فصل في أحكام الخلل

فصل في أحكام الخلل (مسألة 1): لو أخل بالاستقبال عالما عامدا بطلت صلاته مطلقا (1). وإن أخل بها جاهلا (2) أو ناسيا أو غافلا (3) أو مخطئا في إعتقاده أو في ضيق الوقت، فإن كان منحرفا عنها إلى ما بين اليمين واليسار صحت صلاته (4)، ] فصل في أحكام الخلل (1) إجماعا محققا ومستفيضا، كما في المستند، لفوات المشروط بفوات شرطه، ولحديث: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود " (* 1). ونحوه غيره، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الاستدبار وغيره. (2) يعني: بالحكم قاصرا أو مقصرا. (3) متعلقهما أعم من الحكم والموضوع. وسيجئ التعرض لحكمها إن شاء الله. (4) كما هو المشهور، بل عن جماعة الاجماع عليه، لصحيح معاوية إبن عمار: " أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد إنحرف عن القبلة يمينا أو شمالا. فقال (عليه السلام) له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة " (* 2)، وخبر الحسين (* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 1.

===============

( 228 )

إبن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليه السلام): " أنه كان يقول: من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب " (* 1)، المعتضدين بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " لا صلاة إلا إلى القبلة. قال: قلت أين حد القبلة؟ قال (عليه السلام): ما بين المشرق والمغرب قبلة كله " (* 2). لكن عن الناصريات والمقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية والمراسم والوسيلة والغنية والسرائر: إطلاق وجوب الاعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة بإجتهاده. بل عن الخلاف: الاجماع عليه. وعن السرائر: نفي الخلاف فيه. ويشهد لهم إطلاق جملة من النصوص كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا صليت وأنت على غير القبلة وأستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد " (* 3)، وصحيح يعقوب بن يقطين: " سألت عبدا صالحا (عليه السلام) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة وإن كان قد تحرى القبله بجهده أتجزؤه صلاته؟ فقال (عليه السلام): يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه " (* 4). ونحوهما غيرهما. والجمع بين هذه النصوص وما قبلها كما يمكن بحمل هذه النصوص على غير ما بين المشرق والمغرب، يمكن بحمل تلك على نفي الاعادة في خارج الوقت، ومع تعارض وجوه الجمع يرجع إلى عموم ما دل على إعتبار القبلة ووجوب الاعادة بتركها

____________
(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 2.

===============

( 229 )

ولذلك إستشكل في الحدائق في نفي الاعادة مطلقا. هذا والتأمل يقضي بأنه لا وقع لهذا الاشكال لا لحكومة قوله (عليه السلام): " ما بين المشرق.. " على هذه النصوص، لان لفظ القبلة مستعمل في أكثر هذه النصوص في كلام السائل لا في كلام الامام (عليه السلام)، وإرادة السائل عن القبلة تمام ما بين المشرق والمغرب بعيد جدا. ولا لكون المرجع بعد التعارض قاعدة الاجزاء، أو إطلاق الصلاة، أو أصالة البراءة، لمنع ذلك، بل المتعين للمرجعية إطلاقات الشرطية ووجوب الاعادة. بل لان الجمع الاول بالتصرف في الموضوع أظهر من الثاني بالتصرف في متعلق الحكم، لظهور النصوص الاول في كون ما بين المشرق والمغرب ذا خصوصية يمتاز بها عن غيره، ولا يتم ذلك على الجمع الآخر، وقد مر لذلك نظائره. وكيف كان فالنصوص المتقدمة بنوعيها متفقة على نفي القضاء. ومع ذلك فقد حكي عن بعض وجوبه، ويشهد له خبر معمر (عمرو خ ل) إبن يحيى قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى. قال (عليه السلام): يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها " (* 1). وفيه مع الغض عن إشكال سنده وإعراض الاصحاب عنه أنه لا يصلح لمعارضة ما هو صريح في نفيه إذ مقتضى الجمع العرفي الحمل على الاستحباب. مضافا إلى قرب دعوى إرادة وقت الفضيلة من وقت الاخرى، كما يشير إليه عدم تصريح السائل بخروج وقت الاولى، أو دعوى كون الغرض مشروعية القضاء قبل ذات الوقت لا وجوب القضاء في نفسه. فتأمل جيدا. ثم إن ظاهر قول السائل في الصحيح: " ثم ينظر فيرى.. " (* 2)

____________
(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 5. (* 2) أنظر صدر هذه التعليقة.

===============

( 230 )

[ ولو كان في الاثناء مضى ما تقدم وأستقام في الباقي (1) من ] أن العلم بكون الصلاة إلى غير القبلة لم يكن حال الصلاة، وإنما حدث بعد ذلك، فلا يدخل في عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال الجاهل بالحكم قاصرا كان أو مقصرا، وكذا الناسي له مع علمهما بجهة القبلة، كما لا يدخل العالم العامد. وأما الجاهل بالقبلة إذا كان مترددا كما إذا بنى على الصلاة إلى جهة ثم يسأل بعد ذلك ففي دخوله في الصحيح إشكال لانصرافه إلى من صلى بانيا على كون صلاته فردا للمأمور به، ومثله ما لو صلى إلى إحدى الاربع عند إشتباه القبلة وبعد الفراغ إنكشف له الانحراف كذلك، فيمكن دعوى وجوب الاعادة على الاول عملا بمقتضى الشرطية، وكذا في الثاني إذا تبين كون الانحراف أكثر من ثمن الدائرة، أما إذا لم يكن إنحرافه كذلك فيمكن الاجتزاء بصلاته عملا بدليل الاجتزاء بالاربع، بناء على ما عرفت من ظهوره في حصول اليقين بالاستقبال لو أقتصر عليها، فإن ذلك لازم لاغتفار الانحراف المذكور واقعا. وكذا حكم من صلى إلى واحدة في ضيق الوقت بناء على وجوب إيقاع الثلاث بعد الوقت أما بناء على الاجتزاء بها فليس مما نحن فيه. لان حكمه الواقعي ذلك في أعتقاده في الدخول تحت عموم الصحيح. وأما ناسي القبلة والغافل فلا ينبغي التأمل في دخولهما تحت عموم الصحيح أيضا كالمخطئ. والله سبحانه أعلم. (1) بلا خلاف كما صرح به جماعة، بل عليه الاجماع في جملة من كلماتهم، كما في المستند. ويشهد له موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته. قال (عليه السلام): إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة

===============

( 231 )

[ غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه، لكن الاحوط الاعادة في غير المخطئ في إجتهاده مطلقا (1). وإن كان منحرفا إلى اليمين واليسار، أو إلى الاستدبار، فإن كان مجتهدا مخطئا أعاد في الوقت دون خارجه (2) ] ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة " (* 1). وخبر القاسم بن الوليد قال: " سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة. قال (عليه السلام): يستقبلها إذا ثبت ذلك، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها " (* 2) بناء على أن المراد: يستقبل القبلة كما هو الظاهر لا الصلاة. مضافا إلى إمكان إستفادته من ذيل صحيح معاوية بناء على ظهوره في عدم الخصوصية للفراغ. إلا أن يشكل من جهة فوات الاستقبال حين الالتفات في الاثناء إلى حين الاستقامة. فتأمل. (1) لاقتصار جماعة كثيرة على المجتهد، بل في كلام بعض نسبته إلى الاصحاب. ولكونه القدر المتيقن من النصوص. (2) أما الاعادة في الوقت: فمما لا إشكال فيه ولا خلاف، إذ يقتضيها مضافا إلى أدلة الشرطية، وإلى حديث: " لا تعاد الصلاة " ونحوه الاخبار الكثيرة المتقدم بعضها. وأما عدم وجوب القضاء في الاولين: فهو المشهور، ويشهد له النصوص المتقدم بعضها، الصريحة في نفي الاعادة بعد خروج الوقت. وحكي عن بعض أصحابنا أو قوم منهم: إطلاق وجوب الاعادة. وليس صريحا في المخالفة لذلك، ولا دليل عليه ظاهرا إلا خبر معمر بن يحيى

____________
(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 3.

===============

( 232 )

الذي قد تقدم الكلام فيه. وأما عدم وجوبه في الاستدبار: فهو المحكي عن كثير منهم السيد والحلي، وإبن سعيد، والعلامة والشهيد في جملة من كتبهما، وإبن فهد، والميسي، والشهيد الثاني، وولده، وسبطه، والخراساني، والاصبهاني، وغيرهم أخذا بإطلاق النصوص النافية للاعادة في خارج الوقت. وعن الشيخين وسلار وإبن زهرة، والعلامة في جملة أخرى من كتبه، واللمعة والتنقيح وجامع المقاصد وغيرهم، بل عن الروضة نسبته إلى المشهور: وجوب القضاء. وليس لهم شاهد ظاهر. نعم أستدل له بخبر معمر بن يحيى وذيل موثق عمار المتقدمين، بناء على إطلاق الثاني الشامل لما بعد الوقت، وعدم الفصل بين الاثناء وما بعد الفراغ، ومرسل الشيخ في النهاية: " رويت رواية أنه إذا كان صلى إلى أستدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة " (* 1). ونحوه ما عن الناصريات والجمل والسرائر. وقد عرفت الاشكال في الاول. مع أن حمله على الاستدبار مما لا قرينة عليه. وأما الثاني فعلى تقدير عدم ظهوره في الوقت فلا أقل من إمكان حمله عليه بقرينة تلك النصوص لقرب حمله عليه جدا، لا أنه يرجع إلى أدلة الشرطية من جهة كون التعارض بالعموم من وجه. مع أن الظاهر من الاستدبار فيه بقرينة المقابلة ما يعم اليمين واليسار، فلو كان له إطلاق يشمل ما بعد الوقت كانت تلك النصوص السابقة بعد حملها على غير ما بين اليمين واليسار أخص فيتعين التصرف فيه بالحمل على الوقت، لئلا يلزم طرح تلك النصوص بالمرة. فتأمل جيدا. مع أن

____________
(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 10.

===============

( 233 )

[ وإن كان الاحوط الاعادة مطلقا (1)، لا سيما في صورة الاستدبار، بل لا ينبغي أن يترك في هذه الصورة (2). وكذا إن كان في الاثناء (3). وإن كان جاهلا ] عدم الفصل بين الاثناء وبعد الفراغ محل تأمل. وأما الثالث: فضعيف جدا حيث أنه نقل بالمضمون لرواية مجهولة العين لم يعتمد ناقلها عليها، إذ ما عدا النهاية من كتب الشيخ محكي عنه العدم. وأما هي فالمحكي عنها قوله: " وهذا هو الاحوط وعليه العمل "، وهو غير ظاهر في الاعتماد إلا من جهة الاحتياط، كما أنه قد يظهر من إستدلاله في التهذيب والاستبصار والخلاف برواية عمار أنها المراد بالمرسل في النهاية، كما أن أستدلال بعض أهل هذا القول بخبر معمر وآخر بأدلة الشرطية عدم الاعتماد على المرسل بنحو يكون جابرا لضعفه. فلاحظ. (1) خروجا عن شبهة الخلاف الاول المحكي عن بعض أصحابنا أو قوم منهم. (2) لقوة شبهة الخلاف المحكي عن المشهور. (3) يعني: إذا إلتفت في الوقت أعاد إذا كان الانحراف إلى اليمين أو اليسار أو الاستدبار كما هو معروف. وتقتضيه أدلة الشرطية، وحديث: " لا تعاد "، وموثق عمار، والنصوص المتقدمة بناء على الاولوية أو عدم الفصل. وأما خبر القاسم بن الوليد المتقدم فلا بد أن يكون محمولا على غير الفرض، بقرينة ما فيه من نفي الاعادة بعد الفراغ، ولعله أيضا هو المراد من إطلاق إبن سعيد الانحراف إن تبين الخطأ في الاثناء، وكذا ما عن المبسوط من قوله: " فإن كان في حال الصلاة ثم ظن أن القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه وأستقبل القبلة ويتمها، وإن كان مستدبرا للقبلة أعادها من أولها

===============

( 234 )

[ أو ناسيا أو غافلا فالظاهر وجوب الاعادة في الوقت وخارجه (1) ] بلا خلاف "، ويشير إلى الحمل المذكور نفيه الخلاف بناء على رجوعه إلى الاول أيضا، فيكون ذلك منه فتوى بمضمون موثق عمار، وإلا فهو محجوج بما عرفت. نعم يشكل حال الالتفات في الاثناء إذا كان في آخر الوقت بحيث لو إستأنف كان قضاء فهل يستقيم ويتم صلاته؟ كما عن المدارك والذخيرة والرياض وأختاره في الجواهر، بل عن الاول حكايته عن الشهيدين إما لاستفادته من النصوص النافية للقضاء المتقدمة فيما لو تبين الخطأ بعد الفراغ، إما لاطلاق بعضها الشامل لصورة التبين في الاثناء، أو للاولوية، لان فوات الاستقبال في بعض الصلاة أولى بنفي القضاء من فواته في جميعها. إما لان فوات الوقت أولى من مراعاة الاستقبال. أو يقطع صلاته ويستأنف؟ إما لمنع الاطلاق في النصوص المتقدمة، وكذا الاولوية، فيكون المرجع إما إطلاق موثق عمار على تقدير تماميته، أو إطلاق أدلة الشرطية، وحديث: " لا تعاد "، وإما لتسليم الاطلاق في النصوص المتقدمة مع البناء على معارضته بإطلاق موثق عمار، فيكون المرجع الادلة الاولية. وعن الشهيد في الذكرى: التردد في الحكم، لعدم ظهور المباني المذكورة. والاقرب إلى الذهن عاجلا هو الاول كما يظهر بعد التأمل في وجهه. ولا يعارضه إطلاق الموثق، فإنه لو سلم يسهل حمله على خصوص صورة إمكان الاعادة في الوقت. والمسألة محل تأمل. (1) لاختصاص نصوص نفي القضاء بالمجتهد المخطئ في إجتهاده كما يظهر من ملاحظة ما فيها من ذكر الغيم (* 1) والسحاب (* 2)

____________
(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 4 و 6 و 8. (* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 2.

===============

( 235 )

والعمى (* 1)، وقوله (عليه السلام): " فحسبه إجتهاده " (* 2). وفيه: أن بعضها مطلق كصحيح عبد الرحمن المتقدم (* 3)، وصحيح زرارة: " إذا صليت على غير القبلة فأستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك " (* 4)، إذ لا فرق بينهما وبين صحيح معاوية المتقدم في المسألة السابقة (5)، فالبناء على إطلاقه الشامل لجميع الاحوال دون إطلاقهما غير ظاهر. وحينئذ لا بد من الرجوع إلى ما ذكرناه من عدم الشمول للجاهل بالحكم، والناسي له، والغافل عنه، والشمول لناسي الموضوع والغافل عنه حسبما سبق. تنبيه المذكور في النصوص لفظ المشرق والمغرب كما سبق في صحيح معاوية وموثق عمار وغيرهما، وقد عبر غير واحد منهم الفاضلان في جملة من كتبهما بهما، والاكثر عبروا باليمين واليسار، بل في كشف اللثام: " لم أر ممن قبل الفاضلين أعتبار المشرق والمغرب ". والاخير هو المتعين، لاختصاص الأول بمن قبلته نقطة الجنوب أو الشمال، أما من كانت قبلته نقطة المشرق فقوس الاجزاء في حقه يكون ما بين الشمال والجنوب من جانب المشرق، ومن كانت قبلته نقطة المغرب فقوس الاجزاء

____________
(* 1) الوسائل باب 11 من أبواب القبلة حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 6. (* 3) تقدم في أوائل هذا الفصل. (* 4) الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 23. (* 5) راجع أوائل هذا الفصل.

===============

( 236 )

في حقه يكون ما بين الشمال والجنوب من جانب المغرب، وقد يكون غير ذلك في البلدان الاخر على إختلافها في الطول والعرض. وكأن التعبير بالمشرق والمغرب في كلام الجماعة إتباعا للنصوص، والتعبير فيها كان لان الراوي قبلته في جهة الجنوب، لكن متابعة النصوص مع لزوم الابهام المحل ليس كما ينبغي. وكيف كان فالظاهر من المشرق والمغرب في النصوص والفتاوى وكذا اليمين واليسار النقطتان المتقابلتان من دائرة الافق القاسمتان لها قسمين متساويين، فالقوس الذي يكون من جانب القبلة هو قوس الاجزاء. وأما الاستدبار فالبحث عن المراد منه غير مهم، إذ لا حكم له بالخصوص، وليس له تعرض في النصوص سوى موثق عمار (* 1) ومرسل النهاية (* 2)، والاول قد عرفت أن الظاهر منه بقرينة المقابلة إرادة ما يعم اليمين واليسار، لئلا يلزم إهمال الجواب، وهو خلاف الظاهر جدا والثاني لا ينبغي التأمل في ظهوره فيما يقابل القبلة. ولو بني على متابعة الاصحاب الذين خصوه بحكم الاعادة والقضاء فالظاهر منهم أنهم يريدون به ما يقابل القبلة، كما عن الشهيد الثاني في الروض والمسالك والروضة وفوائد القواعد، كالمرسل الذي ذكر مستندا لهم. وما بينه وبين اليمين والشمال ملحق بهما، لا به، لانهم إنما ذكروا اليمين واليسار تحديدا لقوس الاجزاء، ولم يذكروهما موضوعا لحكم التفصيل، كي يشكل إلحاق ما بينهما وبين الاستدبار بهما، وإنما ذكروا الاستدبار فقط، فخصوه بوجوب القضاء وجعلوا ما عداه وما عدا الانحراف فيما بين اليمين واليسار موضوعا للتفصيل

____________
(* 1) تقدم في البحث عما لو ألتفت ألى أنحرافه عن القبلة في الاثناء. (* 2) تقدم في البحث عما لو أستدبر القبلة عن أجتهاد مخطئ.

===============

( 237 )

[ (مسألة 2): إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالما عامدا حرم المذبوح (1) والمنحور. وإن كان ناسيا أو جاهلا أو لم يعرف جهة القبلة لا يكون حراما (2). وكذا لو تعذر ] بينه وبين الاعادة، فراجع كلماتهم وتأمل تجد في تحرير الخلاف في معنى الاستدبار ما لا ينبغي. والله سبحانه الموفق. (1) بلا خلاف ولا إشكال، وتقتضيه نصوص الشرطية، كمصحح الحلبي: " عن الذبيحة تذبح لغير القبلة. فقال (عليه السلام): لا بأس إذا لم يتعمد " (* 1). ونحوه صحيحا إبن مسلم وإن جعفر (عليه السلام) (* 2). (2) أما في الاول: فموضع وفاق، وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه بل حكى الاجماع عليه غير واحد ". ويقتضيه نفي البأس في الصحاح المشار إليه آنفا. وأما في الاخيرين: فهو المحكي عن تصريح كثير من الاصحاب، وعن الاردبيلي نسبته إلى الاصحاب. وهو في الاخير ظاهر، لصدق عدم العمد الذي أخذ في النصوص موضوعا للحل، ولذا قال في كشف اللثام: " لا نعرف خلافا في أن من أخل بالاستقبال بها ناسيا أو جاهلا بالجهة حلت ذبيحته ". لكنه يشكل في الاول، لعدم ظهور صدقه فيه. ورواية الدعائم في من ذبح لغير القبلة: " إن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شئ عليه وتؤكل ذبيحته.. " (* 3) ضعيفة غير مجبورة. ومجرد الموافقة لفتوى الجماعة غير كاف في الجبر ما لم يظهر الاعتماد عليها، وهو غير ثابت أو معلوم العدم. نعم أستدل له بصحيح إبن مسلم: " عن رجل * هاش * (* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 4 و 5. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح حديث: 2.

===============

( 238 )

[ إستقباله كأن يكون عاصيا أو واقعا في بئر أو نحو ذلك مما لا يمكن أستقباله (1)، فإنه يذبحه وإن كان إلى غير القبلة. (مسألة 3): لو ترك إستقبال الميت وجب نبشه (2) ما لم كان إلى غير القبلة. (مسألة 3): لو ترك إستقبال الميت وجب نبشه (2) ما لم يتلاش ولم يوجب هتك حرمته، سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان كما مر سابقا. ] ذبح ذبيحة أو يوجهها إلى القبلة. فقال (عليه السلام): كل منها. فقلت له: فإنه لم يوجهها. فقال (عليه السلام) فلا تأكل منها " (* 1) بناء على ظهوره في أن المقابلة بين السؤالين مع إشتراكهما في عدم الاستقبال هو فرض الجهل في الاول والعلم في الثاني، كما هو غير بعيد، لا هو الاستقبال في الاول والعدم في الثاني مع الاشتراك في الجهل. (1) بلا خلاف فيه ظاهر، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه لكثير من النصوص، كصحيح الحلبي: " في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا فأتوا عليا (عليه السلام). فقال: هذا ذكاة وحية، ولحمه حلال " (* 2)، وخبر زرارة: " عن بعير تردى في بئر ذبح من قبل ذنبه. فقال (عليه السلام): لا بأس إذا ذكر إسم الله تعالى عليه " (* 3)، وحسن الحلبي: " في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمى حين ضرب.. فأما إذا أضطر إليه وأستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك " (* 4). ونحوها غيرها. (2) يعني: مقدمة للاستقبال الواجب، وحرمة النبش ليس لدليلها

____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 4 من أبواب الذبائح حديث: 3.