فصل في الراكد بلا مادة

فصل في الراكد بلا مادة (1) إجماعا صريحا وظاهرا، حكاه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين ومتأخريهم، وبعضهم استثنى ابن أبى عقيل، وكأن اطلاق غيرهم لعدم اعتنائهم بخلافه. وعن صاحب المعالم والعلامة المجلسي والمحقق البهبهاني: ان الاخبار بذلك متواترة، وفي الرياض: " جمع منها بعض الاصحاب

 

===============

 

( 142 )

 

مائتي حديث " وعن العلامة الطباطبائي قدس سره - في أثناء تدريسه في الوافي - أنها تزيد على ثلاثمائة رواية. منها الطائفة المتضمنة قولهم (ع): " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (* 1) الوارد بعضها ابتداء، وبعضها جوابا عن السؤال عن الماء الذي تبول فيه الدواب، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجنب، وتدخله الدجاجة وقد وطئت العذرة. والمناقشة فيها بعدم عموم الشئ في المفهوم، لان نقيض السلب الكلي هو الايجاب الجزئي لو سلمت، فلا تقدح في الاستدلال فيما نحن فيه، لان المقصود هو الايجاب الجزئي في مقابل مذهب ابن أبى عقيل من السلب الكلي. وما ورد في سؤر الكلب والخنزير، مثل صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الكلب يشرب من الاناء. قال (ع): اغسل الاناء (* 2) وصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال: " سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال (ع): يغسل سبع مرات " (* 3) وما ورد في الاناءين المشتبهين، كموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع): " عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره. قال (ع): يهريقهما جميعا ويتيمم " (* 4) ونحوه موثق عمار (* 5)، وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال (ع): " إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلا أن يكون أصابها. قذر بول أو جنابة، فان أدخلت يدك في الماء وفيها شئ من ذلك فاهرق

 

 

____________

(* 1) راجع أحاديث باب: 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب الاسئار حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب الاسئار حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 2. (* 5) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 14.

 

===============

 

( 143 )

 

ذلك الماء " (* 1) ونحوه غيره مما ورد في الجنب وغيره.. إلى غير ذلك من النصوص الواردة في أبواب الماء المحقون، والجاري، والحمام، والبئر، ومباحث النجاسات، وغير ذلك. هذا ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا من ابن أبي عقيل وتبعه عليه الكاشاني والفتوني. واستدل لهم بروايات هي ما بين مطلق قابل للتقييد بما سبق كالنبوي (* 2) ونحوه. أو ظاهر في الكثير، كالروايات الواردة في الغدير الواقع فيه جيفة، وأنه لا بأس به إذ غلب الماء ريح الجيفة (* 3) أو مجمل، مثل صحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الحبل من شعر الخنزير يستقي به الماء من البئر أيتوضأ من ذلك الماء؟ قال (ع): لا بأس " (* 4) إذ لا يعلم أن السؤال كان لاجل تقاطر الماء من شعر الخنزير في ماء الدلو، أو من جهة الشك في التقاطر، أو من جهة انفعال ماء البئر، أو من جهة استعمال شعر الخنزير في الوضوء العبادي فعلى الاحتمالات الثلاثة الاخيرة يكون أجنبيا عما نحن فيه. وأما خبر محمد بن ميسر: " عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء يغرف به، ويداه قذرتان. قال (ع): يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل. هذا مما قال الله

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من الماء المطلق حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9 وأكثر أحاديث هذا الباب يدل على اطلاق طهورية الماء (* 3) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 11، 13، وباب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 2.

 

===============

 

( 144 )

 

عزوجل: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (* 1) " (* 2) فغير ظاهر في القليل بمعنى ما لم يكن كرا، بل من الجائز أن يكون المراد منه مالا يمكن الاغتسال بنحو الارتماس فيه. ولاسيما بملاحظة الاستدلال بآية نفي الحرج فان اقتضاءه لاعتصام ما دون الكر خفي، بخلاف اقتضائه اعتصام مراتب الكر، فان لزوم الحرج من عدم اعتصامها ظاهر، كما لا يخفى مع أن ذكر الوضوء مع الغسل خلاف المذهب. نعم خبر زرارة عن أبي جعفر (ع): " قلت له: رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة. قال (ع): إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبها، وإذا كان غير متفسخ فاشرب منه توضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية. وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء. وقال أبو جعفر (ع): إذا كان الماء اكثر من رواية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ. إلا أن يجيئ له ريح تغلب على ريح الماء " (* 3) لا مجال للاشكال في دلالته على الاعتصام لكن التفصيل فيه بين التفسخ وعدمه مما لم يقل به أحد. وكذلك التفصيل بين الرواية وما زاد عليها. وحمل التفسخ على التغير يأباه ما في ذيله. كما أن حمل ما زاد على الرواية على الكر غريب، لانه خلاف المعهود من مقدار الرواية، ولا يناسبه التعبير المذكور، كما يظهر بأقل تأمل. ومثله في الدلالة خبر أبي مريم الانصاري: " كنت مع أبي عبد الله (ع) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرجت عليه قطعة عذرة يابسة فاكفأ رأسه وتوضأ بالباقي " (* 4) بناء على أن المراد

 

 

____________

(* 1) الحج: 78. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 9 8 (* 4) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 12.

 

===============

 

( 145 )

 

بالعذرة عذرة الانسان، كما هو الظاهر. لكن قال شيخنا الاعظم (ره): " إن أحدا لا يرضى أن يتوضأ الامام (ع) من هذا ". بل لا يرضى أحد أن يستعمل الامام (ع) هذا الماء في مطلق الانتفاع فضلا عن الوضوء. بل قد ورد الامر بالاراقة لمثله في جملة من النصوص (* 1)، فلا بد من توجيه الرواية قلنا بالنجاسة أو الطهارة. فلا يبعد إذا حمل العذرة فيه على الروث الطاهر، أو الحمل على خطأ الراوي في اعتقاده أنها عذرة. وليس ذلك بأبعد من حمل الفعل على إرادة بيان الجواز على تقدير القول بالطهارة. ومثلهما في الدلالة خبر علي بن جعفر (ع): " عن جنب أصابت يده جنابة فمسحها بخرقه ثم ادخل يده في غسله هل يجزؤه ان يغتسل من ذلك الماء؟ قال (ع): إن وجد ماء غيره فلا يجزؤه ان يغتسل، وان لم يجد غيره أجزأه " (* 2). لكن التفصيل المذكور فيه مما لم يقل به أحد. مع أن مورده المتنجس. ولو أغمض النظر عن هذه المناقشات في الروايات المذكورة لم يجز الاعتماد عليها - بعد إعراض جماهير الاصحاب عنها، وصيرورة الحكم بالانفعال من الواضحات المتسالم عليها عند الامامية - فضلا عن معارضتها لما عرفت ليلتزم بالجمع العرفي، بحمل نصوص الانفعال على الكراهة، أو اختلاف مراتب النجاسة والطهارة، فانه تأباه نصوص الانفعال باختلاف مواردها وأحكامها وألسنتها، كما لعله ظاهر بالتأمل فيها. وليس ورود مثل هذه النصوص الا كورود غيرها في كثير من المسائل المعلوم حكمها نصا وفتوى مما علم وقوع الخطأ فيه، إما في أصالة الجهة، أو في أصالة صحة النقل،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 2، 4، 7، 10، 11، 14، وباب: 1 من ابواب الاسئار حديث: 4، 5. (* 2) لم نعشر عليه في الوسائل، راجع قرب الاسناد المطبوع في ايران سنة 1370 ه‍ صفحة: 48.

 

===============

 

( 146 )

 

أو غير ذلك، ولو بني على إعمال قواعد التعارض في مثله لزم تأسيس فقه جديد. ومنه سبحانه نستمد التأييد وهو حسبنا ونعم الوكيل. هذا وقد فصل استاذنا الاعظم (قدس سره) (* 1) بين النجس والمتنجس فبنى على طهارة الماء بملاقاء الثاني. إذ لا إجماع على الانفعال بملاقاته، ولا خبر دل عليه، خصوصا أو عموما، منطوقا أو مفهوما، لاختصاص الاخبار الخاصة بعين النجاسة وانسباقها من الشئ في الاخبار العامة - كما ادعي في خبر: " خلق الله الماء.. " (* 2) - ولا أقل من أنه القدر المتيقن. ولو سلم شمول المنطوق له فلا عموم في المفهوم، فان الظاهر أن يكون مثل: " إذا كان قد كر.. " (* 3) لتعليق العموم لا لتعليق كل فرد من أفراد العام، فيكون مفهومه إيجابا جزئيا والمتيقن عين النجاسة. ولو سلم عدم ظهوره في تعليق العموم فلا ظهور له في تعليق أفراد العام، وعموم: " خلق الله.. " يكون مرجعا، مضافا إلى استصحاب الطهارة أو قاعدتها. أقول: أما نفي الاجماع، فهو خلاف إطلاق معاقد الاجماعات المدعاة على انفعال الماء القليل. وستأتي أيضا حكاية الاجماع على تنجيس المتنجس - مطلقا - من جماعة كثيرة. وفي المحكي في جملة من عباراتهم دعوى الضرورة عليه. وأما أنه لا خبر يدل عليه، ففيه: أنه ظاهر جملة من النصوص كصحيح شهاب عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في

 

 

____________

(* 1) المحقق الخراساني (ره). (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 1، 2، 5، 6.

 

===============

 

( 147 )

 

الاناء قبل أن يغسلها أنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ " (* 1) وقوية أبي بصير عنه (ع): " سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال (ع): إن كانت يده قذرة فاهرقه وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه. هذا مما قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " (* 2) ونحوهما حسنة زرارة (* 3) وموثقة سماعة (* 4) وخبر علي بن جعفر (ع) (* 5). وفي صحيح البزنطي: " سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة. قال (ع): يكفئ الاناء " (* 6) نعم قد يعارضها موثق أبى بصير المتقدم في أخبار الانفعال، فان صدره وان كان موافقا لما سبق، إلا أن التقلييد في ذيله بقوله (ع): " وفيها شئ من ذلك " يقتضى اشتراط الانفعال بملاقاة عين النجاسة. وكذا خبر ابن جعفر المتقدم في أخبار الاعتصام. لكن لا يبعد أن يكون المراد من الاول: " وقد كان فيها " ولو بقرينة ظهور كون الذيل تصريحا بمفهوم الشرط السابق في الصدر، أو بقرينة ظهور الاجماع على الانفعال بالمتنجس وأما الثاني فلو لم يدل على النجاسة لم يدل على الطهارة أيضا، إذ التفصيل لا يقول به أحد كما عرفت. وأما أن الشرط في أخبار الكر لتعليق العموم. (ففيه): أنه لو سلم كونه مقتضى التركيب في نفسه، فالظاهر منه في المقام كونه لتعليق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 26 من ابواب الجناية حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 9. (* 5) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 13. (* 6) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 7.

 

===============

 

( 148 )

 

[ من الدم الذي لا يدركه الطرف (1) ] الافراد، بقرينة وروده مورد بيان حكم النجاسات المختلفة من بول الدواب وولوغ الكلاب، واغتسال الجنب، ودخول الدجاجة، والحمامة، وقد وطئت العذرة، التي قصد السؤال عن انفعال الماء بها، وبأمثالها من النجاسات والمتنجسات التي من شأنها التنجيس وليس واردا في خصوص النفي في مقابل الاثبات في الجملة، ولا في خصوص الاعيان المذكورة، كما يظهر بالتأمل. وعلى هذا فلا مجال للرجوع إلى عموم: " خلق الله الماء.. "، ولا إلى استصحاب الطهارة، أو قاعدتها. (1) عن الشيخ في الاستبصار طهارة الماء القليل عند ملاقاة مالا يدركه الطرف من الدم، كرؤوس الابر، وعن غاية المراد نسبته إلى كثير من الناس. لصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): " عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال (ع): إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس وان كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه " (* 1). والطعن في سنده بأن فيه محمد بن أحمد العلوي المجهول غير ظاهر - لو سلم - فانه مروي في الكافي بطريق صحيح ليس فيه العلوي الموجود في طريق الشيخ. ومثله الطعن في دلالته بأن إصابة الاناء لا تقتضي إصابة الماء. فان الظاهر منه إصابة نفس الماء، كما قد يشهد به لسان الجواب. نعم مورده أخص من المدعى، ومعرض عنه عند المشهور، فيسقط بذلك عن الحجية. إلا أن يقال: إن ظاهره عدم الانفعال بما لا يكون مرئيا من أجزاء الدم، وهذا هو مقتضى الاصل إذ لا دليل على نجاسة الذرات الدموية التي لا يدركها الطرف، لعدم ثبوت كونها دما عرفا، نظير الاجزاء المائية

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق حديث: 1.

 

===============

 

( 149 )

 

[ سواء كان مجتمعا أم متفرقا مع اتصالها بالسواقي (1). فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء واتصلت بالسواقي، ولم يكن المجموع كرا، إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع، وان كان بقدر الكر لا ينجس، وان كان متفرقا على الوجه المذكور، فلو كان ما في كل حفرة دون الكر وكان المجموع كرا، ولاقى واحدة منها النجس، لم تنجس، لاتصالها بالبقية. (مسألة 1): لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا على النجاسة (2) أو موردا. ] المنتشرة في البخار. لا أقل من انصراف دليل النجاسة عنها، أو دليل انفعال الماء بملاقاة النجاسة. وعلى هذا فان كان هذا هو مراد الشيخ (ره) فلا بأس به. وفي المبسوط جزم بعدم انفعاله بما لا يمكن التحرز منه، مثل رؤوس الابر من الدم وغيره، لانه لا يمكن التحرز عنه. انتهى. فان أراد ما ذكرنا ففي محله أيضا. وان أراد غيره فهو خلاف إطلاقات الانفعال والتعليل الذي ذكره غير ظاهر صغري وكبري. (1) لا طلاق الادلة. خلافا للمحكي عن المعالم من اعتبار الاجتماع وكأنه لدعوى الانصراف. لكنه - على تقدير ثبوته - بدوي لا يرفع الاطلاق هذا مع تساوي السطوح، أما مع الاختلاف فسيأتي. (2) خلافا للسيد المرتضى (ره) في الناصريات، والحلي في السرائر بل جعله الصحيح المستمر على أصل المذهب وفتاوي الاصحاب. قال السيد (ره): " والوجه فيه: إنا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر إلا بايراد كر من الماء عليه، وذلك يشق، فدل على أن الماء الوارد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة

 

===============

 

( 150 )

 

[ (مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف ومائتا رطل بالعراقي (1) ] كما يعتبر في ما يرد عليه النجاسة ". لكنه ليس في الحقيقة تفصيلا بين الوارد والمورود، بل هو قول بطهارة خصوص المستعمل في التطهير، ولو كان مورودا، بناء على عدم اعتبار الورود فيه. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في حكم ماء الغسالة التعرض للوجه الذي ذكره. (1) على المشهور. لمرسلة ابن أبي عمير بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع): " الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ الف ومائتا رطل " (* 1) بحمل الرطل فيها على العراقي، بقرينة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " قال: والكر ستمائة رطل " (* 2) بحمل الرطل فيها على المكي - الذي هو ضعف العراقي - بقرينة المرسلة الاولى، حيث يدور الامر بين الجمع بينهما بذلك وبين طرح إحداهما، والاول متعين عرفا، فان الاخذ بالتعيين حيث يدور الامر بينه وبين الطرح أولى من الاخذ بالتخصيص حيث يدور الامر بينه وبينه، إذ التخصيص لا يخلو من ارتكاب خلاف الظاهر، بخلاف تعيين المشترك في أحد معانيه. فان قلت: كل واحدة من الروايتين ليس لها ظاهر حجة، كي يدور الامر بين طرحه وبين التعيين. (قلت): بلى كل واحدة منهما نص في أحد المعاني على البدل، وانما لا يكون لها ظاهر في واحد بعينه، فلو حملت المرسلة على غير الرطل العراقي كانت الصحيحة منافية لها على أي معنى حمل الرطل فيها، فيتعين حمل الرطل فيها على العرافي وكذا القول في الصحيحة فانها لو حملت على غير المكي لنافتها المرسلة على أي معنى حمل الرطل فيها، فيتعين حمل الرطل فيها على المكي. فيكون تعيين أحد المحتملات في كل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب الماء المطلق حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب الماء المطلق حديث: 3.

 

===============

 

( 151 )

 

واحدة منهما لئلا يلزم طرح النص من الاخرى. هذا مضافا إلى ما قيل من دعوى الاجماع على عدم كون الكر ستمائة رطل بالعراقي والمدني، وهو قرينة على حمل رواية الستمائة على المكي، فتكون هي قرينة على حمل المرسلة على العراقي. بل لا حاجة إلى الحمل المذكور، لان الستمائة بعد حملها على المكي تكون ألفا ومائتين بالعراقي، وان بقيت المرسلة على اجمالها. نعم رواية ابن جعفر (ع) (10) الواردة في ألف رطل وقع فيها أوقية من بول، المتضمنة أنه لا يصلح شربه ولا الوضوء منه، بناء على ظهورها في الرطل المدني - بقرينة كونه مدنيا - تنافي حمل المرسلة على العراقي. وكأنه لذلك ذهب الصدوقان والمرتضى قدس سرهم - على ما حكي - إلى كون الكر ألفا ومائتين بالمدني. لكن هذه القرينة غير ظاهرة، إذ من المحتمل استعمال الرطل شائعا في المدينة في العراقي كما يستعمل في المدنى. بل قد يظهر من رواية الكلبي النسابة (* 2) أن الاستعمال في العراقي أشيع. فتأمل. وأشكل من ذلك دعوى تعين حمل المرسلة على الرطل العراقي، بقرينة أن ابن أبي عمير كوفي، ومشايخه من أهل الكوفة، وحمل الصحيحة على الرطل المكي، بقرينة أن ابن مسلم من أهل الطائف. وجه الاشكال (أولا): ما عرفت من احتمال استعمال الرطل شائعا في كل من المقادير الثلاثة (وثانيا): أنه لم يثبت وجوب حمل الكلام على عرف السامع في قبال عرف المتكلم. مع أن ابن مسلم من أهل الكوفة، كما يظهر بمراجعة ترجمته في كتب الرجال. وكون المراد من بعض أصحابنا في كلام ابن أبي عمير

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

 

===============

 

( 152 )

 

[ وبالمساحة ثلاثة واربعون شبرا إلا ثمن شبر (1) ] بعض الكوفيين غير واضح. (1) على الاشهر أو المشهور. لموثق أبى بصير أو صحيحه: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال (ع): إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا (ونصف خ ل)، في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الارض، فذلك الكر من الماء " (* 1). والمناقشة في السند لا تهم بعد كون الحديث موثقا ولاسيما بعد اعتماد المشهور عليه. نعم تشكل دلالته بعدم التعرض فيه للبعد الثالث. ودعوى: حذفه من العمق لدلالة ما قبله عليه، غير ظاهرة. كدعوى أن قوله (ع) ثانيا: " ثلاثة أشبار " ليس بدلا من قوله: " مثله " بل هو معطوف على: " مثله " والتقدير: " وفي ثلاثة أشبار.. " فيكون بيانا لتقدير العمق. بل في الجواهر: أنه عثر على نسخة مقروءة على المجلسي الكبير مصححة هكذا: " في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه ". إذ تشكل: بأن تقدير العاطف خلاف الاصل. والنسخة التي عثر عليها في الجواهر لا يعتمد عليها في قبال النسخ المعروفة حتى أن المجلسي الكبير (ره) صار في مقام توجيه الدلالة بجعل: " ثلاثة أشبار " الثانية خبرا ثانيا ل‍ " كان " لا بدلا من: " مثله "، على ما حكاه عنه ولده الاعظم (قده) في مرآة العقول: ولو كانت هذه النسخة صحيحة لما احتاج إلى هذا التوجيه الذي هو خلاف الظاهر كغيره من التوجيهات التى اعترف في مرآة العقول: بأن ارتكابها إنما يسوغ بعد البناء على كون المراد بيان تحديد الجهات الثلاث، إذ تحديد البعض واهمال الباقي لا معنى له. والحمل على القطر - المبني على فرض نادر الوقوع وهو الحوض المدور - بعيد غاية العبد، وأنه لولا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

 

===============

 

( 153 )

 

ذلك لكان من الاستدلال المبني على الاحتمال. انتهى. (أقول): بل هو من الاستدلال بخلاف الظاهر. وأما ندرة الشكل المدور في الماء فغير ظاهرة. ولاسيما بملاحظة أن المدور مقتضى طبع الماء فتأمل. مع أن تساوي خطوط السطح لا تختص بالمربع بل تكون في المسدس، والثمن، وغيرهما من الاشكال. فالحمل على المربع بخصوصه غير ظاهر، ولا قرينة عليه. ومقتضى إطلاق الكلام الحمل على المدور، فانه الذي تستوي فيه الخطوط من جميع النقاط بخلاف غيره من المضلعات، فان الخطوط فيه لا تستوي إذ هي بين الزوايا أطول منها بين الاضلاع. فاطلاق الاقتصار على بيان بعد واحد يقتضي الحمل على الاول. مع أن المدور ليس له - عرفا - إلا بعد واحد، لان تمايز أبعاده، بمجرد الفرض العقلي بخلاف المضلع، فان تمايز اضلاعه يستوجب تمايز ابعاده، سواء اتساوت - كالمربع والمسدس ونحوهما - أم اختلفت كالمستطيل. وهذه جهة اخرى تستوجب حمل الكلام على المدور دون غيره من الاشكال. (وبالجملة): تساوي الخطوط في المدور من جميع النقاط مع كونه عرفا له بعد واحد يستوجبان حمل الكلام غير المتعرض إلا لبعد واحد عليه دون غيره لفقد كل من الامرين المذكورين فيه، كما لعله ظاهر بالتأمل. وأما ما ذكره في الجواهر، من أن الحمل على المدور حمل على مالا يعرفه إلا الخواص من علماء الهيئة، فيمتنع. ففيه: أنه إنما يتم لو كان المقصود بيان نتيجة ضرب الابعاد بعضها ببعض، لكنه غير ظاهر، بل المراد ذكر علامة على الكر، وهي أن يكون قطره ثلاثة ونصفا وعمقه كذلك، وهو شئ يعرفه أجهل العوام. ولو كان المراد بيان حاصل ضرب الابعاد كان المناسب - بل المتعين - أن يقول (ع): " ثلاثة وأربعون شبرا إلا ثمن شبر " فانه أصرح، وأخصر، وأفيد.

 

===============

 

( 154 )

 

هذا وقد يستدل على المشهور أيضا برواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (ع): " إذا كان الماء في الركي كرا لم ينحسه شئ. قلت: وكم الكر؟ قال (ع): ثلاثة أشبار ونصف عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها " (* 1) بناء على ما تقدم في تقريب الاول من الاكتفاء بذكر أحد البعدين عن ذكر الآخر، الذي عرفت ما فيه من أنه خلاف الظاهر. أو لان الطول إما مساو أو اكثر، والمتيقن الاول. وفيه: أن هذا لا يقتضي الظهور في الاقل. مع أن الطول لا يكون مساويا للعرض، واستعماله فيه مبني على المسامحة، فالعرض في الرواية الشريفة بمعنى السعة، نظير قوله تعالى: (وجنة عرضها كعرض السماء والارض) وقد عرفت أن اطلاق كون سعة السطح ثلاثة ونصفا منزل على المدور، ولاسيما في الرواية التي موردها الركية التي هي غالبا من المدور، كما قيل، وان كان لا يخلو من تأمل.. وعلى هذا يكون ظاهر الروايتين حصول الكر في ثلاثة وثلاثين شبرا وخمسة أثمان الشبر ونصف ثمنه، بمقتضى ما ذكر في معرفة مقدار المدور من أنه ينقص عن المربع بسبع ونصف سبع، فان التفاوت بين ما ذكرناه وما هو المشهور سبع ونصفه. لا ما ذكر في الجواهر من أن تنزيلها على المدور يقتضي كون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 8 هكذا رواه في الوسائل القديمة، وهو كذلك في الكافي والتهذيب والوافي وزاد في الوسائل الحديثة ذكر الطول، فقال: " ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها ". ولعله تبع فيه الاستبصار المطبوع في النجف الاشرف أخيرا، فيكون دليلا صريحا للمشهور ولا يتم ما ذكره قدس سره في رد الاستدلال به. لكن في الوسائل في باب: 10 من ابواب الماء المطلق حديث: 5 قال بعد ذكر ذيل الحديث: " ذكر العرض يغني عن ذكر الطول لانه لابد أن يساويه أو يزيد عليه " وهو صريح في عدم اشتمال الحديث على بعد الطول.

 

===============

 

( 155 )

 

الكر اثنين وثلاثين شبرا وثمنا وربع ثمن. وكأنه لتوهم كون قطر الدائرة ثلث محيطها، مع أن المذكور في محله أن المحيط ثلاثة أمثال القطر وسبع فيكون محيط الدائرة التي يكون قطرها (ثمانية) خمسة وعشرين وسبعا، لا أربعة وعشرين. فإذا كان قطر سطح الماء المدور الشكل ثلاثة أشبار ونصفا، فضرب نصفه في نصف المحيط الذي هو أحد عشر شبرا، ثم ضرب الحاصل في العمق الذي هو ثلاثة ونصف، كان الحاصل ما ذكرنا - الذي ذكره الوحيد (ره) لا ما في الجواهر. هذا وفي المدارك استوجه العمل بصحيحة اسماعيل بن جابر: " قلت لابي عبد الله (ع): الماء الذي لا ينجسه شئ؟ قال (ع): ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (* 1) مستظهرا من اعتبار الذراع والشبر في السعة اعتبارهما في كل من البعدين. ولم يتعرض لمقدار الذراع. فان كان شبرين - كما يظهر من بعض أخبار المواقيت (* 2)، ويساعده الاختبار - يكون الكر ستة وثلاثين شبرا حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة، والحاصل في أربعة العمق. وان كان الذراع قدمين - كما يظهر من جملة من أخبار ذلك الباب (* 3) - يكون الكر اثنين وخمسين شبرا تقريبا، لان القدم يزيد على الشبر بسدس تقريبا. هذا ولما عرفت ظهور مثل هذا التحديد في تحديد بعدين لا غير، وأنه منزل على الشكل المدور، تعرف أن مقتضاها كون الكر ثمانية وعشرين شبرا وسبعين بناع على أن الذراع شبران، وأربعين شبرا تقريبا، بناء على أنه قدمان.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب مواقيت الصلاة حديث: 18. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب مواقيت الصلاة حديث: 3 وقد يستفاد من غيره من اخبار الباب وغيرها.

 

===============

 

( 156 )

 

والمحكي عن القميين وجماعة من المتأخرين - كالعلامة في المختلف، والشهيد الثاني في روض الجنان والروضة. والاردبيلي في مجمع البرهان، والسيد بحر العلوم في سياق أخبار القلتين في المصابيح (* 1) وغيرهم -: أنه سبعة وعشرون شبرا لرواية إسماعيل بن جابر: " سألت أبا عبد الله (ع) عن قدر الماء الذي لا ينحسه شئ. فقال (ع): كر. قلت: وكم الكر؟ قال (ع): ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " (* 2). وقد وصفت هذه الرواية بالصحة في كلام جماعة، بل عن البهائي أنها موصوفة بالصحة من زمن العلامة - رحمه الله - إلى زماننا. انتهى. والظاهر أن الوجه في ذلك أن الشيخ (ره) رواها في الاستبصار وموضع من التهذيب. عن عبد الله بن سنان. لكن في الكافي رواها عن ابن سنان وقد استظهر غير واحد أنه محمد. وعن موضع من التهذيب، أنه رواها عن محمد بن سنان. ومن المستبعد كونهما معا روياها. ولاجل ذلك يشكل الحكم بصحة الرواية، كما يشكل انجبارها بعمل الجماعة بعد ظهور خطئهم في اعتقادهم صحة سندها. كما يشكل انجبارها بعمل القميين. لعدم ثبوته، فان مضمونها وان نسب إلى القميين في كلام جماعة - كالحلي والعلامة والشهيدين، وغيرهم - على ما حكي، لكنه في المنتهى خصه بابن بابويه، وفي الخلاف نسبة الاول إلى جميع القميين وأصحاب الحديث. فالعمدة: أن الظاهر جواز العمل باخبار محمد بن سنان لثبوت وثاقته. فلا ينبغى التوقف عن العمل بها من جهة السند. وأما الطعن في دلالتها، فيندفع بشيوع الاكتفاء بذكر البعدين عن

 

 

____________

(* 1) لكن السيد في مفتاح الكرامة بعد أن قال: " وهو (يعني تحديد الكر بسبعة وعشرين شبرا) مختار الاستاذ الشريف أيده الله تعالى حيث قال: والانصاف ترك الانصاف " قال: " لكن عدل عنه في الهداية " فراجع (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 7.

 

===============

 

( 157 )

 

ذكر البعد الثالث فيما لم ينص على بعد بعينه. وبذلك افترقت هذه الرواية عن السوابق للتنصيص فيها على العمق والعرض والسعة، بخلاف هذه الرواية. مع تأيدها أو اعتضادها بالمرسل عن المجالس والامالي: أنه ثلاثة طولا في ثلاثة عرضا في ثلاثة عمقا (* 1). وبالاجماع على عدم كون الكر أقل من سبعة وعشرين، فيمتنع حملها على المدور. واحتمال سقوط لفظ النصف منها، لا يعتد به. لانه خلاف الاصل كما أن إعراض المشهور عنها لا يصلح موهنا لها. لاحتمال أن يكون لبعض الوجوه المرجحة لغيرها عليها في نظرهم. نعم لو بني على إعمال قواعد التعارض بين النصوص لتعذر الجمع العرفي بينها، يتعين العمل بصحيحة اسماعيل بن جابر، المتضمنة للذراع والشبر - التي تقدم ظهورها في المستدير - لانها أصح الاخبار - كما قيل - لولا أن تسقط عن الحجية باعراض الاصحاب عنها، قال في المنتهى - بعد ذكر الصحيحة المذكورة -: " وتأولها الشيخ على احتمال بلوغ الارطال وهو حسن، لانه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار ". فيبقى التعارض بين خبر ابى بصير المتقدم في دليل المشهور، وبين رواية اسماعيل التي هي مستند ابن بابويه. ولا يبعد كون سند الاول أوثق فيترجح. وقد عرفت ظهوره في المدور. وأنه عليه يكون الكر أربعة وثلاثين شبرا إلا ثمنين ونصف ثمن. هذا بناء على تعذر الجمع العرفي بين النصوص، لورودها في مقام التقدير، الذي يمتنع فيه الاختلاف، للزوم وحدة القدر، فاختلافها فيه يستوجب التعارض. لكن هذا المبنى غير ظاهر في المقام، لتحقق الاختلاف بين نصوص الوزن ونصوص المساحة اختلافا واضحا. إذ المحكي عن الامين الاسترابادي:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب الماء المطلق حديث: 2.

 

===============

 

( 158 )

 

أنه وزن ماء المدينة فكان يساوي ستة وثلاثين شبرا تقريبا، وظاهر مرآة العقول للمجلسي (ره): أن وزنه يساوي ثلاثة وثلاثين شبرا تقريبا، ووزن ماء النجف في هذه الازمنة جماعة فكان وزنه يساوي ثمانية وعشرين شبرا تقريبا، وبعض الافاضل منهم ذكر أنه يساوى سبعة وعشرين وشبرا. وهذا الاوزان لا توافق المشهور في المساحة. ومن العجيب أن المشهور ذهبوا إلى أن الرطل في التقدير بالوزن عراقي، وأن مساحة الكر ثلاثة واربعون إلا ثمنا، مع ما بينهما من التفاوت الظاهر. وأن الصدوقين ذهبا إلى أن الرطل مدني. وأن مساحة الكر سبعة وعشرون مع ما بينهما أيضا من التفاوت الظاهر. وقد كان الانسب للمشهور في المساحة الرطل المدني والانسب لمذهب القميين في المساحة الرطل العراقي، فجمع كل من المشهور وغيرهم بين المذهبين في تقديري الوزن والمساحة جمع بين المتنافيين. ولابد من علاج هذا التنافي كالتنافي بين نصوص التقديرين. والتنافي في الفتاوى أشكل وأبعد. والظاهر انحصار العلاج بجعل الاكثر عندهم علامة على وجود الاقل، نظير ما ذكرنا في تقدير حد الترخص بخفاء الجدران وخفاء الاذان، حيث اخترنا أن الحد خفاء الاذان، وأن خفاء الجدران علامة على تحقق الحد ولو قبله. فيكون مراد المشهور من تقدير الكر بالمساحة كونها علامة على وجود الكر، وان قدره الحقيقي هو الوزن لا غير، فيكونون قد تصرفوا باخبار المساحة بحملها على كونها علامة على وجود المقدر. كما أن مراد القائلين بالقول الآخر من تقديري الكر بالوزن كونه علامة على وجود الكر، وأن قدره الحقيقي ما كان بالمساحة فيكونون قد تصرفوا بأخبار الوزن بحملها على كونه علامة على وجود المقدر. فإذا كان بناء الاصحاب على التصرف في نصوص التقدير على كل

 

===============

 

( 159 )

 

حال، لم تكن نصوص التقدير بالمساحة في نفسها متعارضة، لامكان أن يكون كل واحد من تلك التحديدات المشتملة عليها علامة. ولا يقدح في ذلك اختلافها بالقلة والكثرة، بدعوى لغوية جعل الاكثر علامة في ظرف جعل الاقل. لان ذلك الاختلاف في نتيجة ضرب الابعاد، لا في نفس الاشكال المختلفة، وإلا فهي متباينة، والمجعول علامة ليس هو النتيجة. ويؤيد ذلك أنك لا تجد رواية من روايات الباب تعرضت لذكر النتيجة. بل الجميع تضمن التقدير بخصوص المساحة الخاصة، ولو كان المقصود التقدير بالنتيجة كان ذكرها هو المتعين، فانه أصرح وأخصر وأفيد كما عرفت. لكن لما كان تطبيق النتيجة من الامور الصعبة على اكثر الناس أهمل التعرض لها، فلم تجعل بيانا للمقدار ولا علامة على وجود المقدر أصلا. وانما ذكر في البيان الشكل الخاص لسهولة معرفته وترتب الفائدة على بيانه، والاشكال كلها متباينات، فلا مانع من أن يكون كل واحد منها علامة على وجود الكر المقدر حقيقة بالوزن، لا أنه تقدير للكر. وعلى هذا لا مانع من العمل بجميع نصوص المساحة بعد ما كان كل واحد منها جامعا لشرائط الحجية. نعم قد يشكل الامر في رواية اسماعيل التي هي معتمد القميين، من جهة أن المساحة المذكورة فيها، ربما تكون أقل من الوزن، فلا تكون علامة عليه. وحينئذ لا يبعد الالتزام بأن الوزن المذكور أيضا علامة، فيكون مقدار الكر الاصلي ما يساوي سبعة وعشرين شبرا، والوزن علامة عليه. كما تقدم في مذهب الصدوقين في التقديرين. ويؤيد ذلك أن المرتكز عند العرف أن الوزن الخاص لا يكون عاصما، وانما العاصم كثرة الماء وسعة وجوده، بحيث تكون الجهة العاصمة عندهم فيما يساوي السبعة والعشرين شبرا هو الكم الخاص، سواء كان وزنه ألفا ومائتي رطل أم

 

===============

 

( 160 )

 

ألفا وخمسائة رطل، وثقل الماء وخفته ليسا دخيلين في الاعتصام وعدمه. نعم لو ثبت أن بعض المياه الثقيلة وزنها المساوي لالف ومائتي رطل أقل من سبعة وعشرين شبرا، أشكل ما ذكرنا من كون الوزن علامة على بلوغ الاشبار المذكورة لتخلفه عنها. فلابد إما من الالتزام بكونها علامة عند الشك، فتكون امارة على قدر الاشبار المذكورة مع الجهل بوجوده لا مع العلم بعدم وجوده، بل العمل حينئذ يكون على العلم، لامتناع جعل الامارة بخلافه. وإما من الالتزام بأن الكرية العاصمة عبارة عن الجامع بين بلوغ الاشبار السبعة والعشرين، وبين بلوغ المقدار الخاص من الوزن. فالماء الواجد لاحدهما يكون كرا وان فقد الآخر. ولا يبعد البناء على الثاني، فان حمل الدليل عليه اولى من التصرف فيه بحمله على الحكم الظاهري، أو تقييد كل منهما بالآخر. والمتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أن تقدير الاصحاب للكر بالوزن يغاير تقديره بالمساحة (الثاني): أن المقدار الواحد لا يقبل تقديرين فيتنافى الدليلان المشتملان على التقديرين (الثالث): أنه لابد من علاج هذا التنافي في الفتاوى، وأن الاظهر فيه حمل التقدير المساحتي المشهوري على العلامة والتقدير الوزني على الحد الحقيقي الاصلي والعكس يكون الحمل على مذهب الصدوقين. (الرابع): أن هذا التصرف بعينه جار في النصوص المتضمنة للمساحة التي هي اكثر من الوزن، وفي الوزن الذي هو اكثر من المساحة. لكن لو ثبت أن بين أقل المساحات وبين الوزن عموما من وجه. كمساحة السبعة والعشرين شبرا، فالمتعين كون القدر هو الجامع بين الوزن وبينه، فإذا حصل أحدهما حصل الكر، وان لم يحصل الآخر. ومما ذكرنا تعرف مواقع النظر في كثير من الكلمات في المقام. ومنه سبحانه نستمد الاعتصام، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

===============

 

( 161 )

 

[ فبالمن الشاهي (1) - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا (2) - يصير أربعة وستين منا إلا عشرين مثقالا (3). ] (1) المشهور أن الرطل العراقي مائة وثلاثون درهما. وتدل عليه رواية ابراهيم بن محمد الهمداني في مكاتبة أبي الحسن صاحب العسكر (ع) إليه في الفطرة، أنها ستة أرطال برطل المدينة قال: " والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما " (* 1). بضميمة رواية جعفر بن ابراهيم المذكور في مكاتبته إلى أبي الحسن (ع) وفيها: " الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي " (* 2). ورواية علي بن بلال في مكاتبته إلى الرجل في الرجل في الفطرة: " فكتب (ع) ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي " (* 3) وعن النهاية وفي المنتهى: أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع. ولم يعرف له مستند. نعم يظهر من رواية المروزي (* 4) - المتضمنة كون المد مائتين وثمانين درهما - أنه مائة وأربعة عشرون درهما وأربعة اتساع. لكنه لم يحك العمل بها إلا من المقنع. فالعمل على المشهور. وعليه يكون الكر مائة وستة وخمسين الف درهم. ومقتضى ما ذكروه من أن العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، يكون الكر مائة الف وتسعة آلاف ومائتين مثقالا شرعيا. ومقتضى أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، يكون الكر واحدا وثمانين ألفا وتسعمائة مثقال صيرفي. (2) يعنى: صيرفيا. (3) لانه إذا ضرب عدد الامنان في عدد المثاقيل المذكورة، يكون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب زكاة الفطرة حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب زكاة الفطرة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب زكاة الفطرة حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 50 من ابواب الوضوء حديث: 3.

 

===============

 

( 162 )

 

[ (مسألة 3): الكر بحقة الاسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالا - مائتا حقة واثنتان وتسعون حقة ونصف حقة. (مسألة 4): إذا كان الماء أقل من الكر ولو بنصف مثقال، يجري عليه حكم القليل (1). (مسألة 5): إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل (2) كالعكس. نعم لو كان جاريا من الاعلى إلى الاسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل (3)، من غير فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي. ] الحاصل زايد على مقدار الكر من المثاقيل الصيرفية بعشرين مثقالا. ومنه يعلم ما ذكر في المسألة الآتية. (1) إذ ظاهر أدلة التقدير بالوزن، أو المساحة، كونه تحقيقيا لا تقريبيا فلا مجال للمسامحة فيه حينئذ. (2) بلا إشكال. لاطلاق أدلة الانفعال، المنزل على المرتكز العرفي. (3) إجماعا، حكاه جماعة في روض الجنان، ومصابيح العلامة الطباطبائي (ره) ومقابيس المحقق التستري (ره)، والجواهر وغيرها - على ما حكي عن بعضهم - بل عن الاول: أن سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة. وان كان فيه تأمل ظاهر ضرورة معقوليتها لو قام دليل عليها. ولعل المراد - كما قيل - انها غير مفهومة من الدليل الدال على انفعال القليل لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي عليه في القذارات العرفية، كما أشرنا إليه آنفا. وهو واضح مع العلو التسنيمي والتسريحي الشبيه به، أما في غير ذلك فلا يخلو من تأمل. والرجوع إلى العموم مع الشك - كما استوضحه شيخنا الاعظم (ره) - غير واضح، لان دليل الانفعال إنما يدل على سراية

 

===============

 

( 163 )

 

[ (مسألة 6): إذا جمد بعض ماء الحوض والباقي لا يبلغ كرا، ينجس بالملاقاة ولا يعصمه ما جمد (1). بل إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس أيضا. وكذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكر فانه ينجس بالملاقاة، ولا يعتصم بما بقي من الثلج. (مسألة 7): الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل (2) على الاحوط، ] النجاسة إلى جميع أجزاء الماء بتوسط الارتكاز العرفي، وإلا فنجاسة الماء بملاقاة النجاسة أعم من نجاسة الجزء الملاقي فقط - كما في الجامدات - ومن نجاسة الجميع بالسراية، وحمله على الثاني إنما كان بقرينة الارتكاز العرفي، فإذا كان الارتكاز مجملا كان الاحكم بالسراية بلا قرينة، فيرجع إلى عموم اعتصام الماء، أو استصحاب الطهارة. (1) لان السيلان معتبر في مفهوم الماء عرفا، فمع الجمود لا يصدق. لا أقل من انصراف مفهوم الماء عنه، فلا يدخل في اطلاق أدلة احكام الماء. ومنه يظهر ضعف ما عن المنتهى، من الحاق الجامد بالمائع، وعن حواشي الشهيد: أنه الاقوي، وما في القواعد وعن التحرير من التوقف فيه. (2) إما لانه يستفاد من النصوص أن الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية مانعة عنه، فمع الشك في المانع يرجع إلى أصالة عدمه. وإما لان اناطة الرخصة - تكليفية كانت أو وضعية - بأمر وجودي، ويدل بالالتزام العرفي على اناطة الرخصة باحراز ذلك الامر، وانتفائها بعدم احرازه. وإما لان مقتضى العمومات انفعال الماء إلا الكر، فمع الشك في كرية الموجود يشك في مصداق الخاص، والعموم مرجع في الشبهات المصداقية. وإما لان

 

===============

 

( 164 )

 

أصالة عدم وجود الكر في المكان المعين كافية: في إثبات عدم كرية الماء الموجود، فيترتب حكمه وهو عدم الاعتصام. وإما لاصالة عدم الكرية الازلي، نظير أصالة عدم القرشية، لان الكرية وصف زائد على صرف وجود الماء، كوصف القرشية، وقد عرفت فيما سبق صحة جريان الاصل في العدم الازلي. لكن الاول: مبني على تمامية قاعدة الاقتضاء، والمحقق في محله عدمها والثاني: إن كان المراد منه أن إناطة الرخصة بالامر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الامر، واناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده فيكون المجعول حكمين: واقعيا منوطا بوجود ذلك الامر الواقعي وظاهريا منوطا بالشك فيه. فذلك مما لا يقتضيه ظاهر الدليل أصلا، وليست إناطة الرخصة بأمر إلا كاناطة المنع بأمر، ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوعه الواقعي. وإن كان المراد أن هناك قاعدة عقلائية ظاهرية، نظير جواز الرجوع إلى العام عند الشك في وجود الخاص. فهو أيضا غير ثابت. نعم إذا كان الاصل يقتضي انتفاء الامر المنوط به الجواز كان الاصل النافي له نافيا لحكمه وهو الجواز. ولكن هذا وجه آخر يأتي ويتوقف على جريان الاصل النافي للكرية. والثالث: يتوقف على أن مقتضى العموم انفعال الماء والخارج منه الكر. وهذا ليس بأولى من القول: بأن مقتضى العموم الاعتصام والخارج عنه القليل، كما يشهد به النبوي المشهور (* 1)، وجملة من النصوص المتقدمة في انفعال الماء القليل. مضافا إلى أن التحقيق، عدم مرجعية العام في الشبهات المصداقية. والرابع: يتوقف على القول بالاصل المثبت، لان موضوع الانفعال

 

 

____________

(* 1) وهو قوله صلى الله عليه وآله: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ.. " الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9.

 

===============

 

( 165 )

 

[ وان كان الاقوى عدم تنجسه بالملاقاة. نعم لا يجري عليه حكم الكر، فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى القاء الكر عليه (2)، ولا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه (2). ] الماء الذي ليس بكر الذي هو مفاد ليس الناقصة - لاعدم وجود الكر - الذي هو مفاد ليس التامة - واثبات الاول بالاصل الجاري لاثبات الثاني من العمل بالاصل المثبت. والخامس: يتوقف على أن الكرية من عوارض وجود الماء عرفا بنحو تصدق في الازل السالبة بانتفاء الموضوع، وليس كذلك، فانها نحو سعة في مرتبة الطبيعة، فلا يصح أن تشير إلى كر من الماء وتقول: هذا قبل وجوده ليس بكر كما لا يصح أن تقول: هؤلاء العشرة من الرجال قبل وجودهم ليسوا بعشرة، وهذا المثقال من الدقيق قبل وجوده ليس بمثقال. وليست الكرية منتزعة من صفات عارضة على وجود الماء. مثل الحمرة والصفرة ونحوهما. فليس المقام من موارد جريان الاصل في العدم الازلي، الذي عرفت فيما سبق صحة جريانه. (1) لان التطهير من أحكام الكر، فلا يترتب مع الشك في موضوعه بل يرجع إلى استصحاب النجاسة. نعم لو قام اجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم الظاهري، وقد كان الماءان ممتزجين على نحو يصدق أنهما ماء واحد. أمكن القول بحصول الطهارة للملقى عليه، لانه بعد تعارض استصحاب الطهارة في مشكوك الكرية، واستصحاب النجاسة فيما ألقي عليه، يرجع إلى قاعدة الطهارة فيهما. لكن الاجماع غير ثابت، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المتمم كرا بطاهر. (2) يعنى: إذا بنينا على الفرق بين الكر وغيره في شرائط التطهير من علو المطهر. والتعدد، والعصر، ونحوها، وقد فقد بعض تلك الشرائط

 

===============

 

( 166 )

 

[ وان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة (1). (مسألة 8): الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرية ان جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية، حكم بطهارته (2) وان كان الاحوط ] عند التطهير بمشكوك الكرية. لا يحكم بالطهارة، للشك في حصولها، الموجب للرجوع إلى استصحاب النجاسة. (1) لاستصحابها. والاشكال في الاستصحاب بتعدد الموضوع، يندفع بأن الكثرة والقلة من قبيل الحالات المتبادلة على موضوع واحد عرفا، وهو كاف في صحة الاستصحاب. (2) أما في صورة الجهل بالتاريخين. فلاصالة الطهارة، التي هي المرجع بعد تعارض أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية - المقتضية للطهارة - مع أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، المقتضية للنجاسة. هذا على المشهور، من جريان الاصل ذاتا في مجهول التاريخ، إذا كان الاثر مترتبا على عدمه في زمان الآخر، وان كان يسقط للمعارضة. أما بناء على التحقيق من عدم جريانه ذاتا، لان الشك فيه ليس في امتداد المستصحب وعدمه بل في اتصال المستصحب بوجود الحادث الآخر، من جهة الشك في التقدم والتأخر، ودليل الاستصحاب قاصر عن اثبات هذه الجهة - كما سيجيئ في أواخر مباحت الوضوء - فالمرجع أصالة الطهارة ابتداء، بناء على أنها المرجع في ملاقاة النجاسة لمشكوك الكرية، كما تقدم في المسألة السابقة. وبعض الوجوه المتقدمة للحكم بالنجاسة جار هنا أيضا. وأما في صورة العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة، فلاصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فانها تقتضي الطهارة.

 

===============

 

( 167 )

 

[ التجنب. وان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته (1). وأما القليل المسبوق بالكرية الملاقي لها، فان جهل التاريخان أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة (2)، مع الاحتياط المذكور. وان علم تاريخ القلة حكم بنجاسته. (مسألة 9): إذا وجد نجاسة في الكر، ولم يعلم أنها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها، يحكم بطهارته، إلا إذا علم ] (1) لاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، فيثبت موضوع النجاسة وهو ملاقاة ما ليس بكر. ولا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية، لعدم الشك في الملاقاة بالنسبة إلى الازمنة التفصيلية، وبالنسبة إلى الزمان الاجمالي وان كانت الملاقاة مشكوكة، لكن الشك فيها ليس من الشك في البقاء، الذي هو قوام الاستصحاب، كما عرفت. (2) أما مع الجهل بتاريخهما فلما تقدم من أن المرجع أصالة الطهارة. وأما مع العلم بتاريخ الملاقاة، فلاستصحاب الكرية إلى زمان الملاقاء. وقد عرفت أنه لا مجال لمعارضته باصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة. مع أنه لو جرى لم يثبت الملاقاة في حال القلة، فلا يثبت النجاسة. ومنه يظهر أنه لو علم تاريخ القلة، فاصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة وان كان صحيحا في نفسه، لكنه لا يثبت النجاسة إلا إذا أثبت الملاقاة حال القلة، وذلك موقوف على القول بالاصل المثبت، لان ثبوت الملاقاة حال القلة من اللوازم العقلية لعدم الملاقاة إلى زمان القلة. وأصالة تأخر الحادث لا أصل لها، إلا بمعنى أصالة عدم وجود الحادث في زمان الشك في وجوده، لا بمعنى أصالة وجوده في الزمان اللاحق. ومنه يشكل ما في المتن من الحكم بالنجاسة في الفرض، فان مقتضى ما ذكرنا هو الطهارة.

 

===============

 

( 168 )

 

[ تاريخ الوقوع (1). (مسألة 10): إذا حدثت الكرية والملاقاة في آن واحد حكم بطهارته (2)، وان كان الاحوط الاجتناب. ] (1) هذا مثل ما قبله في الحكم، بل هو هو بتفاوت يسير لا يوجب فرقا في الحكم. (2) لاطلاق قولهم (ع): " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (* 1) الشامل للملاقاة المقارنة واللاحقة. والتخصيص بالثانية فيه - مع أنه خلاف الاطلاق المؤيد بالارتكاز العقلائي في المانع، فانه يكفي عندهم في مانعية المانع عن أثر المقتضي مقارنته للمقتضي حدوثا، وليس سبق حدوث المانع دخيلا في مانعيته، كما هو ظاهر -: أنه لو حمل الدليل المذكور على الكرية السابقة على الملاقاة حدوثا لزم اعتبار (* 2) اللحوق في الملاقاة - يعني لم ينجسه شئ لو لاقاه بعد صيرورته كرا - وتقييد الجزاء بالملاقاة اللاحقة يستلزم تقييد المفهوم بها، لان حكم المفهوم نقيض حكم المنطوق، فإذا قيد الحكم في المنطوق بقيد تعين تقييد الحكم في المفهوم به، فيكون مفهوم القضية المذكورة: إذا لم يكن الماء قدر كر في زمان ينجسه الشئ الملاقي له بعد ذلك. فتكون صورة المقارنة خارجة عن كل من المنطوق والمفهوم، والمرجع فيها إما عموم طهارة الماء أو استصحاب الطهارة. فتأمل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة اخبار منها. (* 2) فان الملاقاة غير مصرح بها في الدليل، فضلا عن وصف كونها لاحقة للكرية، وانما تستفاد الملاقاة من انصراف الشئ في (الجزاء) إلى الملاقى، فاللحوق ان تمت استفادته من الدليل فهو ايضا للانصراف إلى الملاقي ملاقاة لاحقة، فيكون مفاد الشرطية: إذا كان الماء قدر كر في زمان لا ينجسه شئ لاقاه بعد ذلك. ومفهومها: إذا لم يكن قدر كر في زمان ينجسه شئ يلاقيه بعد ذلك. فتكون صورة التقارن خارجة عن المنطوق والمفهوم (منه قدس سره)

 

===============

 

( 169 )

 

[ (مسألة 11): إذا كان هناك ماءان أحدهما كر والآخر قليل، ولم يعلم أن أيهما كر، فوقعت نجاسة في أحدهما معينا أو غير معين لم يحكم بالنجاسة (1)، وان كان الاحوط في صورة التعين الاجتناب (2). (مسألة 12): إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس، فوقعت نجاسة لم يعلم وقوعها في النجس أو الطاهر، لم يحكم بنجاسة الطاهر (3). (مسألة 13): إذا كان كر لم يعلم أنه مطلق أو مضاف، فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته (4). وإذا كان ] جيدا. نعم لو كان لسان الدليل هكذا: كل ماء ينفعل بملاقاة النجاسة إلا ما كان كرا قبل الملاقاة. كانت صورة المقارنة داخلة في المستثنى منه لكنه ليس كذلك. (1) للشك في ملاقاتها للقليل، والمرجع استصحاب الطهارة سواء أكانت الملاقاة لمعين أم لغير معين. هذا إذا كانت الحالة السابقة مجهولة. أما إذا كانا معلومي الكرية سابقا، فاستصحاب الكرية المقتضي للطهارة هو المرجع. كما أنه لو كانا معلومي القلة، فاستصحابها كاف في الحكم بالنجاسة. (2) تخصيص الاحتياط بهذه الصورة غير ظاهر الوجه، لان اكثر الوجوه المقتضية للحكم بالنجاسة، المتقدمة في المسألة السابعة - من قاعدة المقضى المانع، والتمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وغيرهما - جار في صورتي تعين الملاقي وعدمه. (3) لانحلال العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما المردد، بالعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين، فلا مانع من الرجوع إلى استصحاب الطهارة. (4) للشك فيها، من جهة احتمال الاطلاق، والمرجع استصحاب

 

===============

 

( 170 )

 

[ كران أحدهما مطلق والآخر مضاف، وعلم وقوع النجاسة في أحدهما، ولم يعلم على التعيين، يحكم بطهارتهما (1). (مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الاقوى (2). ] الطهارة. نعم بعض الوجوه المتقدمة في المسألة السابعة للقول بالنجاسة مقتض له هنا أيضا. (1) أما مطلق فطهارته معلومة، لانه كر بالفرض. وأما المضاف فيحكم بطهارته ظاهرا، للشك في ملاقاته للنجاسة، فيرجع إلى استصحاب الطهارة. (2) كما هو المشهور، كما عن جماعة. وعن الوسيلة: الطهارة إن تمم بطاهر. ونسبه في المبسوط إلى بعض الاصحاب وقال: إنه قوي. أما إذا تمم بنجس ففي المبسوط: " لا شك أنه ينجس الكل ". لكن عن رسيات السيد والمراسم وجواهر القاضي وغيرها: الطهارة أيضا. وهو صريح السرائر. والعمدة من أدلتهم المرسل في المبسوط من قولهم (ع): " إذا بلغ الماء كرا لم يحمل نجاسة " (* 1)، وفي السرائر: " قول الرسول صلى الله عليه وآله المجمع عليه عند المخالف والمؤالف: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (* 2)، وأرسله السيد (ره) فيما عن المسائل الرسية، واستدل - مضافا إليه - بالاجماع على أن الماء المعلوم وقوع النجاسة فيه المشكوك سبقه على الكرية ولحوقه لها طاهر، فلولا بناؤهم على طهارة المتنجس ببلوغ الكرية لم يكن لذلك وجه. لكن الاجماع المذكور - على تقدير ثبوته وحجيته - إنما يثبت الطهارة فيما نحن فيه لو كان إجماعا على الطهارة واقعا في مورده، أما لو كان على

 

 

____________

(* 1) آخر صفحة 3 من المبسوط المطبوع في ايران. (* 2) صفحة: 8 سطر 14 من كتاب السرائر المطبوع في ايران.

 

===============

 

( 171 )

 

الطهارة ظاهرا فهو أجنبي عن المقام، لامكان أن يكون الوجه في مورده أصالة الطهارة، كما عرفته في المسألة الثامنة. أما المقام فلا مجال فيه لاصل الطهارة. أما في المتمم بنجس فواضح، لحكومة استصحاب النجاسة عليها وأما في المتمم بطاهر، فلان مقتضى عموم انفعال القليل نجاسة المقدار الطاهر المتمم للنجس كرا، لملاقاته لذلك النجس. وأدلة اعتصام الكر مختصة بالكر الملحوظ موضوعا للملاقاة، فلابد من ثبوت كريته في رتبة سابقة على الملاقاة، فلا يشمل ما نحن فيه. ومن ذلك يظهر أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى عموم: " خلق الله الماء طهورا.. " (* 1). لانه مخصص بأدلة انفعال القليل. كما لا مجال لمعارضة استصحاب الطهارة في المقدار الطاهر لاستصحاب النجاسة في المقدار النجس - بناء على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم واقعا وظاهرا - والرجوع إلى قاعدة الطهارة. وذلك لان الرجوع إلى الاصل إنما يكون مع عدم الدليل، وقد عرفت الدليل على النجاسة. مع أن ذلك إنما يتم بعد امتزاج الماءين، لا قبله بمحض الاتصال، لعدم ثبوت وحدة حكم الماءين حينئذ، كما يظهر مما ذكروه في الجاري والكثير إذا تغير بعضهما حيث ذكروا اختصاص النجاسة بالمتغير لا غير، كما تضمن ذلك النص في الكثير أيضا. مع أن الاجماع على الوحدة في الحكم ظاهرا غير ثابت، والمتيقن الوحدة في الحكم واقعا. وأما المرسل فضعف سنده بالارسال، واعراض المشهور عنه، يمنعان عن العمل به. وعمل ابن ادريس به مبني على اعتقاده رواية المؤالف والمخالف له، وقد قال المحقق: " والذي رواه مرسلا السيد والشيخ وآحاد ممن جاء بعده والمرسل لا يعمل به، وكتب الحديث عن الائمة (ع) خالية عنه أصلا. وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9.

 

===============

 

( 172 )

 

ابن حي، وهو زيدي منقطع المذهب. وما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا ". وأما السيد (ره) فلم يظهر منه الاعتماد عليه لولا الاجماع الذي ادعاه. بل من المحتمل أن يكون ذلك الاجماع قرينة عنده على صحته وثبوته. وكذلك القاضي في جواهره، فانه وان رواه عنهم (ع)، لكنه استدل على الطهارة في المتمم بطاهر - الذي هو موضوع كلامه - بأن الطاهر لا ينجس بالملاقاة للنجس، لصيرورته كرا، وبضميمة الاجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم يحكم بطهارة النجس. وأطال في النقض والابرام في اثبات ذلك. ومن الجائز أن يكون اعتماده عليه لذلك. مع أن اعتماد مثله غير كاف في حجية الخبر وأما الشيخ فانه وان ظهر من كلامه في المبسوط الميل إلى الطهارة، لكن ظاهر عبارة المبسوط أن النجاسة أقوى. فلاحظ كلامه. وبالجملة: وجود هذه الضمائم في كلمات الجماعة مانعة من الوثوق باعتمادهم على الخبر بحيث يخرج به عن القواعد. هذا مضافا إلى تأتي المناقشة في دلالته، لان قوله (ع): " لم يحمل خبثا " يحتمل - بدوا - أن يراد منه تشريع اعتصام الكر عن حدوث النجاسة، وانفعال ما دونه، فيكون مفاده منطوقا ومفهوما مفاد الرواية المشهورة: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (* 1). ويحتمل أن يراد منه الرفع، يعني: إذا بلغ الماء النجس كرا ارتفعت عنه النجاسة الثابتة له قبل البلوغ. ومفهومه - على هذا - دال على انحصار مطهرية الماء النجس بالبلوغ كرا، وبقاء النجاسة للماء بدون أن يبلغ كرا، فيكون حجة على بقاء نجاسته مهما شك في ارتفاعها لطروء أمر ما غير الكرية ولا مجال للرجوع إلى استصحابها إذ لا مجال للاستصحاب مع الدليل. وعلى هذا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة احاديث منها.

 

===============

 

( 173 )

 

المعنى تكون الرواية واردة في مقام تشريع البقاء والارتفاع، المترتب على تشريع الحدوث والعدم الذي هو مفاد الرواية المشهورة. وبالجملة: على هذا المعنى يكون قد صدر من الشارع المقدس تشريعان (أحدهما): تشريع الانفعال وعدمه منوطين بالقلة والكثرة، وهو مفاد الرواية المشهورة. (وثانيهما) تشريع بقاء الانفعال وارتفاعه منوطين بطروء الكرية وعدمه، وهذان التشريعان مترتبان، لترتب البقاء والارتفاع على الحدوث وتفرعهما عليه، فيكون كل من منطوق القضية الشرطية ومفهومها على المعنى الثاني متفرعا على مفهومها بالمعنى الاول. ولاجل ذلك يمتنع عرفا أن تكون الجملة المذكورة في مقام انشاء الحكمين المذكورين، بأن يراد من قوله (ع): " لم يحمل خبثا " أنه ان كان كرا لم ينفعل وإلا انفعل، وأنه إن كان كرا لم يبق فيه الانفعال، وإلا بقي. فحمل الرواية على إنشاء الحكمين معا متعذر. وحينئذ يدور الامر بين حملها على الاول - وهو الدفع - فتتحد مع الرواية المشهورة في المفاد، وبين حملها على الرفع فتخالفها فيه، وتكون متضمنة للتشريع الثاني. والاظهر الحمل على الاول، لان الحمل على الثاني يتوقف على تقييد الماء بالماء النجس قبل البلوغ كرا، والعبارة المناسبة له أن يقال: إذا بلغ الماء النجس كرا طهر، لامثل العبارة المذكورة. نعم لو كانت الجملة الشرطية المذكورة في الحديث خبرية، أمكن أن يراد منها المفادان معا. لكنه خلاف الظاهر. ومن ذلك يظهر عدم صلاحية الحديث المذكور لاثبات طهارة المتمم كرا بطاهر، فضلا عن المتمم بالنجس. كما يظهر أن التفصيل بينهما - كما عن الجماعة - اعتمادا على الحديث المذكور ضعيف، فانه لو تمت دلالته لم يكن فرق بين الفرضين، كما اختاره الحلي. اللهم إلا أن يكون الوجه في الفرق بينهما الاجماع على عدم

 

===============

 

( 174 )

 

الطهارة في النجس المتمم بنجس، كما يظهر من المبسوط، حيث نفى الشك في النجاسة فيه. لكن خلاف ابن ادريس قادح في جواز الاعتماد عليه. فتأمل. وأما معارضته - على تقدير تمامية دلالته - بما دل على انفعال القليل المقتضي للحكم بنجاسة الطاهر المتمم، المنافي للحكم بطهارته حين الملاقاة المقتضية للكرية، لامتناع الحكم بالطهارة والنجاسة لموضوع واحد في زمان واحد. ومجرد اختلاف مفاد الدليلين، من أجل أن أحدهما في مقام الدفع، والآخر في مقام الرفع، لا يجدي في رفع المنافاة المذكورة. (فيدفعها): أنه يمكن الجمع بين الدليلين بحمل الثاني على مجرد لاقتضاء دون الفعلية، فلا ينافي فعلية الطهارة، ويكون نظير الجمع بين دليلي العنوان الاولي والثانوي كما يظهر بالتأمل. والجمع بينهما بذلك أقرب من غيره من وجوه الجمع. وأشكل من ذلك معارضته بما تضمن النهي عن غسالة الحمام، كموثق ابن أبي يعفور عن الصادق (ع): " واياك أن تغتسل من غسالة الحمام، فقيها يجتمع غسالة اليهودي، والنصراني، والمجوسي، والناصب لنا أهل البيت، وهو شرهم، فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإن الناصب لنا - أهل البيت - لانجس منه " (* 1). إذ يدفعها قصور الدلالة على النجاسة مع بلوغ الكرية، لاجمال المراد من الغسالة، لان موردها من قبيل قضايا الاحوال، بقرينة ذكر اليهودي واخوته - ومن الجائز أن يكون مورد السؤال مالا يبلغ الكر. مع أن العمل بهذه الاخبار لا يخلو من اشكال، كما يأتي فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب الماء المضاف حديث: 5.

 

===============

 

( 175 )

 

[ فصل ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري (1)، فلا ينجس ما لم يتغير وان كان قليلا، سواء جرى من الميزاب، أو على وجه الارض، أم لا (2). ] فصل في الماء المطر (1) بذلك طفحت عباراتهم. بل استفاض نقل الاجماع عليه في الجملة صريحا وظاهرا. (2) كما هو المشهور. ويشهد له مرسلة الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) في حديث: " قلت: يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي وينتضح علي منه. والبيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا، قال (ع): مابذا بأس لا تغسله. كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر " (* 1) وصحيح هشام بن سالم: " أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال (ع): لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه " (* 2) فان الوكوف في الثاني وان كان ملازما للجريان غالبا، فلا يكون له اطلاق يشمل صورة عدم الجريان، إلا أن التعليل بقوله (ع): " ما أصابه.. " ظاهر في الاكتفاء بالمسمى إذا كان غالبا على النجاسة، والاخذ به لازم. وكذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 1.

 

===============

 

( 176 )

 

السيلان في الاول، وان كان لا يعم صورة عدم الجريان. وقوله (ع): " كل شئ يراه.. " غير ظاهر في الاعتصام، لان المطهرية أعم منه ولذا يقال بنجاسة ماء الغسالة ولو طهر المحل بها ولذلك قد تشكل دلالته على المشهور. إلا أن قوله (ع): " كل شئ يراه.. " لما كان مسوقا مساق الكبرى الكلية للجواب بنفي البأس، دل على عموم نفي البأس لكل ما يسمى ماء المطر، وان لم يكن جاريا. هذا وقد ينسب إلى ابن حمزة اعتبار الجريان. والى التهذيب والمبسوط والجامع اشتراط الجريان من الميزاب. ولعل ذكر الميزاب في كلامهم من باب المثال، فيرجع إلى القول الاول. ويشهد له حينئذ صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع): سألته عن البيت يبال على ظهره، ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر، أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به " (* 1) وخبره المروي عن قرب الاسناد: " سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب، أيصلى فيها قبل أن تغسل؟ قال (ع): إذا جرى من ماء المطر فلا بأس " (* 2) ونحوه خبره - المروي عن كتابه - في المطر يجري في المكان فيه العذرة (* 3). وظاهرها اعتبار الجريان الفعلي: فيشكل الامر في المطر الواقع على الارض الرملية، وفي البحر، ونحوهما مما يمتنع فيه الجريان. وحملها على الجريان بالقوة - كما عن المحقق الاردبيلي - قدس سره - لا قرينة عليه. وأشكل منه ما تقدم عن ظاهر الشيخ وغيره من اعتبار الجريان من ميزاب، فانه تقييد للنصوص المذكورة بلا مقيد، ويلزمه القول بعدم اعتصام

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 3 (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 9

 

===============

 

( 177 )

 

[ بل وان كان قطرات، بشرط صدق المطر عليه (1)، وإذا ] المطر الواقع في الصحاري والبحار، وهو كما ترى. ومن هنا يظهر الاشكال في هذه الفتاوى، كالاشكال في النصوص. ولا يبعد ما ذكره بعض مشايخنا (قده) من كون مراد الجماعة الحاق ماء المطر الجاري على وجه الارض، بماء المطر النازل من السماء، لدفع توهم اختصاص الحكم بماء المطر حال نزوله، وأنه بعد نزوله واستقراره في الارض يكون بحكم المحقون. وعبارة بعضهم لا تأبى ذلك. ففي الوسيلة - بعد أن ذكر أن الماء الجاري طاهر ومطهر - قال (ره): " وما يكون في حكم الجاري هو ماء الحمام.. (إلى أن قال): وحكم الماء الجاري من الشعب من ماء المطر كذلك ". وعن التهذيب والاستبصار: " ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الجاري ". وكيف كان فالنصوص المتقدمة المستدل بها على اعتبار الجريان في اعتصام ماء المطر يعارضها التعليل في صحيح هشام المتقدم، الظاهر في الاكتفاء باكثرية ماء المطر على المتنجس، الظاهر في غلبته عليه، كما هو اللازم في مطهرية الماء. لان المراد من البول الذي يكون المطر اكثر منه هو الاثر الموجود في السطح، ولعدم السنخية بينه وبين الماء يتعين حمل الاكثرية على الاغلبية، ولاجل ذلك يجب أن تحمل نصوص الجريان على أن اعتباره في موارد السؤال فيها، للمحافظة على الغلبة المذكورة، كما يساعده مواردها. (1) بأن يكون له نحو كثرة بها يتحقق صدق الاسم، وان كان الملاقي للنجس قطرات منه، فلو كان مجموع ما نزل من السماء قطرات يسيرة فلم يصدق عليها ماء المطر لم يترتب الحكم. وفي روض الجنان: " كان بعض من عاصرناه من السادة الفضلاء يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه. وليس ببعيد، وان كان العمل على خلافه ". واشكاله

 

===============

 

( 178 )

 

[ اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر وان كان قليلا (1). لكن مادام يتقاطر عليه من السماء (2). ] ظاهر، لمنع الصدق، أو عدم ثبوته. ولعل مراده الاكتفاء في التطهير بالقطرة من المطر النازل، لا الاكتفاء بها في صدق المطر. وعليه فهو في محله. والفرق بين المقامين واضح - كما في الجواهر - فلاحظ. (1) ولا يحتاج إلى وروده على النجس في حصول طهارته به، لاختصاص اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم، أما المعتصم فلا يعتبر فيه ذلك. هذا بناء على اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم، أما بناء على عدم اعتباره فلا فرق بين ماء المطر وغيره في الحكم المذكور في المتن. (2) أما اعتبار التقاطر من السماء - في الجملة - في الاعتصام فالظاهر أنه لا إشكال فيه، وفي كشف اللثام وظاهر غيره الاتفاق عليه. واما اعتبار كون التقاطر عليه، فهو ظاهر محكي مصابيح العلامة الطباطبائي (قده) بل في الجواهر أنه صريحه، وأنه لم يتعرض لذلك سوى العلامة المزبور، في الكتاب المذكور، وأما غيره فاطلق، بل هو نفسه في منظومته كذلك أيضا. ومال في الجواهر إلى الاكتفاء في اعتصام المجتمع في الارض بوجود التقاطر من السماء وان لم يكن عليه. وجعله ظاهر صحيح ابن الحكم (* 1) وصحيح ابن سالم (* 2)، ومرسل الكاهلي (* 3)، وغيرها. بل جعله ظاهر جميع ما ورد في ماء المطر، وأن ماء المطر كما يصدق على النازل حال نزوله، يصدق على المستقر في الارض، وان اعتصام الثاني لانه ماء مطر، لا لانه متصل بالنازل. نعم يشترط في ثبوت الحكم له - مضافا إلى وجود التقاطر -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 5.

 

===============

 

( 179 )

 

أن يكون متهيئا للتقاطر عليه فلو وضع في خابية وترك في بيت مثلا لم يجر الحكم المذكور عليه. وفيه: أن ماء المطر (تارة): يراد منه النازل من السماء (وأخرى): يراد منه ما كان أصله كذلك وان كان فعلا في خابية أو مصنع أو نحوهما ولا ريب أن موضوع النصوص والفتاوى هو الاول، لا الثاني، فان جملة من نصوص انفعال القليل موردها الحياض والغدران التي أصلها من المطر، ولا يتوهم المعارضة بينها وبين نصوص الباب، لما عرفت أن موردها المعنى الاول، وكونه جاريا على السطح أو من ميزاب، أو نحو ذلك لا ينافي هذا المعنى، لان اتصاله بالنازل بتوالي القطرات عليه يوجب الوحدة العرفية بينهما، فالنازل من السماء قبل الجريان وبعده مع توالي القطرات عليه، إطلاق المطر، أو ماء المطر عليه في الحالين بمعنى واحد. وكذلك الكلام في أمثال المقام مثل ماء النهر وماء البئر، فانه أيضا يطلق (تارة): على ما كان في النهر أو في البئر، (وأخرى): على ما كان أصله منهما، فإذا قيل ماء النهر يطهر بعضه بعضا، وماء البئر واسع لا يفسده شئ، يكون ظاهرا في المعنى الاول، فإذا سئل عن ماء البئر الجاري على جوانبها، أو ماء النهر كذلك لا يحمل على المعنى الثاني، بل هو ظاهر في الاول، كما لا يخفى. هذا مضافا إلى أن الحمل على الثاني في المقام يقتضي عموم الحكم لصورة انقطاع التقاطر بالمرة، وصورة وضعه في خابية ونحوها، فاخراج الصورتين المذكورتين لا وجه له. اللهم إلا أن يكون من جهة الاجماع. ولكن الاجماع تعبدا على خروجهما غير واضح. وأما التمسك باستصحاب حكم الجاري، فيدفعه: أن عموم انفعال القليل حاكم عليه. مع أنه من الاستصحاب التعليقي، وهو وان كان معتضدا - بالنسبة إلى اعتصامه - باستصحاب الطهارة، لكنه معارض - بالنسبة إلى

 

===============

 

( 180 )

 

[ (مسألة 1): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر، ونفذ في جميعه طهر، ولا يحتاج إلى العصر أو التعدد (1)، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه. هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، والا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها (2). ] مطهريته لغيره - باستصحاب النجاسة، وان كان المرجع بعد التعارض قاعدة الطهارة، فتتحد النتيجة. فالعمدة في البناء على انفعاله بانقطاع التقاطر، عموم أدلة انفعال القليل التي مورد بعضها ماء المطر بعد انقطاع تقاطره، وبها يخرج عن نصوص الباب. (1) لاطلاق مرسلة الكاهلي المتقدمة (* 1). ومعارضتها بما دل على اعتبار العصر أو التعدد بالعموم من وجه، المقتضية للرجوع إلى استصحاب النجاسة. مندفعة: بأنه لو تم إطلاق دليلهما بنحو يشمل المقام، فرفع اليد عن اطلاق المرسلة وتقييدها بدليلهما يوجب الغاء خصوصية المطر، وذلك خلاف ظاهر الرواية جدا فيتعين العكس، أعني: تقييد دليلي العصر والتعدد والاخذ باطلاقها. مع أن العمدة في دليل اعتبار العصر هو ارتكاز العرف من جهة انفعال الماء المغسول به، ومع اعتصام الماء - كما في المقام - لا مجال له. وكذا في كل ماء معتصم. (2) لعل مقتضى صحيح ابن سالم المتقدم (* 2) الاكتفاء بغلبة المطر على عين النجاسة حتى يزيلها. بل لعل إطلاق رواية الكاهلي (* 3) دال على ذلك، فلا يحتاج إلى التقاطر بعد زوال عين النجاسة.

 

 

____________

(* 1) في اول هذا الفصل. (* 2) في اول هذا الفصل. (* 3) وهي مرسلة الكاهلي المتقدمة في اول هذا الفصل.

 

===============

 

( 181 )

 

[ (مسألة 2): الاناء المتروس بماء نجس - كالحب والشربة ونحوهما - إذا تقاطر عليه طهر ماؤه واناؤه (1) بالمقدار الذي فيه ماء. وكذا ظهره وأطرافه إن وصل إليه المطر حال التقاطر، ولا يعتبر فيه الامتزاج، بل ولا وصوله إلى تمام ] (1) ليس في نصوص الباب ما هو ظاهر في ذلك. ودعوى: صدق الرؤية الواردة في المرسلة بمجرد التقاطر، غير ظاهرة إلا بالاضافة إلى السطح الملاقي للقطرات لا غير. مع أنه لو تم ذلك هنا اقتضى طهارة المضاف بذلك أيضا، والظاهر عدم القول به من أحد، وان كان مقتضى ما عن العلامة (ره) في طهر المضاف باتصاله بالجاري، قوله به هنا أيضا، للاجماع على أنه بحكم الجاري، لكنه لم ينقل ذلك عنه هنا. اللهم إلا أن يدعى خروج المضاف عن القاعدة من جهة الاجماع. فالعمدة الاشكال الاول، وهو عدم ثبوت صدق الرؤية لتمام أجزاء الماء بمجرد التقاطر على سطحه. وما في الجواهر من أنه لا ينبغي الاصغاء إلى هذه الدعوى غير واضح. بل يشكل الحكم بالطهارة حتى مع الامتزاج، لان انفصال القطرات بعضها عن بعض موجب لانفعال كل قطرة بعد الاستقرار. ولا ينافي هذا ما تقدم من أن ماء المطر الجاري على الارض معتصم بنفسه ما دام التقاطر عليه، لاختصاص النصوص الدالة على ذلك (* 1) بغير الممتزج، ورواية الميزابين (* 2) محمولة - جزما - على صورة استهلاك البول في ماء المطر. (وبالجملة): لا دليل على أن القطرات الممتزجة بالماء النجس معتصمة ما دام التقاطر، ولا سيما مع استهلاكها فيه. فالعمدة إذا في طهارة الماء المتنجس بتقاطر المطر عليه الاجماعات

 

 

____________

(* 1) المتقدمة في اول هذا الفصل. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 4.

 

===============

 

( 182 )

 

[ سطحه الظاهر، وان كان الاحوط ذلك (1). (مسألة 3): الارض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون من السماء، ولو باعانة الريح. وأما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر، كما إذا ترشح بعد الوقوع ] المستفيضة على أنه بحكم الجاري، وقد عرفت آنفا طهارة الماء النجس بمجرد اتصاله بالجاري. هذا مضافا إلى الاجماع المحكي على طهارته بوقوع المطر عليه كما عن المفاتيح والروضة. ويمكن الاستدلال له بما في مرسلة الكاهلي، على ما في بعض نسخ الكافي. وفي نسخة الوافي (* 1) عن بعض المتبحرين (* 2) من مشايخنا المعاصرين (قده) تصحيحها هكذا: " يسيل على الماء المطر " بجر الماء ورفع المطر، على أن يكون الضمير في قول السائل: " أرى فيه " راجعا إلى الماء لا إلى المطر. وكأنه بقرينة قوله (ع) في الجواب: " كل شئ يراه.. " إذ لو كان راجعا إلى المطر كان المراد من الجواب أنه مطهر لنفس القذر، وهو ممتنع. والذي يشهد لهذا التصحيح أن مجرور: (على) لو كان ياء المتكلم لكان فرض السيلان عليه منافيا لفرض ورود القطرات عليه، كما لا يخفى. ثم إن الظاهر أنه لا كلام عندهم في طهارة الاناء بطهارة الماء، لان ملاقاته للماء المعتصم مطهرة له، ولو لاستفادته من عموم مرسلة الكاهلي الدالة بعمومها على أن ملاقاة المطر للاناء مطهرة له، فيتعدى منه إلى كل ماء معتصم. كما يأتي ذلك في محله إن شاء الله تعالى. ومنه يظهر الحكم في طهارة ظهره واطرافه. (1) لانه المتيقن من معافد الاجماع على مطهريته للماء واختاره في المستند.

 

 

____________

(* 1) الباب الرابع من ابواب أحكام المياه حديث: 3. (* 2) شيخ الشريعة الاصفهاني (ره)

 

===============

 

( 183 )

 

[ على مكان فوصل مكانا آخر، لا يطهر (1). نعم لو جرى على وجه الارض فوصل إلى مكان مسقف بالجريان إليه طهر (2) (مسألة 4): الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر (3)، وكذا إذا كان تحت السقف وكان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض، بل وكذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض، وكذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه. (مسألة 5): إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهرا (4) بل وكذا إذا وقع على ورق الشجر ثم وقع على الارض. نعم لو لاقى في الهواء شيئا - كورق الشجر أو نحوه - حال نزوله لا يضر، إذا لم يقع عليه ثم منه على الارض، فبمجرد المرور على الشئ لا يضر (5). ] (1) للشك في ذلك من دون دليل عليه. بل عموم انفعال القليل يقتضي انفعال الماء الواصل إليه. وقد عرفت أن هذا العموم مقدم على استصحاب الاعتصام الثابت له حال النزول. (2) لاطلاق نصوص الباب الواردة في ماء المطر الجاري. فلاحظ ما سبق (* 1). (3) يعلم الحكم المذكور مما سبق في المسألة الثانية. (4) لما تقدم في المسألة الثانية. ولا فرق بين السقف وورق الشجر وغيرهما من الوسائط. نعم لو كان يجزي من الواسطة إلى غيرها مع توالي التقاطر عليه كان معتصما ومطهرا. (5) لاطلاق الادلة.

 

 

____________

(* 1) في اول هذا الفصل.

 

===============

 

( 184 )

 

[ (مسألة 6): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شئ آخر، لم ينجس (1)، إذا لم يكن معه عين النجاسة، ولم يكن متغيرا (2). (مسألة 7): إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر ونفذ وتقاطر من السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة وان كان عين النجاسة موجودة على السطح ووقع عليها. لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء. وأما إذا انقطع ثم تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجسا. وكذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس. (مسألة 8): إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء، سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا. (مسألة 9): التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتى صار طينا (3). ] (1) يعني: مادام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه، كما هو مورد النصوص المتقدمة، فانه معتصم حينئذ. ولا يضر أن يكون معه عين النجاسة فانه لا ينجس بها، كما هو مورد مرسلة الكاهلي. (* 1) (2) إذ لا إشكال في نجاسته بذلك، كما يستفاد من صحيح ابن سالم (* 2) ومما ذكرنا هنا تعرف وجه الحكم في المسألة السابعة والثامنة. (3) يدل على ذلك اطلاق مادل على مطهريته. مضافا إلى المرسل

 

 

____________

(* 1) و (* 2) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

 

===============

 

( 185 )

 

[ (مسألة 10): الحصير النجس يطهر بالمطر، وكذا الفراش المفروش على الارض وإذا كانت الارض التي تحتها أيضا نجسة تطهر إذا وصل إليها (1). نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الارض، يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مر من الاشكال (2) فيما وقع على ورق الشجر وتقاطر منه على الارض. (مسألة 11): الاناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم إذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير (3) لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة إلى التعدد. ] عن أبي الحسن (ع) في طين المطر: " انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنه قد نجسه شئ بعد المطر " (* 1). فتأمل. (1) يستفاد ذلك كله من مرسلة الكاهلي (* 2) وغيرها. (2) تقدم منه (قده) الجزم بالعدم. (3) لان قوله (ع): كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر " (* 3) ليس بأقوى مما دل على اعتبار التعفير، لقرب دعوى ظهوره في تميز ماء المطر عن سائر أفراد الماء، فلا يعتبر في مطهريته ما يعتبر في مطهرية غيره لا جعله مطهرا لما لا يطهره الماء، كالتراب، فاطلاق ما دل على اعتبار التعفير محكم. لا أقل من تساويهما في الظهور، فيرجع بعد المعارضة إلى استصحاب النجاسة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 6. (* 2) و (* 3) تقدم في أول هذا الفصل.