سورة المزّمّل‏

سورة المزّمّل‏

مكّيّة.

و قيل : مدنيّة.

و قيل : بعضها مكّيّة وبعضها مدنيّة.

و آيها تسع عشرة أو ثماني عشرة أو عشرون.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة المزّمّل في العشاء الآخرة [أو]  في آخر اللّيل، كان له اللّيل والنّهار شاهدين مع سورة المزّمّل، وأحياه اللّه حياة طيّبة، وأماته ميتة طيّبة.

و

في مجمع البيان : أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة المزّمّل، دفع عنه العسر في الدّنيا والآخرة.

يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ .

أصله: المتزمّل. من تزمّل بثيابه: إذا تلفّف»

 بها. فأدغم التّاء في الزّاء، وقدقرئ  به و«بالمزّمّل» مفتوحة الميم ومكسورتها، أي: الّذي زمّله غيره، أو زمّل نفسه.

قيل : سمّي به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- تهجينا لما كان عليه، لأنّه كان نائما ومرتعدا. ممّا دهشه بدء الوحي متزمّلا في قطيفة. أو تحسينا له، إذ روي: أنّه يصلّي متلفّفا ببقيّة مرط مفروش  على عائشة فنزل. أو تشبيها له في تثاقله بالمتزمّل ، لأنّه لم يتمرّن  بعد في قيام اللّيل. أو من تزمّل الزمّل: إذا تحمّل الحمل، أي الّذي تحمّل أعباء النّبوّة.

و

في جوامع الجامع : وروي أنّه دخل على خديجة وقد جاءت فرقا  فقال:

زمّلوني. فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبرئيل: يا أيّها المزّمّل.

قُمِ اللَّيْلَ، أي: قم إلى الصّلاة، أو داوم عليها.

و قرئ  بضمّ الميم وفتحها، للإتباع أو التخفيف.

إِلَّا قَلِيلًا  نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا  أَوْ زِدْ عَلَيْهِ الاستثناء من «اللّيل»، و«نصفه» بدل من «قليلا»، وقلّته بالنّسبة إلى الكلّ، والتّخيير بين قيام النّصف والزّائد عليه، كالثّلثين، والنّاقص عنه، كالثّلث.

أو «نصفه» بدل من «اللّيل» والاستثناء منه . والضّمير في «منه» و«عليه» للأقلّ من النّصف، كالثّلث، فيكون التّخيير بينه وبين الأقلّ منه، كالرّبع، والأكثر منه، كالنّصف، أو للنّصف والتّخيير بين أن يقوم أقلّ منه على البتّ وأن يختار أحد الأمرين من الأقلّ والأكثر.

أو الاستثناء من إعداد اللّيل، فإنّه عامّ، والتّخيير بين قيام النّصف والنّاقص عنه والزّائد عليه.

و

في تهذيب الأحكام : محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور، عن عمر بن أذينة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول‏اللّه- تعالى-: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا.

قال: أمره اللّه أن يصلي كلّ ليلة، إلّا أن تأتي عليه ليلة من اللّيالي لا يصلّي فيها شيئا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قال: هو النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان يتزمّل بثوبه وينام، فقال اللّه: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. قال: انقص من القليل، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، أي: على القليل قليلا.

و في مجمع البيان : وقيل: إنّ نصفه بدل من القليل، فيكون بيانا للمستثنى.

و يؤيّد  هذا القول:

ما روي، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: «القليل» النّصف، أو انقص من القليل قليلا، أو زد على القليل قليلا.

وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا : اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكّن السّامع من عدّها، من قولهم: ثغر رتل، ومرتل: إذا كان مفلجا .

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه‏] ، عن عليّ بن معبد ، عن واصل بن سليمان، عن عبد اللّه بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.

قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: بيّنه بيانا ، ولا تهذّه هذّ  الشّعر، ولا تنثره نثر الرّمل، ولكن أفزعوا  قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة  ولكن يرتّل ترتيلا، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها واسأل اللّه الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فقف عندها وتعوّذ باللّه من النّار.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة، ولكن يرتّل ترتيلا، فإذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوّذت باللّه من النّار.

و الحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وقيل: رَتِّلِ معناه: ضعّف. و«الرّتل» اللّيّن ... عن قطرب. قال: والمراد بهذا: تحزين القلب ، أي: اقرأه بصوت حزين.

و يعضده :

ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذا قال: هو أن تتمكّث فيه، وتحسّن به صوتك.

و

روي  عن أمّ سلمة أنّها قالت: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقطّع قراءته آية آية.

و عن أنس  قال: كان يمدّ صوته مدّا.

و

عن عبد اللّه بن عمر  قال: قال رسول اللّه: يقال : لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتّل، كما كنت ترتّل في الدّنيا، فإنّ منزلتك عند آخر درجة تقرؤها.

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا .

قيل : [يعني: القرآن، فإنّه لما فيه من التكاليف الشاقّة ثقيل على المكلّفين سيّما على الرسول- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته والجملة اعتراض يسهل التكاليف عليه بالتهجّد ويدلّ على أنّه مشقّ مضادّ للطبع مخالف للنفس‏]  أو رصين  الرصانة لفظه ومتانة معناه، أو ثقيل على المتأمّل فيه، لافتقاره إلى مزيد تصفية للسّرّ وتجريد للنّظر. أو ثقيل  في الميزان، أو على الكفّار والفجّار.

و في مجمع البيان : أي: سنوحي إليك  قولا يثقل عليك وعلى أمّتك.... إلى قوله: وقيل: قولا ثقيلا نزوله، فإنّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان تتغيّر حاله عند نزوله ويعرق، وإذا كان راكبا تبرك  راحلته ولا تستطيع المشي.

و

سأل الحارث  بن هشام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، كيف يأتيك  الوحي؟

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فهو أشدّ عليّ فينفصم عنّي وقد وعيت ما قال: وأحيانا يتمثّل الملك رجلا فأعي ما يقوله.

قالت عائشة  إنّه كان ليوحى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو على راحلته فتضرب  بجرانها .

قالت: ولقد رأيته ينزل في اليوم الشّديد البرد فينفصم عنه وأنّ جبينه ليرفض عرقا.

و

روى العيّاشي ، بإسناده: عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وإنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه بآخره، وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شي‏ء، لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء  وثقل عليه الوحي حتّى وقفت وتدلّى بطنها، حتّى رأيت سرّتها تكاد تمسّ الأرض.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في بيان نزول سورة المنافقين: فما سار إلّا قليلا حتّى أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما كان يأخذه من البرحاء  عند نزول الوحي عليه، فثقل حتّى كادت ناقته تبرك من ثقل الوحي، فسرى عن رسول اللّه وهو يسكب العرق [عن جبهته‏] .

إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ: إنّ النّفس الّتي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، من نشأمن مكانه: إذا نهض.

أو قيام اللّيل، على أنّ «النّاشئة» مصدر، من نشأ: إذا نهض، على فاعلة، كالعافية.

أو العبادة الّتي تنشأ باللّيل، أي: تحدث.

أو ساعات اللّيل، لأنّها تحدث واحدة بعد أخرى.

أو ساعاتها الاول، من نشأت: إذا ابتدأت.

هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً، أي: كلفة، أو ثبات قدم.

و قرأ  أبو عمرو وابن عامر: «وطاء»، أي: مواطأة القلب اللّسان لها أو فيها، أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص.

وَ أَقْوَمُ قِيلًا : وأسدّ  مقالا، أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوّ الأصوات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: قَوْلًا ثَقِيلًا قال: قيام اللّيل، وهو  قوله:

إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا قال: أصدق القول.

و

في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن ابى عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا قال: يعني بقوله: وَأَقْوَمُ قِيلًا: قيام الرّجل عن فراشه يريد به اللّه لا يريد به غيره.

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا. قال: [يعني بقوله: وَأَقْوَمُ قِيلًا]  قيامه عن فراشه لا يريد إلّا اللّه.

و

في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول‏اللّه- تعالى-: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا قال: يعني بقوله: وَأَقْوَمُ قِيلًا: قيام الرجل  عن فراشه بين يدي اللّه- تعالى- لا يريد به غيره.

و

في الكافي : عليّ بن محمّد، بإسناده، عن بعضهم- عليهم السّلام- قال في قول اللّه- تعالى-: إِنَّ ناشِئَةَ (الآية) قال: هي ركعتان بعد المغرب، يقرأ في أوّل ركعة بفاتحة الكتاب وعشر من أوّل البقرة وآية السّخرة  [و]  من قوله : إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ‏

- إلى قوله-: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وخمس عشرة مرّة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وفي الرّكعة الثّانية فاتحة الكتاب وآية الكرسيّ وآخر البقرة من قوله: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ- إلى أن تختم السّورة، وخمس عشرة مرّة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثمّ ادع ما بعد هما بما شئت.

قال: ومن واظب عليها كتب له بكلّ صلاة ستّمائة ألف حجّة.

و في مجمع البيان : إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا

و المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّهما قالا: هي القيام في آخر اللّيل.

إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا : تقلّبا في مهامّك واشتغالا بها، فعليك بالتّهجّد، فإنّ مناجاة الحقّ تستدعي فراغا.

و قرئ : «سبخا»، أي: تفرّق قلب بالشّواغل، مستعار من: سبخ الصّوف، وهو نفشه ونشر أجزائه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [يقول: فراغا طويلا]  لنومك وحاجتك.

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ: ودم على ذكره ليلا ونهارا.

و ذكر اللّه يتناول كلّ ما يذكر به، من تسبيح وتهليل وتحميد وقراءة قرآن ودراسةعلم.

وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا : وانقطع إليه بالعبادة، وجرّد نفسك عمّا سواه. ولهذه الرّمزة  ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتّلا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يقول: أخلص النّيّة إخلاصا.

و فيه : قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال: رفع اليدين وتحريك السّبّابتين.

و

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن جعفر: عن أخيه، موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: «التّبتّل» أن تقلّب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت.

و

في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال: الدّعاء بإصبع واحدة تشير بها. (الحديث)

و

بإسناده  إلى مروك بيّاع اللّؤلؤ: عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وهكذا التّبتّل- ويرفع أصابعه مرّة ويضعها مرّة (الحديث)

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلا، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول.

... إلى قوله: و«التّبتيل» تحرّك السّبّابة اليسرى، ترفعها إلى السّماء رسلا وتضعها.

و

بإسناده  إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وأمّا التّبتّل فإيماء بإصبعك السّبّابة.

و

بإسناده  إلى محمّد بن مسلم وزرارة قالا: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: «و التّبتّل» الإيماء بالإصبع.

و

في مجمع البيان : وروى محمّد بن مسلم وزرارة وحمران، عن أبي جعفر- عليه‏السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ التّبتّل هنا  رفع اليدين في الصّلاة.

و في رواية أبي بصير  قال: هو رفع يدك إلى اللّه وتضرّعك.

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ: خبر محذوف. أو مبتدأ خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

و قرأ  ابن عامر والكوفيّون غير حفص ويعقوب، بالجرّ، على البدل من «ربّك».

و قيل : بإضمار حرف القسم، وجوابه: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا : مسبّب عن التّهليل، فإنّ توحّده بالألوهيّة يقتضي أن توكل إليه الأمور.

وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ: من الخرافات.

وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا : بأن تجانبهم وتداريهم، ولا تكافئهم، وتكل أمرهم إلى اللّه، كما قال: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ: دعني وإيّاهم وكل إليّ أمرهم، فإنّ بي غنية عنك في مجازاتهم.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول بعد أن ذكر المنافقين: وما زال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويقرّبهم ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتّى أذن اللّه له في إبعادهم بقوله:

وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا.

أُولِي النَّعْمَةِ: أرباب التّنعّم، يريد به: صناديد قريش.

وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا : زمانا، أو إمهالا.

و

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: وَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ.

قال: يقولون فيك وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي يا محمّد وَالْمُكَذِّبِينَ بوصيّك‏أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا.

قلت: إنّ هذا تنزيل؟

قال: نعم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلا، وإنّ من جزع جزع قليلا.

ثمّ قال: عليك بالصّبر في جميع أمورك، فإنّ اللّه بعث محمّدا فأمره بالصّبر والرّفق، فقال: وَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ فصبر حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها.

و الحديثان طويلان. وأخذت منهما موضع الحاجة.

إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا: تعليل للأمر.

و «النّكل» القيد الثّقيل.

وَ جَحِيماً  وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ: طعاما ينشب في الحلق، كالضّريع والزّقّوم.

و

في مجمع البيان : روي، عن حمران بن أعين، عن عبد اللّه بن عمر : أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سمع قارئا يقرأ هذا، فصعق.

وَ عَذاباً أَلِيماً : ونوعا آخر من العذاب، مؤلما، لا يعرف كنهه إلّا اللّه.

و قيل : ولمّا كانت العقوبات الأربع ممّا تشترك فيها الأشباح والأرواح، فإنّ النّفوس العاصية المنهمكة في الشّهوات تبقى مقيّدة بحبّها، والتّعلّق بها عن التّخلّص إلى عالم المجرّدات، متحرّقة  بحرقة الفرقة، متجرّعة غصّة الهجران، معذّبة بالحرمان عن تجلّي أنوار القدس، فسّر العذاب بالحرمان  عن لقاء اللّه.

يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ: تضطرب وتتزلزل.

و «يوم» ظرف لما في لَدَيْنا أَنْكالًا من معنى الفعل.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، أي:

تخسف.

وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً: رملا مجتمعا، كأنّه فعيل، بمعنى: مفعول. من كثبت الشّي‏ء: إذا جمعته.

مَهِيلًا : منثورا. من هيل هيلا: إذا نثر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: كَثِيباً مَهِيلًا قال: مثل الرّمل ينحدر.

إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا: يا أهل مكّة.

شاهِداً عَلَيْكُمْ: يشهد عليكم يوم القيامة بالإجابة والامتناع.

كَما أَرْسَلْنا إِلى‏ فِرْعَوْنَ رَسُولًا ، يعني: موسى، ولم يعيّنه لأنّ المقصود لم يتعلّق به.

فَعَصى‏ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ: عرّفه لسبق ذكره.

فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا : ثقيلا. من قولهم: طعام وبيل، لا يستمرأ لثقله. ومنه: الوابل، للمطر العظيم.

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ: أنفسكم إِنْ كَفَرْتُمْ: بقيتم على الكفر.

يَوْماً: عذاب يوم يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً : من شدّة هوله.

و هذا على الفرض أو التّمثيل، وأصله: أنّ الهموم تضعف القوى وتسرع بالشّيب.

و يجوز أن يكون وصفا «لليوم» بالطوّل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: قوله: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً يقول: كيف إن كفرتم تتّقون ذلك اليوم الّذي يجعل الولدان شيبا.

و

في نهج البلاغة : احذروا يوما تفحص  فيه الأعمال، ويكثر فيه الزّلزال، وتشيب فيه الأطفال.و

في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سلام، مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه: فيأمر اللّه نارا يقال لها: الفلق، أشدّ شي‏ء في جهنّم عذابا، فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسّلاسل والأغلال، فيأمرها اللّه أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة  [فتنفخ‏] ، فمن شدّة نفختها تنقطع السّماء وتنطمس النّجوم، وتجمد البحار، وتزول الجبال، وتظلم الأبصار، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان من هولها [يوم القيامة]

السَّماءُ مُنْفَطِرٌ: منشقّ. والتّذكير على تأويل السّقف، أو إضمار شي‏ء.

بِهِ: بشدّة ذلك اليوم على عظمها وإحكامها، فضلا عن غيرها.

و «الباء» للآلة.

كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا :

الضّمير «للّه»، أو «لليوم» على إضافة المصدر إلى المفعول.

إِنَّ هذِهِ [الآيات الموعظة]  تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ أن يتّعظ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ، أي: يتقرّب إليه بسلوك التّقوى.

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى‏ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ استعار الأدنى للأقلّ، لأنّ الأقرب إلى الشّي‏ء أقلّ بعدا منه.

 [و قرأ هشام ثلثي اللّيل‏]  وقرأ  ابن كثير والكوفيّون: «و نصفه وثلثه» بالنصب، عطفا على أدنى.

وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ: ويقوم ذلك جماعة من أصحابك.

وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ: لا يعلم مقادير ساعاتهما  كما هي إلّا اللّه، فإنّ تقديم اسمه مبتدأ مبنيّا عليه «يقدّر» يشعر بالاختصاص.

و يؤيّده قوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ، أي: لن تحصوا تقدير الأوقات، ولن‏تستطيعوا ضبط السّاعات.

فَتابَ عَلَيْكُمْ: بالتّرخيص في ترك القيام المقدّر، ورفع التّبعة فيه.

فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ: فصلّوا ما تيسّر عليكم من صلاة اللّيل. عبّر [عن الصّلاة بالقراءة، كما عبّر]  عنها بسائر أركانها.

قيل»

: كان التّهجّد واجبا على التّخيير المذكور فعسر عليهم القيام به، فنسخ به، ثمّ نسخ هذا بالصّلوات الخمس.

أو فاقرأوا القرآن بعينه كيف ما تيسّر عليكم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى‏ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ: ففعل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك وبشّر النّاس به، فاشتدّ ذلك عليهم. و[قوله:]  عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ وكان الرّجل يقوم ولا يدري متى ينتصف اللّيل ومتى يكون الثّلثان، وكان الرّجل يقوم حتّى يصبح مخافة أن لا يحفظه، فأنزل اللّه: إِنَّ رَبَّكَ- إلى قوله-: لَنْ تُحْصُوهُ يقول: متى يكون النّصف والثّلث، نسخت هذه الآية: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قطّ إلّا خلا بصلاة اللّيل، [و لا جاء نبيّ قطّ بصلاة الليل‏]  في أوّل اللّيل.

و

في كتاب الخصال : عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة يشكون إلى اللّه.

... إلى قوله: ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار  لا يقرأ فيه.

و

في مجمع البيان : روي، عن الرّضا- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جدّه قال: ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [لكم‏]  فيه خشوع القلب وصفاء السّرّ.

عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى‏: استئناف يبيّن حكمة أخرى مقتضيةللتّرخيص والتّخفيف، ولذلك كرّر الحكم مرتّبا عليه [و قال:]  وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ:

و الضّرب في الأرض ابتغاء الفضل: المسافرة للتّجارة، أو تحصيل العلم.

وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ:

المفروضة.

وَ آتُوا الزَّكاةَ: الواجبة.

وَ أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

قيل : يريد به الأمر بسائر الإنفاقات في سبيل الخير، أو بأداء الزّكاة على أحسن وجه، والتّرغيب فيه بوعد العوض .

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عن قول- تعالى-: وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

قال: هو غير الزّكاة.

وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً:

من الّذي تؤخّرونه إلى الوصيّة عند الموت، أو من متاع الدّنيا.

و «خيرا» ثاني مفعولي «تجدوه»، وهو تأكيد أو فصل، لأنّ «أفعل من» كالمعرفة ، ولذلك يمتنع  من حرف التّعريف.

و قرئ : «هو خير» على الابتداء والخبر.

وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ: في مجامع أحوالكم، فإنّ الإنسان لا يخلو من تفريط.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .في كتاب الخصال ، فيما علّم عليّ- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه. أكثروا الاستغفار، تجلبوا الرّزق. وقدّموا ما استطعتم من عمل الخير، تجدوه غدا.