سورة المنافقون‏

سورة المنافقون‏

مدنيّة بالإجماع.

و آياتها إحدى عشرة آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من الواجب على كلّ مؤمن، إذا كان لنا شيعة، أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي صلاة الظّهر بالجمعة والمنافقين. فإذا فعل ذلك فكأنّما يعمل بعمل رسول اللّه، وكان جزاؤه وثوابه على اللّه الجنّة.

و

في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة المنافقين، بري‏ء من النّفاق.

إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [الشهادة]  إخبار عن علم، من الشهود وهو: الحضور والاطّلاع. ولذلك صدّق المشهود به وكذّبهم في الشّهادة يقوله : وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ : لأنّهم لم يعتقدوا ذلك.اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ: حلفهم الكاذب. أو شهادتهم هذه، فإنّها تجري مجرى الحلف في التّوكيد.

و قرئ : «إيمانهم».

جُنَّةً: وقاية عن القتل والسّبي.

فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: صدّا، أو صدودا.

إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : من نفاقهم وصدّهم.

ذلِكَ: إشارة إلى الكلام المتقدّم، أي: ذلك القول الشّاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكورة من النّفاق والكذب والاستجنان بالأيمان.

بِأَنَّهُمْ آمَنُوا: بسبب أنّهم آمنوا ظاهرا. ثُمَّ كَفَرُوا: سرّا.

أو آمنوا إذا رأوا آية، ثمّ كفروا حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة.

فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ: حتّى تمرّنوا على الكفر واستحكموا فيه.

فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ : حقيقة الإيمان، ولا يعرفون صحّته.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ  قال: نزلت في غزوة المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرج إليها.

فلمّا رجع منها نزل على بئر، وكان الماء قليلا فيها، وكان أنس بن سيّار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاريّ أجيرا لعمر بن الخطّاب، فاجتمعوا على البئر فتعلّق دلو [ابن‏]  سيّار بدلو جهجهاه، فقال [ابن‏]  سيّار: دلوي، وقال جهجاه:

دلوي.

فضرب جهجاه يده على وجه [ابن‏]  سيّار فسال منه الدّم، فنادى [ابن‏] السّيّار بالخزرج، ونادى جهجاه بقريش، وأخذ النّاس السّلاح وكاد أن تقع الفتنة.

فسمع عبد اللّه بن أبيّ النّداء، فقال: ما هذا؟ فأخبروه بالخبر، فغضب غضبا شديدا ثمّ قال: قد كنت كارها لهذا المسير، إنّي لأذلّ العرب، ما ظننت أنّي أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تعيير.

ثمّ أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم، أنزلتموهم منازلكم، وواسيتموهم بأموالكم، ووقيتموهم بأنفسكم، وأبرزتم نحوركم للقتل، فارمل نساؤكم، وأيتم صبيانكم، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم.

ثمّ قال: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.

و كان في القوم زيد بن أرقم، وكان غلاما قد راهق، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في ظلّ شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد اللّه بن أبيّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لعلّك وهمت، يا غلام؟

فقال: لا، واللّه، ما وهمت.

فقال: ولعلّك غضبت عليه؟

قال: لا، واللّه، ما غضبت عليه.

قال: فلعلّه سفّه عليك؟

فقال: لا، واللّه.

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لشقران مولاه: احدج. فأحدج  راحلة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وركب.

و تسامع النّاس بذلك، فقالوا: ما كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ليرحل في مثل هذا الوقت.

فرحل النّاس، ولحقه سعد بن عبادة فقال: السلام عليك، يا رسول اللّه، ورحمة اللّه وبركاته.

فقال: وعليك السّلام.فقال: ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت ؟

فقال: أو ما سمعت قولا قال صاحبكم ؟

قال : وأيّ صاحب لنا غيرك، يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: عبد اللّه بن أبيّ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.

فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنت وأصحابك الأعزّ [و هو وأصحابه الأذلّ‏] .

فسار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يومه كلّه لا يكلّمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد اللّه بن ابيّ يعذلونه، فحلف أنّه لم يقل شيئا من ذلك، فقالوا: فقم بنا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتى تعتذر إليه. فلو عنقه.

فلمّا جنّ اللّيل، سار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ليله  كلّه والنّهار، فلم ينزلوا إلّا للصّلاة.

فلمّا كان من الغد، نزل رسول اللّه ونزل أصحابه وقد أمرهم الأرض  من السّهر الّذي أصابهم، فجاء عبد اللّه بن ابيّ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فحلف عبد له أنّه لم يقل ذلك، وأنّه ليشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك لرسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- وأنّ زيدا قد كذب عليّ. فقيل منه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و أقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه، ويقولون له: كذبت على عبد اللّه، سيدنا.

فلمّا رحل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان زيد معه يقول: اللّهمّ، إنّك لتعلم أنّي لم أكذب على عبد اللّه بن أبيّ. فما سار إلّا قليلا حتّى أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما كان يأخذه من البرحاء  عند نزول الوحي، فثقل حتّى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي، فسرى عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يسكب العرق عن‏جبهته.

ثمّ أخذ بإذن زيد بن أرقم فرفعه من الرّحل، ثمّ قال: يا غلام، صدق قولك ووعى قلبك، وأنزل اللّه فيما قلت قرآنا.

فلمّا نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ- إلى قوله-: لا يَعْلَمُونَ. ففضح اللّه عبد اللّه بن أبيّ.

حدّثنا  أحمد بن محمّد  بن ثابت قال: حدثنا أحمد بن ميثم، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبان بن عثمان قال: سار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوما وليلة ومن الغد حتّى ارتفع الضّحى، فنزل ونزل النّاس فرموا بأنفسهم نياما، وإنّما أراد رسول اللّه أن يكف النّاس عن الكلام.

قال: وإنّ ولد عبد اللّه بن ابيّ أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:

يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إن كنت عزمت على قتله فمرني أن أكون أنا الّذي أحمل رأسه إليك، فو اللّه، لقد علمت الأوس والخزرج أنّي أبرّهم ولدا بوالدي، فإنّي أخاف أن تأمر غيري بقتله، فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد اللّه، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بل يحسن  لك صحابته ما دام معنا.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وعن أبي بصير قال: قال طاوس اليمانيّ لأبي جعفر- عليه السّلام-: أخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ وكانوا كاذبين؟

قال: المنافقون حين قالوا لرسول اللّه: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ فأنزل اللَّه: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ (الآية).

و

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت له: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

قال: إنّ اللَّه سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيّه منافقين، وجعل من جحدوصيّه إمامته كمن جحد محمّدا  وأنزل بذلك قرآن فقال: يا محمّد إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ بولاية وصيّك قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ بولاية عليّ لَكاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ والسّبيل هو الوصيّ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا برسالتك ثُمَّ  كَفَرُوا بولاية وصيّك فَطُبِعَ الله عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ.

قلت: ما معنى لا يَفْقَهُونَ.

 [قال: يقول:]  لا يعقلون نبوّتك .

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ: لضخامتها وصباحتها.

وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ: لذلاقتهم وحلاوة كلامهم.

و كان ابن ابيّ جسيما فصيحا، يحضر مجلس رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في جمع مثله، فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم.

و

في أصول الكافي ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

يقول فيه: وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجل منافق يظهر الإيمان متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- متعمّدا، فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره اللَّه عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ..

ثمّ بقوا  بعده فتقرّبوا إلى أئمة الضّلال والدّعاة إلى النّار بالزّور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب النّاس وأكلوا بهم الدّنيا، وإنّما النّاس مع الملوك والدّنيا إلّا من عصم اللَّه، فهذا أحمد الأربعة.

كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ: حال من الضمير المجرور في «لقولهم»، أي: تسمع لما يقولونه، مشبّهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن‏العلم والنّظر.

و قيل : الخشب، جمع خشباء، وهي الخشبة التي نخر جوفها ، شبّهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر.

و قرأ  أبو عمرو والكسائيّ وروي  عن ابن كثير، بسكون الشّين، على التّخفيف. أو على أنّه كبدن، جمع بدنة.

يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، أي: واقعة عليهم لجبنهم واتّهامهم.

 «فعليهم» ثاني مفعولي «يحسبون».

و يجوز أن يكون صلة، والمفعول هُمُ الْعَدُوُّ: وعلى هذا يكون الضّمير للكلّ ، وجمعه باعتبار الخبر ، لكن رتّب قوله: فَاحْذَرْهُمْ: عليه، يدلّ على أنّ الضمير «للمنافقين».

قاتَلَهُمُ اللَّهُ: دعاء عليهم، وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك.

أَنَّى يُؤْفَكُونَ : كيف يصرفون عن الحقّ.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ: عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك.

و قرأ  نافع، بتخفيف الواو.

وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ: يعرضون عن الاستغفار وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ : عن الاعتذار.

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ: لرسوخهم في الكفر.

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ : الخارجين عن مظنّة الاستصلاح لانهماكهم  في الكفر والنّفاق.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يقول: لا يسمعون ولا يعقلون. يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، كلّ صوت هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.

فلمّا أنبأ اللَّه لرسوله وعرّفه خبرهم مشى  إليهم عشائرهم، وقالوا: لقد افتضحتم، ويلكم، فأتوا رسول اللَّه يستغفر لكم. فلووا رؤوسهم وزهدوا في الاستغفار، يقول اللَّه:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ (الآية).

و

في أصول الكافي ، متّصلا بقوله: لا يعقلون نبوّتك. قلت: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ؟

قال: وإذا قيل لهم: ارجعوا إلى ولاية عليّ- عليه السّلام- يستغفر لكم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- من ذنوبكم لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ قال اللَّه: وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عن ولاية عليّ- عليه السّلام- وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عليه.

ثمّ عطف القول من اللَّه بمعرفته بهم فقال: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يقول: الظّالمين لوصيّك.

 (الحديث)

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ أي: للأنصار.

لا تُنْفِقُوا عَلى‏ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، يعنون: فقراء المهاجرين.

وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: بيده الأرزاق والقسم.

وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ : ذلك، لجهلهم باللَّه.

يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وقرئ : «ليخرجنّ» بفتح الياء. و«ليخرجنّ» على البناء للمفعول.

و «لنخرجن» بالنّون. ونصب «الأعزّ» و«الأذّل» على هذه القراءات على أنّه مصدر، أو حال على تقدير مضاف، كخروج، أو إخراج، أو مثل.وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ: وللَّه الغلبة والقوّة، ولمن أعزّه من رسوله والمؤمنين.

و

في الكافي ، بإسناده إلى أبي الحسن الأحمسيّ: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلا، أما تسمع قول اللَّه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا.

ثمّ قال: إنّ المؤمن أعزّ من الجبل، إنّ الجبل يستقلّ منه بالمعاول والمؤمن لا يستقلّ من دينه شي‏ء.

و

بإسناده  إلى سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ اللَّه فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه، أما تسمع لقول  اللَّه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ؟ فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا، يعزّه ، اللَّه بالإيمان والإسلام.

و

بإسناده  إلى مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.

قلت: بما يذلّ نفسه؟

قال: يدخل فيما يعتذر  منه.

و

بإسناده  له آخر إلى سماعة: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه، ألم تر قول اللَّه- تعالى-: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ؟ والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا.

و

في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: وقيل للحسين  بن عليّ- عليه السّلام-:

إنّ فيك عظمة.

قال: بل فيّ عزّة، قال اللَّه- تعالى-: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.و

في كتاب الخصال : عن عبد المؤمن الأنصاريّ [عن أبي جعفر- عليه السّلام-]  قال: إنّ اللَّه أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّة في الدّنيا في دينه، والفلاح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين. (الحديث).

و

عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه أعطى المؤمن ثلاث خصال، العزّة في الدّنيا، والفلاح في الآخرة، والمهابة في قلوب  الظّالمين.

ثمّ قرأ: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- إلى قوله-:

هُمْ فِيها خالِدُونَ.

عن أبي عبد اللَّه - عليه السّلام- قال: شرف المؤمن صلاته باللّيل، وعزّه كفّ الأذى عن النّاس.

عن معاوية بن وهب  قال: رآني أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- وأنا أحمل بقلا ، فقال: إنّه يكره للرّجل السّريّ  أن يحمل الشّي‏ء الدني‏ء  فيجترأ عليه.

و

في شرح الآيات الباهرة : [روى محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-]  عن أبي أزهر، عن الزبير بن بكار، عن بعض أصحابه قال: قال رجل للحسن- عليه السّلام-: إنّ فيك كبرا.

فقال: كلّا، الكبر للَّه وحده، ولكن فيّ عزّة، قال اللَّه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ : من فرط جهلهم وغرورهم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ: لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره، كالصّلاة وسائر العبادات المذكورة للمعبود، والمراد: نهيهم عن اللهو بها.

و توجيه النّهي إليها للمبالغة، ولذلك قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، أي: اللّهو بها،و هو الشّغل.

فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ : لأنّهم باعوا العظيم  الباقي بالحقير الفاني.

وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ: بعض أموالكم ادخارا للآخرة.

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، أي: يرى دلائله.

فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي: أمهلتني.

إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ: أمد  غير بعيد.

فَأَصَّدَّقَ: فأتصدّق.

وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ : بالتّدارك.

و جزم «أكن» للعطف على موضع الفاء وما بعده .

و قرأ أبو عمرو : «و أكون»- بالنّصب- عطفا على «أصّدّق»، وبالرّفع على:

و أنا أكون، فيكون عدة بالصّلاح.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل عن قول اللّه: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ.

قال: أصدق من الصّدقة. وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ، أي: أحجّ.

و

في مجمع البيان : عن ابن عباس قال: ما من أحد يموت، وكان له مال فلم يؤدّ زكاته وأطاق الحجّ فلم يحجّ، إلّا سأل الرّجعة عند الموت.

قالوا : يا ابن عبّاس، اتّق اللّه، فإنّما يرى  هذا الكافر يسأل الرّجعة.

فقال: أنا أقرأ به عليكم قرآنا. ثمّ قرأ هذه الآية إلى قوله: مِنَ الصَّالِحِينَ فقال: الصّلاح هنا: الحجّ. وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً: ولن يمهلها.إِذا جاءَ أَجَلُها: آخر عمرها.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها قال: إنّ عند اللّه كتابا موقوتا  يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، فإذا كان ليلة القدر، أنزل اللّه فيها كلّ شي‏ء يكون إلى [ليلة]  مثلها، فذلك قوله: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها إذا أنزله اللّه وكتبه كتّاب السّماوات، وهو الّذي لا يؤخّره.

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : فمجاز عليه.

و قرأ  أبو بكر، بالياء، ليوافق ما قبله في الغيبة.