فصل في شرائط الوضوء

[ فصل في شرائط الوضوء (الاول): إطلاق الماء (1)، فلا يصح بالمضاف ولو حصلت الاضافة بعد الصب على المحل، من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه، فاللازم كونه باقيا على الاطلاق إلى تمام الغسل (2) (الثاني): طهارته (3). ] فصل في شرائط الوضوء (1) كما تقدم الكلام فيه في الماء المضاف. (2) يعني: إلى أن يتحقق مسمى الغسل بالماء المعتبر في الوضوء. (3) إجماعا، بل ضرورة في الجملة. ويدل عليه النصوص المتجاوزة حد التواتر، المذكورة في الوسائل في أبواب أحكام المياه، كأبواب الماء المتغير، والماء القليل. وماء البئر وغيرها من الابواب. فلو توضأ به وصلى و جبت عليه إعادة الوضوء، وإعادة الصلاة، في الوقت، أو قضاؤها في خارج الوقت. أما الاعادة فلانها مقتضى فوات المشروط بفوات شرطه. مضافا إلى حديث لا تعاد (* 1) ونحوه. وأما القضاء فلعموم ما دل على وجوب قضاء الفريضة الفائتة (* 2)، وخصوص ما ورد في قضاء من صلى بغير طهور (* 3). وعن السرائر نفي الاعادة والقضاء، لان كلا منهما يحتاج في ثبوته إلى دليل وهو مفقود. وفيه: ما عرفت.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.

 

===============

 

( 423 )

 

[ وكذا طهارة مواضع الوضوء (1). ويكفي طهارة كل عضو قبل غسله، ولا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محاله طاهرا، فلو كانت نجسة ويغسل كل عضو بعد تطهيرة كفى. ولا يكفي غسل واحد بقصد الازالة والوضوء وإن كان برمسه في الكر ] وأما ما في الحدائق من أن النجس هو ما علم المكلف بملاقاته للنجاسة فمع الجهل بملاقاة الماء للنجاسة لا يكون نجسا، بل هو طاهر. ففيه. أنه خلاف المقطوع به من ظاهر الادلة. والاستدلال عليه بقوله عليه السلام: " كل ماء طاهر الا ما علمت أنه قذر " (* 1). " وكل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر " (* 2). في غير محله، إذ ليس هو حكما واقعيا، ليتوهم تقييده لما دل على ثبوت النجاسة بمجرد الملاقاة، بل هو ظاهري، بقرينة ظهور الغاية في العلم بالقذارة، الدال على احتمال ثبوت القذارة قبل العلم، الذي هو ظرف الحكم بالطهارة، فلو حمل على الحكم الواقعي لزم اجتماع الحكمين ولو احتمالا، وهو ممتنع، لتضاد الاحكام. وأما ما دل على معذورية الجاهل (* 3) فما دل على معذوريته من حيث العقاب لا يدل على نفي الاعادة أو القضاء. وما دل على نفيهما بالعموم مفقود، أو لا يصلح لمعارضة ما عرفت. ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخ في المبسوط، من نفي القضاء دون الاعادة، لان القضاء بأمر جديد، وهو مفقود. إذ قد عرفت أنه موجود. (1) كما هو المشهور. كما في الحدائق وغيرها. لكن في النسبة تأملا،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.

 

===============

 

( 424 )

 

لقلة المتعرض لذلك، بل لم أجد في ما يحضرني تحريرا له في المقام، وإنما حرر في غسل الجنابة، وقد ذكروا في المسألة أقوالا: وجوب طهارة تمام الاعضاء قبل الشروع في الغسل، ووجوب طهارة كل جزء قبل الشروع فيه، وعدم وجوب شئ منهما، والتفصيل بين الغسل في الكثير وما لو كانت النجاسة في آخر العضو وبين ما لم يكن كذلك. واستدل للاول بظاهر الاخبار الواردة في بيان كيفية غسل الجنابة، المتضمنة للامر بتطهير الفرج وغيره قبل الشروع فيه (* 1). وللثاني بأصالة عدم التداخل، وبأن ماء الغسل لابد أن يقع على محل طاهر، وإلا لاجزأ الغسل مع بقاء عين النجاسة، وبانفعال الماء بمجرد الملاقاة، فيمتنع الغسل به، لما سبق. هذا وسيأتي إن شاء الله الكلام في دليل الاول. وأما أدلة الثاني فيمكن الخدش في أولها بأنه لو تم اقتضى وجوب الغسل ثانيا للتطهير من الخبث، ولم يقتض بطلان الغسل. إلا أن يقال: علم من مذاق الشارع أن رفع الخبث يحصل بمجرد الغسل، فلابد أن يحتاج رفع الحدث إلى غسل ثان، لاصالة عدم التداخل. لكن - على هذا - لا دليل على جريان أصالة عدم التداخل بنحو تستدعي شرطية طهارة المحل، فانه خلاف الاطلاق، كما سيأتي إن شاء الله في غسل الجنابة. وفي الثاني بأنه مصادرة ولا مانع ظاهرا من الالتزام باجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة. وفي الثالث بأنه لا يتم بناء على طهارة ماء الغسالة، ولا بناء على نجاسته بالانفصال، ولا يطرد في صورة الارتماس بالكثير. وكأنه لاجل هذا الاشكال الاخير فصل بعض التفصيل السابق. وهو المتعين بناء على المختار من انفعال ماء الغسالة بمجرد الملاقاة، إذ احتمال عدم قدح الانفعال بالاستعمال في جواز

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.

 

===============

 

( 425 )

 

[ أو الجاري. نعم لو قصد الازالة بالغمس (1) والوضوء باخراجه كفى (2). ولا يضر تنجس عضو بعد غسله وإن لم يتم الوضوء (مسألة 1): لا بأس بالتوضؤ بماء (القليان) ما لم يصر مضافا. (مسألة 2): لا يضر في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن بعد كون محاله طاهرة (3). نعم الاحوط عدم ترك الاستنجاء قبله (4). (مسألة 3): إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضره الماء. ولا ينقطع دمه، فليغمسه بالماء وليعصره قليلا حتى ينقطع الدم آناما، ثم ليحركه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الاخر، والمحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى، بأن يقصد الوضوء بالاخراج من الماء. (الثالث) أن لا يكون على المحل حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة (5). ولو شك في وجوده يجب الفحص حتى يحصل ] الغسل به بعد ذلك مما لا يمكن التعويل عليه. (1) تحقق الازالة بالغمس لا يتوقف على القصد. (2) لتعدد الغسل، كما تقدم في الوضوء الارتماسي. (3) الظاهر أنه مما لا إشكال فيه هنا. ويكفي في إثباته إطلاق الادلة. (4) لما في بعض النصوص من الامر باعادة الوضوء لناسي الاستنجاء، كما تقدم (* 1). (5) هذا لا ينبغي عده من الشرائط، كما هو ظاهر ظهور أصل الحكم.

 

 

____________

(* 1) تقدم في مسألة: 4 من فصل موجبات الوضوء.

 

===============

 

( 426 )

 

[ اليقين أو الظن بعدمه (1)، ومع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله. (الرابع): أن يكون الماء، وظرفه، ومكان الوضوء، ومصب مائه، مباحا (2)، فلا يصح لو كان واحد منها غصبا، من غير فرق بين صورة الانحصار وعدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار وإن لم يكن مأمورا بالتيمم، إلا أن وضوءه حرام، ] (1) تقدم الكلام فيه في غسل الوجه، كما تقدم في المتن اعتبار الاطمئنان. (2) أما اعتبار إباحة ماء الوضوء في الجملة فقد استفاض نقل الاجماع عليه، ويظهر من غير واحد ذلك، حتى من القائلين بجواز اجتماع الامر والنهي، ولذلك استدل بعض عليه بالاجماع. مضافا إلى قاعدة الامتناع. نعم عن الدلائل أنه حكى عن الكليني رحمه الله القول بجواز الوضوء بالمغصوب، وأنه قواه. إلا أن في قدح مثل ذلك في الاجماع منعا. وعليه فالبطلان واضح مع غصبية الماء، لان الوضوء به تصرف فيه محرم. وكذا مع غصب الظرف، بناء على صدق التصرف فيه على الوضوء منه. لكن عرفت الاشكال فيه في حكم الاواني. فراجع. وكذا مكان الوضوء، بمعنى الفضاء الذي يكون فيه العضو، لان وجود البلل على العضو وإمرار العضو الماسح فيه نحو من التصرف فيه. إلا أن تمنع حرمته، لانصراف دليل حرمة التصرف في مال غيره إلا باذنه ورضاه عن الفضاء، أو مثل هذا النحو من التصرف، أو يمنع انطباق التصرف على الوضوء، لانه عبارة عن وصول الماء إلى المحل، وإمرار العضو الغاسل أو الماسح مقدمة له، كما أشار إليه المصنف في أواخر ختام الزكاة. فتأمل. وأما بمعنى المكان الذي يقر فيه المتوضئ فالبطلان فيه

 

===============

 

( 427 )

 

[ من جهة كونه تصرفا (1)، أو مستلزما للتصرف في مال الغير فيكون باطلا. نعم لو صب الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثم توضأ لامانع منه (2)، وإن كان تصرفه السابق على الوضوء حراما. ولا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار وعدمه، إذ مع الانحصار وإن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمم إلا أنه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظرف المباح. وقد لا يكون التفريغ أيضا حراما، كما لو كان الماء مملوكا له، وكان ابقاؤه في ظرف الغير تصرفا ] ممنوع، كما عن المعتبر وغيره، لان الكون فيه وإن كان تصرفا فيه محرما، لكنه لا يتحد مع الوضوء. وصدق التصرف في المكان المغضوب على نفس الوضوء - كما صرح به بعض، وظاهر ما نسب إلى المشهور من البطلان - غير ظاهر. وأما اعتبار إباحة مصب مائه فلانه لو كان غصبا كان وجود الماء على الاعضاء من قبيل المقدمات الاعدادية لوجوده في المصب، فحرمة كونه في المصب تقتضي حرمة مقدماته التي يعلم بترتبه عليها. نعم في ثبوت الاجماع على البطلان حينئذ تأمل أو منع، بل الظاهر ابتناؤه على القول باستحقاق العقاب على فعلها ولو بلحاظ كون فعلها تجرءا موجبا للعقاب، كما هو الظاهر، فلو منع ذلك كان اللازم القول بالصحة. (1) قد عرفت منع ذلك إذا كان المغصوب الظرف فقط، كما عرفت أيضا في مبحث الاواني إمكان القول بالصحة حينئذ ولو مع الانحصار والاغتراف تدريجا فراجع. (2) لان الوضوء لا يكون حينئذ تصرفا في المغصوب، بل في الظرف المباح

 

===============

 

( 428 )

 

[ فيه، فيجب تفريغه حينئذ، فيكون من الاول مأمورا بالوضوء ولو مع الانحصار. (مسألة 4): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف، أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم والعمد والجهل أو النسيان (1). وأما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم والعمد (2)، سواء كان في الماء أو المكان أو المصب، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان (3)، بل وكذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصرا، بل ومقصرا أيضا (4) إذا حصل ] (1) لاطلاق الادلة، كما تقدم. والتفصيل في النجس من بعض تقدم ضعفه (2) فانه المتيقن من معقد الاجماع على البطلان. (3) لعدم الاجماع عليه، ولا يقتضيه القول بالامتناع أيضا، لان المبغوضية الواقعية التي يعذر العبد في مخالفتها لا تنافي العبادية، فإذا فرض كون الوضوء تاما في نفسه، جامعا لاجزائه وشرائطه حتى حيثية التعبد به كان صحيحا مسقطا لامره، كما هو موضح في محله من مسألة الاجتماع. ومنه يظهر الحكم في الجاهل القاصر. وفي القواعد: " لو سبق العلم فكالعالم "، ونحوه عن التذكرة. وعلل بأن النسيان تفريط لا يعذر (وفيه): أنه قد لا يكون عن تفريط. مع أن إطلاق حديث الرفع يقتضي العذر وإن كان عن تفريط. وعدم معذورية الجاهل قبل الفحص - مع أنه أحد التسعة المذكورة في الحديث - إنما هو للادلة الدالة على وجوب الفحص في الشبهة الحكمية، ولا تعم الشبهة الموضوعية ومنه يظهر ضعف ما عن الدلائل من البطلان إذا كان النسيان عن تفريط. (4) مجرد حصول نية القربة من الفاعل غير كاف في صحة العبادة،

 

===============

 

( 429 )

 

[ منه قصد القربة، وإن كان الاحوط مع الجهل بالحكم (1) خصوصا في المقصر الاعادة. (مسألة 5): إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه (2)، ويجب تحصيل المباح للباقي. وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح، هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده، ويصح الوضوء، أو لا؟ قولان (3)، أقواهما الاول، لان هذه النداوة لا تعد مالا، وليس مما يمكن رده إلى مالكه (4). ولكن الاحوط الثاني. وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الاعادة، هل يجب عليه تجفيف ما على ] بل اللازم وقوع الفعل على وجه المقربية، فإذا كان الجاهل المقصر غير معذور عند العقل، ويكون مستحقا للعقاب، يكون فعله مبعدا له، فيمتنع كونه عبادة، لتضاد المقربية والمبعدية. ومنه يتعين القول بوجوب الاعادة على الجاهل المقصر. (1) لاطلاق حكمهم بوجوب الاعادة على الجاهل، وإن كان مقتضى تعليلهم بالتقصير الاختصاص بالمقصر. (2) لمطابقته للمأمور به. (3) حكي الاول عن المقاصد العلية، وشرح نجيب الدين، وقد يظهر مما عن مجمع البرهان فيما لو خاط ثوبه بخيط مغصوب، حيث اختار عدم وجوب النزع، وإمكان جواز الصلاة في الثوب المخاط به، إذ لا غصب فيه يجب رده، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة هنا. انتهى ملخصا. (4) هذا غير كاف في الجواز مع بقائه على ملكية المالك، ولو بالاستصحاب فلا يجوز التصرف فيها. واحتمال اختصاص حرمة التصرف بالمال - لانه

 

===============

 

( 430 )

 

[ محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف، أو لا؟ قولان، أقواهما الثاني (1)، وأحوطهما الاول، وإذا قال المالك: أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها، لا يسمع منه، بناء على ما ذكرنا (2). نعم لو فرض ] الموضوع في التوقيع والموثق المتقدمين (* 1) - بعيد جدا، وإلا لجاز التصرف ولو مع إمكان الرد. نعم لو بني على كون الضمان بسبب التلف أو ما بحكمه من قبيل المعاوضة - كما يظهر من جماعة، ومال إليه المصنف رحمه الله في حاشيته على المكاسب، تبعا لصاحب الجواهر ومجمع البرهان، ولا يخلو من قوة، فانه الموافق للمرتكزات العرفية، كما أشرنا إلى ذلك في نهج الفقاهة - كان اللازم في المقام الالتزام بدخول الرطوبة في ملك المتوضئ، وجاز له المسح بها. لكن يشكل على القول الآخر، وأن الضمان من قبيل الغرامة لتدارك الخسارة، وليس فيها معاوضة، ولذا تثبت في صورة التلف الحقيقي، الذي لا مجال فيه للقول بدخول التالف في ملك الضامن، لانعدامه. كما أن دعوى كون الرطوبة من قبيل العرض، فلا تكون ملكا لمالك الماء، غير ظاهرة، إذ العرض إذا كان أثرا للعين. مع أن كونها من قبيل العرض يوجب خروج الفرض عن محل الكلام، إذ الكلام في الرطوبة التي يصح المسح بها بانتقالها إلى الممسوح، ومع كونها كذلك لا يمكن الحكم بكونها كالعرض. فتأمل. (1) يعرف حاله مما سبق. (2) قد عرفت أن مجرد ما ذكره لا يقتضي ذلك، إلا أن يلتزم بخروجه عن الملك.

 

 

____________

(* 1) تقدما في أول فصل الاواني، ويأتيان في المسألة السادسة.

 

===============

 

( 431 )

 

[ إمكان انتفاعه بها فله ذلك، ولا يجوز المسح بها حينئذ. (مسألة 6): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف (1) ويجري عليه حكم الغصب، فلا بد فيما إذا كان ملكا للغير من الاذن في التصرف فيه صريحا، أو فحوى (2). ] (1) لاصالة عدم الرضا. إلا أن تكون الحال السابقة هي الرضا، فيجوز التصرف، للاستصحاب. (2) وهو الاولوية القطعية. هذا ولا يخفى أن الادلة الدالة على المنع عن التصرف في مال الغير مختلفة، بعضها ظاهر في اعتبار طيب النفس، مثل موثق سماعة: " لا يحل مال امرئ مسلم ولا دمه إلا بطيبة نفسه " (* 1). وبعضها ظاهر في اعتبار الاذن الانشائي، مثل التوقيع الشريف المشهور: " لا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره إلا باذنه " (* 2). والجمع بينهما يحتمل بتقييد المستثنى في كل منهما بالآخر، ومقتضى ذلك اعتبار حصول الطيب النفسي والاذن الانشائي معا، فلا يجتزأ بأحدهما. ويحتمل بتقييد المستثنى منه في كل منهما بالمستثنى في الآخر. ومقتضاه الاجتزاء بأحدهما. ويحتمل أن يحمل الموثق على الحكم الواقعي، والتوقيع على الحكم الطريقي، ومقتضاه؟ اعتبار الطيب مطلقا، ويكون الاذن الانشائي طريقا إليه يرجع إليه عند الشك، وهذا هو الاقرب عرفا. ثم إن ظاهر الموثق اعتبار الطيب الفعلي. لكن السيرة تقتضي الاجتزاء بالطيب التقديري. ويقتضيه ظاهر الاتفاق على جواز التصرف باذن الفحوى، فان أكثر الامثلة المذكورة لها ليس فيها طيب فعلي، لتوقفه على حضور

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الانفال من كتاب الخمس حديث: 6.

 

===============

 

( 432 )

 

[ أو شاهد حال قطعي (1). ] صورة التصرف في الذهن، وهو مفقود، نعم لو التفت إليه المالك لطابت نفسه به، وهذا هو المراد بالطبيب التقديري. نعم إذا كان طيب نفس المالك معلقا على أمر زائد على الالتفات بأن كان المالك لا تطيب نفسه بالتصرف بمجرد التفاته إليه، بل يحتاج إلى وعظ ونصح وإرشاد - مثلا - لم يجزئ مثل هذا الطيب، ولم يجز التصرف حينئذ. ثم إن ما ذكرنا من الاجتزاء بالطيب التقديري المعلق على الالتفات يختص بالتصرفات الخارجية، مثل الاتلاف ونحوه. أما التصرفات الاعتبارية مثل البيع ونحوه فلا يجزئ فيها ذلك عند الاصحاب، وإن اختار الاجتزاء به بعض المحققين في مبحث الفضولي، لكنه ضعيف، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من نهج الفقاهة. كما أن التصرفات الاعتبارية تفترق عن التصرفات الخارجية من وجه آخر، وهو عدم الاجتزاء بالطيب النفساني فيها وإن اجتزئ به في التصرفات الخارجية، لما يظهر من بعض الادلة هناك من اعتبار الرضا الانشائي زائدا على طيب النفس، والكلام فيه موكول إلى محله. (1) كما عن المدارك والرياض، بل نسب إلى ظاهر كثير. لاصالة عدم حجية الظن. وعن جماعة - منهم العلامة المجلسي والمحقق القمي - الاكتفاء بالظن. ويمكن الاستدلال له بالسيرة. إلا أن في ثبوتها مع عدم الفعل الدال على ذلك تأملا، فالاقتصار على المتيقن - وهو صورة وجود فعل دال على الرضا - متعين، بل لعل حجية ظهور الفعل كحجية ظهور القول مما استقر عليه بناء العقلاء مع قطع النظر عن سيرة المتشرعة، فالعمل عليه متعين.

 

===============

 

( 433 )

 

[ (مسألة 7): يجوز الوضوء والشرب من الانهار الكبار (1)، سواء كانت قنوات، أو منشقة من شط، وإن لم يعلم رضى المالكين، ] (1) هذا منسوب إلى ظاهر الاصحاب. واستدل له (تارة): بأن ذلك حق للمسلمين، فيجوز لهم. ويشهد له ما ورد من أن الناس في ثلاثة شرع سواء: الماء، والنار، والكلاء (* 1). ولا ينافي ذلك قيام الضرورة على انتفاء الاشتراك في كثير من الموارد. فان ذلك من باب التخصيص، فمع الشك يرجع إلى العام المذكور. وهذا الاستدلال محكي عن المجلسي والكاشاني (وأخرى): بشهادة الحال بالرضا. وهو المحكي عن لعلامة والشهيد وغيرهما (وثالثة): بأصالة الاباحة بعد سقوط أدلة المنع عن التصرف في مال الغير، بمعارضتها بما دل على مطهرية الماء أو انصرافها عن المقام أو بلزوم الحرج الشديد لولا ذلك، وللاخبار الكثيرة المتضمنة جواز الشرب والوضوء من الماء ما لم يتغير (* 2). وجميع الادلة المذكورة كما ترى، إذ الحق ممنوع، والخبر ظاهر أو محمول على ما هو مباح بالاصل قبل عروض التملك، لقيام الضرورة على انتفاء الاشتراك في كثير من الموارد، إذ البناء على ثبوت عموم الاشتراك - إلا ما خرج بالدليل كما سبق في الاستدلال - بعيد جدا. ويحتمل الحمل على الحكم الادبي الاستحبابي. ولكن ما ذكرنا أقرب. وشاهد الحال غير مطرد. ولا تعارض بين أدلة مطهرية الماء وأدلة المنع عن التصرف، إذ الجمع بينها وبين مادل على اعتبار القربة هو اعتبار رضا المالك، لا البناء على التساقط، ثم الحكم بجواز التصرف في مال الغير والوضوء من مائه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب احياء الموات حديث: 1. (* 2) راجع الوسائل باب: 3، 9، 14 وغيرها من أبواب الماء المطلق.

 

===============

 

( 434 )

 

[ بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين (1). نعم مع نهيهم يشكل الجواز (2). وإذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره (3) مادامت جارية في مجراها الاول، بل يمكن بقاؤه مطلقا (4). وأما للغاصب فلا يجوز (5)، وكذا لاتباعه. من زوجته. وأولاده وضيوفه، وكل من يتصرف فيها بتبعيته. وكذلك الاراضي الوسيعة (6) يجوز الوضوء فيها، كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس والنوم ونحوهما، ما لم ينه المالك، ولم يعلم كراهته، ] مع أنه لو تم لجرى في سائر المياه المملوكة. وانصراف أدلة المنع عن المقام ممنوع. ولزوم الحرج غير مطرد. مع أنه لا يقتضي جواز التصرف في مال الغير، فانه خلاف الامتنان، وإنما يقتضي نفي وجوب الوضوء. والاخبار الدالة على جواز الوضوء من الماء ما لم يتغير يعلم حالها مما ذكر في أدلة مطهرية الماء. مع أنها أجنبية عن المقام. فالعمدة إذن في الحكم المذكور هو السيرة القطعية على الوضوء والشرب والغسل وغيرها، الواجبة الاتباع، لكشفها عن رضا المعصوم عليه السلام، كما أنه يجب الاقتصار على المقدار المتيقن منها، والرجوع في غيره إلى أصالة المنع. (1) لدخول ذلك في معقد السيرة. (2) للشك في ثبوت السيرة. (3) للسيرة. وأما الاستصحاب فمحكوم بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه. (4) كما هو الظاهر. للسيرة، ولو ارتكازا. (5) لعموم المنع مع عدم المخرج عنه. وكذا الحال في أتباعه. (6) لعين ما سبق.

 

===============

 

( 435 )

 

[ بل مع الظن أيضا الاحوط الترك. ولكن في بعض أقسامها (1) يمكن أن يقال ليس للمالك النهي أيضا (2). (مسألة 8): الحياض الواقعة في المساجد والمدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها - من اختصاصها بمن يصلي فيها، أو الطلاب الساكنين فيها، أو عدم اختصاصها - لا يجوز لغيرهم الوضوء منها (3)، إلا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد، فان ذلك يكشف عن عموم الاذن (4). وكذا الحال في غير المساجد والمدارس، كالخانات، ونحوها. (مسألة 9): إذا شق نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق (5)، وإن كان المكان مباحا أو مملوكا له. بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق وتوضأ في مكان آخر (6)، وإن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة (7). ] (1) كالمتسع منها جدا. (2) يعني: لو نهى لم يوجب نهيه المنع الشرعي. وكأنه للسيرة ولو ارتكازا. لكنه مشكل. (3) تقدم الكلام فيه في أحكام التخلي. (4) أو لان جريان العادة يكون بمنزلة اليد النوعية، فيكون أمارة على ثبوت حق للنوع، كما تقدم التعرض لذلك. (5) هذا إذا لم تكن سيرة على جواز الشق، وإلا جاز الوضوء. (6) لعدم ثبوت السيرة. (7) يعني: للوضوء.

 

===============

 

( 436 )

 

[ (مسألة 10): إذا غير مجرى نهر من غير إذن مالكه - وإن لم يغصب الماء - ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقا من الوضوء والشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال، وإن كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير (1)، وأما ما قبله وما بعده فلا إشكال. (مسألة 11): إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (2). ولو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه (3)، بل هو معلوم في الصورة الثانية، كما أنه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، ولا يجب عليه أن يصلي فيه، وإن كان أحوط، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه والتمكن منها (4). (مسألة 12): إذا كان الماء في الحوض وأرضه وأطرافه مباحا، لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي ] (1) إذ ليس حاله إلا حال من تصرف في الماء تصرفا غير مأذون فيه شرعا، ومثله لا يخرج عن مورد السيرة. (2) إذ بالقصد المذكور يعلم بخروجه عن مورد الاذن، ويكون عاصيا بالوضوء، فيمتنع تقربه بفعله. (3) لعدم كونه معصية حين وقوعه، فلا موجب لبطلانه في جميع فروض المسألة. نعم يمكن القول بالضمان إذا كان الماء متمولا. (4) بل يجوز تركه، لما عرفت.

 

===============

 

( 437 )

 

[ يشكل الوضوء منه (1)، مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا. (مسألة 13): الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا مشكل بل لا يصح، لان حركات يده تصرف في مال الغير (2). (مسألة 14): إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شئ مغصوب فهو باطل (3). (مسألة 15): الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عد ] (1) قد عرفت صحة الوضوء من الاناء المغصوب، وأما الاخذ من الماء للوضوء أو لغيره، فانما يحرم إذا كان تصرفا في القطعة المغصوبة، لاقتضائه تموج الماء، الموجب لصدق التصرف فيها عرفا، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الاواني. (2) هذا في حال حركات يده في حال المسح، أما في حال الغسل فحرمة الحركات لا توجب البطلان، لانها خارجة عن حقيقة الوضوء، وإنما الموجب للبطلان كون وجود الماء على الاعضاء تصرفا في الفضاء، وهو عين الوضوء، فيحرم، كما تقدم. إلا أن يقال: الغسل العبادي والمسح العبادي عبارة عن الاثر الحاصل من وجود الماء على المحل، وتحريك اليد سبب له، ولا مانع من التعبد بالاثر وإن كان السبب حراما. فتأمل. (3) بناء على انتفاء ملاك الوضوء في حال مشروعية التيمم، فان الوضوء إذا كان مستلزما للحرام سقط التكليف به للعجز، فلا يشرع، ويشرع التيمم، أما بناء على بقاء ملاكه فانما يبطل إذا كان علة للحرام. لكن تحقق الفرض مشكل، إلا على النحو الذي سبق في اعتبار إباحة المصب. فراجع.

 

===============

 

( 438 )

 

[ تصرفا فيها - كما في حال الحر والبرد المحتاج إليها - باطل (1). ] (1) لا ينبغي التأمل في أن مجرد الجلوس تحت الخيمة ليس تصرفا فيها عرفا، كالجلوس تحت السماء، ولو فرض كونه تصرفا لم يكن فرق بين الحر والبرد وغيرهما من الاحوال. نعم يصح صدق الانتفاع بها في الحالين المذكورين من دون غيرهما. لكن عرفت أن الانتفاع بمال الغير لا دليل على تحريمه، لان الموضوع في التوقيع الشريف هو التصرف، وإطلاق موثق سماعة: " لا يحل مال امرئ مسلم... " (* 1) محمول عليه، كما أشرنا إلى وجهه في مبحث الاواني. نعم يمكن أن يقال: إذا كان الانتفاع بمال الغير ذا مالية معتد بها عند العقلاء كان مملوكا للغير، فيحرم التصرف فيه حينئذ، لما عرفت من حرمة التصرف بملك الغير، ولو كان منفعة. ولذا يحرم على مالك العين إذا آجرها الجلوس فيها بغير إذن المستأجر، لانه تصرف في منفعة غيره، وإن لم يكن تصرفا في عين غيره، بل كان في عين نفسه. ومن ذلك يصح التفصيل بين صورة الحاجة إلى الخيمة - كما في حال الحر والبرد - وغيرها إذ في الاولى يكون للخيمة منفعة ذات مالية معتد بها عند العقلاء، فتكون مملوكة لمالك الخيمة، فيحرم على غيره الجلوس تحتها، وفي الثانية لا يكون لها ذلك، فلا مانع من الجلوس تحتها. ولعل بعض الخيام في بعض المواضع تكون ذات منفعة مملوكة دائما، وإن لم يكن حر أو برد، إذ المنفعة لها تكون كمنفعة الدار لا يختص وجودها بحال أحدهما، فكأن ذكرهما في المتن من باب المثال. وما ذكرناه مطرد في سائر الاعيان التي ينتفع بها منفعة ذات مالية بنحو يبذل بأزائها المال، فلا يجوز استيفاؤها إلا باذن مالك العين

 

 

____________

(* 1) تقدم في مسألة: 6 ذكر التوقيع الشريف وموثق سماعة معا.

 

===============

 

( 439 )

 

[ (مسألة 16): إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه (1). (مسألة 17): إذا اجتمع ماء مباح - كالجاري من المطر - في ملك الغير إن قصد المالك تملكه كان له (2)، وإلا كان باقيا على إباحته (3)، فلو أخذه غيره وتملكه ملك، إلا أنه عصى من حيث التصرف في ملك الغير. وكذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد (4)، وما أطارته الريح من النباتات. ] أما إذا كانت المنفعة لا مالية لها فلا تكون مملوكة لمالك العين، فلا مانع من استيفائها، لعدم الدليل على حرمته. ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الاعيان والمنافع، فان الاعيان تكون مملوكة وإن لم تكن ذات مالية. بخلاف المنافع فانها لا تكون مملوكة إلا إذا كان لها مالية. كما أن منه يظهر ان ما في الجواهر من حرمة الجلوس تحت الخيمة، لانه انتفاع بها، غير ظاهر، إذ لا دليل على حرمة مطلق الانتفاع بمال الغير بغير إذنه. بل لعل الضرورة على خلافه. نعم يشكل الحكم ببطلان الوضوء تحت الخيمة لان استيفاء منفعتها المحرم لا ينطبق على الوضوء، فلا موجب للبطلان. ومن ذلك تعرف الاشكال في كلام المصنف. (1) إذ لا يخرج عن كونه مباحا. (2) مجرد القصد غير كاف في صدق الحيازة، بل لابد من أن يكون له فعل اختياري بقصد الاستيلاء على المحاز. فتأمل. (3) لاستصحاب بقائه على الاباحة. نعم إذا كان تابعا للارض - كما إذا نبت عشب أو شجر في ملكه، أو نبع ماء في ملكه - فالظاهر كونه ملكا له، لانه نماء ملكه. (4) في الجواهر نفي وجدان الخلاف في عدم تملكه للصيد إذا توحل؟

 

===============

 

( 440 )

 

[ (مسألة 18): إذا دخل المكان الغصبي غفلة، وفي حال الخروج توضأ، بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحته، لعدم حرمته حينئذ (1). وكذا إذا دخل عصيانا ثم تاب (2) وخرج بقصد التخلص من الغصب (3). وإن لم يتب ولم يكن بقصد التخلص (4) ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال (5). (مسألة 19): إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح. فان أمكن رده إلى مالكه. وكان قابلا لذلك، لم يجز التصرف في ذلك الحوض. وإن لم يمكن رده يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه، لان المغصوب محسوب تالفا (6). لكنه مشكل من دون رضا مالكه. ] في أرضه إذا لم يقصد اصطياده، وكذا فيما لو وثبت السمكة في سفينة. (1) للاضطرار الرافع لفعلية التكليف. (2) فان التوبة توجب كون الخروج المحرم غير مبعد كما لو كانت بعد الخروج. (3) قصد التخلص مما لا أثر له في عدم صدق المعصية على الخروج كما أوضحناه في مسألة الاجتماع من حاشية الكفاية (حقائق الاصول). (4) المناسب؟ الاتيان ب‍ " أو " بدل " و ". (5) بل الظاهر جريان حكم الوضوء في الفضاء المغصوب عليه. (6) إنما يمكن فرض التلف في غير المتماثلات، كما لو وقع قليل من المضاف في المطلق، فانه بتلاشي أجزائه وتفرقها يكون تالفا بنظر العرف، أما في المتماثلات فلا وجه لعده تالفا، كما يظهر بالتأمل في الامثلة، بل الظاهر أن المالك يكون شريكا في مجموع ماء الحوض بنسبة حصته. وقد

 

===============

 

( 441 )

 

[ (الشرط الخامس): أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة، وإلا بطل (1)، سواء اغترف منه أو أداره على أعضائه، وسواء انحصر فيه أم لا. ومع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه (2) في ظرف آخر ويتوضأ به، وإن لم يمكن التفريغ إلا بالتوضؤ يجوز ذلك (3)، حيث أن التفريغ واجب. ولو توضأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة صح كما في الآنية الغصبية (4). والمشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه (5)، كما يجوز ساير استعمالاته: (مسألة 20): إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيتها، أو كونها من الذهب أو الفضة، ثم تبين عدم كونها كذلك، ففي صحة الوضوء إشكال، ولا يبعد الصحة (6) إذا حصل منه قصد القربة. ] سبقت الاشارة إلى ذلك. (1) لكونه تصرفا في آنية الذهب أو الفضة، وهو محرم. لكن تقدم الاشكال فيه، واستظهار الصحة في مبحث الاواني. فراجع. (2) وجوبا مقدميا للوضوء الواجب. (3) لكون الوضوء حينئذ تفريغا لا استعمالا للاناء. ولكنه - كما ترى - مناف للقول بالبطلان مع إمكان الافراغ في إناء آخر، والفرق بين صورة إمكان التفريغ في اناء آخر وغيرها. - في صدق الاستعمال في الاولى دون الثانية - غير ظاهر. (4) إذ المانع جهة المبعدية وهي غير حاصلة. (5) لاصالة البراءة. (6) بل الظاهر البطلان، بناء على استحقاق العقاب على التجرؤ،

 

===============

 

( 442 )

 

[ (الشرط السادس): أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث (1)، ولو كان طاهرا، مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدمة. ولا فرق بين الوضوء الواجب والمستحب على الاقوى، حتى مثل وضوء الحائض. وأما المستعمل في رفع الحدث الاصغر فلا إشكال في جواز التوضؤ منه. والاقوى جو ره من المستعمل في رفع الحدث الاكبر، وإن كان الاحوط تركه مع وجود ماء آخر. وأما المستعمل في الاغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضا. والمراد من المستعمل في رفع الاكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان. وأما ما ينصب من اليد أو الظرف حين الاغتراف، أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن، فليس من المستعمل، وكذا ما يبقى في الاناء، وكذا القطرات الواقعة في الاناء ولو من البدن. ولو توضأ من المستعمل في الخبث، جهلا أو نسيانا بطل، ولو توضأ من المستعمل في رفع الاكبر احتاط بالاعادة. (السابع): أن لا يكون مانع من استعمال الماء، من مرض، ] كما هو الظاهر. وقد عرفت أن مجرد نية القربة غير كاف في صحة العبادة ما لم يقع على وجه مقرب. نعم إذا كان الحرام لا ينطبق على الوضوء نفسه، وإنما لم يشرع للعجز، بناء على أن العجز مانع عن وجود ملاكه، فإذا انكشف في الواقع مشروعيته لانتفاء العجز واقعا. كان البناء على صحة الوضوء في محله إذا تحققت منه نية القربة، لعدم المانع عن صحة التقرب. (1) تقدم الكلام فيه في الماء المستعمل. وكذا الكلام في ما يأتي. فراجع.

 

===============

 

( 443 )

 

[ أو خوف، أو عطش، أو نحو ذلك، والا فهو مأمور بالتيمم (1)، ] (1) مجمل الكلام أن الامر بالتيمم (تارة): يستفاد من دليل نفي الحرج (* 1) الجاري لنفي وجوب الوضوء (وأخرى): من دليل حرمة الضرر (* 2). فان كان الاول فتلك الادلة وإن دلت بالالتزام على وجوب التيمم للعلم الاجمالي بوجوبه أو وجوب الوضوء، إلا أن مجرد ذلك لا يقتضي نفي ملاك الوضوء، لان الحرج إنما يلزم من لزوم الوضوء، لا من وجود ملاكه، فادلة نفي الحرج إنما تنفي اللزوم لا غير، ويبقى ملاكه بحاله غير منفي. (فان قلت): لا دليل على بقاء الملاك بعد انتفاء اللزوم بأدلة نفي الحرج (قلت): أدلة اللزوم تدل بالالتزام على وجود الملاك، وأدلة نفي الحرج إنما تعارضها في الدلالة على اللزوم، ولا تعارضها في الدلالة الالتزامية على وجود الملاك، فإذا بطلت حجيتها في الدلالة على اللزوم لا موجب لبطلان حجيتها في الدلالة الالتزامية، إذا ساعد على بقاء حجيتها الجمع العرفي. وتبعية الدلالة الالتزامية في الثبوت لا تقتضي تبعيتها في الحجية كلية، ولذا بنى الاصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث مع بنائهم على سقوط حجيتها في المداول المطابقي. بل المقام أوضح من أن يستشهد له بمثل ذلك، فان المفهوم عرفا من أدلة نفي الحرج هو الامتنان بالتسهيل على العباد، لا انتفاء الملاك. وأوضح من ذلك نية البدلية بالتيمم في موارد الحرج، إذ لا معنى للبدلية عن الوضوء إلا إذا كان ملاكه موجودا، فان انتفاء ملاك المبدل منه مانع من اعتبار البدلية

 

 

____________

(* 1) تقدمت الاشارة إليه في ذيل فصل ماء البئر مسألة: 10. (* 2) تقدمت الاشارة إليه في مسألة: 43 في أحكام التقليد.

 

===============

 

( 444 )

 

عنه، ولذا لا يصح اعتبار بدلية التيمم عن الغسل في موارد الحدث الاصغر، ولا بدليته عن الوضوء في موارد الحدث الاكبر، وكيف يمكن الالتزام بأن التيمم مبيح، وأن الحدث حاصل في حاله ولا ملاك في رفعه؟! وسيأتي إن شاء الله في مبحث التيمم ماله نفع في المقام. وعليه فلو توضأ في مورد الحرج صح وضوؤه، لوجود ملاكه، الموجب لمشروعيته. ولا يتوهم من ذلك الجمع بين الوضوء والتيمم، فان التيمم إنما يجب بدلا عن الوضوء مبيحا لغاياته، فإذا تحقق الوضوء وترتب عليه أثره وهو الطهارة، لم يكن مجال للبدلية، فيسقط وجوب التيمم قهرا، لانتفاء موضوعه. وإن كان الثاني فدليل حرمة الوضوء الضرري الدال بالالتزام على وجوب التيمم، وإن كان لا يدل على ارتفاع ملاك الوضوء، على نحو ما تقدم في أدلة نفي الحرج بعينه، إلا أنهما يفترقان بأن أدلة الحرج لا تقتضي تحريم الفعل الحرجي، بخلاف أدلة نفي الضرر، فان الضرر فيها محرم، ولو بملاحظة قرينة خارجية من إجماع ونحوه، فإذا حرم كان تحريمه مانعا من صلاحية التقرب به. ولا فرق بين العلم بالضرر وخوفه، لان خوفه طريق شرعا إلى ثبوته، فيكون الاقدام عليه في ظرف وجود الطريق إليه إقداما على المعصية، فيمتنع التقرب به، كما في صورة العلم بالضرر، فيبطل الوضوء مع العلم بالضرر أو خوفه، وإن لم يكن ضرر واقعا، بناء على استحقاق المتجرئ للعقاب، ولو قلنا بعدم الاستحقاق صح الوضوء إذا لم يترتب الضرر الواقعي عليه. أما لو كان الضرر مأمونا صح ولو مع الضرر الواقعي به، لما عرفت من وجود الملاك المصحح للتقرب به من دون مانع من ذلك. ومما ذكرنا تعرف أن مجرد كون التيمم مأمورا به لا يلازم فساد

 

===============

 

( 445 )

 

[ ولو توضأ والحال هذه بطل (1). ولو كان جاهلا بالضرر صح (2) وإن كان متحققا في الواقع، والاحوط الاعادة أو التيمم. (الثامن): أن يكون الوقت واسعا للوضوء والصلاة، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته ولو ركعة منها خارج الوقت (3)، وإلا وجب التيمم. إلا أن يكون التيمم أيضا ] الوضوء. نعم يتم ذلك بناء على أنه يستفاد من أدلة مشروعيتهما تنافي ملاكيهما، لتنافي شرطيهما، وحينئذ فيبطل الوضوء الحرجي. كما أنه يبطل الوضوء الضرري ولو كان الضرر مأمونا، لوجوب التيمم واقعا حينئذ. إلا أن يقال: موضوع مشروعية التيمم هو العلم أو الظن بالضرر، لا نفس الضرر الواقعي. وحينئذ يكون بطلان الوضوء في حالي العلم أو الظن بالضرر لجهة عدم مشروعيته، لانتفاء ملاكه، لا لجهة الحرمة المانعة من صحة التعبدية، كما ذكرنا أولا. وسيأتي إن شاء الله في مبحث التيمم ما يتضح به المقام. فانتظر. (1) يصح هذا في مثل المرض من أجل أن نفس الوضوء ووصول الماء إلى المحل حرام، ولا يصح في مثل خوف العطش، فان المحرم فيه إراقة الماء المؤدية إلى تلفه. أما غسل الوجه وبقية الاعضاء فلا ينطبق عليه الحرام، وليس هو مقدمة له، فلا مانع من صحة الوضوء حينئذ. (2) هذا مبني على ما ذكرنا من وجود ملاك الوضوء الضرري، وأن بطلانه من جهة فوات عباديته، لان حرمته مانعة من كون عبادة. أما بناء على انتفاء ملاك وجوب الوضوء الضرري فالمتعين القول بالبطلان، كما عرفت. فلاحظ. (3) لوجوب إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت. وحديث: " من أدرك

 

===============

 

( 446 )

 

[ كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر، إذ حينئذ يتعين الوضوء. ولو توضأ في الصورة الاولى بطل إن كان قصده امتثال الامر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد (1). نعم لو توضأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح (2). وكذا لو قصد ذلك الامر بنحو الداعي لا التقييد (3). (مسألة 21): في صورة كون استعمال الماء مضرا، لو صب الماء على ذلك المحل الذي يتضرر به ووقع في الضرر، ثم توضأ، صح إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته، لكنه عصى بفعله الاول. (التاسع): المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار، فلو باشرها الغير، أو أعانه في الغسل، أو المسح، بطل (4). ] ركعة " (* 1) لا يسوغ جواز إيقاع بعضها في خارج الوقت. (1) لعدم الامر المذكور. (2) بناء على أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده. (3) قد تقدم توضيح ذلك في الوضوءات المستحبة. (4) للاجماع على عدم جواز التولية في الوضوء - كما عن الانتصار والذكرى، وظاهر المعتبر، والمنتهى - فان الظاهر من حرمة التولية في معقد هذه الاجماعات هو الحرمة الوضعية، لا التكليفية، نظير قولهم: " يجب في الوضوء غسل الوجه... ". ثم انه يشهد بما ذكر كثير من الخطابات الواردة في الكتاب والسنة، لظهورها في اعتبار المباشرة. أللهم إلا أن يقال ظاهر الخطابات اعتبار صحة النسبة إلى المخاطب، فما دل على مشروعية النيابة من بناء العقلاء يكون حاكما عليه.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت.

 

===============

 

( 447 )

 

[ وأما المقدمات للافعال فهي أقسام (أحدها): المقدمات البعيدة كاتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك وهذه لا مانع من تصدي الغير لها (1) (الثاني): المقدمات القريبة، مثل صب الماء في كفه. ] وربما يستدل عليه بالاخبار المتقدم إليها الاشارة في كراهة الاستعانة (* 1) المتضمنة للاستدلال على المنع بقوله تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (* 2). وفيه: أن تطبيق الآية في خبر الوشا، ومرسل الفقيه والمقنع، والمسند في العلل عن شهاب بن عبد ربه، وغيرها، إنما كان بلحاظ كون العبادة هي الصلاة، ومن المعلوم أن صب ماء الوضوء ليس إشراكا في الصلاة، بل استعانة في مقدماتها، فالمراد من الاشراك ما يعم الاستعانة، وقد عرفت أن الاستعانة ليست محرمة لا تكليفا ولا وضعا، لما ورد في صحيح الحذاء أنه صب على يد الباقر عليه السلام كفا للوضوء (* 3)، ولو فرض إجمال الصحيح كفى الاجماع والسيرة صارفا لهذه الاخبار عن ظاهرها، من المنع عن الاستعانة مطلقا، ولاسيما مع اشتمالها على بعض الخصوصيات المناسبة للكراهة جدا، مثل التعبير بالكراهة، ولا أحب، وغيرهما. ثم إن الظاهر ان حمل الآية المذكورة على ما تضمنته النصوص من قبيل التفسير بالباطن، فان ظاهرها الاشراك في المعبودية كما تضمنته رواية جراح المدائني. (* 4). وكيف كان فالنصوص المذكورة لا مجال للتمسك بها في المقام. فالعمدة في وجه الحكم ما عرفت. (1) يعني لا منعا ولا كراهة. لكن ينافيه ظاهر الاخبار المتقدمة،

 

 

____________

(* 1) تقدم الكلام في ذلك في أول فصل مكروهات الوضوء. (* 2) الكهف: 110. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمات العبادات حديث: 6.

 

===============

 

( 448 )

 

[ وفي هذه يكره مباشرة الغير (1). (الثالث) مثل صب الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لاجرائه وغسل أعضائه. وفي هذه الصورة وإن كان لا يخلو تصدي الغير عن إشكال (2)، إلا أن الظاهر صحته (3). فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله، أو أعانه على المباشرة، بان يكون الاجراء والغسل منهما معا. (مسألة 22): إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه، فجعل وجهه أو يده تحته، بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح، ولا ينافي وجوب المباشرة (4). بل يمكن أن يقال: ] الدالة على المنع من الاستعانة مطلقا ولو بالمقدمات البعيدة، كما اعترف به في محكي شرح المفاتيح، ونسبه إلى فتواهم، ثم قال: " ويتعين حمل ما ورد عنهم عليهم السلام في طلب احضار الماء على صورة العسر، أو بيان الجواز أو بيان عدم الكراهة بالنسبة إلى مثل الابن والمملوك، إذ الفعل لا يعارض القول... (إلى أن قال:) وفتوى الاصحاب مطلقة، حتى بالنسبة الى الابن والمملوك ". فتأمل. فان رواية الارشاد المتقدمة في كراهة الاستعانة ظاهرة في كراهة الاستعانة بالغلام. مع أن سياق جميع النصوص عدم الفرق. (1) فانها موضوع كلام الاصحاب، والنصوص المتقدمة. (2) لاحتمال فوات المباشرة المعتبرة. (3) لان المراد من المباشرة الواجبة بالاجماع وظاهر النص هي ما يصح معها نسبة الفعل الواجب إلى المكلف مستقلا، وصب الماء في الفرض المذكور لا ينافي صحة نسبة الغسل إلى المكلف مستقلا. (4) لتحققها بالمعنى المتقدم جزما.

 

===============

 

( 449 )

 

[ إذا كان شخص يصب الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد، وجعل هو يده أو وجهه تحته، صح أيضا، ولا يعد هذا من إعانة الغير أيضا (1). (مسألة 23): إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب (2)، وإن توقف على الاجرة (3)، فيغسل الغير أعضاءه، وينوي هو الوضوء (4)، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بان ياخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها هل يجب أم لا؟ الاحوط ذلك. وإن كان الاقوى عدم وجوبه. ] (1) إذ القصد من أحدهما دون الآخر يوجب نسبة الفعل إلى القاصد كما يظهر من كلامهم (رض) في حكمهم بضمان المسبب القاصد دون المباشر الغافل. (2) إجماعا، كما عن المنتهى. وعليه اتفاق الفقهاء، كما عن المعتبر. وهو العمدة فيه. ويشير إليه ما ورد في المجدور والكسير وغيرهما أنهم ييممون (* 1). وصحيح سليمان بن خالد وغيره عن أبي عبد الله (ع): أنه كان وجعا شديد الوجع، فاصابته جنابة وهو في مكان بارد، قال (ع): " فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني واغسلوني، فحملوني ووضعوني على خشبات، ثم صبوا علي الماء فغسلوني " (* 2). (3) لاطلاق معقد الاجماع. (4) لانه المأمور بالوضوء، وهو المتقرب، والمباشر المتولي بمنزلة الآلة في حصول الوضوء.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم. (* 2) الوسائل باب: 48 من أبواب الوضوء حديث: 1. وباب: 17 من أبواب التيمم حديث: 3.

 

===============

 

( 450 )

 

[ لان مناط المباشرة في الاجراء، واليد آلة (1)، والمفروض أن فعل الاجراء من النائب، نعم في المسح لابد من كونه بيد المنوب عنه (2). لا النائب، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها: ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعض. (العاشر): الترتيب بتقديم الوجه (3)، ثم اليد اليمنى، ] فان قلت: إنما يكون بمنزلة الآلة إذا لم يكن قاصدا للفعل، أما إذا كان قاصدا له يكون الفعل منسوبا إليه لا إلى العاجز، فيتعين عليه النية، ولا تكفي نية العاجز. قلت: إنما يتم ذلك لو كانت حيثية الصدور قد كلف بها العاجز، فانه حينئذ يجب على المعين أن ينوب فيها عن العاجز، وينوي امتثال أمر العاجز، ولا تكفي نية العاجز. أما إذا لم يكلف بها العاجز وإنما كلف بنفس الفعل على نحو التسبيب، بلا ملاحظة حيثية صدوره من الفاعل، فلا مجال لنية المعين المباشر، وإن كان قاصدا للفعل، إذ لا أمر بتلك الحيثية لا متوجها إليه نفسه، ولا متوجها إلى العاجز كي ينوب عنه في امتثاله. ومن ذلك يظهر الاشكال في تعبير المصنف (ره) بالنيابة. فلاحظ. (1) ولذا يجوز للمختار غسل أعضائه بأي آلة غير يده ولو كانت يد غيره. (2) لوجوب المسح بها بعينها، فلا مجال لتركه. وبذلك يتضح الفرق بين آلة الغسل وآلة المسح. وكذا الحال في رطوبة اليد. لكن يشكل وجود الدليل الدال على الاجزاء فيه، لان الفائت في مثال الرطوبة الجزء لا محض النسبة. (3) إجماعا، كما عن الخلاف، والانتصار، والغنية، والسرائر،

 

===============

 

( 451 )

 

[ ثم اليد اليسرى، ثم مسح الرأس، ثم الرجلين، ولا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو. نعم يجب مراعاة الاعلى فالاعلى كما مر. ولو أخل بالترتيب ولو جهلا أو نسيانا بطل إذا تذكر بعد الفراغ وفوات الموالاة (1). وكذا إن تذكر في الاثناء ] والمعتبر، والمنتهى، والتذكرة، وغيرها. ويدل عليه في الجملة مصحح زرارة: " قال أبو جعفر (ع): تابع بين الوضوء كما قال الله عزوجل، إبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس والرجلين، ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ، تخالف ما أمرت به، فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل " (* 1)، ويأتي ما يدل عليه أيضا. (1) لعدم إمكان التدارك، لفوات الموالاة. وعن ظاهر التذكرة اختصاص التفصيل المذكور في المتن بالعامد، أما الناسي فيعيد من رأس ولو مع عدم الجفاف، وظاهر التحرير عكس ذلك فيعيد العامد حتى مع حصول الجفاف. ووجهما غير ظاهر. والامر بالاعادة في بعض النصوص - كرواية علي: " ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء يعيد الوضوء " (* 2) - محمول على صورة فوات الموالاة، بقرينة ما يأتي مما دل على الاعادة بنحو يحصل الترتيب، أو على إرادة إعادة الجزء من إعادة الوضوء، كما ذكر في خبر ابن جعفر (ع) الآتي. ولو فرض كون الجمع المذكور غير عرفي تعين الجمع العرفي بينهما بالحمل على الاستحباب. مع أنه لو بني الاخذ به لم يكن وجه للتفصيل بين العمد والسهو. اللهم إلا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 13.

 

===============

 

( 452 )

 

[ لكن كانت نيته فاسدة، حيث نوى الوضوء على هذا الوجه (1)، وإن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب (2). ] أن يكون وجهه الاخذ بما دل على لزوم الاعادة بعد حمله على خصوص العامد، وإخراج الناسي منه، بقرينة خبر منصور الآتي، الدال على اختصاص الاعادة بالجزء المأتي به على خلاف الترتيب المختص بالناسي، بقرينة قوله عليه السلام: " استيقنت ". لكن اعتبار سند الحديث لا يخلو من إشكال ولو سلم كان حجة لما في ظاهر التحرير، أما ما هو ظاهر التذكرة فغير ظاهر الوجه. (1) فانه تشريع. لكن قد أشرنا في ما سبق إلى أن قدح التشريع إنما يسلم حيث يكون الامتثال بالجزء للامر التشريعي، أما لو كان للامر الشرعي الواقعي، ويكون التشريع في أمر المقدار المأتي به على خلاف الترتيب، لم يكن وجه للبطلان. (2) لصدق الامتثال. وللنصوص كرواية ابن أبي يعفور: " إذا بدأت بيسارك قبل يمينك، ومسحت رأسك ورجليك، ثم استيقنت بعد أنك بدأت بها، غسلت يسارك ثم مسحت رأسك ورجليك " (* 1). وفي خبر منصور بن حازم: " ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك " (* 2). وربما يتراءى من بعض النصوص وجوب إعادة ما فعله متأخرا، ففي صحيح منصور: " في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال (ع): يغسل اليمين واليسار " (* 3) وفي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 14. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

===============

 

( 453 )

 

[ ولا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبي والارتماسي (1). (الحادي عشر): الموالاة (2)، بمعنى عدم جفاف الاعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة (3). ] خبر ابن جعفر (ع) في من غسل يساره قبل يمينه قال (ع): " يعيد الوضوء من حيث أخطأ، يغسل يمينه ثم يساره " (* 1). وأظهر منهما رواية أبي بصير: " إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فان بدأت بذراعك الايسر قبل الايمن فاعد غسل الايمن ثم اغسل اليسار... " (* 2). ولعل المراد منها صورة فعل المتأخر فقط. ولو أبت عن ذلك فهي محمولة على الاستحباب، بقرينة ما سبق. (1) لاطلاق الادلة. (2) إجماعا، كما عن الخلاف، والغنية، والمنتهى، والتذكرة، وشرح الدروس، والذكرى، والمفاتيح، والمدارك، وغيرها. (3) تفسير المتابعة بهذا المعنى هو المشهور، كما عن الروضة، والمقاصد العلية والذخيرة، وغيرها. ويشهد له موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): " إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فاعد وضوءك، فان الوضوء لا يبعض " (* 3). وصحيح معاوية: " قلت لابي عبد الله (ع): ربما توضأت فنفذ الماء، فدعوت الجارية فابطأت علي، فيجف وضوئي. فقال (ع): أعد " (* 4). بناء على ظهورهما في أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 15. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 3.

 

===============

 

( 454 )

 

الوجه في الاعادة هو الجفاف. وقيل في تفسيرها أنها وجوب المتابعة اختيارا، وعدم الجفاف اضطرارا، لكن لا يبطل الوضوء إلا بالجفاف وإن حصل الاثم بترك المتابعة اختيارا. وهو المحكي عن الخلاف، ومصباح السيد، وظاهر المبسوط، والمصرح به في المعتبر والتحرير، قال في المعتبر: " والوجه: وجوب المتابعة مع الاختيار، لان الاوامر المطلقة تقتضي الفور. ولما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع): أتبع وضوءك بعضه بعضا. لكن لو أخل بالمتابعة لم يبطل الوضوء إلا مع جفاف الاعضاء "، ونحوه ما في التحرير، بل حكي ذلك عن كتب العلامة (ره)، وقال في الدروس: ولو فرق ولم يجف فلا إثم ولا إبطال، إلا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار ". ويستدل له بما تضمن الامر بالمتابعة، كمصحح زرارة: " قال أبو جعفر (ع): تابع بين الوضوء كما قال الله عزوجل، إبدأ بالوجه ثم باليدين... " الحديث كما تقدم (* 1)، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه، فذكر بعد ذلك، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه، وإن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ. وقال: اتبع وضوءك بعضه بعضا " (* 2). وخبر حكم بن حكيم: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس قال (ع): يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا " (* 3). لكن الظاهر من المتابعة في الاولين الترتيب، كما يشهد به سياقهما.

 

 

____________

(* 1) تقدم في أول الشرط العاشر. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 6

 

===============

 

( 455 )

 

ومثلهما الثالث، بقرينة ما دل على الاكتفاء بالاعادة على ما يحصل به الترتيب، كما تقدم آنفا. مع أنه دال على البطلان في مورد الاضطرار وهو خلاف المدعى. ومنه يظهر ضعف الاستدلال على القول المذكور بما دل على وجوب الاستئناف من رأس عند مخالفة الترتيب. لانه لا يدل على وجوب المتابعة نفسيا. وأضعف من ذلك الاستدلال بظهور الامر في الفور، وبقاعدة الاشتغال، وباجماع الخلاف على وجوبها بهذا المعنى. لمنع الاول، ولو سلم فليس هنا للفور بالاضافة إلى الوجه باعتراف الخصم، فيكون بالاضافة إلى بقية الاعضاء كذلك، والتفكيك بينهما في ذلك غير ممكن. وقاعدة الاشتغال في الشبهات الوجوبية ساقطة اتفاقا، لان المدعى هو الوجوب النفسي. وأنه لا مجال للاخذ بدعوى الاجماع مع ظهور الخلاف. ومما ذكرنا يظهر وجه القول الثالث في تفسير الموالاة، وأنها المتابعة اختيارا، ومراعاة الجفاف اضطرارا. فيبطل الوضوء بترك المتابعة اختيارا كما يبطل بالجفاف اضطرارا. ونسب هذا القول إلى المقنعة، والنهاية، والمبسوط وغيرها. ومحصل وجهه: أنه مقتضى الجمع بين إطلاق ما دل على وجوب المتابعة وما دل على الصحة عند الفصل نسيانا أو لحاجة، أو نفاذ الماء، أو نحوها من أنواع الضرورة إذا لم يحصل الجفاف، فان نتيجة التقييد اعتبار المتابعة مع الاختيار والصحة بدونها مع الاضطرار إذا لم يحصل الجفاف. ووجه الضعف: أن المتابعة بهذا المعنى لم يدل، على وجوبها دليل لا وجوبها النفسي ولا وجوبها الغيرى، وأن المراد منها في النصوص المتقدمة معنى آخر كما سبق. وأما القول الرابع المحكي عن الفقيه، وهو أحد الامرين من المتابعة ومراعاة الجفاف - كما سيشير إليه في المتن، وعن جماعة من المتأخرين

 

===============

 

( 456 )

 

اختياره - فوجهه الاخذ باطلاق أدلة الغسل، والاقتصار في تقييدها على خصوص صورة اليبس المستند إلى التأخير، مما هو مورد الموثق والصحيح المتقدمين في الاستدلال للقول الاول. والتحقيق: أنه لا موجب للخروج عن إطلاق الغسل عدا الموثق والصحيح المتقدمين، وثانيهما لا طريق إلى تعيين وجه الامر بالاعادة فيه، لاحتمال أن يكون من جهة الجفاف، وأن يكون من جهة الفصل، وأن يكون منهما معا، واستظهار أحدها بعينه حدس لا يؤبه به. أما الامر بالاعادة في أولهما فمقتضى ذكر كل من الفصل واليبوسة في كلام الامام (ع) أن لمجموعهما دخلا فيه، ولازم ذلك جواز الفصل الطويل جدا إذا كانت الرطوبة باقية، ولو لرطوبة الهواء، وأنه لا تقدح اليبوسة مع عدم الفصل كما هو مفاد القول الرابع. ويمكن أن يقال: إن مقتضى الجمود على ما تحت العبارة قدح خصوص التأخير المؤدي إلى اليبوسة، فلو تحققت اليبوسة بمجرد الغسل لحرارة الهواء مثل جاز التأخير ولو كثيرا، لعدم استنادها إلى التأخير. لكن الظاهر الاول. هذا مع غض النظر عن التعليل في ذيله الظاهر في أن الوضوء عمل واحد له هيئة اتصالية فلا يقبل التبعيض كالغسل أما بملاحظته فاللازم المنع عن الفصل الطويل مطلقا، سواء أدى إلى اليبوسة أم كان مع الرطوبة لرطوبة الهواء مثلا، أو كان مع اليبوسة بلا استناد لها إليه كما سبق، وحيث أن ظهور التعليل مقدم على ظهور الحكم المعلل، فاللازم المنع من الفصل الطويل مطلقا وإن لم يؤد إلى اليبوسة، وحمل قوله عليه السلام: " حتى يبس " على تحديد الفصل القادح بما يؤدي إلى اليبوسة بحسب المتعارف، لا لدخل اليبوسة بما هي في الحكم. (فان قلت): لم لا يحمل التبعيض في الذيل على التبعيض بلحاظ

 

===============

 

( 457 )

 

[ فلو جف تمام ما سبق بطل (1) بل لو جف العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه الاحوط الاستيناف (2)، وإن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق. واعتبار عدم الجفاف إنما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الاعضاء أو طول الزمان، وأما إذا كان تابع في الافعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان، فالشرط في الحقيقة أحد الامرين من التتابع العرفي ] الاثر، وهو الرطوبة، فيدل على جواز الفصل الطويل مع بقائها؟ (قلت): مع أنه خلاف الظاهر في نفسه لازمه حصول التبعييض في الجفاف مطلقا ولو مع الموالاة حقيقة، فيبطل الوضوء حينئة، والالتزام به بعيد جدا، بل هو خلاف ظاهرهم، وإن حكي عن بقض القول بالتيمم حينئذ، لكنه ضعيف عندهم. نعم لو حمل التبعيض على ما يقابل أحد الامرين من المتابعة واتصال الاثر لم يرد عليه إلا أنه خلاف الظاهر، فالمتعين استظهاره من النص ما ذكرنا، وهو عدم جواز التبعيض بمعنى الفصل الطويل الذي يؤدي إلى اليبوسة في المتعارف وإن لم تحصل اليبوسة، فيتعين عليه العمل. ولعله ظاهر عبارات جماعة، منهم السيدان، بل عن جماعة - منهم المحقق الخوانساري وولده - استظهار ذلك من كل قيد الجفاف بالهواء المعتدل، لكن الظاهر أن المقصود منه إخراج صورة الجفاف مع الموالاة لا صورة بقاء الرطوبة مع طول المدة وحصول التبعيض. (1) إذ هو القدر المتيقن من النص. (2) كما عن الناصريات، والمراسم، والمهذب، والاشارة. وكأنهم فهموا من التبعيض ما يقابل اتصال أثر الاحق بالسابق، وهو مفقود في

 

===============

 

( 458 )

 

[ وعدم الجفاف (1). وذهب بعض العلماء (2) إلى جوب الموالاة بمعنى التتابع، وإن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة، بمعنى عدم الجفاف. ثم إنه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق (3)، بل يكفي بقاؤها في الجملة ولو في بعض أجزاء ذلك العضو. (مسألة 24): إذا توضأ وشرع في الصلاة ثم تذكر أنه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته (4) ووضوؤه أيضا إذا لم يبق الرطوبة في أعضائه (5)، وإلا أخذها ومسح بها واستأنف الصلاة. (مسألة 25): إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى ] الفرض. لكن الاقوى العدم، لان الظاهر من: " وضوئك " في النص هو أعضاؤه، وتعليق اليبس بها ظاهر في يبسها بتمامها، نظير تعليق الغسل بها. ويؤيده ما دل على جواز أخذ البلل من اللحية ونحوها لمسح الرأس والرجلين (* 1). ومنه يظهر ضعف ما عن ابن الجنيد من البطلان بجفاف بعض ما سبق أي عضو كان. (1) قد عرفت وجهه. (2) قد سبق ذكر من حكي عنهم هذا القول، (3) لما عرفت من ظهور النص في يبس الجميع. (4) لفقد الطهارة المشروطة بها. (5) قيد للوضوء. الوجه في بطلانه فقد الموالاة، وتعذر المسح، ببلل الوضوء،

 

 

____________

(* 1) تقدم في مسألة: 25 من فصل أفعال الوضوء.

 

===============

 

( 459 )

 

[ بالمسحات لا بأس، وكذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي (1) ويجوز التوضؤ ماشيا. (مسألة 26): إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه مع فرض عدم التتابع العرفي أيضا (2). وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبين الخلاف. (مسألة 27): إذا جف الوجه حين الشروع في اليد، لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية أو الاطراف الخارجة عن الحد، ففي كفايتها إشكال (3). (الثاني عشر): النية (4). ] (1) لما عرفت من مختاره في معنى الموالاة. نعم على بعض الاقوال فيه بأس. (2) لفوات شرطه. وكذا في ما بعده. (3) واستظهر الكفاية في الجواهر، لما دل على جواز الاخذ منها لمسح الرأس عند جفاف ما عداها. لكن عرفت في ما سبق الاشكال في ذلك، ولولاه لم يبعد فهمه من النص. (4) اعتبارها في الوضوء وكل طهارة من حدث منسوب إلى علمائنا كما عن المنتهى، والتذكرة. وعن الخلاف، والمختلف، وجامع المقاصد، والمدارك، والتنقيح الاجماع عليه، وهو ظاهر غيرهم أيضا. وهو العمدة فيه. ولا يقدح فيه خلاف ابن الجنيد - كما في غيره من المقامات - ولا عدم تعرض قدماء الاصحاب - كالصدوقين - لها، لامكان اتكالهم على وضوح كون الوضوء من العبادات التي لا بد فيها من النية. وأما الاستدلال عليه بقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين

 

===============

 

( 460 )

 

له الدين) (* 1) ففيه: أنه ظاهر في التوحيد، كما فسرها به جماعة، وعن البهائي الجزم به، ويشهد به عطف الصلاة والزكاة وسياق نظائره من الآيات. لا سيما وأن الحمل على ما ذكر في الاستدلال يوجب تخصيص الاكثر المستهجن. ومنه يظهر ما في الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه وآله: " إنما الاعمال بالنيات " و: " لا عمل إلا بنية " (* 2). ونحوهما، فان لزوم التخصيص المستهجن يوجب حمله على نفي الجزاء على العمل غير المنوي، كما يشهد به سياق بعض ما روي من ذلك. فراجع. ثم إن المصنف رحمه الله عد النية من الشرائط، كما لعله المشهور، بل قد يظهر من محكي المقتصر عدم الخلاف فيه. ولكن حكي القول بالجزئية عن الموجز الحاوي، وظاهر غيره، ونسب إلى ظاهر الذكرى، مستدلا عليه بالآية المتقدمة (وفيه): أن ظاهر الآية كون العبادية والاخلاص غاية للامر، لا جزءا ولا قيدا للمأمور به. مع ما عرفت من أن الآية ليست مما نحن فيه. ثم إن من الواضح أنها ليست شرطا للمنوي بذاته، لانها ليست بمنزلة العارض على المنوي، الذي لا يعقل أخذه في المعروض لا جزءا ولا قيدا له، كما أنها ليست شرطا للمنوي بما أنه مأمور به، كما هو محرر في الاصول. وإنما هي شرط في كونه فعلا اختياريا للفاعل، المعتبر ذلك في عبادية العبادة لا غير. فالمراد من كونها شرطا في الوضوء وغيره من العبادات أنه لا يصح بدونها، ولا يترتب عليه أثره بفقدها.

 

 

____________

(* 1) البينة: 5. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10، 1، وفي الباب أحاديث أخر تتضمن ذلك.

 

===============

 

( 461 )

 

[ وهي القصد إلى الفعل (1)، مع كون الداعي أمر الله تعالى (2)، ] (1) كما عن المنتهى، وشرح نجيب الدين، وغيرهما. والمراد من القصد الارادة، كما فسرت النية بها في أكثر محكي عبارات الاصحاب، بل في محكي رسالة الفخر: أنه عرفها المتكلمون بأنها إرادة من الفاعل للفعل، وعرفها الفقهاء بأنها إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعا على وجهه، ونحوه ما عن التنقيح، وفي محكي حواشي الشهيد: أنها عند المتكلمين إرادة بالقلب يقصد بها إلى الفعل، وعند الفقهاء إرادة الفعل، وعن شرح المفاتيح أنها الباعثة على العمل المنبعثة عن العلم، ونحوه ما عن العلامة الطباطبائي - قدس سره - وإن كان الظاهر من لفظ القصد أنه غير الارادة، وأنه السعي نحو الشئ، ولذا يتعلق بالاعيان الخارجية، فتقول: قصدت زيدا، ولا تقول: أردت زيدا، إلا على معنى: أردت الوصول إليه. بنحو من العناية. لكن من المعلوم أن المراد منه في المقام هو الارادة، كما يستعمل فيها عرفا كثيرا. (2) لان الوضوء عبادة اتفاقا، بمعنى أنه لا يترتب عليه الاثر إلا إذا جاء به العبد بعنوان العبادة، ولا ينبغي التأمل في أنه يعتبر في تحقق العنوان المذكور كون الاتيان بالفعل عن داعي أمر المولى، بمعنى كون أمر المولى هو الموجب لترجيح وجود الفعل على عدمه في نظر العبد، الموجب ذلك لتعلق إرادته به. هذا ولاجل أن مجرد كون الفعل مأمورا به لا يوجب رجحانه في نظر العبد ذاتا، وإنما يوجب رجحانه عرضا بلحاظ عناوين أخر، تعرض المصنف رحمه الله كغيره لتلك العناوين (فمنها): كون الفعل حقا من حقوق المولى، فيفعله أداء لحقه (ومنها): كونه شكرا له على نعمه

 

===============

 

( 462 )

 

[ إما لانه تعالى أهل للطاعة - وهو أعلى الوجوه (1) - أو لدخول ] (ومنها) كونه موجبا للرفعة عنده والقرب منه. وظاهر بعض رجوعه إلى ما بعده، فيشكل الاكتفاء به عند من استشكل في الاكتفاء بما بعده. لكنه غير ظاهر (ومنها): كونه موجبا للتفصي عن البعد عنه (ومنها): كونه موجبا لحصول الثواب الاخروي (ومنها): كونه موجبا للامن من العقاب كذلك. (ومنها): كونه موجبا للثواب الدنيوي (ومنها): كونه موجبا للامن من العقاب كذلك. هذا وظاهر غير واحد كون الدواعي المذكورة في عرض قصد الامتثال، لانهم ذكروا للقربة المعتبرة في العبادة معاني، أحدها، قصد الامتثال، والباقي الدواعي المذكورة، فتكون ملحوظة للفاعل دواعي له على فعله، في قبال قصد الامتثال وفي عرضه. ولكنه في غير محله، إذ الظاهر أن تلك الدواعي انما تلحظ في طول قصد الامتثال ودواعي إليه - كما ذكر في المتن - لانها إنما تترتب عليه، ولا تترتب على ذات الفعل. نعم لو ثبت أن من الافعال ما هو عبادة بذاته أمكن أن تكون الامور المذكورة دواعي إليه من دون توسط قصد الامتثال. لكن المحقق في محله هو العدم. ثم إن هناك دواعي أخر ذكرها بعض الاصحاب، ويمكن تصور غيرها مما لم يذكر، وتختلف داعويتها باختلاف النفوس في رغباتها وملاذها فتدبر. ثم إن تسمية الدواعي المذكورة في كلماتهم بالغايات لا تخلو من مسامحة في بعضها، حيث أنه لا يترتب على الفعل العبادي، وإنما هو عنوان فيه مرغب إليه. فتأمل جيدا. (1) لخلوه عن الطمع في ما يرجع نفعه إليه، كما حكي عن أمير المؤمنين

 

===============

 

( 463 )

 

[ الجنة والفرار من النار، وهو أدناها (1) ] عليه السلام أنه قال: " ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " (* 1). لكن في نهج البلاغة أنه (ع) قال. " إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار " (* 2). وفي رواية هارون بن خارجة: " العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عزوجل حبا له فتلك عبادة الاحرار " (* 3). والظاهر أن العبادة للحب أعلى من العبادة لكونه أهلا. ولعل ما حكي عن أمير المؤمنين (ع) راجع إليه. على أنه غير مروي في طرقنا. نعم رواه جماعة من المتأخرين - ومنهم الشهيد في الذكرى (* 4) - وكأنه من روايات العامة، كما ذكر الحر (ره) في حاشية الوسائل (* 5)، والامر سهل. (1) الظاهر أن أدناها رجاء الثواب وخوف العقاب الدنيويين، والحصر في الاخبار المتقدمة وغيرها محمول على الحصر الاضافي، أو يراد من الرغبة والرهبة والخوف والثواب ما يعم جهة الدنيا والآخرة. وكيف كان فعن

 

 

____________

(* 1) رواه في الوافي مرسلا في شرح الحديث الاول من باب: 18 من أبواب جنود الايمان من الفصل الرابع. وفي مرآة العقول ج: 2 ص: 101. وفي البحار ج: 15 كتاب الخلق ص: 82. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1. (* 4) في أوائل الفصل الرابع من باب الطهارة في كيفيتها، في المبحث الاول من مطلب كيفية الوضوء في واجباته. وقد نقل مضمونه من دون ذكر النص. (* 5) هذه الحاشية غير مذكورة في الوسائل المطبوعة وإنما هي موجودة في النسخة المصححة لسيدنا المؤلف مد ظله العالي في باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات.

 

===============

 

( 464 )

 

[ وما بينهما متوسطات (1). ولا يلزم التلفظ بالنية (2)، بل ولا إخطارها بالبال (3)، ] قواعد الشهيد (ره) أنه قال: " أما نية العقاب والثواب فقد قطع أكثر الاصحاب بفساد العبادة بقصدهما "، وعن العلامة (ره) في جواب المسائل المهنائية: اتفاق العدلية على عدم استحقاق الثواب بذلك، وعن الرازي في تفسيره: اتفاق المتكلمين على البطلان. لكن ذلك غير ظاهر من سيرة العقلاء، ولا مما ورد في الكتاب والسنة من بيان الجزاء على الطاعات في العاجل والآجل الوارد في مقام الترغيب على الطاعات، خصوصا ما ورد في بعض العبادات كصلاة الحاجات وصومها وغيرهما. ولا يبعد أن يكون مراد الجماعة المذكورين صورة ما إذا كان قصد الثواب أو العقاب داعيا في قبال قصد الامر. لا ما يكون داعيا الى قصد الامر. (1) ومترتبات على حسب ما ذكرنا. (2) إتفاقا، بل ولا يستحب، كما هو صريح جماعة، بل ظاهر محكي الذكرى الاجماع عليه، لعدم الدليل عليه والشرع خال منه. وعن التبيان في الصلاة: الاقرب أنه مكروه. وفيه نظر، كما عن المقداد. (3) كما نسب إلى المشهور، حيث حكي عنهم أن النية المعتبرة في العبادات هي الارادة التفصيلية المتعلقة بالصورة المخطرة. ولا دليل لهم ظاهرا عليه، إذ الثابت بالاجماع كون الوضوء عبادة، ومن المعلوم من بناء العقلاء أنه يكفي في تحقق العبادة كون الفعل اختياريا صادرا عن إرادة الفاعل بداعي تعلق الامر به، وهذا كما يكون بالارادة التفصيلية القائمة بالصورة المخطرة يكون بالارادة الارتكازية أيضا. ويشهد به اكتفاؤهم بمقارنة الارادة التفصيلية المذكورة لاول الفعل وإن زالت في الاثناء إذا

 

===============

 

( 465 )

 

[ بل يكفي وجود الداعي في القلب (1)، بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضأ، مثلا. وأما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيرا فلا يكفي (2) وإن كان مسبوقا بالعزم والقصد حين المقدمات. ويجب استمرار النية إلى آخر العمل، فلو نوى الخلاف أو تردد وأتى ببعض الافعال بطل (3). إلا أن يعود إلى النية الاولى قبل فوات الموالاة (4). ] حصلت الارادة الارتكازية وبقيت إلى آخره، مع أن من المعلوم أن عنوان العبادة كما يكون لاول الفعل يكون لآخره، فإذا كان يكفي في عبادية الاخير الارادة الارتكازية التي ذكرناها فلم لا تكفي لاوله؟. ومن ذلك يظهر أن المراد من إخطار النية في عبارة المتن إخطار المنوي تفصيلا، فالعبارة لا تخلو من مسامحة. (1) يعني: تلك الارادة الارتكازية، الباقية ببقاء الداعي الارتكازي التي كان حدوثها ناشئا عن خطور الداعي. (2) لان ذلك كاشف عن انتفاء الارادة المذكورة، ولو كانت موجودة امتنع الجهل بها، لانها من الامور الوجدانية التي يعلم بها بمجرد الالتفات إليها. نعم لو كان التحير ناشئا عن قسر النفس عن الالتفات إلى ما فيها لبعض العوارض - كما قد يتفق - لم يكن ذلك قادحا في صحة الوضوء إذا أحرز الفاعل بعد تحقق الالتفات منه كون فعله لاجل الداعي الصحيح. (3) لفقد النية. (4) يعني: فيصح الفعل حينئذ، إذ لا يعتبر في صحة العبادة استمرار نيتها، وإنما يعتبر صدور كل جزء منها عن الارادة المعتبرة فيها ولو بأن تعود بعد الزوال.

 

===============

 

( 466 )

 

[ ولا يجب نية الوجوب والندب لا وصفا (1)، ] (1) يعني: وصفا للفعل المأتي به، بأن ينوي إتيان الفعل الواجب أو المندوب. وقد حكي اعتباره كذلك عن المشهور. لتوقف الامتثال عليه. أو لتوقف التعيين عليه. أو لقاعدة الاشتغال الجارية هنا حتى بناء على البراءة في الاقل والاكثر، إذ الشك في وجوب نية ذلك ليس شكا في التكليف الشرعي، لخروج النية المذكورة عن حيز الطلب، وإنما الشك في تحقق الامتثال المعتبر عقلا قطعا في العبادة. (وفيه): المنع من توقف الامتثال عليه. ويشهد به وضوح إمكان الامتثال مع تردد العبادة بين الواجب والمستحب والعجز عن معرفته، ومجرد عدم القدرة في الفرض على قصد الوجوب أو الندب لا أثر له في الفرق بينه وبين فرض العلم، لان تحقق الامتثال اللازم فيهما بنحو واحد. وتوقف التعيين عليه مطلقا ممنوع، لامكان حصول التعيين بقصد قيود المطلوب بأحدهما على نحو يتميز عن المطلوب بالآخر، أو قصد الطلب الشخصي المتخصص به وإن لم يلتفت إلى كونه وجوبا أو ندبا مع أن ظاهر من اعتبره هو اعتباره من حيث هو، لا من حيث التعيين وإن كان ظاهر دليله ذلك. وأما قاعدة الاشتغال فالتحقيق عدم جريانها في المقام كمسألة الاقل والاكثر، لان الشك هنا وإن كان في سقوط التكليف بدونه، إلا أن مجرد ذلك غير كاف في وجوب الاحتياط، بل إنما يجب مع الشك في السقوط إذا كان منشؤه الشك في إتيان المأمور به، لا في مثل المقام مما كان منشؤه الشك في حصول المصلحة، وإلا لزم الاحتياط في مسألة الاقل والاكثر، لحصول الشك المذكور مع الاقتصار على فعل الاقل. وبالجملة المدار في جريان البراءة كون العقاب بلا بيان، وهو حاصل هنا وليس المدار فيها كون الشك في التكليف، كي يشكل جريانها هنا بأن

 

===============

 

( 467 )

 

[ ولا غاية (1)، ] الشك هنا ليس في التكليف، للعلم بعدم التكليف بالقيد المذكور، لامتناع أخذه قيدا في المأمور به. هذا مضافا إلى أن القاعدة ساقطة بالاطلاق المقامي فان عدم تعرض الشارع لبيان اعتبار ذلك في العبادة مع أنه مما يغفل غالبا عنه طريق إلى عدم اعتباره، كما أشار إليه الوحيد رحمه الله في محكي حاشية المدارك وشرح المفاتيح. ولاجل ذلك يظهر أنه لو بني على الاحتياط في الوضوء وغيره من جهة أن الشك فيه شك في المحصل - كما تقدم تقريبه في أوائل الباب - لا يجب الاحتياط هنا، لدلالة الاطلاق المقامي على نفيه. (1) كما هو مذهب جماعة، وعن الروضة: أنه مشهور. إنتهى. والمراد من الوجوب والندب إن كان الشرعيين - كما هو الظاهر - امتنع جعلهما غاية للامتثال، فضلا عن وجوبه، إذ الغاية ما تترتب على المغيى، ومن المعلوم أن المترتب على فعل الواجب والمندوب سقوط الوجوب والندب لاثبوتهما، فلابد أن يكون المراد من كونهما غاية أنهما داعيان إلى ذات الفعل، كما تقدم مثل هذا الاستعمال في بعض معاني القربة، فيرجع قصدهما كذلك إلى قصد الامر، ويرجع القول باعتبارهما غاية إلى القول باعتبار قصد خصوصية الوجوب أو الندب في الامر الداعي، وأنه لا يكفي قصد مطلق الامر المردد بين الوجوبي والندبي، بل لا بد من قصد الامر الموصوف بأحدهما معينا، وحينئذ يجري فيه ما تقدم في أخذهما وصفا للفعل، والكلام فيه هو الكلام هناك نفيا وإثباتا. ولو فرض كون المراد أنهما داعيان إلى الفعل الصادر عن الامر فيكونان داعيين إلى الامتثال فهو معقول. وينبغي أن يكون الكلام فيه نفيا وإثباتا كسابقه. وإن كان المراد من الوجوب والندب العقليين اللذين هما حسن الفعل

 

===============

 

( 468 )

 

ولا نية وجه الوجوب والندب (1)، بأن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب، أو لوجوبه أو ندبه، ] مع قبح الترك أو لا مع قبحه، فكونهما غاية لا بد أن يكون المراد منه أيضا ما عرفت من مجرد الداعوية، لا ما يترتب على المغيى، وحينئذ نقول أيضا: إما أن يكون المراد الداعوية إلى ذات الفعل، أو إلى الفعل الصادر عن داعوية الامر الشرعي. فان كان الاول توقف على القول بوجوب حسن المأمور به - كما هو التحقيق - لامتناع تعلق الارادة التشريعية بما لا يكون راجح الوجود على العدم كالارادة التكوينية، ولا يتم على القول بعدم لزوم ذلك. ثم نقول: لا دليل على اعتبار قصده حينئذ، لصدق عنوان العبادة عند العقلاء بدونه جزما، بل الاطلاق المقامي قاض بعدمه. وإن كان الثاني فمما لابد منه لان الفعل عن داعي الامر لابد أن يكون من جهة حسنه الناشئ من أحد الوجوه المتقدم إليها الاشارة في دواعي الامتثال. فلاحظ. وأما ما عن العدلية والمحقق الطوسي، من أنه يشترط في استحقاق الثواب على الواجب والمندوب الاتيان به لوجوبه أو ندبه. فالظاهر منه إرادة قصد الامر بنحو الداعي الذي لا إشكال في اعتباره في العبادات، كما سبق. ولو أريد غير ذلك كان ممنوعا جدا. (1) والمراد به - كما عن الشهيد (ره) - إما الامر، كما عن الاشاعرة. أو اللطف في الواجبات والمندوبات العقلية، بمعنى ما يقرب إليها، كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (* 1) وقريب منها غيرها. أو مطلق المصلحة، كما عن العدلية. قيل: أو الشكر. لكن في كونه وجها للوجوب أو الندب إشكال، لان الوجوب

 

 

____________

(* 1) العنكبوت: 45.

 

===============

 

( 469 )

 

[ أو أتوضأ لما فيه من المصلحة (1)، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي الله. بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع (2) أو التقييد، فلو اعتقد دخول الوقت. فنوى الوجوب وصفا أو غاية، ثم تبين عدم دخوله، صح إذا لم يكن على وجه التقييد، وإلا بطل (3)، كأن يقول: أتوضأ لوجوبه. وإلا فلا أتوضأ. (مسألة 28): لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة، على الاقوى (4)، ولا قصد الغاية التي أمر لاجلها ] أو الندب من علله، فلا يكون علة لهما. وعلى الاول فنيته هي نية الامر التي قد عرفت اعتبارها إجماعا. لكن عطفه على الوجوب ب‍ (أو) لا يناسب هذا المعنى. نعم العبارة المذكورة إنما حكيت عن العدلية، فالمراد لابد أن يكون ما عدا المعنى الاول. وكيف كان فلا دليل على اعتبار نية ذلك، لا تخييرا بينها وبين نية الوجوب أو الندب - كما هو ظاهر القائلين بها - ولا تعيينا، لما عرفت من صدق العبادة بدونها، والاطلاق المقامي قاض بعدمه. (1) تفسير للوجه. (2) إذ الانبعاث حينئذ يكون عن الامر التشريعي، لا الامر الشرعي هذا إذا كان التشريع في ذات الامر، أما إذا كان في وصف كونه واجبا أو ندبا فلا بأس، إذ لا يخرج الامتثال حينئذ عن أن يكون عن داعي الامر الشرعي. (3) لان انتفاء القيد يقتضي انتفاء المقيد فما قصد امتثاله منتف وما هو ثابت لم يقصد امتثاله. (4) كما نسب إلى جماعة من المتأخرين. لما عرفت من عدم الدليل

 

===============

 

( 470 )

 

على وجوبها، فقاعدة البراءة العقلية محكمة. مضافا إلى الاطلاق المقامي فانه يقتضي عدمه. خلافا لما عن ظاهر الكافي، والغنية، وموضع من الوسيلة، وغيرها، من اعتبار نيتهما معا. ولما عن المبسوط، والسرائر، والتحرير، والمنتهى، والمختلف، والتذكرة، من الاكتفاء بنية أحدهما تخييرا، وظاهر محكي السرائر الاجماع عليه. ولما عن بعض كتب الشيخ - رحمه الله - من لزوم نية الرفع. ولما عن السيد - رحمه الله - من لزوم نية الاستباحة. والكل ضعيف، مخالف لقاعدة البراءة، وللاطلاق المقامي. وما قد يستدل به عليه - مثل أنه إنما شرع لذلك، وأنه يتوقف عليه التمييز، وأن لكل امرئ ما نوى، وقوله تعالى: (إذا قمتم الى الصلاة) (* 1) حيث أن الظاهر أن ذلك الوضوء لاجل الصلاة، وقوله (ع): " إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة " (2)، لظهوره في وجوب نفس الطهور، فيجب قصده بقصد الطهارة ورفع الحدث... إلى غير ذلك، مما جعل سندا للاقوال المذكورة، بضميمة إرجاع الرفع إلى الاستباحة أو عدم الارجاع، أو كون الاثر الاول للوضوء هو الطهارة، فهو المتعين للنية، أو كون الفرض الاصلي هو الاستباحة فهو المتعين - يظهر ضعفه بالتأمل. وتحقيق الحال أنه إن أريد من اعتبار نية ذلك في صحة الوضوء كونها مقومة لذات الوضوء الذي هو موضوع الامر، فالادلة المذكورة لا تقتضيه بل الادلة المتقدمة في بيان الوضوء من الكتاب والسنة ظاهرة في خروجها عن حقيقته، وأنه ليس إلا غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، كما عرفت أيضا في أوائل مباحث الوضوء، كظهور النصوص أيضا في أنه

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 471 )

 

إذا وقع صحيحا كان رافعا للحدث كما ينقضه الحدث. وإن أريد كون نية ذلك دخيلة في عبادية الوضوء فمنعه ظاهر أيضا، لما عرفت من أن العبادية إنما تتقوم بكون الداعي إلى الفعل أمر المولى لا غير. نعم قد تحرر في محله من الاصول أن الاوامر الغيرية لا تصلح للداعوية إلى الفعل والبعث إليه بما هي هي في قبال الاوامر النفسية، وإنما تصلح لذلك بما أنها من شؤونها، ويترتب عليه لزوم قصد الغاية بفعل الوضوء، فلو جئ به لا لغاية أصلا امتنع أن يكون بداعي الامر الشرعي الغيري، فلا يكون عبادة. وحينئذ فان كان مقصود القائل باعتبار نية الرفع أو الاستباحة - ذلك كما قد يظهر من جملة من أدلته - كان في الجملة في محله. ولكنه يتوقف على؟ أمور (الاول): عدم ثبوت استحباب الوضوء في نفسه في قبال استحبابه للكون على الطهارة، إذ لو كان مستحبا في نفسه - كما قواه المصنف رحمه الله سابقا - أمكن التعبد بأمره النفسي بلا نظر إلى أمر الطهارة وسائر الغايات (الثاني): اعتبار قصد الغاية مطلقا في الواجبات الغيرية حتى في ما كانت الغاية فيه من التوليديات المترتبة على المقدمة بلا توسط فعل اختياري، إذ لو لم نقل به فيها - كما قربناه سابقا - أمكن صحة الوضوء إذا قصد أمره الغيري وإن لم يلتفت إلى كونه يوجب الطهارة ورفع الحدث، بل لو قيل به فيها أمكن القصد إليها إجمالا وإن لم يلتفت إلى أنها خصوص رفع الحدث (الثالث): أن يكون المراد من الحدث والاستباحة مطلق الغايات، إذ لا فرق في ذلك بين رفع الحدث والصلاة وغيرهما من الغايات في كفاية قصد واحدة منها في حصول عباديته. ومن ذلك يظهر الكلام في ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: " ولا قصد الغاية... " وأنه لا تتوقف صحة الوضوء على قصد الغاية، لكفاية قصد

 

===============

 

( 472 )

 

[ بالوضوء، وكذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم كما مر (1). نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال، بمعنى: أنه لو قصدها يكون ممتثلا للامر الآتي من جهتها، وإن لم يقصدها يكون أداء للمأمور به لا امتثالا (2)، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة وإن كان معتبرا في تحقق الامتثال. نعم قد يكون الاداء موقوفا على الامتثال، فحينئذ لا يحصل الاداء أيضا، كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة، فتوضأ ولم يقصدها، فانه لا يكون ممتثلا للامر النذري (3)، ولا يكون أداء للمأمور به بالامر النذري أيضا (4)، وإن كان وضوؤه صحيحا، لان أداءه فرع قصده. نعم هو أداء للمأمور به بالامر الوضوئي. ] الامر الغيري به الآتي من قبل الامر بالكون على الطهارة في حفظ عباديته وإن لم يقصد الكون على الطهارة، بناء على ما قربناه من عدم اعتبار قصد التوصل في الغايات التوليدية، أو بناء على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء، كما قواه المصنف رحمه الله سابقا. (1) ومر وجهه في المسألة الرابعة من فصل الوضوءات المستحبة. (2) بل هو امتثال للامر الذي كان فعل الوضوء بداعويته عبادة، لا امتثال لامر الغاية، فلا تحسن المقابلة بين الاداء والامتثال في المقام، إذ الوضوء لا يصح إلا بقصد امتثال أمر ما كما تقدم، غاية الامر أنه لا يلزم قصد امتثال الامر الآتي من قبل الغاية، بل يكفي قصد امتثال غيره. فتأمل. (3) حيث لم ينبعث من قبله. (4) لان أداء المنذور كأداء سائر ما يكون في ذمة المكلف من الاعيان

 

===============

 

( 473 )

 

[ (الثالث عشر): الخلوص فلو ضم إليه الرياء بطل (1)، ] والافعال، إنما يكون بالقصد، فان المديون لزيد درهما إذا دفع له درهما لا يكون وفاء عما في ذمته إلا بقصده، إذ الدرهم كما يصلح لان يكون وفاء يصلح لان يكون هبة، وأن يكون قرضا وأن يكون غير ذلك، ولا معين لواحد منها إلا القصد، فلو لم يقصد شيئا لم يخرج الدرهم عن كونه ملكا للدافع على ما كان عليه قبل الدفع، ولاجل أن النذر يوجب كون الفعل المنذور ملكا لله سبحانه في ذمة الناذر يجري عليه حكم الدين، لا يتعين مصداقه إلا بالقصد. (1) قولا واحدا إلا ما يحكى عن المرتضى - رحمه الله - كما عن جامع المقاصد ونحوه كلام غيره. ويشهد له - مضافا إلى الاجماعات المتقدمة على كون الوضوء عبادة، لمنافاة الرياء لعباديته في جملة من الصور، كما ستأتي الاشارة إليه - ما دل على حرمة العمل المرائى فيه من الكتاب المجيد، كقوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون الذين هم يراؤون " (* 1) والاجماع، والنصوص، كرواية زرارة وحمران عن أبي جعفر (ع): " لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا " (* 2). وفي رواية أبي الجارود: " من عمل عملا مما أمر الله تعالى به مراءاة للناس فهو مشرك " (* 3). وفي رواية مسعدة: " فاتقوا الله تعالى في الرياء، فانه الشرك بالله، إن المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر،

 

 

____________

(* 1) الماعون: 4. (* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 13.

 

===============

 

( 474 )

 

[ سواء كانت القربة مستقلة والرياء تبعا (1) أو بالعكس، ] حبط عملك وبطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم " (* 1)، وفي صحيح ابن جعفر (ع): " يؤمر برجال الى النار... (إلى أن قال): فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا: كنا نعمل لغير الله، فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له " (* 2). وفي رواية السكوني: " إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزوجل: اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد به " (* 3)، ونحوها غيرها. فلاحظ الابواب المعقودة لها في أوائل الوسائل (* 4). والتحريم ينافي العبادة، لامتناع التقرب بما هو مبعد، واعتبار صلاحية المقربية في ما هو عبادة من القطعيات (ودعوى): أن الرياء المحرم لا ينطبق على العمل الخارجي، وإنما ينطبق على مجرد القصد. خلاف ظاهر النصوص، بل ينبغي أن يكون بطلان العمل المرائى فيه من ضروريات مدلولها. ومنه يظهر ضعف ما عن السيد - رحمه الله - من صحة العمل وسقوط الثواب، لان نفي قبول العمل أعم من عدم الاجزاء. وجه الضعف: أنه لا ينحصر الدليل على البطلان بما دل على نفي القبول. مع أن إطلاق نفي القبول يلازم البطلان. فتأمل. (1) الاجماعات على عبادية الوضوء لا تقتضي البطلان في هذه الصورة، بناء على عدم منافاة الضميمة للعبادية إذا كانت تابعة للقربة، فينحصر الدليل على البطلان فيها بالادلة اللفظية من الكتاب والسنة الدالة على حرمة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3. (* 4) راجع الوسائل باب: 5، 8، 11، 12، وغيرها من أبواب مقدمة العبادات.

 

===============

 

( 475 )

 

[ أو كان كلاهما مستقلا (1)، وسواء كان الرياء في أصل العمل (2)، أو في كيفياته (3) ] العمل المرائى فيه، وبطلانه، وأكثرها ظاهر في غير هذه الصورة. نعم إطلاق ما دل على حرمة الرياء، وأنه شرك يقتضي عموم الحكم لها، بل لعل رواية زرارة وحمران المتقدمة ظاهرة فيها، ويعضدها مثل رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع): " ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع اموره " (* 1). وحمل الادخال في الاول على الادخال بنحو الجزئية، والنشاط في الثانية على ما يقابل التقاعد، كما ارتكبه شيخنا الاعظم - رحمه الله - لاجل ظهور أكثر النصوص في غير المقام، ولاجله استشكل في الحكم فيه. لا داعي له، لعدم التنافي بين أكثر النصوص وبين ما ذكر، لا سيما مع اعتضاده بالاطلاق، فيكون الحمل بلا قرينة، فالتعميم - كما هو ظاهر المشهور - أظهر (1) ما تقدم في الصورة الاولى جار بعينه هنا، لكن عموم النصوص له أظهر. أما إذا لم يكن لاحدهما استقلال، وإنما كان مجموعهما عنه؟ فالحكم فيه هو الحكم في الصورة الثانية، لانتفاء العبادية حينئذ، إذ من الواضح عند العقلاء أن قوام العبادية استقلال الامر الشرعي بالداعوية. (2) فانه القدر المتيقن. (3) الكيفيات التي يكون بها الرياء (تاره): تكون متحدة مع؟ المأمور به في الخارج، مثل أن يرائي في الصلاة في أول الوقت، أو؟؟ المسجد (وأخرى): تكون أجنبية عنه، مثل أن يرائي بالتحنك؟ الخشوع أو البكاء أو نحو ذلك في الصلاة. فان كانت على النحو الاول؟

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

 

===============

 

( 476 )

 

[ وفي أجزائه (1)، بل ولو كان جزءا مستحبا (2) على الاقوى ] فالحكم البطلان، لان تحريمها يوجب تحريم نفس العبادة، فيمتنع التعبد بها. مع إمكان صدق الرياء بالعبادة، فيجري حكمه عليه. وإن كانت على النحو الثاني فالحكم الصحة، لعدم الموجب لبطلان العبادة بعد مباينتها لموضوعه في الخارج (ودعوى): صدق الرياء على العبادة نفسها حينئذ ممنوعة، بل تطبيقه عليها ناشئ من المسامحة والعناية، بمعنى كون المجموع ظرفا للرياء، لا أنه متعلق بها. (1) مقتضى ظاهر الادلة هو بطلان الجزء لا غير، لانه المرائى فيه والمفروض أن بقية الاجزاء قد وقعت على نحو الاخلاص فتصح. نعم إذا اقتصر على الجزء المذكور بطل الكل، لفواته بفوات جزئه، وكذا لو لم يقتصر عليه إذا كانت زيادته قادحة في صحة الكل، كأجزاء الصلاة، فلو رائى في القراءة بطلت الصلاة، ولا يجدي التدارك للزيادة العمدية القادحة لعموم: " من زاد في صلاته فعليه الاعادة (* 1). فاطلاق الحكم بالبطلان في الاجزاء غير ظاهر. (2) الظاهر أن الاجزاء المستحبة ليست أجزاء أصلا؟ لا لصرف الماهية - كماهية الوضوء - لعدم انتفاء الماهية بانتفائها، ولا للماهية الفاضلة وإلا كانت عين صرف الماهية في الخارج، لان الماهية الفاضلة أفضل الفردين، ويتحد صرف الماهية مع كل من أفراده بتمام أجزائه في الخارج. وإذا اتحد مع تمام الاجزاء سرى إليها حكمه، فتكون الاجزاء المستحبة واجبة لو كان صرف الماهية واجبا، فلا بد من الاتيان بها بداعي الوجوب مع أنه لا ريب عندهم في أن الاتيان بها بداعي الاستحباب، فلا بد أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

 

===============

 

( 477 )

 

[ وسواء نوى الرياء من أول العمل أو نوى في الاثناء (1)، وسواء تاب منه (2) أم لا. فالرياء في العمل بأي وجه كان مبطل له، لقوله تعالى على ما في الاخبار: " أنا خير شريك من عمل لي ولغيري تركته لغيري " (3). هذا، ولكن إبطاله إنما هو إذا كان جزءا من الداعي على العمل ولو على وجه التبعية، وأما إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرد خطور في القلب، ] تكون أمورا مستحبة في وجود الماهية خارجة عنها، ووجود الماهية يكون ظرفا لها. وحينئذ يكون الرياء فيها مبطلا لها نفسها لا غير، إذ لا موجب لبطلان الماهية الواجبة بعد أن كانت خالية عن الرياء. ومنه يظهر أنه لا ملازمة بين القول بأن الرياء في الجزء قادح في صحة الكل وبين القول بأن الرياء في الجزء المستحب قادح في صحة الماهية، بل يمكن التفكيك بينهما جزما. (1) لاطلاق الادلة. وربما كان ظاهر خبر يونس بن عمار الآتي عدم قدح الرياء في الاثناء. لكنه ضعيف سندا ودلالة، ولذا قوى في الجواهر البطلان بعد أن جعل للصحة وجها. بل الانصاف أنه لا مجال للتردد فيه. إذ لا يصلح الخبر المذكور - لو سلم سندا ودلالة - لمقابلة الادلة المتقدمة، المعتضدة بفتوى الاصحاب. (2) إذ دليل التوبة إنما يدل على محوها للذنب، لا على تصحيح العمل الباطل بمقتضى الاطلاق. (3) هذه الفقرة لم أجدها مذيلا بها الحديث على اختلاف متونه وطرقه، وإنما الموجود في رواية هشام بن سالم (" فهو لمن عمله غيري " (* 1)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

 

===============

 

( 478 )

 

[ من دون أن يكون جزءا من الداعي، فلا يكون مبطلا (1). وإذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها ومن الرياء فالعمل باطل، لعدم إحراز الخلوص (2) الذي هو الشرط في الصحة. وأما العجب فالمتأخر منه لا يبطل العمل (3) ] وفي بعض روايات علي بن سالم: " فهو لمن عمله دوني " (* 1)، وفي غيره غير ذلك. (1) كما استظهره في الجواهر، لعدم الدليل عليه، واختصاص الادلة المتقدم إليها الاشارة بغيره. بل لعل ذلك ظاهر الاصحاب، حيث اقتصروا على ذكر الرياء الذي ليس هو منه. (2) لا وجدانا، ولا بالاصل، إذ لا أصل يحرز الاخلاص مع أنه لابد من إحرازه، لقاعدة الاشتغال. (3) كما لعله ظاهر الاصحاب، حيث أهملوا ذكره في المفسدات. لعدم الدليل على البطلان به. نعم يظهر من كثير من الاخبار حرمته. لكنه لا ينطبق على العمل، ليمتنع التقرب به حينئذ: ومجرد كونه من المهلكات (* 2)، وأنه مانع من صعود العمل إلى الله سبحانه، ومن قبوله (* 3) أعم من الابطال. وأما خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (ع): " عن العجب الذي يفسد العمل. فقال (ع): العجب درجات: منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا، فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا. ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله تعالى، ولله عليه فيه المن " (* 4).

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5. (* 2) كما تضمن ذلك ما في الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12. (* 3) كما تضمن ذلك ما في الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

 

===============

 

( 479 )

 

[ وكذا المقارن وإن كان الاحوط فيه الاعادة (1). وأما السمعة فان كانت داعية على العمل، أو كانت جزءا من الداعي، بطل، وإلا فلا، كما في الرياء (2)، فإذا كان الداعي له على العمل هو القربة، إلا أنه يفرح إذا اطلع عليه الناس، من غير أن يكون داخلا في قصده، لا يكون باطلا (3)، لكن ينبغي ] فالظاهر أن المراد من الفساد فيه مجرد عدم القبول، لا عدم الصحة، فان القسم الاول مجرد ارتكاب السيئات، والقسم الثاني محله مما لا يقبل الصحة والفساد. مضافا إلى خبر يونس بن عمار عن أبي عبد الله (ع): " قيل له وأنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خاليا فيدله العجب. فقال (ع): إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان " (* 1). ومنه يظهر الحال في العجب المقارن. (1) لما في الجواهر عن بعض مشايخه من الافساد فيه، ولذا خصه بالاحتياط. (2) لعموم بعض أخبار الرياء لها بالتنصيص عليها في بعضها، كرواية ابن القداح " واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة، فانه من عمل لغير الله وكله الله الى عمله يوم القيامة " (* 2)، وبعضها بالتعليل وبعضها بالغاء خصوصية الرؤية، لانها ملحوظة طريقا كالسماع في السمعة، فتمام موضوع الحكم كون الداعي إلى العمل جهة الناس قبال جهته تعالى، وعليه فيجري عليها حكم الرياء تكليفا ووضعا. (3) ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " عن الرجل يعمل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

 

===============

 

( 480 )

 

[ للانسان أن يكون ملتفتا، فان الشيطان غرور وعدو مبين. وأما سائر الضمائم، فان كانت راجحة - كما إذا كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير - فان كان داعي القربة مستقلا والضميمة تبعا، أو كانا مستقلين صح (1)، وإن كانت القربة تبعا أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل (2)، ] الشئ من الخير، فيراه إنسان فيسره ذلك. قال عليه السلام: لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك " (* 1). (1) وعن شرح الدروس واللوامع ظاهر الاجماع عليه، (وما) عن العلامة (ره) في النهاية - تبعا لجمع - كما قيل - من إطلاق البطلان في الضميمة، وحكي أيضا عن الايضاح، والموجز، وجامع المقاصد، والبيان وروض الجنان، ومجمع البرهان (منزل) على الضميمة المباحة، والوجه فيه: أن المقدار الذي قام الاجماع على اعتباره في الوضوء وغيره من العبادات هو صدور الفعل بداعي الامر المستقل في البعث لو لا الضميمة، فاعتهار غير ذلك محتاج إلى دليل، وهو مفقود. وسيأتي ماله نفع، فانتظر. (2) لعدم الاتيان به عن أمره، وإطلاق معقد ظاهر الاجماع المحكي آنفا على عدم قدح الضميمة الراجحة وإن كان يقتضي الصحة هنا أيضا، إلا أن ملاحظة إجماعهم على كون الوضوء عبادة، ووضوح استقلال الامر العبادي في البعث، يقتضي حمله على إرادة غير ذلك، في قبال الخلاف في الضميمة المباحة مع استقلال الامر، لشبهة منافاتها للاخلاص غير الواردة في الضميمة الراجحة، كما لا يخفى.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

 

===============

 

( 481 )

 

[ وإن كانت مباحة فالاقوى أنها أيضا كذلك (1)، كضم التبرد ] (1) لما عرفت في الضميمة الراجحة (ودعوى): منافاة ذلك للاخلاص المعتبر في العبادات (مندفعة) بأنه لا دليل على اعتبار الاخلاص بالمعني المنافي للضميمة مع استقلال الامر في البعث لولاها، بل ظاهر رواية سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام: " والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل " (* 1) أن المراد بالاخلاص ما يقابل الرياء. ولذلك أطلق في الشرائع - وعن المعتبر، والمبسوط، وغيرها، بل نسب إلى المشهور - عدم قدح الضميمة. وإطلاقه وإن كان يقضي القول بالصحة ولو مع استقلال الضميمة وتبعية القربة، لكن لا يبعد - كما عن كشف اللثام - تنزيله على صورة تبعية الضميمة، بل ينبغي الجزم بعدم إرادة الاطلاق وكيف يصح توهم صحة العبادة مع استقلال الضميمة وتبعية القربة؟ مع ما عرفت من الاجماع على عبادية الوضوء، وأن قوام العبادية انقياد العبد إلى المولى بأمره واستقلال أمره في بعثه، وما دون ذلك نقص في العبودية قطعا. ومنه يظهر ضعف التفصيل بين كون الضميمة تابعة فالصحة وبين غيره فالفساد - كما عن جماعة من المتأخرين - فانه لا مقتضي للحكم بالفساد مع استقلال الامر ولو مع استقلال الضميمة، واشتراك الضميمة مع الامر في البعث لو كان ينافي العبادية لنافاها ولو مع تبعية الضميمة، فانه أيضا يكون مجموع داعي الامر والضميمة باعثا على الفعل. ويستند الفعل الخارجي إليهما معا، والاختلاف بينهما في أن عدم الامر يوجب عدم الفعل في الثاني، بخلاف الاول، لا يوجب الفرق في تحقق الاشتراك في الداعي (فالمتحصل): أن المستفاد من بناء العقلاء

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

 

===============

 

( 482 )

 

[ الى القربة. لكن الاحوط في صورة استقلالهما ايضا الاعادة (1). ] أن المدار في كون الفعل عبادة ومظهرا من مظاهر العبودية كون أمر المولى في نظر العبد علة تامة للفعل، وأما انحصار العلة به - بحيث لو فرض عدم الامر لزم عدم الفعل من جهة عدم الدواعي النفسانية للعبد - فليس مما له دخل في عبوديته. نعم ذلك من كمال عبوديته، لكن لا دليل على اعتبار هذه المرتبة من العبادية في العبادات. مع أنه لو بني على ذلك لزم تعذر التعبد في كثير من موارد العبادات إذا اتفق وجود الداعي النفساني الى الفعل ولو لم يكن مأمورا به، بل يتفق ذلك للاولياء والصلحاء: وأيضا لو بني على ذلك لم يكن وجه ظاهر للفرق بين الضميمة الراجحة والمباحة، إذ عبادية الامر في المقامين بمعنى واحد، وقد عرفت الاتفاق على الصحة مع الضميمة الراجحة ولو كانت مستقلة (وبالجملة): قوام العبودية كون أمر المولى ونهيه في نظر العبد علة تامة في البعث والزجر، فإذا لم يكونا كذلك بل كانا جزءا للعلة فيهما أو مؤكدا لها كان ذلك نقصا في العبودية. كما أن انحصار العلة في البعث والزجر بهما كمال في العبودية. والمقدار الثابت بالاجماع وملاحظة بناء العقلاء في العبادة التي هي من مظاهر العبودية هو اعتبار تمام العبودية، فلا يكتفى بما دونها، ولا يعتبر كمالها. ولازم ذلك صحة ما في المتن في الضميمة الراجحة والمباحة. نعم قد يشكل الحال في خصوص المقام من جهة لزوم الاحتياط فيه، لانه من الشك في المحصل، كما تقدم تقريبه في أفعال الوضوء. لكنه يندفع بدعوى الاجماع على عدم اعتبار أكثر من العبادية في الوضوء، الظاهر في تمام العبادية، دون كمالها. فتأمل جيدا. (1) خروجا عن شبهة الخلاف. بل الاحوط الاعادة ولو مع تبعية

 

===============

 

( 483 )

 

[ وإن كانت محرمة غير الرياء والسمعة فهي في الابطال مثل الرياء، لان الفعل يصير محرما، فيكون باطلا (1). نعم الفرق بينها وبين الرياء أنه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلا القربة، لكن حصل له في الاثناء في جزء من الاجزاء يختص البطلان بذلك الجزء (2)، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صح. وكذا لو كان ذلك الجزء مستحبا وإن لم يتداركه، بخلاف الرياء (3)، على ما عرفت، فان حاله حال الحدث في الابطال. (مسألة 29): الرياء بعد العمل ليس بمبطل (4). (مسألة 30): إذا توضأت المرأة في مكان يراها الاجنبي لا يبطل وضوؤها وإن كان من قصدها ذلك (5). ] الضميمة، لما عرفت من حكاية البطلان عن جماعة من الاعيان. (1) لامتناع التعبد به. (2) لاختصاص التحريم به، ولا مقتضى لسراية البطلان إلى غيره. (3) بل عرفت أنه كذلك. (4) لعدم الدليل على البطلان به، لاختصاص النصوص بالعمل الصادر رياء. نعم في مرسل علي بن اسباط عن أبي جعفر (ع): " الابقاء على العمل أشد من العمل: قال: وما الابقاء على العمل؟ قال (ع): يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له سرا ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتحمى وتكتب له رياء " (* 1). لكنه لضعفه وهجره محمول على نحو من الاحباط. (5) لعدم كونه مقدمة للحرام، ليحرم بقصد التوصل به إليه. نعم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

 

===============

 

( 484 )

 

[ (مسألة 31): لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء، كما إذا كان بعد الوقت (1)، وعليه القضاء أيضا، وكان ناذرا لمس المصحف، وأراد قراءة القرآن، وزيارة المشاهد كما لا إشكال في أنه إذا نوى الجميع وتوضأ وضوءا واحدا لها كفى (2)، وحصل امتثال الامر بالنسبة إلى الجميع (3)، وأنه إذا نوى واحدا منها أيضا كفى عن الجميع، وكان أداء بالنسبة إليها، وإن لم يكن امتثالا إلا بالنسبة إلى ما نواه، ولا ينبغي الاشكال في أن الامر متعدد حينئذ (4)، وإن قيل إنه لا يتعدد، ] إذا انحصر مكان الوضوء في المكان الذي يراها فيه الاجنبي، فان النهي عن التكشف فيه موجب لسلب القدرة على الوضوء فيتعين التيمم، فلا يكون الوضوء مشروعا حينئذ بناء على ارتفاع مشروعية الوضوء عند مشروعية التيمم، فيكون الحكم فيه هو الحكم عند انحصار ماء الوضوء في الاناء المغصوب. (1) قد عرفت أن الذي يظهر من أدلة الغايات أن غاية الوضوء هي الطهارة وغاية الطهارة الغايات المذكورة، فليست هي في عرض الطهارة. (2) كما تقدم في المسألة السادسة من فصل الغايات. (3) هذا واضح إذا كان كل واحد صالحا للاستقلال في البعث إلى الوضوء. أما لو كان المجموع صالحا لذلك، لاكل واحد، فيشكل الامتثال بالنسبة إلى واحد، فضلا عن الجميع، كما سبق في الضميمة الراجحة. ولو كان بعضها مستقلا. وبعضها تابعا كان امتثالا بالنسبة إلى الاول دون الثاني، كما أشرنا إلى ذلك في فصل الغايات. ولعل ما في المتن منزل على الاول. (4) بل هو في نهاية الاشكال بناء على كون الوضوء حقيقة واحدة

 

===============

 

( 485 )

 

[ وإنما المتعدد جهاته. وإنما الاشكال في أنه هل يكون المأمور به متعددا أيضا، وأن كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا؟ بل يتعدد. ذهب بعض العلماء إلى الاول (1) وقال: إنه حينئذ يجب عليه أن يعين أحدهما، ] بذاته مقدمة لكل واحدة من الغايات، فان حيثية المقدمية ليست من الحيثيات التقييدية، كي يكون المقام من قبيل مسألة الاجتماع الذي قال فيه جماعة بالجواز، بل هي تعليلية محضة، فيمتنع اجتماع الامرين فيه، لان المثلين كالضدين يمتنع اجتماعهما في محل واحد لا تكثر فيه بوجه، وإن قيل بجواز الاجتماع فيه هناك، كما لا يخفى. وكأن مراده - بقرينة نفي الاشكال - اجتماع ذاتي الامرين ومرتبتهما بنحو يكونان وجودا واحدا متأكدا، ولا بأس به حينئذ، كما تقدم في فصل الغايات. لكن ينافيه مقابلته للقول بالاتحاد مع تعدد الجهات. فان لازم ذلك كون وجود الامر الواحد ذا مراتب متعددة فيكون واحدا متأكدا. (1) لم أقف في ما يحضرني على هذا القول، فضلا عن نسبته إلى عالم معين. نعم حكي القول بتعدد الوضوء بتعدد السبب، وهو الحدث، كما تقدم في أوائل مبحث الوضوء، ولكنه غير القول بتعدد الوضوء بتعدد الغايات. نعم قال في الجواهر في مبحث عدم اعتبار تعيين الحدث: " ومن هنا تعرف أنه لا إشكال في الاكتفاء بوضوء واحد للغايات المتعددة واجبة كانت أو مندوبة، والظاهر أنه ليس من التداخل في شئ لان المطلوب في الجميع رفع الحدث، وهو أمر واحد غير ممكن التعدد فلا يتصور فيه تداخل، بخلاف الاغسال المندوبة إذ ليس المقصود منها ذلك. ودعوى: تنويع الحدث، فيكون للحاجة حدث غيره بالنسبة الى دخول

 

===============

 

( 486 )

 

[ وإلا بطل لان التعيين شرط عند تعدد المأمور به (1). ] المسجد، وهكذا، كدعوى احتمال أن الوضوءات المندوبات كالاغسال المندوبة، مما لا يرتكبه فقيه. نعم يتجه التداخل في الوضوءات التي لم يكن المقصود منها رفع الحدث... (إلى أن قال): لكنه موقوف على الدليل " وكيف كان فالمستفاد من أدلة اعتبار الوضوء في الغايات المتقدمة الذكر أن الوضوء الذي يكون مقدمة لواحدة منها هو الذي يكون مقدمة للاخرى، ولا تعدد فيه، ليمكن فرض التداخل، ولو بني على المغايرة لم يكن وجه للتداخل. اللهم إلا أن يكون الوجه فيه هو الاجماع. لكنه يعلم استناد المجمعين الى ظواهر الادلة، فلا يصح الاعتماد على إجماعهم. (1) لاعتبار القصد إليه الموقوف على التعيين. لكنه يختص بما إذا كان متعينا في نفسه في قبال الآخر، نظير صلاة الظهر في قبال صلاة العصر، ونافلة الصبح قبال فريضته، فان صحة إحداهما دون الاخرى دليل على تخصيص كل منهما بمخصصات لا تكون في الاخرى، فيمتنع القصد إلى ما هو متخصص من دون الالتفات إلى مخصصاته ولو إجمالا. أما إذا لم يكونا كذلك - كما لو وجب صوم يومين - لم يجب التعيين، بل امتنع، لانه فرع التعين، فلو تعدد منه السهو في الصلاة فوجب عليه سجود السهو مكررا لم يجب عليه التعيين، بل تعذر، ولو عينه بتعيين السبب فنوي السجود عن زيادة السجدة في قبال السجود عن زيادة التشهد لم يتعين، لخروج التعيين المذكور عن المأمور به، بل يسقط واحد ويبقى الباقي، وكذا لو نذر أن يصوم يوما إن شفى الله تعالى مريضه، ثم نذر أن يصوم يوما آخر إن رزق ولدا، فشفي مريضه، ورزق ولد، كان عليه صوم يومين بلا تعيين، فلو صام ناويا الوفاء بنذر الشفاء لم يتعين

 

===============

 

( 487 )

 

[ وذهب بعضهم إلى الثاني، وأن التعدد إنما هو في الامر (1)، أو في جهاته. وبعضهم إلى أنه يتعدد بالنذر ولا يتعدد بغيره، وفي النذر أيضا لا مطلقا بل في بعض الصور، مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة القرآن، ونذر أن يتوضأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدد (2)، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال لاحدهما (3)، ولا أداؤه، وإن نوى أحدهما المعين ] بل يسقط يوم ويبقى آخر، لان التعيين المذكور لما لم يكن داخلا في المأمور به كان المأتي به صالحا للفردية لكل منهما، ويخرج عن ذلك بالتعيين، بل يسقط أحدهما ويبقى الاخر. ويوضح ما ذكرنا قياس المقام بالارادة التكوينية، فان من أراد أن يصوم يوما إذا جاء زيد، وأراد أن يصوم يوما آخر إن جاء عمرو، فجاء زيد وعمرو، فانه تحصل له إرادة صوم يومين بلا ميز بينهما إلا بمحض الاثنينية، تكون تلك الارادة علة لصوم يوم ثم آخر، ولا تكون علة لصوم يوم مجئ زيد في قبال يوم مجئ عمرو، لانها إنما تعلقت بصوم يوم غير مقيد بكونه لمجئ زيد أو لمجئ عمرو، لان خصوصية السبب لا تقتضي خصوصية في المراد. (1) قد تقدم بعض الكلام في ذلك في فصل الغايات. (2) لان المنذور بالنذر الثاني غير المنذور بالنذر الاول بحسب قصد الناذر فيرجع النذر إلى نذر وضوءين. ويشكل بأن الغايات إذا لم تشرع التعدد فالنذر لا يصلح لتشريعه، لوجوب مشروعية المنذور مع قطع النظر عن النذر. (3) لان المنذور هو الوضوء الماتي به بقصد الغاية المعينة، فإذا لم يقصدها لم يأت بالمنذور.

 

===============

 

( 488 )

 

[ حصل امتثاله وأداؤه، ولا يكفي عن الآخر (1). وعلى أي حال وضوؤه صحيح (2)، بمعنى أنه موجب لرفع الحدث، وإذا نذر أن يقرأ القرآن متوضئا ونذر أيضا أن يدخل المسجد متوضئا فلا يتعدد حينئذ (3). ويجزئ وضوء واحد عنهما، وإن لم ينو شيئا منهما، ولم يمتثل أحدهما، ولو نوى الوضوء لاحدهما كان امتثالا بالنسبة إليه وأداء بالنسبة إلى الآخر. وهذا القول قريب. (مسألة 32): إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت وفي أثنائه دخل لا إشكال في صحته (4). ] (1) لمباينته له، للاختلاف في الخصوصية. (2) لما عرفت في فصل الغايات من أن كل وضوء فعله المحدث بالاصغر كان رافعا لحدثه وإن لم يكن وفاء لنذره لعدم انطباق المنذور عليه. (3) لان المنذور بالنذر الثاني هو أن يكون على وضوء وأن جئ به لغاية أخرى. (4) لما عرفت من أن المستفاد من الادلة كون الوضوء حقيقة واحدة يترتب عليها أثر واحد، وما يكون مقدمة لغاية هو الذي يكون مقدمة لبقية الغايات، فإذا استحب قبل الوقت ودخل في أثنائه بقي على استحبابه، غاية الامر أن يكون الوقت سببا لوجوبه، فيكون إتمامه واجبا ومستحبا على نحو يؤكد أحدهما الآخر، فلا موجب لبطلانه، ليجب استينافه. لكن العلامة - رحمه الله - في القواعد جعل أقوى الاحتمالات الاستيناف. وتعليله بامتناع اتصاف الشئ الواحد بالوجوب والاستحباب عليل، إذ فيه: أن الممنوع اجتماع الوجوب والاستحباب بحديهما في الواحد الذي لا تكثر فيه، أما اجتماعهما

 

===============

 

( 489 )

 

[ وأنه متصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه (1) وبالاستحباب بالنسبة الى ما كان قبل الوقت، فلو أراد نية الوجوب والندب نوى الاول بعد الوقت والثاني قبله (2). (مسألة 33): إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء ولم يكن عازما على اتيانها فعلا، فتوضأ لقراءة القرآن، فهذا الوضوء متصف بالوجوب وإن لم يكن الداعي عليه الامر الوجوبي، فلو أراد قصد الوجوب والندب لابد أن يقصد ] لا بحديهما بل بذاتيهما فلا مانع منه في الواحد الذي لا تكثر فيه خارجا فضلا عما له تكثر وأجزاء كالوضوء. نعم لو قلنا بأن الوضوء المندوب غير الوضوء الواجب أشكل أن يصح بعد دخول الوقت، بناء على أن الضوء بعد دخول الوقت لا يكون إلا واجبا، لان ما نواه لا يكون إلا قبل الوقت. فتأمل. ومن هنا يظهر أن نفي الاشكال في المتن هنا ربما ينافي دعواه للاشكال في أن المأمور به متعدد أو متحد في المسألة السابقة. كما أن مما ذكرنا يظهر أنه له أن ينوي كلا من الوجوب والاستحباب في الاتمام لما عرفت من اجتماعهما فيه هذا وفي جامع المقاصد: أن أضعف الوجوه بناء ما بقي على ما مضى، يعني: إتمامه بقصد الاستحباب، لوقوع النية في محلها. ووجه ضعفه ظاهر، لانه خلاف إطلاق دليل وجوبه بعد الوقت. (1) بناء على المشهور من وجوب مطلق المقدمة، أما لو اعتبر في وجوب المقدمة قصد التوصل بها لم يجب الوضوء المذكور، كما أنه لو اعتبر نفس الايصال توقف وجوبه على فعل الغاية الواجبة به. (2) وفي جامع المقصد: " لا يخلو من قوة ". لكن قال بعد ذلك:

 

===============

 

( 490 )

 

[ الوجوب الوصفي والندب الغائي (1)، بأن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب امتثالا للامر به لقراءة القرآن. هذا ولكن الاقوى ان هذا الوضوء متصف بالوجوب والاستحباب معا (2)، ولا مانع من اجتماعهما (3). (مسألة 34): إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل غير مضر واستعمال الازيد مضرا، يجب عليه الوضوء كذلك (4)، ولو زاد عليه بطل (5)، إلا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقل المجزئ. وإذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرا ] " والعمل على الاول " يعني: الاستيناف الذي تقدم اختياره في القواعد. (1) يعني: تكون الغاية المقصودة في فعله امتثال الامر الندبي. (2) فله أن يقصد الندب الوصفي أيضا، بل ذلك من لوازم قصد الندب الغائي، لان الامر الندبي يمتنع أن يدعو إلى غير متعلقه، فلابد أن يكون الوضوء مندوبا. (3) تقدم الكلام فيه في فصل الغايات. (4) جمعا بين حرمة الضرر ووجوب الوضوء. (5) لحرمته من جهة الاضرار فيمتنع التعبد به. اللهم إلا أن يقال: إن المقدار الزائد غير مقوم لغسل الوضوء، فحرمته لا توجب حرمة الوضوء العبادي ليبطل، فيكون المقام نظير جهر المرأة بالقراءة في موضع يسمع صوتها الاجنبي، الذي اختار فيه بعض الاعيان الصحة مع بنائه على حرمة الاسماع (وفيه): أن هذا إنما يتم فيما لو كان الواجب مرتبة خاصة من الطبيعة، كما إذا وجب إعطاء مد واحد، فانه إذا أعطى مدين جاز أن يكون

 

===============

 

( 491 )

 

[ وتوضأ جهلا أو نسيانا، فانه يمكن الحكم ببطلانه (1)، لانه مأمور واقعا بالتيمم هناك، بخلاف ما نحن فيه. (مسألة 35): إذا توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوؤه (2)، فإذا عاد إلى الاسلام لا يجب عليه الاعادة، وإن ارتد في أثنائه، ثم تاب قبل فوات الموالاة، لا يجب عليه الاستيناف (3). نعم الاحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر. وعلى هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى وقبل ] الامتثال بأحدهما والآخر يكون حراما، أما إذا كان الواجب صرف الوجود الصادق على القليل والكثير - كما فيما نحن فيه - فلا يمكن الامتثال بما هو حرام ولو ببعض مراتبه. وكذلك الحكم في جهر المرأة، وما ذكره بعض الاعيان ضعيف. (1) قد تقدم منه في الشرط السابع من شرائط الوضوء الجزم بالصحة في مثل الفرض، وتقدم هناك توجيهها وتضعيف التعليل المذكور. مضافا إلى أن مشروعية الوضوء في الفرض الاول لا تعم الوضوء المأتي به، لحرمته، فلا يكون صحيحا، بل حكمه واقعا تجديد الوضوء بالماء القليل الذي لا يضر استعماله، فمجرد المشروعية لا توجب صحة الوضوء المأتي به مطلقا. (2) كما في القواعد، وعن الخلاف، والذكرى، وغيرهما، وظاهر محكي كلامهم المفروغية عنه. وينبغي أن يكون كذلك، لادلة حصر نواقض الوضوء بغيره، ولانه مقتضى استصحاب الطهارة من الحدث، التي لا تنافيها نجاسة الكفر. (3) لاطلاق الادلة البيانية القولية، فان مقتضاها كون مجموع ما

 

===============

 

( 492 )

 

[ المسح ثم تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه (1). (مسألة 36): إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت، إذا كان مفوتا لحقه، فتوضأ، يشكل الحكم بصحته (2)، وكذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوتا لحق الزوج (3)، ] وقع قبل الارتداد وبعده وضوءا يترتب عليه الاثر. فلا وجه لاطلاق الاعادة لو حصل في الاثناء، كما في القواعد. ولذا قال في محكي جامع المقاصد: " والحق أنه إنما يعيد إذا جف البلل "، ونحوه ما عن الدروس، والذكرى. (1) ولو قلنا بطهارتها بالتبعية كعرقه والوسخ الكائن على بدنه فلا إشكال. (2) فان حرمة تفويت حق المولى وإن كان لا يقتضي حرمة الوضوء - بناء على أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده - إلا أن عموم ما دل على وجوب إطاعة العبد لسيده يقتضي الحرمة، فيمتنع التعبد به. اللهم إلا ان يمنع العموم المذكور. نعم يمكن أن يقال: لا ريب في أن الوضوء تصرف عرفا في بدنه المملوك لسيده، فلا يجوز إلا باذنه. إلا أن يدعى قيام السيرة على التصرف المذكور ونحوه بلا إذن المولى. (3) إلا أن الاشكال فيها ضعيف، ضرورة عدم كونها ملكا للزوج، وعدم وجوب إطاعتها له، إلا في خصوص أداء حقه. وإطلاق بعض النصوص محمول عليه قطعا، إذ لا يظن من أحد الالتزام بوجوب إطاعته لو أمرها بعتق عبيدها، أو تمليك مالها، أو أكل طعام بعينه، أو غير ذلك مما لا يرتبط بحق الزوجية. نعم إذا كان مفوتا لحق الزوج ابتنى القول بالبطلان على اقتضاء الامر بالضد النهي عن ضده.

 

===============

 

( 493 )

 

[ والاجير مع منع المستأجر (1)، وأمثال ذلك. (مسألة 37): إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء (2)، إلا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة ] (1) أقول: منع المستأجر عن الوضوء لا يقتضي حرمته. نعم يقتضي حرمة تفويت الاجير لحقه، لانه بغير إذنه. إلا أن اقتضاءه لحرمة الوضوء مبني على أن الامر بالشئ بقتضي النهي عن ضده. ولا فرق بين أن يكون مفاد الاجارة تمليك عمل بعينه في ذمة الاجير - كخياطة الثوب - أو تمليك منفعة معينة - كمنفعة الخياطة - أو تمليك تمام منافعه. نعم لو فرض كون الوضوء من المنافع المملوكة للمستأجر بعقد الاجارة - كما لو كثر وجود المرضى الذين لا يستطيعون الوضوء ويحتاجون إلى من يوضئهم، فاستأجره لذلك، فوضأ نفسه - كان الوضوء المذكور تصرفا في منفعة المستأجر بغير إذنه، فيحرم، ويبطل، لامتناع التقرب بما هو حرام. (2) إجماعا، كما عن الخلاف، والمنتهى، وغيرهما، وعن التذكرة نفي معرفة الخلاف فيه إلا من مالك. ويشهد به - مضافا إلى أنه مقتضى الاستصحاب - النصوص كصحيح زرارة: " فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت: فان حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال (ع): لا حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فانه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، وإنما ينقضه بيقين آخر " (* 1). وموثق بكير: " إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ، وإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت " (* 2).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

 

===============

 

( 494 )

 

[ مشتبهة بالبول ولم يكن مستبرئا، فانه حينئذ يبني على انها بول وأنه محدث (1)، وإذا شك في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء الحدث (2). والظن غير المعتبر كالشك في المقامين (3). ] (1) للاخبار الدالة على ذلك، المتقدمة في مبحث الاستبراء (2) إجماعا، كما عن المنتهى وغيره، بل عن المدارك أنه إجماع بين المسلمين، بل عن فوائد الاسترابادي عده من ضروريات الاسلام. ويقتضيه الاستصحاب المستفاد من النصوص، كذيل الصحيح المتقدم وغيره، كما هو محرر في محله. (3) فان الشك الذي هو قوام الاستصحاب يراد منه خلاف اليقين، كما هو محرر في محله. وتقديم الظن المعتبر على الاستصحاب إنما هو لحكومة أدلة اعتباره على دليل الاستصحاب، لان دليل اعتباره يدل على كونه يقينا تنزيلا، فيكون رفع اليد به عن اليقين السابق من قبيل نقض اليقين باليقين، كما هو محرر في محله. وعن ظاهر البهائي في الحبل المتين أن البناء على الوضوء في المسألة الاولى مشروط بالظن الشخصي بعدم الحدث، فلو شك في الحدث أو ظن به تطهر، لكن النصوص المتقدمة كالصريحة في خلافه، بل صحيح عبد الرحمن صريح فيه " قال للصادق (ع): أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت، فقال عليه السلام: ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح " (* 1)، مع أنه لا وجه ظاهر لتخصيص ذلك في المسألة الاولى التي هي مورد النصوص المتقدمة، بل الاولى تخصيص الثانية بها، لخلوها عن مثل تلك النصوص.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5.

 

===============

 

( 495 )

 

[ وإن علم الامرين وشك في المتأخر منهما بنى على أنه محدث إذا جهل تاريخهما (1)، ] (1) كما هو المشهور، كما عن جماعة. للشك في الشرط الموجب للشك في المشروط، الذي لابد في نظر العقل من اليقين بحصوله، لقاعدة أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. وعن المعتبر وجامع المقاصد التفصيل بين الجهل بالحال السابقة على الحالتين فكالمشهور، وبين صورة العلم بها فيؤخذ بضدها، ونسب إلى المشهور بين المتأخرين. للعلم بثبوت الضد والشك في انتقاضه، فيستصحب. ولا يعارض باستصحاب نفس الحالة السابقة، للعلم بارتفاعها، ولا باستصحاب مثلها، للشك في ثبوته، لاحتمال تعاقب المتجانسين. فإذا كان متطهرا وعلم بوقوع الحدث والوضوء منه وجهل المتأخر منها، فلاجل أنه يحتمل كون الوضوء متقدما وواقعا عقيب الطهارة، ويحتمل كونه متأخرا ورافعا للحدث، فلم يتيقن حصول طهارة غير الاولى، فلا مجال لاستصحابها، لعدم اليقين بالحدوث. وفيه ما عن شرح الدروس وغيره من المعارضة باستصحاب الطهارة المعلومة، حال الوضوء المجهول التاريخ، للشك في ارتفاعها. وفي قواعد العلامة وعن غيرها من كتبه التفصيل بين الجهل بالحال السابقة فكالمشهور، وبين العلم بها فيبني عليها. وفيه: أنه إن كان الوجه فيه استصحاب نفس الحال السابقة فقد عرفت حصول اليقين بانتقاضها، وإن كان استصحاب الحال التي كانت حال الوضوء مثلا، التي يحتمل اتحادها مع الحال السابقة - كما ذكره في شرح الدروس وغيره - فلو تم كان معارضا باستصحاب ضد الحال السابقة، ولو بني - كما عن المدارك

 

===============

 

( 496 )

 

[ أو جهل تاريخ الوضوء (1)، وأما إذا جهل تاريخ الحدث وعلم تاريخ الوضوء بنى على بقائه (2). ولا يجري استصحاب الحدث ] بل حكي عن العلامة - على تخصيص كلامه بصورة كون كل من الحادثين المجهول تقدم كل منهما معلوم النقض لما قبله، كما لو علم كون الوضوء المعلوم رافعا للحدث، وكون الحدث المعلوم رافعا للطهارة، فمع العلم بالحال السابقة يخرج الفرض عن الشك إلى اليقين، إذ الحال السابقة إن كانت هي الحدث فالمتقدم هو الوضوء و المتأخر الحدث، وإن كانت هي الطهارة فبالعكس، ولا شك حينئذ، كما عن الذكرى والمدارك الاعتراف به. اللهم إلا أن يكون مورد الكلام صورة احتمال حدوث وضوء آخر بعد الحدث المتأخر في الفرض الاول، وحدث آخر بعد الوضوء المتأخر في الفرض الثاني - كما قد يظهر من محكي المختلف، واعترف به الوحيد في حاشية المدارك - فتخرج المسألة عن صورة الجهل بالتاريخ، وتدخل في مسألة الشك في الحدث بعد يقين الوضوء، أو في عكسها اللتين قد عرفت وجوب الرجوع فيهما إلى الاستصحاب إجماعا. هذا والظاهر قصور أدلة الاستصحاب عن شمول مجهول التاريخ في الطرفين، ففي المقام يكون المرجع قاعدة الاشتغال ابتداء، كما تقدم في الاستدلال للمشهور، لا أنها المرجع بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين من أجل المعارضة. وسيأتي بيان وجهه. (1) يعني: وعلم تاريخ الحدث، فيبني على أنه محدث، إما لاستصحاب الحدث غير المعارض باستصحاب الطهارة - بناء على عدم جريان الاصل في مجهول التاريخ - أو لقاعدة الاشتغال بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين للمعارضة، كما هو ظاهر المشهور.

 

===============

 

( 497 )

 

[ حينئذ حتى يعارضه، لعدم اتصال الشك باليقين به (1)، حتى يحكم ببقائه. والامر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء حيث لم يفرقوا بين معلوم التاريخ ومجهوله في جريان الاستصحاب. (1) هذه شبهة ذكرها سيد المحققين الاعاظم (قده) في درسه الشريف على ما حكي، واشتهرت بين من تأخر عنه. وربما تقرب بأحد وجوه. (الاول): ما ذكره الاستاذ - رحمه الله - في الكفاية من عدم إحراز كون رفع اليد عن اليقين في زمان الشك من نقض اليقين بالشك لاحتمال انفصاله عنه باليقين بوجود الضد، فيكون من نقض اليقين باليقين وقد تقرر في محله أن التمسك بعموم الدليل العام موقوف على إحراز عنوانه مثلا إذا شككنا في الحدث في الساعة الثالثة من الزوال في الفرض المتقدم، فلم نبن على بقائه، احتمل أن يكون من نقض اليقين باليقين بالطهارة، لاحتمال حصوله قبل الزوال الذي هو زمان اليقين بالطهارة. وفيه (أولا): أنه مبني على سراية العلم إلى الخارج، إذ لو لم نقل بذلك - كما هو التحقيق من تقومه بالصور الذهنية لا غير - فلا يحتمل أن يكون رفع اليد عن مجهول التاريخ في زمان الشك من نقض اليقين باليقين، إذ لو لاحظنا الازمنة الاجمالية من زمان اليقين بحدوثه إجمالا إلى زمان الشك لم نجد فيها ما يحتمل أن يكون زمان يقين بارتفاعه، بل كلها أزمنة شك في بقائه (وثانيا): أنه لو سلم ذلك جرى في استصحاب معلوم التاريخ أيضا، فان زمان اليقين بحدوث مجهول التاريخ مما يحتمل انطباقه على ما بعد زمان اليقين بحدوث معلوم التاريخ - كالساعة الثانية من الزوال في الفرض المتقدم - وحينئذ حتمل أن يكون رفع اليد عن معلوم التاريخ في زمان الشك في وجوده

 

 

____________

الميرزا الشيرازي الكبير.

 

===============

 

( 498 )

 

من قبيل نقض اليقين باليقين. بل لو تم ذلك لاقتضى المنع عن جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي مطلقا، وفي الكلي في القسم الثاني، وفيما لو علم بارتفاع الحادث وتردد بين زمانين، كما لو؟ علم بموت الزوج وتردد بين أن يكون في السنة الاولى والثانية، فانه يقال أيضا: لا مجال لاستصحاب حياته في السنة الاولى، لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين بحياته من نقض اليقين باليقين... إلى غير ذلك من الموارد التي لا مجال للتأمل في جريان الاستصحاب فيها. (الثاني): أن الظاهر من دليل الاستصحاب أن لو رجعنا القهقرى من زمان الشك في وجود المستصحب إلى الازمنة التفصيلية السابقة، فلابد أن نعثر على زمان تفصيلي يعلم بوجود المستصحب فيه، وهذا المعنى غير حاصل في مجهول التاريخ، فانا إذا فرضنا أن زيدا في الساعة الاولى من الزوال كان متطهرا، وعلمنا بأنه أحدث إما في ساعة قبل الزوال أو في ساعة بعده، فإذا شككنا في أنه في الساعة الثالثة من الزوال محدث أو متطهر، وأردنا الرجوع إلى الازمنة التفصيلية السابقة على الساعة الثالثة، لم نعثر على زمان يعلم فيه بالحدث إذ الساعة الثانية من الزوال يحتمل حدوث الحدث فيها، والساعة الاولى يعلم بحصول الطهارة فيها (وفيه): أن دعوى ظهور أدلة الاستصحاب في اعتبار هذا المعنى في جريانه ممنوعة. مع أن لازمها أن لو تردد حدوث المستصحب بين زمانين واحتمل انعدامه في ثاني أزمنة حدوثه لم يجر الاستصحاب فيه، مثلا إذا علمنا أن زيدا تطهر في إحدى الساعتين الاولى أو الثانية من الزوال، واحتمل حدثه في الساعة الثانية بعد الطهارة، يمتنع استصحاب الطهارة، لعدم زمان تفصيلي يعلم فيه بالطهارة ولا يظن إمكان الالتزام بذلك.

 

===============

 

( 499 )

 

(الثالث): أن الظاهر من دليل الاستصحاب كون الشك الذي لا يجوز نقض اليقين به شكا في زمان واحد يشك فيه في البقاء والارتفاع معا، وليس الشك في مجهول التاريخ كذلك، إذ الحدث في المثال المتقدم مما لا يحتمل ارتفاعه في الساعة الثالثة من الزوال وإنما يحتمل ارتفاعه في الساعة الاولى منه لا غير، لانه إن كان قد وجد قبل الزوال فقد ارتفع في الساعة الاولى من الزوال، وإن كان قد وجد بعده فهو باق في الساعة الثالثة من الزوال، فاحتمال البقاء في زمان واحتمال الارتفاع في زمان آخر. وفيه: المنع من هذا الظهور، و لا قرينة عليه، بل قوام الاستصحاب الشك في البقاء في آن الاستصحاب، وهو حاصل. مع أنه لو تم لجرى في معلوم التاريخ. فان الشك في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة من الزوال ليس شكا في ارتفاعها فيها، بل إنما يحتمل ارتفاعها في الثانية التي يحتمل حدوث الحدث فيها، وكذا أمثاله من موارد الشك في حدوث الرافع في زمان معين قبل زمان الشك في البقاء، مما لا مجال للتأمل في جريان الاستصحاب فيها. (الرابع): أن قوام الاستصحاب أن يكون الشك في امتداد المستصحب، وليس هنا كذلك، فان الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقا على الزوال فهو مرتفع، ولا امتداد له، وإن كان متأخرا عن الزوال فهو باق، فالشك في الحقيقة في التقدم والتأخر، لا في الامتداد وعدمه. (وفيه): أنه لا ريب في حصول الشك في امتداد مجهول التاريخ وإن كان السبب فيه الشك في التقدم والتأخر، وكون السبب ذلك لا يضر في حصول شرط الاستصحاب وقوامه. وهذه الوجوه ذكرها بعض الاعيان المحققين في درسه. وهناك

 

 

____________

الاستاذ الاغا ضياء الدين العراقي.

 

===============

 

( 500 )

 

وجه آخر ربما يستفاد من كلامه أيضا، وهو أن اعتبار البقاء عرفا الذي هو متعلق الشك في الاستصحاب تابع للحدوث الذي هو متعلق اليقين، فان كان الحدوث باعتبار الازمنة التفصيلية فصدق البقاء عرفا موقوف على ملاحظتها، وإن كان بلحاظ الازمنة الاجمالية فصدق البقاء عرفا لابد أن يكون أيضا بملاحظتها، فاختلاف زماني اليقين والشك بالاجمال والتفصيل مانع من صدق الشك في البقاء عرفا، لان المفهوم من البقاء عرفا امتداد الوجود في الآنات المتصلة بآن الحدوث - أعني: الان الثاني للحدوث والآن الثالث له... وهكذا - فان كان آن الحدوث مرددا بين آنين تفصيليين فالآن الثاني المتصل به لابد أن يكون مرددا أيضا بين آنين. وهكذا الآن الثالث المتصل بالآن الثاني، فبقاء الحدوث المردد بين آنين لابد أن يكون بلحاظ الآنات الاجمالية المتصلة بذلك الآن المردد كل واحد منها بين آنين، وإذا كان آن الحدوث معينا تفصيلا فبقاء ذلك الحدوث لا بد أن يكون بلحاظ الآنات التفصيلية المتصلة به، ولا يصح اعتباره بلحاظ الازمنة الاجمالية، وحينئذ فإذا فرض كون الاثر الشرعي مترتبا على مجرد بقاء مجهول التاريخ ولو في الزمان الاجمالي، كما لو قال الشارع الاقدس: إن وجد الحدث وبقي مدة طويلة أو قصيرة فعليك صدقة. فلا ريب في صحة استصحابه ووجوب الصدقة. أما إذا كان الاثر لبقاء مجهول التأريخ في خصوص الزمان التفصيلي فلا مجال لاستصحابه، لان وجوده في الزمان التفصيلي ليس بقاء لحدوثه الاجمالي، ليجري فيه الاستصحاب، وحينئذ فاستصحابه بلحاظ الزمان التفصيلي يتوقف على تطبيق زمان الحدوث على كل من الازمنة التفصيلية، ثم يستصحب بلحاظ كل واحد على تقدير انطباقه عليه، فإذا تردد حدوث الحدث بين زمانين وشك في وجوده في

 

===============

 

( 501 )

 

[ وإن كان كذلك (1)، إلا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه (2). ] زمان ثالث لها، فاستصحاب وجوده في الزمان الثالث لا يصح بلحاظ نفس الزمان المجمل المردد، بل بلحاظ تقدير انطباقه على كل من الزمانين ثم يستصحب حينئذ، فيقال: إن كان قد حدث في الزمان الاول فهو مشكوك البقاء الى الزمان الثالث، وإن كان قد حدث في الزمان الثاني فهو أيضا مشكوك البقاء في الزمان الثالث، فإذا كان مشكوك البقاء على كل تقدير، كان محكوما بالبقاء شرعا كذلك، ومجهول التاريخ في المقام ليس كذلك، لانه إن وجد قبل زمان معلوم التاريخ كان معلوم الارتفاع. وكذا الحال في الحادثين المجهولي التاريخ، فان كل واحد منها لو فرض وجوده في أول الزمانين المردد وجودهما في كل منهما، كان معلوم الارتفاع أيضا، فيمتنع جريان الاستصحاب فيهما بلحاظ الزمان التفصيلي. ومثلهما الحادث المردد بين زمانين، المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الاول، سواء احتمل بقاؤه على تقدير حدوثه في الثاني أم علم بقاؤه. وكذا الحادث المردد حدوثه بين زمانين المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الثاني. وهذا التقريب لا يخلو من وجه. ولعله إليه يرجع بعض الوجوه المتقدمة. ولا بد من التأمل التام. ومنه سبحانه نستمد العناية وبه الاعتصام. (1) يعني: لا يتصل فيه زمان الشك بزمان اليقين. لكن لا يتم ذلك بالنسبة إلى الحدث في صورة الجهل بتاريخ الوضوء، ولذا تقدم منه تصحاب الوضوء في صورة الجهل بتاريخ الحدث. (2) لحكم العقل بوجوب الفراغ اليقيني عند شغل الذمة اليقيني. هذا

 

===============

 

( 502 )

 

[ ولكن الاحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا (2). (مسألة 38): من كان مأمورا بالوضوء (2) من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي وصلى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر، فيجب عليه الاعادة إن تذكر في الوقت، والقضاء إن تذكر بعد الوقت وأما إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه وصلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ. لكنه مشكل، فالاحوط الاعادة أو القضاء ] بناء على كون المرجع قاعدة الاشتغال لا استصحاب الحدث في صورة العلم بتاريخ الحدث والجهل بتاريخ الوضوء، ولكن هذا المبنى غير ظاهر، لان حكم العقل بالاشتغال يتوقف على عدم البيان من الشارع، والاستصحاب بيان، فيكون واردا على قاعدة الاشتغال (ودعوى): أنه يكفي في الرجوع الى حكم العقل بالاشتغال عدم البيان على نفي التكليف، وهو حاصل بمجرد الشك في الفراغ، بلا حاجة إلى ملاحظة الحال السابقة، فلا مجال للاستصحاب المثبت للتكليف، (مندفعة) بأن الظاهر أن حكم العقل المذكور يتوقف على عدم البيان على نفي التكليف ولا على ثبوته، لا مجرد عدم البيان على نفيه كما يظهر من شيخنا الاعظم (ره) في مباحث الاشتغال - ليتعين الرجوع في المقام إلى قاعدة الاشتغال. لا أقل من الشك في ذلك، فلا مجال لقاعدة الاشتغال. (1) يعني: صورة الجهل بتاريخ الحدث والعلم بتاريخ الوضوء. والوجه في الاحتياط احتمال معارضة الاستصحاب في الطرفين والرجوع الى قاعدة الاشتغال، الموجبة لتحصيل الطهارة. (2) أقول: من تيقن الحدث وشك في الطهارة، إما أن يبقى

 

===============

 

( 503 )

 

شاكا إلى زمان الصلاة ملتفتا إلى شكه ولا ريب حينئذ في بطلان صلاته ظاهرا، عملا بالاستصحاب. ولا مجال لقاعدة الفراغ بعد فعل الصلاة، إذ ليس موضوعها ما يعم صورة حدوث الشك قبل الصلاة واستمراره بعدها. وإما أن يبقى شاكا إلى ما بعد الصلاة، ولكنه يغفل عن شكه، وحكمه كالاول، إذ لا فرق بينهما في استمرار الشك من حين حدوثه قبل الصلاة إلى ما بعدها، ولا في جريان الاستصحاب لتحقق أركانه وهما اليقين والشك، وإنما يفترقان في تنجز الاستحباب وعدمه. حيث أن عدم التفات الثاني الى كونه شاكا مانع عن تنجز الاستصحاب في حقه. وإما أن يغفل عن نفس المشكوك، فيذهب شكه بالمرة لتوقف الشك على الالتفات. ولا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في حقه، لانتفاء موضوعه، وهو الشك، ومجرد كونه شاكا على تقدير الالتفات غير كاف في جريانه، لان ظاهر دليله اعتبار الشك الفعلي كاليقين، وكما لا يكفي اليقين التقديري لا يكفي الشك كذلك، وحينئذ فلا تكون صلاته حين وقوعها محكومة ظاهرا بالفساد، ولا بكونها في حال حدث ظاهري أصلا وعلى هذا فلو التفت بعد الصلاة وشك كان شكه حادثا بعد الصلاة مسبوقا بالعدم، فتمكن دعوى جريان قاعدة الفراغ لاثبات صحة الصلاة، وتكون مقدمة على استصحاب الحدث الجاري حينئذ لولاها إلا أن الظاهر من دليل القاعدة خصوص الشك الابتدائي بعد الفراغ، فلا تشمل صورة كون المكلف شاكا قبل الفراغ، وإن زال شكه بالغفلة عن الواقع نعم لو احتمل بعد الفراغ أنه قد توضأ بعد الشك جرت القاعدة حينئذ، لان الشك في الصحة من هذه الجهة شك ابتدائي غير مسبوق بالمثل. والظاهر من عبارة المتن التعرض للصورة الثالثة، وحينئذ لابد أن

 

===============

 

( 504 )

 

يحمل قوله: " بحسب الظاهر " على الحكم الظاهري الناشئ من استصحاب الحدث الجاري بعد الفراغ، الذي هو المرجع بعد قصور قاعدة الفراغ عن الجريان. لكنه لا يتم بناء على ما يظهر منه في ذيل المسألة السابقة من عدم جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في موارد جريان قاعدة الاشتغال. وأما إذا كان جاهلا بالحال السابقة فصوره أيضا ثلاث، والحكم فيها كما سبق، لما سبق والاختلاف بينهما في ثبوت الحكم الظاهري في الاول من جهة الاستصحاب وعدمه في الثاني، لان قاعدة الاشتغال ليست من الاحكام الظاهرية الشرعية، لا يصلح فارقا بينهما في الحكم، فانه إذا فرض اختصاص أدلة قاعدة الفراغ بخصوص الشك الحادث بعد العمل، الذي لم يسبق له وجود ولو مماثلا، يكون مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية بعد العمل هو الاعادة كمقتضى الاستصحاب. فما في المتن من نفي الاشكال في الاول ودعواه في الثاني غير الظاهر. نعم يفترقان في أن مقتضى استصحاب الحدث في الاول وجوب القضاء لو التفت بعد خروج الوقت، ولا تصلح قاعدة الاشتغال لاثباته، لانه حكم جديد غير الحكم الاول، فالمرجع فيه أصالة البراءة. اللهم إلا أن يرجع في أثباته حينئذ إلى استصحاب وجوب الفعل الى ما بعد خروج الوقت، بناء على التحقيق من جريان الاستصحاب في المقيد بالزمان، خلافا لشيخنا الاعظم (ره) وغيره، بدعوى تعدد الموضوع لان الفعل المقيد بزمان غير الفعل المقيد بغيره (وفيه): أنه يتم لو كان المرجع في وحدة الموضوع المعتبرة في صحة الاستصحاب هو الدليل، أما لو كان هو العرف فهما واحد، ولذا جرى استصحاب النجاسة إذا زال تغير الماء من قبل نفسه، والفرق بينه وبين المقام غير ظاهر، أو أنه يرجع في إثبات

 

===============

 

( 505 )

 

[ في هذه الصورة أيضا. وكذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما (1). (مسألة 39): إذا كان متوضئا وتوضأ للتجديد وصلى، ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين، ولم يعلم أيهما لا إشكال في صحة صلاته، ولا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضا، بناء على ما هو الحق من أن التجديدي إذا صادف الحدث صح (2). ] القضاء إلى أصالة عدم الاتيان بالواجب، بناء على أن المستفاد من دليل وجوب القضاء أن موضوعه مجرد عدم الاتيان بالواجب في الوقت، والتعبير بالفوت في بعض النصوص لا يوجب الاقتصار عليه لو سلم كون المراد منه عنوانا وجوديا يمتنع إحرازه بأصل العدم. فتأمل. (1) يعلم حكمها مما سبق في صور الجهل بالحال السابقة، إذ المرجع فيها قاعدة الاشتغال. ثم إن فرض الجهل هنا بالحالة السابقة في قبال تعاقب الحالتين غير ظاهر التحقق. (2) كما تقدم في فصل غايات الوضوء. لكن تقدم تقييده بصورة كون قصد الامر التجديدي ليس على نحو التقييد. وعليه فنفي الاشكال في صحة الصلاة ظاهر، لليقين بصحة أحد الوضوءين، فيرتفع به الحدث وتصح الصلاة، ويترتب عليه سائر الغايات. أما بناء على عدم ارتفاع الحدث بالتجديدي لو صادفه واقعا، فالمحكي عن العلامة في بعض كتبه وجامع المقاصد، وكثير من متأخري المتأخرين وجوب إعادتهما معا، لعدم رفع الوضوء الثاني للحدث، وعدم إحراز صحة الاول، فالمرجع استصحاب الحدث الموجب لبطلان الصلاة. لكن المحكي عن المبسوط، والجامع، وابن حمزة، والقاضي: صحة الوضوء والصلاة،

 

===============

 

( 506 )

 

[ وأما إذا صلى بعد كل من الوضوءين ثم تيقن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة (1)، وأما الاولى فالاحوط إعادتها، وإن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها (2). ] أما صحة الاول فلقاعدة الفراغ - كما عن ابن طاووس (ره) - ولا تعارض بمثلها في الوضوء الثاني، لعدم الاثر العملي لصحة التجديدي، وإذا صح الوضوء صحت الصلاة، لان صحتها من آثار صحته. قال في محكي الذكرى: " وهو متجه. إلا أن يقال: اليقين حاصل بالترك وإن كان شاكا في موضوعه، بخلاف الشك بعد الفراغ، فانه لا يقين فيه بوجه ". وفيه: أن المانع من قاعدة الفراغ اليقين بالنقصان، لا مجرد اليقين، وقد تحقق في مبحث الشبهة المحصورة أن أدلة الاصول لا تقصر في نفسها عن شمول أطراف العلم، وإنما المانع عنها نفس العلم الموجب لتنجز الاثر العملي، فإذا فرض في المقام عدم تنجز أثر عملي بالعلم الاجمالي كان تحكيم أدلة قاعدة الفراغ في الوضوء الاول في محله. مع أنه لو فرض تعارض القاعدة في الوضوءين فلا مانع عن العمل بها في نفس الصلاة، نظير الرجوع إلى استصحاب الطهارة، أو قاعدتها في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة بعد تعارضهما في نفس الاطراف. وهذا كله جار فيما لو قصد الامر التجديدي في الوضوء الثاني على نحو التقييد. فلاحظ. (1) يعني: بناء على أن الوضوء التجديدي رافع للحدث لو صادفه ولم يكن قصد التجديدي على نحو التقييد. والوجه في صحة الصلاة الثانية هو الوجه في صحتها في الفرض الاول بعينه. (2) كما عرفت تقريبه في الوضوء والصلاة، وكان اللازم إجراءها في الوضوء لانها أصل سببي.

 

===============

 

( 507 )

 

[ (مسألة 40): إذا توضأ وضوءين وصلى بعدهما، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما (1)، يجب الوضوء للصلاة الآتية، لانه يرجع إلى العلم بوضوء وحدث والشك في المتأخر منهما. وأما صلاته فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ، بل هو الاظهر (2). (مسألة 41): إذا توضأ وضوءين وصلى بعد كل واحد صلاة، ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلوات الآتية (3)، وإعادة الصلاتين السابقتين (4) إن كانا مختلفتين ] (1) المحتمل كونه الاول، فيصح وضوؤه الثاني وصلاته، وكونه الثاني، فينتقض به كل من وضوءيه وتبطل صلاته. ومنه يظهر أن الوضوء الاول معلوم الانتقاض، والثاني محتمل الانتقاض وعدمه، للجهل بتقدمه على الحدث وتأخره. ومحل الكلام صورة الجهل بالتأريخين معا. (2) إذ لا معارض لها، فلا مانع من الاخذ بعموم دليلها. (3) للوجه المتقدم في المسألة السابقة. (4) بلا خلاف ظاهر، وفي الجواهر: أنه مجمع عليه. للعلم الاجمالي بفساد إحدى الصلاتين، المانع من الرجوع الى الاصول المفرغة، كاستصحابي الوضوء الى تمام الصلاة، أو قاعدتي الفراغ في الصلاتين، فيجب الاحتياط بفعلهما معا. هذا ومقتضى إطلاق الاصحاب عدم الفرق بين كون الصلاتين أدائيتين وقضائيتين ومختلفتين. وربما يدعى في الاخيرتين وجوب إعادة الادائية فقط لقاعدة الاشتغال، الموجبة لانحلال العلم الاجمالي، المصحح للرجوع في القضائية إلى قاعدة الشك بعد خروج الوقت (وفيه): أن قاعدة الشك

 

===============

 

( 508 )

 

[ في العدد، وإلا يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمة (1) جهرا إذا كانتا جهريتين، وإخفاتا إذا كانتا إخفاتيتين، ومخيرا بين الجهر والاخفات إذا كانتا مختلفتين (2)، والاحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما. ] بعد خروج الوقت أن كانت متكفلة لالغاء الشك في الصحة كالغاء الشك في الوجود، لان موضوعها الشك في الوجود الصحيح، ومفادها إلغاء الشك في كل من القيد والمقيد - أعني الشك في الوجود والشك في الصحة - كانت في رتبة قاعدة الفراغ، وحينئذ فتسقط كقاعدة الفراغ الجارية في القضائية بمعارضتهما معا بقاعدة الفراغ الجارية في الادائية، والمرجع في الصلاتين أصالة عدم الاتيان، أو أصالة بقاء التكليف بهما. وإن لم تكن متكفلة إلا لالغاء الشك في أصل الوجود الصحيح من غير جهة الشك في الصحة - كما هو الظاهر - لم يكن لها مجرى في المقام، إذ لا شك في الوجود الصحيح بالنسبة إلى القضائية إلا من جهة الشك في الصحة، فالمتعين الرجوع في كل من القضائية والادائية إلى قاعدة الفراغ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى الاصول المنجزة. (1) لحصول القطع بالفراغ بها، للقطع بانطباق المعلوم بالاجمال عليها. (2) على المشهور. لمرفوع الحسين بن سعيد الاهوازي، المروي عن محاسن البرقي: " سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال (ع): يصلي ثلاثا وأربعا وركعتين فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلى أربعا، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى " (* 1)، ونحوه مرسل علي بن أسباط عن غير واحد من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 2.

 

===============

 

( 509 )

 

[ (مسألة 42): إذا صلى بعد كل من الوضوءين نافلة، ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما، فالحال على منوال الواجبين (1)، لكن هنا يستحب الاعادة، إذ الفرض كونهما نافلة. وأما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة، والاخرى نافلة، فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة وعدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا، لانه لا يلزم من إجرائهما فيهما طرح تكليف منجز. إلا أن الاقوى عدم جريانها، للعلم الاجمالي (2)، فيجب إعادة الواجبة. ويستحب إعادة النافلة. ] أصحابنا (* 1)، لكنه خال عن الذيل، بناء على انجبار سندهما بالعمل بهما وإمكان التعدي عن موردهما، ولا سيما الاول منهما، المشتمل على الذيل الذي هو كالتعليل إلى المقام، كما هو غير بعيد. خلافا لما عن الشيخ - رحمه الله - والحلبي وابن زهرة والحلي وابن سعيد من عدم كفاية الواحدة المرددة، اقتصارا في النص على مورده. لكنه غير ظاهر، وإن كان هو الاحوط، كما في المتن. (1) من الوضوء للصلوات الآتية لقاعدة الاشتغال، وإعادة الصلاتين للعلم بفساد إحداهما، إلا مع اتفاقهما فتكفي واحدة. (2) فانه مانع من جريان الاصول النافية للتكليف، إما لانه يوجب قصور أدلتها عن شمول أطرافه - كما قيل - أو لان جريان الاصل النافي للتكليف في أطرافه ترخيص في محتمل المعصية - كما اشتهر التعليل بذلك في كلماتهم - أو لانه موجب للتضاد ونقض الغرض من جعل الحكم الواقعي كما هو التحقيق، وعليه يبتني المنع من جريان قاعدة الفراغ في الفرض

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.

 

===============

 

( 510 )

 

المذكور في صدر المسألة. وكذا الحال في الفرض الثاني، وهو ما إذا كانت إحدى الصلاتين فريضة، والاخرى نافلة. وكذا كل مورد كان المعلوم بالاجمال مما يترتب عليه أثر عملي في كل واحد من أطرافه، سواء كان لزوميا أم غير لزومي. وعليه بنى المصنف - رحمه الله - في جملة من الفروع المذكورة في المقام في هذه المسألة وغيرها. لكن كان المناسب له جهل الفرعين المذكورين في هذه المسألة من باب واحد، مع أنه - رحمه الله - جزم في الفرع الاول بعدم جريان الاصول، ولم يستوضح ذلك في الفرع الثاني. وكان الاولى العكس لان أحد الطرفين في الفرغ الثاني لزومي، فيمكن دعوى كون جريان الاصل فيه ترخيصا في المعصية، بخلاف الفرع الاول، فانه لا مجال لتوهم ذلك في جريان الاصل في كل من أطرافه. وكيف كان فمحصل هذا المبنى أن العلم الاجمالي إذا تعلق بماله أثر عملي على كل حال امتنع جريان الاصل في أطرافه، لانه لما كان طريقا إلى مؤداه امتنع جعل الحكم الظاهري على خلافه، كما يقرر ذلك في امتناع الردع عن العمل بالعلم التفصيلي، ولا فرق في الاثر العملي بين اللزومي وغيره، لاشتراكهما في امتناع جعل الحكم على خلافهما من جهة لزوم نقض الغرض والتناقض. وعلى هذا المبنى إذا علم بوجوب شئ واستحباب آخر لم تجر قاعدة الحل في نفي وجوب الاول، وكذا سائر القواعد النافية للتكليف، للزوم المحذور المذكور. وكذا إذا علم بحرمة شئ أو استحباب آخر أو كراهته. وكذا لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لان العلم الاجمالي بيان على الواقع مصحح للعقاب على مخالفته. نعم إذا علم بوجوب شئ أو استحبابه يمكن أن يقال بأن الطلب في الجملة معلوم، وكونه على وجه اللزوم غير معلوم، فيكون من باب الاقل والاكثر، لا من باب

 

===============

( 511 )

[ (مسألة 43): إذا كان متوضئا وحدث منه بعده صلاة وحدث ولا يعلم أيهما المقدم، وأن المقدم هي الصلاة حتى تكون صحيحة، أو الحدث حتى تكون باطلة، الاقوى صحة الصلاة، لقاعدة الفراغ، خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما، لجريان استصاب بقاء الطهارة أيضا الى ما بعد الصلاة (1). ] المتبائنين، فلا مانع من جريان الاصل في الزائد، وهو اللزوم المحتمل، لانه غير معلوم، بخلاف الفرض السابق. نعم إذا كان العلم الاجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية يجوز جريان الاصل النافي للوجوب، كقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولا يعارضها الاصل الجاري في نفي الاستحباب، مثل استصحاب عدم الاستحباب، لانه يسقط بالمعارضة مع نظيره الجاري في نفي الوجوب في الرتبة السابقة، وليس لها معارض في رتبتها. لكن هذا المبنى ضعيف - كما حقق في محله - وقد تقدم التعرض لذلك في أحكام النجاسات. (1) فان الواجب إذا كان هو الصلاة حال الطهارة، فإذا علم زمان الصلاة وشك في حصول الطهارة حينئذ فاستصحاب الطهارة إلى زمان آخر الصلاة يثبت به الواجب، وهو الصلاة حال الطهارة. ولا يعارض باصالة عدم الصلاة إلى آخر زمان الطهارة، لتنتفي الصلاة حال الطهارة، لان الشك في المقام ليس في استمرار عدم الصلاة وعدم استمراره، وكون المفروض أن زمان حصول الصلاة معلوم، وإنما الشك في أمر آخر، وهو وقوع الحدث قبلها أو بعدها، وهذا لا يرتبط بالشك في الاستمرار، وإنما هو أمر آخر لا يثبته الاستصحاب، إذ ليس من شأنه إلا إثبات الاستمرار والامتداد عند الشك فيه.

 

===============

( 512 )

[ (مسألة 44): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءا منه ولا يدري أنه الجزء الوجوبي أو الجزء الاستحبابي، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه (1)، لقاعدة الفراغ، ولا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي، لانه لا أثر لها بالنسبة إليه. ونظير ذلك ما إذا توضأ وضوءا لقراءة القرآن، وتوضأ في وقت آخر وضوءا للصلاة الواجبة، ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، فان مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة، ولا تعارض بجريانها في القراءة أيضا، لعدم أثر لها بالنسبة إليها. ] هذا مضافا إلى إمكان تأتي الوجه الخامس من وجوه المنع من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ المتقدمة في المسألة السابعة والثلاثين، وإن كانت هذه المسألة غير تلك المسألة، فان موضوع هذه المسألة ما إذا كان حادثان يجهل تقدم أحدهما على الآخر، وكان الاثر الشرعي مترتبا على عدم أحدهما في زمان الآخر، وتلك المسألة موضوعها الحادثان المجهول تقدم أحدهما على الآخر، وكان الاثر الشرعي مترتبا على بقاء أحدهما. ونظير المقام ما إذا علم تاريخ موت الموروث وشك في تاريخ موت الوارث، فان استصحاب حياة الوارث إلى زمان موت الموروث جار، بخلاف استصحاب عدم موت الموروث الى زمان موت الوارث، فانه لا يجري ولا يعارضه. (1) ولا ينافي ما تقدم من أن العلم الاجمالي مانع من جريان الاصول ولو لم يلزم ترخيص في المعصية، فان ذلك يختص بما إذا كان متعلقا بأثر عملي، أعني: ما يكون مقتضيا للفعل أو الترك، ولو على نحو الاقتضاء الاستحبابي. ومنه يظهر أنه لو توضأ لقراءة القرآن وقبل أن يقرأ علم إجمالا بفساد وضوئه أو فساد وضوء تقدم منه لصلاة فريضة حاضرة، لا مجال

 

===============

( 513 )

[ (مسالة 45): إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فان لم تفت الموالاة رجع وتدارك وأتى بما بعده (1). وأما إن شك في ذلك، فاما أن يكون بعد الفراغ، أو في الاثناء فان كان في الاثناء رجع وأتى به (2). ] لجريان قاعدة الفراغ في وضوء الفريضة، للعلم الاجمالي بالاثر العملي على كل حال، فاطلاق المتن في ذيل المسألة غير ظاهر، وكأن الاطلاق غير مراد. ثم إن الظاهر من الفرض الذي جعله نظيرا للمقام صورة ما إذا وقع الوضوء الثاني بعد الحدث - كما هو ظاهر - ولذا احتيج في تصحيح الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثاني إلى قاعدة الفراغ، إذ لولا ذلك كانت الصلاة صحيحة قطعا، فلا مجال لتوهم بعض المحشين. (1) وعن الذكرى: أنه مذهب الاصحاب، وعن شرح المفاتيح: أنه إجماعي. وتقتضيه الاخبار المتقدمة في شرطية الترتيب والموالاة، وما في ذيل صحيح زرارة الآتي: " وإن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء ". أما أصل الرجوع في الجملة فينبغي أن يكون ضروريا، ضرورة أن فوات الجزء يوجب فوات الكل. (2) بلا خلاف، كما عن المدارك، والحدائق، والمفاتيح، بل عن شرحي الدروس والمفاتيح دعوى الاجماع، بل عن ثانيهما نقله عن جماعة. لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): " إذا كنت قاعدا على وضوئك، فلم تدر أغسلت ذراعيك أو لا، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله، ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءك

 

===============

( 514 )

لا شئ عليك فيه... " (* 1). نعم يعارضه موثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع): " إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه " (* 2). لا سيما مع اعتضاده بعموم ما دل على إلغاء الشك بعد التجاوز، كصحيح زرارة: " إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ " (* 3)، ونحوه صحيح إسماعيل ابن جابر. (* 4). وهذا التعارض مبني على رجوع الضمير في " غيره " إلى الشئ، لانه متبوع، لا إلى الوضوء، لانه تابع، وجهة التابعية والمتبوعية أولى عرفا بالملاحظة من جهة القرب والعبد، كما لا يخفى على من لاحظ النظائر. والجمع العرفي بين الموثق والصحيح يكون بحمل الصحيح على الاستحباب. لكن الاجماع المتقدم مما يأبى ذلك، فيتعين حمله على بعض المحامل، مثل أن تجعل كلمة " من " في قوله (ع): " من الوضوء " على البيانية دون التبعيضية، وإرجاع الضمير في قوله (ع): " في غيره " إلى الوضوء لا إلى الشئ. فان قلت: قوله (ع) في ذيل الموثق: " إنما الشك... " يمتنع أن يراد منه خصوص الشك في شئ من الوضوء، لمنافاته لاطلاق الشئ في قوله (ع): " إذا كنت في شئ "، بل عليه كان اللازم أن يقال إذا كنت في وضوء لم تجزه، وإرادة مطلق الشك في شئ من كل عمل يوجب منافاة منطوقه لقاعدة التجاوز المسلمة في غير الوضوء، لدلالته على

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 4.

 

 

 

===============

( 515 )

لزوم الاعتناء بالشك مادام في العمل، وهو مناف لقاعدة التجاوز، فيتعين إرجاع الضمير في " غيره " إلى الشئ، لا إلى الوضوء، لتكون الشرطية الاولى من صغريات قاعدة التجاوز المشار إليها بمفهوم الحصر في الذيل، ويكون مفاد منطوق الحصر قاعدة الشك في المحل، فترجع المعارضة بين الموثق والصحيح. قلت: يمكن حمل الشرطية في صدر الموثق بعد إرجاع ضمير " غيره " إلى الوضوء على مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط، من دون تعرض لانتفائه عند الانتفاء، وحينئذ يكون الحصر في الذيل بلحاظ إطلاق مفهومه الموافق لمنطوق الشرطية، لا بلحاظ إطلاق منطوقه، بل يكون منطوقه مهملا، فلا ينافي قاعدة التجاوز الثابتة في غير الوضوء، ولا تكون الشرطية الاولى على هذا منافية للصحيح، لان المنافاة موقوفة على ثبوت المفهوم لها والمفروض عدمه. وبالجملة: يمكن حمل الشرطية في الصدر على مجرد قاعدة الفراغ التي هي مفاد مفهوم الحصر في الذيل أيضا، ولا يكون للشرطية مفهوم، ولا لمنطوق الحصر إطلاق، فلا يكون الموثق حينئذ منافيا للصحيح المتقدم، ولا لما دل على قاعدة التجاوز في غير المقام. أو يجعل ذيل الموثق ناظرا إلى قاعدتي التجاوز والشك في المحل مع رفع التنافي بين صدره وذيله، بالالتزام بأن الوضوء في نظر الشارع عمل واحد، لا يتحقق التجاوز عن بعض أجزائه إلا بالتجاوز عنه بتمامه. والمسوغ لارتكاب هذه المحامل في الموثق - مع أنها خلاف الظاهر - الاجماع المتقدم على عدم العمل بظاهره. كما أنه يبقى إشكال آخر وهو أن مقتضى إطلاق مفهوم الذيل في الموثق عدم الاعتناء بالشك في جزء من غسل الوجه بعد الفراغ منه والدخول في

 

===============

( 516 )

[ وبما بعده (1) وإن كان الشك قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه مثلا أو في جزء منه (2). وإن كان بعد الفراغ في غير الجزء الاخير بنى على الصحة، لقاعدة الفراغ (3). ] غسل اليد مع أن مقتضى ذيل الصحيح وجوب الاعتناء به. ويندفع بوجوب تقييد الاطلاق المذكور بالصحيح المتقدم. (1) لما دل على اعتبار الترتيب. (2) إجماعا. لاطلاق الصحيح. (3) المعول عليها عندهم، بل استفاض نقل الاجماع عليها أو تواتر وتقتضيها كثير من النصوص، كصحيح زرارة المتقدم، وخبر ابن مسلم: " كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فأمضه ولا إعادة عليك فيه " (* 1). والآخر له: " كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو " (* 2). وموثق بكير: " قلت له: الرجل يشك بعدما يتوضأ. قال (ع): هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " (* 3)، وغيرها. المعتضدة بالسيرة القطعية، وبناء العقلاء. نعم الاشكال فيما يتحقق به الفراغ في المقام، فالمحكي عن جماعة تحققه بفعل الجزء الاخير إذا كان الشك في غيره، وإن لم يدخل في شئ آخر، وعن الروضة والمدارك الاجماع عليه وعن مجمع البرهان وغيره نسبته إلى ظاهر الاصحاب. ويقتضيه ظاهر خبري ابن مسلم وموثق بكير. نعم قد يعارضهما ما في صحيح زرارة المتقدم من قوله (ع): " فإذا قمت من الوضوء وفرغت وصرت في حال أخرى... "، وكذا ما في

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.

 

 

 

===============

( 517 )

صدر موثق ابن يعفور من قوله (ع): " ودخلت في غيره ". لكن يوهن الاول ما في صدر الصحيح من قوله عليه السلام: " إذا كنت قاعدا على وضوئك... (إلى قوله عليه السلام): ما دمت في حال الوضوء "، فانه موجب لظهور الذيل في كونه تصريحا بمفهوم الصدر، ولا يعارض باحتمال كون الصدر تصريحا بمفهوم الذيل، فانه خلاف الاصل. ولذا اشتهر أن التصرف في الذيل أولى من التصرف في الصدر، لانه مأنوسية الذهن به توجب حمل الذيل عليه مهما أمكن. مع أن الظاهر أن قوله عليه السلام: " وفرغت " تفسير للقيام من الوضوء، كما أن القعود على الوضوء المذكور في صدر الرواية يراد منه الاشتغال بالوضوء، وقوله عليه السلام: " حال أخرى " يعني: غير حال الوضوء، فالمدار في عدم الاعتناء بالشك أن يكون في حال غير حال الوضوء. ويوهن الثاني - مضافا إلى ما عرفت من عدم احتمال المفهوم للشرطية المذكورة - ما في ذيله من الحصر، الظاهر في كونه بمنزلة الكبرى له، وحيث أن الموضوع في الحصر مجرد التجاوز المساوق للفراغ، يكون العمل عليه. هذا ولو سلم عدم الترجيح المذكور فلا أقل من الاجمال، الموجب للرجوع إلى إطلاق النصوص المتقدمة، المقتضية للاكتفاء بمجرد الفراغ. ومما ذكرنا يظهر أن قول الصادق عليه السلام في من شك في غسل عضو من أعضاء الغسل: " فان دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه " (* 1) محمول على غير ظاهره من عدم إرادة المفهوم للشرطية، إذ لا يعتبر في قاعدة الفراغ في الغسل الدخول في الصلاة إجماعا. فتأمل جيدا.

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة حديث: 2.

 

 

 

===============

( 518 )

[ وكذا إن كان الشك في الجزء الاخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر (1)، أو كان بعد ما جلس طويلا، أو كان بعد القيام عن محل الوضوء، وإن كان بعد ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة، وإلا استأنف. ] (1) أقول: قد عرفت أنه لا يعتبر في إجراء قاعدة الشك بعد الفراغ أكثر من تحقق الفراغ، وقد عرفت تحققه بفعل الجزء الاخير إذا كان الشك في وجود ما قبله. وإنما الاشكال في ما يتحقق به إذا كان الشك في الجزء الاخير، والمختار في الجواهر تحققه بأحد أمرين. الاول: اشتغاله بفعل آخر وانتقاله إلى حال أخرى ولو بطول الجلوس، والثاني: حصول اليقين له بالفراغ آنا ما. فإذا لم يحصل كل منهما وجب المشكوك. وشيخنا الاعظم - رحمه الله - في طهارته أنكر الاكتفاء بالثاني، إذ الوجه فيه إن كان هو حجية نفس اليقين بعد زواله فلا دليل عليها، وما دل على عدم جواز نقض اليقين بالشك مختص باليقين بالحدوث والشك في البقاء، فلا يشمل اليقين الزائل بالشك، الراجع الى قاعدة الشك الساري. وإن كان ظهور حال المتيقن في مطابقة يقينة للواقع، فلا دليل أيضا على حجية الظهور المذكور إلا في مورد الشك بعد الفراغ، وإثبات الفراغ بمجرد اليقين الزائل غير ظاهر الوجه. أقول: إن ثبت اعتبار عنوان الفراغ في جريان قاعدة الفراغ - كما هو ظاهر النصوص على ما تقدم - فالمراد به إما الفراغ الحقيقي، أو الادعائي أو البنائي. والاول موجب لسقوط القاعدة عن الحجية، إذ مهما شك في الجزء فقد شك في الفراغ الحقيقي، فلا يمكن التمسك بها لاثباته. والثاني مما لا يمكن الالتزام به، لتحققه بفعل معظم الاجزاء، ولا ريب

 

===============

( 519 )

في عدم جريان القاعدة حينئذ، فانه خلاف الصحيح المتقدم. فلابد أن يكون المراد الاخير الحاصل بمجرد انتهاء العمل لاعتقاد تمامه. وليس ذلك للبناء على حجية اليقين بعد زواله، أو على حجية ظهور حال المتيقن كي يطالب بالدليل على ذلك، بل هو تعبد بالدليل الدال على إلغاء الشك بعد الفراغ بعد وجوب حمل الفراغ فيه على ما ذكر. وعلى هذا فالقيام وطول الجلوس والاشتغال بما يضاد الوضوء مما لا دخل لها في تحقق الفراغ، الذي هو تمام موضوع إلغاء الشك، وإنما هي دخيلة في إحرازه فقط، فإذا أحرز بطريق آخر وجب ترتيب الحكم عليه. نعم لو بني في إثبات وجود المشكوك على التمسك بقاعدة التجاوز، كان لاعتبار الدخول في الغير المضاد عرفا للوضوء من قيام أو عمل آخر وجه. إلا أنه خلاف المفروض من التمسك بقاعدة الفراغ. مع أن التحقيق عدم الاكتفاء في تحقق التجاوز الذي هو موضوع قاعدة التجاوز بالدخول في المضاد للمشكوك، إذ لا ترتيب شرعي بينهما، فالاكتفاء به موقوف على الاكتفاء بالتجاوز العادي، الذي هو خلاف التحقيق. وبالجملة: الفراغ بأي معنى أخذ لا يتوقف على الدخل في الغير أو القيام أو نحوهما، بل هي متوقفة عليه، فيقال: فرغت فقمت. ولا يقال: قمت ففرغت. فكيف يصح اعتبارها فيه؟. ويوضح ما ذكرنا المتناع التفكيك بين الفراغ بالاضافة إلى غير الجزء الاخير وبينه بالاضافة إليه، ومن المعلوم أن تحقق الفراغ في الاول بفعل الجزء الاخير ليس لخصوصية فيه، وإلا لتعذر الفراغ في الثاني، فلا تجري فيه القاعدة أصلا، بل لتحقق الفراغ بنظر الفاعل، فلابد أن يكون كذلك بالاضافة إلى الجزء الاخير أيضا. وكذا الحال لو بني على الجمود على ما في النصوص من المضي، وكون

 

===============

( 520 )

[ (مسألة 46): لا اعتبار بشك كثير الشك (1)، سواء كان في الاجزاء، أو في الشرائط أو الموانع. ] الشك بعد العمل، أو بعد الجواز، فانه أيضا يمتنع إرادة المفهوم الحقيقي من الامور المذكورة أو الادعائي، فيتعين إرادة البنائي. وعلى هذا فالامور المذكورة في المتن غير كافية في جريان القاعدة، إلا إذا أحرز بها الفراغ البنائي، كما أن فقدها لا يمنع من جريانها، إذا أحرز الفراغ البنائي من طريق آخر. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره في الجواهر من تحقق الفراغ بأحد أمرين، فانه إن رجع الاول إلى الثاني فهما أمر واحد، وإلا فتحققه بالاول غير ظاهر. (1) كما عن الحلي في السرائر، وجماعة من المتأخرين، كالشهيدين والمحقق الثاني، والسيد في المدارك، وغيرهم. ويستدل له بما ورد في إلغاء شك كثير الشك في الصلاة، كصحيح ابن مسلم: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فانه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان " (* 1). وما في مصحح زرارة وأبي بصير: " لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرن نقض الصلاة، فانه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. ثم قال (ع): إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم " (* 2). وصحيح ابن سنان: " ذكرت لابي عبد الله (ع) رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل. فقال أبو عبد الله (ع) وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

 

 

 

===============

( 521 )

[ (مسألة 47): التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه ] فقال (ع): سله هذا الذي يأتيه من أي شئ هو؟ فانه يقول لك: من عمل الشيطان " (* 1)، وقريب منها غيرها. ومورد الجميع عدا صحيح ابن سنان هو الصلاة، والتعدي منها إلى الوضوء غير ظاهر، وكونه من توابع الصلاة وشرائطها غير كاف في ذلك. وأما التعليل فالالتزام به على اطلاقه مشكل. مضافا الى أنه إنما يقتضي التعدي لو أحرز كون الشك من الشيطان، وما تضمنته النصوص من أن كثرة الشك في الصلاة من الشيطان لا يقتضي أن تكون كثرة الشك في غيرها من الافعال من الشيطان. وبالجملة: الذي يستفاد من التعليل عموم الحكم لكل شك علم أنه من الشيطان، لا عموم الحكم لكثرة الشك مطلقا. ثم إن إحراز كون الشك من الشيطان موكول إلى ما هو المرتكز عند المتشرعة على ما يظهر من الصحيح وخبر الواسطي الآتي. ومنه يظهر الاشكال في الصحيح الاخير أيضا، لا سيما مع عدم ظهور له في المقام، لقرب حمله على الوسواس الذي لا إشكال في عدم الاعتناء به. وأما ما قد يظهر من خبر الواسطي: " أغسل وجهي ثم أغسل يدي فيشككني الشيطان أني لم أغسل ذراعي ويدي. قال (ع): إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد " (* 2) من وجوب الاعادة في الجملة مع إحراز كون الشك من الشيطان، فلا مجال للعمل به في قبال ما عرفت. ولعل مورده الوسواس، فيكون به واردا مورد التنبيه على ما يرتفع به الوسواس.

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 4.

 

 

 

===============

( 522 )

[ حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الاثناء (1)، وكذا الغسل والتيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محل المشكوك فيه وعدمه، فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز، وإن كان في الاثناء، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة في أنه ضرب بيديه على الارض أم لا يبني على أنه ضرب بهما، وكذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الايمن في الغسل أنه غسل رأسه أم لا لا يعتني به. لكن الاحوط إلحاق المذكورات أيضا بالوضوء. (مسألة 48): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، ولكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة أو ضرورة أو تقية أو لا، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي الظاهر الصحة، حملا للفعل على الصحة، لقاعدة الفراغ أو ] (1) لعدم الدليل عليه، واختصاص صحيح زرارة المتقدم بالوضوء، ولا إجماع على الالحاق ليعول عليه، ومجرد البدلية عن الوضوء لا توجب الالحاق به قطعا، فعموم ما دل على عدم الاعتناء بالشك في وجود الشئ بعد التجاوز عنه، كما في صحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع): " يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ "، وصحيح إسماعيل: " كل شئ شك فيه مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه " (* 1) محكم. وخصوص موردهما - أعني: الصلاة - لا يوجب اختصاصهما بها لان خصوص المورد لا يخصص الوارد، وإلا لزم الاقتصار على خصوص ما ذكر في السؤال دون غيره من موارد الشك في الجزء الصلاتي، وقد

 

____________ (* 1) تقدم ذكرهما في مسألة: 45.

 

 

 

===============

( 523 )

[ غيرها. وكذا لو علم أنه مسح بالماء الجديد ولم يعلم أنه من جهة وجود المسوغ أو لا، والاحوط الاعادة في الجميع (1). (مسألة 49): إذا تيقن أنه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله، ولكن شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح أو لا، بل عدل عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ، فيجب الاتيان به، لان مورد القاعدة ما إذا علم كونه ] ادعى في الجواهر أنها قاعدة محكمة في الصلاة وغيرها من الحج والعمرة وغيرهما. ومنه يظهر الحال في الغسل والتيمم بدلا عنه، وإن ادعى شيخنا الاعظم في طهارته الشهرة المحققة على الالحاق في الاول، إذ هي غير كافية فيه، لا سيما وأن شيخنا في الجواهر ادعى عدم العثور على القائل به عدا الفاضل في الرياض، وأن منشأ الوهم في دعوى الشهرة ما في بعض عبارات الاصحاب - كالمحقق وغيره - من ذكر لفظ الطهارة الشاملة للوضوء وغيره مع أن الظاهر إرادة الوضوء منه لذكرهم ذلك في بابه، وإن كان ما ذكره - رحمه الله - لا يخلو من خدش، فراجع طهارة شيخنا الاعظم رحمه الله. (1) لاحتمال اختصاص قاعدة الفراغ بالشك في صحة الموظف وفساده فارغا عن كونه موظفا، فلا تعم صورة الشك في الصحة، للشك في كون المأتي به موظفا كما في الامثلة المذكورة، ولازمه عدم جريانها فيما لو علم أنه صلى تماما ولم يعلم أنه كان حاضرا أو مسافرا، لكن الاحتمال المذكور منفي باطلاق الادلة المتقدمة، أو لاحتمال انصراف أدلتها عما لو كان الشك في الصحة ناشئا عن الشك في توظيف المأتي به الناشئ عن طروء العناوين الثانوية، فهي وإن عمت صورة كون الشك في توظيفه، لكنها تختص بالتوظيف الناشئ عن مقتضى العناوين الاولية، فلو توضأ وشك في صحة

 

===============

( 524 )

[ بانيا على إتمام العمل وعازما عليه، إلا أنه شاك في إتيان الجزء الفلاني أم لا (1)، وفي المفروض لا يعلم ذلك. وبعبارة أخرى: مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان. لا احتمال العدول عن القصد. (مسألة 50): إذا شك في وجود (2) الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الاثناء، وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه، إن لم يكن مسبوقا بالوجود، وإلا وجب تحصيل اليقين، ولا يكفي الظن. وإن شك بعد الفراغ في أنه كان موجودا أم لا بنى على عدمه (3)، ويصح وضوؤه. وكذا إذا تيقن أنه كان موجودا وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا. نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل ] وضوئه من جهة احتمال حرمة الوضوء عليه لرمد ونحوه جرت قاعدة الفراغ، ولكنها لا تجري في مثل الفروض المذكورة في هذه المسألة، وهذا الاحتمال أيضا لا يعول عليه في قبال الاطلاق. نعم إذا كان الشك في الصحة ناشئا من الشك في أصل التوظيف، كما لو صلى وشك في أن صلاته كانت قبل الوقت أو بعد دخوله، لم تجر القاعدة، لخروجه عن مورد أدلتها. (1) قد عرفت اختصاص القاعدة بصورة تحقق الفراغ البنائي، ولم يحرز في الفرض. (2) تقدم الكلام في هذه المسألة في غسل الوجه، وفي الثالث من شرائط الوضوء. فراجع. (3) لقاعدة الفراغ فيه وفي ما بعده.

 

===============

( 525 )

[ إذا علم أنه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل، ولكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه (1)، فلا يترك الاحتياط بالاعادة. وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه وشك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده، فانه يبني على الصحة، إلا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه، فان الاحوط الاعادة حينئذ. (مسألة 51): إذا علم بوجود مانع، وعلم زمان حدوثه وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعد يبني على الصحة لقاعدة الفراغ، إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء، فالاحوط الاعادة حينئذ (2). (مسألة 52): إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ وشك بعده في أنه طهره ثم توضأ أم لا، بنى على بقاء النجاسة (3) فيجب غسله لما يأتي من الاعمال، وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة ] (1) قد تقدم في المسألة الحادية عشرة من فصل الماء المشكوك ضعف هذا الاشكال، لا سيما بملاحظة حسن الحسين بن أبي العلاء: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت. قال (ع): حوله من مكانه وقال في الوضوء: تدره، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة " (* 1). (2) للاشكال المتقدم، الذي أشرنا إلى ضعفه. (3) للاستصحاب. ولا ينافيه قاعدة الفراغ الجارية في الوضوء،

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.

 

 

 

===============

( 526 )

[ عملا بقاعدة الفراغ، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة (1). وكذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقا على الوضوء، ويشك في أنه طهره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا (2)، فان وضوءه محكوم بالصحة، والماء محكوم بالنجاسة. ويجب عليه غسل كل ما لاقاه (3)، وكذا في الفرض الاول، يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة (4). (مسألة 53): إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه بنى على صحتها (5)، لكنه محكوم ببقاء حدثه (6)، فيجب عليه ] لاختصاص نظرها بحيثية صحة الوضوء، فلا تصلح لاثبات طهارة الاعضاء بلحاظ جميع الآثار الاجنبية عن صحة الوضوء، مثل صحة الصلاة، والتفكيك بينهما جائز قطعا. كما أن العلم الاجمالي بكذب أحد الاصلين من القاعدة والاستصحاب لا يقدح في جريانهما، لانه لا يلزم من جريانهما معا مخالفة عملية، كما حرر في محله. (1) للاشكال المتقدم. (2) الكلام فيه كما قبله. (3) عملا بالاستصحاب. (4) لنجاسة الماء بمقتضى استصحاب نجاسة الاعضاء، فينجس كل ما يلاقيه. (5) لقاعدة الفراغ الجارية فيها. (6) لاستصحاب بقاء الحدث، الذي لا يعارضه قاعدة الفراغ في الصلاة، لما عرفت.

 

===============

( 527 )

[ الوضوء للصلوات الآتية، ولو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء (1). والاحوط الاتمام مع تلك الحالة (2)، ثم الاعادة بعد الوضوء. (مسألة 54): إذا تيقن بعد الوضوء أنه ترك منه جزءا أو شرطا أو أوجد مانعا، ثم تبدل يقينه بالشك، يبني على الصحة عملا بقاعدة الفراغ، ولا يضرها اليقين بالبطلان بعد تبدله بالشك. ولو تيقن بالصحة ثم شك فيها فأولى بجريان القاعدة. (مسألة 55): إذا علم قبل تمام المسحات أنه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك، فأتى به وتمم الوضوء، ثم علم ] (1) فان قاعدة الفراغ وإن اقتضت صحة الاجزاء التي فرغ منها، إلا أنها لما لم تصلح لاثبات الطهارة بلحاظ الغايات التي لم يدخل فيها لم يكن لبقية الصلاة مصحح. (2) لاحتمال جريان قاعدة التجاوز لاثباب الوضوء قبل الدخول في الصلاة، بناء على أن الشرط نفس الوضوء. فيكون نظير الاذان والاقامة مما له محل معين، يكون الشك فيه في أثناء الصلاة شكا بعد التجاوز. ولكن المبنى المذكور ضعيف، وان كان قد يساعده ظاهر الآية الشريفة: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا...) (* 1)، الا أنه خلاف ظاهر قولهم (ع): " لا صلاة الا بطهور " (* 2) وغيره، الظاهر في اعتبار الطهارة في الصلاة فتكون من الشروط المقارنة لاجزاء الصلاة، ليس لها محل معين يصدق التجاوز عنه، فهي نظير الاستقبال والستر.

 

____________ (* 1) المائدة: 6. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

 

 

===============

( 528 )

[ أنه كان غسله، يحتمل الحكم ببطلان الوضوء، من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد. لكن الاقوى صحته، لان الغسلة الثانية مستحبة على الاقوى، حتى في اليد اليسرى، فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع، فهي محسوبة من الغسلة المستحبة، ولا يضرها نية الوجوب (1). لكن الاحوط إعادة الوضوء، لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها (2). هذا ولو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة وصارت هذه ثالثة تعين البطلان، لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.