فصل في أفعال الوضوء

فصل في أفعال الوضوء (الاول): غسل الوجه (2). وحده من قصاص الشعر إلى الذقن طولا، وما اشتمل عليه الابهام والوسطى عرضا (3). ] (1) لما تقدم في كراهة أسئارها. ثم إن الحكم بالاستحباب أو الكراهة في كثير مما سبق مبني على تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولولاها أشكل الحكم بهما، لضعف الدليل، وحيث أن الظاهر عدم تماميتها فاللازم الفعل أو الترك برجاء المحبوبية أو الكراهة. والله سبحانه أعلم. وله الحمد. فصل في أفعال الوضوء (2) باجماع علماء الاسلام - كما عن جماعة - بل ينبغي نظمه في سلك الضروريات. ويدل عليه مع ذلك الكتاب، والسنة المتواترة. (3) بلا خلاف فيه، بل عن المعتبر والمنتهى: أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام. وعن جماعة حكاية الاجماع عليه. ويشهد له صحيح زرارة " قال لابي جعفر (ع): أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ، الذي قال الله عزوجل. فقال (ع): الوجه الذي أمر الله عزوجل بغسله الذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وان نقص منه أثم: ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال عليه السلام: لا " (* 1)، ورواه في الكافي والتهذيب عنه، إلا أنه ذكر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 1  .

 

===============

 

( 328 )

 

فيه السبابة مع الوسطى والابهام. وربما ينافيه قوله (ع): " وما جرت عليه الاصبعان... ". مع أنه لا أثر له في الفرق، إلا أن تحمل (الواو) على معنى (أو). لكنه خلاف الظاهر جدا، بل ممتنع، لتنافي التحديدين، ولذا لم يتوهم أحد الخلاف في التقدير ممن ضم السبابة إلى الوسطى والابهام، كما عن المبسوط، والناصريات. وقد أشار (ع) إلى التحديد العرضي بقوله: " ما دارت... " وإلى التحديد الطولي بقوله (ع): " من قصاص... "، وقوله (ع) " وما جرت عليه... الخ " تأكيد لقوله (ع): " ما دارت... ". وكأن التعبير بالدوران في الجملة الاولى بمناسبة تدوير الوجه بتدوير الرأس وأن وضع الاصبعين يوجب توهم دائرة، ولا يحسن عرفا استعماله في المسطحات، والتعبير بالاستدارة في الجلمة الثانية بملاحظة تدوير الوجه عرفا باستدارة اللحيين الى الذقن، بل وباستدارة قصاص الشعر من الناصية إلى مواضع التحذيف إلى منابت الشعر حول العذار، فهذه الاستدارة العرفية من جانبي الوجه الفوقاني والتحتاني هي المرادة من الاستدارة في الجملة الثانية. وإن كان ظاهر المشهور عدم الاستدارة في النصف الفوقاني من الوجه الواجب الغسل، واختصاص الاستدارة من جانبى الذقن لاغير. لكن الظاهر ما ذكرناه. وأما ما استشكله شيخنا البهائي (ره)، من أنه لو جعل الحد الطولي من القصاص إلى الذقن يلزم دخول النزعتين والصدغين في الوجه الواجب الغسل، إذ الاولتان تحت القصاص بالنسبة إلى الشعر النابت فوقهما، والثانيان داخلان فيما حوته الابهام والوسطى، مع أن دخول الاولتين مما لا يتوهم الالتزام به، ودخول الثانيين مخالف لصريح النص. ولاجله

 

===============

 

( 329 )

 

حمل الرواية على إرادة بيان أن الوجه الواجب الغسل هو ما حوته الدائرة الهندسية الحقيقية التي يكون قطرها قدر ما بين الاصبعين، ويكون المراد من دوران الاصبعين في جملة الاولى دورانهما من القصاص إلى الذقن لتشكليل الدائرة المذكورة، فليزم منه خروج النزعتين والصدغين من الوجه (ففيه): أن ما ذكره خلاف الظاهر جدا، لما عرفت من معنى الدوران في الصدر والذيل، وأن التحديد بالدائرة الهندسية يوجب خروج جزء من أسفل الوجه أو أعلاه من الوجه الواجب الغسل، لان ما بين الابهام والوسطى أقل مما بين القصاص والذقن، فالدائرة التى قطرها يساوي مابين الابهام والوسطى لا تستوعبه. مضافا إلى أن دخول النزعتين في الوجه - على تفسير المشهور - يتوقف على عموم القصاص لمنتهى منابت الشعر في النزعتين، وهو غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة كون جملة: " من قصاص... " من متعلقات " ما " في: " ما دارت... " إذ لو عم القصاص قصاص النزعتين لكان الصحيح ظاهرا في وجوب غسل الناصية المسامتة لمنتهى النزعتين وهو كما ترى، فليس ظاهرا إلا في قصاص الناصية وما يسامتها مما يحيط بالجبينين لا غير. وأما الصدغ فان فسر بما بين العين والاذن - كما عن بعض أهل اللغة، وفي القاموس والمجمع: أنه أحد معنييه - فيدخل بعضه في الوجه على كلا التفسيرين وإن فسر بالشعر المتدلي على مابين العين والاذن - كما عن الصحاح، والنهاية، وفي القاموس والمجمع: أنه أحد معنييه، واستشهد له في المجمع بقولهم: صدغ معقرب - فهو خارج عنه على كلا التفسيرين، فلا يكون التصريح في ذيل الصحيح بخروج الصدغ عن الوجه معينا لما ذكره من المعنى، بل اللازم حمل الصدغ - ولو مجازا - على المعنى المحكي عن القاموس وغيره بقرينة الصدر. فالعمل

 

===============

 

( 330 )

 

[ والانزع والاغم (1) ومن خرج وجهه أو يده عن المتعارف يرجع كل منهم إلى المتعارف (2)، فيلاحظ أن اليد المتعارفة في الوجه المتعارف إلى أي موضع تصل؟ وأن الوجه المتعارف ] على المشهور متعين. (1) الاول من انحسر شعره عن الحد المتعارف، والثانى من نبت الشعر على جبهته. (2) لا ينبغي التأمل في وجوب غسل الوجه مطلقا، صغيرا أو كبيرا على النحو المتعارف أو خارجا عنه. ولا مجال لتوهم اختصاصه بالمتعارف وإن قيل به في كلية المطلقات. إذا المقام ليس من قبيل المطلق، بل من قبيل العام، ضرورة وجوب غسل كل وجه. ثم إن ظاهر الصحيح سؤالا وجوابا أن للوجه الواجب الغسل في الوضوء مفهوما واحدا لا يختلف باختلاف خلقة المكلفين من حيث الصغر والكبر وطول الاصابع وقصرها، بل الاختلاف بالكبر والصغر من قبيل اختلاف أفراد المفهوم الواحد، فإذا كان الواجب في الوضوء غسل الوجه لاغير وجب غسله كبيرا كان أو صغيرا بلا زيادة، عليه لا أنه يجب في الصغير غسله وزيادة وفي الكبير غسل بعضه دون بعض. وعليه فلابد من حمل الابهام والوسطى المذكورتين في الصحيح لتحديد الوجه على المتعارفتين منهما بلحاظ الوجه المتعارف، إذ لو أريد مطلقهما لزم التحديد بالاقل والاكثر لصدق المطلق على كل منهما، وامتناع التحديد بالاقل والاكثر ظاهر، ولو أريد منهما خصوص النادر كان بلا قرينة عليه، وهو ممتنع، بخلاف الحمل على الغالب المتعارف، فان الغلبة والتعارف يصلحان قرينة عليه عند التردد وبين النادر، فيكون المتكلم قد اعتمد عليهما في مقام البيان. كما أنه

 

===============

 

( 331 )

 

لو أريد من الابهام والوسطى المتعارفتان مطلقا - يعنى: لا بالاضافة إلى خصوص الوجه المتعارف - لزم اختلاف مفهوم الوجه باختلافه كبرا وصغرا، واختلافهما كذلك، فيكون وجه ذي الاصابع الطويلة يدخل فيه الاذنان ووجه ذي الاصابع القصيرة يخرج منه الخدان إذا كان وجههما متعارفا، وكذا الحال لو كانت أصابعهما متعارفة، لكن كان وجههما خارجا عن المتعارف صغرا أو كبرا، وقد عرفت أن ظاهر النص - ولا سيما بقرينة السؤال عن دخول الصدغ في الوجه، والجواب بعدم دخوله فيه - أن مفهوم الوجه واحد لا يختلف بالكبر والصغر، وأن المقصود بالجواب تحديد ذلك المفهوم الواحد وتمييره؟ عما يتصل به، فيكون التحديد بما بين الابهام والوسطى لاعلى نحو الموضوعية، بل على نحو الطريقية إلى التحديد بأجزاء الوجه التي قد تزيد مساحتها على الحد المذكور وقد تنقص. ولاجل أن الاصحاب فهموا ذلك حملوا الاصبعين على المتعارف منهما في الوجه المتعارف لا مطلقا. نعم قد يشكل أيضا الحمل على المتعارف في الوجه والاصبعين، لاختلاف المتعارف فيهما بالزيادة والنقصان أيضا. وقد يدفع بأن الارجاع إلى عموم المتعارف بلحاظ أن الاقل حكم واقعي، والاكثر حكم طريقي، بمعنى كون الاكثر طريقا إلى ثبوت الاقل، ولا مانع عقلا من أن تكون أفراد المتعارف مختلفة، بعضها موضوع حقيقي، وبعضها مشتمل عليه، وتقدم في الصحيح أن الصدغ ليس من الوجه، وفي جملة من النصوص (* 1) أن الاذن ليست منه، وعلى هذا فلابد من النظر إلى متعارف الوجه والاصابع وإلى ما تحتويه الاصبعان من الاعضاء، كالجبهة والجبينين والعينين والحاجبين والخدين والانف والفم وغير ذلك، فيكون تمامه من

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء.

 

===============

 

( 332 )

 

[ أين قصاصه؟ فيغسل ذلك المقدار. ويجب إجراء الماء (1)، فلا يكفي المسح به. وحده أن يجري من جزء إلى جزء آخر ولو باعانة اليد. ويجزئ استيلاء الماء عليه وإن لم يجز إذا صدق ] الوجه دون ما زاد عليه، فيكون الوجه غير المتعارف هو تلك الاعضاء سواء حوتها اصبعاه أم زادتا عليها أم نقصتا عنها. وكذا الكلام بعينه في القصاص فإذا كان المتعارف منه ما يكون على حد الجبهة وجب غسل تمام الجبهة في غير وإن نبت الشعر عليها، ولم يجب غسل ما فوقها وإن انحسر عنه الشعر. فلاحظ. (1) فعن المجلسي (ره) في حاشية التهذيب نسبة؟ الاتفاق عليه إلى ظاهر الاصحاب، وعن الشهيد الثاني (ره) في بعض تحقيقاته: انه المعروف بين الفقهاء، ولا سيما المتأخرين. ويشهد به أوامر الغسل بناء على اعتبار الجريان في مفهومه، كما عن جماعة، وعن كشف اللثام: انه يشهد به العرف واللغة، ولا سيما بملاحظة مقابلة بالمسح، إذ لو لم يؤخذ الجريان في مفهومه لم يحصل الفرق بين الغسل بالماء والمسح به، كما في الجواهر. مضافا إلى صحيح زرارة: " كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء (* 1)، ونحوه مما ورد في الغسل كصحيح ابن مسلم: " فما جرى عليه الماء فقد طهر (* 2)، ومصحح زرارة: " الجنب ما جرى عليه الما، من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه " (* 3) بناء على عدم الفصل بينه وبين الوضوء.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 3.

 

===============

 

( 333 )

 

هذا ولكن قد عرفت في مبحث التطهير بالماء التأمل في دخول الجريان في مفهوم الغسل، وعدم ظهور كون المقابلة بينه وبين المسح من هذه الجهة، بل الظاهر أنه يعتبر في الغسل استيلاء الماء وغلبته على المحل، ويعتبر في المسح إمرار الماسح ذي البلل على المحل فيكون بينهما تباين مفهوما وخارجا، وإن كان بينهما عموم من وجه موردا. وأما الصحيح فالظاهر أن التعبير بالجريان فيه كان جريا على الغالب المتعارف، وليس في مقام تقييد مطلقات الغسل، بل في مقام آخر، فلا يصلح لتقييد إطلاقات الامر بالغسل. لاسيما بعد ملاحظة صحيح زرارة عن أبى جعفر (ع) في الوضوء: " إذا مس جلدك الماء فحسبك " (* 1). نعم ربما يوهم ما ينافي الاطلاقات المذكورة ما في مصحح زرارة ومحمد بن مسلم من قول أبي جعفر (ع): " إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه، وإن المؤمن لا ينجسه شئ، إنما يكفيه مثل الدهن " (* 2)، وفي مصحح ابن مسلم الوارد في كيفية الوضوء: " يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملا بها جسده، والماء أوسع " (* 3)، ونحوهما غيرهما، فانها وإن لم تكن تنافي اعتبار جريان الماء وحركته من محل إلى آخر، لكنها ظاهرة في عدم اعتبار استيلائه على المحل، والاكتفاء بمجرد سراية الرطوبة والبلل من محل إلى آخر. لكن لابد من حملها على إرادة المبالغة في عدم احتياج الوضوء إلى الماء الكثير - كما ذكر في الجواهر وغيرها - لاباء سياقها عن صلاحية التصرف في أدلة اعتبار الغسل، بل ذيل الثاني كالصريح في ذلك. فلاحظه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.

 

===============

 

( 334 )

 

[ الغسل. ويجب الابتداء بالاعلى (1)، ] (1) كما صرح به جماعة كثيرة، بل نسب إلى الاكثر والمشهور، بل عن التبيان الاجماع عليه. ويستدل له بالوضوءات البيانية لوضوء النبي صلى الله عليه وآله ففي صحيح زرارة: " فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا " (* 1)، ونحوه مصححه الآخر (* 2)، على رواية التهذيب. وفي مصححه الثالث: " فوضعها على جبينه " (* 3)، وقريب منها غيرها. (ودعوى): إجمال الفعل، لاحتمال كونه من أحد الافراد (غير ظاهرة) لوروده مورد البيان، ولا سيما بملاحظة التفات الراوي إلى الخصوصية المذكورة. نعم لا يظهر من الرواية كون المحكي هو خصوص الواجب من الوضوء، بل من الجائز إرادة حكاية ما يشتمل على بعض المستحبات، بل لعل الظاهر ذلك بملاحظة اشتماله على بعض الخصوصيات المستحبة، فلا ظهور لها في الوجوب. وأما ما عن المنتهى والذكرى بعد ذكر الصحيح الاول: " روي أنه قال بعد ما توضأ: إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " (* 4). فعلى تقدير حجية وعدم قدح إرساله لابد أن يكون المراد باسم الاشارة صرف ماهية الوضوء، لامع تمام الخصوصيات، للاتفاق على استحباب بعضها. ويستدل له أيضا برواية أبي جرير الرقاشي (الرواسي. ظ) المروية عن قرب الاسناد: " لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، وكذلك فامسح على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 4) الذكرى ص: 83.

 

===============

 

( 335 )

 

[ والغسل من الاعلى إلى الاسفل عرفا (1)، ولا يجوز النكس. ] ذراعيك ورأسك وقدميك " (* 1). والاجماع على استحباب المسح لا ينافي الاخذ بظهورها في وجوب الغسل من الاعلى. نعم من المحتمل أن يكون المراد بالغسل المسح، بقرينة قوله (ع): " مسحا " الظاهر في كونه مفعولا مطلقا، الذي يجب أن يكون من جنس فعله، فالاجماع على استحباب المسح يكون مانعا من الاخذ بظهورها في وجوب الابتداء من الاعلى. مضافا الى إمكان دعوى ظهورها في مقام بيان المسح مقابل اللطم فيكون ذكر (من) و (إلى) مقدمة للمسح المستحب. لا في مقام بيان طلب الغسل من الاعلى، فيشبه أن يكون الظرف متعلقا بالمسح لا بالغسل. وحينئذ يشكل رفع اليد عن إطلاق الغسل الوارد في الكتاب المجيد والسنة (ودعوى): إهماله من هذه الجهة، لوروده مورد بيان أصل التشريع لا كيفيته (غير ظاهرة) وإن صدرت من شيخنا الاعظم (ره). ولعله لذلك ونحوه اختار جماعة جواز النكس، منهم السيد، والشهيد، وابنا إدريس وسعيد، ومال إليه، أو قال به آخرون، كصاحب المعالم، وشيخنا البهائي على ما حكي. لكن الانصاف ظهور رواية الرقاشي في كون: " مسحا " من قبيل الحال - يعني اغسله ماسحا - لا مفعولا مطلقا. وعليه فدلالتها على وجوب الغسل من الاعلى لا قصور فيها. (1) ذكر في الجواهر أنه بعد البناء على وجوب الابتداء بالاعلى فهناك احتمالات أربعة: (الاول): الابتداء بالاعلى خاصة ولو كان يسيرا، ولا ترتيب في الباقي. (الثاني): وجوب الاعلى فالاعلى بحسب الخطوط العرضية فلا يجوز غسل الادنى قبل الاعلى وإن لم يكن مسامتا له. (الثالث):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 22.

 

===============

 

( 336 )

 

[ ولا يجب غسل ما تحت الشعر (1)، ] وجوب غسل الاعلى فالاعلى بحسب الخطوط الطولية، فلا يجوز غسل الادنى قبل الاعلى المسامت له حقيقة، ويجوز غسله قبل الاعلى غير المسامت له كذلك. (الرابع): ذلك، لكن عرفا لا حقيقة. انتهى مختصرا. وجعل (ره) الاول مقتضى كلام كثير من المتأخرين، ونسب الثاني إلى بعض القاصرين، والثالث إلى محتمل كلام العلامة (ره) في المختلف، والرابع إلى الشهيد الثاني في شرح الرسالة وبعض المتأخرين. أقول: أما الوجه الاول فهو خلاف ما تقدم من أدلة الابتداء بناء على تماميتها. وأما الثاني فهو خلاف ظاهر النصوص البيانية المتضمنة لغسل الوجه باليد اليمنى وأنه (ع) مسح بها االجانبين. وأما الثالث والرابع، فهما خلاف إطلاق رواية أبي جرير، فان مقتضاه الاكتفاء بالغسل من الاعلى إلى الادنى عرفا، إذ الظاهر صدقه ولو لم يكن على حسب الخطوط الطولية حقيقة أو عرفا، ولعل المراد من الوجه الاخير ذلك. ثم إنه قد يظهر من النصوص البيانية - المتضمنة إسدال الكف على الوجه من أعلاه أو على الجبهة أو على الجبين، أو على الوجه - جواز اقتران الاجزاء العليا للوجه في الغسل، بلا ترتيب بينها. ومثلها في ذلك رواية المسح تحت العمامة. اللهم إلا أن يكون الغسل الوضوئي ليس بوضع الماء، بل بالمسح باليد من الاعلى حقيقة إلى ما دونه. فلاحظ. (1) بلا خلاف، كما عن جماعة، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن الخلاف والناصريات الاجماع عليه. وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): " قلت له أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال (ع): كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه، ولكن يجري

 

===============

 

( 337 )

 

[ بل يجب غسل ظاهره، سواء شعر اللحية والشارب والحاجب (1) بشرط صدق إحاطة الشعر على المحل (2)، وإلا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله (3). ] عليه الماء " (* 1) وفي صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): " عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال (ع): لا " (* 2). (1) لعموم صحيح زرارة، وللتنصيص على اللحية في صحيح ابن مسلم وعلى الجميع في محكي معقد إجماع الخلاف. (2) كما هو موضوع النص المتقدم. إلا أن الاشكال فيما تصدق به الاحاطة، وأنه خصوص منابت الشعر الكثيف الساتر بكثافته للبشرة، أو يعم ما يستر بالاسترسال، أو منابت الشعر الخفيف الذي تظهر بشرته للرائي دائما أو في بعض الاحوال دون بعض أو غير ذلك. وقد اضطربت الكلمات فيما هو مورد الاتفاق على وجوب غسله أو عدم وجوبه، ومورد الخلاف. ولا يبعد اختصاص النصوص المتقدمة بمنابت الشعر المحتاج غسلها إلى بحث وطلب، فلا تشمل صورة الستر بالاسترسال، كما في طرفي الشارب الطويلين، ولا منابت الشعر الظاهرة التي تغسل بمجرد إمرار اليد على الشعر، فضلا عن إجراء الماء عليه، فالمرجع فيهما إطلاق أدلة وجوب غسل الوجه من الكتاب والسنة. (ودعوى): عدم صدق الوجه على البشرة التي تحت الشعر، لان الوجه اسم لما يواجه به، فلا يصدق على المستور (مندفعة) بأن الوجه المذكور في الآية والرواية يراد به العضو المخصوص الذي ينبت فيه الشعر. (3) أما الشعر النابت فيها ففى الجواهر: " فيه وجهان، أقواهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 338 )

 

عدم الوجوب، لعدم الدخول في مسمى الوجه ". وأدلة وجوب غسل الوجه قاصرة عن الدلالة على وجوب غسله تبعا، ومجرد ثبوت التبعية خارجا لا يقتضي التبعية في مقام الدلالة. فالمرجع فيه الاصل. وحيث عرفت في مسألة تداخل الوضوء أن ظاهر أدلة اعتباره في الغايات هو اعتبار أثره وهو الطهارة، كان الشك في المقام من قبيل الشك في المحصل الذي هو مجرد قاعدة الاشتغال لا البراءة (ودعوى): أنه لا فرق بين المقام وبين الشك في الاقل والاكثر، فإذا بنينا على البراءة هناك وأجبنا عن شبهة الاحتياط من جهة العلم الاجمالي بالغرض فليكن الجواب جاريا هنا أيضا. (مدفوعة) بالفرق بأن الغرض هناك لم يقع موردا للتكليف، بل مورده نفس فعل المكلف بالمباشرة، وظاهر الادلة هنا أن نفس الاثر موضوع للتكليف الشرعي، وهذا الفرق يمكن أن يكون فارقا بينهما في جريان البراءة والاحتياط عند العقلاء، كما ذكرنا ذلك فيما علقناه على مباحث الاقل والاكثر من الكفاية. كما أنه لو بنينا على أن التكليف بالمسبب راجع إلى التكليف بالسبب كان المقامان من باب واحد. لكنه خلاف التحقيق. ومثله ما عن بعض الاجلة من الحكم بجريان البراءة في جميع موارد الشك في حصول الغرض إذا كان بيان محصله من وظيفة الشارع، بلا فرق بين كون المأخوذ في لسان الدليل نفس الغرض ومحصله، فان ما ذكر غير واضح من طريقة العقلاء، وإن كان لا يخلو من وجه. وأما ما ذكره شيخنا (ره) في الكفاية في المقام وغيره من إثبات الغرض - وهو الطهارة - باجراء حديث الرفع لنفي جزئية الشئ للوضوء أو شرطيته. فهو مخدوش بأن أدلة الجزئية الواقعية إنما تفيد حكما واقعيا وحديث الرفع ونحوه من أدلة البراءة إنما يفيد حكما ظاهريا، فيمتنع أن

 

===============

 

( 339 )

 

[ (مسألة 1): يجب إدخال شئ من أطراف الحد من باب المقدمة (1). وكذا جزء من باطن الانف ونحوه. وما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن (2)، ] يكون الثاني بمنزلة الاستثناء من الاول، إذ ليس هو في عرضه. وبالجملة: بعد البناء على اشتغال ذمة المكلف بالغرض لا تجدي الاصول في إثباته إلا ما كان منها متكفلا لثبوته، ومن المعلوم أن حديث الرفع لا يصلح لذلك لانه رافع لا مثبت. ثم إن الرجوع إلى الاصل من البراءة والاحتياط موقوف على عدم ظهور النصوص البيانية في عدم الوجوب - كما هو الظاهر - وإلا كان عليها المعول في عدم الوجوب. هذا والمحكي عن جامع المقاصد في مبحث غسل الجنابة دعوى الاجماع على وجوب غسل الشعر النابت في الوجه واليدين في الوضوء، فان تم كان عليه المعول، وإلا كان المرجع ما ذكرنا. (1) الظاهر أن مراده المقدمة الوجودية. وكأنه لعدم إمكان الغسل اختيارا إلى الحد الحقيقي إلا بضم جزء مما يخرج عن الحد مما يعلم أنه ليس داخلا فيه، فيكون الوجوب غيريا (وفيه): أنه لا مقدمية بين غسل الجزء الخارج عن الحد وغسل الجزء الداخل فيه، بل هما من قبيل المتلازمين ووجوب احد المتلازمين لا يقتضي وجوب الآخر. نعم الجزء المشكوك كونه من الداخل والخارج وجوب غسله عقلي من باب وجوب المقدمة العلمية، فيبتني وجوب غسله وعدمه على وجوب الاحتياط في المقام والرجوع الى البراءة، كما عرفت أما الجزء المعلوم كونه من الخارج فليس بواجب، لا شرعا، ولا عقلا؟؟ (2) إذ لا فرق بينه؟؟ الفم في ظهورهما عند انفتاح الشفتين بطونهما عند انطباقهما، فالفرق؟؟ ذلك غير ظاهر.

 

===============

 

( 340 )

 

[ فلا يجب غسله (1). (مسألة 2): الشعر الخارج عن الحد، كمسترسل اللحية في الطول، وما هو خارج عن ما بين الابهام والوسطى في العرض لا يجب غسله (2). (مسألة 3): إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل (3). ] (1) لعدم وجوب غسل الباطن اتفاقا. ويشهد له خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة " إنما عليك أن تغسل ما ظهر " (* 1) وما ورد من الامر بصب الماء على أعلى الوجه والامر بمسحه (* 2)، فان مطبق الشفتين لا يغسل بمجرد ذلك، فيحتاج الامر بغسله إلى بيان زائد وهو مفقود. ولعله أيضا يستفاد من روايات الحضرمي وأبي بصير (* 3)، المتضمنة أن المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء، لانهما من الجوف. فتأمل. ويستفاد أيضا مما ورد في غسل الجنابة من الاجزاء بالارتماس (* 4)، بناء على عدم الفصل بينه وبين المقام. (2) إجماعا ظاهرا، كما عن المدارك وكشف اللثام وغيرهما، بل يظهر من محكي الخلاف أنه كذلك. للخروج عن الحد. نعم لو كانت البشرة مما يجب غسلها لتفرق الشعر، وبني على وجوب غسل الشعر النابت فيها، لم يفرق فيه بين ما دخل في الحد وما خرج. فالعمدة إذا الاجماع. (3) لاطلاق الصحيح المتقدم.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء. (* 3) الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 10، 9، 12. (* 4) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5، 12، 13، 15.

 

===============

 

( 341 )

 

[ (مسألة 4): لا يجب غسل باطن العين والانف والفم (1)، إلا شئ منها من باب المقدمة. (مسألة 5): في ما أحاط به الشعر لا يجزئ غسل المحاط عن المحيط (2). (مسألة 6): الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها (3). (مسألة 7): إذا شك في أن الشعر محيط أم لا يجب الاحتياط بغسله مع البشرة (4). ] (1) لما تقدم فيه وفيما بعده. (2) لقوله (ع) في صحيح زرارة: " ولكن يجري عليه الماء " (* 1) لظهور الجملة الخبرية في الوجوب. اللهم إلا أن يدعى ورودها مورد توهم الحظر، فتكون دالة على الاكتفاء باجراء الماء على الشعر وبدليته عن البشرة. وقد يؤيده ما في رواية الفقيه للصحيح هكذا: " فليس على العباد... (* 2). ولا ينافيه رواية الشيخ لها: " فليس للعباد... "، لعدم إرادة ظاهره جزما، إذ لا ريب في عدم تحريم الطلب والبحث لا تكليفا ولا وضعا. وفيه: أنه لا يظهر من الرواية جعل بدلية الشعر عن البشرة، بل ظاهرها عدم وجوب غسلها ووجوب غسل الشعر، فيتعين العمل به. (3) لفهمه مما دل على وجوب غسل البشرة، أما الشعر الغليظ فقد عرفت الاشكال في وجوب غسله. (4) للعلم الاجمالي بوجوب غسله أو غسل البشرة. نعم لو قيل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 342 )

 

[ (مسألة 8): إذا بقي مما في الحد ما لم يغسل ولو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء (1)، فيجب أن يلاحظ (2) آماقه وأطراف عينه لا يكون عليها شئ من القيح أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شئ من الوسخ، وان لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع. (مسألة 9): إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله أو وصول الماء إلى البشرة (3)، ] بوجوب غسل الشعر النابت في البشرة مطلقا كان الشك في وجوب غسل البشرة شكا بدويا، وحينئذ فوجوب الاحتياط بغسله والرجوع الى البراءة مبنيان على الاصل في المقام، كما عرفت. (1) لفوات المركب بفوات جزئه. (2) يعني: مع العلم بوجود أحد الامور المذكورة، أما مع الشك فسيأتي تعرضه له. (3) لان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ كذلك. وأصالة عدم الحاجب، أو عدم الحجب، لا تجدي في إثبات وصول الماء إلى البشرة، إلا بناء على الاصل المثبت، الذي لا نقول به. ولصحيح ابن جعفر عن أخيه عليهما السلام: " عم المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها، لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال (ع): تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه " (* 1). لكن قد يعارضه ما في ذيله: " وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع؟ قال (ع): إن علم أن الماء لا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 343 )

 

[ ولو شك في أصل وجوده يجب الفحص (1) أو المبالغة حتى يحصل الاطمينان بعدمه أو زواله أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده. ] يدخله فليخرجه إذا توضأ ". والجمع العرفي بين الصدر والذيل بحمل أحدهما على الآخر بعيد، فيلحقه حكم المجمل، ويرجع إلى القاعدة المتقدمة. (1) للقاعدة المتقدمة. لكن ظاهر الجواهر: أنه لا إشكال في عدم وجوب الفحص، لاستمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على عدمه وعن بعض دعوى الاجماع عليه. لكن المصنف (ره) وغيره لم يعتمدوا على الاجماع المدعى، لعدم تعرض جل الاصحاب لذلك، ولا على السيرة لعدم ثبوتها إلا في صورة الاطمئنان بالعدم. بل قال شيخنا الاعظم (ره) " إن دعوى الاجماع والسيرة في بعض أفراد هذا الشك مثل الشك في وجود قلنسوة على الرأس، أو جورب في الرجل، أو وجود لباس آخر على البدن أغلظ من ذلك. مجازفة. والفرق بين كون الحاجب المشكوك في وجوده رقيقا أو غليظا اقتراح. والحوالة على موارد السيرة فرار عن المطلب ". لكن الانصاف يقتضي البناء على ثبوت السيرة وعدم اختصاصها بحال الاطمئنان، لثبوتها مع عدم موجبه. وعدم السيرة في مثل الشك في وجود القلنسوة ونحوها لعدم الشك أو ندرته جدا، لا للاعتناء بالشك، كي يشكل الفرق بينه وبين غيره. مع أن الندرة مصححة للفرق ومانعة عن كونه اقتراحا. فالبناء على عدم الاعتناء في صورة الظن، لانه المتيقن من موردها، غير بعيد. نعم تبقى صورة الظن بالوجود والشك المتساوي الطرفين وثبوت السيرة فيهما غير ظاهر. هذا وأما ما ذكره شيخنا (ره) من إمكان الاعتماد على أصالة عدم الحاجب وإن كان مثبتا، لخفاء الواسطة.

 

===============

 

( 344 )

 

[ (مسألة 10): الثقبة في الانف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها (1)، بل يكفي ظاهرها، سواء كانت الحلقة فيها أو لا. (الثاني): غسل اليدين (2) من المرفقين إلى أطراف الاصابع (3)، مقدما لليمنى على اليسرى (4). ويجب الابتداء بالمرفق (5) والغسل منه إلى الاسفل عرفا، فلا يجزئ النكس. ] فغير ظاهر صغرى وكبرى. مع أنه لو تم لجرى حتى في صورة الشك في حاجبية الموجود، لعدم الفرق. بل عليه يجب القول بصحة قاعدة الاقتضاء وأصالة عدم المانع. (1) لكونه من الباطن، الذي عرفت عدم وجوب غسله. (2) كتابا، وسنة، وإجماعا من المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين. (3) بلا إشكال فيه في الجملة ولا خلاف. والكتاب والسنة ناطقان به. (4) قال في الجواهر: " إجماعا محصلا، ومنقولا مستفيضا كاد يكون متواترا، كالسنة ". وما في صحيح منصور وغيره شاهد به، كما يأتي إن شاء الله. (5) وعن جماعة أن الحال فيه كما مر في الوجه، وفي مفتاح الكرامة: " هو كما قالوا في الاجماعات والشهرة والاقوال، إلا أن ابن سعيد هنا وافق، وكذا السيد في أحد قوليه ". ويشهد له ما في خبر الهيثم بن عروة التميمي: " سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق) فقلت: هكذا؟ - ومسحت من ظهر كفي الى المرفق - فقال (ع): ليس هكذا تنزيلها، إنما هي: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق)، ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه " (* 1).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 345 )

 

[ والمرفق مركب من شئ من الذراع وشئ من العضد (1). ] وما في مكاتبة علي بن يقطين المروية عن إرشاد المفيد من قوله (ع): " واغسل يدك من المرفقين " (* 1). وما في ما عن كشف الغمة: " فعلمه صلى الله عليه وآله جبرئيل (ع) الوضوء على الوجه واليدين من المرفق " (* 2) وما عن العياشي عن أبي الحسن (ع): " قلت: يرد الشعر؟ قال (ع): إن كان عنده آخر فعل، وإلا فلا " (* 3). ويمكن المناقشة في الاخير باحتماله رفع الوجوب الثابت حال التقية من الغير. وفيما قبله باحتمال كونه قيدا لليدين. وفي الاول بمخالفته للمتواتر من تنزيلها إلى المرفقين: اللهم إلا أن يحمل على كون المراد ذلك - كما هو الظاهر - وحينئذ فيصح الاستدلال به. مضافا إلى ما في صحيح زرارة المروي في الفقيه، من قول أبي جعفر (ع): " ولا ترد الشعر في غسل اليدين " (* 4). اللهم إلا أن يقال: إن النهي عن النكس أعم من لزوم الابتداء بالاعلى فالاعلى. (1) هو موصل الذراع في العضد - كما في المجمع، والقاموس، وعن الصحاح، والمطرز - أو بالعضد - كما عن المغرب - فيحتمل أن المراد طرف الساعد الداخل في العضد - كما هو ظاهر المنتهى وغيره، في مسألة من قطعت يده من المرفق - والحد المشترك بينهما - كما استظهره المحقق القمي في الغنائم من أهل اللغة، وجعله الموافق للاشتقاق - ونفس الطرفين المتداخلين - كما استظهره القمي في الغنائم من العرف، ومحاورات الشارع، ومن الفقهاء، بل استظهره غير واحد أيضا من اللغويين - وهذه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 24. (* 3) مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 4) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 346 )

 

[ ويجب غسله بتمامه (1)، وشئ آخر من العضد ] الاحتمالات أيضا جارية فيما عن كثير من أصحابنا - منهم العلامة في التذكرة - من تفسيره بانه مجمع عظمي الذراع والعضد. إلا أن الظاهر أن المراد الاخير. وكأنه المراد مما نسبه في الحدائق إلى المشهور، من أنه رأس عظمي الذراع والعضد، وإن جعله فيها مقابلا لتفسيره بمجمع عظمي الذراع والعضد. وكيف كان فلا يظهر للنزاع في معنى المرفق ثمرة مهمة، إذ الظاهر اتفاقهم على وجوب غسل تمام البشرة المستديرة على موضع التواصل والتداخل بين العظمين بأي معنى أخذ المرفق، كما يقتضيه أيضا مادل على وجوب غسل المرفق، إذ لا يراد منه غسل نفس العظم أو الحد، بل يراد منه تقدير منتهى حد المقدار المغسول من اليد بمنتهى موضع المرفق، ولا يختلف ذلك باختلاف كون المرفق خصوص رأس عظم الذراع الداخل في العضد أو رأس عظم العضد الداخل فيه الذراع، أو مجموع العظمين المتداخلين، أو الخط الموهوم المفروض على محل التواصل والتداخل، لاتحاد المقدار الواجب الغسل من اليد على جميع التقادير. نعم لو فرض كونه الخط الموهوم فما دل على وجوب غسله لا بد أن يحمل على وجوب غسل أقل ما يفرض من كل من العظمين المتواصلين. وعليه فيجب غسل أقل مقدار من العضد زائدا على المقدار المتداخل منه في الذراع، بخلاف ما لو جعل عبارة عن مجموع العظمين أو عن أحدهما، فانه يقتصر على ما يسامتهما معا من البشرة. وهذا وإن كان نحوا من الثمرة العملية، إلا أنه ينبغي القطع بأن مادل على وجوب غسل المرفق لا يراد به هذا المعنى. فتأمل جيدا. (1) إجماعا، كما عن الخلاف والمعتبر والتذكرة وكشف اللثام وغيرها،

 

===============

 

( 347 )

 

وعن الخلاف نسبته إلى جميع الفقهاء إلا زفر، وقريب منه ما عن المعتبر والمنتهى، وعن الشيخ الطبرسي في جامع الجوامع أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام، وعن الخلاف: " قد ثبت عن الائمة (ع) أن (إلى) في الآية بمعنى (مع) ". وهذا هو العمدة في الحكم مؤيدا أو معتضدا بالآخبار البيانية المتضمنة لوضع الماء على المرفق وأما الآية والنصوص المتضمنة لذكر المرفق مدخولا لحرف الغاية أو الابتداء فلا تصلح لاثباته، لو لم تصلح لنفيه، بناء على كون الاصل الخروج في مدخولهما. وكيف كان فظاهر جميع ما ذكر الوجوب أصالة لا مقدمة: وإلا فلا خصوصية للمرفق من دون سائر ما يتوقف عليه غسل الاعضاء مما هو خارج عن الحد، ولا يظن من زفر وغيره من العقلاء الخلاف في لابدية ما يتوقف عليه الواجب عقلا، وإن كان خلافه في الوجوب الشرعي، فلا يختص الخلاف به، بل يوافقه كل من لا يقول بوجوب المقدمة، مع أنه لا وجه لتخصيص خلافه بالمقام، ولا وجه لوجوب غسل تمام المرفق، إذ المقدار الذي يتوقف عليه غسل اليد جزء منه لا غير. فتأمل، ولغير ذلك. ومع ذلك فظاهر المحكي عن جماعة كون الوجوب مقدميا، منهم العلامة (ره) في محكي المنتهى في من أبينت يده من مفصل الذراع والساعد من غير قطع لعظم العضد، حيث قال (ره). " لا يجب غسل طرف العضد، لانه إنما وجب غسله توصلا إلى غسل المرفق، ومع سقوط الاصل انتفي الوجوب ". لكن ظاهره وجوب غسل المرفق نفسيا، وعظم العضد مقدميا، لا غسل المرفق مقدميا، فلا يكون مخالفا في ما نحن فيه. ولعل ذلك مراد غيره ممن لا يحضرني كلامه. نعم يرد عليهم ما عرفت من أن المراد من غسل المرفق الواجب نفسيا ليس غسل نفس العظم، بل غسل اليد إلى

 

===============

 

( 348 )

 

[ من باب المقدمة (1). وكل ما هو في الحد يجب غسله (2) وإن كان لحما زائدا أو إصبعا زائدة، ] منتهى العظم، وذلك مما يدخل فيه عظم العضد، فلا معنى للفرق بين العظمين في كون وجوب غسل أحدهما نفسيا وغسل الآخر غيريا، إذ لا يجب غسل كلا منهما لا نفسيا ولا غيريا. ومن ذلك تعرف الاشكال في ما ذكره شيخنا الاعظم (ره)، من أن الاظهر أن الاجماع منعقد على وجوب غسل المرفق أصالة. إلا أن وجوب غسل طرف العضد أصالة مبني على دخوله في المرفق، فمن قال بدخوله فيه - كالعلامة في التذكرة، والشهيد في الذكرى - قال بوجوبه، ومن قال بخروجه عنه قال بعدم وجوب غسله. (1) تقدم المراد منه. (2) بلا خلاف أجده - كما في الجواهر - أو بلا خلاف على الظاهر، كما في طهارة شيخنا الاعظم (ره) - بل اتفاقا ظاهرا - كما في المسند - وعن ظاهر شرح الدروس: الاجماع عليه، وعن المدارك: أنه لا ريب فيه. لانه جزء عرفا من اليد، فيدخل تحت إطلاق الادلة. والاشكال فيه من غير واحد غير ظاهر. نعم يختص ذلك بالاصبع واللحم الزائدين ونحوهما. بل والظفر أيضا لجزئيته من اليد عرفا، وحينئذ فلا فرق بين خروجها عن حد اليد وعدمه. وفي المستند: لا إشكال في وجوب غسلها في الثاني. وحكي عن بعض العدم في الاول، وعن التذكرة والمنتهى والنهاية وجامع المقاصد التردد فيه، للاصل. لكنه غير ظاهر في قبال الاطلاق، لا سيما بناء على كون مقتضى الاصل الاحتياط، اللهم إلا أن يكون من جهة ظهور قول أبي جعفر (ع) في الصحيح المروي في الفقيه: " وحد غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الاصابع " (* 1) في كون الحد طرف

 

 

____________

(* 1) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 349 )

 

[ ويجب غسل الشعر (1) مع البشرة (2). ] الاصابع، فإذا خرجت عن الحد لم يجب غسلها، نظير ما تقدم في شعر الوجه. لكن الظاهر أنه ليس مسوقا للتحديد، فلا مجال لرفع اليد به عن إطلاق اليد في الآية وغيرها. (1) وفي الحدائق أنه ظاهر المشهور، لدخوله في الفرض، كما علله البعض أو أنه من توابع اليد، كما علله آخر. وقد عرفت ما فيه. وعن شرح الدروس الظاهر عدم الوجوب للاصل إن لم يكن إجماع. وقد تقدمت حكاية صريح الاجماع عن جامع المقاصد على وجوب غسل شعر الوجه واليدين في الوضوء، وصريح شيخنا الاعظم رحمه الله الاتفاق على وجوب غسله هنا، فان تم إجماعا - كما هو غير بعيد - وإلا فالمرجع فيه الاصل الجاري في المقام. إلا أن يستفاد من الادلة البيانية عدم الوجوب، من جهة السكوت في مقام البيان. فتأمل. (2) كما هو المعروف، بل في طهارة شيخنا الاعظم رحمه الله دعوى الاتفاق عليه. لصدق اليد عليها. خلافا لما عن كشف الغطاء، حيث قال: " ولو تكاثف عليها الشعر أجزأ غسله من غسل البشرة. والاحوط غسلها ". وكأن وجهه عموم الصحيح المتقدم: " كل ما أحاط به... " لكن الظاهر اختصاصه بالوجه، كما يظهر من ملاحظة الفقيه، حيث ذكر في ذيل صحيح زرارة المتضمن لتحديد الوجه الذي نقلناه سابقا: " قال زرارة: أرأيت ما أحاط به الشعر... ". إذ من المعلوم أن هذا الكلام ليس سؤالا ابتدائيا، وإلا لم يكن له معنى محصل، كما يظهر بأدنى تأمل. مضافا إلى أنه تعرض بعد ذلك لحد غسل اليدين، وحد مسح الرأس، وحد مسح الرجلين، ولم يتعرض لحد غسل الوجه، فلو لم يكن ذيلا

 

===============

 

( 350 )

 

[ ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد (1)، ] لتحديد الوجه لم يكن وجه ظاهر لاهماله. وبالجملة لا مجال للتشكيك في اختصاص السؤال عما أحاط به الشعر من الوجه. وحينئذ فلا مجال للاخذ بعموم الجواب. وتوهم أن المورد لا يخصص الوارد. مندفع بأن ذلك مسلم حيث يكون للوارد عموم، ومع كون السؤال عما أحاط به الشعر من الوجه لا يكون لمدخول (كل) عموم، بل ينصرف إلى المعهود الذكر. (1) إجماعا، كما عن المنتهى وكشف اللثام. وفي مفتاح الكرامة: " لا أجد فيه خلافا، إلا ما نقله في البيان عن المفيد، وهو الظاهر من عبارة الكاتب، على ما نقل " لانعدام الحكم بانعدام موضوعه. واحتمال البدلية لا دليل عليه. وأصالة الاحتياط الجارية في المقام لا مجال لها بعد الاجماع المتقدم المتلقى بالقبول. ومنه يظهر الحال في جملة من النصوص كحسن بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " عن الاقطع اليد والرجل. قال (ع): يغسلهما (* 1). وفي صحيحة رفاعة: " عن الاقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟ قال (ع): يغسل ذلك المكان الذي قطع منه، (* 2). وفي مصححته الاخرى في الاقطع: " يغسل ما قطع منه " (* 3). ولا بد من حملها على القطع مما دون المرفق. ولا سيما مع قرب ظهور الاقطع في ذلك، بأن يكون المراد منه المعنى الاسمي، ولولا ذلك كان مقتضى إطلاق الجميع وجوب الغسل، ولو قطعت اليد من الكتف، وهو - كما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 351 )

 

[ وإن كان أولى (1). وكذا إن قطع تمام المرفق (2). وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي (3)، فان قطعت من المرفق بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ] ترى - خلاف المعلوم. ولا سيما أيضا بملاحظة اشتمال الاولين على الامر بغسل الرجل المقطوعة، الذي هو خلاف المذهب. فتأمل. وأما صحيح ابن جعفر (ع): " عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال (ع): يغسل ما بقي من عضده " (* 1)، فظاهر السؤال فيه القطع مما دون المرفق، كما يقتضيه دخول حرف الابتداء عليه، الظاهر في خروجه عن القطع، فيكون المراد من الجواب غسل ما بقي مما يجب غسله لولا القطع، وتكون (من) في الجواب للتبعيض، لا بيان ل‍ (ما) ولا متعلق ب‍ (بقي)، إذ الاول خلاف الظاهر، ولو كان هو المراد لقال: فليغسل عضده. والثاني خلاف فرض القطع من المرفق، وإنما يصح لو كان القطع لبعض العضد. مع أن في الاجماع المتقدم كفاية في وجوب الحمل على ما عرفت. (1) لااحتمال كونه المراد من الصحيح، الواجب حينئذ حمله على الاستحباب، بل استظهر منه ذلك في محكي الخلاف، فحمله على الاستحباب وفي الجواهر: " لا يخلو من وجه "، لكنه جعل الاقوى حمل المرفق المذكور في السؤال على إرادة بعض المرفق، وقد عرفت أن ظاهر حرف الابتداء كون القطع مما دون المرفق. فتأمل جيدا. (2) يظهر الحكم فيه مما سبق. (3) إجماعا، كما عن المدارك وكشف اللثام، وعن المنتهى نسبته الى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 352 )

 

[ ما كان من العضد جزءا من المرفق (1). (مسألة 11): إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا (2) كاللحم الزائد. وإن كانت فوقه، فان علم زيادتها لا يجب غسلها (3)، ويكفي غسل الاصلية، ] أهل العلم. لكونه المتيقن من النصوص المتقدمة. ويقتضيه الاستصحاب إذا طرأ القطع في أثناء الوقت، وقاعدة الميسور - المشهورة في الاعصار الاخيرة - وإن كان قد طرأ القطع قبل الوقت. لكن ثبوتها لا يخلو عن إشكال، لضعف النصوص الدالة عليها (* 1)، وعدم ثبوت الجابر. (1) كما عن التذكرة والذكرى والمقاصد العلية، بل نسب إلى الشيخ رحمه الله والقاضي أبي علي. لما سبق في ما قبله، وقد تقدم في محكي المنتهى: أنه لا يجب غسل طرف العضد، لانه إنما وجب غسله توصلا إلى غسل المرفق، ومع سقوط الاصل انتفى الوجوب. وقد ينسب إلى غيره أيضا. لكن عرفت أن المراد من وجوب غسل المرفق غسل اليد الى منتهى المرفق، فلا مجال لهذا الكلام أصلا. (2) لما تقدم في اللحم والاصبع الزائدين من الاجماع وغيره. (3) كما في القواعد، وعن غيرها، لانصراف الاطلاق عنها، ولتثنية اليد في جملة من النصوص بضميمة عدم احتمال الاكتفاء بغسلها عن غسل الاصلية. لكن الانصراف المستند الى التعارف لا يعتد به في رفع اليد عن الاطلاق. وتثنية اليد لا تصلح لتقييده، لا مكان كونها جريا على المتعارف مع أن قصور الاطلاق لو سلم كفى في وجوب غسلها أصالة الاحتياط المتقدم إليها

 

 

____________

(* 1) ذكر نصوصها الشيخ الانصاري في التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة الشك في الجزئية الشرطية.

 

===============

 

( 353 )

 

[ وإن لم يعلم الزائدة من الاصلية وجب غسلهما (1). ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الاحتياط (2). وإن كانتا أصليتين (3) يجب غسلهما (4) أيضا، ويكفي المسح باحداهما (5). (مسألة 12): الوسخ تحت الاظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب إزالته (6)، إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، فان الاحوط إزالته (7). ] الاشارة. وكأنه لذلك اختار في التلخيص والمنتهى والارشاد وغيرها - على ما حكي عنها - الوجوب، (1) أصالة، على ما ذكرناه، ومن باب المقدمة العلمية، بناء على عدم وجوب غسل الزائدة. (2) للعلم بوجوب المسح بالاصلية بعينها، وحيث ترددت بينهما وجب الاحتياط بالمسح بهما معا. (3) يعني: متساويتين في الحلقة من جميع الجهات واقعا، فانه لا وجه للحكم بزيادة إحداهما بعينها واقعا. وبذلك امتاز هذا الفرض عن فرض زيادة إحداهما بعينها واقعا مع عدم تميزها في نظر المكلف. كما أن ما ذكرناه في معنى الاصلية لا ينافي كون إحداهما لا بعينها زائدة بلحاظ الخلقة النوعية، بحيث تعد عيبا في المبيع، موجبا للخيار. (4) أصالة. للوجه المتقدم في الزائدة. (5) للاطلاق. (6) لعدم وجوب غسل ما تحته بعد كونه من الباطن. (7) وعن المنتهى احتمال عدم الوجوب، لكونه ساترا عادة كاللحية. ولعموم البلوى، فلو وجبت الازالة لبينوه عليهم السلام. وأيده الاسترابادي

 

===============

 

( 354 )

 

[ وإن كان زائدا على المتعارف وجبت إزالته (1). كما أنه لو قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله (2) بعد إزالة الوسخ عنه. (مسألة 13): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل. (مسألة 14): إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع (3)، ويجب غسل ذلك اللحم (4) أيضا ما دام لم ينفصل، وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة، ولا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة، وإن كان أحوط لو عد ذلك اللحم شيئا خارجيا (5) ولم يحسب جزءا من اليد. ] بما ورد من استحباب إطالة المرأة أظفار يديها. هذا ولكن الستر به عادة - لو سلم - لا يوجب إلحاقه بالباطن. وأما العادة فلم تثبت بنحو تكون سيرة معتمدة، بل دعوى ثبوت العادة بعيدة، لان الجزء الذي يعد من الظاهر يبعد عن موضع التقليم، ويكون طرف الاصبع، وثبوت العادة على وجود الوسخ فيه كما ترى. ولذا حكي عن المشهور وجوب الازالة. وما دل على استحباب إطالة المرأة أظفارها غير متعرض للمقام بوجه. (1) يعني: إذا كان ما تحته من الظاهر. ووجهه حينئذ ظاهر. (2) لاطلاق ما دل على وجوب غسل الظاهر. (3) لما سبق. (4) لانه جزء. (5) فانه حينئذ يكون من قبيل الحاجب تسامحا، ولاجل ذلك

 

===============

 

( 355 )

 

[ (مسألة 15): الشقوق التي تحدث على ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعه يرى جوفها وجب إيصال الماء فيها (1)، وإلا فلا. ومع الشك لا يجب، عملا بالاستصحاب (2)، وإن كان الاحوط الايصال. (مسألة 16): ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق ما دام باقيا يكفي غسل ظاهره (3) وإن انخرق، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض، ولا يجب ] يحسن الاحتياط. (1) لانها من الظاهر حينئذ. (2) يعني: استصحاب كونه من الباطن. لكنه يتم لو كان الشك بنحو الشبهة المصداقية، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية، فلا مجال للاستصحاب، لامتناع جريان الاستصحاب في المفهوم المردد، كما أوضحناه في (حقائق الاصول). ولو أريد استصحاب حصول الطهارة بدونه فهو من الاستصحاب التعليقي، وجريانه محل إشكال. وإن أريد استصحاب عدم وجوب غسله فهو إنما يتم بناء على أن الشرط نفس الوضوء، أما لو كان هو الطهارة فاثباتها؟ بالاستصحاب المذكور مبني على القول بالاصل المثبت. بل صحة استصحاب الباطن على هذا المبنى لا تخلو من إشكال حتى لو كانت الشبهة مصداقية، لانه لا يثبت الطهارة إلا على القول بالاصل المثبت، وإلا فليس عنوان الباطن موضوعا للحكم الشرعي، ولا قيدا له، كما لا يخفى. فتأمل. (3) لانه الظاهر عرفا، وما تحته من الباطن وإن انخرق. وكذا الحال لو قطع بعض الجلدة.

 

===============

 

( 356 )

 

[ قطعه بتمامه، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متصلة قد تلزق وقد لا تلزق يجب غسل ما تحتها، وإن كانت لازقة يجب رفعها أو قطعها (1). (مسألة 17): ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه (2) وإن حصل البرء، ويجزئ غسل ظاهره. وإن كان رفعه سهلا. وأما الدواء الذي انجمد عليه وصار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة (3) يكفي غسل ظاهره، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب (4). (مسألة 18): الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب إزالته (5)، وإن كان عند المسح بالكيس في الحمام أو غيره يجتمع ويكون كثيرا، مادام يصدق عليه غسل البشرة. وكذا مثل البياض الذي يتبين على اليد من الجص أو النورة إذا كان يصل الماء إلى ما تحته ويصدق معه غسل البشرة. نعم لو شك في كونه حاجبا أم لا وجب إزالته. ] (1) لان ما تحتها من الظاهر، والتزاقها فوقه يكون من قبيل التزاق الحاجب. (2) لانه جزء عرفا. (3) كما سيأتي إن شاء الله. (4) لانه من الحاجب الخارج. (5) وربما كان جرما مرئيا، ولكنه عرفا جزء من البدن، ويكون غسله غسلا للبشرة، مثل ما يعلو ظهر القدم وبطنها عند ترك غسله مدة طويلة. نعم إذا طالت المدة كثيرا لا يعد عرفا جزءا من البدن، فيجب

 

===============

 

( 357 )

 

[ (مسألة 19): الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف (1). (مسألة 20): إذا نفذت شوكة في اليد أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل لا يجب إخراجها، إلا إذا كان محلها على فرض الاخراج محسوبا من الظاهر (2). (مسألة 21): يصح الوضوء بالارتماس (3) ] إزالته حينئذ. (1) لان النهي عن العمل على الوسواس يختص بما زاد على المتعارف، فانه الوسواس، وأما العمل على المتعارف فليس وسواسا، فلا يشمله النهي، فيجب، إذ احتمال عدم وجوب العمل عليه أصلا تدفعه الضرورة. (2) بأن تكون ذات رأس يحجب الظاهر، أو يكون الثقب الذي هي فيه واسعا بحيث يرى باطنه لولا حجبها. (3) إتفاقا، كما في البرهان، وظاهر الجواهر، ويشهد به تصريحهم بكفاية وضع العضو المجبور في الماء حتى يصل الى البشرة. وهو الذي يقتضيه إطلاق أدلة الغسل، بناء على ما عرفت من تحققه بمجرد استيلاء الماء على البشرة. نعم قيل: يشكل ذلك بناء على اعتبار الجريان في مفهومه ولذا جعل الاتفاق المذكور شاهدا على عدم اعتبار الجريان في مفهومه. ويمكن دفعه: بأن الاتفاق المذكور إنما هو على الاكتفاء برمس العضو في قبال الاحتياج إلى صب الماء عليه، فلا ينافي اعتبار تحريك العضو ليتحقق الجريان المعتبر في مفهوم الغسل. اللهم إلا أن يدعى الاتفاق على عدم الاحتياج إلى التحريك. لكنه غير ظاهر. وما ذكروه في المجبور لا يصلح للشهادة به. لان التخيير بين الرمس والنزع محل خلاف، والمحكي عن

 

===============

 

( 358 )

 

مع مراعاة الاعلى فالاعلى (1). لكن في اليد اليسرى لا بد أن يقصد الغسل حال الاخراج من الماء (2) حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد (3)، بل وكذا في اليد اليمنى، إلا أن يبقي شيئا من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى، حتى يكون ما يبقي عليها من الرطوبة من ماء الوضوء. ] بعضهم وجوب النزع تعيينا إن أمكن، كما سيأتي إن شاء الله. (1) على ما تقدم من اعتبار ذلك. والظاهر أنه لا يتحقق بمجرد نية الغسل من الاعلى فالاعلى، لان الواجب في الوضوء حدوث الغسل، لا ما يعم البقاء، ولذا لا يكفي أن يغسل وجهه للتبريد ثم ينوي بابقاء البلل وعدم تجفيفه الغسل الوضوئي، بل لا بد من إمرار اليد على الوجه بنحو يغسل ثانيا بتحريك الماء من محل إلى آخر، كما سيأتي، فلا بد من تحريك العضو المرموس في الماء تدريجا إلى أن يحصل غسل الاجزاء من الاعلى إلى الادنى تدريجا، ولا يكفي التحريك يسيرا، كما يظهر بالتأمل، لان وجوب الغسل من الاعلى فالاعلى ملازم للترتب الزماني بين الاجزاء في الغسل، وهذا لا يحصل بالحركة اليسيرة لانها ملازمة لتقارن اكثر الاجزاء في الغسل، وإنما يحصل باستمرار الحركة من أعلى العضو إلى أدناه؟ نعم لو لم يعتبر الترتب في الحدوث كفى رمس العضو مدة يسيرة مع نية الغسل مترتبا. لكن عرفت إشكاله. (2) ولو بأن يقصد الغسل الثاني المستحب حال الاخراج، وحال الادخال من الاعلى يقصد الغسل الاول الواجب. (3) وفي جامع المقاصد: " ويشكل بأن الغمس لا يصدق معه الاستيناف عرفا " أقول: المدار على صدق بلل الوضوء الذي يجب المسح

 

===============

 

( 359 )

 

[ (مسألة 22): يجوز الوضوء بماء المطر (1)، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، مع مراعاة الاعلى فالاعلى، وكذلك بالنسبة الى يديه، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه، ولو لم ينو من الاول لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى (2) أيضا، وكذا لو ارتمس في الماء ثم خرج وفعل ما ذكر. (مسألة 23): إذا شك في شئ أنه من الظاهر حتى يجب غسله، أو الباطن فلا، فالاحوط غسله (3) إلا إذا كان سابقا من الباطن، وشك في أنه صار ظاهرا أم لا (4)، كما أنه يتعين ] به، وهو غير حاصل. (1) ظاهر الجواهر وغيرها الاتفاق عليه ويشهد به في الجملة رواية ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): " عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه، هل يجزئه ذلك من الوضوء؟ قال (ع): إن غسله فان ذلك يجزؤه " (* 1). ولا بد من حمله على نحو لا ينافي غيره من الادلة. وسيأتي إن شاء الله أن هذا ليس من التولية. (2) لتحقق غسل العضو ثانيا بالجريان. (3) لما عرفت من الاشكال في جريان الاحتياط أو البراءة في الشك في المقام. (4) فلا يجب غسله، لاستصحاب كونه من الباطن. لكن عرفت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 360 )

 

[ غسله لو كان سابقا من الظاهر ثم شك في أنه صار باطنا أم لا. (الثالث): مسح الرأس (1) بما بقي من البلة في اليد (2). ] الاشكال فيه في المسألة الخامسة عشرة. (1) كتابا، وسنة، وإجماعا من المسلمين، كما في الجواهر. (2) إجماعا صريحا، كما عن الخلاف والغنية والانتصار والتذكرة، وظاهرا. كما عن غيرها، وعن جملة منها استثناء ابن الجنيد. ويدل عليه ما في مصحح زرارة: " فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك " (* 1). وما في مصحح ابن أذينة الوارد في المعراج من قوله تعالى: " ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء " (* 2). وما في مكاتبة أبي الحسن (ع) لابن يقطين: " وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك " (* 3). وكثير من الاخبار البيانية (* 4) المتضمنة أنه (ع) مسح رأسه بما بقي في يده، وفي بعضها: انه لم يعدهما في الاناء، وفي آخر: أنه لم يجدد ماء. لكن قد يخدش في الاول باحتمال العطف على فاعل (يجزئك) فلا يدل إلا على الاجزاء، وهو أعم من الوجوب. وفيه أنه خلاف الظاهر، لاحتياجه إلى التقدير بالمصدر. ويخدش في الثاني باجماله، لانه من فضايا الاحوال، وحكاية الامام (ع) لها إنما تكون ظاهرة في الوجوب لو كانت واردة في مقام بيان الحكم الشرعي، وهو غير ظاهر، كسائر أحاديث المعراج. وفي الثالث بضعف السند. وفي الاخير بما مر آنفا.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 15 من ابواب الوضوء حديث: 7، 6، 10، 11.

 

===============

 

( 361 )

 

من الاجمال وعدم الظهور في الوجوب. واما مرسل خلف بن حماد عن أبي عبد الله (ع): " الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة. قال (ع): إن كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فان لم يكن له لحية؟ قال (ع): يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه (* 1) ". ففيه - مع أنه ضعيف، وظاهر في صحة الصلاة مع نقص الوضوء. فتأمل - أنه غير ظاهر في الوجوب أيضا، لاحتمال كون ما ذكر فيه لانه أقرب إلى المحافظة على بقاء الهيئة الصلاتيه وعدم حصول المنافي. نعم لا يتأتى ذلك في خبر مالك بن أعين عنه (ع): " من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فان كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء (* 2) "، ونحوه مرسل الفقيه المصرح فيه بالمسح أولا من بلة الوضوء، فلا بأس حينئذ بالاعتماد عليهما مؤيدين أو معتضدين بما سبق. وأما ما في موثق أبي بصير: " سألت أبا عبد الله (ع) عن مسح الرأس، قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي؟ قال (ع): لا، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح (* 3) "، وخبر جعفر بن عمارة: " سألت جعفر بن محمد (ع) أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال (ع): خذ لرأسك ماء جديدا (* 4) "، ونحوهما خبر معمر بن خلاد (* 5). فهي صريحة في المخالفة لجميع ما تقدم، وغير معمول بها حتى من ابن الجنيد، فلا بد إما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 362 )

 

[ ويجب أن يكون على الربع المقدم من الرأس (1)، فلا يجزئ غيره. ] من طرحها، أو حملها على التقية، لموافقتها لمذهب كثير من العامة، كما عن الشيخ رحمه الله. وأما ما عن ابن الجنيد من جواز المسح بماء جديد فيشهد له إطلاق الآية والنصوص التي ورد بعضها في ناسي المسح (* 1). وقد يستدل له بما في خبر أبي بصير الوارد في من ذكر وهو في الصلاة من قوله (ع): " وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة وليمسح على رأسه، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه وليمسح به رأسه " (* 2). لكن اطلاق الآية وغيرها مقيد بما عرفت. والخبر ليس مما نحن فيه، لوروده في الشك الذي هو مورد قاعدة الفراغ، فالمسح فيه غير واجب. فتأمل. ولو سلم فلا يصلح لمعارضة ما تقدم. ولا سيما مع حكاية الاجماعات على خلافه. هذا وسيجئ التنبيه على اعتبار كون المسح ببلل اليد دون غيره أو عدمه في المسألة الخامسة والعشرين فانتظر. (1) إجماعا، كما عن الخلاف والانتصار والغنية والمعتبر والتذكرة والذكرى والمدارك وغيرها. ويشهد له صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: " مسح الرأس على مقدمه (* 3) ". ومرسل حماد عن أحدهما عليه السلام: " في الرجل يتوضأ وعليه العمامة. قال (ع): يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدم رأسه (* 4) "، ونحوهما غيرهما. وبهما يقيد إطلاق الآية وبعض النصوص. وأما مثل حسن الحسين بن ابي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 3.

 

===============

 

( 363 )

 

[ والاولى والاحوط الناصية (1)، وهي ما بين البياضين من ] العلاء: " قال أبو عبد الله " ع ": امسح الرأس على مقدمه ومؤخره " (* 1). فواجب الطرح في قبال ما عرفت. (1) للتنصيص عليها في صحيح زرارة المتقدم، وفي خبر الحسين بن زيد (ع) الوارد في مسح المرأة: " إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها " (* 2). لكن الاشكال في كيفية الجمع بينهما وبين ما تقدم، فيكون الجمع بتقييد النصوص المتقدمة بهما، أو بحملهما على الاستحباب، أو بحمل المقدم على الناصية - كما هو أحد معانيه كما عن القاموس - أو بحمل الناصية على المقدم - كما عن المصباح وظاهر البيضاوي وغيره، وفي مجمع البيان انها شعر مقدم الرأس. وجوه، وبعضها أقوال، أقربها الاخير، إذ الظاهر من المقدم عرفا ولغة هو ما يقابل المؤخر والجانبين، وكون الناصية أحد معانيه مما لا يعهد، وعده في القاموس منها مبني على المسامحة، كعده الجبهة من معانيه أيضا. مع أن الذي يظهر من القاموس أن الناصية أحد معاني مقدمة الرأس، لا أحد معاني مقدم الرأس، اما الناصية فلا يخلوا المراد منها من إجمال، إذ كما حكي تفسيرها بالمقدم كما عرفت من المصباح وغيره جعلها في القاموس قصاص الشعر، وكذا في المجمع، لكن قيده بما فوق الجبهة، وعن التذكرة وغيرها أنها ما بين النزعتين، ومع هذا الاجمال لا مجال لرفع اليد عن ظاهر ما عرفت. ومنه تعرف الوجه في ما ذكره في المتن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 364 )

 

[ الجانبين فوق الجبهة. ويكفي المسمى (1) ولو بقدر عرض اصبع واحدة أو أقل. والافضل - بل الاحوط - أن يكون بمقدار ] (1) إجماعا، كما عن مجمع البيان، وظاهر التبيان، وآيات الاحكام للاردبيلي، وغيرها. وهو الذي يقتضيه إطلاق صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: " قلت له: أما تخبرني من اين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك (ع) وقال: يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله عزوجل، لان الله عزوجل قال: (فاغسلوا وجوهكم)، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق)، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي أن يغسلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلامين فقال: (وامسحوا برؤوسكم)، فعرفنا حين قال: (برؤوسكم) أن المسح ببعض الرأس، لمكان الباء " (* 1). وفي صحيح زرارة وبكير: " فإذا مسحت بشئ من رأسك، أو بشئ من قدميك مابين كعبيك إلى أطراف الاصابع، فقد أجزأك (* 2) ". وأما ما تضمن وجوب مسح المقدم أو الرأس أو الناصية فلا مجال للاستدلال به على ذلك، لظهوره في وجوب الاستيعاب. ولا مجال لقياسه بمثل: مسست زيدا أو ضربته. للفرق بينهما بشهادة صحة قولك: " مسحت بعضه " في قبال قولك: " مسحته " وكذا في غسلت بعضه وغسلته "، ولا كذلك " مسست بعضه ومسسته " و " ضربت بعضه وضربته " فان الاخيرين بمعنى واحد. وكأنه إلى ذلك يشير الصحيح الاول. وقوله عليه السلام فيه: " لمكان الباء " إما أن يراد منه كون الباء للتبعيض - كما

 

 

____________

الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

===============

 

( 365 )

 

أثبته جماعة من أهل العربية - أو كونها للالصاق، ويكون الوجه في افادتها للتبعيض انها تفيد مجرد ايضاح المسح وإلصاقه بالمحل. ولو لاجل مسح بعضه، فيكون المراد بها ما هو أعم من الكل والبعض. وبذلك افترقت عن باء التبعيض، كما ظهر الفرق بين وجود الباء وعدمها. وكيف كان فالمحكي عن الفقيه، وخلاف السيد، وكتاب عمل يوم وليلة للشيخ: وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة. وكأنه لخبر معمر ابن عمر - كما في الوسائل - عن أبي جعفر (ع): " يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع. وكذلك الرجل " (* 1). ومصحح زرارة عنه (ع): " المرأة يجزئها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع، ولا تلقي عنها خمارها " (* 2)، بناء على عدم الفصل بين الرجل والمرأة. لكن فيه أن إجزاء الثلاث أشبه بمفهوم العدد، غير ظاهر في التعيين بنحو يصلح لتقييد المطلقات، ولا سيما مثل الآية والصحيحين المتقدمين. مع أن الاول ضعيف غير مجبور. والثاني يحتمل فيه رجوع الاجزاء إلى عدم إلقاء الخمار. مضافا إلى معارضتها بمرسل حماد المتقدم المتضمن إدخال الاصبع تحت العمامة ونحوه ما رواه حماد عن الحسين (* 3)، ولعله عين المرسل. لكن مورده ما إذا ثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد. وحمله على الضرورة، كما عن الشيخ رحمه الله في النهاية، حيث فصل بين الضرورة فيكفي الاصبع للمسند، وبين الاختيار فلابد من الثلاث للخبرين المتقدمين. في غير محله، إذ لو سلم أن مورده الضرورة فالضرورة في لبس العمامة حال الوضوء، لا في إدخال اصبع واحدة دون ثلاث، فان التمكن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من ابواب الوضوء حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 366 )

 

[ عرض ثلاث أصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاث (1). ومن طرف الطول أيضا يكفى المسمى (2)، ] من إدخال الاصبع - بناء على كون التقدير في العرض - يلازم غالبا التمكن من ادخال الثلاث. ومنه يظهر ضعف ما عن أبي علي من التفصيل بين الرجل فاصبع واحدة وبين المرأة فثلاث. عملا بالمرسل والصحيح كل في مورده. كما أن من التأمل فيما ذكر يظهر ضعف ما عن ظاهر جماعة من الاساطين من تحديد الاقل باصبع واحدة، إذ ليس عليه دليل يعتد به. وما عن الشيخ في التهذيب، حيث قال - بعد الاستدلال على ما في المقنعة من كفاية الاصبع بالطلاق الآية -: " إنه لا يلزم على ذلك جواز ما دون الاصبع، لانا لو خلينا والظاهر لقلنا بجواز ذلك، لكن السنة منعت من ذلك ". غير ظاهر، إذ لم يعثر في السنة على المنع المذكور. نعم ورد كما عرفت ذكر الثلاث، ولا يبعد أن يكون له نحو اختصاص، فليحمل على الاستحباب. ومنه تعرف الوجه في قول المصنف رحمه الله: " والافضل بل الاحوط... ". (1) لاحتمال أن يكون المراد المسح بتمام الثلاث، لا مجرد المقدار، بل عن الصدوق والحلبي الجزم باستحباب ذلك. لكنه غير ظاهر. (2) اتفاقا، كما عن صريح شرح الدروس واللوامع، وجعلا محل الخلاف المتقدم في وجوب الثلاث أصابع واستحبابها عرض الرأس لا طوله. وكثير من محكي كلام الاصحاب (رض) يساعده. لكن ظاهر المسالك أن محل الخلاف هو طول الرأس وأما عرضه فيكفي فيه المسمى. وكأنه لدعوى كونه الظاهر من خبر التثليث، وربما وافقه عليه في الجواهر، واستظهر

 

===============

 

( 367 )

 

[ وإن كان الافضل أن يكون بطول اصبع (1). وعلى هذا فلو أراد إدراك الافضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية، ويمسح بمقدار إصبع من الاعلى إلى الاسفل، وإن كان لا يجب كونه كذلك، فيجزئ النكس (2)، وإن كان الاحوط خلافه. ] في الحدائق ما حكاه عن الامين الاسترابادي من أن المعتبر في عرض الرأس طول الاصبع. والتثليث إنما هو في طوله، مستظهرين له من روايتي الثلاث، ومن صحيح المسح على الناصية. وظاهر المستند التخيير بين عرض الثلاث عرضا وطولها طولا وبين العكس. والانصاف أن منصرف نصوص الثلاث هو التقدير العرضي، بل رواية معمر بن عمر كالصريحة في ذلك بقرينة عطف الرجل، كما لا يخفى، وحينئذ يكون المرجع في الطول الاطلاق. ومنه يظهر ضعف ما في المسالك والحدائق، وصحيح الناصية لا يوافقه طولا ولا عرضا. لان الناصية من قبيل المثلث تقريبا، وضلعها الفوقاني أطول من الاصبع. كما أن الاحتمال الاخير يتوقف على ظهور روايتي الثلاث في التقدير بطولها وعرضها، وهو خلاف الظاهر أيضا، لا سيما في رواية معمر. وإذا اقتضى الاطلاق التخيير بين الامرين اقتضى أيضا الجواز بشكل قطر المربع. فلاحظ. (1) هذا يخالف الوجوه المتقدمة - عكس ما في الحدائق - مبني على كون الثلاث أصابع مذكورة لتحديد العرض بعرضها والطول بطولها، فهو قريب من الاحتمال الاخير، الذي عرفت أنه خلاف الظاهر، لا سيما في رواية معمر. 2) كما عن جماعة، بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى مشهور المتأخرين لاطلاق الادلة. ولصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع):

 

===============

 

( 368 )

 

" لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (* 1). ولما دل على جواز النكس في الرجلين (* 2)، بناء على عدم الفصل بينهما وبين الرأس. نعم قد يناقش في الاخير بعدم ثبوت عدم الفصل. وفي الصحيح بأنه وإن روي كذلك في التهذيب في شرح قول ماتنه: " ولا يستقبل شعر ذراعه... " لكنه روي في شرح قول ماتنه: " وليس في مسح الرأس... ": " لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا " (* 3). واحتمال تعدد الرواية بعيد مع اتحاد الراوي والمروي عنه، ومجرد رواية المتن الاول عن سعد بطريق ابن قولويه، والثاني عنه بطريق العطار، لا يدفع الاستبعاد. وما في الوسائل الرائجة من رواية المتن الاول عن حماد بن عيسى غلط، كما يظهر من ملاحظة. النسخة المصححة. وأما ما في الاستبصار بعد ذكر المتن الاول من قوله: " هذا مخصوص بمسح الرجلين... " فهو وإن كان قد يظهر منه عموم المتن للرأس، لكن يوهن الظهور المذكور ما في التهذيب، فانه - بعدما روى خبر يونس الآني الدال على جواز النكس في الرجلين - قال رحمه الله: " هو مقصور على مسح الرجلين... (إلى أن قال): ويدل على ذلك أيضا (يعني: على جواز النكس في الرجلين) ما رواه الشيخ أيده الله ". ثم روى المتن الاول. لكن لا يخفى أن مجرد استبعاد تعدد الرواية لا يصلح وجها لرفع اليد عن أصالة التعدد الراجعة إلى أصالة عدم الخطأ، لاسيما وفي بعض نسخ التهذيب رواية المتن الثاني عن حماد ابن عيسى. مع أنه لو سلم الاتحاد فاطلاقات المسح كافية في جواز النكس.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 369 )

 

[ ولا يجب كونه على البشرة، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدم (1)، بشرط أن لا يتجاوز بمده عن حد الرأس، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز وإن كان مجتمعا في الناصية، ] كما أشرنا إلى ذلك، فلا يهم حينئذ تحقيق الاتحاد والتعدد. نعم لو بني على كون المتعارف عدم النكس، وعلى قدح التعارف في تمامية الاطلاق - كما هو ظاهر جماعة ممن منع من النكس، كالصدوق، والمفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف، وابن حمزة، وغيرهم من المتأخرين، على ما حكى عنهم، بل عن الدروس نسبته إلى المشهور، وعن الانتصار أنه مما انفردت به الامامية، وعن الخلاف الاجماع عليه - كان تحقيق التعدد مهما جدا، ليترتب عليه جواز النكس، ولا مجال لدعوى الانصراف فيه، لانه نص في التعميم. لكن عرفت غير مرة أنه لا عبرة بالتعارف في تقييد الاطلاق، واجماع الخلاف خالفه حاكيه وغيره في المبسوط وغيره، فلا يمكن الاعتماد عليه. فالقول بالجواز متعين. وعليه فعن جماعة الكراهة، وعن آخرين استحباب المسح مقبلا. وليس عليهما دليل ظاهر إلا ما دل على حسن الاحتياط. فتأمل. (1) إجماعا محققا ومنقولا مستفيضا، بل لعله ضروري. ويشهد به ما دل على الاكتفاء بمسح الناصية (* 1)، بناء على أنها هي الشعر النابت في المقدم. والجمع عرفا بينه وبين مادل على لزوم مسح البشرة - كما في المرفوع الوارد في المختضب (* 2) - أو مسح الرأس الظاهر في البشرة، هو حمل البشرة والرأس على ما يعم الشعر النابت فيه، كما هو المتعارف.

 

 

____________

(* 1) تقدم في أول الكلام في مسح الرأس. (* 2) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 370 )

 

[ وكذا لا يجوز على النابت في غير المقدم وإن كان واقعا على المقدم (1). ولا يجوز المسح على الحائل (2). ] وحينئذ فيقيد إطلاق الناصية الشامل للشعر المتدلي على الوجه أو غيره مما هو خارج عن المقدم، فيختص بما كان على المقدم، ليصدق مسح الرأس أو المقدم لا رفع اليد عن التعيين في كل منهما مع الاخذ باطلاقه، كي يكون مقتضى إطلاق الناصية جواز المسح على المتدلي على الوجه مثلا إذا كان نابتا في المقدم. نعم يشكل الامر في المجتمع منه على المقدم إذا كان يخرج بمده عن حده، لصدق الناصية والرأس بالمعنى المتقدم عليه. ولذا قال في شرح الدروس: " ان المشهور بين القوم بحيث لم نعرف فيه خلافا عدم جواز المسح إلا على أصول ذلك المجتمع، وإن في إثباته بالدليل إشكالا ". ويمكن دفع الاشكال بأنه لم يثبت كون الناصية اسما للشعر، والعمدة في جواز المسح عليه الاجماع والضرورة، والقدر المتيقن منه غير الفرض. (1) إجماعا كما عن المدارك وكشف اللثام، لعدم صدق المقدم عليه، ولا الناصية، بل هو حينئذ من الحائل. (2) إجماعا كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى والذكرى والمدارك وغيرها ويشهد به صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): " عن المسح على الخفين وعلى العمامة قال (ع): لا تمسح عليهما " (* 1) وفي مرفوع محمد بن يحيى في الذي يخضب رأسه في الحناء " قال (ع): لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء " (* 2). نعم في صحيح عمر بن يزيد: " يمسح فوق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 371 )

 

[ من العمامة أو القناع أو غيرهما وإن كان شيئا رقيقا (1) لم يمنع عن وصول الرطوبة إلى البشرة. نعم في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع (2) كالبرد، وإذا كان شيئا لا يمكن رفعه. ويجب أن يكون المسح بباطن الكف (3). والاحوط أن يكون باليمنى (4). ] الحناء " (* 1)، وقريب منه صحيح ابن مسلم (* 2). لكنهما محمولان على التقية، أو الضرورة، أو غيرهما، لما عرفت من الاجماع المعتضد بظاهر الادلة، وبالنص المتقدم. (1) إجماعا، خلافا لابي حنيفة. (2) كما سيأتي إن شاء الله في أحكام الجبائر. (3) أما أنه باليد ففي الحدائق حكاية دعوى الاتفاق عليه من جملة من أصحابنا، وفي طهارة شيخنا الاعظم نفي الخلاف فيه نصا وفتوى. وأما أنه بالكف فهو المحكي عن جماعة، والموجود في جملة من الاخبار البيانية، والغالب المتعارف. إلا أن في كفاية هذا المقدار في رفع اليد عن الاطلاقات تأملا ظاهرا. إلا أني لا يحضرني قائل بعدم وجوبه. وأما أنه بباطن الكف فهو المتبادر للغلبة. لكن يقع الاشكال في قدح مثل هذا التبادر في الاطلاق. وكأنه لذلك كان ظاهر الشهيد في محكي ذكراه عدم الوجوب، حيث قال: " والظاهر أن باطن اليد أولى "، وعن الغنية: " الافضل أن يكون بباطن الكفين ". (4) فان فيه قولين: الوجوب، كما عن الاسكافي. ويساعده صحيح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

===============

 

( 372 )

 

[ والاولى أن يكون بالاصابع (1). (مسألة 24): في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا أو منحرفا (2). (الرابع): مسح الرجلين (3)، ] زرارة: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك " (* 1). والاستحباب، كما عن المشهور، بل في الحدائق: " ظاهرهم الاتفاق عليه ". ويساعده إطلاق الادلة. لكنه مقيد بالصحيح، لما عرفت من أن احتمال عطف " تمسح " على فاعل " يجزئ " خلاف الظاهر. (1) لاحتمال اعتباره، بل في الحدائق نسبته إلى جملة من الاصحاب. لكن في الجواهر: " لم أقف على مصرح به ". وكيف كان فدليله غير ظاهر، والامر بادخال الاصبع تحت العمامة في النص المتقدم (* 2) وارد مورد الارشاد إلى كيفية المسح في حال لبس العمامة، لا التعيين والالزام، فلا يصلح مقيدا للاطلاق. (2) للاطلاق المتقدم في النكس بعينه. (3) إجماعا محققا عندنا. ولعل النصوص به متواترة، بل عن الانتصار: انها أكثر من عدد الرمل والحصى. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (* 3)، سواء قرئ بجر " ارجلكم " كما عن ابن كثير، وأبي عمر، وحمزة، وعاصم في رواية أبي بكر - أم بالنصب - كما عن نافع، وابن عامر، والكسائي،

 

 

____________

(* 1) تقدم في أول الكلام في مسح الرأس. (* 2) تقدم في أوائل الكلام في مسح الرأس. (* 3) المائدة: 6.

 

===============

 

( 373 )

 

[ من رؤوس الاصابع (1) الى الكعبين. ] وعاصم في رواية حفص - إذ على الاول يكون عطفا على لفظ: (رؤوسكم) وعلى الثاني على المحل (ودعوى): أنه على الثاني معطوف على (وجوهكم) وكذا على الجر، يجعل الجر للمجاورة، كقولهم: جحر ضب خرب (مدفوعة) بأن ذلك من غرائب الاستعمال، فلا يحمل عليه الكلام، لا سيما كلام الله تعالى، ولا سيما إذا كان واردا مورد الاعجاز. (1) بلا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل حكى في مفتاح الكرامة الاجماع عليه عن الخلاف، والانتصار، والغنية، والسرائر، والمنتهى، والتذكرة، وغيرها، وهذا هو العمدة فيه. أما النصوص البيانية فقد عرفت الاشكال في استفادة الوجوب منها، وكذا حديث المعراج. وأما صحيح البزنطي (* 1) المتضمن للمسح بتمام الكف من أطراف الاصابع إلى الكعبين، فهو محمول عندهم على الاستحباب. والتفكيك بين العرض والطول - فيحمل الاول على الاستحباب والثاني على الوجوب - خلاف المرتكز العرفي. وأما صحيح زرارة وبكير: " وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك مابين كعبيك إلى أطراف الاصابع، فقد اجزأك " (* 2). فدلالته لا تخلو من خفاء، لانها تتوقف على زيادة الباء، وكون الموصول بدلا من مدخولها تحديدا له، إذ لو كانت للالصاق لافادت المعنى المتقدم الملازم للبعضية، فلا يدل على الاستيعاب الطولي، وإن جعل الموصول بدلا من الشئ، فضلا عما لو كان بدلا من القدمين. وأما الآية الشريفة فالاشكال في دلالتها أظهر، من جهة عطف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

===============

 

( 374 )

 

الارجل على الرؤوس، التي لا يجب فيها الاستيعاب لمكان الباء، كما صرح به في الصحيح، فان مقتضاه مجرد الصاق المسح بالارجل، ولا فرق في ذلك بين جعل " إلى " غاية للمسح كما يقتضيه ظاهر الكلام، أو للممسوح كما يقتضيه الجمع بينه وبين مادل على جواز النكس. اللهم إلا أن يقال: بناء على قراءة النصب والعطف على المحل تكون الارجل غير مقدر دخول الباء عليها، بل تكون مفعولا به للمسح، ومقتضاه الاستيعاب (وفيه): أن مقتضى العطف على المحل عدم تقدير لفظ الباء، لا عدم ملاحظة معناها. ولاجل ذلك - مضافا إلى ما تضمنته جملة من النصوص من عدم وجوب استبطان الشراك (* 1)، والاكتفاء في مسح الرجل بادخال اليد في الخف المخرق (* 2)، احتمل في محكي الذكرى عدم الوجوب، ونفى عنه البعد في رياض المسائل، وجزم به في المفاتيح. لكن الانصاف أن السير لنصوص الباب مع التأمل يشرف الفقيه على القطع باعتبار الاستيعاب الطولي، وعدم استبطان الشراك، وادخال اليد في الخف المخرق أعم من عدم الاستيعاب، كما يظهر مما يأتي، بل ذكر الشئ في مسح الرأس والقدمين في صحيح زرارة وبكير المتقدم ظاهر في إرادة بيان معنى الباء، فالباء الداخلة على الشئ لايراد منها التبعيض، إذ لا معنى لبعض الشئ في مقابل الشئ، ولاجل أن الظاهر من قوله (ع): " ما بين... " أنه تفسير للشئ لا للقدمين، يكون الكلام ظاهرا في استيعاب المسح لما بين الكعبين إلى أطراف الاصابع. فالعمل على المشهور متعين.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 375 )

 

[ وهما قبتا القدمين على المشهور (1)، والمفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم (2)، وهو الاحوط. ] (1) فقد فسره بذلك المفيد في المقنعة، وحكى الشيخ رحمه الله في التهذيب الاجماع عليه ممن قال بوجوب المسح، وفي محكي المعتبر نسبته إلى مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام، وفي الذكرى: " الكعبان عندنا معقد الشراك، وقبتا القدم، وعليه إجماعنا "، وفي محكي الانتصار: " الكعبان العظمان الناتيان في ظهر القدم عند معقد الشراك "، - ثم ادعى الاجماع عليه، وفي محكي مجمع البيان نسبته إلى الامامية، وفي محكي الخلاف: " هما الناتيان في وسط القدم "، ثم ادعى إجماع الفرقة... إلى غير ذلك من عباراتهم المتقاربة، المدعى على مضمونها الاجماع، وفي محكي نهاية ابن الاثير: " ذهب قوم إلى انهما العظمان اللذان في ظهر القدم. وهو مذهب الشيعة "، ونحوه محكي المصباح ولباب التأويل. (2) هو العلامة رحمه الله، قال في المختلف: " ويراد بالكعبين هنا المفصل بين الساق والقدم... (إلى أن قال): وفي عبارة علمائنا اشتباه على غير المحصل، فان الشيخ واكثر الجماعة قالوا: إن الكعبين هما الناتيان في وسط القدم "، ثم نقل كلام المفيد والسيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد المتضمنة تفسيره بما تقدم عن المشهور، ثم استدل برواية زرارة وبكير عن أبي جعفر (ع) الآتية المعروفة بصحيحة الاخوين، ورواية زرارة عن الباقر (ع) (* 1) المتضمنة: أنه (ع) مسح على مقدم رأسه وظهر قدميه، لظهورها في استيعاب ظهر القدم في المسح، ثم قال رحمه الله: " ولانه أقرب إلى ما حدده أهل اللغة "، وفي التذكرة: " محل المسح ظهر القدمين

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 376 )

 

من رؤوس الاصابع إلى الكعبين، وهما العظمان الناتيان في وسط القدم، وهما معقد الشراك - أعني مجمع الساق والقدم... (إلى أن قال): لانه مأخوذ من كعب؟ ثدي المرأة أي ارتفع، ولقول الباقر (ع)... " ثم ذكر صحيحة الاخوين الآتية. وخطأه جماعة ممن تأخر عنه أولهم الشهيد - على ما قيل - قال في الذكرى: " تفرد الفاضل بأن الكعب هو المفصل بين الساق والقدم، وصب عبارات الاصحاب كلها عليه، وجعله مدلول كلام الباقر (ع) محتجا برواية زرارة عن الباقر (ع) المتضمة لمسح ظهر القدمين، وهو يعطي الاستيعاب. وأنه أقرب إلى حد أهل اللغة. وجوابه أن الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد... (إلى أن قال): وأهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون، وإن أراد بهم لغوية الخاصة فهم متفقون على ما ذكرنا، حسب ما مر. ولانه احداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الامة... "، ونحوه كلام غيره. لكن وافقه عليه آخرون ففي كنز العرفان: " الكعبان ملتقى الساق والقدم، والناتيان لا شاهد لهما لغة، ولا عرفا، ولا شرعا ". وأطال غيره في تقريب مختار العلامة رحمه الله، بل حكى غير واحد عن الفخر الرازي في تفسيره أنه قال: " قالت الامامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح: إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر، موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم، وهو قول محمد بن الحسن... "، ومثله محكي كلام النيشابوري في تفسيره. لكن هذه الحكاية منهما من الغرابة بمكان إذ لا يعرف ذلك من أحد من أصحابنا ولا من غيرهم، كما عرفت كلماتهم نعم حكي عن علماء التشريح. وكيف كان فظاهر عبارات الاصحاب في معنى الكعب هو ما ذكره

 

===============

 

( 377 )

 

المفيد وغيره، ونسب إلى المشهور وحمله على المفصل - كما صنع العلامة رحمه الله - لا تساعده كلماتهم، ومجرد كون المفصل أقرب إلى تفسير أهل اللغة لا يجدي في حمله على المفصل، مضافا إلى ما عرفت من الشهيد وغيره من حكاية اتفاق لغوية الخاصة على المعنى المشهور، وغيرهم بين موافق للمشهور وقائل بأنهما العظمان الناتيان في جانبي الساق، فكيف يكون المفصل أقرب إلى حد أهل اللغة؟!. نعم عن الكشاف وطراز اللغة: " إن كل من أوجب المسح قال: إنه المفصل بين الساق والقدم ". لكن على هذا يكون عين ما ذكر أهل اللغة، لا أنه أقرب إليه. مع غرابة حكايتهما كحكاية الرازي والنيشابوري. وأما ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع): أنه (ع) مسح على مقدم رأسه وظهر قدميه (* 1). فلا يصلح لتعيين الكعب، لاهماله. مع أنه لا يصلح لمعارضة صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) " عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم " (* 2) فان الظاهر أن الغاية الثانية تفسير للاولى، فيكون الكعب متحدا مع ظاهر القدم في المقدار، وما في رواية ميسرة عن أبي جعفر عليه السلام الواردة في الوضوء البياني، قال فيها: " ثم مسح رأسه وقدميه ثم وضع كفه على ظهر القدم، ثم قال: هذا هو الكعب " قال: فأومأ بيده إلى أسفل العرقوب، ثم قال: هذا هو الظنبوب " (* 3). وحسنته عنه (ع): " الوضوء واحد " (* 4) ووصف الكعب في الظهر القدم. (والمناقشة) في الاول: بأن المراد من الظاهر

 

 

____________

(* 1) تقدمت قريبا في هذه الحاشية. (* 2) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 378 )

 

مقابل الباطن، فلا تدل على معنى الكعب (مندفعة) بمنافاة ذلك لحرف الغاية، إذ الظاهر بهذا المعنى ليس غاية للمسح والممسوح، بل هو محل المسح. (وفي الثاني) باحتمال كون المومأ إليه هو المشار إليه أولا، خلاف الظاهر، (وفي الثالث) بأن الوصف ظاهر في ذكر أوصاف الكعب ولو كان هو المرتفع المحسوس لم يحتج إلى الوصف، بل كان ينبغي أن يقول: هو هذا. (كما ترى) خروج عن ظاهر قوله في ظهر القدم أو صريحه. وربما يستدل للمشهور بما دل على عدم وجوب استبطان الشراك (* 1) لكنه موقوف على ظهوره في انتهاء المسح الواجب الى الشراك، ومعرفة موضع الشراك إذ لو دل على الاكتفاء بمسح الشراك عن البشرة أو كون موضع الشراك هو المفصل لم ينفع المشهور، لكن مقتضى ما ذكروه في معنى الكعب أن موضع الشراك هو قبة القدم لا المفصل، وما تقدم في التذكرة من أنه المفصل قد عرفت وجهه وضعفه، واحتمال الاجتزاء عن مسح البشرة بمسح الشراك مما لم يقل به أحد. فالمناقشة في الاستدلال المذكور ضعيفة. نعم قد يشكل الاستدلال به حينئذ بناء على وجوب مسح الكعبين إلا أن يقال: إن الشراك يندفع بالماسح إلى منتهى الكعب فلا يمنع من مسحه. فتأمل. وأما استدلال العلامة رحمه الله بمصححة الاخوين: " فقلنا: أين الكعبان؟ قال (ع): ههنا - يعني: المفصل دون عظم الساق - فقلنا له هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك " (* 2) فلا فرق في دلالتها على مدعاه بين كون: " دون عظم الساق " من كلام

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

 

===============

 

( 379 )

 

المعصوم أو من كلام الراوي، ولا بين كون المراد تحت عظم الساق - كما عن البهائي رحمه الله، حيث زعم: أن الكعب عبارة عن العظم المائل الى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم الناتئ في وسط القدم العرضي نتوءا غير محسوس كثير الارتكاز زائد في أعلاه في حفرتي الساق وزائد في اسفله في حفرتي العقب - أو كون المراد غير عظم الساق، يعني: الناتئ في جانبي الساق - يعني: أن الكعب في المفصل وليس هو العظم الناتئ في الساق - فقد يشكل - أعني: الاستدلال المذكور - بأن من المحتمل قريبا أن يكون " دون عظم الساق " من كلام الراوي قيدا للمفصل يعني أشار بقوله (ع): " ههنا ". إلى المفصل الذي يكون دون عظم الساق وليس هو مفصل الساق، فينطبق على ما ذكر المشهور، فان الظاهر تسالمهم على وجود مفصل في قبة القدم، وعلى هذا يكون المشار إليه ب‍ " هذا " الواقع في السؤال الثاني هو قصبة الساق، والتعبير بأنه أسفل من الساق أو دونه بلحاظ قامة الانسان، فيكون الكعب بالمعنى المشهور أسفل من الساق لا أنه تحت الساق - ومع هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال المذكور. ولو سلم أن هذا المعنى خلاف الظاهر أمكن حمل الكلام عليه، جمعا بينه وبين النصوص المتقدمه. بل الانصاف يقتضي أن اتفاق القدماء والمتأخرين إلى زمان العلامة على أن الكعب هو ما يكون في ظهر القدم مع كثرة الابتلاء بالوضوء في كل يوم مرات، ودعواهم الاجماع، يوجب وضوح الحكم على نحو لا يحتاج إلى الاستدلال عليه برواية أورد الاستدلال على خلافه بالرواية، ولو كان ما ذكره العلامة هو معنى الكعب لما خفي على الاكابر المتقدمين عليه المتصلين بالمعاصرين للائمة (ع) في ما هو محل الابتلاء العام الكثير. وحمل

 

===============

 

( 380 )

 

[ ويكفي المسمى عرضا (1)، ] كلامهم على ما ذكره قد عرفت ما فيه. فالعمل على المشهور متعين. (1) على المشهور بين الاصحاب شهرة كادت تكون إجماعا. بل في محكي المنتهى: " لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل الواجب من رؤوس الاصابع إلى الكعبين ولو باصبع واحدة. وهو مذهب علمائنا أجمع " ونسبه في محكي التذكرة إلى فقهاء أهل البيت (ع)، وعن المعتبر: دعوى الاجماع على مثل ذلك. ويقتضيه إطلاق جملة من النصوص، بل خصوص بعضها، كصحيح الاخوين المتقدم عن أبي جعفر (ع): " وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الاصابع فقد اجزأك " (* 1). إلا أن يقال: إنه كما يدل على التحديد الطولي - كما تقدم الاستدلال به عليه - يدل على التحديد العرضي، والتفكيك بينهما غير ظاهر. وكصحيح زرارة حيث قال (ع) فيه: " فعرفنا حين قال: (برؤوسكم) أن المسح ببعض الرأس، لمكان الباء. ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما " (* 2). فان البعضية لابد أن تكون من حيث العرض. إلا أن يقال: إن البعضية بلحاظ مجموع الظاهر والباطن. نعم هي مطلقة صالحة للانطباق على تمام الظاهر إلى الكعبين وبعضه، فلا يصلح لمعارضة غيره إذا كان مقيدا له، كما سيأتي. ومثل ما ورد في المسح بادخال اليد في الخف المخرق (* 3)، وإن كان سنده

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 381 )

 

لا يخلو من إشكال. وما ورد من أخذ البلل لمسح الرأس والرجلين من اللحية والحاجبين وأشفار العينين (* 1)، وإن كان مورده صورة النسيان. وكأنه لذلك كله - مضافا إلى رواية معمر بن عمر المتقدمة - يحمل صحيح البزنطي المتقدم في معنى الكعب، المذيل بقوله: " قلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال باصبعين من أصابعه. قال (ع): لا إلا بكفه كلها " على الاستحباب، ولا سيما مع عدم العمل به من أحد. وأما رواية عبد الاعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (ع): " عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (ع): يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) إمسح عليه " (* 2). فهي وإن كانت ظاهرة في وجوب الاستيعاب لان تطبيق قاعدة الحرج يتوقف عليه إلا أنها محمولة - بقرينة ما سبق - على إرادة ردع عبد الاعلى عن توهمه أنه على تقدير وجوب المسح على تمام الاصابع لابد من رفع المرارة ولو كان حرجا، لا في مقام ردعه عن اعتقاد الوجوب. فتأمل. هذا وربما نسب إلى الشيخ رحمه الله القول باعتبار الاصبع، لقوله رحمه الله في النهاية: " فان اقتصر في المسح عليهما باصبع واحدة لم يكن به بأس... ". لكن من القريب أن يكون وجه الاقتصار على الاصبع أنه أقل ما يقع به المسح غالبا. وعن التذكرة عن بعض أصحابنا اعتبار أن يكون بمقدار ثلاث أصابع. وكأنه لرواية معمر بن عمر المتقدمة، التي عرفت في مسح الرأس عدم ظهورها في الوجوب، ولو فرض فهي محمولة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 382 )

 

[ ولو بعرض إصبع أو أقل، والافضل أن يكون (1) بمقدار عرض ثلاث أصابع، وأفضل من (2) ذلك مسح تمام ظهر القدم ويجزئ الابتداء بالاصابع وبالكعبين (3)، والاحوط الاول (4). ] على الاستحباب، وكذا نقول هنا، لامتناع التفكيك بينهما عرفا في ذلك، كما يظهر من سياقها. وعن إشارة الحلبي اعتبار الاصبعين، وربما كان هو ظاهر الغنية. ولم نعرف له دليلا. وكأنه لذلك لم يعتد به في المتن. (1) لرواية معمر. (2) لصحيح البزنطي (* 1). (3) على المشهور، كما عن الذكرى وغيرها. لصحيح حماد المتقدم في مسح الرأس أو صحيحيه (* 2)، لظهورها في التخيير بين الامرين، واحتمال إرادة نفي البأس في الجمع بين المسح مقبلا ومدبرا خلاف الظاهر مع أنه لا مجال له في مصحح يونس: " أخبرني من رأى أبا الحسن (ع) بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدمين إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم، ويقول: الامر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا، فانه من الامر الموسع إن شاء الله " (* 3). ولا يقدح ما في صدره من التعبير بعد وضوح المراد. (4) بل عينه جماعة، كما هو ظاهر كتبهم. كالفقيه، والمقنعة والانتصار، والوسيلة، والغنية، وصريح السرائر، والبيان، والالفية.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 20 من ابواب الوضوء حديث: 1، 2. (* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

 

===============

 

( 383 )

 

[ كما أن الاحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى (1)، وإن كان الاقوى جواز مسحهما معا. نعم لا يقدم اليسرى على اليمنى. ] لظهور (إلى) في الانتهاء، وللوضوءات البيانية. ولصحيح البزنطي المتقدم. الموافق كل ذلك لقاعدة الاشتغال، بناء على جريانها في المقام. لكن يجب الخروج عن جميع ذلك - لو تم - بما تقدم، فتحمل (إلى) على كونها لتحديد الممسوح، كما في: (إلى المرافق). والوضوءات البيانية على أنه أفضل، والصحيح على كونه لبيان الافضل، ولا سيما بعد وجوب حمله على ذلك من حيث المقدار - كما عرفت - أو يحمل على أنه لبيان الكم. والاصل لا مجال له مع الدليل. (1) بل وجوبه محكي عن الفقيه، والمراسم، وشرح الفخر، والبيان واللمعة، وجامع المقاصد والمسالك، والمدارك وغيرها، بل نسب إلى الخلاف دعوى الاجماع عليه. ويشهد له مصحح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " وامسح على القدمين، وأبدأ بالشق الايمن " (* 1). وما عن النجاشي عن ابن أبي رافع. عن علي (ع): " إذا توضأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده " (* 2). والوضوءات البيانية (* 3) بضميمة القطع بعدم وقوع خلاف الترتيب فيها. والمسند: " كان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضأ بدأ بميامنه؟ " (* 4). وعنه صلى الله عليه وآله: " إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم " (* 5) لكن فيه إرسال الاخير. وضعف ما قبله جدا بابي هريرة وغيره. وأن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 3) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء. (* 4) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 5) مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

===============

 

( 384 )

 

القطع بعدم وقوع خلاف الترتيب في الوضوءات البيانية لا يجدي مع احتمال كونه مستحبا، وكون المبين هو الفرد الفاضل، كما هو مبنى دعوى القطع وخبر النجاشي غير ثابت الحجية. ويمكن القدح في المصحح باعراض المشهور عنه. فتأمل. أو معارضته بعدم التعرض لمضمونه في النصوص البيانية، ونصوص الترتيب الظاهرة في عدمه، أو بالتوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (ع): " كتب إليه يسأله عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ، باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا، فأجاب (ع): يمسح عليهما جميعا معا، فان بدأ باحداهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلا باليمين " (* 1). ولا يقدح فيه مخالفة المشهور لا مكان عدم عثورهم عليه، لا كالمصحح المروي في الكافي. وإجماع الشيخ غير ظاهر من محكي عبارته. وعلى هذا فالاخذ بالتوقيع المذكور - كما في المتن - متعين، فيقدم لا ظهريته مما عداه. ولاجله اختار ما في المتن جماعة كما عن جامع المقاصد، وشرح المفاتيح نسبته إليهم. ولا مجال لما نسب إلى المشهور - كما عن جماعة، بل في محكي السرائر: لا يظهر من أحد منا الخلاف فيه - من جواز تقديم اليسرى كالمقارنة، فان ذلك خلاف ظاهر التوقيع، وقد عرفت عدم ثبوت الاعراض الموهن له. كما أن منه يظهر ما في محكي المقنعة من وجوب المقارنة. هذا كله على تقدير تمامية سند التوقيع الشريف. ولكنه غير ظاهر، لعدم وضوح سند الاحتجاج إلى الحميري. فيتعين العمل بمصحح ابن مسلم - كما عليه الجماعة المتقدمة - والاعراض عنه غير ثابت، وعدم التعرض لمضمونه في النصوص البيانية ونصوص الترتيب لا يقوى على رفع اليد عن ظاهره.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 385 )

 

[ والاحوط ان يكون مسح اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى (1)، وإن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكل منهما (2). وإن كان شعر على ظاهر القدمين فالاحوط الجمع بينه (3) وبين البشرة في المسح. ] (1) كما تضمنه صحيح زرارة: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى " (* 1). (2) كما عن المفاتيح التصريح به، بل عن المناهل عن بعض دعوى الاتفاق عليه. ويشهد له إطلاق كلماتهم في المقام. لكن عن شرح المفاتيح. ولوا مع النراقي، رد الدعوى المذكورة، اعتمادا على ظهور عبارة ابن الجنيد في الوجوب، الا أن الظهور لو تم لا يقدح في دعوى الاتفاق، كما لا يخفى. وكأن الوجه فيه إطلاق الادلة، وعدم ظهور صحيح زرارة في الوجوب بنحو يقوى على تقييد اطلاق الآية والرواية. وأما ما في مصحح الاخوين من قولهما: " ثم مسح رأسه وقدميه بفضل كفه، لم يحدث لهما ماء جديدا " (* 2) وما في مصحح زرارة: " ثم مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه، ولم يعدهما في الاناء " (* 3). فظاهرهما تعدد الكف واليد، بقرينة ذيل الثاني فيكون حالهما حال بقية النصوص البيانية المتضمنة للمسح باليدين والكفين وقد عرفت الاشكال أيضا في ظهور ذلك في الوجوب. لكن عرفت في ما سبق ظهور صحيح زرارة في الوجوب، فالعمل بمضمونه متعين، ويقيد به إطلاق الادلة. (3) للاشكال في وجوب مسح البشرة، كما يقتضيه ظاهر التعبير

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 6.

 

===============

 

( 386 )

 

[ وتجب إزالة الموانع والحواجب (1)، ] بالبشرة في المقام، ولاجله نسب في الحدائق إلى ظاهر كلمة الاصحاب الاتفاق عليه، وعلله الشهيد الثاني في شرح الرسالة بأن الشعر لا يسمى رجلا ولا جزءا منها. وقوله (ع): " كل ما أحاط به الشعر... (* 1) قد تقدم بيان اختصاصه بالوجه، فلا يشمل المقام. مع أنه لا يجدي في الشعر غير المحيط. لكن لا يبعد كون المراد بالبشرة في كلامهم ما يقابل الحائل بقرينة إردافه بقولهم: " ولا يجوز المسح على الحائل... ". والشعر وإن لم يسم رجلا ولا جزءا، إلا أن نباته غالبا في الرجل وصعوبة التخليل بالمسح، ولزوم الحرج من وجوب إزالته بالحلق ونحوه، يوجب البناء على عموم الدليل له. لكن هذا إنما يتم لو كان الغالب من الشعر النابت مستوعبا للخط العرضي، وهو ممنوع، فوجوب المسح على البشرة أوفق بالادلة. وعليه فهل يجب أيضا مسح الشعر النابت فيها - كما قيل بوجوب غسله - إذا كان نابتا في الوجه واليدين أولا؟ وجهان مبنيان على دلالة ما دل على وجوب مسح البشرة على وجوب مسحه أيضا تبعا كما تقدم من بعض الجزم بها في غسل الوجه واليدين وعدمها. لكن عرفت الاشكال فيها. فينبغي الرجوع فيه إلى الاصل من الاحتياط أو البراءة، كما تقدم بيان ذلك في حكم شعر الوجه. (1) لعدم الاكتفاء بالمسح عليها. ويقتضيه ظاهر الكتاب والسنة، بل قيل: هو إجماع. بل ينبغي عده من ضروريات المذهب. ويشهد به كثير من النصوص الواردة في المنع عن المسح على الخف والعمامة، وظاهر بعضها عدم الخصوصية، ففي خبر الكلبي النسابة عن الصادق (ع):

 

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 387 )

 

[ واليقين بوصول الرطوبة إلى البشرة (1)، ولا يكفي الظن. ومن قطع بعض قدمه مسح على الباقي (2)، ويسقط مع قطع تمامه (3). ] " قلت له: ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم (ع) ثم قال (ع): إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شئ إلى شيئه، ورد الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟! " (* 1). (1) لقاعدة الاشتغال، ولا دليل على اعتبار الظن. نعم لو شك في وجود الحاجب لم يبعد الاكتفاء بالظن بعدمه، كما عرفت. (2) بلا خلاف ظاهر، بل يظهر من كلماتهم كونه من المسلمات. وتقتضيه قاعدة الميسور المتسالم على جريانها في الوضوء، وعن الذكرى: " لم نقف على نص في مسح موضع القطع كما في اليدين، غير أن الصدوق لما روى عن الكاظم (ع) غسل الاقطع عضده قال: " وكذلك روي في قطع الرجلين " (* 2) نعم في رواية رفاعة عن أبي عبد الله (ع): " عن الاقطع اليد والرجل، كيف يتوضأ؟ قال (ع): يغسل ذلك المكان الذي قطع منه " (* 3). ولعلها هي مرسل الصدوق. إلا أن الاستدلال بها يتوقف على حملها على قطع بعض الواجب لا جميعه، وعلى حمل الغسل على المسح من باب الازدواج، والاعتماد في الحمل على ذلك على الاجماع ليس بأولى من الاعتماد عليه في أصل الحكم. (3) هذا كما قبله في ظهور التسالم عليه، وهو الحجة فيه، كما سبق في قطع اليد أيضا.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 38 من ابواب الوضوء حديث: 4. (* 2) كتاب من لا يحضره الفقيه ج: 1، باب حد الوضوء حديث: 12. (* 3) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

===============

 

( 388 )

 

[ (مسألة 25): لا إشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء (1)، فلا يجوز المسح بماء جديد. والاحوط أن يكون بالنداوة؟ الباقية في الكف (2)، فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على ساير أعضاء الوضوء، لئلا يمتزج ما في الكف بما فيها، لكن الاقوى جواز ذلك (3)، ] (1) كما تقدم وجهه في مسح الرأس. (2) لما يظهر من محكي عبارات كثير، كالمقنعة والمبسوط والسرائر وكثير من كتب الفاضلين والشهيد، من عدم جواز أخذ البلل من غير اليد مع وجوده فيها، بل عن كشف اللثام وشرح المفاتيح للوحيد وحاشية المدارك اختياره. ويشهد له ما يتراءى من كثير من النصوص، كالنصوص البيانية المتضمنة للمسح بما في اليد، وكالآمرة بالمسح ببلل اليد، وكالآمرة بالاخذ من بلل اللحية إن جف ما في اليد. (3) كما يقتضيه إطلاق كلام كثير، وعن المقاصد العلية والمدارك اختياره، بل هو الذي استظهره العلامة الطباطبائي من كلامهم فجعل جفاف اليد شرطا لوجوب الاخذ من غيرها، لا جوازه. لكنه غير ظاهر وإن كان يشهد له إطلاق الآية والروايات الآمرة بالمسح مطلقا، وإطلاق ما في مكاتبة ابن يقطين (* 1) من دون مقيد ظاهر، إذ ما يتراءى منه التقييد لا يصلح له، لما تقدم في الكلام على مسح الرأس من الاشكال في الوضوءات البيانية، ومصحح ابن اذينة الوارد في المعراج (* 2). وأما الامر بالاخذ من اللحية إن جف ما في اليد فلم نعثر منه إلا على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 389 )

 

المرسل في الفقيه عن الصادق (ع): " إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك، فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء " (* 1)، فان قوله (ع): " فان لم يكن... " وإن كان في نفسه ظاهرا في الترتيب الشرعي، لكن لا يبعد حمله على إرادة التنبيه على محال البلل التي يترتب عرفا وعادة الاخذ منها. ويشهد به عدم العثور - كما في الجواهر - على من أفتى بالترتيب بين اللحية وبين الحاجب وأشفار العين، وعن ظاهر بعض دعوى الاجماع على عدمه. بل ولا يتوقف جواز الاخذ من الاخيرين على فقد اللحية، كما هو مفاد المرسل. ولاجل ذلك لا يقوى مثله على تقييد المطلقات ومنه يظهر وجه حمل مرسل خلف بن حماد عن الصادق (ع): " قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال (ع): إن كان في لحيته بلل فليمسح به: قلت: فان لم يكن له لحية؟ قال (ع): يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه " (* 2) على الترتيب العادي لا الشرعي. هذا ولكن عرفت سابقا (* 3) ظهور مصحح زرارة في الوجوب، وقد تضمن مسح القدم اليمنى ببلة اليمنى والقدم اليسرى ببلة اليسرى. اللهم إلا أن يقال: إن المراد من المسح ببلة اليمنى ليس ما يقابل المسح ببلة اليسرى، بأن يكون إطلاقه يقتضي المسح بالبلة المذكورة ولو بواسطة غير اليمنى، بل المقصود المسح بنفس اليمنى المبتلة في مقابل المسح باليسرى،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 3) في مبحث مسح الرجلين ص: 385.

 

===============

 

( 390 )

 

[ وكفايه كونه برطوبة الوضوء وإن كانت من سائر الاعضاء، فلا يضر الامتزاج المزبور. هذا إذا كانت البلة باقية في اليد، وأما لو جفت فيجوز الاخذ من ساير الاعضاء (1) بلا إشكال، من غير ترتيب بينها على الاقوى (2). وإن كان الاحوط تقديم اللحية والحواجب على غيرهما من ساير الاعضاء (3). ] فالمقابلة تكون بين اليمنى واليسرى، لا بين بلة اليمنى وبلة اليسرى، لا أقل من احتمال ذلك على نحو لا يصلح الحديث لاجله أن يرفع به اليد عن إطلاق المسح المقتضي جواز المسح بمطلق بلل الوضوء. فلاحظ. (1) يعني: ولو كان من غير اللحية والحاجبين وأشفار العينين، كما صرح به في محكي المسالك والمدارك. والكلام فيه هو الكلام في ما قبله، والمتحصل: أنه إن كان إطلاق المسح ببلل الوضوء حجة، لعدم ثبوت المقيد له، تعين ما ذكر من جواز الاخذ من سائر الاعضاء بلا ترتيب، وإن لم يكن حجة لوجود المقيد تعين الترتيب بين بلل اليد وغيره. وأما الترتيب بين بلل اللحية وغيره، فان قام الاجماع على انتفائه فهو، وإلا فالمرسلان المذكوران يصلحان لاثباته. إلا أن يناقش فيهما لضعف السند والاطلاقات تنفيه. وعلى تقدير البناء على الترتيب فلا ينبغي التأمل في جواز الاخذ من غير الثلاث على تقدير فقدها أو فقد البلل فيها، كما يعطيه ذيل المرسل المتقدم المعتضد بالاطلاقات. (2) كما عرفت. (3) أخذا بما يتراءى بدوا من النص. وأحوط منه تقديم اللحية على الحاجب وأشفار العين، كما يتراءى أيضا من المرسلين.

 

===============

 

( 391 )

 

[ نعم الاحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حد الوجه (1)، كالمسترسل منها. ولو كان في الكف ما يكفي الرأس فقط مسح به الرأس ثم ياخذ للرجلين من سايرها، على الاحوط، وإلا فقد عرفت أن الاقوى جواز الاخذ مطلقا. (مسألة 26): يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح (2)، وأن يكون ذلك بواسطة الماسح (3) لا بأمر آخر. وإن كان على الممسوح رطوبة خارجة، فان كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح (4) فلا بأس (5)، ] (1) كأنه لاحتمال انصراف النصوص إلى خصوص المقدار المفروض غسله بالوضوء، فيكون بلله بلل الوضوء، وقد تقدم أن المقدار المسترسل مما لا يجب غسله، فلا يعمه الاطلاق. ويظهر وجه الاحتياط الآتي مما مر آنفا. (2) لان المسح بالبلل كالمسح بالدهن ظاهر في ذلك، لا مجرد المسح بالعضو متلبسا بالبلل، كما صرح به جماعة كثيرة. (3) فان ذلك مقوم لمفهوم المسح به، فلو نقل رطوبة الماسح إلى الممسوح لا بامراره عليه، بل بواسطة جسم آخر، لم يجز. (4) بحيث تنتقل بلة الوضوء خالصة من الامتزاج بغيرها إلى الممسوح. (5) لاطلاق الادلة. بل ظاهر ما في محكي التذكرة من قوله رحمه الله: " لو كان على الرأس أو الرجل رطوبة ففي المسح عليها قبل تنشيفها إشكال " عدم الاشكال في جواز وجود رطوبة في المحل في الجملة، لان تقييد الاشكال بصورة عدم التنشيف يختص بالرطوبة المسرية، لانها الصالحة للتنشيف، ونحوه أو أوضح منه في ذلك محكي الذكرى وغيرها. فتأمل.

 

===============

 

( 392 )

 

[ وإلا لابد من تجفيفها (1). والشك في التأثير كالظن لا يكفي بل لا بد من اليقين (2)، (مسألة 27): إذا كان على الماسح حاجب ولو وصلة رقيقة لابد من رفعه (3) ولو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح. ] (1) كما هو المحكي عن جماعة، منهم العلامة في المختلف، وحكاه عن والده، معللا بحرمة التجديد، ومع الرطوبة يكون المسح بماء جديد. ومحصل ما أشار إليه من التعليل: أن المستفاد من الادلة اعتبار المسح ببلل الوضوء خالصا ووجود الرطوبة مانع من ذلك، إذ بوضع الماسح على المحل تنتقل الرطوبة إليه، ولا يكون المسح ببلل الوضوء خالصا، ومنه يظهر ضعف ما حكي عن السرائر، والمعتبر، وربما نسب إلى الاكثر، من أنه لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ثم خرج منه جاز له مسح رأسه ورجليه، لان يديه لا تنفك عن ماء الوضوء، ولا يضر ما كان على قدميه من الماء لعموم ظواهر الآيات والاخبار. وكأن ذلك لعدم اعتبار الخلوص، كما هو صريح ما عن المعتبر أيضا من جواز المسح بعد الغسلة الثالثة التي صرح بأنها غير مشروعة (وفيه): أنه خلاف ظاهر ما دل على اعتبار المسح ببلل الوضوء، فان ظاهره اعتبار الخلوص. ومن هنا يظهر أن المعيار في منع رطوبة الممسوح كونها بحيث تنتقل إلى الماسح قبل تحقق المسح ببلل الوضوء فيكون مسحا بغيره، ولا يكفي مجرد غلبة بلل الماسح، كما عن الدروس إلا أن يكون المراد صورة استهلاك رطوبة الممسوح، بحيث لا يكون المسح إلا ببلل الوضوء، وإن كان فرض الاستهلاك مع اتحاد الجنس لا يخلو من إشكال. (2) لقاعدة الاشتغال. (3) لظهور الادلة في اعتبار المباشرة.

 

===============

 

( 393 )

 

[ (مسألة 28): إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزئ المسح بظاهرها (1)، وإن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه ثم يمسح به (2). وإن تعذر بالظاهر أيضا مسح بذراعه (3)، ومع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع (4). وإن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة ] (1) أما بناء على عدم اعتبار خصوص الباطن فظاهر، وأما بناء على اعتباره - كما تقدم المتن - فهو مبني على تمامية قاعدة الميسور ولو في خصوص المقام، فانه لا يظن من أحد التوقف فيه، ولذا قال في محكي المدارك: " الظاهر أن محل المسح هو باطن اليد. نعم تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر قطعا ". نعم يبقى الاشكال في تعيين الظاهر دون سائر الاعضاء. اللهم إلا أن يبنى على أصالة الاحتياط في المقام - كما عرفت -. أو يبنى على الاحتياط عند دوران الامر بين التعيين والتخيير الذي منه المقام، أو يكون إجماع على وجوب الميسور عرفا، فانه إنما ينطبق على الظاهر، لانه من الكف المشتمل عليها بعض النصوص، أما الذراع مثلا فليس ميسور الباطن عرفا. فتأمل. (2) لما تقدم من جواز المسح بمطلق بلل الوضوء، إما مطلقا، أو مع فقد البلل عما يلزم المسح به، كما هو المفروض. (3) الكلام فيه هو الكلام في سابقه، وفي محكي المدارك: " لو تعذر المسح بالكف فالاقوى جوازه بالذراع ". ولم يتضح الفرق بين المسألتين بالقطع هناك وعدمه هنا، ومجرد اختلاف التقييد بالباطن عن التقييد بالكف بالوضوح والخفاء لا أثر له في الفرق. (4) للوجه المتقدم في الكف.

 

===============

 

( 394 )

 

[ وعدم إمكان الاخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء (1). وكذا بالنسبة إلى ظاهر الكف: فانه إذا كان عدم التمكن من المسح به عدم الرطوبة وعدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع، بل عليه أن يعيد. (مسألة 29): إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة، بحيث توجب جريان الماء على الممسوح، لا يجب تقليلها (2)، بل يقصد ] (1) إذ لا موجب لسقوط المسح ببلل الوضوء مع إمكانه بالاعادة. وكذا الحال في ما بعده. (2) كما هو صريح محكي الذكرى، حيث قال: " لا يقدح إكثار ماء الوضوء لاجل المسح، لانه من بلل الوضوء، وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط الجريان، لصدق الامتثال، ولان الغسل غير مقصود " ووجهه: ما عرفت الاشارة إليه في مبحث غسل الوجه، من أن الغسل والمسح وإن كانا متباينين مفهوما وخارجا، إلا أن بينهما عموما من وجه موردا، فالمسح مع كثرة الماء الممسوح به يلازمه الغسل، وإن كان منشأ انتزاع المسح هو إمرار الماسح على المحل، ومنشأ انتزاع الغسل هو غلبة الماء على المحل. وبذلك يظهر ضعف ما عن المقاصد العلية من قوله رحمه الله: " الحق اشتراط عدم الجريان في المسح مطلقا، وأن بين المفهومين تباينا كليا. لدلالة الآية والاخبار والاجماع على أن الغسل لا يجزئ عن المسح، ولا شك أن الماء الجاري على العضو على هذا الوجه (يعني: بالمسح) غسل، لتحقق مفهومه، فيجوز سوق الاجماع على عدم جوازه... ". ووجه الضعف: أن الاجماع على عدم إجزاء الغسل لا يدل على عدم إجزاء المسح المصاحب له، كما أن الاجماع على وجوب غسل الوجه واليدين وعدم

 

===============

 

( 395 )

 

[ المسح بامرار اليد وإن حصل به الغسل، والاولى تقليلها. (مسألة 30): يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح (1) فلو عكس بطل. نعم الحركه اليسيرة في الممسوح لا تضر بصدق المسح. (مسألة 31): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح، من جهة الحر في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك، ولو باستعمال ماء كثير بحيث كلما أعاد الوضوء لم ينفع، فالاقوى جواز المسح بالماء الجديد (2). والاحوط المسح باليد اليابسة، ] الاجتزاء بالمسح لا يدل على عدم إجزاء الغسل المصاحب له، كما هو ظاهر. ومنه يظهر الوجه في قول المصنف رحمه الله: " والاولى تقليلها ". (1) بدعوى اعتباره في مفهوم المسح. لكنه غير ظاهر، لصدق قولنا: مسحت يدي بالجدار، ومسحت رجلي بالارض. والفارق بين الماسح والممسوح أن الممسوح هو الذي يقصد إزالة شئ عنه والماسح ما يكون آلة لذلك، فان كان الوسخ باليد تقول: مسحت يدي بالجدار، وإن كان الوسخ بالجدار تقول: مسحت الجدار بيدي، واستعمال العكس مجاز. (2) كما عن المعتبر والبيان والمقاصد العلية وغيرها. لقاعدة الميسور الواردة على أدلة بدلية التيمم، لظهور دليلها في صحة الوضوء الناقص، وأدلة بدلية التيمم إنما تدل على بدليته في ظرف العجز عن الوضوء الصحيح نعم قد عرفت الاشكال في تمامية القاعدة المذكورة، لضعف دليلها بالارسال وعدم ثبوت الجابر لها: ورواية عبد الاعلى مولى آل سام (* 1) - الواردة في من عثر فانقطع ظفره فوضع على إصبعه مرارة - ظاهرة في مجرد نفى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 396 )

 

لزوم رفع المرارة والمسح على البشرة، بقرينة التمسك بآية نفي الحرج التي هي نافية لا مثبتة، ولا تعرض فيها لقاعدة وجوب الوضوء الناقص عند تعذر التام. واستصحاب وجوب المسح - كما اعتمد عليه في المستند لاثبات وجوب الوضوء الناقص - غير تام إذ المتيقن سابقا هو وجوب المسح ببلل الوضوء، وهو معلوم الارتفاع. مع أن الاستصحاب يختص بصورة طروء العذر في الوقت، إذ لو كان ثابتا قبل الوقت كان الاستصحاب تعليقيا، والاشكال فيه معلوم. وإطلاق أدلة المسح، بعد قصور أدلة اعتبار المسح ببلل الوضوء، لاختصاص الادلة المذكورة بصورة القدرة - كما استند إليه في الجواهر - مدفوع بمنع القصور، لاطلاق أدلة التقييد ببلل الوضوء من الاجماع وغيره، ولا ينافي الاجماع على التقييد بناء جماعة على السقوط في المقام لظهور أن بناءهم على ذلك من قبيل وجوب الميسور، لا لعدم المقتضي. وأما عدم ذكر الاصحاب في عداد مسوغات التيمم عدم التمكن من المسح بنداوة الوضوء، فغير كاف في وجوب الوضوء الناقص، عدم مشروعية التيمم، لا مكان فهم مشروعيته من إطلاق كلماتهم، فانهم أطلقوا مشروعية التيمم عند العجز عن الوضوء، الظاهر في الوضوء التام الصحيح وحكمهم بوجوب الوضوء الناقص في كثير من موارد العجز عن الوضوء التام لا يصلح أن يكون دليلا في المقام، لا مكان الفرق بين الموارد في ذلك. وكأنه هذا احتمل في محكي جامع المقاصد، والمدارك، والانوار القمرية، وجوب التيمم، بل عن المقاصد العلية حكاية ذلك قولا. ثم أنه وبنى على تمامية قاعدة الميسور فالظاهر صدقه على المسح بماء جديد، لا المسح باليد المجردة، لشبهة أن الماء الجديد أجنبي عن بلل الوضوء فكيف يكون المسح به ميسورا له؟!. إذ يدفعها - مع أن القول بذلك

 

===============

 

( 397 )

 

[ ثم بالماء الجديد، ثم التيمم أيضا (1). (مسألة 32): لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الاصابع ويمسح إلى الكعبين بالتدريج، فيجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل ويجرها قليلا بمقدار صدق المسح (2). ] لم يعرف لاحد - أن ذلك لا ينافي صدق الميسور بحسب ارتكاز العرف الناشئ من فهمهم من الخطاب وجوب أمرين: رطوبة العضو، وكونها رطوبة اليد، فإذا تعذر الثاني بقي الاول. ومنه يظهر ضعف القول بسقوط المسح رأسا، بدعوى عدم جريان القاعدة عند تعذر القيود، لعدم صدق الميسور عرفا. وجه الضعف: أن الظاهر صدقه عرفا. ثم إنه ربما يقال بأنه إذا شك في تمامية قاعدة الميسور فالواجب الجمع بين الوضوء الناقص والتيمم، للعلم الاجمالي بوجوب أحدهما، وأصالة عدم وجوب الوضوء الناقص لا يجدي في تعيين التيمم، إذ لم يؤخذ مجرى الاصل المذكور في لسان الادلة موضوعا لوجوب التيمم. وأما عدم القدرة على الوضوء فلو سلم كونه موضوعا لوجوب التيمم فليس مجرى للاصل للعلم بالقدرة على الناقص، وبعدم القدرة على التام، وإنما الشك في صحة الناقص وعدمها. وفيه: أن إطلاق أدلة الجزئية والشرطية كاف في إثبات عدم مشروعية الناقص وعدم القدرة على الوضوء الصحيح ووجوب التيمم. وسيجئ إن شاء الله في أحكام الجبائر ماله نفع في المقام. (1) أخذا بالاحتمالات الثلاثة. لكن الظاهر كفاية الاخيرين، إذ لا يحتمل قدح الماء الجديد، كما لعله ظاهر. (2) لاطلاق دليل وجوب المسح، المقتضي لعدم الفرق بين التدريج

 

===============

 

( 398 )

 

[ مسألة 33): يجوز المسح على الحائل - كالقناع والخف والجورب ونحوها - في حال الضرورة من تقية أو برد (1) يخاف منه على رجله، أو لا يمكن معه نزع الخف مثلا، وكذا لو خاف من سبع أو عدو أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار ] والدفعة. وما في صحيح البزنطي (* 1) الوارد في كيفية المسح على القدمين محمول على بيان المقدار العرضي - كما قد يقتضيه السؤال الثاني - لا لزوم التدريج مع أنك عرفت وجوب حمله على الاستحباب، ومعارضته بما دل على جواز النكس، ومع ذلك لا يقوى على تقييد الاطلاق. (1) أما في البرد فاجماع، كما عن ظاهر الناصريات وصريح الخلاف والمختلف والتذكرة والذكرى، وفي الحدائق: " ظاهر كلمة الاصحاب الاتفاق عليه ". ويشهد به الصحيح عن أبي الورد: " قلت لابي جعفر عليه السلام: إن أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليا عليه السلام أراق الماء ثم مسح على الخفين. فقال عليه السلام: كذب أبو ظبيان، أما بلغكم قول علي عليه السلام فيكم: سبق الكتاب الخفين. فقلت هل فيهما رخصة؟ فقال عليه السلام: لا، إلا من عدو تتقيه، أو ثلج تخاف على رجليك " (* 2)، وضعفه بأبي الورد - لو سلم - مجبور بالعمل. وفي حاشية الوحيد رحمه الله في الرجال: " ربما أجمع على العمل بروايته في المقام ". مع أنه عده في الوجيزة في الممدوحين، وأن في السند حماد بن عثمان وهو من أصحاب الاجماع. فتأمل. ومورده وإن كان هو الخف والثلج، لكن يجب التعدي عنهما إلى مطلق الحائل والضرورة، للاجماع المتقدم. مع إشعار الخوف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 399 )

 

المذكور فيه في ذلك. وأما رواية عبد الاعلى المتقدمة في مسألة كفاية المسمى عرضا فقد عرفت الاشكال فيها، فلا مجال لاستفادة القاعدة الكلية منها. نعم لاجل كون موردها المرارة، كالحناء التي هي مورد بعض النصوص - المحمول على الضرورة - يسهل التعدي من موردها إلى مطلق الحائل. وأما في التقية فقد نفى الخلاف فيه غير واحد. ويشهد له خبر أبي الورد المتقدم. مضافا إلى عمومات مشروعية التقية، بناء على دلالتها على الصحة والاجزاء، وقد عقد لها في الوسائل في كتاب الامر بالمعروف أبوابا (* 1). فراجعها. وعن ظاهر المعتبر والمقنع عدم الجواز، وعن المفاتيح الميل إليه. لمصحح زرارة: " هل في مسح الخفين تقية؟ فقال عليه السلام: ثلاثة لا أتقي فيهن احدا: شرب المسكر، والمسح على الخفين، ومتعة الحج " (* 2). وفي المصحح عن أبي عمر: " قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمر تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له. والتقية في كل شئ إلا في شرب النبيذ، والمسح على الخفين، ومتعة الحج " (* 3). وقد تأولها الاصحاب بوجوه مذكورة في المطولات. والجمع العرفي بينها وبين خبر أبي الورد يقتضي حملها على نفي الوجوب، ويكون المراد من الرخصة في خبر أبي الورد الرخصة على غير وجه الوجوب. ولعله مراد زرارة حيث قال في ذيل مصححه الاول: " ولم يقل: الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا ". ويحتمل أن يكون مراد زرارة أن عدم الاتقاء من خواصه. لكنه ينافيه ظاهر السؤال، وبقية الاخبار. ويحتمل أن يكون المراد نفي التقية فيها موضوعا، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب: 24 الى باب: 36 (* 2) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 25 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث: 2.

 

===============

 

( 400 )

 

[ من غير فرق بين مسح الرأس والرجلين (1). ولو كان الحائل متعددا لا يجب نزع ما يمكن (2)، وإن كان أحوط. وفي المسح على الحائل أيضا لابد من الرطوبة المؤثرة في الماسح (3)، وكذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة. (مسألة 34): ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضا مسوغ للمسح عليه (4)، لكن لا يترك الاحتياط بضم التيمم أيضا. (مسألة 35): إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها، ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت (5). ] فلا يكون في ترك المسح على الخفين خوف الضرر. ولعله الاقرب. (1) لاطلاق معاقد الاجماع، بل صريح غير واحد الاتفاق في المقامين. وهذا هو العمدة في عموم الحكم للرأس في الضرورة غير التقية. اما ضرورة التقية فعموم ادلتها كافية فيه، فلا مجال لاحتمال الانتقال إلى التيمم فيها، وإن حكي ذلك عن بعض فيها وفي غيرها من الضرورات. نعم لا بأس به في غيرها لولا الاجماع. (2) للاطلاق المتقدم. (3) لان ظاهر الدليل كون الحائل بمنزلة البشرة، فيعتبر في المسح عليه ما يعتبر في المسح عليها، وقد تقدم اعتبار ذلك فيه. (4) لان ظاهر الضرورة في كلام الاصحاب ما يعم ذلك. وكذا خبر أبي الورد، بعد البناء على التعدي عن مورده. لكن هذا المقدار غير كاف في عموم الحكم للفرض، لاحتمال اختصاص الضرورة في كلامهم بغير ذلك ولان التعدي عن مورد خبر أبي الورد حتى إلى المقام غير واضح. (5) لانه المتيقن من معقد الاجماع، ولا إطلاق في خبر أبي الورد،

 

===============

 

( 401 )

 

[ وأما في التقية فالامر أوسع (1). فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه، وإن أمكن بلا مشقة. نعم لو أمكنه - وهو في ذلك المكان - ترك التقية وإراءتهم المسح على الخف مثلا ] لوروده لبيان الرخصة في حال الاضطرار في الجملة في مقابل سقوط التكليف رأسا، وكذا أمثاله من أدلة الابدال الاضطرارية، فان منصرف الجميع ما ذكرنا. ولاجل ذلك نقول: لا يجوز البدار لذوي الاعذار. وسيجئ إن شاء الله في مبحث وضوء الجبيرة بعض الكلام في المقام. (1) كما عن البيان وجامع المقاصد والرياض وغيرها، بل لعله المشهور. خلافا لما عن صريح المدارك وبعض المتأخرين، بل ظاهر كل من تمسك على مشروعية التقية بأدلة نفي الحرج والضرر، وربما نسب إلى الشيخ في الخلاف وكأنه لدعوى عدم الدليل عليه، إذ لا إطلاق لخبر أبي الورد الوارد في المقام كما تقدم في الضرورة غير التقية، ومثله ما عن تفسير العياشي (* 1) الوارد في جواز رد الشعر - يعني الغسل منكوسا - إن كان عنده أحد. مع أن في العمل به لضعفه إشكالا، وكذا في التعدي عن مورده إلى المقام وأشكل منه مكاتبة ابن يقطين المتقدمة (* 2) فان موردها عدم المندوحة مطلقا حتى من حيث الوقت، بشهادة اشتمالها على الامر بالتقية في جميع الازمنة والامكنة. ومثلها رواية داود الرقي (* 3). وأما أخبار الحث على الصلاة معهم التي عقد لها في الوسائل بابا في صلاة الجماعة (* 4)، فموردها صورة الخوف في ترك الحضور في مواضع التقية، وفي ترك العمل على

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 4) وهي باب: 5 من أبواب صلاة الجماعة، ويوجد في غيرها أيضا.

 

===============

 

( 402 )

 

تقدير الحضور، فلا تشمل صورة عدم الخوف في ترك الحضور أو ترك العمل على تقدير الحضور. والاخبار العامة الدالة على مشروعية التقية - مثل: التقية ديني ودين آبائي، وأن من لا تقية له لا دين له، أو لا إيمان له، ونحوها (* 1) - لا تدل على الاجزاء، فضلا عن شمولها لصورة المندوحة. اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر كونها دينا الاجزاء، وإطلاقها يقتضي الشمول لصورة وجود المندوحة عرضية وتدريجية. ولاجل ظهورها في التحريض على التقية والترغيب فيها افترقت عن أدلة تشريع الابدال الاضطرارية، فان منصرف تلك الادلة صورة عدم المندوحة، بخلاف هذه الادلة، فهذا اللسان من البيان نظير قول القائل: " الكرم سجيتي وسجية آبائي "، فانه ظاهر في عموم الحكم لصورة وجود المندوحة وعدمها. وأما مصحح زرارة وغيره: " التقية في كل شئ، وكل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له " (* 2) فلو سلم عموم الحل فيه للتكليف والوضع، ليدل على الاجزاء، ولم يدع ظهوره في خصوص التكليف - كما قيل - حتى لا يدل على الاجزاء فلا إطلاق فيه يشمل صورة وجود المندوحة، بقرينة تضمنه الاضطرار غير الصادق مع وجود المندوحة. اللهم إلا أن يقال: إن قوله (ع): " وكل شئ... " ليس من قبيل الكبرى لما قبله، بل هو بيان لحكم آخر في مقابل ما قبله، وحينئذ يكون إطلاق ما قبله شاملا لصورة وجود المندوحة وعدمها، وإن كان هو مختصا بصورة وجودها. وأوضح منه في العموم لصورة وجود المندوحة خبر مسعدة

 

 

____________

(* 1) هذه المضامين موجودة في الوسائل باب: 24 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث: 2.

 

===============

 

( 403 )

 

ابن صدقة من قول الصادق (ع): " وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكل شئ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فانه جائز " (* 1). نعم قد يستشكل فيه بأن الظاهر من الجواز التكليف كما تقدم في الحل، فلا يدل على الاجزاء ظاهرا. نعم استثناء المسح على الخفين ومتعة الحج في قول الصادق (ع) في المصحح عن أبي عمر الاعجمي: " لا دين لمن لا تقية له. والتقية في كل شئ، إلا في شرب النبيذ، والمسح على الخفين، ومتعة الحج " (* 2) يقتضي عموم المستثنى منه للتكليف والوضع، فيدل على الصحة. إلا أنه لا إطلاق فيه يشمل صورة وجود المندوحة لوروده لبيان موارد التقية لا غير اللهم إلا أن يقال: المناقشة المذكورة إنما تتم بالنسبة إلى قوله (ع): " والتقية في كل شئ "، لا بالنسبة إلى قوله (ع): " لا دين لمن لا تقية له " لما تقدم في نظائره. مع أن استثناء فرد من العام لا يقتضي نفي إطلاق ذلك العام من حيث الازمان والاحوال، كما يظهر ذلك من ملاحظة النظائر. فالانصاف أن هذه ونحوها والعمومات المشار إليها آنفا كافية في الدلالة على المشروعية مع المندوحة العرضية والطولية. نعم صرح باعتبار عدم المندوحة العرضية في مكاتبة إبراهيم بن شيبة إلى أبي جعفر الثاني (ع) يسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين (ع) وهو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح، فكتب - عليه السلام -: " إن جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث: 5. (* 2) تقدم في مسألة: 33.

 

===============

 

( 404 )

 

فأذن لنفسك وأقم، فان سبقك إلى القراءة فسبح " (* 1). لكن لو سلم سندها من القدح فلابد من توجيهها، لاباء العمومات السابقة عن التقييد بصورة عدم المندوحة، لما عرفت من تضمنها للترغيب المنافي لذلك. ولمعارضتها للاخبار المتضمنة للحث على الصلاة مع المخالفين، ففي رواية الشحام: " صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الائمة والمؤذنين فافعلوا، فانكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله تعالى جعفرا، ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه. وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه " (* 2)، ونحوها رواية هشام الكندي، قال أبو عبد الله (ع) فيها " صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم " (* 3)، وقال فيها قبل ذلك: " كونوا لمن انقطعتم إليه زينا، ولا تكونوا علينا شينا... "، وقريب منهما موثق سماعة: " عن رجل يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال (ع): إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف، ويجعلها تطوعا، وليدخل مع الامام في صلاته كما هو. وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى، ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فان التقية واسعة، وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله " (* 4). فانه ظاهر في الصحة، وفي وجود المندوحة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 33 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 75 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 26 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

 

===============

 

( 405 )

 

بقرينة امتناع تخصيص صدره المتضمن لحكم الامام العدل بصورة عدم المندوحة والتفكيك بينه وبين الذيل بعيد جدا، ولا سيما بملاحظة التعليل بقوله (ع) " فان التقية واسعة... ". ومثله رواية سيف بن عمير عن أبي الصباح: " والله لقد قال لي جعفر بن محمد (ع): إن الله علم نبيه التنزيل والتأويل، فعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله عليا. قال: وعلمنا والله، ثم قال ما صنعتم من شئ أو حلفتم عليه من يمين في تقية فانتم منه في سعة " (* 1). فان إطلاقه ينفي وجوب الاعادة ولو مع المندوحة، لانها ضيق، فانه لا يعتبر في عدم نفوذ اليمين الصادرة عن التقية عدم المندوحة، فيتعين أن يكون كذلك ما صنعوه من شئ. إلا أن يقال: إن الضيق الحاصل للمكلف إذا أتى بالعبادة على غير الوجه المشروع ليس من نفس الفعل كذلك، بل من قيل الامر بها على الوجه المشروع، وليس المقام مثل: " الناس في سعة مما لا يعلمون " فان الضيق هناك من قبل الحكم المجهول نفسه، فالرواية مختصة بالاسباب الموجبة للضيق على المكلف مثل اليمين ونحوها، ولا تشمل ما نحن فيه. لكن يكفي غيرها مما عرفته في الدلالة على المشروعية مطلقا حتى مع وجود المندوحة. ومنه يظهر ضعف ما عن المحقق الثاني من التفصيل بين ما ورد دليل بالخصوص على مشروعية التقية فيه فيصح مع المندوحة، وبين غيره فلا يصح معها، وإن كان ظاهر المحكي من كلامه أن مراده التفصيل بين الاول فيصح ولو مع المندوحة، وبين غيره فلا يصح ولو مع عدمها، وأن الوجه في الاول إطلاق دليل شرع التقية فيه بالخصوص، وفي الثاني قصور

 

 

 

____________

(* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب اليمين حديث: 2.

 

===============

 

( 406 )

 

إطلاقات التقية عن إثبات الصحة. وجه الضعف: أنك عرفت دلالة النصوص على صحة العمل المأتي به على وجه التقية من دون فرق بين صورة إمكان الاعادة وغيرها، وصورة وجود المندوحة العرضية وعدمها، كرواية الاعجمي ورواية هشام والشحام وموثق سماعة، وكفى بالعمومات مثل: " التقية ديني ودين آبائي " في الدلالة على جميع ذلك، بل ظاهر روايتي الشحام وهشام رجحان التقية، وإن لم يكن خوف على النفس أو المال، بل لمجرد الاحتفاظ بالجهات الادبية، ونحوها غيرها. نعم في صحيح زرارة: " التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به " (* 1). لكنه غير ظاهر في الاختصاص بحال الضرورة إلا بناء على حجية مفهوم اللقب وهي غير ثابتة. مع أنه يصعب رفع اليد عن النصوص المتقدمة لاجله، ولعل المراد من الضرورة الضرورة في مكان التقية. وبالجملة: السابر لنصوص التقية يشرف على القطع بعدم اعتبار المندوحة في صحة العمل، من دون فرق بين المندوحة الطولية والعرضية. نعم تختص مشروعية التقية بصورة خوف الضرر على نفسه، أو ماله أو نفس غيره، أو ماله، أو التودد والتحبب، فمع العلم بانتفاء ذلك لم تشرع. كما أن الظاهر عدم مشروعيتها إذا تأدت التقية بفعل الواقع لاجل إيهام الحاضرين خلافه. كما أن الظاهر عدم الفرق في مشروعية التقية بين المخالف وغيره، ولاطلاق نصوصها، والانصراف إلى المخالفين غير ظاهر بنحو يعتد به في رفع اليد عن الاطلاق. نعم الظاهر من النصوص صورة الاختلاف في المذهب. أما إذا كان الاختلاف في تطبيق المذهب فلا تقية. ويظهر من بعض أنه من المسلمات. لقصور الادلة عن شموله. نعم إذا كان ضرر أو حرج

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث: 1.

 

===============

 

( 407 )

 

ارتفع الوجوب بهما. لكن الاجزاء حينئذ غير ظاهر، لقصور أدلة نفي الحرج والضرر عن إثبات ذلك، كما عرفت مرارا. هذا ومن الاختلاف في الموضع الاختلاف في رؤية الهلال بالنسبة إلى صوم شهر رمضان وأفعال الحج، فانه لا مورد للتقية فيها. نعم إذا حكم حاكمهم بثبوت الهلال كان الاختلاف في نفوذ حكم الحاكم اختلافا في الحكم، فيكون الوقوف مع المخالفين مجزئا شرعا. ثم إن الظاهر أن الاجزاء في موارد التقية يختص بصورة ما إذا كان الاتقاء بفعل الناقص في مقام امتثال الامر المتوجه إلى المكلف المتقي، فإذا كانت التقية في ترك الواجب لم يكن الترك مفرغا للذمة، فمن أفطر يوما من شهر رمضان اعتمادا على حكم حاكم المخالفين تقية، لا يكون إفطاره مجزئا، لانه ترك للواجب، لا أداء له على الوجه الناقص، ولذلك ورد في مرسلة رفاعة: " فكان إفطاري يوما وقضاءه أيسر علي من أن تضرب عنقي " (* 1) فوجوب القضاء في المقام لا ينافي ما ذكرنا من الاجزاء، لان الافطار ليس أداء للمأمور به، بل هو ترك له، وقد عرفت أنه لا دليل على إجزاء الترك. نعم الحج مع الوقوف في اليوم الثامن اعتمادا على حكم حاكمهم من قبيل الاداء الناقص، ومثله الافطار قبل الغروب، واستعمال ما لم يكن مفطرا عندهم، فانه من قبيل الاداء الناقص. ومن ذلك تعرف إجزاء الحج إذا وقف تقية مع المخالفين، ولم يقف في اليوم التاسع، من دون فرق بين صورتي العلم بالمخالفة للواقع وعدمه. ولا يعارض ذلك مرسلة رفاعة حتى لو صح سندها، لما عرفت من اختصاصها بصورة الترك بالمرة، فلا تشمل صورة الاتيان بالناقص. نعم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.

 

===============

 

( 408 )

 

إذا كان الحج المذكور في سنة الاستطاعة أشكل الاجتزاء به عن حج الاسلام لعدم ثبوت الاستطاعة بالنسبة إلى الواقع الاولي، وثبوت الاستطاعة بالنسبة إلى البدل المأتي به على وجه التقية يتوقف على عموم تشريع التقية لمثل ذلك، وهو غير واضح. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على أنه لا تقية في متعة الحج، فانه يدل على ثبوت التقية في الحج في غير المتعة، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين حج الاسلام وغيره، وما كان في سنة الاستطاعة وبعدها. هذا وقد تلخص مما ذكرنا أمور: (الاول): إجزاء العمل (الثاني): عدم اعتبار عدم المندوحة الطولية، ولا العرضية (الثالث): مشروعية التقية ولو بلحاظ الجهات الادبية (الرابع): اعتبار الاضطرار إلى فعل الناقص في مكان التقية (الخامس): مشروعية التقية من غير المخالف ولو كان كافرا (السادس): اعتبار كون الاختلاف في المذهب، لا في الموضوع (السابع): أنه يعتبر في الاجزاء وسقوط الامر كون التقية بفعل الناقص، فلا يحصل الاجزاء إذا كانت التقية بترك الواجب (الثامن): أنه لا فرق في الاجزاء بين الحج الذي هو مشروط وجوبه بالقدرة وبين غيره من العبادات التي وجوبها مطلق غير مشروط. وربما يفصل في صحة الحج إذا كان الوقوف في غير وقته للتقية بين صورة العلم بمخالفة حكم حاكمهم للواقع وصورة الجهل، فيبنى على البطلان في الاولى. (إما) لرواية رفاعة السابقة الدالة على بطلان الصوم، بناء على التعدي عن موردها ولكن عرفت أن موردها صورة ترك الصوم تقية، فلا يقاس المقام عليه مما كانت التقية باتيان المأمور به على غير وجهه. مع أن سندها ضعيف. (وإما) لان العمدة في صحة الحج في الصورة المذكورة هو السيرة، والقدر المتيقن منها صورة عدم العلم

 

===============

 

( 409 )

 

[ فالاحوط بل الاقوى ذلك (1). ولا يجب بذل المال لرفع التقية (2)، بخلاف سائر الضرورات والاحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا. (مسألة 36): لو ترك التقية في مقام وجوبها ومسح على البشرة ففي صحة الوضوء إشكال (3). ] بالخلاف وفيه: أنه لو سلم إجمال السيرة ففي النص الدال على ثبوت التقية في الحج كفاية، بناء على أن مذهب المخالفين نفوذ حكم الحاكم وإن علم بمخالفته للواقع، كما يشهد بذلك تتبع كلماتهم، دعوى جماعة منهم الاجماع على نفوذ حكم الحاكم مطلقا. فراجع. (1) كما هو المنساق من خبر أبي الورد ونحوه، وظاهر موثق سماعة، وبعض ما ورد في الصلاة معهم (* 1). (2) لان المستفاد من النصوص المتقدمة كونها من قبيل المانع الشرعي فيكون عدمها من قبيل شرط الوجوب غير الواجب التحصيل، ولذا أجزأ الفعل مع المندوحة، ولا كذلك سائر الضرورات، فانها من قبيل العذر العقلي. فمع القدرة على رفعها بالمال ترتفع موضوعا، فاطلاق دليل وجوب الوضوء التام يقتضي وجوب بذل المال لرفعها. نعم قد يقال: إن وجوب بذل المال ضرر فيرتفع بعموم نفي الضرر. إلا أن يقال: إن وجوب الوضوء حكم ضروري نظير وجوب الزكاة فيكون دليله مخصصا لادلة نفي الضرر، فيؤخذ باطلاقه ويقدم على تلك الادلة. أو يقال: إنه يستفاد مما دل على وجوب شراء ماء الوضوء بالمال الكثير. وسيجئ إن شاء الله في مبحث التيمم توضيح ذلك. فانتظر. (3) ينشأ من احتمال كون ظاهر أوامر التقية كون المسح على الخفين

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 33، 34، 35، من أبواب صلاة الجماعة.

 

===============

 

( 410 )

 

مثلا جزءا من الوضوء، فتركه ترك للوضوء. أو من احتمال كون الامر بالتقية موجبا للنهي عن المسح على البشرة، فيمتنع التقرب به، فيفسد، كما علل به في الذخيرة. ويدفع الاول منع ظهور أوامر التقية في ذلك، غاية الامر كونها دينا يقتضي بدلية ما يوافق التقية عن الواقع، فيكون في طول الواقع، فالاتيان بالواقع مجزئ مسقط للامر. ويمكن دفع الثاني بأنه لا وجه لاقتضاء الامر بالمسح على الخفين للنهي عن المسح على البشرة حتى بناء على أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، لاختصاص ذلك بالضد المضيق وليس منه المقام. اللهم إلا أن يقال: إن التقية كما تكون بالفعل فتقتضي وجوبه وحرمة تركه تكون بالترك فتقتضي وجوبه أيضا وحرمة الفعل والمسح على البشرة في نفسه مخالف للتقية فيحرم، ولا يصح التعبد به مع قطع النظر عن وجوب المسح على الخفين تقية. (فان قلت): التقية واجبة، وهي عبارة عن المسح على الخف، فترك التقية الذي هو حرام ترك المسح على الخف، وهو لا ينطبق على المسح على البشرة (قلت): الواجب الذي تقتضيه هو المداراة لهم والمجاراة معهم، والحرام ترك ذلك، بحيث يظهر الخلاف لهم، وهذا الحرام يحصل بالمسح على الرجل حتى لو مسح على الخف أيضا. ومثله أن يقول: مذهبي وجوب المسح على الرجل، أو مذهبي عدم الاجتزاء بالمسح على الخف، ونحو ذلك مما يدل على الخلاف لهم. هذا لو كانت التقية واجبة، أما لو كانت مستحبة فلا مجال للبطلان. والظاهر أنه لا فرق بين كون خوف الضرر المأخوذ موضوعا لوجوب التقية ملحوظا طريقا إلى الضرر الواقعي وملحوظا موضوعا في قبال الواقع أما على الثاني فالبطلان واضح، لثبوت التحريم واقعا، الموجب لفساد العبادة

 

===============

 

( 411 )

 

[ (مسألة 37): إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو أخر الوضوء والصلاة يضطر إلى المسح على الحائل فالظاهر وجوب المبادرة إليه (1) في غير ضرورة التقية، وإن كان متوضئا وعلم أنه لو أبطله يضطر إلى المسح على الحائل لا يجوز له الابطال (2). وإن كان ذلك قبل دخول الوقت. فوجوب المبادرة أو حرمة الابطال غير معلوم (3). وأما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب المبادرة، وكذا يجوز الابطال وإن كان بعد دخول الوقت، لما مر من الوسعة في أمر التقية (4). لكن الاولى والاحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الابطال. ] وأما على الاول فالظاهر أنه كذلك وإن لم يكن ضرر واقعا ولا تحريم كذلك لان الخوف بعدما كان طريقا ووجب ظاهرا العمل به كان الجري على خلافه تجرءا بحكم المعصية في المنع من صلاحية التقرب. (1) لان تركها تفويت للوجب فيحرم. ولا ينافيه الصحة على تقدير ترك المبادرة والاضطرار إلى المسح على الخف، لاطلاق دليل بدليته للمضطر إذ لا منافاة بين فوات الواجب ووجوب بدله الناقص، كما هو الحال في سائر الاعذار العقلية التي يقع فيها المكلف باختياره. (2) لعين ما سبق. (3) بل لا يبعد ذلك وإن قلنا إن الوقت شرط في وجوب الطهارة المائية، لحرمة تفويت الواجب عقلا ولو قبل وقته المشروط وجوبه به، حسب ما حرر في محله من مبحث الواجب المشروط، ووجوب التعلم، ويأتي في مبحث التيمم ما له دخل في المقام. (4) الكاشفة عن كون مصلحتها يتدارك بها مصلحة الواقع، وليست

 

===============

 

( 412 )

 

[ (مسألة 38): لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين الوضوء الواجب والمندوب (1). (مسألة 39): إذا اعتقد التقية أو تحقق إحدى الضرورات الاخر، فمسح على الحائل، ثم بان أنه لم يكن موضع تقية، أو ضرورة، ففي صحة وضوئه إشكال (2). ] كالاعذار العقلية، والتفكيك بين الفرض وسائر صور وجود المندوحة خلاف ظاهر النصوص المتقدمة. (1) كما لا فرق بينهما في سائر الخصوصيات. وقد مر وجهه في بعض المسائل. ويكفي فيه في المقام إطلاق رواية أبي الورد (* 1)، نعم لو كان المستند في الصحه أدلة الحرج والضرر ونحوها أشكلت الصحة في المستحب، لعدم جريان تلك الادلة في المستحبات. (2) ينشأ من الاشكال في كون الخوف ملحوظا موضوعا في نفسه أو طريقا صرفا، فعلى الاول يلزم القول بالصحة لتحقق الموضوع، وعلى الثاني بالبطلان لخطأ الطريق، ولا دليل على الاجزاء. ولا يبعد أن يقال: أن اعتقاد الضرورة إن كان من اعتقاد عدم القدرة فالحكم بالبطلان متعين إذ لا مجال لاحتمال الموضوعية في مثله، لعدم الدليل عليها. وإن كان من قبيل اعتقاد الضرر فان كان الامر بالعمل الواقع حينئذ حرجا عرفا فالحكم الصحة، وإن انكشف عدم الضرر، لعدم الفرق بين دليل الحرج والضرر في نفي الواقع، وإن لم يكن حرجا عرفا فلا دليل على الصحة إذ لم يثبت من أدلة خوف الضرر أو اعتقاده موضوعية الخوف والاعتقاد، بل مقتضى الجمع العرفي بينها وبين أدلة موضوعية الضرر هو طريقية الخوف، كما

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكرها في مسألة: 33.

 

===============

 

( 413 )

 

[ (مسألة 40): إذا أمكنت التقية بغسل الرجل فالاحوط تعينه (1)، وإن كان الاقوى جواز المسح على الحائل أيضا (2). (مسألة 41): إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة، فان كان بعد الوضوء فالاقوى عدم وجوب إعادته (3)، وإن كان قبل الصلاة، إلا إذا كانت بلة اليد باقية، ] سنشير إلى ذلك في مبحث وضوء الجبيرة. وأما في التقية فان كان الخطأ في كون المتقى - بالفتح - عدوا أو في كون رأيه مخالفا للواقع، فالحكم البطلان، لعدم الدليل على الصحة وأدلة مشروعية التقية مختصة بصورة المفروغية عن ثبوت العداوة ومخالفة رأي العدو للواقع، فلا تصلح للاعتماد عليها في ظرف انتفاء أحدهما. نعم لو كان الامر بالجري على خلاف التقية حرجا عرفا فالحكم الصحة لما سبق وإن كان الخطأ في ترتب الضرر على مخالفة التقية فلا تبعد الصحة أيضا، لظهور أدلة التقية في موضوعية الخوف. (1) نسبة في الذخيرة إلى الاصحاب. وفي الحدائق حكاه عن جملة منهم ونسب في غيرهما إلى البيان وروض الجنان. وكأنه لان الغسل أقرب إلى الواجب، بخلاف المسح على الخف، إذ الخف موضوع أجنبي عن البشرة كما أشير إليه في النصوص المتقدمة، وثبوت البدلية في بعض الاحوال لا ينافي الاقربية المذكورة. مع انه مقتضى الاحتياط اللازم في المقام، بناء على كونه من الشك في المحصل بل مطلقا بناء عليه في الدوران بين التعيين والتخيير. (2) كأنه لاطلاق أدلة التقية، لكون كل منهما موافقا للتقية ومخالفا للواجب الاولي، ومجرد أقربية أحدهما لا توجب انصراف الاطلاق إليه. وكأنه لذلك جعل في محكي التذكرة والذكرى الغسل أولى. (3) هذا لا مجال له بناء على اعتبار عدم المندوحة في صحة الناقص

 

===============

 

( 414 )

 

ولو بالتأخير، فانه إذا زال السبب انكشف فساد الوضوء من أول الامر لانكشاف وجود المندوحة. نعم له مجال بناء على أنه لا يعتبر في صحة الناقص عدم وجود المندوحة بالتأخير. ومنشأ الخلاف حينئذ في وجوب الاعادة وعدمه الخلاف في كون دليل صحة الوضوء الناقص للمعذور هل يدل على كونه بمنزلة الوضوء التام من جميع الجهات حتى بلحاظ ما بعد زوال العذر من الغايات، أو لا دلالة له على ذلك؟ وعلى الثاني، فهل يكون مقتضى الاصول العملية هو ذلك أو لا؟ فيه قولان، نسب كل منها إلى جماعة من الاساطين. واستدل في الذخيرة على الاول - بعد أن نسبه إلى المبسوط والمعتبر - بعموم الآية، يعني بها قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة... " (* 1)، وعلى الثاني - بعد أن نسبه إلى جماعة - بأنها طهارة شرعية، ولم يثبت كون ذلك - يعني ارتفاع العذر - ناقضا: والتحقيق: أنه بعد البناء على عدم اعتبار عدم المندوحة في صحة الوضوء الاضطراري فالظاهر من دليل مشروعيته كونه فردا للماهية كالفرد التام، غاية الامر أن فرديته إنما تكون في حال العذر كما أن التام إنما تكون فرديته في حال عدمه، وعليه يكون كل منهما في عرض الآخر فيترتب على كل منهما ما يترتب على الآخر من غير فرق بينهما، فكما أن مقدمية التام لا تختص بما قبل طروء العذر من الغايات، بل يترتب عليه جميع الغايات الموقوفة على صرف الماهية، من غير فرق بين ما يكون قبل طروء العذر وما يكون بعده، كذلك الناقص لا تختص مقدميته بما قبل زوال العذر، بل كما هو مقدمة لما كان في حال العذر من الغايات يكون مقدمة لما بعد زواله، واحتمال خلاف ذلك في الناقص خلاف إطلاق دليله، كاحتمال خلاف ذلك

 

 

____________

(* 1) المائدة: 8.

 

===============

 

( 415 )

 

في التام. وبالجملة: بعد البناء على ظهور دليل مشروعية الناقص ولو مع المندوحة لا ينبغي التشكيك في ظهوره في كون الناقص كالتام، ويكون مقتضى الجمع بين هذا الدليل وإطلاق ما دل على وجوب الوضوء التام مطلقا، هو تقييد الثاني بصورة عدم العذر، فيكون الوضوء الصحيح لغير المعذور هو التام وللمعذور هو الناقص، فيترتب على كل منهما من الغايات ما يترتب على الآخر بلا فرق بينهما. وكذا الحكم لو لم يبن على تقييد إطلاق دليل وجوب التام بدليل وجوب الناقص، بل على بدلية الناقص عن التام على نحو يفي بتمام مصلحته فيكون التام في حال العذر واجبا والناقص واجبا بدلا على نحو البدلية التامة عنه، كما هو محتمل أدلة مشروعية التقية بعد الجمع بينها وبين أدلة الواقع الاولي، فان العمل المتقى به بعد ما كان بدلا عن الواقع ووافيا بتمام مصلحته كان مجزئا عنه، ولو مع ارتفاع التقية، لان الاتيان به امتثال للامر بالواقع كالاتيان بالواقع نفسه، فلا موجب للاعادة بعد ارتفاع العذر. نعم لو بني على اعتبار عدم وجود المندوحة في صحة الناقص فاللازم حينئذ القول بوجوب إعادته بعد زوال العذر لو كان قد وقع مشروعا صحيحا، كما لو توضأ المعذور في آخر الوقت فصلى وبعد خروج الوقت زال عذره ولم يكن قد أحدث. ووجه ذلك: أنك قد عرفت أن الوجه في اعتبار عدم المندوحة كون الدليل مسوقا مساق جعل شئ على المكلف في فرض سقوط التكليف الاولي لاجل العذر، فلا يدل على انتفاء ملاك الفعل التام ومصلحته في تلك الحال، فيكون إطلاق دليل وجوبه الشامل لحال العذر محكما، فيدل على بقاء مناطه في حال العذر. ولاجل ذلك قيل بوجوب المبادرة إلى التام لو علم بطروء الاضطرار في أثناء الوقت إلى ترك؟

 

===============

 

( 416 )

 

- كما تقدم في المسألة السابعة والثلاثين - فإذا كان إطلاق دليل التام يقتضي وجود المناط فيه تعيينا حتى في حال العذر بحيث يحرم تفويته اختيارا، ولم يكن دليل مشروعية الناقص مزاحما له في ذلك، بل إنما يكون دالا على جعل شئ على المكلف في تلك الحال، من دون دلالة على وفائه بمصلحته، وأنه بمنزلته من جميع الجهات، فكيف لا يجب فعله بعد زوال العذر ويحرم تفويته؟ فان إطلاق دليله إذا كان دالا على وجوبه بالاضافة إلى الغاية الواقعة في حال العذر، ولذا قيل بوجوب المبادرة إليه لو علم بطروء الاضطرار في أثناء الوقت، فلان يدل على وجوبه بالاضافة إلى الغاية الواقعة بعد زوال العذر بطريق أولى، ومقتضى ذلك وجوب الاعادة (فان قلت): إذا كان تجب الاعادة بالاضافة إلى الغاية التي تكون بعد زوال العذر فالواجب إعادة الغاية التي فعلت في حال العذر أيضا، لعدم وقوعها تامة (قلت): هذا مسلم بالنظر إلى القواعد الاولية، لكن وجب الخروج عنه لظهور النص والفتوى في الاجزاء، إلا أن الاجزاء أعم من حصول تمام الغرض، إذ قد يكون لعدم إمكان تدارك المقدار الفائت، وحينئذ يحتاج في الاجزاء بالنسبة إلى الغايات الاخر إلى دليل، وهو مفقود لاختصاص دليل البدلية بحال الاضطرار، فلا يشمل صورة ارتفاعه، فيتعين فعل التام وعدم الاجتزاء به. ومن هنا تعرف أن اعتبار عدم وجود المندوحة في صحة الناقص المذكور في المسألة الخامسة والثلاثين، ووجوب المبادرة إلى التام المذكور في المسألة السابعة والثلاثين، ووجوب الاعادة المذكور هنا، متلازمة في مقام استفادتها من الادلة. ولا مجال للتفكيك بينها، كما وقع في المتن. كما أن مما ذكرنا تعرف أنه لا مجال للاصول العملية في المقام، لانه

 

===============

 

( 417 )

 

[ فيجب إعادة المسح (1). وإن كان في أثناء الوضوء فالاقوى الاعادة إذا لم تبق البلة. ] إن كان دليل مشروعية الناقص ظاهرا في تقييد دليل وجوب التام كان مقتضاه عدم وجوب الاعادة، وإن لم يكن ظاهرا في ذلك كان مقتضى إطلاق وجوب التام وجوب الاعادة، ولا مجال للاصل مع الدليل. نعم لو فرض عدم إطلاق في دليل وجوب التام، مع عدم ظهور دليل الناقص في كونه بمنزلة التام، كان مقتضى استصحاب الحدث الثابت قبل فعل الناقص - الذي لا مجال للتشكيك في مانعيته من الصلاة - هو وجوب الاعادة، للشك في ارتفاعه بفعل الناقص. ولا مجال لمعارضته باستصحاب صحة الصلاة الناقصة، لعدم اليقين السابق بصحة هذه الصلاة، بل هي مشكوكة من أول الامر. أللهم إلا أن يقال: كانت هذه الصلاة بحيث لو فعلت قبل زوال العذر كانت صحيحة، فهي على ما كانت. لكن لو سلم كان المرجع بعد التساقط قاعدة الاشتغال، الموجبة للاعادة. فتأمل جيدا. ومما ذكرنا تعرف أنه إذا زال السبب المسوغ للوضوء الاضطراري فان كانت الضرورة التقية لم تجب الاعادة، وإن كانت غير التقية وجبت الاعادة. (1) أما في الضرورة غير التقية فواضح، لما عرفت. وأما في التقية فلقصور الادلة عن إثبات الصحة في مثل الفرض، وقد عرفت أن موثق سماعة المتقدم (* 1) قد تضمن وجوب فعل الواقع مهما استطاع، الصادق عرفا في المقام، ومجرد التأخير آناما لا يعتد به في نفي الاستطاعة عرفا. نعم إذا كان زمان ارتفاع التقية معتدا به عرفا لبعده، لم يبعد شمول أدلة

 

 

____________

(* 1) تقدم في مسألة: 35.

 

===============

 

( 418 )

 

[ (مسألة 42): إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه ففي صحة وضوئه إشكال (1)، وإن كانت التقية ترتفع به، كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما، أو بالعكس. كما أنه لو ترك المسح والغسل بالمرة، يبطل وضوؤه (2) وإن ارتفعت التقية به أيضا. (مسألة 43): يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فالمناط في تعدد الغسل - المستحب ثانيه، الحرام ثالثه - ليس تعدد الصب، بل تعدد الغسل مع القصد (3). (مسألة 44): يجب الابتداء في الغسل بالاعلى، لكن لا يجب الصب على الاعلى (4)، فلو صب على الاسفل، وغسل من الاعلى باعانة اليد، صح. ] التقية. وكذا الحال في الفرض الآتي. (1) ينشأ من التأمل في صلاحية أدلة مشروعية لتشريع ذلك، وإن كان هو الاقرب. (2) لعدم الاتيان بالواقع. ولا ببد له، المستفاد من أدلة مشروعية التقية بدليته، كأدلة الضرورة. اللهم إلا أن يقال: إن البدلية بين الوضوء المذكور الناقص وبين الوضوء التام، فاطلاق أدلة التقية يقتضي صحته. (3) يعني: قصد الوضوء بالغسل. ووجهه ظاهر. (4) هذا مما لا يظن الاشكال فيه، إذ الترتيب - على تقدير القول به - إنما هو في الغسل، لا في الصب، وما في النصوص البيانية من صب الماء على الاعلى غير ظاهر في الوجوب، كما تكرر في أمثال المقام.

 

===============

 

( 419 )

 

[ (مسألة 45): الاسراف في ماء الوضوء مكروه (1)، لكن الاسباغ مستحب (2) وقد مر (3) أنه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مد. والظاهر أن ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعاله ومقدماته من المضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين (4). ] (1) ففي خبر حريز عن أبي عبد الله (ع): " إن لله تعالى ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه " (* 1). (2) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر، والنصوص به متواترة، أو قريبة من التواتر، ففي صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) عن أبيه (ع): " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لاهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله، فقد استكمل حقيقة الايمان، وأبواب الجنان مفتحة له " (* 2). (3) ومر دليله (* 3). (4) فانه يبلغ ثلاث عشرة أو أربع عشرة كفا، وهي تقارب المد، كما في محكي الحبل المتين وغيره. ولا مجال لاحتمال حمله على أفعاله الواجبة، ضرورة زيادته كثيرا. كما لا موجب لادخال ماء الاستنجاء فيه - كما ارتكبه في محكي الذكرى، وتبعه عليه غيره - فانه خلاف ظاهر النصوص. وأما روايتا ابن كثير (* 4) والحذاء (* 5) الحاكيتان لوضوء علي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 54 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 3) تقدم في أول فصل مستحبات الوضوء. (* 4) الوسائل باب: 16 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8.

 

===============

 

( 420 )

 

[ (مسألة 46): يجوز الوضوء برمس الاعضاء كما مر (1)، ويجوز برمس أحدها وإتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعاة الشروط المتقدمة، من البدئة بالاعلى، وعدم كون المسح بماء جديد، وغيرهما. (مسألة 47): يشكل صحة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء، من لزوم المسح بالماء الجديد، في بعض الاوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة ساير الاعضاء يجئ الاشكال في مبالغته في إمرار اليد، لانه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع. (مسألة 48): في غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به مادام يصدق عليه أنه غسل واحد (2). نعم بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا ] وأبي جعفر عليهما السلام، حيث ذكر فيهما الاستنجاء قبله، فلا تصلحان شاهدا لذلك. مع أن ماء الاستنجاء من البول لقلته لا يجدي دخوله ولا يقدح خروجه، وماء الاستنجاء من الغائط لكثرته يمتنع دخوله. ولاجل ذلك اختار غير واحد ما في المتن. (1) ومر وجهه (* 1). ومنه يظهر حال ما في المقام. (2) لان ما دل على وجوب المسح ببلل الكف إنما يراد به البلل المتخلف في الكف بعد غسل اليسرى، فلا يقدح المزج بغسلها. وبذلك افترق عن الوسواسي فان المزج فيه بعد تمام الغسل.

 

 

____________

(* 1) تقدم في مسألة: 21 من فصل أفعال الوضوء.

 

===============

 

( 421 )

 

[ يشكل (1)، وإن كان الغرض منه زيادة اليقين، لعده في العرف غسلة أخرى، وإذا كان غسله لليسرى باجراء الماء من الابريق مثلا وزاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر مادام يعد غسلة واحدة (2). (مسألة 49): يكفي في مسح الرجلين بواحدة من الاصابع الخمس إلى الكعبين أيها كانت (3) حتى الخنصر منها. ] (1) بل بناء على اعتبار المسح ببلل الكف يتحقق الاشكال بمجرد الامرار وإن لم يصب ماء جديدا. بل قد يشكل ذلك مع الشك في تحقق غسل اليسرى، لان الاحتياط في غسلها يؤدي إلى احتمال مزج بلل الكف ببلل اليد اليسرى. لكن لو بني على ذلك لزم الهرج والمرج، إذ قلما ينفك متوضئ عن الابتلاء بالشك في الجملة. أما شك الوسواسي فلا عبرة به لخروجه عن المتعارف. (2) فيكون بللها بلل الوضوء. لكن الاشكال المتقدم في الوسواسي جار فيه بعينه، والاختلاف بينهما إنما يكون بالحرمة وعدمها، لا بالصحة وعدمها. (3) كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى، بل في كلام جماعة التصريح به. والله سبحانه أعلم. والحمد لله رب العالمين. انتهى ما أردنا الاشارة إلى دليله من أحكام الوضوء، في خامس رجب المرجب، عصر الاثنين، السنة الثامنة والاربعين بعد الالف والثلثمائة هجرية على مهاجرها أفضل السلام وأكمل التحية. الاقل (محسن) خلف العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي الحكيم.