فصل في أوصاف المستحقين

[ فصل في أوصاف المستحقين وهي أمور: الاول: الايمان، فلا يعطى للكافر - بجميع أقسامه - (1)، ولا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين (2) - حتى ] فصل في أوصاف المستحقين (1) في غير التأليف وسبيل الله. بلا خلاف معتد به بين المسلمين، فضلا عن المؤمنين، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين، كذا في الجواهر. ويستفاد من النصوص الواردة في المنع من إعطاء المخالف من الزكاة. (2) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكى منه متواتر كالنصوص، خصوصا في المخالفين، كذا في الجواهر. ومن النصوص: صحيح بريد عن أبي عبد الله (ع) في حديث: (كل عمل عمله وهو في حال نصبه، وضلالته، ثم من الله عليه وعرفه الولاية فانه يؤجر عليه، إلا الزكاة فانه يعيدها، لانه وضعها في غير مواضعها، لانها لاهل الولاية) (* 1)، وصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع): (إنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء الحرورية، والمرجئة، والعثمانية، والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال (ع): ليس عليه إعادة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 275 )

 

[ المستضعفين منهم - إلا من سهم المؤلفة قلوبهم (1)، وسهم سبيل الله في الجملة (2). ومع عدم وجود المؤمن والمؤلفة وسبيل الله يحفظ إلى حال التمكن (3). ] شئ من ذلك، غير الزكاة ولابد أن يؤديها، لانه وضع الزكاة في غير موضعها. وإنما موضعها أهل الولاية) (* 1)، وصحيح إسماعيل بن سعد عن الرضا (ع) قال: (سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لايعرف؟ قال (ع): لا، ولا زكاة الفطرة) (* 2). وفي مكاتبة علي بن بلال: (لا يعط الصدقة والزكاة إلا لاصحابك.) (* 3). وفي خبر ابن أبي يعفور: (هي لاصحابك.) (* 4) إلى غير ذلك من النصوص. وإطلاقها شامل للمستضعف وغيره. (1) على ما تقدم في المراد منهم. (2) كما إذا كان الصرف على المخالف بملاحظة مصلحة المؤمن، لانه في الحقيقة صرف على المؤمن لا على المخالف، فيدخل تحت النصوص المتقدمة وغيرها. أما لو لم يكن كذلك فلا يجوز الصرف من السهم المذكور، لاطلاق النصوص المانعة، التي لا فرق - في لزوم العمل بها بين سهم سبيل الله وغيره. فتأمل جيدا. (3) بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه. لاطلاق أدلة المنع، وظهور جملة منها وصراحة آخر في ذلك، كذا في الجواهر. وكأنه (ره) يشير إلى خبر ابراهيم الاوسي عن الرضا (ع): (سمعت أبي (ع) يقول: كنت عند أبي (ع) يوما، فأتاه رجل، فقال إني رجل من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

 

===============

 

( 276 )

 

[ (مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لاطفال المؤمنين (1) ] أهل الري، ولي زكاة، فإلى من أدفعها؟ فقال (ع): إلينا. فقال: أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها الينا فقال: إني لا أعرف لها أحدا. فقال: انتظر بها سنة. قال: فان لم أصب لها أحدا؟ قال (ع): انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين ثم قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرها صرارا، واطرحها في البحر، فان الله تعالى حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا) (* 1). نعم في خبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (ع): ((قال: قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ فقال (ع): يضعها في إخوانه وأهل ولايته. قلت: فان لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. قلت: فان لم يجد من يحملها إليهم؟ قال (ع): يدفعها إلى من لا ينصب. قلت: فغيرهم؟ قال (ع): ما لغيرهم إلا الحجر) (* 2). لكن في الجواهر: (أنه مطروح. أو محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك..). وكأنه للاجماعات المتقدمة والنصوص، التي لا يمكن رفع اليد عنها بمثله. (1) إجماعا، كما عن جماعة. لجملة من النصوص، كمصحح أبي بصير: (قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يموت ويترك العيال، أيعطون من الزكاة؟ قال (ع): نعم، حتى ينشؤا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت: إنهم لا يعرفون. قال (ع): يحفظ فيهم ميتهم ويحبب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم. وإذا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

 

===============

 

( 277 )

 

[ ومجانينهم (1). من غير فرق بين الذكر والانثى والخنثى، ولا بين المميز وغيره (2). إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم (3) وإما بالصرف عليهم مباشرة (4)، أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي (5)، من الاب والجد والقيم. ] بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم) (* 1)، وخبر عبد الرحمن: (قلت لابي الحسن (ع): رجل مسلم مملوك، ومولاه رجل مسلم وله مال لم يزكه، وللمملوك ولد حرصغير، أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال (ع): لا بأس) (* 2). ونحوهما غيرهما. (1) بلا خلاف ظاهر. نعم في المستند: إن ثبت الاجماع عليه، وإلا فمحل نظر، لعدم كون المجنون عارفا. وهو في محله، لظهور النصوص المتقدمة في اختصاصها بالعارف. اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى من كان موضوعا للتكليف أعني: البالغ العاقل وفي غيرهما يرجع إلى الاطلاق. لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضا. (2) كما صرح بذلك في الجواهر. لاطلاق الادلة. (3) بلا إشكال فيه، لانه المتيقن من النص والاجماع. (2) كما عن التذكرة والمدارك وغيرهما. لعدم الدليل على لزوم التمليك لا في سهم الفقراء، ولا في غيره لاطلاق الادلة الاولية، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة: جواز احتساب الدين على الحي والميت من الزكاة. وما في الجواهر، من ظهور الادلة خصوصا السنة في ترتب الملك على القبض بالنسبة إلى هذا السهم، غير ظاهر. (5) حكى في الجواهر عن الكركي في فوائد الشرائع والكفاية وشرح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 45 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 278 )

 

[ (مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا (1) وإن كان يحجر عليه بعد ذلك. كما أنه يجوز الصرف (2) عليه من سهم سبيل الله، بل من سهم الفقراء أيضا، على الاظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك والصرف. ] المفاتيح للبهبهاني (ره): جواز الدفع لغير الولي ممن يقوم بأمره، مع عدم الولي. ثم قال: (بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى جواز ذلك مع التمكن من الولي. وهو أغرب من سابقه، ضرورة منافاتهما معا للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض. عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لان تكون مدركا لحكم شرعي، والاطلاق الذي لم يسق لارادة تناول ذلك.). أقول: إذا كان ظاهر الادلة الاولية كون الفقراء مصرفا للزكاة، لا أنها ملك لهم، فمقتضى الاطلاق جواز الصرف على الطفل ولو باشباعه إذا كان جائعا بلا حاجة إلى وليه. وعدم جواز التصرف في الطفل بغير إذن وليه غير ثابت في نحو ذلك، بل يختص بما للولي ولاية عليه من التصرفات الاعتبارية فيه وفي ماله، ولا يشمل مطلق الاحسان إليه والبر به لعموم: (ما على المحسنين من سبيل) (* 1). والمتحصل: أنه إن بني على اختصاص سهم الفقراء بالصرف على وجه التمليك لم يجز إعطاؤه للطفل بلا توسط الولي، لعدم قدرته على التملك بدونه، وكذا إن بنى على عموم ولاية الولي لكل تصرف فيه ولو كان برا به وإحسانا إليه. ولو لم نقل بالامرين جاز صرفه فيه ولو مع التمكن من مراجعة الولي. وهذا هو الاقرب (1) لانه مسلط على مثله، وليس محجورا عليه. (2) يظهر وجهه مما سبق.

 

 

____________

(* 1) التوبة 91.

 

===============

 

( 279 )

 

[ (مسألة: 3): الصبي المتولد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن (1)، خصوصا إذا كان هو الاب. نعم لو كان الجد مؤمنا والاب غير مؤمن، ففيه إشكال. والاحوط عدم الاعطاء. (مسألة 4): لا يعطى ابن الزنا (2) من المؤمنين - فضلا عن غيرهم - من هذا السهم. (مسألة 5): لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها (3)، بخلاف الصلاة والصوم (4) إذا جاء ] (1) كما عن البيان والمسالك. وكذا المتولد بين المسلم والكافر، إلحاقا له بأشرف الابوين. قال في الجواهر: (ولو لكون الشرف بالنسبة إلى الاسلام والكفر أتم من الرقية بالنسبة إلى الحرية..). والاشكال فيما ذكره ظاهر. نعم إذا كان الاب مؤمنا يدخل في إطلاق النصوص المتقدمة في الطفل. أما لو كانت الام مؤمنة أو الجد فدخوله محل إشكال، لكون موردها الاب. (2) لانتفاء بنوته للمؤمن. لكن لم يتضح إطلاق يتضمن ذلك كي يعول عليه في المقام وإن كان مشهورا. (3) بلا خلاف يعرف، كما في الجواهر وغيرها، بل قيل: إنه إجماع. ويشهد له صحيحا بريد والفضلاء، المتقدمان في اعتبار الايمان وغيرهما (* 1). (4) لما في النصوص المتقدمة، من التصريح بعدم لزوم قضائهما. وما عن العلامة من الاستشكال في ذلك، من حيث أن الطهارة لم تقع على الوجه الصحيح، والافطار منهم قد يقع منهم في غير وقته غريب. إذ كأنه

 

 

____________

(* 1) لاحظ الامر الاول من هذا الفصل.

 

===============

 

( 280 )

 

[ بهما على وفق مذهبه (1). بل وكذا الحج، وإن كان قد ترك منه ركنا عندنا (2) على الاصح. نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثم استبصر أجزأ (3). وإن كان الاحوط الاعادة أيضا. (مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الولي (4) إذا كان على وجه التمليك، وعند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف. (مسألة 7): استشكل بعض العلماء (5) في جواز ] اجتهاد في مقابلة النص، كما في الجواهر. (1) لانه منصرف النصوص. وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث قضاء الصلوات. (2) لاطلاق النصوص المتقدمة وغيرها. وما عن العلامة: من أنه نص علمائنا على أنه في الحج إذا لم يخل بشئ من أركانه لا يجب عليه الاعادة وعن الدروس التصريح بذلك غير ظاهر. ولذا قال في الجواهر: (لم نجد ما يصلح للفرق بينه وبين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الاخلال بها على مذهبه لا مذهبنا. بل ظاهر الادلة أو صريحها عدم الفرق..) وما ذكره (ره) متين جدا. (3) كما عن غير واحد. تمسكا بظاهر التعليل. قال في الجواهر: (وفيه بحث، لمعارضته باطلاق المعلل. فتأمل جيدا..). وكأنه أشار بأمره بالتأمل إلى أن إطلاق التعليل مقدم على إطلاق المعلل، لحكومته عليه كما هو ظاهر. (4) لانه يكون الايتاء المعتبر فيه التقرب. وكذا في الصرف. (5) قال في الحدائق: (نعم يبقى الاشكال في جملة من عوام الشيعة

 

===============

 

( 281 )

 

[ إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين، الذين لا يعرفون الله إلا بهذا ] الضعفة العقول، ممن لا يعرفون الله سبحانه إلا بهذه الترجمة، حتى لو سئل عنه: من هو؟ فربما قال: محمد، أو علي، ولا يعرف الائمة (ع) كملا. أولا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا، فضلا عن التصديق بها. والظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بايمانهم، وإن حكم باسلامهم. وإجراء أحكام الاسلام في الدنيا، وأما في الآخرة فهم من المرجئين لامر الله تعالى إما يعذبهم، وإما يتوب عليهم. وفي إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال، لاشتراط ذلك بالايمان، وهو غير ثابت.. (إلى أن قال): وبالجملة: الاقرب عندي عدم جواز إعطائهم..). قال في المستند بعد نقل ذلك: (وهو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الامر، ومن كان من أهل الولاية. ومن لم يعرف الائمة، أو واحدا منهم، أو النبي صلى الله عليه وآله لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الامر، ولا يعلم أنه من أهل الولاية وأنه العارف. بل وكذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط يعني: مجرد اللفظ ولم يعرف أنه من هو، وابن من، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه، ولا يتميز عن غيره. والحاصل: أنه يشترط معرفته بحيث يعينه في شخصه، ويميزه عن غيره. وكذا من لايعرف الترتيب في خلافتهم. ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في الاعطاء الفحص عنه؟ الظاهر نعم، إذا احتمل في حقه عدم المعرفة، ولا يكفي الاقرار الاجمالي: بأني مسلم مؤمن إثنا عشري. ولو علمنا أنه يعرف النبي صلى الله عليه وآله والائمة بأسمائهم الشريفة، وأنسابهم المنيفة، وترتيبهم وأقر بما يجب الاقرار به في حقهم، فهل يجب الفحص عن حاله أنه هل هو مجرد إقرار، أو مذعن بما يعترف ومعتقد له؟ لا يجب، لانه خلاف سيرة العلماء..).

 

===============

 

( 282 )

 

[ اللفظ، أو النبي، أو الائمة كلا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس. واستقرب عدم الاجزاء. بل ذكر بعض آخر: أنه لا يكفي معرفة الائمة بأسمائهم، بل لا بد في كل واحد أن يعرف أنه من هو، وابن من. فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم. ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، ولا يكفي الاقرار الاجمالي: بأني مسلم مؤمن إثنا عشري. وما ذكروه مشكل جدا، بل الاقوى كفاية الاقرار الاجمالي (1) وإن لم يعرف أسماءهم أيضا، فضلا عن أسماء آبائهم، والترتيب في خلافتهم. لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من المؤمنين الاثني عشريين. وأما إذا كان بمجرد الدعوى، ولم يعلم صدقه وكذبه، فيجب الفحص عنه (2). (مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثم تبين خلافه فالاقوى عدم الاجزاء (3). ] (1) لكفاية ذلك في كون المقر من أهل الولاية، ومن الشيعة ومن أصحابنا، ونحو ذلك من العناوين المذكورة في النصوص موضوعا لها. (2) خلافا لما في المستند، من قبول الدعوى، استنادا إلى سيرة العلماء ولعدم إمكان العلم بحاله، إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل منه، فيمكن أن لا يكون مذعنا به. وهو متين جدا. والعمدة: استقرار السيرة من العلماء وغيرهم على قبول إقراره، كما هو ظاهر. (3) يعرف الكلام فيه مما تقدم في نظيره، فيما لو أعطاه باعتقاد الفقر فبان كونه غنيا. فراجع.

 

===============

 

( 283 )

 

[ الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع (1) إليه إعانة على الاثم وإغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها والاقوى عدم اشتراط العدالة ولا عدم ارتكاب الكبائر، ولا عدم كونه شارب الخمر. ] (1) المحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف وغيرهما، والحلبي والقاضي وابني حمزة وزهرة والحلي: اعتبار العدالة في مستحق الزكاة. ونسب إلى ظاهر المفيد. وعن الغنية: الاجماع عليه، وعن التنقيح: نسبته إلى المشائخ الثلاثة وأتباعهم واستدل له: بالاجماع تارة، وبقاعدة الاشتغال أخرى. وبأن الفاسق ليس بمؤمن، لمقابلته بالمؤمن مفهوما وحكما. وبما تضمن النهي عن الركون إلى الظالمين ومعاونتهم وموادتهم. والجميع كما ترى. وقيل باعتبار مجانبة الكبائر، كالخمر والزنا، ونسب إلى السيد في الانتصار والجمل، وإلى الشيخ في الاقتصاد. واستدل له أيضا بالوجوه المذكورة. وبما في خبر أبي خديجة، من قوله (ع): (فليقسمها في قوم ليس بهم بأس، أعفاء عن المسألة، لا يسألون أحدا شيئا) (* 1). وبما في خبر محمد بن سنان عن الرضا (ع) في علة الزكاة، قال (ع): (مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لاهل الضعف والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء، والمعونة لهم على أمر الدين..) (* 2). والجميع أيضا كما ترى. أما مضمرة داود الصرمي: (سألته عن شارب الخمر، يعطى من الزكاة شيئا؟ قال (ع): لا) (* 3). فالاستدلال بها يتوقف أولا: على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 17 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 284 )

 

عدم الفصل. وثانيا: على كون المراد من موضوع المنع عدم ملكة الاجتناب وكلاهما غير ظاهر. مضافا إلى ضعف السند، وعدم ثبوت الانجبار، كما يظهر من ملاحظة أدلة القولين. وكأنه لاجل ذلك كان مذهب ابني بابويه والفاضلين وجمهور المتأخرين على ما حكي عنهم عدم اعتبار شئ من ذلك، عملا باطلاق الادلة. وفي مرسل العلل: (قلت للرجل يعني أبا الحسن (ع): ماحد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال (ع): يعطى المؤمن ثلاثة الآف، ثم قال: أو عشرة الآف. ويعطى الفاجر بقدر، لان المؤمن ينفقها في طاعة الله، والفاجر في معصية الله (* 1). وفي حسنة الحلبي المروية عن رجال الكشي: (سمعت أبا عبد الله (ع) وسأله إنسان فقال: إني كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم، فأعطيهم أم أكف؟ قال: بل أعطهم، فان الله حرم أهل هذا الامر على النار) (* 2). وفي المطلقات القوية الاطلاق كفاية. وأما ما ذكره المصنف فتقتضيه الادلة الاولية، من الكتاب والسنة المتضمنة للنهي عن الاعانة على الاثم والعدوان والاغراء بالقبيح، غير المختصة بمقام دون مقام. لكن يبقى الاشكال في صدق الاعانة بمجرد فعل المقدمة من دون قصد ترتب المعصية عليها. وكذا الاشكال في صدق الاغراء بالقبيح بمجرد ذلك، بلا تحريض على المعصية، ولا بعث إليها، كما يقتضيه مفهوم الاغراء. فإذا منع من صدقهما بدون ذلك، أشكل المنع من إعطائها لمن يصرفها في المعاصي مع عدم قصد المعصية ولا بعث إليها وحمل عليها. نعم إذا كان تركه ردعا عن المعصية وجب، فيحرم الاعطاء، لما يستفاد مما دل على وجوب النهي عن المنكر من لزوم الحيلولة بين المنكر وفاعله

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 16.

 

===============

 

( 285 )

 

[ فيجوز دفعها إلى الفساق، ومرتكبي الكبائر، وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الايمان. وإن كان الاحوط اشتراطها. بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم يشترط العدالة في العاملين على الاحوط (1). ولا يشترط في المؤلفة قلوبهم (2)، بل ولا في سهم سبيل الله (3)، بل ولا في الرقاب. وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء. ] من دون فرق بين الحدوث والبقاء. والفرق بين هذا وما قبله: أن ترك الاعطاء فيما قبله إنما يمنع من دخله في ترتب المعصية، لا عدم وقوع المعصية أصلا، لامكان ترتبها بتوسط مقدمة أخرى غيره، من اتهاب أو قرض أو نحوهما. بخلاف ترك الاعطاء هنا، فانه موجب لعدم تحقق المعصية أصلا، لعدم وجود مقدمة أخرى سواه. (1) لما عن الارشاد والدروس والمهذب البارع والروضة والمفاتيح وغيرها، من الاجماع على اعتبارها فيهم. قال في الجواهر: ((وهو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع، وبما في العمالة من تضمن الاستئمان. وقد سمعت ما في الصحيح: من أنه لا يوكل بها إلا ناصحا شفيقا أمينا، ولا أمانة لغير العدل..). لكن عرفت الاشكال في الاعتماد على الصحيح، فان الاستئمان أعم من العدالة. مع أن الاجماع على اعتبار العدالة في العامل حين العمل لا يقتضي اعتبارها فيه حين الاعطاء من الزكاة، لاختلاف الزمانين. فلو كان حين العمل عادلا، وبعد قيامه بالعمل فسق، فالاجماع المتقدم في لسان الجماعة لا يقتضي منعه من الزكاة. (2) على ما عرفت من المراد منهم، الذي لا يناسبه اعتبارها. (3) للاطلاق فيه وفي غيره من الاصناف، من دون ظهور مقيد.

 

===============

 

( 286 )

 

[ (مسألة 9): الارجح دفع الزكاة إلى الاعدل فالاعدل، والافضل فالافضل، والاحوج فالاحوج (1). ومع تعارض الجهات يلاحظ الاهم فالاهم، المختلف ذلك بحسب المقامات. الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي، كالابوين وإن علوا، والاولاد وإن سفلوا من الذكور أو من الاناث، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الاسباب الشرعية، والمملوك، سواء كان آبقا أو مطيعا. فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للانفاق (2)، بل ] نعم مقتضى بعض الوجوه - المتقدمة في اعتبارها في الفقراء اعتبارها في الجميع. فلاحظ. (1) لما يفهم من النصوص من رجحان ملاحظة الترجيح في إعطائها كخبر عبد الله بن عجلان السكوني: (قلت لابي جعفر (ع): إني ربما قسمت الشئ بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال (ع): أعطهم على الهجرة في الدين، والفقه، والعقل) (* 1)، وصحيح ابن الحجاج: (سألت أبا الحسن (ع) عن الزكاة، يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال (ع): نعم، يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل) (* 2). مضافا إلى أن الترجيح بمثل ذلك مقتضى القواعد الاولية. (2) إجماعا، كما عن غير واحد، مع قدرة المنفق وبذله. وتشهد به النصوص، كصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع)، قال (ع): (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الاب، والام والولد، والمملوك،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 25 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 287 )

 

ولا للتوسعة على الاحوط. وإن كان لا يبعد جوازه (1)، ] والمرأة. وذلك انهم عياله ولازمون له) (* 1) ونحوه المرفوع إليه (ع) معللا: بأنه يجبر على النفقة عليهم (* 2) وفي مصحح اسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (ع): (قلت: فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ قال (ع): أبوك وأمك. قلت: أبي وأمي؟ قال (ع): الوالدان والولد) (30). ونحوهما غيرهما. نعم يعارضها مكاتبة عمران بن اسماعيل القمي: (كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع): إن لي ولدا، رجالا ونساء، أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب (ع): إن ذلك جائز لك) (* 4)، والمرسل عن محمد بن جزك: (سألت الصادق (ع): أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال (): نعم، لا بأس) (* 5). وكأنه لاجلهما اختار في كشف الغطاء كون المنع في غير المملوك والزوجة على الندب. لكنه لا يخلو من إشكال، لاعراض الاصحاب عنهما، وحكاية الاجماع مستفيضا على خلافهما. (1) كما عن المحقق والشهيد الثانيين، وربما نسب إلى غيرهما. لاطلاق الادلة. ولموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع): (عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها، وقد وجب عليه فيها الزكاة، ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم، ولا يسعه لادمهم، وإنما هو ما يقوته في الطعام والكسوة. قال (ع): فلينظر إلى زكاة ماله ذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 14 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

 

===============

 

( 288 )

 

فليخرج منها شيئا قل أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة، وليعد ما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك أدامهم وما يصلحهم من طعامهم..) (* 1)، ومصحح اسحاق بن عمار: (قلت لابي عبد الله (ع): رجل له ثمانمائة، ولابن له مائتا درهم، وله عشر من العيال، وهو يقوتهم فيها قوتا شديدا، وليس له حرفة بيده. إنما يستبضعها فتغيب عنه الاشهر ثم يأكل من فضلها، أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟ قال (ع): نعم) (* 2). وقريب منهما خبر أبي خديجة (* 3). لكن الاطلاق مقيد بما دل على المنع من إعطاء واجبي النفقة، مما عرفت. والاخبار المذكورة ظاهرة في زكاة مال التجارة، والتعدي منها إلى الزكاة الواجبة غير ظاهر. ولا سيما مع قرب احتمال أن يكون ذلك من باب ترجيح التوسعة على العيال على أداء زكاة مال التجارة. مضافا إلى أن موردها صورة عدم القدرة على الانفاق اللازم، وأن دفع الزكاة لتتميمه لا للتوسعة. ودعوى: أن أدلة المنع من إعطاء واجب النفقة بقرينة التعليل مختصة بالدفع للقوت اللازم، فلا تشمل الدفع للتوسعة. مندفعة: بأن الظاهر من التعليل بقرينة ما في صدر الصحيح، من عدم جواز إعطائهم شيئا أن لزومهم له مانع من كونهم موضوعا للزكاة، ومخرج لهم عن الفقر إلى الغني ولو تعبدا. وكأنه لذلك يشكل أخذ الزكاة من غير المنفق. هذا والانصاف يقتضي المنع من ظهوره في ذلك، إذ من الجائز أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 14 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

 

===============

 

( 289 )

 

[ إذا لم يكن عنده ما يوسع به عليهم (1). نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه (2)، كالزوجة للوالد، أو الولد والمملوك لهما مثلا. (مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، ولاجل الفقر. وأما من غيره من السهام، كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل الله، أو ابن السبيل، أو الرقاب إذا كان من أحد ] يكون الوجه في منع لزومهم له من جواز الاعطاء عدم التداخل، الذي يوافقه الارتكاز العقلائي، ولاجله بني على أصالة عدم التداخل. والحمل على الاول مع أنه يتوقف على صدق الغنى بمجرد لزوم النفقة، وهو ممنوع كما سبق أنه يتوقف على مقدمة أخرى مطوية، وهي عدم جواز إعطاء الغني، وذلك خلاف الاصل في التعليل. نعم لو بني على إجمال التعليل واحتماله لكل من المعنيين يسقط الحديث المشتمل عليه عن صلاحية التمسك به في المقام، فيرجع حينئذ إلى عموم مثل مصحح إسحاق بن عمار الخالي عنه، ومقتضى ذلك البناء على عدم جواز اعطاء المنفق لواجب النفقة مطلقا ولو كان للتوسعة. (1) هذا القيد غير ظاهر اعتباره على تقدير جواز الدفع إليهم إعتمادا على التعليل. نعم لو كان المستند النصوص فاعتباره في محله، لان موردها صورة العجز. (2) كما عن المسالك والمدارك، واختاره في الجواهر وغيرها. لاطلاق الادلة. واختصاص أدلة المنع بغير ذلك، إذ التعليل على أي المعنيين السابقين حمل لم يقتض المنع عن إعطاء الزكاة لذلك، كما هو ظاهر. ويمكن أن يستفاد من صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) الآتي (* 1).

 

 

____________

(* 1) لاحظ المسألة: 11 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 290 )

 

[ المذكورات فلا مانع منه (1). (مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادرا (2) على إنفاقه، أو كان قادر ولكن لم يكن باذلا. وأما إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه (3) وإن كان فقيرا، كأبناء الاغنياء ] (1) بلا خلاف معتد به، كما لا إشكال فيه، كذا في الجواهر. وعن الذخيرة: أنه مقطوع به بين الاصحاب، وعن الحدائق: نفي الاشكال فيه، وعن غيرها: نفي الخلاف فيه. ويقتضيه: عموم الادلة. وقصور أدلة المنع عن شمول ذلك، كالتعليل فيها على أي معنييه حمل. إذ المفروض أن الاعطاء ليس للنفقة. مضافا إلى مادل على جواز قضاء دين الاب من سهم الغارمين، واشتراء الاب من سهم الرقاب وأنه خير رقبة، كما في خبر الوابشي (* 1). (2) كما عن صريح جماعة. بل عن المدارك: أنه كذلك قولا واحدا. ويقتضيه: إطلاق الادلة بلا مقيد. ويستفاد من صحيح ابن الحجاج الآتي. وكذا الحال مع قدرة المنفق وعدم بذله لها. (3) بل عن التذكرة ومجمع البرهان وشرح المفاتيح: المنع، لحصول الكفاية، الموجب لصدق الغنى. ولاطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النفقة المتقدم بعضها الشامل لغير المنفق، مثل ما في صحيح ابن الحجاج: (خمسة لا يعطون من الزكاة..) (* 2)، وما في رواية الشحام: (لا يعطى الجد والجدة..) (* 3). بل يمكن الاستدلال له بالتعليل، بناء على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 19 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 2) تقدم ذلك في الثالث من أوصاف المستحقين من هذا الفصل. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

 

===============

 

( 291 )

 

أن ظهوره في اللزوم يوجب خروجه عن موضوع الفقر. لكن فيه: ما عرفت من ظهوره غيرذلك. وأما إطلاق بعض النصوص فدعواه غريبة، إذ الظاهر من قول القائل: (لا يعطى الجد)، أو (لا يعطى الاب) أنه لا يعطى جد المعطى وأبوه، فالحكم مختص بالمنفق ولا يشمل غيره. وأما صدق الغنى بحصول الكفاية فيمكن منعه، ولذا لم يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال الموسر الباذل إذا لم يكن واجب النفقة عليه، والفرق بينهما باللزوم وعدمه غير فارق. ولما ذكرنا اختار الجواز جماعة، منهم العلامة في جملة من كتبه، والشهيد في الدروس والبيان، والمحقق الثاني في فوائد الشرائع، والسيد في المدارك على ما حكي، بل عن الحدائق: نسبته إلى الاكثر. واستدل لهم بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الاول (ع) قال: (سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته، أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال (ع): لا بأس) (* 1). وفيه نظر، لظهوره في صورة عدم قيامهم بكل ما يحتاج إليه، كدين عليه أو نفقة لازمة له ونحوهما، فلا يكون مما نحن فيه. واستدل له أيضا: بأن الفقر أخذ موضوعا لوجوب الانفاق ولوجوب الزكاة، فكما لا ينتفي ببذل الزكاة بحيث يخرج عن موضوع الانفاق، كذلك لا ينتفي ببذل النفقة بحيث يخرج عن موضوع الزكاة. وقد يجاب: بأن موضوع الانفاق عدم القدرة على مؤنة نفسه، وهو غير حاصل ببذل الزكاة. وموضوع الزكاة الحاجة والفقر، وهو يرتفع بتملكه على غيره المؤنة ولو بالتكليف ببذلها. ويمكن أن يخدش: بأن الاولى الحكم بعكس ما ذكر، لان موضوع الزكاة الفقير وهو حاصل. ومجرد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 292 )

 

لزوم الانفاق عليه غير كاف في صدق الغنى عليه، إذ الغني من يملك فعلا أو قوة ولو لاجل كونه ذا حرفة أو صنعة مؤنته، وهو غير حصل في المقام. ومجرد لزوم الانفاق شرعا غير كاف في تحقق الملك، أما وجوب الانفاق فموضوعه عدم القدرة على النفقة كما قرر المجيب وهو غير حاصل مع بذل الزكاة له. ولذلك احتمل في شرح النافع: عدم وجوب الانفاق على من بذلت الزكاة له، وإن استقربه في الجواهر. لكنه غير ظاهر، إذ ليس في أدلة وجوب الانفاق إطلاق يرجع إليه عند الشك، كما يظهر بالسبر لنصوصه، فانها واردة في غير مورد تشريعه، بل في مورد آخر. فمع الشك في موضوع الانفاق يقتصر على المتيقن، ولا يقين بوجوبه مع بذل الزكاة وعدم المانع من التعيش بها. ومن هنا يظهر لك الفرق بين عدم القدرة على النفقة في موضوع الزكاة وبينه في موضوع الانفاق، إذ القدرة في الاول يراد منها القدرة بالنظر إلى نفسه وشؤونه من ملك، أو قوة، أو صنعة، أو نحوها - لا غير، وفي الثاني يراد بها القدرة ولو لاجل البذل. فمن كان عاجزا عن التعيش بكل الوجوه لعدم المال والقوة، وقد بذلت له المؤنة زكاة، أو خمسا، أو صدقة مستحبة، أو غير ذلك من أنواع البذل لم يجب على قريبه الانفاق عليه. نعم أطلق الفقهاء: اعتبار الفقر في موضوع الانفاق فان كان إجماعا لم يكتف ببذل الزكاة في الخروج عن موضوعه. وإلا تعين العمل على ما ذكرنا. هذا وعلى ما ذكر في المتن يشكل ما استقر عليه العمل في هذه الاعصار من إعطاء الحقوق من الكفارات وغيرها للعيال، صغيرهم وكبيرهم، مع أن أكثر الصغار قد بذلت لهم النفقة اللازمة لهم، بل وأكثر منها. اللهم إلا أن يبنى على عدم اللزوم مع فرض فقر المنفق، لاعتبار الغنى فيه. وإن كان الذي نص عليه في الشرائع، ويظهر منهم الاتفاق عليه هو

 

===============

 

( 293 )

 

[ إذا لم يكن عندهم شئ. بل لا ينبغي الاشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (1). بل لا يبعد عدم جوازه ] الاكتفاء بالقدرة ولو بالاتهاب والسؤال. لكنه خلاف مقتضى أصالة البراءة وقد عرفت: أنه لا إطلاق في أدلة الوجوب يرجع إليه عند الشك. وقوله تعالى: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن..) (* 1). لا إطلاق له من الحيثية التي نحن فيها، وإنما هو في مقام بيان وجوب دفع الاجرة في فرض وقوع الاجارة بينها، وبين الوالد، التي هي في فرض وجوب النفقة عليه. هذا ولكن الالتزام بذلك بعيد جدا، بل لا يظن الالتزام من أحد: بأن الولد العاجز عن المؤنة من كل وجه لا تجب نفقته على أبيه إذا كان أبوه فقيرا شرعا، وأن نسبته إلى أبيه كنسبته إلى غيره من الاجانب. وكذا الحال في غيره من واجب النفقة. والاولى أن يقال: إن نفقة القريب وإن لم تكن كنفقة الزوجة في كونها مملوكة على المنفق، إلا أنها ليست تكليفا محضا، بل ناشئة عن حق الانفاق، ولذا يطالب عند الامتناع، ويرفع أمره إلى الحاكم، ويستدين الحاكم على ذمة المنفق مع تعذر الزامه بالنفقة. ومثل هذا الحق كاف في إلحاقه بالزوجة في صدق الغني مع البذل. نعم العمدة في الاشكال: عدم ظهور الدليل على وجوب الانفاق في ظرف بذل الزكاة لواجب النفقة. ومانعية وجوب الانفاق من جواز إعطاء الزكاة من المنفق لا يقتضي ذلك بالاضافة إلى غيره، لاحتمال وجود الفارق، فلا مجال للتعدي عن مورد النصوص. والكلام في ذلك موكول إلى محله. (1) فان من جوز الدفع إلى القريب مع بذل قريبه المنفق ويساره لم يجوزه في الزوجة، بل في الجواهر: (لكن الاجماع على عدم جواز تناولها

 

 

____________

(* 1) الطلاق: 6.

 

===============

 

( 294 )

 

[ مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه (1). بل الاحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم (2) مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا. ] مع يسار الزوج وبذله - يمكن تحصيله، وإن احتمل بعض الناس الجواز أيضا..). وكأنه وجه ما ذكره بعض الناس: أنها إنما تملك النفقة على الزوج يوما فيوما، لا أنها تملك مؤنة السنة. وفيه: أنه يمكن إلحاقها بذي الصنعة، الذي يظهر من دليل منعه من الزكاة أن المراد من الفقير الفقير بالفعل والقوة، وأن ذا الصنعة غني بالقوة باعتبار ما هو فيه من الاستعداد، فتكون الزوجة من أفراده، وليس ذلك من القياس. وقد عرفت أن الانفاق على القريب أيضا كذلك، باعتبار ثبوت حق الانفاق له على المنفق، فالفرق ينبغي أن يكون من جهة عدم ثبوت وجوب الانفاق مع بذل الزكاة في القريب، وثبوته في الزوجة. فتأمل جيدا. (1) إذ الامتناع مع إمكان الاجبار لا يوجب انتفاء الغني بالقوة، كامتناع المديون مع إمكان الدائن اجباره عى أداء دينه. نعم مع صعوبة الاجبار، وعدم إقدام أمثالها عليه يجوز دفع الزكاة إليها، كصورة التعذر على ما سبق في نظيره في بعض مسائل الفصل السابق. (2) الاشكال فيه يبتني على الاشكال في جواز الدفع للنفقة، فانه إن جاز جاز، وإن لم يجز لعدم صدق الفقير لم يجز، إذ الغني لا يجوز الدفع إليه ولو للتوسعة. والتفكيك بين النفقة والتوسعة في صدق الفقر والغني غير ظاهر. نعم حكي عن ظاهر جماعة: جواز الاخذ للتوسعة وإن لم يجز للانفاق، لصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الاول (ع) المتقدم (* 1). لكن عرفت أنه ليس مما نحن فيه، بل هو في صورة عدم

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك في أول المسألة.

 

===============

 

( 295 )

 

[ (مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها (1)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، وسواء كان للانفاق أو للتوسعة. وكذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة، مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه - لا يجوز الدفع إليها (2)، مع يسار الزوج (3). ] قيام المنفق بتمام ما يحتاج إليه، وإن كان قائما بالنفقة اللازمة عليه. ومما ذكرنا يظهر أنه لا فرق في المنع والجواز بين بذل المنفق مقدار التوسعه وعدمه، لان المعيار في الفقر والغني خصوص النفقة اللازمة دون التوسعة، كما لعله ظاهر. فالاشكال إن تم مطرد في الصورتين جميعا. والله سبحانه أعلم. (1) لعدم وجوب نفقتها. وحكي القول بالمنع عن بعض، لاطلاق بعض النصوص. وفيه: أن التعليل بلزوم النفقة حاكم على ذلك الاطلاق، فيقيد به. ومنه يظهر الحال في الدائمة المشروط سقوط نفقتها. (2) للزوم نفقتها، فتدخل في عموم التعليل. واحتمال انصراف اللزوم في التعليل إلى خصوص اللزوم الاصلي ممنوع. ولا سيما وكون اللزوم في الموارد المذكورة يمكن أن يكون من العارض. (3) مجرد اليسار غير كاف في المنع، مع امتناعه عن البذل، وتعذر إجباره عليه، فلابد حينئذ من بذله ويساره، فلو انتفى أحدهما جاز إعطاء الغير إياها. أما إعطاء الزوج فيكفي في المنع عنه اليسار فقط، لثبوت اللزوم حينئذ المانع من جواز الاعطاء، فلو أعسر جاز إعطاؤه إياها، لارتفاع اللزوم الفعلي عنه، بناء على أنه الظاهر من اللزوم في النص والفتوى

 

===============

 

( 296 )

 

[ (مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكنها من تحصيلها بتركه (1). (مسألة 14): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج (2) وإن أنفقها عليه. وكذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الاسباب الخارجية (3). (مسألة 15): إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له، فضلا عن غيره (4)، للانفاق أو التوسعة. من غير فرق ] وإن كان هو خلاف ظاهر المصنف (ره) في المسألة التاسعة عشرة. (1) قال في المعتبر: (لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء والمسكنة مطيعة كانت أم عاصية إجماعا، لتمكنها من النفقة.). لكن التعليل المذكور إنما يجدي في المنع لو كان المانع من إعطاء المطيعة عدم صدق الفقير، كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الاجنبي. أما لو كان اللزوم نفسه كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الزوج جاز إعطاؤه إياها بالنشوز وإن أمكن لها رفعه. إلا أن يكون إمكان الرفع موجبا لصدق الغنى، كما في الاجنبي. (2) لاطلاق الادلة. وما عن ابن بابويه من المنع غير ظاهر. ومثله: ما عن الاسكافي من جواز الدفع، لكن لا يجوز له إنفاقه عليها وعلى ولدها. (3) للاطلاق أيضا. (4) إجماعا، كما عن المدارك. لاطلاق الادلة. وأما رواية أبي خديجة: (لا يعطي الزكاة أحدا ممن يعول) (* 1) فمحمولة على واجب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

 

===============

 

( 297 )

 

[ بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه كالاخ، وأولاده، والعم، والخال وأولادهم وبين الاجنبي (1)، ومن غير فرق بين كونه وارثا له - لعدم الولد مثلا - وعدمه (2). (مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للاقارب (3)، مع حاجتهم وفقرهم، وعدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه. ففي الخبر (4): أي الصدقة أفضل؟ قال (ع): على ذي ] النفقة. أو على الاستحباب. (1) إجماعا، نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر. (2) بلا خلاف ظاهر. وعن بعض العامة: المنع منه في الاول، بناء منه على أن الوارث نفقته على الموروث. وهو معلوم البطلان، كذا في الجواهر. (3) ففي موثق اسحاق عن أبي الحسن موسى (ع): (قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض، فيأتيني إبان زكاتي أفأعطيهم منها؟ قال (ع): مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال (ع): هم أفضل من غيرهم، أعطهم) (* 1). (4) روى السكوني عن أبي عبد الله (ع)، قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: أي الصدقة أفضل؟ قال صلى الله عليه وآله: على ذي الرحم الكاشح) (* 2) قال في مجمع البحرين: (الكاشح، هو الذي يضمر لك العداوة، ويطوي عليها كشحه، أي: باطنه. من قولهم: (كشحح له بالعداوة) إذا أضمرها له. وإن شئت قلت: هو العدو الذي أعرض عنك وولاك كشحه..). لكن دلالتها على ما نحن فيه غير ظاهرة، لانها أخص.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 20 من ابواب الصدقة حديث: 1.

 

===============

 

( 298 )

 

[ الرحم الكاشح). وفي آخر: (لا صدقة وذو رحم محتاج) (1). (مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤنة التزويج (2). وكذا العكس. (مسألة 18): يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للانفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (3). كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل الله (4). (مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا (5) ] (1) هذا مرسل الفقيه (* 1). (2) لاطلاق الادلة. وعدم شمول أدلة المنع لذلك، لعدم لزوم نفقة التزويج على المنفق. وحينئذ فان كان التزويج محتاجا إليه، فلا ينبغي التأمل في جواز كون الدفع من سهم الفقراء، حتى لو كان مفاد التعليل في نصوص المنع الاخراج عن عنوان الفقراء، لاختصاصه بغير الفرض، وهو الظاهر من صحيح ابن الحجاج المتقدم. وإن لم يكن محتاجا إليه، فالدفع إليه من سهم الفقراء موقوف على جواز الدفع للتوسعة، الذي تقدم الكلام فيه. نعم لا ينبغي التأمل في جواز الدفع من سهم سبيل الله، لكون التزويج منه. (3) لكونه منهم، لاجل حاجته، كما سبق. (4) لانها منه. بل ومن سهم الفقراء، بناء على جواز الدفع إليه للتوسعة، فان شراء الكتب منها، كما لا يخفى. (5) لاطلاق الاخبار، ومعاقد الاجماعات المانعة من دفع الزكاة إلى واجب النفقة. ويشكل: بأن انتفاء القدرة رافع للتكليف، فلا يصدق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من ابواب الصدقة حديث: 4.

 

===============

 

( 299 )

 

[ كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (1)، فلا يجوز الانفاق عليهم من سهم سبيل الله أيضا وإن كان يجوز لغير الانفاق. وكذا لا فرق - على الظاهر الاحوط - بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه، وإن حكي عن جماعة (2): أنه لو عجز عن انفاق تمام ما يجب عليه، ] أنهم لازمون له، ولا أنه يجبر على نفقتهم، المعلل به الحكم بالمنع. بل لو قيل: بأن القدرة شرط شرعي لوجوب نققة الاقارب كما يقتضيه ظاهر الكلمات فالجواز أوضح، لانتفاء الملاك بانتفائها. وكأنه لذلك احتمل غير واحد في روايتي عمران القمي ومحمد بن جزك المتقدمين (* 1) حملهما على صورة عجز المنفق. فإذا القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق كغيره للنفقة أوفق بالعمومات. (1) لاطلاق ما دل على المنع. نعم يختص ذلك بالنفقة اللازمة، ولا يجري في غيرها، كما سبق في المسألة العاشرة. (2) قال في المستند: (صرح به جماعة، بل من غير خلاف يوجد كما قيل..) ثم استدل له برواية أبي بصير: (عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، وهو رجل خفاف، وله عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟.. (إلى أن قال): قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال (ع): بلى. قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم، ويبقي منها شيئا يناوله غيرهم) (* 2)، وبموثق سماعة، ومصحح اسحاق المتقدمين في مسألة اعطاء المنفق زكاته لواجب النفقة للتوسعة، التي قد عرفت اختصاصها كرواية أبي بصير بزكاة مال التجارة. لا أقل من عدم

 

 

____________

(* 1) لاحظ الروايتين في الثالث من أوصاف المستحقين. (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

 

===============

 

( 300 )

 

[ جاز له إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن أدامهم لاطلاق بعض الاخبار الواردة في التوسعة (1)، بدعوى شمولها للتتمة، لانها أيضا نوع من التوسعة (2). لكنه مشكل، فلا يترك الاحتياط بترك الاعطاء. ] ظهورها في الواجبة لا عموما، ولا خصوصا إذ الجميع من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية، فالتمسك بها على المقام غير ظاهر. (1) قد عرفت الاشكال في استظهار ورودها في التوسعة، فان مصحح إسحاق ذكر فيه القوت الشديد، وهو دون النفقة اللازمة. وموثق سماعة ذكر فيه: أن فضل ماله لا يسع لادمهم، والادام جزء من النفقة اللازمة نعم رواية أبي بصير ظاهرة في التوسعة، لاشتمال صدرها على زيادة الربح عن القوت. (2) هذا الجواب ذكره في المستند. وهو كما ترى. وبالجملة: الاستدلال على الحكم المذكور بهذه الروايات غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة كون مورد الاخيرين العجز عن إتمام القوت اللازم من الربح مطلقا، كما هو محل الكلام. نعم يمكن الاستدلال عليه مضافا إلى إطلاق الادلة، كما في صورة العجز عن أصل النفقة بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الاول (ع) المتقدم، قال: (سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال (ع): لا بأس) (* 1). بناء على ظهوره في عدم قيام المنفق بالنفقة اللازمة، بقرينة الذيل. وعلى إطلاقه الشامل لاخذ الزكاة من المنفق وغيره. لكن الاخير وإن كان في محله. إلا أن الاول غير ظاهر، بل الظاهر منه

 

 

____________

(* 1) لاحظ المسألة: 11 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 301 )

 

[ (مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (1) إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إما لفقره، أو لغيره. سواء كالن العبد آبقا أو مطيعا. ] قيامهم بالمؤنة اللازمة، وأن له حوائج أخرى زائدة عليها كما عرفت، فلا يكون مما نحن فيه. ولا سيما بملاحظة عدم فرض العجز عن إتمام النفقة فيه. وإطلاقه من هذه الجهة لا يمكن الاخذ به، لما تقدم من عدم جواز الاخذ من المنفق الزكاة ولو لاتمام النفقة، فيتعين حمله على ما ذكرنا. فالعمدة في جواز أخذ الزكاة منه الاطلاق. ثم إنه إذا بني على جواز أخذ الزكاة من المنفق في صورة العجز عن النفقة التامة اعتمادا على هذه النصوص فالبناء عليه في صورة العجز عن أصل النفقة أولى. فالجزم بالعدم في الثانية، والتوقف فيه في الاولى كما في المتن غير ظاهر. (1) بناء على ملكية العبد، لا ينبغي التأمل في أن مقتضى إطلاق الادلة أنه مع عجز المالك عن القيام بنفقته جواز دفع الزكاة إليه بنحو التمليك من سهم الفقراء كالحر. أما بناء على عدم ملكيته، فلا مجال لدفع الزكاة إليه بنحو التمليك. إنما الاشكال في جواز صرفها عليه من سهم الفقراء للاشكال في صحة صرف هذا السهم على الفقراء بلا تمليك لهم أو أنه يعتبر فيه الدفع بنحو التمليك؟ ظاهر جماعة ممن صرح باعتبار الحرية في أوصاف المستحق هو الثاني واختاره في الجواهر لظهور الادلة في ذلك خصوصا ما تضمن منها: جواز تصرف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لانه ملكه، فضلا عن قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء..) (* 1) لكن عرفت في أول الفصل: أن مفهوم التصدق لا يتوقف على التمليك

 

 

____________

(* 1) التوبة.

 

===============

 

( 302 )

 

بل كما يكون به يكون بالصرف على المستحق. فراجع. وأما مادل على جواز تصرف الفقير بالزكاة كما يتصرف بماله، وأنه يتصدق به ويحج ويؤجر كما يؤجر غيره، وأنها كماله يصنع بها ما يشاء، فلا يدل على انحصار التصدق عليه بالتمليك. واللام في الآيه للاستحقاق، كما يقتضيه القول بعدم وجوب البسط. نعم قد يستفاد مما دل على على أنه ليس في مال المملوك شئ ولو كان له ألف ألف، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا كصحيح ابن سنان وغيره، مما تقدم في مبحث اشتراط الحرية في وجوب الزكاة عدم جواز إعطائه من الزكاة مطلقا. لكن التعليل بلزوم النفقة في نصوص واجب النفقة المذكور هو معهم يقتضي تخصيص المنع بالمولى في صورة لزوم نفقته عليه. واحتمال أن في المملوك مانعين، أحدهما ذاتي للرقية، والآخر عرضي للزوم نفقته، والنصوص الاول تعرضت للاول والثانية تعرضت للثاني، خلاف ظاهر التعليل في انحصار المانع باللزوم. ولو سلم فلا يبعد أن يكون المراد إعطاه بنحو التمليك، كما هو الشائع المتعارف. لا أقل من حملها على ذلك، بقرينة إطلاق موضوعات الزكاة. وعليه لا يجوز تمليكه إياها وان قلنا بمكله، ولا مانع من صرفها عليه مع عجز المولى عن انفاقه أو يكون المراد من احتياجه المذكور في النص ما يقابل الغنى المسبب عن تسليط المولى له على طائفة من المال لعدم كفاية مجرد الاحتياج بالمعنى المذكور مع بذل المولى لنفقته في جواز اعطائه، كما استظهره شيخنا الاعظم (ره). لكن الاول أقرب. وعليه فلا يجوز تمليكه للزكاة وإن جاز صرفها عليه، هذا وربما يمنع عن خصوص زكاة المولى دون غيره، لعدم كون إيتاء المولى إياها إيتاء للزكاة. أو لما عن غير واحد من التصريح: بأنه لو تبين كون المدفوع إليه عبد الدافع لم يجز. وفيه: أنه لا وجه لمنع صدق الايتاء مع صرفها عليه كصرفها على غيره من الفقراء. وعدم الاجزاء في

 

===============

 

( 303 )

 

[ الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره (1)، ] الفرض المذكور لعله مختص بغير صورة العلم بصرفها في حوائجه، وإلا فهو ممنوع جدا، لانه خلاف إطلاق الادلة. وليس هو إجماعا ليكون حجة ومقيدا للادلة. والمتحصل: أن منع العبد من الزكاة إما أن يكون لنصوص المنع من إعطاء واجب النفقة، وإما لان إعطاء الزكاة لا يكون إلا بنحو التمليك بضميمة مادل على أن العبد لا يملك، وإما لنصوص المنع من إعطاء الزكاة للعبد وإن احتاج إليها. والجميع عرفت إشكاله، فان الاول يختص بالمالك مع لزوم الانفاق عليه. والثاني ممنوع. مع أن التحقيق إمكان ملك العبد. والثالث محمول على خصوص الاعطاء بنحو التمليك. (1) بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل وبين المسلمين، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر. كالنصوص التي اعترف غير واحد أنها كذلك، كذا في الجواهر. ومن النصوص الدالة عليه: صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): (لا تحل الصدقة لولد العباس، ولا لنظرائهم من بني هشام) (* 1)، ومصحح الفضلاء: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإن الله تعالى قد حرم علي منها ومن غيرها ما قد حرمه، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب) (* 2) وخبر اسماعيل ابن الفضل الهاشمي: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم، ما هي؟ قال (ع): هي الزكاة. قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع): نعم (* 3).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 32 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

 

===============

 

( 304 )

 

مع عدم الاضطرار. ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام (1)، حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم لا بأس بتصرفه في الخانات والمدارس وسائر الاوقاف المتخذة من سهم سبيل الله. أما زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له (2)، ] (1) كما عن جماعة التصريح به. ويقتضيه إطلاق معاقد الاجماعات، بل عن صريح كتاب القسمة من الخلاف: دعوى الاجماع على عدم الجواز مطلقا، وفي صحيح العيص عن أبي عبد الله (ع): (إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه، أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عزوجل للعاملين عليها، فنحن أولى به. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطلب (هاشم، خ ل) إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني قد وعدت الشفاعة.. (إلى أن قال): أتروني مؤثرا عليكم غيركم؟..) (* 1). وعن كشف الغطاء: التأمل في حرمة سهم سبيل الله وسهم المؤلفة والرقاب، مع فرضهما بارتداد الهاشمي. أو كونه من ذريه أبي لهب، ولم يكن في سلسلة مسلم. وبتزويجه الامة واشتراط رقية الولد عليه، على القول به. وكأنه للتعليل في بعض النصوص: بأنها أوساخ أيدي الناس، الدال على أن منعهم إياها تكريم لهم. وهو غير منطبق على سهم المؤلفة، لعدم استحقاقهم هذا الكريم، ولا على سهم الرقاب، لعدم تصرفهم فيه بوجه وإنما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم. وأما تأمله في سهم سبيل الله فلاجل قيام السيرة على تصرفهم فيه كغيرهم في جملة من الموارد. لكن كان عليه التأمل أيضا في سهم الغارمين، لان إفراغ ذمته كفك رقبته. (2) إجماعا بقسميه أيضا، كما في الجواهر. والنصوص به مستفيضة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 305 )

 

[ من غير فرق بين السهام أيضا، حتى سهم العاملين. فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم. وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له، مع الاضطرار إليها (1) وعدم كفاية الخمس (2) وسائر الوجوه. ولكن الاحوط حينئذ ] منها خبر الهاشمي المتقدم. (1) إجماعا صريحا، وظاهرا محكيا عن جماعة. ويشهد له: موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع)، قال: (إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلي إلى صدقة. إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم. ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، والصدقة لا تحل لاحد منهم إلا أن لا يجد شيئا، ويكون ممن يحل له الميتة) (* 1). (2) هذا تفسير للضرورة المسوغة لدفع الزكاة إليه. والذي يقتضيه الموثق بقرينة تشبيه الزكاة بالميتة، وما في ذيله من قوله (ع): (ويكون ممن يحل..) الظاهر عطفه على (لا يجد)، فالمعنى حينئذ: والصدقة لا تحل لاحد منهم إلا أن يكون ممن تحل له الميتة اعتبار الضرورة المسوغة لاكل الميتة. والمصرح به في كلام جماعة بل هو المشهور تفسيرها: بعدم التمكن من الخمس بل ادعى عليه جماعة الاجماع صريحا وظاهرا. قال السيد (ره) في الانتصار: (ومما انفردت به الامامية القول بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة وإذا حرموه حلت الصدقة لهم، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه: الاجماع المتردد. ويقوى هذا المذهب بظاهر الاخبار: بأن الله تعالى حرم الصدقة على بني هشام وعوضهم بالخمس منها، فإذا سقط ما عوضوه به لم تحرم عليهم الصدقة..) وفي الغنية في شرائط المستحق:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 306 )

 

(وأن لا يكون من بني هاشم، المستحقين للخمس، المتمكنين من أخذه. بدليل الاجماع المتكرر..). وفي الخلاف: (تحل الصدقة لآل محمد صلى الله عليه وآله عند فوت خمسهم، أو الحيلولة بينهم وبين ما يستحقون من الخمس. وبه قال الاصطخري من أصحاب الشافعي. وقال الباقون من أصحابه: إنها لا تحل لهم، لانها إنما حرمت عليهم تشريفا وتعظيما، وذلك حاصل مع منعهم الخمس. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم..). وفي المعتبر: (قال علماؤنا: إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة، وبه قال الاصطخري. (إلى أن قال): لنا أن المنع إنما هو لاستغنائهم بأوقر المالين، فمع تعذره يحل لهم الآخر..). وعن المنتهى: (إن فتوى علمائنا أجمع على جواز تناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم..). وفي الحدائق: (لا خلاف بين الاصحاب على ما نقله غير واحد في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم..). ونحوها عن غيرها وعليه فان جاز الاعتماد على مثل هذه الاجماعات لم يكن وجه لاعتبار عدم كفايه سائر الوجوه. اللهم إلا أن يكون ذكر الخمس في كلماتهم من باب المثال لكل مال يصح لهم أخذه، ومن زكاة الهاشمي، والصدقات المندوبة، ونحو ذلك. وذكره بالخصوص، لانه الغالب. لكن يأباه التعليل في كلام السيد المرتضى وغيره، وإن كان المستند الموثق فظاهره كما سبق اعتبار الضرورة بنحو يحل له أكل الميتة، ولا يكفي قصور الخمس وغيره من الوجوه عن المؤنة. نعم صدره ظاهر في كفاية قصور الخمس وحده عنها. والجمع بين الصدر والذيل لا يخلو من إشكال. لكن البناء على ظاهر الذيل خلاف المقطوع به، فضلا عن أن يكون مخالفا للاجماع. بل الحل عند حل الميتة مما لا يحتاج إلى بيان، ولا يتفق وقوعه إلا نادرا، فكيف يمكن حمل النص عليه؟.

 

===============

 

( 307 )

 

[ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما (1) مع الامكان. (مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة (2). ] والمظنون: أن الصدر هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل، وقد تم عند قوله (ع): (سعتهم)، وأن الكلام بعد ذلك كان كلاما منفصلا عن الاول، صدر لامر ما، وليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة. وكيف كان فالاعتماد على الاجماعات المحكية في كلام الاساطين قوي جدا. (1) كما عن ابن فهد وغيره. وقيده بعض: بما إذا لم يتوقع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل قوت السنة. وعن بعض: أنه يأخذ كفاية السنة. إلا أن يرجى حصول الخمس في الاثناء. والذي يظهر من معاقد الاجماعات المتقدمة: أن ما يجوز أخذه من الصدقة مشروط بقصور الخمس. وحينئذ فان أحرز القصور وفي تمام السنة جاز أخذ مؤنة السنة، وإن لم يحرز ذلك اقتصر على المقدار المحرز فيه الشرط لا غير. فلو أخذ أكثر لم يملكه ووجب رده، إلا أن ينكشف الاحتياج إليه. وبالجملة: المدار في جواز الاخذ واقعا على القصور كذلك، وكذلك الجواز الظاهري، فانه تابع لثبوت القصور ظاهرا. (2) كما عن العلامة في القواعد، والمقداد في التنقيح، والمحقق الثاني في جامع المقاصد، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك، والسيد في المدارك وغيرهم. وعن السيد والشيخ والمحقق والعلامة في جملة من كتبه: عموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة، وربما يستظهر من الانتصار والخلاف والمعتبر الاجماع عليه. واستشهد له: باطلاق النصوص المحرمة للصدقة. وفيه: أن الاجماع ولا سيما بملاحظة خلاف من عرفت ممنوع جدا. وكذلك التمسك باطلاق النصوص، فانه أيضا غير ظاهر، لاشتمال بعضها على التعليل:

 

===============

 

( 308 )

 

بأنها أوساخ الناس. وذلك مختص بالزكاة، كما يشير إليه قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..) (* 1)، فان ذلك يكون مقيدا للاطلاق. مضافا إلى ما في جملة من النصوص من تخصيص المنع بها، مثل خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال (ع): (هي الزكاة المفروضة، ولم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض) (* 2)، وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال (ع): هي الزكاة. قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع): نعم) (* 3)، ومصحح جعفر ابن ابراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله (ع): (قلت له: أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال (ع): إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس. ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامتها صدقة) (* 4). بناء على أن الظاهر من الصدقة الواجبة على الناس هي الزكاة، لانها لكثرتها، وكثرة الابتلاء بها ترى كأنها واجبة على جميع الناس. ولذا ورد كثيرا في الكتاب والسنه إطلاق وجوبها، بخلاف غيرها من الصدقات الواجبة التي تجب على نوع خاص من الناس، مثل الكفارت الواجبة عند حدوث أسبابها، فلا يحسن التعبير عنه بمثل ذلك. والانصاف أن دعوى ظهورها في خصوص الزكاة غير بعيدة. ومنها يظهر ضعف التمسك بالرواية على دعوى المنع في مطلق الصدقة الواجبة،

 

 

____________

(* 1) التوبة: 103. (* 2) الوسائل باب: 32 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 31 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

 

===============

 

( 309 )

 

[ وزكاة الفطرة (1). وأما الزكاة المندوبة - ولو زكاة مال التجارة - ] الشامل للكفارات وغيرها. ولو سلم عمومها لها أمكن الخروج عنه بالروايتين المتقدمتين، بناء على انجبار ضعف سندهما بالعمل ممن عرفت، المعتضدتين بما سبق، من تعليل تحريم الصدقة بأنها أوساخ الناس. ثم إنه لو بني على الاخذ بعموم الرواية للصدقة الواجبة فالظاهر خروج المنذورة والموصى بها والصدقة بمجهول المالك ونحوها، مما لم يتعلق الوجوب فيه بالصدقة وإنما تعلق بعنوان آخر، وكانت الصدقة بعنوانها موضوعا للامر الندبي لا غير، فان الوجوب في الصدقة المنذورة تعلق بالوفاء بالنذر، وفي الموصى بها بالعمل بالوصية، وفي مجهول المالك بالنيابة عنه في الصدقة، وعنوان الصدقة في هذه الموارد ليس إلا موضوعا للامر الندبي. ولذا لا يظن من أحد الالتزام بأن الصدقة على الهاشمي مستحبة، وأنه لا يجوز نذرها، ولا الوصية بها، فان التعبد في هذه الموارد إنما يكون بالامر الندبي الثابت قبل النذر الذي لا يزول بالنذر، لامتناع اقتضاء المعلول انتفاء العلة. وفي مجهول المالك إنما يقصد المتصدق امتثال الامر الندبى المتوجه إلى المالك. ولذا كان ذلك نحوا من الايصال إليه. وكذا الحال فيما لو وكله على الصدقة المندوبة، فان الوجوب ليس متعلقا بالصدقة، وإنما يتعلق بعنوان آخر يكون لاجله داعيا إلى امتثال الامر الندبي، الذي وكل على امتثاله بالتصدق. وليس كذلك الحال في الكفارات والفطرة، فان الوجوب ثابت فيهما بعنوان الصدقة، فيدخلان في الرواية على تقدير عمومها لغير الزكاة. ومما ذكرنا تعرف الاشكال فيما ذكره شيخنا الاعظم (ره)، من الفرق بين الصدقة الموصى بها والمنذورة وأن الثانية واجبة بالعرض دون الاولى. (1) إجماعا على المنع فيها. لعموم مادل على المنع من الزكاة، الشامل

 

===============

 

( 310 )

 

[ وسائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضا، كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء، والكفارات ونحوها - كالمظالم - إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين. وأما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميا فلا إشكال أصلا. ولكن الاحوط في الواجبة عدم الدفع إليه. وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة (1). ] لها. بل في بعض الاخبار: أن أول زمان تشريع الزكاة لم تكن الزكاة حينئذ إلا زكاة الفطرة (* 1). (1) فانه وإن نفي الخلاف في عدم تحريمها كما في طهارة شيخنا الاعظم (ره). وفي الجواهر: (الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريحا وظاهرا فوق الاستفاضة، كالنصوص..) مشيرا بالنصوص إلى مصحح جعفر بن ابراهيم الهاشمي، وخبري الشحام واسماعيل المتقدمة وغيرها (* 2). فقد احتمل أو قيل بالمنع فيها أيضا، لاطلاق تحريم الصدقة على بني هاشم لكن لا يصلح لمعارضة ما سبق. وما في نهج البلاغة من قوله (ع): (أصلة أم زكاة، أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت..) (* 3) ظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة على خصوص أهل البيت (ع) - كما هو أحد القولين في الصدقة المندوبة لا مطلق الهاشمي. لكن في المعتبر: (قال علماؤنا: لا تحرم. وعلى ذلك أكثر أهل العلم.. (إلى أن قال): لنا: قوله (ع): كل معروف صدقة. وقد كان يستقرض، ويهدى له المال

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب زكاة الفطرة حديث: 1. (* 2) لاحظ أول المسألة. (* 3) نهج البلاغة ج 2 شرح محمد عبده صفحة: 244.

 

===============

 

( 311 )

 

[ خصوصا مثل زكاة مال التجارة (1). (مسألة 22): يثبت كونه هاشميا بالبينة (2)، والشياع (3). ولا يكفي مجرد دعواه (4)، وإن حرم دفع الزكاة ] وكل ذلك صدقة. وربما فرق قوم بين ما يخرج على سبيل سد الخلة ومساعدة الضعيف طلبا للاجر، وبين ما جرت العادة بالتردد، كالقرض والهدية..) لكن من القريب أن يكون المراد من الصدقة في المقام الفداء المقصود به دفع البلاء. وأما خبر إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري: (كنا نمر ونحن صبيان ونشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمد (ع) فقال: يا بني لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي..) (* 1) فليس للحرمة قطعا، لعدم بلوغ المخاطبين، ولابد أن يكون للارشاد إلى أمر هناك. (1) كأن وجه الخصوصية وجود القول المعتد به في وجوبها، فتكون من الزكاة المفروضة. (2) لعموم دليل حجيتها، كما تقدم تقريبه في المياه (* 2). (3) كما هو المشهور، من ثبوت النسب به. وأنكره بعض إذا لم يفد العلم، لعدم الدليل عليه. ودعوى قيام السيرة عليه غير ثابتة. لكن الانصاف ثبوت السيرة على الاعتماد على الشياع الموجب للاطمئنان، فالاعتماد عليه حينئذ في محله. (4) للاصل. ولا سيرة على حجيتها، كما كانت على حجية دعواه الفقر. فما عن كشف الغطاء: من القبول، مع عدم كونه مظنة الكذب غير ظاهر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 31 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) لاحظ المسألة: 6 من فصل ماء البئر من الجزء الاول من هذا الشرح

 

===============

 

( 312 )

 

[ إليه مؤاخذة له باقراره (1). ولو ادعى أنه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة، لا لقبول قوله، بل لاصالة العدم عند الشك (2) في كونه منهم أم لا. ولذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط. (مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا، فالاحوط عدم إعطائه (3). وكذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي. ] (1) كما لم يستبعده في الجواهر. لكنه غير ظاهر، إذ الاقرار إنما يمنع من العمل بالحجة من أمارة أو أصل بالاضافة إلى الاحكام التي تكون للمقر، لا بالاضافة إلى المالك وإفراغ ذمته بذلك. فتأمل. (2) فقد حكي عن بعض: أنه نسب إلى الاصحاب بناءهم على العمل بها في جميع أبواب الفقه، من النكاح، والارث، والوصية، والبيع، والوقف، والديات، وغيرها. وفي طهارة شيخنا الاعظم (ره) في كتاب الحيض: أن أصالة عدم الانتساب معول عليها عند الفقهاء في جميع المقامات. لكن حجيتها من باب الاستصحاب مبنية على جريان الاصل في العدم الازلي بنحو مفاد ليس الناقصة، وهو محل إشكال وخلاف بين الاعلام. وتقدم في مبحث المياه التعرض له. (3) كذا في الجواهر أيضا. لكن قال: (وإن كان قد يقوى خلافه، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، بعد الانسباق للمتولد منهم بغير ذلك، فيبقى مندرجا تحت العموم..). أقول: دعوى الانصراف غير ظاهرة، فعموم المنع من إعطاء الهاشمي محكم. ونفي ولد الزنا على نحو يشمل المقام غير متحصل، إذ عدم التوارث أعم. وقاعدة: (الولد للفراش) قاعدة ظاهرية، لا مجال لها في ظرف العلم بالانتساب.