معركة حنين

معركة حنين

 

كيف حدثت هذه الغزوة؟

إن هوازن لما علمت بفتح مكة، جمع القبيلة رئيسها مالك بن عوف وقال لمن حوله: من الممكن أن يغزونا محمد بعد فتح مكة، فقالوا: من الأحسن أن نبدأه قبل أن يغزونا.

 

فلما بلغ ذلك النبي (ص) أمر المسلمين أن يتوجهوا إلى أرض هوازن.

 

إن رؤساء طائفة هوازن جاءوا إلى مالك بن عوف واجتمعوا عنده في أخريات شهر رمضان أو شوال في السنة الثامنة للهجرة، وكانوا قد جاءوا بأموالهم وأبنائهم وأزواجهم لئلا يفكر أحدهم بالفرار حال المعركة، وهكذا فقد وردوا منطقة أو طاس.

 

فعقد النبي (ص) لواءه وسلمة عليا (ص) وأمر حملة الرايات الذين ساهموا في فتح مكة أن يتوجهوا براياتهم ذاتها مع علي بن أبي طالب  إلى حنين، واطلع النبي أن صفوان بن أمية لديه دروع كثيرة، فأرسل النبي إليه أن أعرنا مئة درع، فقال صفوان: أتريدونها عاريةً أم غضباً؟ فقال النبي: بل عارية نضمنها ونعيدها سالمة إليك، فأعطى صفوان النبي مئة درع على أنها عارية، وتحرك مع النبي بنفسه إلى حنين.

 

وكان ألفا شخص قد أسلم في فتح مكة، فأضيف عددهم إلى العشرة آلاف الذين ساهموا في فتح مكة، وصاروا حوالي اثني عشر ألفاً، وتحركوا نحو حنين.

 

كمين جيش العدو

فقال مالك بن عوف – وكان رجلاً جريئاً شهما – لقبيلته: اكسروا أغماد سيوفكم، واختبئوا في كهوف الجبال والوديان وبين الأشجار، واكمنوا لجيش الإسلام، فإذا جاءوكم الغداة (عتمةً) فاحملوا عليهم وأبيدوهم.

 

ثم أضاف مالك بن عوف قائلاً: إن محمداً لم يواجه حتى الآن رجال حرب شجعاناً، ليذوق مرارة الهزيمة!!

 

فلما صلى النبي عليهم من كل جانب وصوب، وأصبح المسلمون مرمى لسهامهم، ففرت طائفة من المقاتلين جديدي الإسلام (بمكة) من مقدمة الجيش، فكان أن ذُهل المسلمون واضطروا وفر الكثير منهم.

 

فخلى الله بين جيش المسلمين وجيش العدو، وترك الجيشين على حالهما، ولم يحم المسلمين لغرورهم – مؤقتاً – حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم.

 

إلا أن علياً حامل لواء النبي بقي يقاتل في عدة قليلة معه، وكان النبي (ص) في (قلب) الجيش وحوله بنو هاشم، وفيهم عمه العباسن وكانوا لا يتجاوزون تسعة أشخاص عاشرهم أيمن ابن أم أيمن.

 

فمرت مقدمة الجيش في فرارها من المعركة على النبي فأمر النبي عمه العباس – وكان جهير الصوت – أن يصعد على تل قريب وينادي فوراً: يا معشر المهاجرين والأنصار، يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة، إلى أين تفرون؟ هذا رسول الله (ص).

 

فلما سمع المسلمون صوت العباس رجعوا وقالوا: لبيك لبيك، ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدو من كل جانب حملة شديدة، وتقدموا بأذن الله ونصره، بحيث تفرقت هوازن شذر مذر مذعورة، والمسلمون ما زالوا يحملون عليها. فقتل حوالي مئة شخص من هوازن، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا عدة منهم.

 

ونقرأ في نهاية هذه الحادثة التاريخية أن ممثلي هوازن جاءوا النبي وأعلنوا إسلامهم، وأبدى لهم النبي صفحه وحبه، كما أسلم مالك بن عوف رئيس القبيلة، فرد النبي عليه أموال قبيلته وأسراه، وصيره رئيس المسلمين في قبيلته أيضاً.

 

والحقيقة أن السبب المهم في هزيمة المسلمين بادئ الأمر – بالإضافة إلى غرورهم لكثرتهم – هو وجود ألفي شخص ممن أسلم حديثا وكان فيهم جماعة من المنافقين طبعاً، وآخرون كانوا قد جاءوا مع النبي لأخذ الغنائم، وجماعة منهم كانوا بلا هدف، فأثر فرار هؤلاء في بقية الجيش.

 

 

أما السرّ في انتصارهم النهائي فهو وقوف النبي (ص) وعلي (ع) وجماعة قليلة من الأصحاب، وتذكرهم عهودهم السابقة وإيمانهم بالله والركون إلى لطفه الخاص ونصره.

 

من الفارون؟

مما لا شك فيه أن الأكثرية الساحقة فرت بادئ الأمر من ساحة المعركة، وما تبقى منهم كانوا عشرة فحسب، وقيل أربعة عشر شخصاً، وأقصى ما أوصل عددهم المؤرخون لم يتجاوزوا مئة شخص.

 

ولما كانت الروايات المشهورة تصرح بأن من بين الفارين الخلفاء الثلاثة، فإن بعض المفسرين سعى لأن يعد هذا الفرار أمراً طبيعياً.

 

يقول صاحب تفسير المنار ما ملخصه: لما رشق العدو المسلمين بسهامه، كان جماعة قد التحقوا بالمسلمين من مكة، وفيهم المنافقون وضعاف الإيمان والطامعون (للغنائم) ففر هؤلاء جميعاً وتقهقروا إلى الخلف، فاضطرب باقي الجيش طبعا، وحسب العادة – لا خوفاً – فقد فروا أيضا، وهذا أمر طبيعي عند فرار طائفة فإنه يتزلزل الباقي منهم فيفر أيضا – ففرارهم لا يعني ترك النبي وعدم نصرته أو تسليمه بيد عدوه، حتى يستحقوا غضب الله!!

 

ونحن لا نعلق على هذا الكلام، لكن نتركه للقراء ليحكموا فيه حكمهم.

  

1- جاءت قصة حنين في سورة التوبة، الآيات 25 إلى 27.