فصل ماء الحمام

[ فصل ماء الحمام بمنزلة الجاري (1)، بشرط اتصاله بالخزانة (2) فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة ] فصل في ماء الحمام (1) في الجواهر الاجماع محصلا ومنقولا عليه. ويشهد له صحيح داود ابن سرحان: " قلت لابي عبد الله (ع): ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع): هو بمنزلة الجاري " (* 1). وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع): " إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (* 2). وقريب منهما غيرهما. (2) إجماعا كما في الجواهر. ويقتضيه الجمع بين ما تقدم وبين رواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر (ع): " ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة " (* 3). وضعفها بجهالة بكر منجبر بعمل المشهور. بل في الحبل المتين: ان جمهور الاصحاب تلقوا روايته هذه بالقبول. انتهى. هذا مضافا إلى رواية صفوان عنه الذي هو من أصحاب الاجماع، وممن لا يروي إلا عن ثقة، كما عن الشيخ (ره) في العدة وأما ما في طهارة شيخنا الاعظم (ره) من أن الظاهر أنه بكر بن محمد بن حبيب - الذي ظاهر المحكي عن النجاشي وصريح الخلاصة: أنه من علماء الامامية، وحكى ابن داود عن الكشي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 4.

 

===============

 

( 187 )

 

[ إذا كان ما في الخزانة وحده، أو مع ما في الحياض بقدر الكر (1)، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة، ] أنه ثقة - فغير ظاهر، فان ذلك أبو عثمان المازني، المتوفي سنة ثمان واربعين ومائتين، وتمتنع روايته عن أبي جعفر (ع) الذي هو الباقر (ع)، بقرينة وقوع منصور في السند. فلاحظ. ثم إن الظاهر من الحمام في النصوص ما في الحياض الصغار، كما هو الظاهر من الاصحاب والمصرح به في كلام جماعة، ويكون تشبيهه بالجاري في النص والفتوى بملاحظة كونه ذا مادة جارية عليه. فيدل على اعتصامه ما تقدم من عموم اعتصام كل ماله مادة. وكأن الوجه في اهمال تقييد الماء بكونه دون الكر أن القضية لوحظ فيها الافراد الخارجية، وهي في عصر صدور النصوص كلها قليلة لا تبلغ الكر، لا قضية حقيقية ليلزم تقييد موضوعها بما دون الكر، لوضوح أن الماء البالغ كرا لا بأس به وان لم يكن له مادة إجماعا نصا وفتوى. (1) المنسوب إلى الاكثر، أو المشهور. اعتبار بلوغ المادة كرا. وعن جماعة: الاكتفاء ببلوغ المجموع كرا. وفي الحدائق: عدم اعتبار الكرية في المادة ولا في مجموع ما فيها وما في الحياض. ونسبه إلى جملة من المتأخرين ومتأخريهم، واختار أيضا في الكفاية، ونسبه إلى ظاهر كلام المحقق. وعن بعض التفصيل بين تساوي السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا، وبين اختلافها فلابد من بلوغ المادة كرا. وعن بعض التفصيل بين الرفع فالاول، وبين الدفع فالثاني. ومختصر الكلام في تحقيق هذه الاقوال: أنه (إن كانت) نصوص الباب من قبيل القضية الحقيقية، فمفادهما أن عنوان ماء الحمام كعنوان ماء المطر، دخيل في ثبوت الحكم المذكور فيهما، فمهما تحقق ماء الحمام كان بمنزلة

 

===============

 

( 188 )

 

الجاري إذا كانت له مادة. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون ما في المادة وذي المادة بالغا كرا وعدمه. ومقتضى وجوب العمل بهذا الاطلاق البناء على ما ذكره في الكفاية والحدائق وغيرهما من عدم اعتبار الكرية أصلا، لا في المادة، ولا في مجموع ما في المادة وذي المادة. (وإن كانت) من قبيل القضية الخارجية التي حكم فيها على الافراد الخارجية لا غير، لم يكن لها اطلاق يصلح أن يتمسك به لعدم اعتبار الكرية في المادة - فضلا عن مجموع ما في المادة والحياض - لان القضية الشرعية على هذا - من قبيل قضايا الاحوال المكتسبة ثوب الاجمال، ولا يجوز الخروج بها عن القواعد العامة إلا فيما يكون متيقن الدخول في مواردها، مثل الحوض الصغير الذي تجري عليه المادة، فانه لو لم يكن دليل على اعتصامه أمكن أن تكون هذه الروايات دليلا عليه، لانه متيقن دخوله في موردها. وعلى هذا الاحتمال تبتني بقية الاقوال. وحينئذ نقول: إن بني على تقوي السافل بالعالي اكتفي بكون المجموع كرا ولو مع اختلاف السطوح. وان بني على عدمه تعين التفصيل بين صورة تساوي السطوح، فيكفي كون المجموع كرا، وبين صورة اختلافها فلابد من كون المادة وحدها كرا. ولعل اطلاق المشهور اعتبار بلوغ المادة كرا مبني على كون محل كلامهم صورة اختلاف السطوح. ثم على القول بتقوي السافل بالعالي إن قلنا بأن المتمم كرا بطاهر طاهر، لم يفرق بين الدفع والرفع في كفاية كون المجموع كرا. وان لم نقل بطهارة المتمم بطاهر تعين التفصيل بين الدفع فيكفي فيه كون المجموع كرا، وبين الرفع فلا يكفي فيه ذلك، بل لابد من كون المادة وحدها كرا، كما اختاره المصنف (ره) في المتن. هذا ولا ينبغي التأمل في لزوم حمل القضية الشرعية في الروايات

 

===============

 

( 189 )

 

المذكورة على القضية الخارجية (أولا): من جهة أن خصوصية الحمام من قبيل خصوصية الدار والخان ونحوهما من الامكنة، مما لا يساعد العرف على دخلها في الحكم المذكور، والمنسبق إلى الذهن ملاحظتها مرآة للافراد الخارجية. (وثانيا): أن لازم أخذ العنوان المذكور موضوعا للحكم، هو انفعال ماء الحمام إذا لم يكن له مادة ولو كان كثيرا، وعدم انفعاله لو أخذ منه مقدار وجعل مادة، وذلك - مع أنه خلاف المرتكز العقلائي - مما لم يقل به أحد فإذا دار الامر بين حمل القضية على الحقيقية والتصرف فيها باخراج ذلك، وبين حملها على الخارجية، فالثاني أولى. (وثالثا): أنه يظهر منهم الاتفاق على أن المراد من ماء الحمام في النصوص هو ما في الحياض الصغار، ولا يظهر وجه لذلك إلا حمل القضية على الخارجية. فإذا حمل ماء الحمام على الحياض الصغار التي كانت متعارفة في زمن صدور الروايات، فلم لا تحمل المادة على المادة المتعارفة في ذلك الزمان أيضا؟!. وحينئذ لا يسوغ الاخذ باطلاق المادة الشامل لما دون الكر، لان الحمل على ذلك من قبيل الحمل على الفرد الخارجي الذي لا يقبل الاطلاق والتقييد بل عمومها لما دون الكر موقوف على وجود ذلك الفرد في ذلك الزمان وهو غير معلوم. وبالجملة: لا وجه للتفكيك بين ماء الحمام وبين المادة، بحمل الاول على الفرد الخارجي، وحمل الثاني على الكلي ثم يتمسك باطلاقه فاما أن يحملا معا على الفرد الخارجي أو معا على الكلي، كما لعله ظاهر بالتأمل. فما في الحدائق من الجمع بين تمسكه باطلاق المادة، وبين استظهاره أن المراد من ماء الحمام ما في الحياض الصغار بعد نسبة ذلك إلى الاصحاب كما تري. وأما تقوي السافل بالعالي، وعكسه، وعدمهما فقد اختلفت فيها كلمات الجماعة. ولعل أول من تعرض لذلك العلامة (ره) في التذكرة،

 

===============

 

( 190 )

 

قال: " لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء، وإلا في حق السافل، فلو نقص الاعلى عن كر انفعل بالملاقاة " وظاهره تقوي السافل بالعالي دون العكس، ومثله محكي كلام غيره. ومقتضى ما ذكره في القواعد وغيرها من اعتبار الكرية في مادة الحمام عدم تقوي السافل بالعالى. وظاهر محكي جامع المقاصد عدم تقوي كل منهما بالآخر. وصريح جماعة من المتأخرين التقوي من الطرفين. لاطلاق أدلة اعتصام الكر الشامل لمختلف السطوح ومتساويها. وقد يستشكل فيه (تارة): باختصاصها بالماء الواحد، ومع اختلاف السطوح يتعدد وجود الماء. وفيه: أن التعدد يتوقف على الانفصال وتخلل العدم وهو خلاف المفروض. (واخرى): باختصاص مورد تلك الادلة بالحياض والغدران ونحوهما مما يتساوى فيه السطوح. وفيه - مع أن بعضها لا مورد له معين -: أن المورد لا يخصص الوارد ولا يقيده. (وثالثة): بأن ما دل على اعتبار المادة في ماء الحمام - المنصرف اطلاقها بحكم الغلبة إلى الكر، يكون مقيدا لذلك الاطلاق حتى في غير الحمام، لالغاء خصوصية مورده عرفا. وفيه: أن الغلبة لا تصلح للانصراف المعتد به، وقد عرفت أن أدلة ماء الحمام مجملة لان مضمونها من قبيل القضية الخارجية. (ورابعة): من جهة انصرافه إلى خصوص متساوي السطوح، وفيه: أن الانصراف المذكور بدوي، لان منشأه أنس الذهن بذلك. (وخامسة): بأن الاعلى لا ينجس بنجاسة الاسفل اتفاقا فلا يطهر بطهارته. وفيه: أنه لا ملازمة بين الامرين ولذا لا إشكال في سراية النجاسة من الاعلى إلى الاسفل، مع أن المستشكل ممن لا يقول بتقوي الاعلى بالاسفل. وعمدة الفرق بين المقامين: أن أدلة السراية قاصرة عن شمول الاعلى عند نجاسة الاسفل، بخلاف أدلة اعتصام الكر فانها شاملة لمختلفي السطحين، ومتساويهما كما عرفت.

 

===============

 

( 191 )

 

نعم الذي ينبغي أن يقال: إنه لا ريب في أن المرتكز العرفي عدم تقوي كل من العالي والسافل بالآخر. وهذا الارتكاز موجب لانصراف المطلقات الدالة على اعتصام الكر إلى مستوي السطوح، فيكون موضوع الاعتصام مقيدا بذلك، ومقتضاه انتفاؤه بانتفائه. وليس هذا الانصراف ناشئا من أنس الذهن بالمقيد لسبب من الاسباب الخارجية، من غلبة أو محبة أو نحوهما - ليكون من الانصرافات البدوية التي لا يعول عليها في رفع اليد عن الاطلاق. بل هو ناشئ من المناسبات الارتكازية العرفية التي يعول عليها في تقييد المطلق، كما يظهر من ملاحظة النظاير التي يطول الكلام بذكرها فلاحظ. ولا فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي الذي لا يلحق بالمساوي عرفا. هذا كله مع اختلاف السطوح وجريان الماء، فلو كان الماء ساكنا - كما لو عمل ظرف من نحاس على هيئة المنبر - فالظاهر أنه لا إشكال في تقوي كل من الاعلى والاسفل بالآخر. كما أنه مع تساوي السطوح، وضعف الاتصال كما لو وصل بين الغديرين بساقية ضعيفة جدا، فالتقوي حينئذ لا يخلو من إشكال، لانه خلاف الارتكاز العرفي. وكذا لو كان الماء في انبوب ضيق طوله فرسخ أو فرسخان، لعين ما ذكر من الاشكال. وأما ما عن المعالم من الاشكال في اعتصام الكر مع تساوي السطوح إذا لم يكن مجتمعا متقارب الاجزاء، فان رجع إلى ما ذكرنا ففي محله، وإلا فهو خلاف الاطلاق كما عرفت. هذا ولو كان العالي وحده كرا، فالمعروف تقوي السافل به، بل عن شارح الدروس الاتفاق عليه. لكن قد يظهر من بعض العبارات الاشكال فيه. نعم لا إشكال فيه في ماء الحمام، لانه المتيقن من النصوص، وقد عرفت أن احتمال الخصوصية فيه خلاف المرتكز العرفي، فالتعدي منه إلى

 

===============

 

( 192 )

 

[ أو عدمه، وإذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة (1)، بشرط كونها كرا، وان كانت أعلى وكان الاتصال بمثل (المزملة). ويجري هذا الحكم في غير الحمام أيضا، فإذا كان في المنبع الاعلى مقدار الكر أو أزيد، وكان تحته حوض صغير نجس، واتصل بالمنبع بمثل (المزملة) يطهر، وكذا لو غسل فيه شئ نجس، فانه يطهر مع الاتصال المذكور. ] غيره في محله. ويدل عليه صحيح ابن بزيع عن الرضا (ع) (* 1)، سواء أرجع التعليل إلى قوله (ع): " لا يفسده شئ " فيدل على ما نحن فيه بالصراحة، أم إلى قوله (ع): حتى يذهب الريح ويطيب.. " فيدل على ما نحن فيه بالفحوي، لان الدفع أهون من الرفع. (1) كما يستفاد من صحيح ابن بزيع (* 2) بناء على ما تقدم في مبحث الماء الجاري من رجوع التعليل فيه إلى الغاية، فيعم الحكم كل ماله مادة. ويستفاد أيضا من نصوص نفي البأس في ماء الحمام إذا كان له مادة، فان اطلاقها يشمل ما إذا تنجس الماء ثم وصل بالمادة. اللهم إلا أن يحتمل ان الحمامات في عصر صدور هذه النصوص ما كانت المادة تنقطع فيها عن الحياض وقد عرفت أن النصوص محمولة على الافراد الخارجية لا غير، ومع هذا الاحتمال - وان بعد - تكون النصوص مجملة. فالعمدة صحيح ابن بزيع. ومنه يستفاد حكم غير الحمام، لعموم التعليل وان كان مورده البئر. فلاحظ وتأمل.

 

 

____________

(* 1) و (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

 

===============

 

( 193 )

 

[ فصل ماء البئر النابع بمنزلة الجاري، لا ينجس إلا بالتغير (1)، ] فصل في ماء البئر (1) على المشهور بين المتأخرين، ونسب إلى العماني، والحسين بن الغضائري ومحمد بن جهم. للنصوص الدالة عليه، كصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع): " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة " (* 1). وصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: " سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟ قال (ع): لا بأس " (* 2). وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): " قال سمعته يقول: لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر، إلا أن ينتن، فان أنتن غسل الثوب واعاد الصلاة، ونزحت البئر " (* 3) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة وقد عقد لها في الوسائل بابا طويلا (* 4) وان كان بعضه لا يخلو من خدش في الدلالة، أو السند. والمشهور بين القدماء النجاسة بمجرد الملاقاة، بل عن الاقتصاد والغنية وغيرهما: الاجماع صريحا أو ظاهرا عليه وتبعهم عليه جماعة من المتأخرين

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 6، 7. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 10. (* 4) وهو الباب: 14 من ابواب الماء المطلق.

 

===============

 

( 194 )

 

لما دل على وجوب النزح بملاقاة النجاسة، الظاهر في كونه مطهرا لها، بل هو المصرح به في بعضها، كصحيح ابن يقطين عن أبي الحسن (ع): " سألته عن البئر تقع فيها الحمامة، والدجاجة، والفارة، أو الكلب أو الهرة فقال (ع): يجزؤك أن تنزح منها دلاء، فان ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى " (* 1) وصحيح ابن بزيع: " عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شئ من عذرة - كالعبرة ونحوها - ما الذي يطهرها حتي يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (ع) بخطه في كتابي: ينزح منها دلاء " (* 2). وفيه: أنها لا تصلح لمعارضة ما عرفت، مما هو أقوى دلالة، فيجمع بينها بالحمل على الاستحباب. ولا سيما بملاحظة ما فيها من الاختلاف الكثير، وورود بعضها فيما ميتته طاهرة - كالوزغ والعقرب - الموجب ذلك لحمل كثير منها على الاستصحاب. ومما يؤيد ذلك أنها لو انفعلت مع كثرة مائها لزم دوران النجاسة مدار المادة وهو غريب كما قيل. نعم قد تشكل نصوص الطهارة من جهة إعراض القدماء عنها، وعدم اعتمادهم عليها. لكنه يندفع: بأنه لم يثبت كونه إعراضا موهنا لها، بل من الجائز أن يكون لبنائهم على عدم الجمع العرفي بينها وبين نصوص النجاسة، مع ترجح الثانية بموافقتها للاحتياط وكونها اكثر عددا. ومجرد احتمال كونه لاجل اطلاعهم على قرينة تنافي أصالة الظهور فيها، أو أصالة الجهة، لا يكفي في رفع اليد عنها - كما لا يخفى - فانه خلاف الاصل العقلائي المقتضي لنفي ذلك الاحتمال. هذا وأما صحيح ابن أبى يعفور عن أبى عبد الله (ع): " قال:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب الماء المطلق حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 21.

 

===============

 

( 195 )

 

إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف فيه فتيمم بالصعيد فان رب الماء الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " (* 1) فغير ظاهر في النجاسة، لعدم التعرض فيه لنجاسة بدن الجنب، فلعل المراد من الافساد فيه القذارة العرفية. بل لو كان المراد به النجاسة، كان اللازم التعبير بأن لا يفسد الماء فلا يمكن الاغتسال به ويتنجس البدن به، لا بافساد الماء على أهله. فلاحظ. وأما ما ورد في تقارب البئر والبالوعة فلا يأبى الحمل على صورة التغير بالنجاسة، فلا يقوى على صرف ما تقدم فلاحظ. هذا ونسب إلى الشيخ (قده) القول بالطهارة ووجوب النزح تعبدا. وتبعه عليه في المنتهى والموجز وغيرهما. وكأنه للاخذ بظاهر الدليلين، فان الاصل في الامر أن يكون مولويا فيحمل الامر بالنزح عليه. أو لان المقام وان كان مقام الارشاد إلى النجاسة، فيكون الامر بالنزح ارشاديا إليها، لكنه حيث لا يمنع عنه مانع، واخبار الطهارة مانعة عنه. وفيه أن قرينية المقام على الارشاد إلى النجاسة إذا لم يمكن الاخذ بها من جهة نصوص الطهارة، يتعين حمل الامر بالنزح على الارشاد إلى مرتبة ضعيفة من النجاسة، لا تثبت لها أحكام النجاسة لاختصاص تلك الاحكام بالمرتبة القوية، فانه هو الذي يساعده الجمع العرفي، كما استقر عليه ديدنهم في أمثال المقام. فان الامر بحملة من المستحبات في الصلاة - مثل الاقامة والتكبير وغيرهما - ظاهر في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية لكن لما لم يمكن الاخذ به - لما دل على الصحة بدونه - حمل على الارشاد إلى خصوصية راجحة في الصلاة ولم تحمل على الوجوب المولوي. وعن البصروي: التفصيل في الانفعال بين الكر وغيره. وكأنه لموثق عمار قال: " سئل أبو عبد الله (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 22.

 

===============

 

( 196 )

 

أو رطبة. فقال (ع): لا بأس إذا كان فيها ماء كثير " (* 1) وخبر الحسن بن صالح المتقدم في تحديد الكر (* 2). ولقوله (ع) في صحيح ابن بزيع: " ماء البئر واسع " (* 3) بناء على ظهوره في أنه كثير. ولغلبة الكرية في البئر، الموجب ذلك لحمل نصوص الطهارة عليه عند الجمع بينها وبين عموم انفعال القليل، فيكون عموم انفعال القليل بلا معارض. أو لانه لا يمكن الاخذ بنصوص الانفعال إذا كان الماء كرا، لما تقدم من امتناع أن تكون المادة سببا للانفعال. وفيه: أنه لم يثبت للشارع الاقدس اصطلاح في الكثرة بمعنى الكرية كي يحمل في الموثق عليها، بل الظاهر من الكثرة الكثرة العرفية، واعتبارها في الموثق لاجل المنع من حصول التغير في الماء من وقوع الزنبيل من العذرة فيه فالكثرة معتبرة في مورد السؤال شرطا في عدم التغير الخارجي، لا شرطا مطلقا في عدم الانفعال شرعا والمراد بها كثرة خاصة تزيد على الكر بكثير وأما خبر الحسن - فمع ضعفه في نفسه - مهجور. وحمل السعة في الصحيح على الكثرة - مع أنه لا يجدي، كما عرفت - خلاف ظاهر. لا أقل من الاجمال ولو بملاحظة التعليل، المحتمل رجوعه إلى السعة أو إلى عدم الافساد إذ على كلا التقديرين لا يناسب حمل السعة على الكثرة، إذ لا دخل للمادة في الحكمين المذكورين، كما لعله ظاهر. وغلبة الكرية في ماء البئر ممنوع ولو سلم، فالجمع بين نصوص اعتصام البئر وانفعال الماء القليل يكون بحمل الثانية على غير ماء البئر، لظهور الاولى في خصوصية لماء البئر امتاز بها عن غيره، وإذا بني على التقيد بالكثير فلا خصوصية لماء البئر، وذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 15. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8 وتقدم في تحديد الكر بالمساحة. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 1، 6، 7.

 

===============

 

( 197 )

 

[ سواء كان بقدر الكر أو أقل، وإذا تغير ثم زال تغيره من قبل نفسه طهر، لان له مادة (1). ونزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب (2). وأما إذا لم يكن له مادة نابعة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية (3). وإن سمي بئرا، كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر ولا نبع لها. (مسألة 1): ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله ولو من قبل نفسه (4)، فضلا عن نزول المطر ] خلاف الظاهر. وصحيح ابن بزيع كالصريح في ذلك، بناء على أن المراد من قوله (ع) " واسع " أنه واسع الحكم - كما هو الظاهر - وأن التعليل بالمادة راجع إليه، كما تقدم في مبحث الماء الجاري. هذا وعن الجعفي اعتبار ذراعين في الابعاد الثلاثة في الاعتصام. وليس له دليل ظاهر. ويمكن أن يكون راجعا إلى ما قبله. ففيه حينئذ ما فيه. (1) اشارة إلى التعليل في صحيح ابن بزيع (* 1)، الظاهر رجوعه إلى جميع الاحكام السابقة عليه المناسبة له، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في مبحث الماء الجاري فراجع. (2) حملا لنصوص النزح على ذلك، لما عرفت. (3) لما تقدم من عموم انفعال القليل. ومجرد التسمية مجازا أو اصطلاحا لا يجدي بعد ما لم يكن مصداقا حقيقيا لموضوع الاحكام الخاصة. مع أنه لو فرض كون إطلاق البئر عليه حقيقيا، فالتعليل حاكم على اطلاقه ومانع من الاخذ به. (4) لما تقدم من أن الارتكاز العرفي مانع من اعتبار خصوصية النزح في الطهارة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

 

===============

 

( 198 )

 

[ عليه أو نزحه حتى يزول. ولا يعتبر خروح ماء من المادة في ذلك (1). (مسألة 2): الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر (2)، أو بالجاري، أو النابع غير ] (1) لاطلاق التعليل. (2) للتعليل في الصحيح الذي يجب التعدي عن مورده إلى المقام. وتعضده أخبار ماء الحمام، بناء على أن نفي البأس فيها يعم حالتي الدفع والرفع، لكثرة الابتلاء بالحالين، وبعد الغاء خصوصية موردها عرفا يتعدى منه إلى كل ماله مادة فتأمل. وهذا هو العمدة في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير. وما عن بعض الافاضل من الاستدلال له بالاصل غير ظاهر إذ الاصل يقتضي النجاسة. وكذا في الاشكال ما عن آخر من الاستدلال له بعموم مطهرية الماء، أو خصوص الماء المعتصم، من قوله صلى الله عليه وآله: " خلق الله الماء طهورا " (* 1)، وقوله (ع): " الماء يطهر ولا يطهر " (* 2)، وقوله (ع): " كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر " (* 3) وقوله (ع): " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (* 4)، وقوله (ع) مشيرا إلى غدير ماء: " إن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره " (* 5). فان إطلاق الاول لو تم فلا إطلاق له في كيفية التطهير، وليس مجرد الاتصال كافيا عند العرف في حصول الطهارة لينزل الاطلاق عليه. ومن ذلك يظهر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب الماء المطلق حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 7. (* 5) مستدرك الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 8.

 

===============

 

( 199 )

 

الاشكال في الثاني. مضافا إلى اهماله من حيث المتعلق. وحصول الرؤية لجميع أجزاء الماء بمجرد إصابته للسطح الظاهر ممنوع، كما يظهر ذلك من ملاحظة الجامدات التي يصيبها المطر، ضرورة عدم اصابته لجميع الاجزاء بمجرد اصابة بعضها، ولذا لا يطهر الجميع بمجرد إصابة المطر لبعضها. ومن ذلك يظهر الاشكال في الاخير. وروايات ماء الحمام ليست بذلك الوضوح في الدلالة على ذلك فالعمدة إذا في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير ما ذكرنا. والمتحصل من النصوص: أن المعتصم نوعان: معتصم بنفسه، وهو الكر وماء المطر. ومعتصم بغيره، وهو المتصل بأحدهما. والمتصل بالاول هو ذو المادة الذي هو محل الكلام. فان كانت المادة أعلى فلابد أن يكون ما في المادة زايدا على الكر بالمقدار الخارج منها إلى القليل النازل إليه، بناء على ما عرفت آنفا من عدم تقوي العالي بالسافل. ولا فرق في المادة العاصمة بين الكر، ومادة الجاري ومادة البئر، والعيون الراكدة، والثمد، وغيرها مما يسمى مادة. فالاتصال بالمادة في جميع ذلك دافع للنجاسة ورافع لها. ولولا الصحيح واخبار ماء الحمام لوجب اعتبار الامتزاج في حصول التطهير للشك فيه بدونه، الموجب للرجوع إلى استصحاب النجاسة. ومع الامتزاج لا شك في الطهارة، للاجماع القطعي - كما قيل - وللقاعدة المجمع عليها، من أن الماء الواحد لا يختلف حكم أبعاضه، فانه لو بني على نجاسة المعتصم مع الامتزاج لزم مخالفة دليل اعتصامه فيتعين البناء على طهارة المتنجس. ومخالفة استصحاب النجاسة لاتهم، بعد دلالة دليل اعتصام المعتصم على طهارة المتنجس بالدلالة الالتزامية، كما لا يخفى. والمراد من الواحد في القاعدة ما يكون واحدا في الاشارة، فلا تمكن الاشارة إلى بعض منه دون بعض، ولا يحصل ذلك إلا بالامتزاج، فان الاتصال وان كان يحصل الوحدة

 

===============

 

( 200 )

 

[ الجاري، وان لم يحصل الامتزاج على الاقوى. وكذا بنزول المطر (1). (مسألة 3): لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير (2)، فيطهر بمجرده وان كان الكر المطهر - مثلا - أعلى والنجس أسفل. وعلى هذا فإذا ألقى الكر لا يلزم نزول ] في الوجود والفردية، لكنه لا يحصل الوحدة في الاشارة. هذا، ولاجل ما ذكرنا في وجه كفاية الاتصال في التطهير، يظهر خفاء الوجه في اعتبار علو المطهر، كما يستفاد من قولهم: " يطهر الماء النجس بالقاء كر عليه دفعة ". وأما اعتبار الدفعة، فيمكن أن يكون لاجل تحقيق الامتزاج المعتبر عندهم. ويحتمل أن يكون من جهة أن عدم الالقاء دفعة يوجب انقسام الماء إلى قسمين: عال وسافل، ولا يتقوى أحدهما بالآخر. ويحتمل أن يكون تعبديا للنص كما عن المحقق الثاني (ره) تعليله بذلك، وان لم يعثر على هذا النص، كما اعترف به جماعة. وكيفما كان فقد عرفت أن الماء إذا زاد على الكر بمقدار ما به يتحقق الاتصال بين الماء النجس والكر طهر النجس، ولو لم يلق تمام الكر، فضلا عن أن يكون دفعة. (1) العمدة في دليل هذا الاجماع على أن ماء المطر بمنزلة الجاري. بضميمة ما دل على أن الاتصال بالجاري مطر، لصدق ذي المادة على المتصل به. وأما الاستدلال بمثل: " كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر " فقد عرفت الاشكال فيه (* 1). (2) لصدق المادة في الجميع. نعم تقدم أنه بناء على عدم تقوي

 

 

____________

(* 1) في أول الكلام في هذه المسألة.

 

===============

 

( 201 )

 

[ جميعه، فلو اتصل ثم انقطع كفى. نعم إذا كان الكر الطاهر أسفل، والماء النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال (1). (مسألة 4): الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر (2)، ولا يلزم صب مائه وغسله. (مسألة 5): الماء المتغير إذا ألقي عليه الكر فزال تغيره به يطهر، ولا حاجة إلى القاء كر آخر بعد زواله (3)، لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله (4) من اتصال أجزائه، وعدم تغيره، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله، تنجس ولم يكف في التطهير. والاولى ازالة التغير أولا ثم القاء الكر أو وصله به. ] العالي بالسافل إذا كان المطهر أعلى لابد من زيادته على الكر بمقدار النازل منه إلى المتنجس، لئلا ينقص عن الكر بنزول شئ منه فيخرج عن العاصمية. (1) لعدم صدق المادة، وعدم تحقق الامتزاج، وقد عرفت انحصار المطهر بهما. (2) يعنى: نفس الكوز، لتحقق انغساله بالكثير، وسيأتى أنه كاف في التطهير للاواني، وان قلنا باحتياجها إلى التعدد في القليل. (3) لتحقق الاتصال بالمادة، ولا وجه لاعتبار كون الاتصال بها بعد زوال التغير، فان مورد صحيح ابن بزيع (* 1) - الذي هو العمدة في دليل كفاية الاتصال في التطهير - صورة حصول الاتصال قبل زوال التغير. (4) تحقق هذا الشرط - غالبا - موقوف إما على زيادة الماء على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

 

===============

 

( 202 )

 

[ (مسألة 6): تثبت نجاسة الماء - كغيره - بالعلم، وبالبينة (1)، ] الكر لتحصل الغلبة منه على المتغير، أو على كون التغير بمرتبة ضعيفة تذهب بمجرد اتصال الكر، وإلا فالاتصال يوجب تغير بعض أجزاء الكر الطاهر، فينجس الجميع، بعضه بالتغير، والباقي بالاتصال به، لانه قليل. (1) على المشهور. وفي الجواهر: " ينبغي القطع به، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي وظاهر عبارة الكاتب والشيخ، ولا ريب في ضعفه ". لعموم مادل على حجية البينة. وخصوص خبر عبد الله ابن سليمان المروي عن الكافي والتهذيب عن الصادق (ع) في الجبن: " كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة " (* 1). لكن قد يستشكل في الرواية بضعف السند، واختصاصها بما فيه الميتة وأنها لا تدل على ثبوت النجاسة، وإنما تدل على ارتفاع الحل وثبوت الحرمة. وأما العموم فهو وان ادعاه جمع من الاعاظم، وفيهم شيخنا الاعظم (رحمه الله) في رسالة الجماعة، لكنه غير ظاهر. إذ دليله إن كان هو الاجماع المحكي عن النراقي والسيد الاصبهاني (قدهما) فهو ينافيه الخلاف في المقام ممن عرفت وغيرهم من متأخري المتأخرين، وكذا الخلاف في مقام آخر. وان كان قوله (ع): " فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم " (* 2) فالمراد من التصديق فيه التصديق النفسي ولو ببعض مراتبه، لا التعبدي بترتب آثار الواقع شرعا الذي هو محل الكلام. ويشهد بذلك ملاحظة مورده، فان العمل فيه ليس موضوعا لاثر شرعي. هذا مضافا إلى أنه لو تم اقتضى حجية خبر المسلم مطلقا من دون اعتبار العدد والعدالة فيه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 60 من ابواب الاطعمة المباحة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 6 من كتاب الوديعة حديث: 1.

 

===============

 

( 203 )

 

ومثله قوله تعالى: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) (* 1) إذ المراد منه الايمان الصوري. وان كان آية النبأ (* 2)، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها، وهو محل الاشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها. وان كان ما ورد في جواز شهادة العبد، والمكاتب، والصبي، بعد البلوغ، والاعمى، والاصم ونحوهم. ففيه: أنه لا إطلاق له من حيث المورد، ولا تعرض فيه لاعتبار العدد والعدالة. وان كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه: أن بين خبر الثقة وبين البينة عموما من وجه. وان كان الاستقراء. فثبوته وحجيته معا ممنوعان. وان كان رواية مسعدة بن صدقة: " كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والاشياء كلها على هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة " (* 3). فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الاشارة، وكونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن موردا للحل والحرمة من موضوعات سائر الاحكام. اللهم إلا أن يقال: المراد من قيام البينة بالحرمة أعم من كونها مدلولا مطابقيا وتضمنيا والتزاميا، فإذا شهدت بكون الثوب سرقة فقد

 

 

____________

(* 1) التوبة: 61. (* 2) الحجرات: 6. (* 3) الوسائل باب: 4 من ابواب ما يكتسب به حديث: 4.

 

===============

 

( 204 )

 

قامت بحرمته، وكذا إذا شهدت بكون المرأة رضيعة فقد قامت بحرمتها. فليس المراد من قيام البينة بالحرمة شهادتها بها فحسب، بل أعم من ذلك. ومن شهادتها بموضوع خارجي تلزمه الحرمة، أو لازم لها، أو ملازم، مثل كون المائع خمرا أو بولا أو دما أو نحوها، وكذا أعم من شهادتها بعنوان اعتباري مثل اخوة امرأة، أو نجاسة مائع، أو حرية رجل، إذا كان بينه وبين الحرمة ملازمة، فان البينة في جميع ذلك قائمة بالحرمة، فلا يختص موردها بما إذا شهدت البينة بالحرمة لا غير. ثم إن البينة لما كانت من سنخ الامارات العرفية، كان الظاهر من ثبوت الحرمة عند قيامها بها كونها طريقا إلى مؤداها، لا تعبدا كما في موارد الاصول، فإذا شهدت البينة بكون الثوب سرقة، فثبوت الحرمة ظاهرا لثبوت موضوعها وقيام الامارة عليه. وعليه لا فرق بين الحرمة وغيرها من الاحكام المترتبة على السرقة، فكما تثبت الحرمة تثبت تلك الاحكام، لان طريقيتها بنظر العرف لا تختص بجهة دون جهة، فيحمل الدليل على اطلاق الحجية، ومقتضى ذلك حجية البينة مطلقا عند قيامها بالحرمة، فيترتب عليها جميع الاحكام والآثار. فلم يبق مورد خارج عن الرواية إلا مالا يترتب عليه أثر الحرمة أصلا، بحيث لا تدل عليه البينة أصلا ولو بالالتزام لكنه نادر. ولا يبعد التعدي إليه بعدم القول بالفصل أو لعدم التفكيك عرفا بينه وبين مورد الرواية بحيث تكون البينة حجة حيث يكون في موردها حكم الحرمة، ولا تكون حجة في غير ذلك. فلاحظ. والمتحصل: أن الرواية المذكورة صالحة لاثبات عموم الحجية بتوسط أمور: (الاول): أن المراد من قيام البينة بالحرمة كونها مدلولا للكلام ولو بالالتزام (الثاني): أن طريقية البينة عرفا تقتضي كون المفهوم من الدليل عموم الحجية (الثالث): امتناع التفكيك بين الموارد التى تكون

 

===============

 

( 205 )

 

[ وبالعدل الواحد (1)، ] الحرمة فيها مدلولا للكلام - ولو التزاميا ولو باللزوم غير البين - وبين غيرها من الموارد مما هو نادر إما لعدم القول بالفصل، أو لالغاء الخصوصية عرفا. ويعضد العموم المذكور الاجماع المدعى ممن عرفت على عموم الحجية. ولا ينافيه الخلاف في بعض الموارد، لانه لشبهة، كما يظهر ذلك من استدلال المخالف في المقام: بأن البينة ليست من العلم الذي جعل غاية للحل في قولهم (ع): " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " (* 1) ونحوه. وكذا المخالف في حجية البينة في الاجتهاد استدل: بأن الاجتهاد من الامور الحدسية التى لا تكون موردا للشهادة مع تيسر العلم. ولو كان الوجه في الخلاف عدم ثبوت العموم الدال على الحجية كان المناسب الاستدلال به أيضا، ولكان اللازم الخلاف في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص على الحجية، وهو مما لا يحصى كثرة، مع أن الخلاف لم ينقل إلا في موارد خاصة هذا وبعين هذا التقريب يمكن إثبات عموم الحجية في إثبات النجاسة من رواية عبد الله بن سليمان المتقدمة في صدر المسألة، بناء على ظهورها في كون ذكر الميتة فيها من باب المثال. (1) كما عن ظاهر التذكرة، وقواه في الحدائق. لما دل على جواز الصلاة بأذان الثقة (* 2) وثبوت عزل الوكيل باخباره (* 3)، وكذا ثبوت الوصية بقوله (* 4)، وثبوت استبراء الامة إذا كان بائعا (* 5)، وغير ذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 5. (* 2) راجع باب: 3 من ابواب الاذان والاقامة. (* 3) الوسائل باب: 2 من كتاب الوكالة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 97 من كتاب الوصايا حديث: 1. (* 5) راجع باب: 6 من ابواب نكاح العبيد والاماء.

 

===============

 

( 206 )

 

[ على إشكال لا يترك فيه الاحتياط، وبقول ذي اليد (1)، ] بل قيل: إن ثبوت حكم النجاسة به دون المتنجس متنافيان. (وفيه): أن الموارد المذكورة موضوعها خبر الثقة، وبينه وبين خبر العادل عموم من وجه. مع أن استفادة الكلية من الموارد المذكورة غير ظاهرة، ولا سيما عند الاخباريين. وأنه خلاف ظاهر الحصر في رواية مسعدة. وأما التنافي بين الحجية في اثبات الحكم دون موضوعه، فأوضح اشكالا كما لا يخفى. وأما آية النبأ فدلالتها على حجية خبر العادل محل إشكال مشهور ولو سلمت فيتعارض مفهومها مع الحصر في رواية مسعدة ورفع اليد عن المفهوم فيها أولى من تخصيص الرواية، لان عطف خبر العدل على البينة مستهجن، لان العدل جزء البينة، ولو كان خبره حجة تعين الاقتصار عليه دون البينة، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر أن عموم حجية خبر الثقة في الاحكام والموضوعات، لو تم - من بناء العقلاء وغيره - فتخصيصه أولى من تخصيص الرواية. على أنها بالنسبة إلى بناء العقلاء رادعة واردة لا معارضة وكذا الكلام في خصوص رواية عبد الله بن سليمان في اثبات النجاسة، بناء على ما عرفت من استفادة عموم حجية البينة فيها فلاحظ وتأمل. ومن ذلك تعرف الوجه في قول المصنف: " على اشكال "، وان المتعين المنع من القبول. (1) على المشهور بين المتأخرين، وعن الحدائق: أن ظاهر الاصحاب الاتفاق عليه. ويشهد له السيرة. وهي العمدة فيه. وأما الاستدلال عليه بما في خبر اسماعيل بن عيسى عن أبي الحسن (ع) إذ سأله عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل.. (إلى أن قال) (ع): " عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك " (* 1). فلا يخلو من اشكال، لعدم ظهور الامر بالسؤال في وجوب القبول،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من ابواب النجاسات حديث: 7.

 

===============

 

( 207 )

 

مع أنه خال عن التقييد بذي اليد. ومثله الاشكال في الاستدلال بالنهي عن السؤال في صحيح البزنطي الوارد في شراء الفراء من السوق (* 1)، وفي رواية عمار الواردة في شراء الجبن من المسلم (* 2). وأضعف من ذلك الاستدلال بالنهي عن الاعلام في رواية ابن بكير الواردة فيمن أعار ثوبا لا يصلى فيه، حيث قال (ع): " لا يعلمه قلت: فان أعلمه قال (ع): يعيد " (* 3) إذ لا يظهر منه أن المراد من الاعلام مجرد الخبر ولو لم يعلم بمضمونه، ولا كون عدم الصلاة من جهة النجاسة. مع أنه مبني على وجوب إعادة الجاهل بالنجاسة، وهو خلاف التحقيق، كما يأتي إن شاء الله (* 4) وكأنه لذلك كان ما عن الذخيرة وشرح الدروس من عدم الوقوف له على دليل. نعم في صحيح معاوية بن عمار " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج (* 5) ويقول: قد طبخ على الثلث وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف فاشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال (ع): لا تشربه. قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف، يخبر أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه قال (ع): نعم (* 6) وظاهره حجية الخبر مع عدم ما يوجب اتهام المخبر. ولعله محمل صحيح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من ابواب النجاسات حديث: 3. (* 2) لم نعثر على رواية: عمار المشتملة على النهي: نعم اشتمل على ذلك رواية الثمالي (الوسائل باب: 33 من الاطعمة المحرمة) ورواية بكر بن حبيب (الوسائل باب: 60 من الاطعمة المباحة) (* 3) الوسائل باب: 47 من ابواب النجاسات حديث: 3. (* 4) في اول فصل الصلاة في النجس. (* 5) البختج: العصير المطبوخ (مجمع البحرين). (* 6) الوسائل باب: 7 من ابواب الاشربة المحرمة حديث: 4.

 

===============

 

( 208 )

 

[ وان لم يكن عادلا ولا تثبت بالظن المطلق (1) على الاقوى. ] معاوية بن وهب: " عن البختج، فقال: إذا كان حلوا يخضب الاناء وقال صاحبه: قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث، فاشربه " (* 1)، فان عدم كونه يخضب الاناء أمارة على عدم ذهاب الثلثين. لكن في موثق عمار فيمن يأتي بالشراب ويقول: هو مطبوخ على الثلث " فقال (ع): إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس أن يشرب " (* 2). وفي صحيح ابن جعفر (ع): " لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا " (* 3). والمتعين حملهما على الاستحباب، لصراحة الصحيح الاول بعدم اعتبار الورع والايمان، والتفكيك بينهما وبين الاسلام بعيد. فلا يبعد كون المستفاد من هذه النصوص حجية قول ذي اليد إذا لم يكن ما يوجب اتهامه. ولكن موردها خصوص الاخبار بالتطهير. ومثلها في الدلالة على الحجية ما دل من المستفيضة على أن من أقر بعين في يده لغيره فهي له (* 4). وليس ذلك من باب حجية الاقرار، لاختصاص ذلك بما كان إقرارا على نفسه وهو نفي الملكية عن نفسه، لا ثبوت الملكية لغيره فان ذلك من باب حجية الخبر، كما لا يخفى. لكن موردها أيضا خصوص الاخبار بالملك. (1) كما هو المشهور المعروف، بل لا ينقل فيه خلاف إلا عن ظاهر النهاية وصريح الحلبي. لابتناء اكثر الاحكام على الظنون. وامتناع ترجيح المرجوح. ولما في بعض النصوص من الامر بغسل الثوب المأخوذ من يد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الاشربة المحرمة حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب الاشربه المحرمة حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب الاشربة المحرمة حديث: 7. (* 4) راجع باب: 16، 25، 26 من الوصايا.

 

===============

 

( 209 )

 

[ (مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسة، وقامت البينة على الطهارة، قدمت البينة (1). وإذا تعارض البينتان تساقطتا (2)، ] الكافر (* 1). ولما تضمن القاء السجاد (ع) الفراء إذا اراد الصلاة، لان أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ (* 2). والجميع كما تري. لمنع الاول إن أريد مطلق الظن - كما هو محل الكلام - كمنع الثاني إذا كان لحجة شرعية من أصل الطهارة أو استصحابها. ومعارضة الثالث بما دل على جواز الصلاة فيما يعمله الكافر (* 3)، وعدم وجوب غسله. والقاء السجاد الفراء أعلم من الوجوب. مع أن في لبسه دلالة على خلاف المطلوب. مع أنه لو بني على حجية الظن بالنجاسة لزم الهرج والمرج، إذ قل ما ينفك مورد عن الظن بالنجاسة ولو للسراية. (1) لقصور دليل حجية قول المالك عن صورة التعارض المذكور. مضافا إلى ما يستفاد مما دل على القضاء بالبينة في مقابل دعوى ذي اليد الملكية لنفسه أو لغيره. نعم إذا كان مستند البينة الاصل - بناء على جواز ذلك - قدم اخبار ذي اليد، لانه مقدم على الاصل، وإذا بطل مستند الشهادة امتنع قبولها. (2) لاصالة في المتعارضين. ودليل الترجيح مع وجود المرجح والتخيير مع عدمه، يختص بتعارض الاخبار الحاكية عن الحكم الكلي، ولا يعم البينات الحاكية عن الموضوع أو الحكم الجزئي.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من ابواب النجاسات حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 61 من ابواب النجاسات حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 73 من ابواب النجاسات حديث: 1.

 

===============

 

( 210 )

 

[ إذا كانت بينة الطهارة مستندة إلى العلم (1)، وان كانت مستندة إلى الاصل (2) تقدم بينة النجاسة. ] (1) يعنى: وكانت بينة النجاسة كذلك. أما لو كانت هذه مستندة إلى الاصل قدمت بينة الطهارة، لانها تقدم على الاصل الذي هو مستند بينة النجاسة فتسقط لبطلان مستندها. كما هو كذلك في عكس ذلك المفروض في المتن: بأن كانت بينة الطهارة مستندة إلى الاصل، وبينة النجاسة إلى العلم، فانه تقدم فيه بينة النجاسة، لانها تقدم على الاصل الذي هو مستند بينة الطهارة، فتبطل هي لبطلان مستندها. فالتساقط يختص بصورة لا تكون فيه إحدي البينتين رافعة لمستند الاخرى، فانه تبطل الاخرى لبطلان مستندها، فتبقى الاولى بلا معارض فتكون واردة على الاخرى لا معارضة بها إذ مع الخطأ في المستند تنتفي الحجية لقصور أدلة الحجية عن شمول ذلك من دون فرق بين حجية الخبر والفتوى والبينة وغيرها من الحجج، سواء أكانت حجة على الحكم الكلي أم الجزئي. نعم في حكم الحاكم نوع تفصيل أشرنا إليه آنفا في مسائل التقليد. (2) لا ينبغى التأمل في أن جواز الشهادة بشئ ليس من آثار ثبوته واقعا كي يكون الشك في ثبوته مستلزما للشك في جواز الشهادة به، فيبني على جوازها لاصالة البراءة. بل هو من آثار العلم بالثبوت، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه في الجملة. ويشهد به جملة من النصوص مثل ما رواه المحقق في الشرائع عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله - وقد سئل عن الشهادة -: " هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أودع " (* 1) وفى خبر علي بن غياث: " لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك " (* 2)، ونحوهما غيرهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من كتاب الشهادات حديث: 3. (* 2) الوسائل باب 20 من كتاب الشهادات حديث؟: 1.

 

===============

 

( 211 )

 

والظاهر منها - ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع - اعتبار العلم موضوعا على نحو الطريقية، لا الصفة الخاصة، لان الحمل عليه في أمثال المقام يحتاج إلى عناية خال عنها الكلام، بخلاف الحمل على الاول. مع أن البناء على الصفتية يوجب الاشكال في كثير من الموارد التي استقرت السيرة فيها على الشهادة اعتمادا على أمارة أو قاعدة أو اقرار أو نحو ذلك، مثل الشهادة بالنسب اعتمادا على قاعدة الفراش، والشهادة بالزوجية وبالملك اعتمادا على قاعدة الصحة في عقد النكاح وعقد البيع، وكذا الشهادة بالطلاق اعتمادا على قاعدة صحة الطلاق، وبالحرية اعتمادا على قاعدة العتق، والشهادة بالدين اعتمادا على الاقرار، أو قاعدة الصحة في عقد الضمان، وكذا الحال في أمثال ذلك مما هو كثير لا يحصى. ودعوى: أن الشهادة إنما هي بالسبب، وهو معلوم، والقاعدة إنما يجريها المشهود عنده. مندفعة: بأنها خلاف قوله (ع): " إنما اقضي بينكم بالبينات والايمان " (* 1) ويشير إلى ذلك الصحيح الآتي، فانه يدل على أن القاضي لا يستصحب، وإنما الذي يعمل بالاستصحاب هو الشاهد والقاضي إنما يعمل بشهادته. وبالجملة فالتأمل قاض: بأن سيرة المتشرعة على الشهادة اعتمادا على الامارة أو القاعدة التي هي بمنزلتها ولو بالاضافة إلى حيثية الشهادة - مثل قاعدة الصحة - مما لا مجال لانكارها. فلابد من التصرف في الحديثين المذكورين - لو تم ظهورهما في اعتبار العلم على نحو الصفتية - بحملهما على مالا ينافي ذلك، بأن يكون المراد منهما الردع عن الشهادة اعتمادا على الظن والحدس والتخمين. ويشهد بذلك ما ورد من جواز الشهادة بالملك اعتمادا على اليد، وهي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 1.

 

===============

 

( 212 )

 

رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) قال له: " إذا رأيت شيئا في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال (ع): نعم. قال الرجل: أشهد أنه في يده، ولا أشهد أنه له، فلعله لغيره. فقال أبو عبد الله (ع): افيحل الشراء منه؟ قال: نعم. فقال أبو عبد الله (ع): فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك، ثم تقول بعد الملك: هو لي. وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله اليك. ثم قال أبو عبد الله (ع): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق " (* 1)، فانها تدل على أن اليد لما كانت أمارة على الملك كانت بمنزلة العلم به فيترتب عليها أحكامه ومن تلك الاحكام جواز الشهادة به. وما رواه معاوية بن وهب قال: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يكون في داره، ثم يغيب عنها ثلاثين سنة، ويدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه، ونحن لا ندري ما أحدث في داره. ولا ما أحدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا، ولا حدث له ولد، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان ابن فلان، مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان، أو نشهد على هذا؟ قال (ع): نعم. قلت: الرجل يكون له العبد، والامة، فيقول أبق غلامي أو أبقت أمتي، فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان، لم يبعه ولم يهبه، أفنشهد على هذا إذا كلفناه؟ ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئا. فقال (ع): كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به " (* 2) وروي في الصحيح أيضا قال: " قلت له: إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 2.

 

===============

 

( 213 )

 

ميراثا، وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له. فقال: إشهد بما هو علمك. قلت: إن ابن أبي ليلى يحلفنا اليمين الغموس. فقال (ع): إحلف إنما هو على علمك " (* 1). وروي أيضا في الموثق: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يكون له العبد والامة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب أنشهد على هذا إذا كلفنا؟ قال (ع): نعم (* 2). وما في ذيل الاول محمول على بعض المحامل أو مطروح، لترجح غيره عليه. كما أن ما في الصحيح من جعله علما مبني على الادعاء، كما هو ظاهر دليل الاستصحاب. وكيف كان فالمراد من الاصل في عبارة المتن الاستصحاب، لا أصالة الطهارة، فانها لا تكون مستندا للشهادة بالطهارة الواقعية، لعدم كونها علما بها لا حقيقة ولا تنزيلا، والطهارة الظاهرية في حق الشاهد ليست موضوعا للحكم في حق المشهود عنده، بل هو إن كان شاكا كان موضوعا لها، لقيام الدليل الدال عليها عنده إن كان مجتهدا، أو لفتوي مجتهده إن كان مقلدا بلا توسط شهادة الشاهد. ثم إنه مما يتفرع على ذلك جواز الشهادة بالواقع اعتمادا على البينة إذا شهدت به، كما حكي عن الشيخ (ره). لكن المعروف بين الاصحاب عدم القبول ولعله لما ورد من عدم قبول شهادة الفرع إلا في موارد خاصة (* 3). لكن عدم القبول لا يقتضى عدم جواز الشهادة نفسها. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 1. (2) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 44، 45 من كتاب الشهادات.

 

===============

 

( 214 )

 

[ (مسألة 8): إذا شهد اثنان بأحد الامرين، وشهد أربعة بالآخر، يمكن - بل لا يبعد - تساقط الاثنين بالاثنين، وبقاء الآخرين (1). (مسألة 9): الكرية تثبت بالعلم، والبينة (2). وفي ثبوتها بقول صاحب اليد وجه، وان كان لا يخلو عن إشكال (3). ] (1) هذا غير ظاهر، فان دليل حجية البينة كدليل حجية الخبر نسبته إلى الواحد والكثير نسبة واحدة، وانطباقه على الجميع في رتبة واحدة فإذا امتنع انطباق الدليل على المتعارضين كان مقتضاه سقوط الطرفين عن الحجية، وما في المتن من التبعيض في أحد الطرفين يحتاج إلى معين مفقود. نعم لو كانت أبعاض أحد الطرفين مترتبة في انطباق الدليل، سقط ما يكون في الرتبة الاولى للمعارضة وانفرد المتأخر بالحجية، كما هو كذلك في الاصول المترتبة. لكن المقام ليس كذلك. نعم لو بني على الترجيح في البينات المتعارضة، كالترجيح في الاخبار المتعارضة، كان اللازم في الفرض ترجيح شهادة الاربعة على شهادة الاثنين، لا ما ذكر في المتن. وكذا ترجيح شهادة الثلاثة على شهادة الاثنين، لو فرض شهادة ثلاثة بأحد الامرين، وشهادة اثنين بالآخر. لكن الترجيح غير واضح، لعدم الدليل عليه. والترجيح بالاشهرية مختص بالخبرين المتعارضين، والترجيح بالاكثرية مختص ببعض صور تعارض البينتين عند القاضي في مقام المرافعة إليه، والتعدي إلى المقام محتاج إلى دليل مفقود. (2) لما تقدم من عموم حجية البينة. (3) كأنه لندرة الابتلاء بالسؤالا عن الكرية في عصر المعصومين (ع) فلم تحرز سيرة على قبول خبر ذي اليد فيه، أو لعدم دليل بالخصوص فيه. بخلاف السؤال عن النجاسة. فقد ورد فيه بعض النصوص، وادعي

 

===============

 

( 215 )

 

[ كما أن في إخبار العدل الواحد أيضا اشكالا (1). (مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس (2)، إلا في الضرورة. ويجوز سقيه للحيوانات (3)، ] الاتفاق عليه. وفيه: أن العمدة في الدليل على القبول في النجاسة هو السيرة - لما عرفت من الاشكال في دلالة النصوص عليه، ولم يثبت إجماع معتبر على القبول - والسيرة العملية في المقام وان كانت غير ثابتة لندرة الابتلاء، لكن السيرة الارتكازية محققة، فانه لاريب عند المتشرعة في جواز الاعتماد على خبر ذي اليد في الكرية والنجاسة وغيرهما مما يتعلق بما في اليد، من دون فرق بين الجميع، والسيرة الارتكازية حجة كالعملية فلاحظ. (1) تقدم أن الاشكال قوي جدا. (2) إجماعا، نصا وفتوى، بل لعله من ضروريات الدين. نعم في حال الضرورة يجوز شربه بلا إشكال، لادلة نفي الضرر (* 1) والحرج (* 2) وغيرها. (3) يكفي فيه الاصل. وفي خبر أبي بصير عن الصادق (ع): " عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال (ع) نعم يكره ذلك (* 3). وظاهره الجواز على كراهية.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الخيار من كتاب البيع وباب: 5 من كتاب الشفعة وباب: 7 و 12 من كتاب احياء الموات. (* 2) مثل قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة: 185 وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة: 6. وقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج: 78. وقد يدل عليه خبر عبد الاعلى مولى آل سام (الوسائل باب: 39 من ابواب الوضوء حديث: 5). (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب الاشربة المحرمة حديث: 5.

 

===============

 

( 216 )

 

[ بل وللاطفال أيضا (1). ويجوز بيعه (2). ] (1) للاصل. وما ورد من تحريم سقي المسكر لهم (* 1) لا يمكن استفادة حكم المقام منه، لاحتمال خصوصية للمسكر. وما تضمن الامر باراقة الماء المتنجس (* 2)، الظاهر في عدم الانتفاع به، لا يقتضي المنع في المقام أيضا، بتوهم أنه لو جاز سقيه للاطفال لكان له منفعة معتد بها لكثرة الابتلاء بهم، بل ربما كانوا اكثر العيال. وذلك لان جواز سقيه لا يوجب كونه ذا منفعة معتد بها عرفا إذا كان يؤدي إلى نجاسة الطفل وثيابه غالبا، السارية إلى غيره، فان ذلك أمر مرغوب عنه. ولعله لذلك لم يذكر في بعض الروايا ت الآمرة باراقة المرق المتنجس، أو اطعامه اهل الكتاب، أو الكلب. وما يقال: من أن أدلة المنع عن شرب النجس لما كانت عامة للصبي كانت دالة على وجود المفسدة في شربه، وأدلة رفع القلم عن الصبي ليست مخصصة لها، بل نافية لمحض الاستحقاق برفع الالزام، - ولذا بنينا على شرعية عبادات الصبي لعموم أدلة الاحكام - فإذا كان شرب الصبي مشتملا على المفسدة كان سقيه إيقاعا له في المفسدة، فيحرم. (مندفع): بأن المفسدة التي يحرم إيقاع الصبي فيها من الولي وغيره لا تشمل مثل ذلك. (2) إذا كان له منفعة معتد بها. لعموم دليل صحة البيع (* 3)، ووجوب الوفاء بالعقود (* 4). وأما النبوي: " إذا حرم الله شيئا حرم

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 10 من ابواب الاشربة المحرمة. (* 2) راجع الوسائل باب: 8 من ابواب الماء المطلق. (* 3) مثل قوله تعالى: (واحل الله البيع وحرم الربا) - البقرة: 275 وقوله تعالى: (الآ أن تكون تجارة عن تراض) - النساء: 29. (* 4) مثل قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) - المائدة: 1.

 

===============

 

( 217 )

 

[ مع الاعلام (1). ] ثمنه " (* 1) فظاهره التحريم المؤدي إلى سلب المنفعة المعتد بها لا مطلقا، وإلا لزم تخصيص الاكثر. (1) العمدة فيه قول الصادق (ع) في صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس: " ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به " (* 2)، فانه لما لم يكن ترتب بين الاعلام والاستصباح، وإنما الترتب بين الاعلام وعدم اكل الزيت، بلحاظ أن الاعلام يستوجب حدوث الداعي إلى ترك الاكل لكن لاجل انحصار الفائدة بهما غالبا كان ترك الاكل ملازما للاستصباح، فالتعليل بالاستصباح يكون عرضيا والعلة الاصلية ترك الاكل. ويشير إلى ذلك أن الاستصباح ليس مأمورا به كي يمكن أن يترشح الامر الغيري إلى مقدمته، وهو الاعلام والتنبيه. هذا ولاجل حمل التعليل على التنبيه على أمر عرفي، لزم التعدي عن مورده إلى غيره وإلا كان تعبديا، وهو خلاف الاصل في التعليلات الشرعية فتكون العلة في وجوب الاعلام الفرار من الوقوع في الحرام، وهي حاصلة فيما نحن فيه وغيره. وعلى هذا فوجوب الاعلام مولوي، لا إرشادي إلى شرطيته للبيع. كما أنه لو علم عدم شربه للنجس لم يجب الاعلام. وكذا لو علم عدم تأثير الاعلام في احداث الداعي، بأن كان مقدما على شربه على كل حال. وقد يستدل على وجوب الاعلام: بأن تركه تسبيب إلى فعل الحرام، كمن قدم إلى غيره محرما، فانه فاعل للحرام، لان استناد الفعل إلى السبب أقوى، فنسبة الفعل إليه أولى. وفيه: (أولا): أن مجرد ترك الاعلام لا يكون من قبيل السبب إلا كان شرب النجس اعتمادا على فعل البائع

 

 

____________

(* 1) كتاب البيوع من كتاب الخلاف المسألة: 308، 310. (* 2) الوسائل باب. 43 من أبواب الاطعمة المحرمة ملحق حديث: 1.

 

===============

 

( 218 )

 

ليكون من قبيل من قدم إلى غيره محرما. أما لو كان اعتمادا على أصل الطهارة فلا تسبيب فيه أصلا، كما لو رأى نجسا في يد غيره يريد أكله، فان ترك إعلامه من قبيل ترك إحدات الداعي إلى ترك الحرام، لا من قبيل فعل السبب إلى الحرام. (وثانيا): أنه لا دليل على تحريم التسبيب كلية. ونسبة الفعل إلى السبب حقيقة ممنوعة، ومجازا غير مجدية، ولذا كان التحقيق ضمان المباشر للاكل فيما لو قدم إلى غيره طعاما، وأن رجوع الآكل عند الخسارة على من قدم الطعام له ليتدارك خسارته، لقاعدة الغرور لا لقاعدة: " من أتلف.. ". ولذا لم يعرف قائل منا برجوع المالك على من قدم الطعام لا غير، ولو كان هو أولى بنسبة الاتلاف كان هو المتعين في الرجوع عليه بالبدل. (وثالثا): أنه لو سلمت صحة النسبة في باب الضمان بالاتلاف أمكن الاشكال في صحة مقايسة المقام عليه، لان الاتلاف المأخوذ موضوعا للضمان مطلق الاتلاف الحاصل ولو بواسطة غير المتلف، بأن يكون غيره كالآلة في الاتلاف، بخلاف شرب النجس المأخوذ موضوعا للحرمة، فانه خصوص شرب المكلف نفسه، وادخاله إلى جوفه، وهو غير حاصل في الفرض. وكذا لو أدخل الماء النجس إلى جوف غيره قهرا. نعم يحرم ذلك من جهة التعدي على نفسه وبدنه، لا من جهة تحقق شرب النجس. (وبالجملة) التارك للاعلام لا يصدق عليه أنه شارب للنجس. نعم لو قام دليل على تحريم شرب النجس مطلقا ولو كان من غير من يقوم به الشرب، كان التحريم في المقام في محله. ثم إنه لو بني على وجوب الاعلام من هذا الوجه الاخير فهو مولوي أيضا، لا ارشادي إلى شرطية الاعلام للبيع، فلو باع بلا إعلام صح البيع وان أثم البائع بترك الاعلام المؤدي إلى الوقوع في النجس. لكن الذي يتراءى من عبارة المتن كون الاعلام شرطا في البيع، فلا يصح بدونه.

 

===============

 

( 219 )

 

[ فصل الماء المستعمل في الوضوء طاهر، مطهر من الحدث، والخبث (1). وكذا المستعمل في الاغسال المندوبة (2). وأما المستعمل في الحدث الاكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته (3) ] ولعله لانه لولا الاعلام لكان قصد المشتري الانتفاع المحرم، فيكون أكل الثمن بازائه أكلا للمال بالباطل. وفيه - مع أن الجهل مانع من التحريم لحصول الرخصة معه -: أن قصد المشتري نفسه لا يكفي في صدق الاكل بالباطل بالنسبة إلى البائع مع عدم قصده ذلك، كما يخفى.