سورة الإنسان‏

سورة الإنسان‏ 

و في مجمع البيان : [و تسمّى سورة الدهر] . وتسمّى سورة الأبرار. ومنهم من يسمّيها بفاتحتها. 

و اختلفوا فيها:

فقيل : مكّيّة كلّها.

و قيل : مدنيّة كلّها.

و قيل : إنّها مدنيّة، إلّا قوله: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً فإنّه مكّيّ.

و قيل : إنّ قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (إلى آخر السورة) مكّيّ، والباقي مدنيّ.

و فيه : حدّثنا السّيّد أبو الحمد، مهديّ بن بزاز  الحسيني .

... إلى قوله: بإسناده عن سعيد بن المسيّب، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أنّه قال: سألت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن ثواب القرآن، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السّماء، فأوّل ما نزل عليه بمكّة فاتحة الكتاب ثمّ اقرأ باسم ربّك، ثمّ ...

 

إلى أن قال: وأوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة، ثمّ الأنفال، ثمّ آل عمران ثمّ‏الأحزاب، ثمّ الممتحنة، ثمّ النساء، ثمّ إذا زلزلت، ثمّ الحديد، ثمّ سورة محمّد، ثمّ الرعد، ثمّ الرحمن، ثم هل أتى- إلى قوله-: فهذا ما أنزل بالمدينة.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس: سورة الإنسان مكّيّة، في قول ابن عبّاس والضّحّاك. وقال قوم: هي مدنيّة، وهي إحدى وثلاثون آية بلا خلاف.

يقول عليّ بن موسى بن طاوس: ومن العجب العجيب أنّهم رووا من طريق الفريقين أنّ المراد بنزول سورة هل أتى: مولانا عليّ- عليه السّلام- وفاطمة- عليها السّلام- والحسن والحسين- عليهما السّلام- وقد ذكرنا في كتابنا هذا بعض رواياتهم لذلك، ومن المعلوم أنّ الحسن والحسين كانت ولادتهما بالمدينة، ومع هذا فكأنّهم نسوا ما رووه على اليقين وأقدموا على القول: بأنّ هذه السّورة مكّيّة، وهو غلط عند العارفين.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ في كلّ غداة خميس، زوّجه اللّه من الحور العين ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيّب وحوراء من الحور العين، وكان مع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: من قرأ سورة هل أتى في كلّ غداة خميس، زوّجه اللّه من الحور العين مائة عذراء وأربعة آلاف ثيّب، وكان مع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

أبيّ بن كعب ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على اللّه جنّة وحريرا.

و في أمالي شيخ الطائفة ، بإسناده إلى عليّ بن عمر  العطّار قال: دخلت على [أبي الحسن‏]  العسكريّ- عليه السّلام- يوم الثّلاثاء- فقال: لم أرك أمس؟

قلت : كرهت الحركة في يوم الاثنين.

 قال: يا عليّ، من أحبّ أن يقيه اللّه شرّ يوم الاثنين فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة هل أتى.

ثمّ قرأ [أبو الحسن‏] - عليه السّلام-: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً.

هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ: [استفهام تقرير وتقريب، ولذلك فسّر «بقد»، وأصله: أهل، كقوله:

أهل رأونا بفسح القاع ذي الأكم‏]  حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ: طائفة محدودة من الزّمان الممتدّ الغير المحدود.

لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً : بل كان شيئا منسيّا غير مذكور بالإنسانيّة، كالعنصر والنّطفة.

و الجملة حال من «الإنسان». أو وصف «لحين» بحذف الرّاجع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً قال: لم يكن في العلم، ولا في الذّكر.

و في حديث آخر : كان في العلم، ولم يكن في الذّكر.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي، بإسناده، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً.

قال : في الخلق .

و عن عبد الأعلى ، مولى آل سام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

و عن حمران  بن أعين  قال: سألته.

فقال: كان شيئا مقدّرا، ولم يكن مكوّنا.

و في محاسن البرقيّ ، بإسناده إلى حمران قال: سألت أبا عبد اللّه - عليه السّلام-عن قوله: هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً.

قال: كان شيئا، ولم يكن مذكورا.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لعليّ- عليه السّلام-: قل ما أوّل نعمة أبلاك اللّه بها وأنعم عليك بها؟

قال: إذ خلقني- جلّ ثناؤه-، ولم أك شيئا مذكورا.

قال: صدقت.

و المراد بالإنسان: الجنس، لقوله: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ. أو آدم، بيّن أوّلا خلقه ثمّ بنيه.

أَمْشاجٍ: أخلاط. جمع مشج، أو مشيج. من مشجت الشّي‏ء: إذا خلطته، وصفت النّطفة به، لأنّ المراد بها: مجموع منّي الرّجل والمرأة، وكلّ منهما مختلف الأجزاء في الرّقّة والقوام والخواصّ، ولذلك يصير كلّ جزء منهما مادّة عضو.

و قيل : مفرد، كأعشار، وأكياش.

و قيل : ألوان، فإنّ ماء  الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا خلطا اخضرّا. أو أطوار، فإنّ النّطفة تصير علقة ثمّ مضغة إلى تمام الخلقة.

نَبْتَلِيهِ: في موضع الحال، أي: مبتلين له، بمعنى: مريدين اختباره. أو ناقلين له من حال إلى حال، فاستعار له الابتلاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم»: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ قال: ماء الرّجل والمرأة اختلطا جميعا.

و في نهج البلاغة : عالم الغيب ، من ضمائر المضمرين.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: ومحطّ الأمشاج من مسارب الأصلاب .فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً : ليتمكّن من مشاهدة الدّلائل واستماع الآيات.

فهو كالمسبّب من الابتلاء، ولذلك عطف «بالفاء» على الفعل المقيّد به ورتّب عليه قوله:

إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، أي: بنصب الدّلائل وإنزال الآيات.

إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً : حالان من «الهاء» و«إمّا» للتّفصيل أو التّقسيم، أي: هديناه في حالتيه جميعا، أو مقسوما إليهما بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ فيه، وبعضهم كفور بالإعراض عنه. أو من «السّبيل» ووصفه بالشّكر والكفر مجاز.

و قرئ : «أمّا» بالفتح، على حذف الجواب.

و لعلّه لم يقل: «كافرا» ليطابق قسيمه، محافظة على الفواصل، وإشعارا بأنّ الإنسان لا يخلو عن كفران غالبا، وإنّما المأخوذ به التّوغّل فيه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حمزة بن الطّيّار: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّا هَدَيْناهُ (الآية) قال: عرّفناه، إمّا آخذا وإمّا تاركا.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى حمران بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّا هَدَيْناهُ (الآية) قال: إمّا آخذ فهو شاكر، وإمّا تارك فهو كافر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً.

قال: إمّا آخذ فشاكر، وإمّا تارك فكافر.

إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ: بها يقادون وَأَغْلالًا: بها يقيّدون.

وَ سَعِيراً : بها يحرّقون.

و تقديم وعيدهم وقد تأخّر ذكرهم لأنّ الانذار أهمّ وأنفع، وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن.و قرأ  نافع والكسائي وأبو بكر : «سلاسلا» للمناسبة.

إِنَّ الْأَبْرارَ: جمع برّ، أو بارّ، كأشهاد.

يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ: من خمر. وهي في الأصل: القدح تكون فيه.

كانَ مِزاجُها: ما يمزج بها. كافُوراً : لبرده وعذوبته وطيب عرفه.

و قيل : اسم ماء في الجنّة يشبه الكافور في رائحته وبياضه.

و قيل : يخلق فيها كيفيّات الكافور فتكون  كالممزوجة به.

عَيْناً: بدل من «كافورا» إن جعل اسم ماء، أو من محلّ «من كأس» على تقدير مضاف، أي: ماء عين، أو خمرها. أو نصب على الاختصاص، أو بفعل يفسّره ما بعدها.

يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ، أي: ملتذّا بها أو ممزوجا بها.

و قيل : «الباء» مزيدة، أو بمعنى: «من» لأنّ الشّرب مبتدأ منها كما هو.

يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً : يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلا.

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ: استئناف ببيان ما رزقوه لأجله، كأنّه سئل عنه، فأجيب بذلك. وهو أبلغ في وصفهم بالتّوفّي على أداء الواجبات، لأنّ من وفى بما أوجبه على نفسه للّه- تعالى- كان أوفى بما أوجبه اللّه عليه.

و في كتاب المناقب  لابن شهرآشوب: وروى أبو صالح ومجاهد والضّحّاك والحسن وعطاء وقتادة ومقاتل واللّيث وابن عبّاس وابن مسعود وابن جبير وعمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنّقاش والقشيريّ والثّعلبيّ والواحديّ في تفاسيرهم، وصاحب أسباب النّزول، والخطيب المكّيّ في الأربعين، وأبو بكر الشّيرازيّ في نزول القرآن في أمير المؤمنين- عليه السّلام-، والأشنهي  في اعتقاد أهل السّنّة، وأبو بكر، محمّد بن أحمد بن الفضل النّحوي في العروس في الزّهد، وروى  عن الأصبغ بن نباتة وغيرهم  عن الباقر- عليه السّلام- واللّفظ له- في قوله-: هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ أنّه  مرض الحسن والحسين فعادهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في جميع أصحابه.

و قال: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهما اللّه.

فقال: أصوم ثلاثة أيّام. وكذلك قالت فاطمة- عليها السّلام- والحسن والحسين وجاريتهما فضّة، فبرءا فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

فانطلق عليّ- عليه السّلام- إلى يهوديّ يقال له: فنحاص  بن الحلا - وفي رواية: شمعون بن حاريا  يستقرضه وكان يعالج الصّوف، فأعطاه جزّة من صوف وثلاثة أصوع من شعير وقال: تغزلها ابنة محمّد.

فجاء بذلك فغزلت فاطمة  ثلث الصّوف، ثمّ طحنت صاعا من الشّعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلمّا جلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها عليّ- عليه السّلام- إذا مسكين على الباب يقول: السّلام عليكم، يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه عل موائد الجنّة.

فوضع اللّقمة من يده وقال:

         فاطم ذات المجد واليقين             يا بنت خير النّاس أجمعين‏

          أما ترين البائس المسكين             قد قام بالباب له حنين‏

          يشكو إلينا جائع حزين             كلّ امرئ بكسبه رهين‏

 فقالت فاطمة:

         أمرك سمع يا ابن عمّ و طاعة             ما فيّ من لؤم ولا وضاعة         أطعمه ولا أبالي السّاعة             أرجو إذا أشبعت ذا مجاعة

          أن ألحق الأخيار [و الجماعة]              وأدخل الخلد ولي شفاعة

 ودفعت ما كان على الخوان إليه، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما، ولم يذوقوا إلّا الماء القراح.

فلمّا أصبحوا غزلت [الثلث‏]  الثّاني، وطحنت صاعا من الشّعير وعجنته وخبرت منه خمسة أقراص، فلمّا جلسوا خمستهم وكسر عليّ- عليه السّلام- لقمة إذا يتيم على الباب يقول: السّلام عليكم، يا أهل بيت  محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنّة. فوضع اللّقمة من يده وقال:

         فاطم بنت السيّد الكريم             بنت نبيّ ليس بالذّميم‏

          قد جاءنا اللّه بذا  اليتيم             من يرحم اليوم فهو رحيم‏

          موعده في جنّة النّعيم             حرّمها اللّه على اللّئيم‏

 فقالت فاطمة:

         إنّي أعطيه ولا أبالي             وأؤثر اللّه على عيالي‏

         أمسوا جياعا وهم أشبالي‏

 

 ثمّ دفعت ما كان على الخوان إليه، وباتوا جياعا لا يذوقون إلّا الماء القراح.

فلمّا أصبحوا غزلت الثلث  الباقي، وطحنت الصّاع الباقي وعجنته وخبزت منه‏خمسة أقراص.

فلمّا جلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ- عليه السّلام- إذا أسير من أسراء المشركين على الباب يقول: السّلام عليكم، يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا. فوضع عليّ- عليه السّلام- اللّقمة من يده وقال:

         فاطم يا بنت النّبيّ أحمد             بنت نبيّ سيّد مسدّد

          هذا أسير للنّبيّ المهتدي             مكبّل  في غلّه مقيّد

          يشكو إلينا الجوع قد تقدّد             من يطعم اليوم يجده في غد

         عند العليّ الواحد الممجّد

 

 فقالت فاطمة:

         لم يبق ممّا كان غير صاع             قد دميت  كفّي مع الذراع‏

          وما على رأسي من قناع             إلّا عباء نسجه  بصاع‏

          ابناي واللّه من الجياع             يا ربّ لا تتركهما ضياع‏

          أبوهما للخير ذو اصطناع             عبل الذّراعين شديد الباع»

 وأعطته ما كان على الخوان، وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي‏ء. فرآهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- جياعا، فنزل جبرئيل ومعه صحفة  من الذّهب‏مرصّعة بالدّرّ والياقوت، مملوءة من الثريد وعراقا  تفوح منه رائحة المسك والكافور، فجلسوا وأكلوا حتّى شبعوا ولم ينقص منها لقمة  واحدة.

و خرج الحسين ومعه قطعة عراق، فنادته امرأة يهوديّة : يا أهل بيت الجوع، من أين لكم هذا، أطعمنيها؟ فمدّ يده الحسين ليطعمها، فهبط جبرئيل وأخذها من يده، ورفع الصّحفة إلى السّماء.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لو لا ما أراد الحسين من إطعام الجارية تلك القطعة، لتركت  تلك الصّحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة [لا تنقص لقمة] . ونزل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وكانت الصّدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة، ونزلت: هَلْ أَتى‏ في اليوم الخامس والعشرين منه.

و في أصول الكافي : أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن محبوب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- [في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ الّذي أخذ عليهم من ولايتنا.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن‏]  الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: قوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ؟

 [قال: يوفون للّه بالنذر]  الّذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.

وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ: شدائده.

مُسْتَطِيراً : فاشيا منتشرا غاية الانتشار. من استطار الحريق والفجر، وهو أبلغ من طار.

و فيه إشعار بحسن عقيدتهم، واجتنابهم عن المعاصي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ- إلى قوله-: شَرُّهُ مُسْتَطِيراًقال: المستطير العظيم.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه-: وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى دخل منزل فاطمة فرأى ما بهم، فجمعهم ثمّ انكبّ عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم. فهبط جبرئيل بهذه الآيات:

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ- إلى قوله-: تَفْجِيراً.

قال: هي عين في دار النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ، يعني: عليّا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً يقول : عابسا كلوحا.

و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر قال: أنشدك باللّه، أنا صاحب الآية «يوفون» (الآية) أم أنت؟

قال: بل أنت.

وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ: حبّ اللّه، أو الطّعام [أو الإطعام‏] .

و في مجمع البيان : أي: على حبّ الطّعام.

و في الحديث ، عن أبي سعيد الخدري أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ما من مسلم أطعم مسلما على جوع، إلّا أطعمه اللّه من ثمار الجنّة. (الحديث)

و فيه : وقال أهل التّحقيق: القرض الحسن أن يجمع عشرة أوصاف.

... إلى قوله: وأن يتصدّق وهو يحبّ المال ويرجو الحياة،

لقوله- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا سئل عن [الصّدقة] : أفضل الصّدقة أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت النّفس التّراقي قلت: لفلان كذا ولفلان كذا.

مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً .

و «الأسير» يتناول أسارى الكفّار والأسير  المؤمن، ويدخل فيه المملوك والمسجون.و في الحديث : غريمك أسيرك، فأحسن إلى أسيرك.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه‏] ، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة ابن أيّوب، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت:

قوله: وَيُطْعِمُونَ (الآية).

قال: ليس من الزّكاة. (الحديث)

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: ينبغي للرّجل أن يوسّع على عياله لئلّا يتمنّوا موته. وتلا هذه الآية: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً قال: الأسير عيال الرّجل، [ينبغي للرّجل‏]  إذا زيد في النّعمة أن يزيد أسراءه في السّعة عليهم.

ثمّ قال: إنّ فلانا أنعم اللّه عليه بنعمة فمنعها أسراءه وجعلها عند فلان، فذهب [اللّه‏]  بها.

قال معمّر: وكان فلان حاضرا.

و في كتاب الخصال : عن [ابن‏]  المنكدر، بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خيركم من أطعم الطّعام، [و أفشى السلام، وصلّى والناس نيام‏] .

إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ: على إرادة القول بلسان الحال أو المقال، إزاحة لتوهّم المنّ وتوقّع المكافأة المنقصة للأجر.

لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ، أي: شكرا.

و في كتاب الخصال : عن أحمد بن عمران  الحلبيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أي الخصال بالمرء أجمل؟

قال: وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافأة، وتشاغل بغير متاع الدّنيا.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي الحسن،عليّ بن يحيى، عن أيّوب بن أعين، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له: احتجّ.

فيقول: يا ربّ، خلقتني وهديتني، فأوسعت عليّ، فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر عليّ هذا اليوم رحمتك وتيسّره.

فيقول الرّبّ: صدق عبدي، أدخلوه الجنّة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ ابن عيسى، رفعه قال: إنّ موسى ناجاه اللّه، فقال له في مناجاته:

يا موسى، لا تطوّل  في الدّنيا أملك. وذكر حديثا قدسيّا طويلا، وفيه يقول- تعالى-: فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك، لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة.

و في نهج البلاغة : هذا ما أمر به عبد اللّه، عليّ بن  أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه اللّه، ليولجه  به الجنّة، ويعطيه به الأمنة.

إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا: فلذلك نحسن إليكم، ولا نطلب المكافاة منكم.

يَوْماً: عذاب اليوم.

عَبُوساً: تعبس فيه الوجوه. أو يشبه الأسد العبوس في ضراوته.

قَمْطَرِيراً : شديد العبوس، كالذي يجمع ما بين عينيه. من اقمطرّت النّاقة: إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها. مشتقّ من القطر، و«الميم» مزيدة.

فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ: بسبب خوفهم وتحفّظهم عنه.

وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً : بدل عبوس الفجّار وحزنهم.

وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا: بصبرهم على أداء الواجبات، واجتناب المحرّمات، وإيثار الأموال.

جَنَّةً: بستانا يأكلون منه وَحَرِيراً : يلبسونه.

مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ: حال من «هم» في «جزاهم»، أو صفة «لجنّة».لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً : يحتملهما، وأن يكون حالا من المستكنّ في «متّكئين» والمعنى: أنّه يمرّ عليهم فيها هواء معتدل لا حارّ محميّ، ولا بارد مؤذ.

و قيل : «الزّمهرير» القمر في لغة طي‏ء، والمعنى: أنّ هواءها مضي‏ء بذاته لا يحتاج إلى شمس ولا قمر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر.

حدّثني  أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه تجريان بأمره مطيعان له، ضوؤهما من نور عرشه، وحرّهما من جهنّم، فإذا كانت يوم القيامة عاد إلى العرش نورهما وعاد إلى النّار حرّهما فلا يكون شمس ولا قمر.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال : عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: في الشّمس  أربع خصال: تغيّر اللّون، ونتن الرّيح، وتخلق الثياب، وتورث الدّاء.

وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها: حال. أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها. أو عطف على «جنّة»، أي: وجنّة أخرى دانية، على أنّهم وعدوا جنّتين لقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.

و قرئت  بالرّفع، على أنّها خبر «ظلالها». والجملة حال، أو صفة.

وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا : معطوف على ما قبله. أو حال من «دانية».

و تذليل القطوف، أن تجعل سهلة التّناول ولا تمتنع على قطّافها كيف شاءوا.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، [عن محمّد ابن‏]  إسحاق المدنيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه‏و آله- سئل عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ- ونقل حديثا طويلا يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- حاكيا حال أهل الجنّة: والثمار دانية منهم، وهو قوله: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا]  من قربها منهم، يتناول المؤمن من النّوع الّذي يشتهيه من الثّمار بفيه  وهو متّكئ، وإنّ الأنواع من الفاكهة ليقلن لوليّ اللّه: [يا وليّ اللّه،] كلني قبل أن تأكل هذا قبليّ .

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ: [و أباريق‏]  بلا عروة.

كانَتْ قَوارِيرَا  قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ، أي: تكوّنت، جامعة بين صفاء الزّجاجة وشفيفها وبياض الفضّة ولينها.

و قد نوّن  «قوارير» [كليهما]  من نوّن «سلاسل»، وابن كثير الأولى لأنّها رأس الآية.

و قرئ : قوارير من فضة على: هي قوارير.

و في مجمع البيان : «كانت» تلك الأكواب . «قوارير»، أي: زجاجا.

قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ

قال الصّادق- عليه السّلام-: ينفذ البصر في فضّة الجنّة، كما ينفذ في الزّجاج.

قَدَّرُوها تَقْدِيراً : أي: قدّروها في أنفسهم، فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنّوه. أو قدّروها بأعمالهم الصّالحة، فجاءت على حسبها. أو قدّر الطّائفون بها المدلول عليهم بقوله: «يطاف» شرابها على قدر اشتهائهم.

و قد قرئ : «قدّروها»، أي: جعلوا قادرين لها كما شاءوا. من قدر، منقولا من: قدرت الشّي‏ء.

وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا : ما يشبه الزّنجبيل في‏الطّعم. وكانت العرب يستلذّون الشّراب الممزوج به.

عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا : لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها. يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل. ولذلك حكم بزيادة «الباء»، والمراد به: أن ينفي عنها لذع الزّنجبيل ويصفها بنقيضه.

و قيل : أصله: سل سبيلا، فسمّيت به، ك «تأبّط شرّا»  لأنّه لا يشرب منها إلّا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصّالح.

و في كتاب الخصال : عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: أعطاني اللّه خمسا، وأعطى عليّا خمسا، أعطاني الكوثر وأعطاه السّلسبيل. (الحديث)

و في كتاب علل الشرائع ، بإسناده إلى عبد اللّه بن مرّة: عن ثوبان قال: قال  يهودي للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فما أوّل ما يأكل أهل الجنة إذا دخولها؟

قال: كبد الحوت.

قال: فما شرابهم على أثر ذلك؟

قال: السّلسبيل.

قال: صدقت.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ: دائمون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ قال: مسوّرون .

إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً : من صفاء ألوانهم، وانبثاثهم في مجالسهم، وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض.

وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدّر، لأنّه عامّ، معناه: أنّ بصرك أين ما وقع.

رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً : واسعا.و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن يزيد بن إسحاق، عن عبّاس بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- وكنت عنده ذات يوم: أخبرني عن قول اللّه- تعالى-: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ما هذا الملك الّذي كبّره اللّه حتّى سمّاه كبيرا؟

قال: فقال لي: إذا أدخل اللّه أهل الجنّة الجنّة أرسل رسولا إلى وليّ من أوليائه، فيجد الحجبة على بابه، فيقول له: قف حتّى نستأذن لك. فما يصل إليه رسول ربّه  إلّا بإذن، فهو قوله: وَإِذا رَأَيْتَ (الآية).

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمّد بن إسحاق المدنيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سئل  عن قوله - تعالى-: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً.

 [فقال: يا عليّ، إنّ الوفد لا يكون إلّا ركبانا.

... إلى قوله: فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه أخبرنا عن قول اللّه :

غرف مبنية من فوقها غرف بماذا بنيت يا رسول اللّه؟

فقال: يا عليّ، تلك غرف بناها اللّه لأوليائه بالدّر والياقوت والزّبرجد، سقوفها الذّهب محبوكة بالفضّة، لكلّ غرفة منها ألف باب من ذهب، على كلّ باب منها ملك موكّل به، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والدّيباج بألوان مختلفة، وحشوها [المسك و]  الكافور والعنبر، وذلك قول اللّه - تعالى-: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إذا ادخل المؤمن إلى منازله في الجنّة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة، البس حلل الذّهب والفضّة والياقوت والدّر المنظومة في الإكليل تحت التّاج.

قال: وألبس سبعين حلّة حرير بألوان مختلفة [و ضروب مختلفة] ، منسوجة بالذّهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت الأحمر، فذلك قوله - تعالى-:يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.

فإذا جلس المؤمن على سريره اهتزّ سريره فرحا، فإذا استقرّ  لوليّ اللّه منازله في الجنان استأذن عليه الملك  الموكّل بجنانه ليهنّئه بكرامة اللّه إيّاه.

فيقول له خدّام المؤمن من الوصفاء والوصائف: مكانك، فإنّ وليّ اللّه قد اتّكأ على أريكته وزوجته الحوراء تهيّأ له، فاصبر لوليّ اللّه.

قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها، تمشي مقبلة وحولها وصائفها، وعليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد هي من مسك وعنبر، وعلى رأسها تاج الكرامة، وعليها نعلان من ذهب مكلّلتان بالياقوت واللّؤلؤ شراكهما ياقوت أحمر.

فإذا دنت من وليّ اللّه فهمّ أن يقوم إليها شوقا، فتقول له: يا وليّ اللّه، ليس هذا يوم تعب فلا تقم، أنا لك وأنت لي. فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدّنيا، لا يملّها ولا تملّه.

قال: فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها، فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطحها لوح صفحته درّ، فيها مكتوب: أنت يا ولي اللّه حبيبي، وأنا الحوراء حبيبتك، إليك شاقت  نفسي وإليّ شاقت  نفسك.

ثمّ يبعث اللّه إليه ألف ملك يهنّئونه بالجنّة، ويزوّجونه بالحوراء.

قال: فينتهون إلى أوّل باب من جنانه، فيقولون للملك الموكّل بأبواب جنانه:

استأذن لنا على وليّ اللّه، فإنّ اللّه بعثنا إليه نهنّئه.

فيقول لهم الملك: حتّى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم.

قال: فيدخل الملك إلى الحاجب، وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان، حتّى ينتهي إلى أوّل باب فيقول للحاجب:

إنّ على باب العرصة ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين ليهنّئوا وليّ اللّه، وقد سألوني أن آذن لهم عليه.

فيقول الحاجب: إنّه ليعظم عليّ أن أستأذن لأحد على وليّ اللّه وهو مع زوجته الحوراء.قال: وبين الحاجب وبين وليّ اللّه جنّتان.

قال: فيدخل الحاجب إلى القيّم، فيقول له: إنّ على باب العرصة ألف ملك أرسلهم ربّ العزّة  يهنّئون وليّ اللّه [فاستأذن لهم.

فيتقدّم القيّم إلى الخدّام فيقول لهم: إنّ سئل الجبّار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم اللّه يهنّئون وليّ اللّه‏]  فأعلموه بمكانهم.

قال: فيعلمونه، فيؤذن للملائكة فيدخلون على وليّ اللّه وهو في الغرفة، ولها ألف باب وعلى كلّ باب من أبوابها ملك موكّل به، فإذا اذن للملائكة بالدّخول على وليّ اللّه فتح كلّ ملك بابه الموكّل به.

قال: فيدخل القيّم كلّ ملك من باب [من أبواب‏]  الغرفة.

قال: فيبلّغونه رسالة الجبّار، وذلك قول اللّه - تعالى-: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ [من أبواب الغرفة]  سَلامٌ عَلَيْكُمْ (إلى آخر الآية).

قال: وذلك قوله- تعالى-: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً يعني بذلك: وليّ اللّه وما هو فيه من الكرامة والنعيم  والملك العظيم الكبير، إنّ الملائكة من رسل اللّه يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلّا بأذنه، فذلك الملك العظيم [الكبير.

 

قال: والأنهار تجري من تحت مساكنهم، وذلك قول اللّه - عزّ وجلّ-: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ] . (الحديث)

و

في مجمع البيان : وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً لا يزول ولا يفنى ... عن الصّادق- عليه السّلام-.

و عن أبي الدّرداء  قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يذكّر النّاس، فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنّعيم وفي القوم أعرابيّ، فجثا لركبتيه.

فقال: يا رسول اللّه، هل في الجنّة من سماع؟قال: نعم، يا أعرابيّ، إنّ في الجنّة نهرا حافتاه الأبكار من كلّ بيضاء يتغنّين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قطّ، فذلك أفضل نعيم الجنّة.

عن أبي امامة الباهليّ ، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ما من عبد يدخل الجنّة إلّا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنّيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجنّ، وليس بمزمار الشّيطان، ولكن بتمجيد اللّه وتقديسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، يا ابن رسول اللّه، شوّقني.

فقال: يا أبا محمّد، إنّ من أدنى نعيم أهل الجنّة- أن يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدّنيا. (الحديث).

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: فكيف تنعم أهل الجنّة بما فيها من النّعيم، وما منهم أحد إلّا وقد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمّه، فإذا افتقدوهم في الجنّة لم يشكّوا في مصيرهم إلى النّار، فما يصنع بالنّعيم من يعلم أنّ حميمه في النّار يعذّب؟

قال- عليه السّلام-: إن أهل العلم قالوا: إنّهم ينسون ذكرهم. وقال بعضهم:

انتظروا قدومهم رجوا  أن يكونوا بين الجنّة والنّار في أصحاب الأعراف.

عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ: يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رقّ منها وما غلظ.

و نصبه على الحال من «هم» في «عليهم»، أو «حسبتهم»، أو «ملكا» على تقدير مضاف، أي: وأهل ملك كبير عاليهم.

و قرأ  نافع وحمزة، بالرّفع ، على أنّه خبر «ثياب».

و قرأ  ابن كثير وأبو بكر: «خضر» بالجرّ [حملا على «سندس» بالمعنى ، فإنّه‏اسم جنس. و«إستبرق» بالرفع عطفا على «ثياب». وقرأ أبو عمرو وابن عامر بالعكس، وقرأهما نافع وحفص بالرفع، وحمزة والكسائي بالجرّ] .

و قرئ : «و إستبرق» بوصل الهمزة والفتح، على أنّه استفعل، من البريق، جعل علما لهذا النّوع من الثّياب.

و في مجمع البيان : عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ

و روي عن الصّادق- عليه السّلام- في معناه: تعلوهم الثّياب فيلبسونها .

وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ: عطف على «و يطوف عليهم». ولا يخالفه قوله : أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ لإمكان الجمع والمعاقبة والتّبعيض، فإنّ حليّ أهل الجنّة تختلف باختلاف أعمالهم، فلعلّه- تعالى- يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حليّا وأنوارا تتفاوت بتفاوت الذّهب والفضّة.

أو حال من الضّمير في «عاليهم» بإضمار «قد»، وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم وذلك للمخدومين.

وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً .

قيل : يريد به نوعا آخر يفوق على النّوعين المتقدّمين، ولذلك أسند سقيه إلى اللّه.

و وصفه بالطّهوريّة فإنّه يطهّر شاربه عن الميل إلى اللّذّات الحسيّة والرّكون إلى ما سوى الحقّ، فيتجرّد لمطالعة  جماله ملتذّا بلقائه باقيا ببقائه، وهي منتهى درجات الصّدّيقين، ولذلك ختم به ثواب الأبرار.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمّد بن إسحاق المدنيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سئل عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: [يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً.فقال: يا عليّ، إنّ الوفد لا يكونون إلّا ركبانا، أولئك رجال‏]  اتّقوا اللّه فأحبّهم اللّه واختصّهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتّقين.

ثمّ قال له: يا عليّ، أما والّذي فلق  الحبّة وبرأ النّسمة، إنّهم ليخرجون من قبورهم وإنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العزّ، عليها رحائل الذّهب مكلّلة بالدّرّ [و الياقوت‏] ، وجلائلها الإستبرق والسّندس، وخطمها  جذل  الأرجوان تطير بهم إلى المحشر، مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قدّامه وعن يمينه وعن شماله يزفّونهم زفّا حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم، وعلى باب الجنّة شجرة أنّ الورقة منها ليستظلّ تحتها ألف رجل من النّاس، وعن يمين الشّجرة عين مطهّرة  مزكية، قال: فيسقون منها شربة فيطهّر اللّه بها قلوبهم من الحسد، ويسقط عن أبشارهم الشّعر، وذلك قوله اللّه- تعالى-:

وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [من تلك العين المطهّرة.

قال: ثمّ يصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها، وهي عين الحياة، فلا يموتون أبدا] . (الحديث)

إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً: على إضمار القول، و«الإشارة» إلى ما عدّ من ثوابهم.

وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً : مجازي عليه غير مضيّع.

و في مجمع البيان : قد روى الخاصّ والعامّ أنّ الآيات من هذه السّورة وهي قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ- إلى قوله-: مَشْكُوراً نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين وجارية لهم تسمّى فضّة- وهو المرويّ عن ابن عبّاس ومجاهد وأبي صالح- والقصّة طويلة، جملتها:

أنّهم قالوا: مرض الحسن والحسين، فعادهما جدّهما ووجوه العرب، وقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك نذرا.فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما اللّه، ونذرت فاطمة [كذلك‏]  [و كذلك فضّة، فبرءا وليس عندهم شي‏ء، فاستقرض عليّ- عليه السّلام- ثلاثة أصوع من شعير من يهوديّ. وروي أنّه- عليه السّلام- أخذها ليغزل له صوفا وجاء به إلى فاطمة، فطحنت صاعا]  منها فاختبزته، وصلّى عليّ المغرب، وقرّبته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلمّا كان اليوم الثّاني أخذت صاعا وطحنته وخبزته وقدّمته إلى عليّ- عليه السّلام- فإذا يتيم بالباب يستطعم، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلمّا كان اليوم الثّالث عمدت إلى الباقي فطحنته واختبزته  وقدّمته إلى عليّ- عليه السّلام- فإذا أسير بالباب يستطعم، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلمّا كان اليوم الرّابع وقد قضوا نذورهم أتى عليّ- عليه السّلام- ومعه الحسن والحسين- عليهما السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وبهما ضعف، فبكى رسول اللّه ونزل جبرئيل بسورة هل أتى.

و في رواية عطاء ، عن ابن عبّاس: أنّ عليّا- عليه السّلام- أجر نفسه ليسقي نخلا بشي‏ء من شعير ليلة  حتّى أصبح، فلمّا أصبح وقبض الشّعير طحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له: الحريرة، فلمّا تمّ إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطّعام.

ثمّ عمل الثّلث الثّاني، فلمّا تمّ إنضاجه أتى يتيم فسأل  فأطعموه.

ثمّ عمل الثّلث الثّالث، فلمّا تمّ إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك. ذكره الواحديّ في تفسيره.

و ذكر عليّ بن إبراهيم ، أنّ أباه حدّثه: عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان عند فاطمة شعير فجعلوه عصيدة، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: رحمكم اللّه. فقام عليّ- عليه السّلام- فأعطاه ثلثها، فلم يلبث أن جاء يتيم فقال: رحمكم اللّه. فقام عليّ- عليه السّلام- فأعطاه ثلثها، فلم يلبث أن جاءيتيم فقال: رحمكم اللّه. فقام عليّ- عليه السّلام- فأعطاه الثّلث، ثمّ جاء أسير فقال:

رحمكم اللّه. فأعطاه عليّ الثّلث الباقي وما ذاقوها، فأنزل اللّه الآيات فيهم، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك للّه .

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام-: عن أبيه في قوله:

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قال- عليه السّلام-: مرض الحسن والحسين وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومعه رجلان.

فقال أحدهما: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذرا إن اللّه عافاهما.

فقال: أصوم ثلاثة أيّام شكرا للّه. وكذلك قالت فاطمة، وقالت الصّبيّان:

و نحن- أيضا- نصوم ثلاثة أيّام. وكذلك قالت جاريتهم فضّة، فألبسهما اللّه عافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

فانطلق عليّ- عليه السّلام- إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصّوف، فقال له: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع من شعير؟

قال: نعم. فأعطاه، فجاء بالصّوف والشّعير فأخبر فاطمة، فقبلت وأطاعته، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصّوف، ثمّ أخذت صاعا من الشّعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصا، وصلّى [عليّ- عليه السّلام-]  مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- المغرب، ثمّ أتى منزله فوضع الخوان فجلسوا خمسة، فأوّل لقمة كسرها عليّ- عليه السّلام- إذا مسكين قد وقف بالباب.

فقال: السّلام عليكم، يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنّة. فوضع اللّقمة من يده ثمّ قال:

         فاطم ذات المجد واليقين             يا بنت خير النّاس أجمعين‏

          أما ترين البائس المسكين             جاء إلى الباب له حنين‏         يشكو إلى اللّه ويستكين             يشكو إلينا جائعا حزين‏

          كلّ امرئ بكسبه رهين             من يفعل الخير يقف سمين‏

          موعده  في الجنّة رهين              حرّمها اللّه على الضّنين

          وصاحب البخل يقف حزين             تهوى به النّار إلى سجّين‏

         شرابه الحميم والغسلين‏

 

 فأقبلت فاطمة تقول:

         أمرك سمع يا ابن عم وطاعة             ما بي من لؤم ولا ضراعة

          غذّيت باللّبّ وبالبراعة             أرجو إذا أشبعت من مجاعة

          أن ألحق الأخيار والجماعة             وأدخل الجنّة في شفاعة

 

 وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلّا الماء القراح.

ثمّ عمدت إلى الثّلث الثاني من الصّوف فغزلته، ثمّ أخذت صاعا من الشّعير وطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا، وصلّى عليّ- عليه السّلام- المغرب مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ أتى منزله، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها عليّ- عليه السّلام- إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب.فقال: السّلام عليكم، يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنّة. فوضع عليّ- عليه السّلام- اللّقمة من يده ثمّ قال:

         فاطم بنت السّيّد الكريم             بنت نبيّ ليس بالزّنيم

          قد جاءنا اللّه بذا  اليتيم             من يرحم اليوم فهو رحيم

          موعده في الجنّة  النّعيم             حرّمها اللّه على اللّئيم‏

          وصاحب البخل يقف ذميم             تهوي به النّار إلى الجحيم‏

         شرابه الصّديد والحميم‏

 

 فأقبلت فاطمة وهي تقول:

         فسوف أعطيه ولا أبالي             وأوثر اللّه على عيالي‏

          أمسوا جياعا وهم أشبالي             أصغرهما يقتل في القتال‏

          بكربلاء يقتل باغتيال             لقاتليه الويل مع وبال‏

          يهوون في النّار إلى سفال             كبوله  زادت على الأكبال‏]

 ثمّ عمدت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلّا الماء القراح‏و أصبحوا صياما.

و عمدت فاطمة فغزلت الثّلث الباقي من الصّوف، وطحنت الصّاع وعجنت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصا، وصلّى عليّ- عليه السّلام- المغرب مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ أتى منزله، فقرّب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ- عليه السّلام- إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب.

فقال: السّلام عليكم، يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا.

فوضع عليّ- عليه السّلام- اللّقمة من يده ثمّ قال:

         فاطم يا بنت النّبيّ أحمد             بنت نبيّ  سيّد مسدّد

          قد جاءك الأسير ليس يهتدي             مكبّلا في غلّه مقيّد

          يشكو إلينا الجوع قد تقدّد             من يطعم اليوم يجده في غد

          عند العليّ الواحد الموحّد             ما يزرع الزّارع سوف يحصد

         فأطعمي من غير منّ نكد

 

 فأقبلت فاطمة وهي تقول:

         لم يبق ممّا كان غير صاع             قد دبرت  كفّي مع الذّراع‏

          شبلاي واللّه هما جياع             يا ربّ لا تتركهما ضياع‏

          أبوهما للخير ذو اصطناع             عبل الذّارعين طويل الباع‏         وما على رأسي من قناع             إلّا عبا نسجتها بصاع‏

 وعمدوا إلى من كان على الخوان فأعطوه، وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي‏ء.

قال شعيب في حديثه: وأقبل عليّ- عليه السّلام- بالحسن والحسين نحو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهما يرتعشان، كالفراخ، من شدّة الجوع.

فلمّا أبصر بهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يا أبا الحسن، شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! انطلق إلى ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع، وغارت عيناها.

فلمّا رآها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ضمّها إليه وقال: وا غوثاه [باللّه‏] ، أنتم منذ ثلاثة أيّام فيما أرى .

فهبط جبرئيل فقال: يا محمّد، خذ ما هيّأ اللّه لك في أهل بيتك.

قال: وما آخذ، يا جبرئيل؟

قال: هَلْ أَتى‏- إلى: مَشْكُوراً.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب، عن الحسن بن بهرام، عن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع ، عن المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن‏]  عبد اللّه بن الحارث المكتّب ، عن أبي كثير الزّبيريّ ، عن عبد اللّه بن العبّاس قال: مرض الحسن والحسين فنذر عليّ- عليه السّلام- وفاطمة والجارية نذرا، إن برءا صاموا ثلاثة أيّام شكرا للّه، فبرءا فوفوا  بالنّذر وصاموا.

فلمّا كان أوّل يوم قامت الجارية وجرشت شعيرا لها فخبرت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص، فلمّا كان وقت الفطور جاءت الجارية بالمائدة فوضعتها بين‏أيديهم، فلمّا مدّوا أيديهم ليأكلوا، فإذا مسكين بالباب يقول: يا أهل بيت محمّد، مكسين  من آل فلان بالباب.

فقال [عليّ- عليه السّلام-] : لا تأكلوا وآثروا المسكين.

فلمّا كان اليوم الثّاني فعلت الجارية كما فعلت في اليوم الأوّل، فلمّا وضعت المائدة بين أيديهم ليأكلوا فإذا يتيم على الباب وهو يقول: يا أهل بيت النّبوّة [و معدن الرسالة] ، يتيم آل فلان بالباب.

فقال عليّ- عليه السّلام-: لا تأكلوا شيئا وأطعموه اليتيم.

قال: ففعلوا.

فلمّا كان اليوم الثّالث وفعلت الجارية كما فعلت في اليومين جاءت الجارية بالمائدة فوضعتها، فلمّا مدّوا أيديهم ليأكلوا وإذا شيخ كبير يصيح بالباب: يا أهل بيت محمّد، تأسرونا  ولا تطعمونا ؟! قال: فبكى- عليه السّلام- بكاء شديدا، وقال: يا بنت محمّد، إنّي أحبّ أن يراك اللّه وقد آثرك هذا الأسير على نفسك وأشبالك.

فقالت: سبحان اللّه، ما أعجب ما نحن فيه معك! ألا ترجع إلى اللّه في هؤلاء الصّبية الذّين صنعت بهم ما صنعت، وهؤلاء إلى متى يصبرون صبرنا؟

فقال لها عليّ- عليه السّلام-: فاللّه يصبّرك ويصبّرهم ويأجرنا ، وبه نستعين وعليه نتوكّل وهو حسبنا ونعم الوكيل، اللّهمّ، بدّلنا بما فاتنا من طعامنا هذا ما هو خير منه، واشكر لنا صبرنا ولا تنسه لنا، إنّك رحيم كريم. فأعطوه الطّعام.

و بكّر إليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في اليوم الرّابع فقال: ما كان من خبركم  في أيّامكم هذه؟

فأخبرته فاطمة بما كان، فحمد اللّه وشكره وأثنى عليه وضحك إليهم، وقال:

خذوا  هنّاكم اللّه وبارك لكم وبارك عليكم، قد هبط عليّ جبرئيل من عند ربّي وهويقرأ عليكم السّلام، وقد شكر ما كان منكم وأعطى فاطمة مسؤولها ، وأجاب دعوتها، وتلا عليهم: إِنَّ الْأَبْرارَ- إلى قوله-: مَشْكُوراً.

قال: وضحك النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: إنّ اللّه- تعالى- قد أعطاكم نعيما لا ينفد، وقرّة عين أبد الآبدين، هنيئا لك يا بيت  [النبيّ‏]  بالقرب من الرّحمن، يسكنكم معه في دار الجلال والجمال، ويكسوكم من السّندس والإستبرق والأرجوان، ويسقيكم الرّحيق المختوم من الولدان، فأنتم أقرب الخلق إلى الرّحمن، تأمنون  إذا فزع النّاس، وتفرحون إذا حزن النّاس، وتسعدون إذا شقى النّاس، فأنتم في روح وريحان وفي جوار الرّبّ العزيز الجبّار وهو راض عنكم غير غضبان، قد أمنتم العقاب ورضيتم الثّواب، تسألون فتعطون، وتخفون فترضون، وتشفعون فتشفّعون.

طوبى لمن كان معكم، وطوبى لمن أعزّكم إذا خذلكم النّاس، وأعانكم إذا جفاكم النّاس، وآواكم إذا طردكم النّاس، ونصركم إذا قتلكم النّاس، الويل لكم من أمّتي، والويل لأمّتي من اللّه.

ثمّ قبّل فاطمة وبكى، وقبّل جبهة عليّ وبكى، وضمّ الحسن والحسين إلى صدره وبكى، وقال: اللّه خليفتي عليكم في المحيا والممات، وأستودعكم اللّه وهو خير مستودع، حفظ اللّه من حفظكم، ووصل اللّه من وصلكم، وأعان اللّه من أعانكم، وخذل اللّه من خذلكم وأخافكم، أنا لكم سلف [و أنتم‏]  عن قليل بي لاحقون، والمصير إلى اللّه والوقوف بين يدي اللّه، والحساب على اللّه لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.

و فيه : نكتة:

 

ذكر ابن بابويه في أماليه قال: قال ابن عبّاس: فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذا رأووا مثل الشّمس قد أشرقت لها الجنان.

فيقول أهل الجنّة: يا ربّ، إنّك قلت في كتابك: لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً.قال: فيرسل اللّه إليهم جبرئيل ليقول: ليس هذه بشمس، ولكنّ عليّا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما. ونزلت فيهم هَلْ أَتى‏- إلى قوله-:

مَشْكُوراً.

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا : مفرّقا منجّما لحكمة اقتضته.

و تكرير الضّمير مع «إنّ» لمزيد اختصاص التّنزيل به.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا.

قال: نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ بولاية عليّ- عليه السّلام- تَنْزِيلًا.

قلت: هذا تنزيل؟

قال: لا ، تأويل له.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ: بتأخير نصرك على كفّار مكّة [و غيرهم‏] .

وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ، أي: كلّ واحد من مرتكب الإثم الدّاعي لك إليه، ومن الغالي في الكفر الدّاعي لك إليه.

و «أو» للدّلالة على أنّهما سيّان في استحقاق العصيان والاستقلال به.

و التقسيم باعتبار ما يدعونه إليه، فإنّ ترتّب النّهي على الوصفين مشعر بأنّه لهما، وذلك يستدعي ألّا تكون المطاوعة في الإثم والكفر، فإنّ مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور.

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا : داوم على ذكره. أودم على صلاة الفجر والظّهر والعصر، فإنّ الأصيل يتناول وقتيهما.

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ: وبعض اللّيل فصلّ له. ولعلّ المراد به صلاة المغرب والعشاء.

و تقديم الظّرف، لما في صلاة اللّيل من مزيد كلفة وخلوص .

وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا : وتهجّد له طائفة طويلة من اللّيل.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: بُكْرَةً وَأَصِيلًا قال: الغداة ونصف النّهار.

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ (الآية) قال: صلاة اللّيل.

و في مجمع البيان : [وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا و]

روي، عن الرّضا - عليه السّلام- أنّه سأله أحمد بن محمّد عن هذه الآية، وقال: وما ذلك التّسبيح؟

قال: صلاة اللّيل.

إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ: أمامهم. أو خلف ظهورهم.

يَوْماً ثَقِيلًا : شديدا، مستعار من الثّقل الباهظ للحامل. وهو كالتّعليل لما أمر به ونهي عنه .

نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ: وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب.

وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا : وإذا شئنا أهلكناهم وبدّلنا أمثالهم في الخلقة وشدّة الأسر، يعني: النّشأة الثّانية، ولذلك جي‏ء «بإذا».

أو بدّلنا غيرهم ممّن يطيع، و«إذا» لتحقّق القدرة والقوّة الدّاعية.

إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ «الإشارة» إلى السّورة، أو الآيات القريبة.

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ.

قال- عليه السّلام-: الولاية.

فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا : يقرّب إليه بالطّاعة.

وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: وما تشاؤون ذلك إلّا وقت أن يشاء اللّه‏مشيئتكم .

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: «يشاءون»  بالياء.

و في الخرائج والجرائح : عن القائم- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه لكامل بن إبراهيم المدنيّ: وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية مشيئة اللّه، فإذا شاء شئنا، واللّه يقول: وَما تَشاؤُنَ (الآية).

و في الإحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكلّ ما يأتونه منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، وفعل ملك الموت فعل اللّه لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وإنّ فعل أمنائه فعله، كما قال: وَما تَشاؤُنَ (الآية).

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً: [بما يستأهل كلّ أحد] .

حَكِيماً  [، أي: لا يشاء إلّا ما يقتضيه حكمته‏] .

يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ: بالهداية والتّوفيق للطّاعة.

و في نهج البلاغة  وإنّ اللّه سبحانه يدخل بصدق النّيّة والسّريرة الصّالحة من يشاء من عباده الجنّة.

وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً .

نصب «الظّالمين» بفعل يفسّره «أعدّ لهم»، مثل: أوعد، أو كافأ، ليطابق الجملة  المعطوف عليها.

و قرئ ، بالرّفع، على الابتداء.

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن‏الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ.

قال: في ولايتنا، قال: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ (الآية) ألا ترى أنّ اللّه يقول: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قال: إنّ اللّه أعزّ وأمنع من أن يظلم وأن  ينسب نفسه إلى ظلم، ولكنّ اللّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته، ثمّ أنزل بذلك قرآنا على نبيّه [فقال‏] : وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

قلت: هذا تنزيل؟

قال: نعم.