فصل صورة حج التمتع

فصل صورة حج التمتع على الاجمال: أن يحرم - في أشهر الحج - من الميقات، بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، ثم يدخل مكة، فيطوف فيها بالبيت سبعا، ويصلي ركعتين في المقام، ثم يسعى لها بين الصفا والمروة سبعا، ثم يطوف للنساء احتياطا - وإن كان الاصح عدم وجوبه (1) -، ويقصر. ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة - والافضل ايقاعه يوم التروية - يم يمضي إلى عرفات فيقف ] المتن - للارتياب في ذلك. ولكن كان اللازم ذكر الاحتياط، بتجديد التلبية في أدنى الحل في الفرض الاول، وفى مكة في الثاني. فصل (1) بل قيل: لا خلاف فيه، أو إجتماعا عليه. ويشهد له كثير من النصوص الصحيحة وغيرها. منها: صحيح صفوان بن يحيى قال: (سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فطاف وسعى وقصر، هل عليه طواف النساء؟ قال (ع): لا. إنما طواف النساء بعد الرجوع من 

 

===============

 

( 186 )

 

[ بها من الزوال إلى الغروب، ثم يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه، ويأكل منه (1)، ثم يحلق أو يقصر، فيحل من كل شئ، إلا النساء والطيب. والاحوط اجتناب الصيد أيضا (2) وإن كان الاقوى عدم حرمته عليه من حيث الاحرام. ثم هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه، فيطوف طواف الحج، ويصلي ] منى) (* 1). وعن بعض وجوبه، ولم يعرف، كما قيل. لخبر سليمان ابن حفص المروزي عن الفقيه (ع) قال: (إذا حج الرجل، فدخل مكة متمتعا، فطاف بالبيت، وصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم (ع)، وسعى بين الصفا والمروة. وقصر، فقد حل له كل شئ ما خلا النساء. لان عليه - لتحلة النساء - طوافا وصلاة) (* 2). (1) ويهدي بعضه، ويتصدق ببعضه، على الاحوط، كما يأتي في محله. (2) لما في صحيح معاوية (* 3)، فان ظاهره حرمة الصيد بعد الحلق كالطيب والنساء. وهو محمول على الحرمة من حيث الحرم لا الاحرام، لعموم ما دل على أنه يتحلل بالحلق من كل شئ إلا الطيب والنساء.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 82 من ابواب الطواف حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 82 من أبواب الطواف حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب الحلق حديث: 1 لكنه انما يدل على حرمة الصيد بعد طواف النساء بعد ان يستثني بعد الحلق خصوص الطيب والنساء، فيمكن ان يدعى ان ذلك قرينة على ارادة الحرمة من حيث الحرم لا الاحرام بلا حاجة إلى العمومات الاخرى. ولعل المقصود رواية أخرى له لم نعثر عليها.

 

===============

 

( 187 )

 

[ ركعتيه، فتحل له النساء. ثم يعود إلى منى لرمي الجمار، فيبيت بها ليالي التشريق - وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر - ويرمي في أيامها الجمار الثلاث. وأن لا يأتي إلى مكة ليومه، بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر - ومثله يوم الثاني عشر - ثم ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء والصيد. وإن أقام إلى النفر الثاني - وهو الثالث عشر - ولو قبل الزوال - لكن بعد الرمي - جاز أيضا. ثم عاد إلى مكة للطوافين والسعي، ولا إثم عليه في شئ من ذلك، على الاصح (1). كما أن الاصح الاجتزاء ] (1) يقتضيه ما تضمن نفي البأس عن التأخير، كمصحح اسحاق بن عمار قال: (سألت أبا إبراهيم (ع) عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث؟ قال (ع): تعجيلها أحب إلي. وليس به بأس إن أخره) (* 1)، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): (لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنما يستحق تعجيل ذلك مخافة الاحداث والمعاريض) (* 2) ونحوهما غيرهما. وعن جماعة: المنع من التأخير، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): (سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال (ع): يوم النحر) (* 3)، وصحيح منصور بن حازم: (سمعت أبا عبد الله (ع)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب زيارة البيت حديث: 5.

 

===============

 

( 188 )

 

[ بالطواف والسعي تمام ذي الحجة (1). والافضل الاحوط هو اختيار الاول، بأن يمضي إلى مكة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده - فضلا عن أيام التشريق - إلا لعذر. ويشترط في حج التمتع أمور: أحدها: النية - بمعنى: قصد الاتيان بهذا النوع من ] يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت) (* 1). ونحوهما غيرهما والجمع العرفي يقتضي حمل هذه النصوص على كراهة التأخير، أو استحباب التقديم، كما هو ظاهر. (1) أما الاول فتقتضيه جملة من النصوص، مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح. قال (ع): لا بأس. أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق) (* 2)، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): (لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق، إلا أنك لا تقرب النساء، ولا الطيب) (* 3). قال في الذخيرة: (واختلف الاصحاب في جواز التأخير عن الغد للمتمتع اختيارا، فذهب المفيد والمرتضى وسلار والمحقق - في موضع من الشرائع - إلى عدم الجواز، واختاره المصنف، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا. وقال ابن ادريس: يجوز التأخير طول ذي الحجة. وهو الظاهر من كلام الشيخ في الاستبصار) واختاره المصنف في المختلف، ونسب إلى سائر المتأخرين. وعن ابن أبي عقيل: يكره للمتمتع تأخيره يوم النحر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 3.

 

===============

 

( 189 )

 

[ الحج - حين الشروع في إحرام العمرة (1)، فلو لم ينوه، أو نوى غيره، أو تردد في نيته بينه وبين غيره لم يصح. ] وذهب المحقق - في موضع من الشرائع - إلى جواز تأخيره إلى النفر الثاني. والاقرب جواز تأخيره إلى النفر الثاني. والقول بجوازه طول ذي الحجة غير بعيد). وأما جواز التأخير إلى آخر ذي الحجة، فالظاهر الاجماع عليه على تقدير القول بجواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق. وقد استدل في الذخيرة عليه بقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات...) (* 1). وقد سبق أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج، فيجوز إيقاع أفعال الحج فيه... أقول: يمكن الاستدلال عليه باطلاق ما دل على جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق، فانه يقتضي جواز التأخير حتى بعد ذي الحجة. لكنه خارج بالاجماع. وتحقيق ذلك كله موكول إلى محله. (1) قال في المسالك: (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم. وظاهرهم أن المراد بها نية الحج بجملته. وفى وجوبها كذلك نظر). ووجه النظر: ما أشار إليه في المدارك، من أن مقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة. وهو غير واضح، والاخبار خالية عن ذلك كله... وعن الدروس: أن المراد بها نية الاحرام. وفى المسالك: (وهو حسن، إلا أنه كالمستغنى عنه، فانه من جمله الافعال، وكما تجب النية له تجب لغيره، ولم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص...). أقول: أما ما ذكر في الدروس فبعيد عن ظاهر كلامهم، فان

 

 

____________

(* 1) البقرة: 197.

 

===============

 

( 190 )

 

[ نعم في جملة من الاخبار: أنه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتع بها (1). بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى ] الشروط المذكورة شروط لحج التمتع، فالمتعين أن يكون المراد بها نية نفس الحج كما في المتن، وهو ظاهر كلماتهم. وأما ما ذكر في المسالك من النظر ففيه أيضا نظر، إذ لا مانع من أن يكون كل واحد من أفعال الحج عبادة محتاجة إلى نية، والمجموع عبادة محتاجة إلى نية. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في أن الجزء الاول من حج التمتع هو الاحرام للعمرة بها، فوقوعه بعنوان حج التمتع يتوقف على نية حج التمتع، فان كان إشكال لزوم الجمع بين النيتين واردا كان إشكالا على اعتبار النية في كل فعل من الافعال، لا اعتبار نية الحج. ويشهد بما ذكر النصوص، ففي صحيح البزنطي: (قلت لابي الحسن على بن موسى (ع): كيف أصنع إذا أردت التمتع؟ فقال (ع): لب بالحج، وانو المتعة) (* 1)، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن (ع): (سألته عن رجل متمتع، كيف يصنع؟ قال (ع): ينوي العمرة ويحرم بالحج) (* 2). ونحوهما غيرهما. (1) في الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل الاجماع محكي - صريحا وظاهرا - عليه في جملة من الكتب، كالخلاف، والمعتبر، والمنتهى، وغيرها). واستفادة المشروعية من النصوص من جهة حملها على ذلك، وإلا فظاهرها الانقلاب كما سيأتي. نعم في مرسل موسى بن القاسم - الآتي - الامر به، ودلالته على المشروعية ظاهرة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب الاحرام حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 191 )

 

[ هلال ذي الحجة (1)، ويتأكد إذا بقي إلى يوم التروية (2)، بل عن القاضي وجوبه حينئذ. ولكن الظاهر تحقق الاجماع على خلافه (3). ففي موثق سماعة عن الصادق (ع): " من ] (1) ظاهر جماعة ثبوت الاستحباب قبل ذلك. قال في القواعد: (ولو اعتمر في أشهر الحج استحب له الاقامة ليحج ويجعلها متعة...). ونحوه كلام غيره. وفى الشرائع عبر بالجواز، كعبارة المصنف. ولعل المراد ذلك، إذ لا معنى لجواز ذلك إلا الاتيان بالحج بعد العمرة، ولا ريب في أنه عبادة راجحة. نعم يتأكد ذلك إذا بقي إلى هلال ذي الحجة لما يأتي في صحيح عمر بن يزيد. (2) لما يأتي في صحيح عمر بن يزيد الاخير. (3) وفى الجواهر: (إنه قول نادر، فالمتجه حمله على الكراهة). والعمدة: وجود النصوص على خلافه، ففي الصحيح عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (ع): (أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده؟ قال (ع): لا بأس. وإن حج من عامه ذلك وأفراد الحج فليس عليه دم. وإن الحسين بن علي (ع) خرج يوم التروية إلى العراق وكان معتمرا) (* 1) وفى خبر معاوية بن عمار: قلت لابي عبد الله (ع): من أين يفترق المتمتع والمعتمر؟ فقال (ع): إن المتمتع مرتبط بالحج) والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين (ع) في ذي الحجة، ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى. ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج) (* 2). ودلالتهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 3.

 

===============

 

( 192 )

 

[ حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يعتمر، ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك. وإن هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لان أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذي الحجة. فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة. وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج، فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بعمرته إلى الحج. فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها " (1). وفي صحيحة عمر بن يزيد عن ] على عدم لزوم التمتع ظاهرة. واحتمال الضرورة في فعل الحسين (ع) - كما في كشف اللثام، وحكاه في الدروس عن بعض - خلاف ظاهر الخبرين من الاستدلال بفعله (ع) على الحكم حال الاختيار، فلو فرض ثبوت الاضطرار - كما هو المظنون، وتشهد به بعض الاخبار - فليس دخيلا في الحكم. وأما ما في بعض كتب المقاتل: من أنه (ع) جعل عمرته عمرة مفردة، مما يظهر منه أنها كانت عمرة تمتع وعدل بها إلى الافراد. فليس مما يصح التعويل عليه في مقابل الاخبار المذكورة التي رواها أهل الحديث. (1) رواه الصدوق (ره) باسناده عن سماعة (* 1). واسناده صحيح، أو مصحح.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 13.

 

===============

 

( 193 )

 

[ أبي عبد الله (ع): " من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله. الا أن يدركه خروج الناس يوم التروية " (1). وفي قوية عنه (ع): " من دخل مكة معتمرا مفردا للحج فيقضي عمرته كان له ذلك. وإن اقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة. قال (ع): وليس تكون متعة إلا في أشهر الحج " (2). وفي صحيحة عنه (ع): " من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة، فليس له أن يخرج حتى يحج من الناس " (3). وفي مرسل موسى بن القاسم: " من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع " (* 1) إلى غير ذلك من الاخبار (4) ] (1) رواها الصدوق باسناده عن عمر بن يزيد (* 2). واسناده إليه له طرق، بعضها في أعلى مراتب الصحة. (2) رواها الشيخ (ره) عن موسى بن القاسم، عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (ع) (* 3). (3) رواها الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن الحسين بن حماد، عن اسحاق، عن عمر بن يزيد (* 4). وقد وصف المصنف (ره) هذه الرواية بالصحة. وكذا في الجواهر. ولكنه غير ظاهر. (4) مثل صحيح يعقوب بن شعيب قال: (سألت أبا عبد الله (ع):

 

 

____________

(* 1) لم نعثر عليه في الوسائل والمستدرك. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب العمرة حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 6.

 

===============

 

( 194 )

 

[ وقد عمل بها جماعة، بل في الجواهر: لا أجد فيه خلافا. أو مقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين اتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها: أنه يصير تمتعا قهرا من غير حاجة إلى نية التمتع بها بعدها (1)، بل يمكن أن يستفاد منها: ] عن المعتمر في أشهر الحج. قال (ع): هي متعة) (* 1)، وخبر وهيب بن حفص قال: (سأله أبو بصير - وأنا حاضر - عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج، أله أن يرجع؟ قال (ع): ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، ولكنه يحتبس بمكة متى يقضي حجه، لانه إنما أحرم لذلك) (* 2)، وصحيح عبد الله بن سنان: (أنه سأل أبا عبد الله (ع): عن المملوك يكون في الظهر يرعى، وهو يرضى أن يعتمر ثم يخرج؟ فقال: إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلا الحج) (* 3)، وغير ذلك. (1) لا ريب في دلالة قوله (ع): (هي متعة) ونحوه - في النصوص المتقدمة وغيرها - على الانقلاب القهري. واعترف بذلك في الجواهر، إلا أنه لم يجد قائلا به، فلذلك تعين حمل النصوص على إرادة نية ذلك. مضافا إلى أن الانقلاب لو كان قهريا كان الاتمام واجبا ولم يجز الخروج إلى أهله، وهو خلاف النص والفتوى. وأيضا لا يصح له حج الافراد، وهو خلاف صريح خبر اليماني (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 2. وقد تقدم ذكر الرواية قريبا فلاحظ.

 

===============

 

( 195 )

 

[ أن التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج، بأي نحو أتى بها. ولا بأس بالعمل بها (1). لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي (2)، ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد أن يجعلها عمرة التمتع، يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه، سواء كان حجة الاسلام، أو غيرها مما وجب بالنذر أو الاستيجار. الثاني: أن يكون مجموع عمرته وحجه في أشهر الحج فلو أتى بعمرته - أو بعضها - في غيرها لم يجز له أن يتمتع بها (3). وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة بتمامه ] (1) لكن ينافيها ما تقدم في الخبر اليماني. مضافا إلى ما عرفت من الاجماع على اعتبار النية في حج التمتع في مقابل غيره. ويقتضيه اختلاف الاحكام الدال على اختلاف الموضوعات. (2) فان النصوص إنما تضمنت الامر بجعل العمرة المفردة متعة وإلحاقها بحج التمتع، وليس لها نظر إلى تنزيله منزلة حج التمتع الواجب وكونه مصداقا له مطلقا، فتفرغ به الذمة. وحينئذ يتعين الاقتصار على الندب لا غير. وبالجملة: الفرد المذكور لما لم يكن فردا حقيقيا وإنما كان تنزيليا، فشموله للواجب يتوقف على عموم نظر التنزيل، وهو غير ثابت. (3) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر. وفى المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب...)، وفى الحدائق: (لا خلاف فيه بينهم...). ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح عمر بن يزيد المتقدم، وموثق سماعة، وغيرهما.

 

===============

 

( 196 )

 

[ على الاصح (1). لظاهر الآية (2)، وجملة من الاخبار، كصحيحة معاوية بن عمار (3)، وموثقة سماعة (4)، وخبر زرارة (5). فالقول بأنها الشهران الاولان مع العشر الاول ] (1) كما في الشرائع وغيرها، وحكي عن الشيخين في الاركان والنهاية وابني الجنيد وادريس، والقاضي في شرح الجمل. (2) وهي قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات...) (* 1). فان الشهر ظاهر في تمامه. (3) رواها الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): إن الله تعالى يقول: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج...)، وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة) (* 2). (4) المتقدمة في المتن (* 3). (5) الذى رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصير، عن مثنى الحناط، عن زرارة، عن أبي جعفر (ع): (قال (ع) الحج أشهر معلومات: شوال، وذو القعدة وذو الحجة، ليس لاحد أن يحرم بالحج في سواهن) (* 4)، وصحيح أبان الذي رواه الصدوق عنه عن أبي جعفر (ع): (في قول الله عزوجل: (الحج أشهر معلومات...). قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة

 

 

____________

(* 1) البقرة: 197. (* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 13. وقد تقدم ذلك قريبا فلاحظ (* 4) الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 197 )

 

[ من ذي الحجة - كما عن بعض (1) - أو مع ثمانية أيام - كما عن آخر (2) - أو مع تسعة أيام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره - كما عن ثالث (3) - أو إلى طلوع شمسه - كما عن رابع (4) - ضعيف (5). على أن الظاهر أن النزاع لفظي (6)، فانه لا إشكال في جواز إتيان بعض الاعمال إلى آخر ذي الحجة ] وليس لاحد أن يحرم بالحج فيما سواهن) (* 1). ونحوها غيرها. (1) حكى في الجواهر ذلك عن الحسن والتبيان والجواهر وروض الجنان. (2) حكي عن ابن زهرة في الغنية، لانه جعلها الشهرين وتسع ليال فيخرج التاسع. وعن الكافي: وثمان ليال، فيخرج الثامن. (3) حكي عن المبسوط والخلاف، والوسيلة، والجامع. ونسب إلى ظاهر جمل العلم والعمل، والمصباح، ومختصره، ومجمع البيان، ومتشابه القرآن. لانه عبر فيها بأنها الشهران، وعشر من ذي الحجة بالتأنيث، الظاهر في أن المراد الليالي، فيخرج اليوم العاشر. (4) قيل: إنه ابن ادريس في موضع. (5) لما عرفت من النصوص. هذا بناء على أن النزاع معنوي. (6) كما اعترف به جماعة. قال في محكي المنتهى: (وليس يتعلق بهذا الخلاف حكم...)، وعن المختلف: (التحقيق: أن هذا النزاع لفظي...). ومثلهما كلام غيرهما. وفى الجواهر: (الظاهر لفظية الاختلاف في ذلك - كما اعترف به غير واحد - للاتفاق على أن الاحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة - وكذا عمرة التمتع - وعلى إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة وأفعال أيام منى ولياليها...).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

 

===============

 

( 198 )

 

[ فيمكن أن يكون مرادهم: أن هذه الاوقات هي آخر الاوقات التي يمكن بها إدراك الحج (1). (مسألة 1): إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا. لكن هل تصح مفردة، أو تبطل من الاصل؟ قولان. اختار الثاني في المدارك، أن ما نواه لم يقع، والمفردة لم ينوها (2). وبعض اختار الاول، لخبر الاحول عن أبي عبد الله (ع): " في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج. قال: يجعلها عمرة " (* 1). ] (1) يعني: إنشاءه، فلا يمكن الشروع فيه إذا انتهت. نعم يبقى الاشكال في جعل الثمان ليالي، أو التسع والثمانية أيام، أو التسعة أيام وليلة يوم النحر، آخر الوقت، لعدم صحة ذلك. (2) قال في المدارك - في شرح قول ماتنه: (ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز التمتع بها...) -: (وربما لاح من العبارة: أن من أحرم بالعمرة بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحه لكن لا يتمتع بها. وبه جزم العلامة في التذكرة والمنتهى، من غير نقل خلاف. بل صرح في المنتهى بما هو أبلغ من ذلك، فقال: (إن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد احرامه للحج، وانعقد للعمرة). واستدل له بما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر الاحول...). ثم احتمل حمل قوله (ع): (يجعلها عمره)، على معنى: أنه ينشئ عمرة لا أن يكون عمرة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

 

===============

 

( 199 )

 

[ وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الاعرج (1): " قال أبو عبد الله (ع): من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة. وإن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاوز حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنما هي حجة مفردة. إنما الاضحى على أهل الامصار " (* 1). ومقتضى القاعدة وإن كان هو ما ذكره صاحب المدارك، لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض، للخبرين. الثالث: أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة، كما هو مشهور، المدعى عليه الاجماع (2). لانه المتبادر من ] (1) قال في الجواهر - بعد نقل ما في المدارك، وأنه تبعه عليه في كشف اللثام، وتردد فيه في التحرير -: (وفيه: أنه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة. لكن لا بأس بالقول به، للخبر المزبور، مؤيدا بخبر سعيد الاعرج...). أقول: أما خبر الاحول فالمفروض فيه الحج في غير أشهر الحج، لا العمرة. ولا ينافيه تأنيث الضمير في قوله (ع): (فليجعلها عمرة)، لجواز رجوعه إلى الحجة، فلا يكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يتعدى عن مورده إلى ما نحن فيه. وأما خبر الاعرج فدلالته على انقلاب عمرة التمتع إلى العمرة المفردة ظاهرة، لكن من جهة عدم وجوب حج التمتع على المجاور، لا من جهة وقوعها في غير أشهر الحج، فيكون منافيا للنصوص والاجماعات السابقة. (2) في المدارك: (لا خلاف فيه بين العلماء...). ونحوه:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 200 )

 

[ الاخبار المبنية لكيفية حج التمتع (1) (* 1). ولقاعدة توقيفية العبادات (2). وللاخبار الدالة على دخول العمرة في الحج وارتباطها به (3)، (* 2) والدالة على عدم جواز الخروج من مكة بعد العمرة قبل الاتيان بالحج (4). (* 3) بل وما دل من الاخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية، أو يوم عرفة (* 4) ونحوها (5). ولا ينافيها خبر سعيد الاعرج المتقدم، ] ما عن المفاتيح. وعن غيره: (بلا خلاف يعلم...)، وفى كشف اللثام: حكاية الاتفاق عن ظاهر التذكرة عليه. (1) لكن في كون التبادر المذكور على نحو يقتضي التقييد تأملا. (2) لكن القاعدة المذكورة لا تقتضي وجوب الاحتياط، كما هو معلوم من بنائهم على الرجوع إلى أصل البراءة عند الشك في الجزء والشرط. (3) لكن في كون المراد منه وقوعهما في سنة واحدة تأمل. (4) لكنه أعم من المدعى. (5) ستأتي هذه النصوص في المسألة الثالثة من هذا الفصل. وهي واردة في العدول عن عمرة التمتع إلى الافراد لضيق الوقت، لا في أن من أتم عمرته وضاق وقته عن ادراك الحج بطلت متعته. ولذلك قال في كشف اللثام - بعد الاستدلال بالادلة المذكورة عدا الاخير: (دلالة المجموع ظاهرة الضعف...). وفى المستند أيضا استضعف دليلية ما عدا الاخير، وجعل الدليل الاخير. وفيه: ما عرفت. لكن الانصاف أنها

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج. (* 2)، (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج. (* 4) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج.

 

===============

 

( 201 )

 

[ بدعوى: أن المراد من القابل فيه: العام المقابل (1)، فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في أخرى، لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل (2). على أنه لمعارضة الادلة السابقة غير قابل. وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعا. سواء أقام في مكة إلى العام القابل، أو رجع إلى أهله ثم عاد إليها. وسواء أحل من إحرام عمرته، أو بقي عليه إلى السنة الاخرى. ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه الصورة (3). ثم المراد من كونهما في سنة واحدة: أن يكونا معا في أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر ] وإن وردت عليها المناقشات، لكن يستفاد من المجموع - ومن ظهور الاجماع - الحكم المذكور. (1) يعني يكون المراد من قوله (ع): (فعليه شاة) أن حجه تمتع، والمراد من الشاة الهدي. (2) وحينئذ يكون المقصود أن حجه تمتع، لان إقامته بعد العمرة شهرا لا يخرجه عن كونه من أهل الامصار، بخلاف ما إذا أقام أكثر من ذلك - كما في الصورة الثانية - فانه لا يكون من أهل الامصار. وهذا أيضا مخالف للنصوص والفتاوى - كما تقدم - فالاشكال على الخبر - من جهة المخالفة للنصوص والفتوى - وارد على كل حال. والحمل على الشهر لا قرينة عليه توجب الخروج عن الظاهر. (3) قال في الدروس: (لو أتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع.

 

===============

 

( 202 )

 

[ شهرا. وحينئذ فلا يصح - أيضا - لو أتى بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة من العام القابل. الرابع: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة، مع الاختيار (1). للاجماع، والاخبار (2) ] نعم لو بقى على احرامه بالعمرة من غير إتمام الافعال إلى القابل احتمل الاجزاء). هذا ولا يخفى أنه لا يظهر الفرق بين هذه الصورة وغيرها. إلا أن في هذه الصورة تكون العمرة والحج في سنة واحدة، وإن لم يكن الشروع فيها في سنة الحج. لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بينها في مقتضى الادلة المذكورة، ولا في المخالفة للارتكازيات الشرعية. (1) نسبه في المدارك إلى إجماع العلماء، وكذا حكي عن المفاتيح وشرحها وغيرها. لكن يظهر من قول المحقق في الشرائع: (ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه - ولو دخل مكة - على الاشبه - وقوع الخلاف فيه. لكن لم يعرف المخالف، ولم يعرف ذلك لغيره. (2) استدل له بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي الآتية (* 1). ودلالتها على خصوص مكة لا تخلو من خفاء. وبصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا كان يوم التروية - إن شاء الله تعالى - فاغتسل، ثم البس ثوبيك، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ثم صل ركعتين عند مقام ابراهيم (ع) أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس، فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فاحرم بالحج) (* 2). ونحوها غيرها. لكن لاشتمالها على

 

 

____________

(* 1) سيأتي ذكر الرواية من المصنف (قده) قريبا. (* 2) الوسائل باب: 52 من ابواب الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 203 )

 

[ وما في خبر اسحاق (1) عن أبي الحسن (ع)، من قوله (ع): " كان أبي مجاورا هاهنا، فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج " حيث أنه ربما يستفاد منه جواز الاحرام بالحج من غير مكة، محمول على محامل (2)، أحسنها: أن ] المستحبات لا مجال لدلالتها على الوجوب. وصحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (ع): لاهل مكة أن يتمتعوا؟ قال (ع): لا. قلت: فالقاطنين بها؟ قال (ع): إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة. فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا. قلت: من أين؟ قال (ع): يخرجون من الحرم. قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال (ع): من مكة نحوا مما يقول الناس) (* 1). ونحوها خبر حماد (* 2). وقد تقدما في حكم المقيم بمكة سنتين. لكن ذيلها ربما يوجب الاشكال في دلالتها. (1) رواه عنه صفوان بطريق صحيح قال: (سألت أبا الحسن (ع) عن المتمتع يجئ فيقضي متعته، ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن. قال (ع): يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة) وهو مرتهن بالحج. قلت: فان دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال (ع): كان أبي مجاورا هاهنا، فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج) (* 3). (2) منها: أنه (ع) أحرم مفردا لا متمتعا. ومنها: الحمل على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

 

===============

 

( 204 )

 

[ المراد بالحج عمرته، حيث أنها أول أعماله (1). نعم يكفي أي موضع منها كان ولو في سككها. للاجماع، وخبر عمرو ابن حريث عن الصادق (ع): " من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك، وإن شئت من المسجد، وإن شئت من الطريق " (* 1). وأفضل مواضعها المسجد (2)، وأفضل مواضعه المقام، أو الحجر (3). ] التقية: ومنها أنه يحرم - في مورد السؤال - وجوبا أو استحبابا، ثم يجدده بمكة. ولكن الحمل على التقية في فعل الصادق (ع) خلاف نقل الكاظم (ع). ولا سيما مع تعبيره عن المخالفين ب‍: (بعض هؤلاء) الظاهر في التوهين. وأما الحمل على الافراد فلا يناسب الجواب عن السؤال عن المتمتع. وأما الحمل على التجديد فبعيد عن اطلاق الحكم في الجواب. (1) فيه تأمل، فان الرواية كالصريحة في أن الاحرام كان بالحج مقابل العمرة. ولا سيما بقرينة التعليل: بأن لكل شهر عمرة. فتعيين الاسهل من هذه المحامل صعب جدا. ولو أمكن تخصيص الادلة الاول بهذا وإخراج مورده منها كان هو المتعين. (2) اتفاقا، كما في المدارك، وعن الحدائق وغيرها. (3) مخيرا بينهما. حكي عن الهداية، والفقيه، والنافع، والمدارك، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم (* 2). وعن النافع والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس وموضع من القواعد: التخيير بين المقام وتحت الميزاب. وفى الشرائع: الاقتصار على المقام، ومثله جملة من الكتب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب المواقيت حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 52 من ابواب الاحرام حديث: 1. وقد تقدم ذكر الرواية قريبا.

 

===============

 

( 205 )

 

[ وقد يقال: أو تحت الميزاب (1). ولو تعذر الاحرام من مكة أحرم ما يتمكن (2). ولو أحرم من غيرها اختيارا متعمدا بطل إحرامه، ولو لم يتداركه بطل حجه. ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد، بل يجب أن يجدده، لان إحرامه من غيرها كالعدم. ولو أحرم من غيرها - جهلا، أو نسيانا - وجب العود إليها والتجديد مع الامكان، ومع عدمه جدده في مكانه (3). ] وفى الارشاد: الاقتصار على ما تحت الميزاب. (1) لا يخفى أن ما تحت الميزاب بعض من الحجر. فلا معنى للتخيير بينه وبينه. فالمراد التخيير بين المقام وما تحت الميزاب - كما تقدم عن الجماعة - فهو عدل للمقام بدلا عن الحجر. (2) لصحيحة علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: (سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكره وهو بعرفات) ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك وسنة نبيك) فقد تم إحرامه. فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه) (* 1). وموردها وإن كان خصوص الناسي، لكن المفهوم منه مطلق العذر. مضافا إلى الاجماع. (3) اختاره في الشرائع وغيرها. وعن الشيخ في الخلاف: الاجتزاء باحرامه الاول. قال في كشف اللثام: (للاصل. ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة، وفى العذر، لان النسيان عذر. وهو

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 8.

 

===============

 

( 206 )

 

[ الخامس: ربما: يقال: إنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجه من واحد، وعن واحد (1). فلو استؤجر اثنان ] الاقوى، وخيرة التذكرة). وأشكل عليه في الجواهر: بأن الاصل يقتضي الفساد، لا الصحة. وأما دعوى المساواة فلا ريب أنها قياس. والمصحح للاحرام المستأنف إنما هو الاجماع على الصحة معه، وليس النسيان مصححا له حتى يتعدى به إلى غيره، وإنما هو عذر في عدم وجوب العود وهو لا يوجب الاجتزاء بالاحرام معه حيث ما وقع، بل إنما يوجب الرجوع إلى الدليل، وليس هو سوى الاتفاق، ولم ينعقد إلا على الاحرام المستأنف... أقول: إذا كان الواجب هو الاحرام بمعنى المسبب - أعني: الاثر الخاص - فالشك في الشرط شك في الفراغ، والمرجع: أصالة الفساد. وإن كان الواجب هو السبب فالشك في الشرط شك في الوجوب، والمرجع أصالة البراءة. هذا إذا لم يكن إطلاق يدل على الشرطية في حال النسيان وإلا كان هو المرجع، ولا مجال للرجوع إلى الاصل. وقد عرفت الاشكال في دلالة النصوص على شرط الاحرام من مكة، وأن العمدة هو الاجماع. وعلى تقدير تمامية الاطلاق فما دل على عذر الناسي إنما دل على مجرد العذر في الترك، لا صحة الاحرام، فالبناء على الصحة يحتاج إلى الدليل، وهو مفقود، كما ذكر في الجواهر. (1) حكاه في الجواهر عن بعض الشافعية، وذكر: أن ظاهر الاصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الاربعة المتقدمة، وهو كون الحج والعمرة عن شخص واحد، فلو كان الحج عن شخص والعمرة عن آخر لم يصح. فيمكن أن يكون ذلك منهم اتكالا على معلومية كون

 

===============

 

( 207 )

 

[ لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته والآخر لحجه لم يجزئ عنه. وكذا لو حج شخص، وجعل عمرته عن شخص، وحجه عن آخر لم يصح. ولكنه محل تأمل، بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) صحة الثاني (1)، حيث قال: " سألته عن رجل يحج عن أبيه، أيتمتع؟ قال: ] التمتع عملا واحدا عندهم، ولا وجه لتبعيض العمل الواحد. ويمكن أن لا يكون شرطا عندهم، لعدم الدليل على الوحدة المزبورة... أقول: لا ريب في ظهور النصوص في كون عمره التمتع وحجه من قبيل العمل الواحد، فلا بد من وقوعهما عن شخص واحد، فالاحتمال الاخير ضعيف. وأما نيابة شخصين عن واحد. أحدهما في العمرة والآخر في الحج، فيتوقف على دليل على صحة مثل هذه النيابة، وهو مفقود، إذ الاصل عدم صحة النيابة. وأما الارتباطية فلا تمنع عن ذلك. (1) لا يخفى أن قول السائل في الخبر: (أيتمتع) يحتمل أن يكون المراد منه: أن يحج التمتع عن أبيه. ويحتمل أن يكون المراد منه: أنه يتمتع لنفسه، زائدا على حج التمتع مع عمرته عن أبيه. وأن يكون المراد: أنه يحج عن أبيه بلا عمرة، ويتمتع لنفسه بلا حج. والاول أنسب بعبارة السؤال، والاخيران أنسب بالجواب. بل قوله (ع) في الجواب: (المتعة له، والحج عن أبيه) كالصريح في غيره، وحمله على المعنى الاخير غير واضح. وكأنه لذلك لم يجزم المصنف (ره) بظهور الخبر. والانصاف: أنه على تقديل الظهور لا مجال للاخذ به في مقابل النصوص الدالة على الارتباط.

 

===============

 

( 208 )

 

[ نعم المتعة له، والحج عن أبيه " (* 1). (مسألة 2): المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الاحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج (1)، وأنه إذا أراد ذلك، عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرما به. وإن خرج محلا ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة. وذلك لجملة ] (1) في المدارك: أن المشهور ذلك إذا كان الخروج محتاجا إلى تجديد العمرة، بأن كان الرجوع بعد شهر. وعن الشيخ - في النهاية - وجماعة: أنهم اطلقوا المنع، كما في المتن. ويدل عليه النصوص الكثيرة. منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: (قلت له: كيف أتمتع؟ قال (ع): تأتي الوقت فتلبي... (إلى أن قال): وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) (* 2)، ومصحح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع): (من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة إلى عسفان، أو إلى الطائف، أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج. فلا يزال على إحرامه إلى منى. قلت: فان جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج، فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال (ع): إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما: قلت: فأي الاحرامين والمتعتين متعته، الاولى أو الاخيرة؟؟

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 27 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 22 من ابواب أقسام الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 209 )

 

[ من الاخبار الناهية عن الخروج، والدالة على أنه مرتهن ومحتبس بالحج (1)، والدالة على أنه لو أراد الخروج خرج ملبيا بالحج، والدالة على أنه لو خرج محلا، فان رجع في شهرة دخل محلا، وان رجع في غيره شهره دخل محرما. والاقوى عدم حرمة الخروج وجوازه محلا. حملا للاخبار ] قال (ع): الاخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته) (* 1) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) - في حديث - قال (ع): (تمتع، فهو والله أفضل. ثم قال: إن أهل مكة يقولون: إن عمرته عراقية وحجته مكية. كذبوا، أليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج حتى يقضيه؟!) (* 2)، ولصحيح الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج، يريد الخروج إلى الطائف قال (ع): يهل بالحج من مكة. وما أحب أن يخرج منها إلا محرما، ولا يتجاوز الطائف. إنها قريبة من مكة) (* 3)، وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: (سألته عن رجل قدم متمتعا ثم أحل قبل يوم التروية، أله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج، ولا يجاوز الطائف وشبهها) (* 4). ونحوها غيرها. (1) في مرسل موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا. (أنه سأل أبا جعفر (ع) في عشر من شوال، فقال: إني أريد أن أفرد عمرة هذا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 11.

 

===============

 

( 210 )

 

[ على الكراهة - كما عن ابن ادريس رحمه الله وجماعة أخرى (1) - بقرينة التعبير ب‍: (لا أحب) في بعض تلك الاخبار (2). وقوله (ع) في مرسلة الصدوق (قده) (3): " إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك، لانه مرتبط بالحج حتى يقتضيه. الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج ". ] الشهر. فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: إن المدينة منزلي ومكة منزلي، ولي بينهما أهل وبينها أموال. فقال أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: فان لي ضياعا حول مكة، واحتاج إلى الخروج إليها. فقال (ع): تخرج حلالا، وترجع حلالا إلى الحج) (* 1). وفى صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: (قلت لابي جعفر (ع): كيف أتمتع فقال (ع): تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شئ. وهو محتبس، وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج) (* 2). (1) حكي في كشف اللثام ذلك عن السرائر، والنافع، والمنتهى، والتذكرة، وموضع من التحرير، وظاهر التهذيب، وموضع من النهاية والمبسوط. (2) تقدم في صحيح الحلبي. (3) قال (ره) في الفقيه: (قال الصادق (ع): إذا أراد...) إلى أخر ما ذكر في المتن. ثم قال: (وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما...) (* 3).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.

 

===============

 

( 211 )

 

[ ونحوه الرضوي (* 1)، بل وقوله (ع) في مرسل أبان (1): " ولا يتجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة ". إذ هو وإن كان بعد قوله: " فيخرج محرما ". إلا أنه يمكن أن يستفاد منه: أن المدار فوت الحج وعدمه (2). بل يمكن أن يقال: ] (1) يريد به أبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج. إلا أن يأبق غلامه، أو تضل راحلته فيخرج محرما، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة) (* 2). (2) هذه الاستفادة بعيدة جدا، كيف ولو كان المقصود ذلك لم تكن حاجة إلى الجمل المتتابعة السابقة، المتضمنة للمنع من الخروج الا للضرورة، وأنه على تقدير الضرورة إلى الخروج فلا يخرج محلا؟ وكان اللازم الاقتصار على قوله (ع): (المتمتع محتبس لا يجوز له تفويت الحج) وأما مرسل الصدوق فلم تقم حجة على حجيته، كي لاجله ترفع اليد عن ظاهر النصوص المتقدمة المتأكدة الدلالة. وهذا النوع من مرسلات الصدوق (ره) وإن كان أقوى من النوع الآخر، المعبر فيه بمثل: (عن الصادق (ع))، أو (الكاظم (ع)) لكنه ما دام الخبر مستندا إلى مقدمات حدسية اجتهادية لا مجال للاعتماد عليه. لا سيما مع احتمال كونها نظرية خفية جدا، كما لا يخفى. وأما الرضوي فاوضح إشكالا من المرسل. وأما قوله (ع) في صحيح الحلبي: (لا أحب) فدلالته على الجواز خفية، وصلاحيته لمعارضة ما دل على وجوب الخروج محرما - كما

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب أقسام الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 9.

 

===============

 

( 212 )

 

[ أن المنساق من جميع الاخبار المانعة أن ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج وفوته (1)، لكون الخروج في معرض ذلك. وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضا مع علمه بعدم فوات الحج منه (2). نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود، أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج. ثم الظاهر أن الامر بالاحرام - إذا كان رجوعه بعد شهر - إنما هو من جهة أن لكل شهر عمرة (3)، لا أن يكون ذلك تعبدا، أو لفساد عمرته السابقة، أو لاجل وجوب الاحرام على من دخل مكة. بل هو صريح خبر اسحاق بن عمار قال: " سألت أبا ] ذكره المصنف (ره) - غير ظاهرة. نعم مرسل موسى بن القاسم دلالته على جواز الخروج محلا واضحة. لكن الاشكال في سنده. ومن ذلك يشكل البناء على ذلك، كما اختاره المصنف. ولذلك ذكر في كشف اللثام: أن الاحوط القصر على حال الضرورة - يعني: في الخروج - وأن لا يخرج معها إلا محرما بالحج. إلا أن يتضرر بالبقاء على الاحرام، لطول الزمان. خروجا عن مخالفة الاخبار المطلقة... (1) الاشكال فيه كالاشكال فيما سبق في مرسل أبان. فلاحظ. (2) إذ الكراهة - بناء على التقريب الاول - كانت من جهة الجمع بين نصوص المنع ونصوص الجواز، فإذا كانت النصوص في نفسها قاصرة الدلالة لا منشأ للحكم بالكراهة. (3) هذا شروع في مسألة أخرى، وهي: أنه لو خرج المعتمر من

 

===============

 

( 213 )

 

[ الحسن (ع) عن المتمتع يجئ فيقضي متعته، ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة، أو إلى ذات عرق، أو إلى بعض المنازل قال (ع): يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج.... " (* 1) وحينئذ فيكون الحكم بالاحرام - إذا رجع بعد شهر - على وجه الاستحباب لا الوجوب، لان العمرة - التي هي وظيفة كل شهر - ليست واجبة. لكن في جملة من الاخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده (1)، كصحيحتي حماد وحفص بن البختري (2)، ومرسلة الصدوق والرضوي ] مكة محلا - إما للبناء على جواز ذلك، كما يراه المصنف. أو للضرورة. أو جهلا، بناء على المنع - فهل يجب عليه الاحرام للدخول إلى مكة بعمرة أخرى أو لا يجب؟ اختار المصنف (ره) الثاني. اعمادا على ظاهر تعليل الامر بالعمرة بأن لكل شهر عمرة، فان الحكم المذكور لما كان استحبابيا تعين صرف ظاهر الامر إلى الاستحباب. (1) ومقتضاه أن الامر بالاعتمار ليس للتعليل المتقدم، لان شهر الخروج قد لا يكون شهر الاعتمار، بل يكون بعده بشهر. (2) صحيح حماد تقدم (* 2). أما صحيح حفص فلا تعرض فيه لذلك، فقد روى عن أبي عبد الله (ع): (في رجل قضى متعته وعرضت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. وقد تقدم ذلك قريبا في أوائل المسألة فلاحظ.

 

===============

 

( 214 )

 

[ وظاهرها الوجوب (1). إلا أن تحمل على الغالب، من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل (2). لكنه بعيد (3)، فلا يترك الاحتياط بالاحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج. ] له حاجة أراد أن يمضي إليها. فقال (ع): فليغتسل، وليهل بالحج، وليمض في حاجته. فان لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات) (* 1) نعم في مرسل حفص وأبان عن أبي عبد الله (ع): (في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم. قال (ع): إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل باحرام) (* 2). (1) ولا مجال لحكومة التعليل المتقدم على ظاهرها، لاختلاف مورد التعليل مع موردها. (2) وحينئذ تتحد موردا مع مورد التعليل، فتحمل - لاجله - على الاستحباب، كمصحح اسحاق. لكن في كون ذلك هو الغالب منعا واضحا. (3) لو سلم أنه قريب فلا مجال له، إذ لا شاهد عليه. مع أن الخروج إذا كان بلا فصل عن الاحلال لم يجد ذلك في صدق شهر الخروج على شهر التمتع بل يتوقف ذلك على الاقتران، كما لا يخفى. ومنه يظهر: أنه لا يصدق شهر التمتع إلا إذا كان التمتع فيه ولو بعضه، فلا يصح أن يكون مبدؤه من حين الاحلال. ثم إن العمدة في النصوص الاخيرة هو مصحح حماد بن عيسى، إذ الباقي مراسيل لا يعتد بها. ويمكن الجمع بينه وبين مصحح اسحاق باختلاف الجهة، فان التنافي إنما يكون في الرجوع بعد شهر التمتع، وبعد شهر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 51 من أبواب الاحرام حديث: 4.

 

===============

 

( 215 )

 

الخروج. إذ مقتضى المصحح الاول الوجوب، ومقتضى المصحح الثاني الاستحباب. لكن لا مانع من كونه مستحبا من جهة وواجبا من جهة. وهذا الجمع أولى من الجمع بتقييد إطلاق الثاني بالاول. والمصنف (ره) لم يعتد بذلك كله، وتوقف عن الحكم بالوجوب والاستحباب في صورة ما لو كان الرجوع بعد أشهر الخروج. وكأنه لظهور كلام الاصحاب في أن الشهر - الذي أخذ شرطا لوجوب الاحرم - واحد عندهم، وإنما الخلاف في مبدئه. ولذا قال في الذخيرة - في شرح قوله ما تنه: (يجب الاحرام على كل من دخل مكة، إلا من دخلها بعد الاحرام قبل شهر) _: (لا أعلم خلافا بين الاصحاب في أصل الحكم، ولكن اختلفوا في مبدأ اعتبار الشهر، فذهب جماعة من الاصحاب أن مبدأه من وقت الاحلال من الاحرام المتقدم. واستشكل المصنف في القواعد اعتباره من حين الاحلال أو الاحرام. وقال المحقق في النافع. (ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه، وإن عاد في غيره أحرم ثانيا). وقريب منه المفيد في المقنعة، والشيخ في النهاية..) ثم ذكر اختلاف الاخبار المشار إليها في المتن. وفى الجواهر أطال في بيان أن الشهر - الذي يجب الاحرام بعده - هو شهر الخروج، لا شهر المتعة الاولى. واستدل بالنصوص المشار إليها، وأيدها بما تقدم في الذخيرة عن النافع والمقنعة وغيرهما، وطعن في مصحح اسحاق بالاجمال والاشكال، لما في ذيله من الاحرام من الميقات في حج التمتع. فراجع كلامه في آخر مباحث الاحرام، في حكم دخول مكة. والانصاف يقتضي ما عرفت، من أن العمدة المصححان، والجمع بينهما ممكن عرفا بما عرفت. فاحظ. وتأمل.

 

===============

 

( 216 )

 

[ بل القدر المتيقن من جواز الدخول محلا صورة كونه قبل مضي شهر من حين الاهلال، أي الشروع في إحرام العمرة والاحلال منها، ومن حين الخروج. إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة: ثلاثون يوما من حين الاهلال، وثلاثون من حين الاحلال - بمقتضى خبر اسحاق بن عمار - وثلاثون من حين الخروج، بمقتضى هذه الاخبار. بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر - في الاخبار هنا - والاخبار الدالة على أن لكل شهر عمرة - الاشهر الاثني عشر المعروفة، لا بمعنى ثلاثين يوما (1). ولازم ذلك: أنه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور، فخرج ودخل في شهر آخر، أن يكون عليه عمرة. والاولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضا. وظهر مما ذكرنا أن الاحتمالات ستة: كون المدار على الاهلال، أو الاحلال، أو الخروج. وعلى التقادير فالشهر إما بمعنى ثلاثين يوما، أو أحد الاشهر المعروفة. وعلى أي ] (1) قد يشهد به الموثق - الذي رواه في الجواهر - المتقدم في مبحث العمرة (* 1). لكن عرفت أنه لم نقف على روايته لغيره. وقد يستفاد من اطلاق الشهر، فان حمله على المقدار في كثير من المقامات - مثل شهر العدة، وشهر صوم التتابع، وغير ذلك - لا يقتضي حمله في المقام عليه، لانه خلاف الاصل. وفى: أنه متين، لولا اشتمال رواية الشهر على العشرة أيام، فان الظاهر منها: أن ذكر الشهر من باب التقدير، لا بالمعنى الاصلي له.

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 145 من هذا الجزء.

 

===============

 

( 217 )

 

[ حال، إذا ترك الاحرام مع الدخول في شهر آخر - ولو قلنا بحرمته - لا يكون موجبا لبطلان عمرته السابقة (1)، فيصح حجه بعدها. ثم إن عدم جواز الخروج - على القول به - إنما هو في غير حال الضرورة، بل مطلق الحاجة. وأما مع الضرورة أو الحاجة، مع كون الاحرام بالحج غير ممكن أو حرجا عليه، فلا اشكال فيه (2). وأيضا الظاهر اختصاص ] وهو ما بين الهلالين. فلاحظ. (1) قال في الجواهر: (ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر ولو آثما، فهل له الاحرام بالحج ثانيا على عمرته الاولى، أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهرا؟ ولكن الذي يقوى في النظر: الاول، لعدم الدليل على فسادها). ويشكل: بأنه يتوقف على كون الامر بالاحرام تكليفيا، فلو حمل على الوضعي وأن شرط الحج أن يعتمر، كان دالا على بطلان العمرة الاولى والاحتياج إلى الثانية. وهذا المعنى ليس بعيدا فهمه من النصوص المذكورة، بملاحظة أن الامر والنهي - في أمثال هذه الموارد - ارشادي إلى الشرطية والمانعية. ولا ينافيه ما دل على انه إذا رجع قبل شهر جاز له الدخول محلا - كمصحح حماد بن عيسى المتقدم - (* 1)، لامكان اختصاص البطلان بخصوص صورة وجوب الاحرام للعمرة. ولا سيما بملاحظة ما دل على أن عمرته الثانية، فيدل على أن الاولى ليس عمرة تمتعه. وبالجملة: مقتضى النصوص ينبغي أن يكون عدم الاجتزاء بعمرته الاولى. فلاحظ، وتأمل. (2) كما نص على ذلك في كشف اللثام وغيره. لعموم دليل نفي

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكره في اول المسألة.

 

===============

 

( 218 )

 

[ المنع - على القول به - بالخروج إلى المواضع البعيدة، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين (1). بل يمكن أن يقال: باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم. وان كان الاحوط خلافه. ثم الظاهر أنه لا فرق - في المسألة - بين الحج الواجب ] الحرج والضرر. ولكنه كأنما يقتضي الجواز، ولا يقتضي الصحة. نعم في مصحح اسحاق المتقدم في المتن - الذي مورده مطلق الحاجة - أنه يخرج محلا. وكفى به دليلا على الجواز. ويؤيده مرسل موسى بن القاسم (* 1). (1) لم أقف على من تعرض لذلك صريحا. بل مقتضى إطلاق الخروج - في النصوص والفتاوى - المنع عن الخروج عن مكة وحدودها. نعم مقتضى تقييد جماعة المنع من الخروج بما إذا احتاج إلى تجديد العمرة، الاختصاص بصورة الخروج عن الحرم، فانه المحتاج إلى تجديد العمرة. ولذلك ذكر في كشف اللثام - في تفسير عبارة القواعد: (فلا يجوز له الخروج من مكة إلى حيث يفتقر إلى تجديد عمرة قبله...) - فقال: (بأن يخرج من الحرم محلا غير محرم بالحج، ولا يعود إلا بعد شهر). لكن ذلك لا يجري في كلام من اطلق المنع، تبعا لاطلاق النصوص. مع أن تخصيص حرمة دخول مكة بغير إحرام بمن كان خارج الحرم غير ظاهر، وإن كان ظاهر المدارك والجواهر المفروغية منه. ولعله يأتي - إن شاء الله - التعرض له. وأشكل من ذلك: ما في بعض الحواشي، من التحديد بالمسافة، فيجوز الخروج إلى ما دونها. إذ لا مأخذ له، لا في النصوص، ولا في الفتاوى. نعم في صحيحة أبي ولاد - الواردة في المقيم عشرة أيام إذا عدل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 219 )

 

[ والمستحب (1)، فلو نوى التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج، ويكون حاله في الخروج محرما أو محلا والدخول كذلك كالحج الواجب. ثم إن سقوط وجوب الاحرام عمن خرج محلا ودخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع (2)، وأما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الاحرام، إلا مثل الحطاب والحشاس ونحوهما. وأيضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنما هو على وجه الرخصة - بناء على ما هو الاقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين (3) - فيجوز الدخول باحرام قبل الشهر أيضا. ثم إذا دخل باحرام، فهل عمرة التمتع هي العمرة الاولى أو الاخيرة؟ مقتضى حسنة حماد: أنها الاخيرة، المتصلة بالحج (4). وعليه لا يجب فيها طواف ] عن الاقامة بعد الصلاة تماما -: أنه يتم إلى أن يخرج (* 1)، والمراد من الخروج فيه السفر. لكن مقايسة المقام به غير ظاهرة. (1) كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوى. (2) إذا كانت وظيفته التمتع. وإلا يكفي مطلق العمرة ولو كانت مفردة، يستفاد ذلك من مصحح اسحاق المتقدم (* 2). (3) على ما تقدم في مبحث العمرة. (4) قد صرح فيها بأن متعته الاخيرة. فراجع متنها، المتقدم في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8 وقد تقدم ذلك في أوائل المسألة.

 

===============

 

( 220 )

 

[ النساء. وهل يجب حينئذ في الاولى أولا؟ وجهان أقواهما نعم (1). والاحوط الاتيان بطواف مردد بين كونه للاولى أو الثانية. ثم الظاهر أنه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع، قبل الاحلال منها (2). (مسألة 3): لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره من القسمين الآخرين اختيارا. نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج جاز له نقل النية إلى الافراد، وأن يأتي بالعمرة بعد الحج. بلا خلاف ولا إشكال (3). وإنما ] أول المسألة. ولاجله صرح بذلك جماعة، منهم: الفاضلان في الشرائع والقواعد. وفى كشف اللثام: (ولعله اتفاقي...). (1) قال في كشف اللثام: (وهل عليه طواف النساء للاولى؟ احتمال - كما في الدروس - من انقلابها مفردة. ومن احلاله منها بالتقصير وربما أتى النساء قبل الخروج، ومن البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب. وهو أقوى...). ووجه القوة: ليس إلا مجرد استبعاد الحرمة بعد التحليل. وهو كما ترى، إذ لا مانع من هذا الانقلاب. ولا سيما وكونه انقالبا في الحكم الظاهري، فان الاولى كانت محكومة بأنها عمرة تمتع في الظاهر، وبعد انفصالها عن الحج انكشف أنها مفردة من أول الامر. (2) لاختصاص النصوص المانعة بمن أتم عمرة التمتع، والمرجع في غيره الاصل المقتضي للجواز، وربما يوجد في بعض النصوص أن موضوع المنع من دخل مكة. لكن القرائن فيه وفى غيره تقتضي الاختصاص بمن فرغ من العمرة. (3) وفى الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه).

 

===============

 

( 221 )

 

[ الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك، واختلفوا فيه على أقوال: أحدها: خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة (1). الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري، وهو المسمى منه (2) الثالث: فوات الاضطراري منه (3). الرابع: زوال يوم التروية (4). الخامس: غروبه (5). السادس: زوال يوم عرفة (6). السابع: التخيير - بعد زوال يوم ] (1) لم يتضح لي وجود القائل بذلك. نعم في الدروس: (وفى صحيح زرارة اشتراط اختياريها (* 1). وهو أقوى). وظاهر العبارة اشتراط إدراك تمام الواجب الاختياري. فتأمل. (2) أختاره في القواعد، وحكاه - في كشف اللثام - عن الحلبيين وابني ادريس وسعيد. وفى الجواهر: (لعله يرجع إليه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب، من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة، بناء على تعذر الوصول غالبا إلى عرفة بعد هذا الوقت، لمضي الناس عنه). (3) حكى عن ظاهر ابن ادريس، ومحتمل أبي الصلاح. (4) حكي عن والد الصدوق. ونقله في السرائر عن المفيد أيضا. (5) نقل عن الصدوق في المقنع، وعن المفيد في المقنعة. (6) حكي عن الشيخ في المبسوط والنهاية، وعن الاسكافي وغيرهم، كما تقدم نقله عن الجواهر. وفى المستند: (واختاره في المدارك، والذخيرة وكشف اللثام...). لكن المذكور في الاخير: أن ذلك في غير من

 

 

____________

(* 1) يأتي ذكر الرواية في أواخر المسألة.

 

===============

 

( 222 )

 

[ التروية - بين العدول والاتمام، إذا لم يخف الفوت (1). والمنشأ اختلاف الاخبار، فانها مختلفة أشد الاختلاف. والاقوى أحد القولين الاولين. لجملة مستفيضة من تلك الاخبار، فانها يستفاد منها - على اختلاف السنتها -: أن المناط في الاتمام عدم خوف فوت الوقت بعرفة. منها: قوله (ع) في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي (2) ] يتعين عليه التمتع، وإلا لم يجز العدول ما لم يخف فوتها بفوات اضطراري عرفة - كما هو ظاهر ابن ادريس، ويحتمله كلام أبي الصلاح - أو بفوات اختياريها - كما في الغنيه، والمختلف، والدروس - لصحيح زرارة (* 1). (1) حكاه في الجواهر، قال: (وربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين: الجمع بين النصوص، بالتخيير بين التمتع والافراد، إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه...). (2) رواها في الكافي عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن اسماعيل ابن مرار، عن يونس عن يعقوب بن شعيب المحاملي [ الميثمي خ ل ] قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا بأس للمتمتع - إن لم يحرم من ليلة التروية - متى ما تيسر له، ما لم يخفف فوت الموقفين) (* 2). فان الظاهر منها أن المدار خوف فوت عرفة. لكن في كون الرواية فيما نحن فيه تأمل ظاهر، لاحتمال كون المراد أن المتمتع إذا فرغ من متعته لا تجب عليه المبادرة إلى الاحرام بالحج ليلة التروية، لا أنه لا يجب عليه العدول. ومنها: ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله، عن عبد الله بن

 

 

____________

(* 1) يأتي ذكر الرواية في أواخر المسألة. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 223 )

 

جعفر، عن محمد بن مسرور قال (كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) ما تقول في رجل - متمتع بالعمرة إلى الحج - وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته قائمة، أو قد ذهبت منه؟ إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع (ع): ساعة يدخل مكة - إن شاء الله - يطوف، ويصلي ركعتين، ويسعى، ويقصر، ويخرج [ ويحرم خ ل ] بحجته، ويمضي إلى الموقف، ويفيض مع الامام) (* 1)، وصحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا، ثم قدم مكة والناس بعرفات، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف. قال (ع): يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة، ولا هدي عليه) (* 2)، ومرسل محمد بن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي بصير قال: (قلت لابي عبد الله (ع) المرأة تجئ متعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها يوم عرفة (* 3) فقال (ع): إن كانت تعلم أنها تطهر، وتطوف بالبيت، وتحمل من إحرامها، وتلحق بالناس فلتفعل) (* 4).

 

 

____________

حكي عن المنتقى: أنه محمد بن سرور، وهو ابن جزك، والغلط وقع من الناسخين. ومحمد ابن جزك ثقة. (منه قدس سره). (* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6. (* 3) كما في الكافي الجزء 4 صفحة 447 طبع ايران الحديثة وكذلك الوسائل. وفي التهذيب الجزء 5 صفحة 391 طبع النجف الاشرف، والاستبصار الجزء 2 صفحه 311 طبع النجف الاشرف والفقيه الجزء 2 صفحة 242 طبع النجف الاشرف: (ليلة عرفة). (* 4) الوسائل باب: 84 من ابواب الطواف حديث: 4.

 

===============

 

( 224 )

 

[ لا بأس للمتمتع - إن لم يحرم من ليلة التروية - متى ما تيسر له، ما لم يخف فوات الموقفين ". وفي نسخة: " لا بأس للمتمتع أن يحرم ليلة عرفة.... ". وأما الاخبار المحددة بزوال يوم التروية (1). ] (1) في صحيح بن بزيع قال: (سألت ابا الحسن الرضا (ع) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل، متى تذهب متعتها؟ قال (ع): كان جعفر (ع) يقول: زوال الشمس من يوم التروية. وكان موسى (ع) يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك، عامة مواليك يدخلون يوم التروية، ويطوفون ويسعون، ثم يحرمون بالحج. فقال (ع): زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال (ع): إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت: فهي على إحرامها. أو تجدد أحرامها للحج؟ فقال (ع): لا، هي على إحرامها. قلت: فعليها هدي؟ قال (ع): لا إلا أن تحب أن تتطوع. ثم قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) (* 1). وفى جملة جعل الحد أن يدرك الناس بمنى، ففي صحيح أبي بصير: (قلت لابي عبد الله (ع): المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت، فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال (ع): إن كانت تعلم أنها تطهر، وتطوف بالبيت، وتحل من إحرامها، وتلحق الناس بمنى فلتفعل) (* 2). ونحوه غيره.

 

 

____________

تأتي هذه الرواية في المسألة الآتية (منه قدس سره). (* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 225 )

 

[ أو بغروبه (1)، ] وفى جملة من النصوص جعل الحد يوم التروية، كصحيح عبد الرحمن ابن الحجاج قال: (أرسلت إلى أبي عبد الله (ع): إن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن، فكيف نصنع؟ قال: تنظر ما بينها وبين التروية فأن طهرت فلتهل، وإلا فلا يدخل عليها التروية إلا وهي محرمة) (* 1) وفى رواية اسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن (ع) قال: (المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة، يجعلها حجة مفردة. إنما المتعة إلى يوم التروية) (* 2). ونحوها صحيحة علي بن يقطين، وفيها: (وحد المتعة إلى يوم التروية) (* 3). (1) في صحيح العيص بن القاسم، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر، تفوته المتعة؟ قال (ع): لا، ما بينه وبين غروب الشمس. قال: وقد صنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله) (* 4) وخبر اسحاق بن عبد الله قال: سألت أبا الحسن موسى (ع) عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية. فقال: ليتمتع [ للمتمتع. خ ل ] ما بينه وبين الليل) (* 5)، ورواية. عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (قال: إذا قدمت مكة يوم التروية - وقد غربت الشمس - فليس لك متعة، إمض كما أنت بحجك) (* 6) ونحوها غيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب أقسام الحج حديث: 15. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 10. (* 5) الوسائل باب: 20 من ابواب أقسام الحج حديث: 11. (* 6) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 12.

 

===============

 

( 226 )

 

[ أو بليلة عرفة (1)، أو سحرها (2). فمحمولة على صورة عدم إمكان الادراك إلا قبل هذه الاوقات، فانه مختلف باختلاف الاوقات، والاحوال، والاشخاص (3). ويمكن ] (1) تدل على ذلك النصوص المتقدمة، فان غروب يوم التروية أول ليلة عرفة. (2) في صحيح محمد بن مسلم قال: (قلت لابي عبد الله (ع): إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال (ع): إلى السحر من ليلة عرفة) (* 1). وفى بعضها التحديد بدخول يوم عرفة، ففي خبر زكريا بن أدم قال: (سألت أبا الحسن (ع) عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة. قال (ع): لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة) (* 2). لكن في ظهوره في التحديد بذلك إشكال ظاهر. وفى جملة التحديد بزوال يوم عرفة. ولا يبعد رجوعه إلى الاول، كما يأتي في كلام المصنف. (3) هذه المحامل مذكورة في كلام الجماعة. لكنها ناتجة من طرح النصوص، وإلا فلا شاهد على الجمع بذلك. مع أن الاول بعيد جدا عن ظاهر بعض تلك النصوص، بل ممتنع. والاختلاف باختلاف الاوقات والاشخاص مسلم، لكن لا يناسب البيان المشتملة عليه النصوص. مع أن التعرض لخصوص الاشخاص - الذين لا يتمكنون من إدراك الحج إلا في المدة المذكورة - وإهمال غيرهم غير ظاهر. مع أن وجود هؤلاء الاشخاص إما نادر جدا، أو مجرد فرض لا خارج له.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

 

===============

 

( 227 )

 

[ حملها على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية (1)، ويمكن كون الاختلاف لاجل التقية، كما في أخبار الاوقات للصلوات. وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب (2)، فان أفضل أنواع ] (1) فتكون التقية في عمل المكلف، بخلاف التقية في المحمل الآتي فانها في بيان المعصوم. لكن التعرض للتقية في خصوص الموارد المذكورة دون غيرها غير ظاهر. كما سبق في الاشكال على ما قبله. وأما التقية في بيان المعصوم (ع): فيتوقف إما على وجود الاقوال المختلفة المذكورة عند المخالفين، أو الاجتزاء بايقاع الخلاف في الحمل على التقية. وكلاهما بعيد جدا عن مفاد النصوص. وإن كان يشعر به ما في صحيح ابن بزيع، من قول الرضا (ع): (كان جعفر (ع) يقول...) (* 1). (2) حكي ذلك عن الشيخ في كشف اللثام والجواهر وغيرهما. فانه جمع بين الاخبار، بحملها على اختلاف مراتب الفضل. فالافضل الاحرام بالحج بعد الفراغ من العمرة عند الزوال يوم الترويه، فان لم يفرغ عنده من العمرة كان الافضل العدل إلى الحج، ثم ليلة عرفة، ثم يومها إلى الزوال، السابق منها أفضل من اللحق، وإن كانت مشتركة في التخيير، وعند الزوال يوم عرفة يتعين العدول، لفوات الموقف غالبا. ثم قال: هذا إذا كان الجج مندوبا، لا فيما إذا كان هو الفريضة...) وهذا الجمع وإن كان أقرب مما سبق، إلا أنه لا وجه للتخصيص بالمندوب، لعموم الاخبار للجميع، فان طوائف الاخبار المتقدمة كلها على نسق واحد، ليس لبعضها اختصاص بالواجب وبعضها اختصاص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب أقسام الحج حديث: 14. وقد سبق ذكر الرواية قريبا.

 

===============

 

( 228 )

 

[ التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة (1)، ثم ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل يوم عرفة. مع أنا لو أغمضنا عن الاخبار - من جهة شدة اختلافها وتعارضها - (2) نقول: ] بالمندوب مضافا إلى أن صحيح بن الحجاج - المتقدم في التحديد بيوم التروية - مورده صرورة النساء، فيكون حجهن حج الاسلام. وأيضا فانه روى في الكافي - في الصحيح - عن محمد بن ميمون قال: (قدم أبو الحسن (ع) متمتعا ليلة عرفة، فطاف، وأحل، وأتى بعض جواريه، ثم أهل بالحج وخرج) (* 1). فان فعله (ع) يدل على أنه الافضل، وكيف يناسب ذلك ما دل على أن حد المتعة إلى يوم التروية أو غروبها؟! فلاحظ رواية اسحاق بن عبد الله، وصحيحة ابن يقطين، ورواية عمر بن يزيد ونحوها فان لسانها آب عن الحمل على الافضل، فضلا عما يناسب فعل الامام (ع). اللهم إلا أن يقال: فعله (ع) مجمل، والناقل له غير معصوم، فلا يحتج به. لكن إباء النصوص المذكورة عن الحمل على الافضل لا مجال للمناقشة فيه. (1) كما في صحيح اسماعيل، من قوله (ع): (أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة فاتتنا المتعة...) (* 2). لكن ظاهره التخصيص بهم (ع)، ووجهه غير ظاهر. (2) لكن الاشكال في الاغماض عن الاخبار، لانها إذا كانت متعارضة، ولم يمكن الجمع العرفي بينها، فاللازم إما التخيير مع عدم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14. وقد سبق ذكره قريبا فلاحظ.

 

===============

 

( 229 )

 

[ مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا، لان المفروض أن الواجب عليه هو التمتع، فما دام ممكنا لا يجوز العدول عنه. والقدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراح الحج، واللازم إدراك الاختياري من الوقوف، فان كفاية الاضطراري منه ] المرجح، أو الاخذ بالراجح مع وجود المرجح. وحينئذ لا مجال للرجوع إلى القواعد. نعم يمكن أن تكون الموافقة للقواعد من المرجحات. لانها راجعة إلى موافقة الكتاب والسنة، فيؤخذ بما وافقها ويطرح غيره. وهذا الوجه لا بأس به. ولعل الاولى أن يقال: إذا أرجعنا نصوص التحديد بزوال يوم عرفة إلى نصوص المشهور تكون هي أكثر عددا من غيرها، فتكون أولى بالاخذ بها. أو يقال: إن الطوائف المذكورة غير معمول بها غير طائفتين منها، وهي طائفة التحديد بزوال التروية التي لم يعمل بها إلا ابن بابويه، وطائفة التحديد بغروبه التي لم يعمل بها إلا المفيد في المقنعة والصدوق في المقنع. ولاجل أنهما مهجورتان عند بقية الاصحاب لا مجال للاعتماد عليهما. والطوائف الاخر غير معمول بها أصلا ومجمع على خلافها، فلا أهمية لها في قبال نصوص المشهور، التي منها نصوص التحديد بزوال يوم عرفة، فالعمل بها متعين والاعراض عما عداها. ويشير إليه ما في صحيح اسماعيل بن بزيع، من قول السائل: (عامة مواليك يدخلون يوم التروية...)، الظاهر في أن الشيعة - رفع الله تعالى شأنهم - كان عملهم على خلاف التحديد المذكور، وأن التحديد كان مبنيا على وحه غامض.

 

===============

 

( 230 )

 

[ خلاف الاصل (1). يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الاولين. ولا يبعد رجحان أولهما (2)، بناء على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف، وإن كان الركن هو المسمى ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال، فانه من جملة الاخبار مرفوع سهل، عن أبي عبد الله (ع): " في متمتع دخل يوم عرفة. قال: متعة تامة إلى ان يقطع الناس تلبيتهم " (3). حيث أن قطع التلبية بزوال يوم عرفة. وصحيحة جميل: " المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر " (4). ومقتضاهما كفاية ] (1) لكن جواز العدول أيضا خلاف الاصل. وسيأتي بقية الكلام فيه. (2) لان ظاهر النصوص - المسوغة للعدول عند خوف فوت الموقفين -: أن المسوغ للعدول فوات الواجب من الوقوف، ولا يختص بالركن. ويظهر ذلك - بمناسبة المقام - مما دل على مشروعية التيمم عند خوف فوت الصلاة، فان المراد منه الصلاة بجميع أجزائها، ولا يختص بالركن منها. (3) رواه في الكافي عن العدة، عن سهل بن زياد، رفعه، عن أبي عبد الله (ع) (* 1). (4) رواها الشيخ عن سعد، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (ع) قال: (التمتع...) (* 2)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 15.

 

===============

 

( 231 )

 

[ إدراك مسمى الوقوف الاختياري، فان من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة، وإدراك الناس في أول الزوال بعرفات. وأيضا يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب. إلا أن يمنع الصدق، فان المنساق منه إدراك تمام الواجب (1). ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ، كما ادعي (2). وقد يؤيد القول الثالث - وهو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة - بالاخبار الدالة على أن من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات، وأدركها ليلة النحر تم حجه (3). وفيه: أن موردها ] ومحمد بن عيسى مشترك بين الاشعري وبين اليقطيني. والظاهر صحة حديثهما وإن كان الثاني محل مناقشة. ولذلك وصفها في المدارك وغيرها بالصحة. أو لبنائه على أن المراد منه الاشعري والد أحمد بن محمد بن عيسى. لكن استقرب في الذخيرة أنه اليقطيني. (1) كما عرفت سابقا. (2) الجواب عن المرفوعة بالضعف أولى. وأما الشذوذ فغير ظاهر. (3) هذا التأييد - لو تم - لا يصلح لمعارضة ما تقدم في رواية محمد ابن سرور المتقدمة، من قوله (ع): (ويفيض مع الامام) (* 1)، فانه كالصريح في أن إتمام العمرة إنما هو مع ادراك الامام في عرفات. ومثله صحيح الحلبي المتقدم (* 2)، فان الظاهر من قوله: (والناس بعرفات فخشي... (إلى قوله): أن يفوته الموقف) الوقوف مع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.

 

===============

 

( 232 )

 

[ غير ما نحن فيه - وهو عدم الادراك من حيث هو - وفيما نحن فيه يمكن الادراك، والمانع كونه في أثناء العمرة، فلا يقاس بها (1). نعم لو أتم عمرته في سعة الوقت ثم اتفق أنه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري ودخل في مورد تلك الاخبار. بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتم عمرته ثم بأن كون الوقت مضيقا في تلك الاخبار (2). ] الناس في عرفات، وهو الوقوف الاختياري. وأوضح منه صحيح زرارة: (سألت أبا جعفر (ع): عن الرجل يكون في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال، وهو متمتع بالعمرة إلى الحج. فقال: يقطع التلبية، تلبية المتعة، ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم، ولا شئ عليه) (* 1). فهذه النصوص يتعين الاخذ بها في المقام، ورفع اليد عن النصوص المؤيدة لو كانت شاملة لما نحن فيه. (1) وان شئت قلت: الكلام فيما نحن فيه في السبب المسوغ للعدول من العمرة، وأنه فوات موقف عرفة الاختياري، أو فواته مع الاضطراري، فلا يرتبط بما دل على ادراك الوقوف بعرفة بالوقوف الاضطراري، وأنه إذا ادركه فقد تم حجه. وإلا لزم الاكتفاء بادراك الوقوف الاختياري في المشعر، لما دل على أن من أدرك المشعر الحرام فقد تم حجه. (2) هذا يتوقف على كون النصوص واردة في الملتفت. ولكن دعوى ذلك غير ظاهرة، فانه خلاف اطلاق النصوص. نعم يمكن البناء على صحة حجه حينئذ من باب حج الافراد، ثم يعتمر بعد ذلك، ويكون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

 

===============

 

( 233 )

 

[ ثم إن الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحج المندوب وشمول الاخبار له (1)، فلو نوى التمتع ندبا، وضاق وقته عن اتمام العمرة وإدراك الحج، جاز له العدول إلى الافراد. وفي وجوب العمرة بعده إشكال، والاقوى عدم وجوبها (2). ولو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحج قبل أن يدخل في العمرة، هل يجوز له العدول من الاول إلى الافراد؟ فيه إشكال، وان كان غير بعيد (3). ولو دخل ] إتمامه للعمرة غير مجزئ عنها، بل هو باق على احرامه، ولا يحل بالتقصير - ولا بغيره - حتى يدرك الحج، ولو بادراك المشعر الاختياري. لدخوله حينئذ في النصوص جميعها. ولا تتوقف صحة حجه على ادراك اختياري عرفة ولا اضطراريها. (1) الظاهر أنه لا ريب فيه. وقد تقدم من الشيخ حمل نصوص التحديد بغير الضيق على خصوص المندوب، فكأن الحكم في المندوب أوضح منه في الواجب. والنصوص المستدل بها على الحكم مطلقة شاملة له. (2) لان العمرة المفردة عمل مستقل عن الحج. ووجوب إتمام الحج بالشروع فيه لا يقتضي وجوب فعل العمرة، لانها ليست من تمام الحج، والاصل البراءة. وأما ما ورد في النصوص من الامر بالاتيان بالعمرة المفردة، فلا يدل على الوجوب، لان الظاهر منه الارشاد إلى ما هو بدل عمرة التمتع، فان كانت واجبة كان واجبا، وإلا فلا، وليس المقصود منه إيجابها تعبدا. (3) فان كلمات الاصحاب موردها الدخول في العمرة - وكذلك

 

===============

 

( 234 )

 

[ في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت وأخر الطواف والسعي متعمدا إلى ضيق الوقت، ففي جواز العدول وكفايته إشكال (1). والاحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحج واجبا عليه. ] النصوص - لكن يمكن أن يستفاد الجواز بالاولوية. ولا سيما بملاحظة أن البناء على عدم جواز العدول فيه يوجب سقوط الحج عنه بالمرة، لانه لا يتمكن من حج التمتع، ولا يجزيه غيره. (1) لاختصاص النصوص بغيره. لكن لازم ذلك الرجوع إلى القواعد المقتضية لوجوب إتمام العمرة والاجتزاء في فعل الحج بادراك المشعر، لعموم: من أدرك الوقوف بالمشعر فقد تم حجه. ودعوى: اختصاصه بغير المقام ممنوعة. كما يظهر ذلك من ملاحظة نظائره، من موارد الابدال الاضطرارية. فان من أراق ماء الوضوء عمدا صح تيممه، ومن أخر الصلاة حتى أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته أداء، ومن عجز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته من جلوس... إلى غير ذلك من الموارد. ومن ذلك يظهر الاشكال في كون الاحوط العدول، فان العدول وإن كان مرددا بين الوجوب والحرمة، لكن الحرمة مقتضى الدليل، والوجوب خلاف مقتضى الدليل، فيكون العمل على الحرمة أحوط. هذا بناء على اختصاص نصوص المقام بغير الفرض. لكنه غير ظاهر فلاحظ النصوص تجدها - كغيرها من موارد الابدال الاضطرارية - شاملة للعامد وغيره، وان كان العامد آثما في التأخير. ثم لو فرض التوقف عن العمل بالنصوص والعمل بالقواعد - كما يظهر من المتن - فالاحتياط كما يكون بالعدول لاحتمال وجوبه، يكون بالاتمام لاحتمال وجوبه أيضا. بل لعل الثاني أقرب، لانه موافق للاستصحاب. فتأمل جيدا.

 

===============

 

( 235 )

 

[ (مسألة 4): اختلفوا في الحائض والنفساء - إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحج - على أقوال: أحدها: أن عليهما العدول إلى الافراد والاتمام، ثم الاتيان بعمرة بعد الحج (1). لجملة من الاخبار (2). الثاني: ما عن جماعة، من أن عليهما ترك الطواف، والاتيان بالسعي، ثم الاحلال، وإدراك الحج، وقضاء طواف ] (1) وفى الجواهر: (على المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة، بل في المنتهى: الاجماع عليه...). ثم حكى كلام المنتهى، ثم قال: (ونحوه عن التذكرة...). (2) منها صحيح حميل: (سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال (ع): تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة) (* 1). قال ابن أبي عمير: (كما صنعت عائشة). ومصحح اسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال: (سألته عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث - قبل أن تطوف بالبيت - حتى تخرج إلى عرفات. قال (ع): تصير حجة مفردة، وعليها دم أضحيتها) (* 2)، وصحيح ابن بزيع، السابق في تحديد الضيق بزوال يوم التروية (* 3). وقد تعضد - أو تؤيد - ببعض الاخبار الآتية في المسألة الآتية.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 13. (* 3) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14 وقد سبق ذكر الرواية في المسألة السابقة.

 

===============

 

( 236 )

 

[ العمرة بعده (1). فيكون عليهما الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة، ومرة الحج، ومرة للنساء. ويدل على ما ذكروه أيضا جملة من الاخبار (2). ] (1) حكي ذلك عن علي بن بابويه وأبي الصلاح. وفى كشف اللثام: حكايته عن جماعة - ولعل منهم الحلبي - وفى مورد آخر: نسبه إلى الحلبيين وجماعة. (2) منها صحيح العلاء بن صبيح، و عبد الرحمن بن الحجاج، وعلي ابن رياب، وعبيد الله بن صالح، كلهم يروونه عن أبي عبد الله (ع) قال: (المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فان طهرت طافت بالبيت وسعت، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت، ثم سعت بين الصفا والمروة، ثم خرجت إلى منى. فإذا قضت المناسك وزارت البيت، طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ بحل منه المحرم، إلا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا حل لها فراش زوجها) (* 1) وخبر عجلان أبي صالح: (قلت لابي عبد الله (ع): (متمتعة قدمت مكة فرأت الدم، كيف تصنع؟ قال (ع): تسعى بين الصفا والمروة، وتجلس في بيتها. فان طهرت طافت بالبيت، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين. ثم سعت بين الصفا والمروة فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شئ ما عدا فراش زوجها، قال: وكنت أنا و عبد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد، فدخل عبد الله على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 1.

 

===============

 

( 237 )

 

[ الثالث: ما عن الاسكافي وبعض متأخري المتأخرين (1) من التخيير بين الامرين. للجمع بين الطائفتين بذلك. الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الاحرام فتعدل، أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض في ] أبي الحسن (ع) فخرج إلى، فقال: سألت أبا الحسن (ع) عن رواية عجلان، فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان) (* 1)، ورواية عجلان الاخرى: (أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول: إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف، قدمت السعي وشهدت المناسك، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف النساء، ثم أحلت من كل شئ) (* 2) ونحوهما روايته الثالثة: (سألت أبا عبد الله (ع) عن متمتعة دخلت مكة فحاضت. قال (ع): تسعى بين الصفا والمروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد) (* 3). وقريب منها رواية يونس بن يعقوب، عن رجل، عن أبي عبد الله (ع) (* 4). (1) لعله يريد به صاحب المدارك، فانه - بعد ما نقل صحيحة العلاء بن صبيح والجماعة معه - قال: (والجواب: أنه - بعد تسليم السند والدلالة - يجب الجمع بينها وبين الرويات السابقة - المتضمنة للعدول إلى الافراد - بالتخيير بين الامرين. ومتى ثبت ذلك كان العدول أولى، لصحة مستنده، وصراحة دلالته، واجماع الاصحاب عليه).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 10. (* 4) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 8.

 

===============

 

( 238 )

 

[ الاثناء فتترك الطواف وتتم العمرة وتقضي بعد الحج. اختاره بعض (1)، بدعوى: أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول - في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر، ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها - سعت ولم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها. وان أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر " (2). وفي الرضوي: " إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم.... - إلى قوله (ع) -: وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة. وان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها. الا الطواف بالبيت، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت، وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج، وعليها ] (1) حكي عن الكاشاني في الوافي والمفاتيح، واختاره في الحدائق. (2) رواه في الكافي عن العدة، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي عمير [ نجران. خ ل ] (* 1). عن مثنى الحناط (* 2)، قال: (سمعت [ سالت. خ ل ] أبا عبد الله (ع)...) (* 3).

 

 

____________

(* 1) كما في الكافي الجزء: 4 صفحة 448 طبع ايران الحديثة. (* 2) الموجود في الكافي: رواية ذلك عن مثنى الحناط، عن أبي بصير. لاحظ الكافي الجزء: 4 صفحة 448 طبع ايران الحديثة وفي التهذيب والاستبصار: رواه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير، بحذف. مثنى الحناط. لاحظ التهذيب الجزء: 5 صفحة 395 طبع النجف الاشرف، والاستبصار الجزء: 2 صفحة 315 طبع النجف الاشرف. (* 3) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 5.

 

===============

 

( 239 )

 

[ طواف الحج، وطواف العمرة، وطواف النساء " (1). وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين: أن في الصورة الاولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا، فعليها العدول إلى الافراد، بخلاف الصورة الثانية، فانها أدركت بعض أفعالها طاهرا، فتبني عليها، وتقضي الطواف بعد الحج (2). وعن المجلسي (قده) (3) في وجه الفرق ما محصله: أن في الصورة الاولى لا تقدر على نية العمرة، لانها تعلم أنها لا تطهر ] (1) قال في كتاب الفقه الرضوي: (وإذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم، فعليها أن تحتشي إذا بلغت الميقات، وتغتسل، وتلبس ثياب احرامها، وتدخل مكة وهي محرمة، ولا تدخل المسجد الحرام. فان طهرت ما بينها وبين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها، فعليها أن تغتسل، وتطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، وتقضي ما عليها من المناسك. وإن طهرت بعد الزوال...) (* 1). إلى آخر ما في المتن. (2) لا يحضرني هذا القائل. كما أن تعليله ظاهر الضعف، فان مجرد عدم إدراكها لبعض أجزاء العمرة طاهرة لا يكفي في بطلان العمرة، ولا في وجوب العدول عنها. ومجرد إدراك بعض الاجزاء طاهرة لا يكفي في وجوب اتمامها، إذ لا دليل عليه. (3) المراد به: المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه. قال

 

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 57 من ابواب الطواف حديث: 3، وباب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. لكنه في الموضعين اقتصر على صدر الحديث إلى قوله: " فتجعلها حجة مفردة ". وأما الذيل فهو مذكور في الحدائق الجزء: 14 صفحة: 345. كما ان الصدر مذكور في صفحة: 339 منه.

 

===============

 

( 240 )

 

[ للطواف وادراك الحج بخلاف الصورة الثانية، فانها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية والدخول فيها. الخامس: ما نقل عن بعض، من أنها تستنيب للطواف ثم تتم العمرة وتأتي بالحج (1). لكن لم يعرف قائله (2). والاقوى من هذه الاقوال هو القول الاول. للفرقة الاولى من الاخبار، التي هي أرجح من الفرقة الثانية، لشهرة العمل بها دونها (3). وأما القول الثالث - وهو التخيير - فان كان ] في الحدائق: (هذه ترجمة كلامه: والحائض التي حاضت قبل الاحرام إنما لا تسعى بين الصفا والمروة لتأتي بجميع المناسك مع حج التمتع، لانها لا تقدر على نية عمرة التمتع، لانها تعلم أن لافعال الحج أوقاتا مخصوصة لو لم تفعلها في تلك الاوقات لم تصح حجتها. مثل الوقوف بعرفات، فانه لا يصح إلا يوم عرفة، وبالمشعر، فلا يصح إلا يوم النحر، ورمي الجمار. وإذا كانت في حال احرامها حائضا فظنت عدم النقاء إلى اليوم العاشر لا تقدر أن تنوي عمرة التمتع، فيتعين عليها نية حج الافراد. فاما إن لم تكن عند الاحرم حائضا تقدر أن تنوي عمرة التمتع... (إلى أن قال): وهذا وجه للجمع بين الاخبار الواردة في هذا الباب). (1) حكي ذلك في الجواهر عن بعض الناس. (2) وفى الجواهر: (فلم نعرف قائله، ولا دليله..) ونحوه في المستند. (3) أقول: شهرة العمل لا تصلح للترجيح، كما حقق في الاصول. والشهرة. المذكورة في روايات الترجيح - هي شهرة الرواية وكثرة رواتها كما لا يخفى.

 

===============

 

( 241 )

 

[ المراد منه الواقعي، (1) بدعوى: كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين. ففيه: أنهما يعدان من المتعارضين (2)، والعرف لا يفهم التخيير منهما، والجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك. وإن كان المراد التخيير الظاهري العملي (3)، فهو فرع مكافئة الفرقتين، والمفروض أن الفرقة الاولى أرجح، من حيث شهرة العمل بها (4). وأما التفصيل ] (1) بأن يراد منه كون الحكم الواقعي التخيير، فهو تخيير في المسألة الفرعية. (2) لاشتمال كل من الدليلين على الامر بأحد الطرفين، الظاهر في الوجوب. وحمله عل الوجوب التخييري، أو الرخصة في الفعل، خلاف الظاهر. (3) يعني: التخيير في المسألة الاصولية، بأن يختار المكلف أحد المتعارضين فيتعين عليه العمل به. (4) ودليل التخيير بين المتعارضين يختص بصورة عدم المرجح لاحدهما على الآخر، أما مع وجود المرجح يتعين الاخذ بالراجح ولا تخيير. لكن عرفت الاشكال في الترجيح بموافقة الشهرة الفتوائية. مضافا إلى ما يتوجه على هذه الطائفة: بأنها تتضمن التحديد بزوال يوم التروية، وقد سبق، أن الاخبار المتضمنة لذلك مردودة لا مجال للعمل بها، كغيرها من التحديدات التي لم يقل بها المشهور. اللهم إلا أن يدفع: بأن مصحح اسحاق خال عن التحديد (* 1). وصحيح جميل، وان اشتمل على التحديد بزوال يوم التروية، لكن مورده صورة استمرار الحيض إلى ما بعد قضاء المناسك،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج. ملحق حديث: 13. وقد تقدم ذلك في المسألة الرابعة من الفصل.

 

===============

 

( 242 )

 

[ المذكور فموهون بعدم العمل (1). مع أن بعض أخبار القول الاول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الاحرام (2) ] كما يظهر من قوله (ع): (ثم تقيم حتى تطهر) (* 1)، ولا مانع من خروج المرأة - في الصورة المذكورة - إلى عرفات يوم التروية بعد عدولها عن الحج. نعم صحيح ابن بزيع لا مرد للاشكال عليه (* 2). لكن يكفي - في إثبات القول المشهور - صحيح جميل، ومصحح اسحاق. وأما أخبار القول الثاني فالعمدة فيها: صحيح العلاء بن صبيح والجماعة معه (* 3) وهو - بعد اشتماله على التحديد بيوم التروية - لا مجال للاعتماد عليه، كنظائره. ومن ذلك يتوجه الاشكال على بعض روايات عجلان أبي صالح (* 4) مضافا إلى اشكال الضعف في السند المشترك بين جميعها. ولاجله لا مجال - أيضا - للاخذ بما هو خال عن التحديد منها. ومن ذلك يظهر: عدم جواز الاعتماد على أخبار القول الثاني. ولا سيما بملاحظة هجرها، وإعراض الاصحاب عنها، عدا النادر. لاجل ذلك لا تصلح لمعارضة الاخبار الاولة. (1) فانه لم ينقل عن أحد من القدماء، ولا المتأخرين، ولا متأخري المتأخرين، وإنما نقل عمن سبق. (2) مثل صحيح ابن بزيع، ومصحح اسحاق بن عمار، فان ظاهر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2. وقد تقدم ذلك في المسألة: 4 من الفصل. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14. وقد سبق ذكر الرواية في المسألة: 3 من الفصل. (* 3) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 1. وقد تقدم ذلك في المسألة: 4 من الفصل. (* 4) الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 3، 6، 10. وقد تقدم ذلك في المسألة: 4 من الفصل.

 

===============

 

( 243 )

 

[ نعم لو فرض كونها حائضا حال الاحرام، وعلمت بأنها لا تطهر لادراك الحج، يمكن أن يقال: يتعين عليها العدول إلى الافراد من الاول (1)، لعدم فائدة في الدخول في العمرة ثم العدول إلى الحج. وأما القول الخامس فلا وجه له (2)، ولا له قائل معلوم. (مسألة 5): إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الاقوى (3). وحينئذ فان كان الوقت موسعا أتمت عمرتها ] قوله فيه: (تجئ متمتعة) أنها تجئ إلى مكة، ومن المعلوم أن دخول مكة للتمتع إنما يكون بعد الاحرام. وأما ما ذكره المجلسي (قده): من أنها في الصورة الاولى لا تقدر على نية العمرة، فان كان المراد أنها لا تقدر على النية الجزمية، ففي الصورة الثانية أيضا لا تقدر، لاحتمال طروء الحيض واستمراره إلى وقت الوقوف. وإن كان المراد أنها لا تقدر على النية الرجائية فهو ممنوع. (1) كما سبق في ذيل المسألة السابقة. (2) إذ لا دليل على الاستنابة في الطواف في المقام، ولا وجه لرفع اليد عن الاخبار الواردة في المسألة التي عرفتها. (3) على المشهور شهرة عظيمة، بل لا يعرف الخلاف فيه إلا من الصدوق، فصحح الطواف والمتعة. لصحيح محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة طافت ثلاثة أطواف - أو أقل من ذلك - ثم رأت دما. قال (ع): تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت بقيته واعتدت

 

===============

 

( 244 )

 

بما مضى) (* 1). قال في الفقيه: (قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه _: وبهذا الحديث أفتي) دون الحديث الذي رواه ابن مسكان، عن ابراهيم بن اسحاق، عمن سأل أبا عبد الله (ع) عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال (تتم طوافها، وليس عليها غيره ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة. ولانها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج. وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج. فان أقام بها جمالها فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر) (* 2). لان هذا الحديث اسناده منقطع، والحديث الاول رخصة ورحمة، واسناده متصل...). وفيه: أن الصحيح مطلق والمرسل مختص بالمتمتعة، فيتعين التقييد به. وأيضا فان المرسل المذكور رواه الشيخ مسندا عن إبراهيم بن أبي اسحاق، عن سعيد الاعرج (* 3). كما رواه مرسلا عمن سأل أبا عبد الله (ع). وروي أيضا - في الصحيح - عن ابن مسكان عن أبي اسحاق صاحب اللؤلؤ. قال: (حدثني من سمع أبا عبد الله (ع) يقول في المرأة المتمتعة: إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة، وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر) (* 4)، ورواه الكليني (ره) - إلى قوله: (فمتعتها تامة)، (* 5) فان مفهومه عدم تمامية المتعة إذا طافت أقل من ذلك. مع أن ضعف السند مجبور بالاعتماد عليه من الاصحاب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 86 من أبواب الطواف حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 86 من أبواب الطواف حديث: 2. (* 5) الوسائل باب: 86 من ابواب الطواف ملحق حديث: 2.

 

===============

 

( 245 )

 

[ بعد الطهر، وإلا فلتعدل إلى حج الافراد، وتأتي بعمرة مفردة بعده (1). وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف (2)، وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الاخرى، وتسعى، وتقصر مع سعة الوقت (3). ] ولا سيما مع تأييده بما دل على صحة الطواف إذا طرأ الحيض بعدد تجاوز النصف وبطلانه إذا كان قبل ذلك، كخبر أبي بصير (* 1)، وأحمد بن عمر الحلال (* 2). (1) لما سبق. (2) بلا إشكال. للحدث المانع من صحته. يعني: قبل الاحرام للحج. والذي يظهر من عبارة القواعد: أنها تسعى، وتقتصر في حال الحيض، ويكون المأتي به من الاشواط الاربعة بمنزلة الطواف التام. قال (ره): (ولو طافت أربعا فحاضت، سعت وقصرت. وصحت متعتها، وقضت باقي المناسك وأتمت بعد الطهر. ولو كان أقل فحكمها حكم من لم تطف، فتنتظر الطهر، فان حضر وقت الوقوف ولم تطهر خرجت إلى عرفة وصارت حجتها مفردة، وان طهرت وتمكنت من طواف العمرة وأفعالها صحت متعتها، وإلا صارت مفردة) فان تفصيله في الاخير كالصريح في عدم التفصيل في الاول. ولكنه غير ظاهر، بل هو خلاف ما دل على الترتيب بين الطواف والسعي وبين العمرة والحج. والرواية الاولى واردة في الضيق. والثانية لا تخلو من تشويش،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 1. (* 2) الوسائل باب، 85 من أبواب الطواف حديث: 2.

 

===============

 

( 246 )

 

[ ومع ضيقة تأتي بالسعي وتقصر (1)، ثم تحرم للحج وتأتي بأفعاله، ثم تقضي بقية طوافها - قبل طواف الحج أو بعده - ثم تأتي ببقية أعمال الحج، وحجها صحيح تمتعا. وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته (2). ] فالخروج عن القواعد غير ظاهر، وان كان في الجواهر جعل ما في المتن أولى وأحوط. (1) لما سبق من الخبرين، وعليه جمهور الاصحاب. وخالف ابن ادريس فأبطل المتعة. قال (ره): (والذي تقتضيه الادلة: أنه إذا جاء الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها. وإنما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان، فعمل عليهما. وقد بينا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد وإن كانت مسندة، فكيف بالمراسيل؟!...). ومال إليه في المدارك، عملا بالقواعد، لاشتراط الترتيب بين السعي وتمام الطواف وبين أفعال الحج وتمام أفعال العمرة. وبصحيح ابن بزيع المتقدم (* 1). وإشكاله ظاهر، لانجبار المرسلين بالعمل، فيخرج بهما عن القواعد، وعن إطلاق صحيح ابن بزيع. (2) قال في المدارك: (ولو حاضت بعد الطواف وقبل صلاة الركعتين، فقد صرح العلامة وغيره بأنها تترك الركعتين، وتسعى، وتقصر فإذا فرغت من المناسك قضتهما. واستدل عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة، ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين. قال (ع):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14. وقد سبق ذكر الرواية في المسألة: 3 من الفصل.