ينكروه ويحلفوا (له كما حلفوا)  لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وهو قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (الآية).]

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ: استولى عليهم. من حذت الإبل وأحذتها : إذا استوليت عليها وجمعتها. وهو ممّا جاء على الأصل.

فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ: لا يذكرونه بقلوبهم وألسنتهم.

أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ: جنوده وأتباعه.

أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ : لأنّهم فوّتوا على أنفسهم النّعيم المؤيّد، وعرّضوها للعذاب المخلّد.

و

في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، خطبة للحسين- عليه السّلام- خطب بها لمّا رأى صفوف أهل الكوفة بكربلاء  كاللّيل والسّيل، وفيها: فنعم الرّبّ ربّنا، وبئس العباد أنتم، أقررتم بالطّاعة وآمنتم بالرّسول، محمّد، ثمّ إنّكم رجعتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشّيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم. فتبّا لكم ولما تريدون، إنا للّه وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظّالمين.

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن‏يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بينما موسى جالسا إذا أقبل عليه إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنا من موسى، خلع البرنس وقام إلى موسى [فسلّم عليه‏] .

فقال له موسى: من أنت؟

قال: أنا إبليس.

قال: أنت؟! فلا قرّب اللّه دارك قال: إنّي إنّما جئت لأسلّم عليك لمكانك من اللّه.

قال: فقال له موسى: ما هذا البرنس؟

قال: به أختطف قلوب بني آدم.

فقال له موسى: أخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه  واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه .

و قال: قال اللّه- عزّ وجلّ- لداود: يا داود، بشّر المذنبين وأنذر الصّدّيقين.

قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصّدّيقين؟

قال: يا داود، بشّر المذنبين أنّي اقبل التّوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصّدّيقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلّا هلك.

الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمّد  بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: خطب أمير المؤمنين- عليه السّلام- النّاس فقال:

أيّها النّاس، إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اللّه، يتولّى فيها رجال رجالا. فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا، فهناك، استحوذ الشّيطان على أوليائه، ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه‏الحسنى.

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ : في جملة من هو أذلّ خلق اللّه.

كَتَبَ اللَّهُ: في اللّوح.

لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي: بالحجية.

و قرأ  نافع وابن عامر: «و رسلي» بفتح الياء.

إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ: على نصر أنبيائه.

عَزِيزٌ : لا يغلب عليه في مراده.

و

في مجمع البيان : وروي أنّ المسلمين قالوا لمّا [رأوا ما]  يفتح اللّه عليهم من القرى: ليفتحنّ اللّه علينا الرّوم وفارس.

فقال المنافقون: أ تظنون أنّ فارس  والرّوم كبعض القرى الّتي غلبتم عليها.

فأنزل اللّه هذه الآية.

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: لا ينبغي أن تجدهم وادّين أعداء اللّه، والمراد: أنّه لا ينبغي أن يوادّوهم.

وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ: ولو كان المحادّون أقرب النّاس إليهم.

و

في عيون الأخبار ، في باب نسخة وصيّة موسى بن جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه موسى بن جعفر- عليه السّلام-: وأوصيت بها إلى عليّ، ابني.

... إلى قوله: وأمّهات أولادي، ومن أقام منهم في منزله وفي حجابه فله ما كان يجري عليه في حياتي إن أراد ذلك، ومن خرج منهنّ إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى حزانتي  إلّا أن يرى عليّ ذلك، وبناتي مثل ذلك، ولا يزوّج بناتي أحد من إخوانهنّ من أمّهاتهنّ، ولا سلطان ولا عمل لهنّ إلّا برأيه ومشورته، فإن فعلوا ذلك، فقد خالفوا اللّه ورسوله وحادّوه في ملكه.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- وقد ذكر عليّا وأولاده-: ألا إنّ أعداء عليّ- عليه السّلام- هم أهل الشّقاق [و النفاق والحادّون، و] ، هم العادون وإخوان الشياطين الّذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. ألا إنّ أولياءهم الّذين ذكرهم اللّه في كتابه المؤمنون، فقال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (الآية).

أُولئِكَ، أي: الّذين لم يوادّوهم.

كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ: أثبته فيها.

وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي: من عند اللّه.

قيل : هو نور القلب، أو القرآن، أو النّصر على العدوّ.

و قيل : الضّمير للإيمان، فإنه سبب لحياة القلب.

و

في أصول الكافي : الحسين بن محمّد بن محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي، عن مفضّل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وعنده في البيت أناس، فظننت أنّه إنّما أراد بذلك غيري.

فقال: أما، واللّه، ليغيبنّ عنكم صاحب هذا الأمر، وليخملنّ هذا  حتّى يقال: مات، هلك، في أيّ واد سلك. ولتكفأنّ كما تكفأ السّفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلّا من أخذ اللّه ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيّده بروح منه. (الحديث)

و

بإسناده  إلى أبي حمزة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله- تعالى-: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

قال: هو الإيمان. [و

بإسناده  إلى الفضيل قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع؟

قال: لا.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى عن عبيد، عن يونس، عن جميل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ؟

قال: هو الإيمان.]

 

و

بإسناده  إلى أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: ما من مؤمن إلّا ولقلبه أذنان في جوفه: أذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، وأذن ينفث فيها الملك. فيؤيّد اللّه المؤمن بالملك، وذلك، قوله- تعالى-: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

و

بإسناده  إلى محمّد بن سنان: عن أبي خديجة  قال: دخلت على أبي الحسن- عليه السّلام- فقال لي: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كلّ وقت يحسن فيه ويتّقي، وتغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتزّ سرورا عند إحسانه، وتسيخ في الثّرى عند إساءته. فتعاهدوا، عباد اللّه، نعمه بإصلاحكم أنفسكم، تزدادوا يقينا، وتربحوا نفيسا ثمينا. رحم اللّه امرءا همّ بخير فعمله، أو همّ بشر فارتدع عنه.

ثمّ قال: نحن نؤيّد بالرّوح، بالطاعة للّه والعمل له.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في قول رسول اللّه: إذا زنى الرجل، فارقه روح الإيمان.

قال: هو قوله: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ذلك الّذي يفارقه.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن داود قال: سألت أباعبد اللّه- عليه السّلام- عن قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا زنى الرّجل فارقه، روح الإيمان.

قال: فقال: هو مثل قول اللّه: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.

ثمّ قال: غير هذا أبين منه، ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هو الّذي فارقه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول فيه: فأمّا ما ذكر من أمر السّابقين فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوّة، وروح الشّهوة، وروح البدن.

فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبها علموا الأشياء.

و بروح الإيمان عبدوا اللّه ولم يشركوا به شيئا.

و بروح القوّة جاهدوا عدّوهم  وعالجوا معاشهم.

و بروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام، ونكحوا الحلال من شباب النّساء.

و بروح البدن دبّوا ودرجوا، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ قال: قال اللّه - عزّ وجلّ-: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ.

ثمّ قال في جماعتهم: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يقول: أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قال: [الروح‏]  ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل [و كان‏]  مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو مع الأئمّة.

و

في محاسن البرقيّ : عنه عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الرّحمن بن حمّاد، عن العبديّ ، عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: الإيمان‏في القلب، واليقين خطرات.

و

في كتاب الخصال : عن سويد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت:

فما الّذي يثبت الإيمان في العبد؟

قال: الّذي يثبته  فيه الورع، والّذي يخرجه منه الطّمع.

عن عليّ بن سالم ، عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام-: أدنى ما يخرجه به الرّجل من الإيمان أن يجلس إلى غال فيستمع إلى حديثه، ويصدّقه على قوله.

و

في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- فقلت: قول اللّه : يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.

فقال: «اليد» في كلام العرب: النّعمة والقوّة. قال اللّه : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ. وقال : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ، أي: بقوّة. وقال: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، أي: قوّاهم . (الحديث)

و

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أحمد بن إسحاق قال: قلت لأبي محمّد، الحسن بن عليّ- عليه السّلام- وقد ذكر أنّ غيبة القائم- عليه السّلام- تطول:

و إنّ غيبته لتطول؟

قال: إي، وربّي، حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلّا من أخذ اللّه ميثاقه بولايتنا وكتب في قلبه  الإيمان وأيّده  بروح منه. (الحديث)

و

بإسناده  إلى الحسن بن محمّد بن صالح البزّاز قال: قال العسكريّ- عليه السّلام-: إنّ ابني هو القائم من بعدي، وهو الّذي يجري فيه سنن الأنبياء  بالتّعميرو الغيبة حتّى تقسوا القلوب لطول الأمد، فلا يثبت على القول به إلّا من كتب اللّه- عزّ وجلّ- في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه.

و

بإسناده  إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنه قال: التّاسع من ولدك، يا حسين، هو القائم بالحقّ والمظهر للدّين والباسط للعدل.

قال الحسين- عليه السّلام-: فقلت: يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وإنّ ذلك لكائن؟! فقال: إي، والّذي بعث محمدا بالنّبوّة، واصطفاه على البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة، ولا يثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الّذين أخذ اللّه- عزّ وجلّ- ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروح منه.

و

في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا المنذر بن محمّد، عن أبيه قال: حدّثني عمّي، الحسين بن سعيد، عن أبان بن تغلب، عن عليّ بن محمّد بن بشير  قال: قال محمّد بن عليّ- عليهما السّلام-، ابن الحنفيّة : إنّما حبّنا أهل البيت شي‏ء  يكتبه اللّه في أيمن قلب العبد، ومن كتبه اللّه في قلبه، لا يستطيع أحد محوه.

أما سمعت اللّه- سبحانه- يقول: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (إلى آخر الآية)؟ فحبّنا أهل البيت الإيمان.

وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: بطاعتهم.

وَ رَضُوا عَنْهُ: بقضائه، أو بما وعدهم من الثّواب.

أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ: جنده وأنصار دينه.

أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بخير الدارين.

و

في شرح الآيات الباهرة : وجاء من طريق العامّة، ما رواه أبو نعيم قال:

حدّثنا محمّد بن حميد، بإسناده  عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد  بن عمر بن عليّ بن أبي‏طالب- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن جدّي ، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: قال سلمان الفارسيّ:

يا أبا الحسن، ما طلعت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا ضرب بين كتفي، وقال: يا سلمان، هذا وحزبه هُمُ الْمُفْلِحُونَ.