سورة المدّثّر

سورة المدّثّر 

مكّيّة.

و آيها ستّ أو خمس وخمسون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- قال: من قرأ في الفريضة سورة المدّثر، كان حقّا على اللّه أن يجعله مع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- في درجته، ولا يدركه في الحياة الدّنيا شقاء أبدا [إن شاء اللّه‏] .

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة المدّثّر، اعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدّق بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وكذّب به .

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، أي: المتدثّر، وهو لابس الدّثار.

قيل : أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: كنت بحراء فنوديت، فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا ، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش  بين السّماء والأرض، يعني:الملك الّذي ناداه، فرعبت ورجعت إلى خديجة- رضي اللّه عنها- فقلت: دثّروني. فنزل جبرئيل وقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ولذلك قيل : هي أوّل سورة نزلت.

و قيل : تأذّى من قريش فتغطّى بثوبه متفكّرا، أو كان نائما متدثّرا، فنزلت.

و قيل : المراد بالمدّثّر: المتدثّر بالنّبوّة والكمالات النّفسانيّة، أو المختفي فإنّه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة.

و قرئ : «المدثّر»، أي: الّذي دثّر هذا الأمر وعصّب به.

و في مجمع البيان : قال الأوزاعيّ: سمعت يحيى بن كثير  يقول: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أنزل قبل؟

قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.

فقلت : أو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؟

فقال: سألت جابر بن عبد اللّه: أيّ القرآن انزل قبل؟

قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.

فقلت: أو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؟

فقال جابر: أحدّثكم ما حدّثنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال:

جاورت بحراء شهرا، فلمّا قضيت جواري، نزلت فاستبطنت الوادي ، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر أحدا، ثمّ نوديت، فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعني: جبرئيل. فقلت: دثّروني دثّروني . فصبّوا عليّ ماء، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.

قُمْ: من مضجعك. أو قم قيام عزم وجدّ.

فَأَنْذِرْ : مطلق للتّعميم. أو مقدّر بمفعول دلّ عليه قوله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أو قوله : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً.و في تفسير عليّ بن إبراهيم»

: قُمْ فَأَنْذِرْ. قال: هو قيامه في الرّجعة ينذر فيها.

وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ : وخصّص ربّك بالتكبير، وهو وصفه بالكبرياء عقدا  وقولا.

و روي من طريق العامّة : أنّه لمّا نزل كبّر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأيقن أنّه الوحي، وذلك لأنّ الشّيطان لا يأمر بذلك.

و الفاء فيه وفيما بعده لإفادة معنى الشّرط، وكأنّه قال: وما يكن من شي‏ء فكبّر ربّك. أو الدّلالة على أنّ المقصود الأوّل من الأمر بالقيام أن يكبّر ربّه عن الشّرك والتّشبيه، فإنّ أوّل ما يجب معرفة الصّانع، وأوّل ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه، والقوم كانوا مقرّين به.

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ : من النّجاسات، فإنّ التّطهير واجب في الصّلاة محبوب في غيرها، وذلك بغسلها وبحفظها عن النّجاسة بتقصيرها مخافة جرّ الذّيول فيها.

و قيل : هو وّل ما أمر به من رفض العادات المذمومة.

و قيل : طهر نفسك من الأخلاق الذّميمة والأفعال الدّنيئة، فيكون أمرا باستكمال القوّة العلميّة  بعد أمره باستكمال القوّة النّظريّة والدّعاء إليه.

و قيل : فطهّر دثار النّبوّة عمّا يدنّسه من الحقد والضّجر وقلّة الصّبر .

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: تشمير الثّياب طهور لها، قال- تعالى-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، يعني: فشمّر.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال:

فشمّر.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن‏عائد، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان عندكم، فأتى بني ديوان فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، والإزار إلى نصف السّاق، والرّداء من بين يديه ومن خلفه إلى أليتيه .

ثمّ رفع يده إلى السّماء، فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتّى دخل منزله.

ثمّ قال: هذا اللّباس الّذي ينبغي  للمسلمين أن يلبسوه.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ولكن لا تقدرون أن تلبسوا هذا اليوم، ولو فعلناه لقالوا: مجنون، ولقالوا: مراء، واللّه يقول: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال: وثيابك ارفعها لا تجرّها. فإذا قام قائمنا، كان هذا اللّباس.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرّحمن بن عثمان، عن رجل من أهل اليمامة كان مع أبي الحسن- عليه السّلام- أيّام حبس ببغداد قال: قال لي أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه قال لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [و كانت ثيابه طاهرة]  وإنّما أمره بالتّشمير.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن رجل، عن سلمة بيّاع القلانس قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- إذ دخل عليه أبو عبد اللّه- عليه السّلام- فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا بنيّ، ألا تطهّر قميصك؟ فذهب، فظننّا أنّ ثوبه قد أصابه شي‏ء فرجع، فقال: إنّه  هكذا.

فقلنا: جعلنا فداك، ما لقميصه؟

فقال: كان قميصه طويلا فأمرته أن يقصّره ، إنّ اللّه يقول: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ.

و في مجمع البيان : وروى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: غسل الثّياب يذهب الحزن والهمّ وهو طهور للصلاة  طهر، وتشمير الثياب طهورها ، وقد قال اللّه- سبحانه-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، أي: فشمّر.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» قال: التّطهير هنا:

تشميرها.

و قال : شيعتنا يطهّرون.

وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ  قيل : واهجر العذاب بالثبات، على هجر ما يؤدّي إليه من الشّرك وغيره من القبائح.

و قرأ  يعقوب وحفص: «و الرّجز» بالضّمّ، وهو لغة، كالذّكر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. الرّجز الخبيث .

وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ : ولا تعط مستكثرا أو لا تمنن على اللّه بعبادتك مستكثرا إيّاها، أو على النّاس بالتّبليغ مستكثرا به الأجر منهم، أو مستكثرا إيّاه.

و قرئ : «تستكثر» بالسّكون، للوقف أو الإبدال، من «تمنن»، على أنّه من:

منّ بكذا. أو «تستكثر» بمعنى: تجده كثيرا.

و بالنّصب على إضمار «أن» وقد قرئ  بها، وعلى هذا يجوز أن يكون الرّفع بحذفها وإبطال عملها، كما روي: «أحضر الوغى»  بالرّفع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ

و في رواية أبي الجارود يقول: لا تعط  العطيّة تلتمس أكثر منها.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أعطي لسانا ذاكرا فقد اعطي خير الدّنيا والآخرة.

و قال في قوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قال: لا تستكثر ما عملت من خير للّه.و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : وإيّاك والمنّ على رعيّتك بإحسانك أو التّزيّد في ما كان من فعلك، فإنّ المنّ يبطل الإحسان، والتّزيّد يذهب بنور الحقّ.

وَ لِرَبِّكَ: ولوجهه، أو أمره.

فَاصْبِرْ : فاستعمل الصّبر. أو فاصبر على مشاقّ التّكاليف وأذى المشركين.

فَإِذا نُقِرَ: نفخ.

فِي النَّاقُورِ : في الصّور، فاعول، من النّقر، بمعنى: التّصويت.

و أصله: القرع الّذي هو سبب الصّوت.

و «الفاء» للسّببيّة، كأنّه قال: اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبه صبرك وأعداؤك عاقبة ضرّهم.

و «إذا» ظرف لما دلّ عليه قوله: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ  عَلَى الْكافِرِينَ: لأنّ معناه: عسر الأمر على الكافرين.

و «ذلك» إشارة إلى وقت النّقر، وهو مبتدأ خبره «يوم عسير»، و«يومئذ» بدله أو ظرف لخبره، إذ التّقدير: فذلك الوقت [وقت‏]  وقوع يوم عسير.

غَيْرُ يَسِيرٍ : تأكيد يمنع أن يكون عسيرا عليهم من وجه دون وجه، ويشعر بتيسيره على المؤمنين.

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة: وأخبرني جماعة، عن أبي المفضّل [عن محمّد ابن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن المفضل‏]  بن عمر قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن تفسير جابر.

فقال: لا تحدّث به السفلة فيذيعوه ، أما تقرأ كتاب اللّه: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ.

إنّ منّا إماما مستترا، فإذا أراد [اللّه‏]  إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فيظهر ، فقام بأمراللّه.

و في شرح الآيات الباهرة : روى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ.

قال: «النّاقور» هو النّداء من السّماء: ألا إنّ وليّكم فلان بن فلان القائم بالحقّ. ينادي به جبرئيل في ثلاث ساعات من ذلك اليوم. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ  يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ، يعني بالكافرين: المرجئة الّذين كفروا بنعمة اللّه وبولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً : نزلت في الوليد بن المغيرة.

و «وحيدا» حال من الياء، أي: ذرني وحدي معه فإنّي أكفيكه. أو من التّاء، أي: ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد. أو من العائد المحذوف، أي: ومن خلقته فريدا لا مال له ولا ولد.

أو ذمّ، فإنّه كان ملقّبا به، فسمّاه اللّه به تهكّما. أو أراد أنّه وحيد، ولكن في الشّرارة. أو عن أبيه، لأنّه كان زنيما.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي، بإسناده  عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ الوحيد الوليد  ولد الزّنا.

قال زرارة: ذكر لأبي جعفر- عليه السّلام- عن أحد بني هشام أنّه قال في خطبته: أنا الوليد  الوحيد.

فقال: ويله، لو علم ما الوحيد  ما فخر بها.

فقلنا: وما هو؟

قال: من لا يعرف له أب.وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً : مالا مبسوطا كثيرا. أو ممدودا بالنّماء، وكان له الزّرع والضّرع والتّجارة.

وَ بَنِينَ شُهُوداً : حضورا معه بمكّة يتمتّع بلقائهم، لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته، ولا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه. أو في المحافل والأندية، لوجاهتهم واعتبارهم.

قيل : كان له عشرة بنين أو أكثر، كلّهم رجال، فأسلم منهم ثلاثة: خالد، وعمّار، وهشام.

وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً : وبسطت له الرّئاسة والجاه العريض حتّى لقّب ريحانة قريش والوحيد، أي باستحقاق الرّئاسة والتّقدّم.

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ : على ما أوتيه. وهو استبعاد لطمعه له، لأنّه لا مزيد على ما أوتي، أو لأنّه لا يناسب ما هو عليه من كفران النّعم ومعاندة المنعم ولذلك قال: كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً : فإنّه ردع له عن الطّمع، وتعليل للرّدع على سبيل الاستئناف بمعاندة آيات المنعم المناسبة لإزالة النّعمة المانعة عن الزّيادة.

قيل : ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله  حتّى هلك.

و في شرح الآيات الباهرة : جاء في تفسير أهل البيت- عليهم السّلام- رواه الرّجال، عن [عمرو بن‏]  شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً قال: يعني بهذه الآية: إبليس اللّعين خلقه وحيدا من غير أب ولا أمّ. وقوله: وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً، يعني: هذه الدّولة إلى يوم  الوقت المعلوم، يوم يقوم القائم.

 

وَ بَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يقول : معاندا للأئمّة، يدعو إلى غير سبيلها ويصدّ النّاس عنها، وهي آيات اللّه.

سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً : سأغشيه عقبة  شاقّة المصعد. وهو مثل لما يلقى من‏الشّدائد.

و في مجمع البيان : وقيل: «صعود» جبل في جهنّم من نار يؤخذ  بارتقائه، فإذا وضع يده عليه ذابت فإذا رفعها عادت، وكذلك رجله ... في خبر مرفوع.

و في روضة الواعظين . للمفيد- رحمه اللّه-: قال الباقر- عليه السّلام-: إنّ في جهنّم جبلا  يقال له: صعود، وإنّ في صعود لواديا يقال له: سقر ، وإنّ في سقر  لجبّا يقال له: هبهب، كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ، ضجّ أهل النّار من حرّه، وذلك منازل الجبّارين.

 

و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: «صعود» جبل في النّار من نحاس يعمل  عليه حبتر  ليصعده كارها، فإذا ضرب رجليه  على الجبل ذابتا حتى تلحق بالرّكبتين، فإذا رفعهما عادتا، فلا يزال هكذا ما شاء اللّه.

إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ : تعليل للوعيد، أو بيان للعناد، والمعنى: فكّر فيما تخيّل طعنا  في القرآن، وقدّر في نفسه ما يقول فيه.

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ : تعجّب من تقديره استهزاء به. أو لأنّه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه، من قولهم: قتله اللّه ما أشجعه، أي: بلغ في الشّجاعة مبلغا يحقّ أن يحسد، ويدعو عليه حاسده بذلك.

و في جوامع الجامع : وروي أنّ الوليد قال لبني مخزوم: واللّه، لقد سمعت من محمّد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ، إنّ له حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه يعلو ولا يعلى عليه.

فقال قريش: صبا، واللّه، الوليد. واللّه، ليصبأنّ قريش.

فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه.فقعد إليه حزينا وكلّمه بما أحماه.

فقام وأتاهم، فقال: تزعمون [أنّ محمّدا مجنون، فهل رأيتموه يخنّق؟ وتقولون:

إنّه كاهن، فهل رأيتموه يتحدّث  بما يتحدّث به الكهنة؟ وتزعمون‏]  أنّه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قطّ؟ وتزعمون أنّه كذّاب، فهل جرّبتم عليه شيئا [من الكذب‏] ؟

فقالوا في كلّ ذلك: اللّهمّ، لا.

قالوا له: فما هو؟

ففكّر، فقال: ما هو إلّا ساحر، أما رأيتموه يفرّق بين الرّجل وأهله [و ولده‏]  ومواليه؟ وما يقوله  سحر يؤثر عن أهل بابل، فتفرّقوا معجبين  منه.

ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ : تكرير للمبالغة.

و «ثمّ» للدّلالة على أنّ الثّانية أبلغ من الأولى، وفيما بعد على أصلها.

ثُمَّ نَظَرَ ، أي: في أمر القرآن مرّة بعد أخرى.

ثُمَّ عَبَسَ: قطّب وجهه لمّا لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول. أو نظر إلى رسول اللّه وقطّب في وجهه.

وَ بَسَرَ : إتباع «لعبس».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- في النّاقور- إلى قوله-: وحيدا» فإنّها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان شيخا كبيرا مجرّبا من دهاة العرب، وكان من المستهزئين برسول اللّه، وكان رسول اللّه يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا [أبا]  عبد شمس، ما هذا الّذي يقول محمّد، أشعر هو أم كهانة أم خطب؟

فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا محمّد، أنشدني من شعرك.قال: ما هو شعر، ولكنّه كلام اللّه الّذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله.

فقال: اتل عليّ منه شيئا.

فقرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حم السّجدة. فلمّا بلغ قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا يا محمّد، أعني  قريشا فَقُلْ لهم أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ.

قال: فاقشعرّ الوليد، وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته، ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك، فمشوا إلى أبي جهل، فقالوا: يا أبا الحكم، إنّ أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد، أما تراه لم يرجع إلينا.

فغدا أبو جهل [إلى الوليد] ، فقال له: يا عمّ، نكّست رؤوسنا وفضحتنا وأشمتّ بنا عدوّنا وصبوت إلى دين محمّد.

فقال: ما صبوت إلى دينه، ولكنّي سمعت كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود.

فقال له أبو جهل: أخطب هو؟

قال: لا، إنّ الخطب كلام  متّصل وهذا كلام منثور  ولا يشبه بعضه بعضا.

قال: أ فشعر هو؟

قال: لا، أما إنّي لقد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها  وما هو بشعر.

قال: فما هو؟

قال: دعني أفكّر فيه.

فلمّا كان من الغد قالوا: يا أبا عبد شمس، ما تقول فيما قلناه؟

قال: قولوا: هو سحر، فإنّه أخذ بقلوب النّاس.

فأنزل اللّه على رسوله في ذلك: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وإنّما سمّي:

وحيدا، لأنّه قال لقريش: أنا أتوحّد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة. وكان له مال كثير وحدائق، وكان له عشر بنين بمكّة، وكان له عشرة عبيد، عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها، وتلك القنطار في ذلك الزّمان، ويقال: إنّ القنطار جلد ثور مملوء ذهبا.فانزل اللّه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- إلى قوله-: صَعُوداً قال: جبل يسمّى صعودا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ يعني: خلقه اللّه كيف سوّاه وعدله ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ قال : عبس وجهه وَبَسَرَ قال: ألقى شدقه.

ثُمَّ أَدْبَرَ: عن الحقّ. أو الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ اسْتَكْبَرَ : عن اتّباعه.

فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ : يروى ويتعلّم.

و «الفاء» للدّلالة على أنّه لمّا خطرت هذه الكلمة بباله، تفوّه بها من غير تلبّث وتفكّر.

و قوله: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ  كالتأكيد  للجملة الأولى، وذلك لم يعطف عليها.

و في شرح الآيات الباهرة ، في الحديث السّابق: قال: يعني: تدبيره ونظره وفكرته، واستكباره في نفسه، وادّعاءه الحقّ لنفسه دون أهله.

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ : بدل من سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أبو العبّاس، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه، عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً قال: «الوحيد» ولد الزّنا، وهو عمر .

وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً قال: أجلا إلى مدّة.

وَ بَنِينَ شُهُوداً قال: أصحابه الّذين شهودا أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يورث.

وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ملّكته الّذي ملك .

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً قال: لولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- جاحدا، ومعاندا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيها.سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فكّر فيما امر به من الولاية، وقدّر، أي: إن مضى رسول ألّا يسلّم لأمير المؤمنين- عليه السّلام- البيعة الّتي بايعه بها على عهد رسول اللّه.

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ قال: عذاب بعد عذاب يعذّبه القائم- عليه السّلام-.

ثُمَّ نَظَرَ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين ف عَبَسَ وَبَسَرَ ممّا امر به.

ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال عمر : إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سحر النّاس بعليّ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، أي: ليس هو وحيا من اللّه- عزّ وجلّ- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (إلى آخر الآية) ففيه نزلت.

وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ : تفخيم لشأنها، وقوله: لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ : بيان لذلك. أو حال من «سقر» والعامل فيها معنى التّعظيم، والمعنى: ولا تبقي على شي‏ء يلقى فيها، ولا تدعه حتّى تهلكه.

 [و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ في جهنّم لواديا (للمتكبّرين)  يقال له:

سقر. شكا إلى اللّه- عزّ وجلّ- شدّة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفّس. فتنفّس فأحرق جهنّم‏] .

لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ : مسوّدة لأعالي الجلد. أو لائحة للنّاس.

و قرئت  بالنّصب، على الاختصاص.

و في شرح الآيات الباهرة ، في الحديث السّابق: قال: يراه أهل الشّرق كما يراه أهل الغرب، إنّه إذا كان في سقر يراه أهل الشّرق والغرب ويتبيّن حاله، والمعني في هذه الآيات جميعا: حبتر .عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ : ملكا، أو صنفا من الملائكة يلون  أمرها.

قيل : المخصّص لهذا العدد، أنّ اختلال النّفوس البشريّة في النّظر والعمل بسبب القوى الحيوانيّة الاثني عشرة  والطبيعيّة السّبع .

أو أنّ لجهنّم سبع دركات، ست منها لأصناف الكفّار وكلّ صنف يعذّب بترك الاعتقاد والإقرار والعمل أنواعا [من العذاب‏]  يناسبها وعلى كلّ نوع ملك أو صنف يتولّاه، وواحدة لعصاة الأمّة يعذّبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه ويتولّاه ملك أو صنف.

أو أنّ السّاعات أربع»

 وعشرون، خمسة  منها مصروفة في الصّلاة، فيبقى تسعة عشر  قد تصرّف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب يتولّاها الزّبانية.

و قرئ : «تسعة عشر»  بسكون العين، كراهة توالي حركات فيما هو كاسم واحد. و«تسعة أعشر» جمع عشير، كيمين وأيمن، أي: تسعة كلّ عشير جمع، يعني نقيبهم، أو جمع عشر  فتكون تسعين.

وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً: ليخالفوا جنس المعذّبين فلا يرقّون  لهم، ولأنّه أقوى الخلق بأسا وأشدّهم غضبا للّه.

نقل  أنّ أبا جهل لمّا سمع «عليها تسعة عشر» قال لقريش: أ يعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت .وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا: وما جعلنا عددهم إلّا العدد الّذي اقتضى فتنتهم، وهو التّسعة عشر، فعبّر بالأثر عن المؤثّر تنبيها على أنّه لا ينفكّ منه .

و افتتانهم به استقلالهم له واستهزاؤهم [به واستبعادهم‏]  أن يتولّى هذا العدد القليل تعذيب أكثر الثّقلين.

و لعلّ المراد الجعل  بالقول ليحسن  تعليله بقوله: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، أي: ليكتسبوا اليقين بنبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وصدق القرآن لمّا رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم.

وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً: بالإيمان  به أو بتصديق أهل الكتاب له.

وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ، أي: في ذلك. وهو تأكيد للاستيقان، وزيادة الإيمان، ونفي لما يعرض المتيقّن  حيثما عراه شبهة.

 

وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شكّ أو نفاق، فيكون إخبارا بمكّة عمّا سيكون  في المدينة بعد الهجرة.

وَ الْكافِرُونَ: الجازمون في التّكذيب.

ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، أيّ شي‏ء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل.

و قيل : لمّا استبعدوه حسبوا أنّه مثل مضروب.

كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ: مثل ذلك المذكور من الإضلال والخذلان والهدى والتّوفيق يضلّ الكافرين ويهدي المؤمنين.

وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ: جموع خلقه على ما هم عليه إِلَّا هُوَ إذ لا سبيل‏لأحد إلى حصر الممكنات، والاطّلاع على حقائقها وصفاتها وما يوجب اختصاص  كلّ منها بما يخصّه من كمّ وكيف واعتبار ونسبة.

وَ ما هِيَ: وما سقر، أو عدّة الخزنة، أو السّورة.

إِلَّا ذِكْرى‏ لِلْبَشَرِ : إلّا تذكره لهم.

كَلَّا: ردع لمن أنكرها، وإنكار لأن يتذكّروا بها.

وَ الْقَمَرِ  والليل إذا أدبر ، أي: أدبر، كقبل بمعنى: أقبل.

و قرأ  نافع وحمزة ويعقوب وحفص: «إِذْ أَدْبَرَ»  على المضي .

وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ: أضاء.

إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ : لإحدى البلايا  الكبر، أي: البلايا الكبر كثيرة وسقر واحدة منها.

و إنّما جمع «كبرى» على «كبر» إلحاقا لها بفعلة، تنزيلا للألف منزلة التّاء، كما ألحقت قاصعاء بقاصعة فجمعت على قواصع.

و الجملة جواب القسم. أو تعليل «لكلّا» والقسم معترض للتّأكيد.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.

قال: يستيقنون أن اللّه ورسوله ووصيّه حقّ.

قلت: وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً.

قال: يزدادون بولاية الوصي إيمانا.

قلت: وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ.

قال: بولاية عليّ.

قلت: ما هذا الارتياب؟قال: يعني بذلك: أهل الكتاب والمؤمنين الّذين ذكر اللّه، فقال: ولا يرتابون في الولاية.

قلت: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى‏ لِلْبَشَرِ.

قال: نعم، ولاية عليّ- عليه السّلام-.

قلت: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ.

قال: الولاية.

نَذِيراً لِلْبَشَرِ : تمييز، أي: لإحدى الكبر إنذارا. أو حال عمّا دلّت عليه الجملة، أي: كبرت منذرة.

و قرئ ، بالرّفع خبرا ثانيا، أو خبرا لمحذوف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى أبي حمزة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ قال: يعني: فاطمة- عليها السّلام-.

لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ : بدل من «للبشر»، أي:

نذيرا للمتمكّنين من السّبق إلى الخير والتّخلّف عنه. أو «لمن شاء» خبر ل «أن يتقدّم» فيكون في معنى قوله : فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.

و في أصول الكافي ، متّصلا بآخر ما نقلناه قريبا، أعني: قوله: قال: الولاية.

قلت: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ.

قال: من تقدّم إلى ولايتنا أخّر عن سقر، ومن تأخّر عنّا تقدّم إلى سقر.

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ : مرهونة عند اللّه. مصدر، كالشّتيمة، أطلقت للمفعول، كالرّهن، ولو كانت صفة لقيل: رهين .

و في أصول الكافي : عنه، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك.إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ : فإنّهم فكّوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم.

و قيل : هم الملائكة، أو الأطفال.

و في أصول الكافي ، متّصل بآخر ما نقلناه عنه من حديث محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام-، أعني: قوله: تقدّم إلى سقر. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قال: هم، واللّه، شيعتنا.

فِي جَنَّاتٍ: لا يكتنه وصفها. وهي حال من أَصْحابَ الْيَمِينِ، أو ضميرهم في قوله: يَتَساءَلُونَ  عَنِ الْمُجْرِمِينَ ، أي: يسأل بعضهم بعضا. أو يسألون غيرهم عن حالهم، كقولك، تداعيناه، أي: دعوناه. وقوله: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ  بجوابه حكاية لما جرى بين المسئولين والمجرمين أجابوا بها.

قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  قيل : الصّلاة الواجبة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قال: «اليمين» أمير المؤمنين، وأصحابه شيعته، فيقولون لأعداء آل محمّد: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ فيقولون: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، أي:

لم نكن من أتباع الأئمّة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.

قال: إنّا لم نتولّ وصي محمّد والأوصياء من بعده، ولا يصلّون عليهم.

عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن القمّيّ، عن إدريس بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن تفسير هذه الآية: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.قال: عنى به: لم نك من أتباع الأئمّة الّذين قال اللّه  فيهم: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. أما ترى النّاس يسمّون الّذي يلي السّابق في الحلبة:

مصلّيا ، فذلك الّذي عنى حيث قال: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. لم نك من أتباع السّابقين.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين  بكلمات، يقول: تعاهدوا الصّلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقرّبوا بها، فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، وقد علم ذلك الكفّار حين سئلوا: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وقد عرف حقّها من طرقها . (الحديث)

و في نهج البلاغة : تعاهدوا أمر الصّلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقرّبوا بها، فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النّار حين سئلوا: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.

وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ : ما يجب إعطاؤه . وفيه دليل على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ : نشرع في الباطل مع الشّارعين فيه.

وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ : أخّره لتعظيمه ، أي: وكنّا بعد ذلك كلّه مكذّبين بالقيامة .

حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ : الموت ومقدّماته.

فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ : لو شفعوا لهم جميعا.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ قال: حقوق آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- من الخمس لذوي القربى واليتامى [و المساكين‏]  وابن السّبيل، وهم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قوله: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ. قال: لو أنّ كلّ نبيّ مرسل وكلّ ملك مقرّب شفعوا في ناصب آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ما شفعوا فيه.

و في مجمع البيان : فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ، أي: شفاعة الملائكة والنبيّين، كما نفعت الموحّدين ... عن ابن عبّاس.

قال الحسن : لم تنفعهم شفاعة ملك ولا شهيد ولا مؤمن، ويعضد هذا الإجماع، على أنّ عقاب الكفّار لا يسقط بالشّفاعة.

و عن الحسن ، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يقول الرّجل من أهل الجنّة يوم القيامة: أي ربّ، عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدّنيا فشفّعني فيه.

فيقول: اذهب فأخرجه من النّار. فيذهب فيتجسّس في النّار حتّى يخرجه منها.

و قال- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ من أمّتي من سيدخل اللّه الجنّة بشفاعته أكثر من مضر.

فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، أي: معرضين عن التّذكير.

قيل : يعني: القرآن أو ما يعمّه.

و «معرضين» حال.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ.

قال: عن الولاية معرضين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ قال:عمّا يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ : شبّههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة.

فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ، أي: أسد. فعولة، من القسر، وهو القهر.

و قرأ  نافع وابن عامر، بفتح الفاء .

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: من كلام أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أيّها النّاس، إنّي استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهودا كالغيّب، أتلو  عليكم الحكمة فتعرضون عنها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً : قراطيس تنشر وتقرأ.

و قيل : وذلك أنّهم قالوا للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لن نتّبعك حتّى تأتي كلامنا بكتاب من السّماء، فيه: من اللّه إلى فلان اتّبع محمّدا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: بَلْ يُرِيدُ (الآية) وذلك أنّهم قالوا: يا محمّد، قد بلغنا أنّ الرّجل من بني إسرائيل كان يذنب الذّنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفّارته.

فنزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: يسألك قومك سنّة بني إسرائيل [في الذنوب، فإن شاءوا فعلنا بهم وأخذناهم بما كنّا نأخذ به بني إسرائيل‏] . فزعموا أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كره ذلك لقومه.

كَلَّا: ردع عن اقتراحهم الآيات.

بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ : فلذلك أعرضوا عن التّذكرة، لا لامتناع إيتاء الصّحف.كَلَّا: ردع عن إعراضهم إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ : وأيّ تذكرة.

أقول: وفي رواية محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قلت: كَلَّا إِنَّهُ  تَذْكِرَةٌ قال: الولاية.

فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ : فمن شاء أن يذكره.

وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: ذكرهم، أو مشيئتهم، كقوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. وهو تصريح بأنّ فعل العبد بمشيئة اللّه.

و قرأ  نافع: «تذكرون» بالتّاء.

و قرئ  بهما  مشدّدا.

هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏: حقيق بأن يتّقى عقابه.

وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ : حقيق بأن يغفر لعباده، سيما المتّقين منهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ قال: هو أهل أن يتّقى، وأهل أن يغفر.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ قال اللّه- تبارك وتعالى-: أنا أهل أنّ أتّقى ولا يشرك بي عبدي شيئا، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن ادخله الجنّة.

و قال- عليه السّلام-: إنّ اللّه أقسم بعزّته وجلاله ألّا يعذّب أهل توحيده بالنّار.