الجعالة

معناها :

الجعالة والجعيلة والجعل بمنعى واحد في اللغة، وهو ما يجعل للانسان على شيء يفعله، وعند الفقهاء الالتزام بمال معين لقاء عمل لأي عامل كان مجهولاً أو معلوماً، وصورته مع جهل العامل أن يقول: من فعل لي كذا فله كذا، أو من رد ضالتي الفلاني فله كذا، وصورته مع معرفة العامل أن يقول لمن يعرفه بشخصه: ان فعلت كذا فلك كذا.

 

 

الجعالة مشروعة اجماعاً ونصاً، ومنه قوله تعالى في الآية 72 من سورة يوسف: وَلِمَنْ جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ .

 

وقيل للامام الصادق  عليه‏السلام: ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض والدار والغلام والجارية، ونجعل له جعلاً؟ قال: لا بأس .

 

 

فرق بين الجعالة والاجارة من وجوه :

1 ـ ان الاجارة عقد لازم من الجانبين، أما الجعالة فجائزة من جانب الجاعل والعامل قبل التلبس بالعمل، ومن جانب العامل أيضاً اذا كان بعد أن يتلبس بالعمل، فان له الرجوع عنه قبل الاكمال، ولكنه لا يستحق شيئاً، لأن الجاعل قد جعل له العوض في مقابل مجموع العمل، لا بعضه. وإذا رجع الجاعل قبل العمل فلا يستحق المجعول له شيئاً، لانتفاء الموضوع، واه‏ذا رجع بعد الابتداء بالعمل، وقبل الانتهاء منه فللعامل اجرة عمله، وان كان بعد الانتهاء فله الجعل بكامله. قال صاحب المكاسب :

«لا خلاف في أن الجعالة من الأمور الجائزة من الطرفين، بمعنى تسلط كلّ من المالك والعامل على فسخها قبل التلبس بالعمل وبعده، سواء جعلناها عقداً أو ايقاعاً، لأنها من حيث عدم اشتراط القبول فيها بمنزلة أمر الغير بعمل له اجرة، فلا يجب المضي فيه من الجانبين، ثمّ ان كان الفسخ قبل التلبس فلا شيء للعامل، إذ ليس هناك عمل يقابل بعوض، سواء كان الفسخ من قبله، أم من قبل المالك، وان كان بعد التلبس، وكان الفسخ من العامل فلا شيء له، لأن المالك لم يجعل له العوض إلاّ لمجموع العمل من حيث هو مجموع، فلا يستحق على ابعاضه شيئاً، لأن غرض المالك لم يحصل، وقد اسقط العامل حق نفسه، حيث لم يأت بما شرط عليه العوض.. وان كان الفسخ من المالك فعليه للعامل عوض ما عمل، لأنه انما عمل بعوض لم يسلم له، ولا تقصير من قبله، والأصل في العمل المحترم الواقع بأمر المالك أن يقابل بالعوض.. وهل العوض الواجب له اجرة مثل ما عمل، أم بنسبة ما فعل إلى المجموع من العوض المسمى؟ وجهان أظهرهما الثاني ـ أي بنسبة ما فعل إلى المسمى لا أجرة المثل ـ لأنه العوض الذي اتفقا عليه» .

2 ـ يجوز أن يكون العالم مجهولاً في الجعالة، فتقول: من أصلح هذه القطع، وأزال منها الأحجار والأشواك فله كذا، ولا يصح أن تقول: آجرتها لكل من يزرعها بكذا .

3 ـ الأجير يملك الأجرة بنفس العقد في الاجارة، سواء استعمله المالك، أو تركه بغير عمل، أما في الجعالة فإن الطرف الثاني، وهو المجعول له لا يستحق شيئاً إلاّ بعد العمل .

4 ـ يجوز أن يكون الملتزم غير مالك، مثل أن يقول رجل أجنبي: من رد محفظة فلان فله عليّ كذا، ولا يصح أن يقول: من أجر داره بكذا فعليّ الأجرة .

5 ـ يجوز أن يكون العامل المجعول له صبياً، وسفيهاً، أما المستأجر فيشترط فيه البلوغ والرشد .

6 ـ يجوز في الجعالة أن يكون وصف الشيء الذي جعل المال من أجله مجهولاً بما لا يغتفر في الاجارة، فإذا قال: من رد دابتي فله كذا صح، وان لم يبين أنّها فرس أو حمال، ولا يصح أن يقول: أجرتك دابتي دون أن يميزها بالوصف .

 

 

يعتبر في الجعالة أمور :

1 ـ الصيغة، وهي كلّ لفظ يدل على الالتزام بمالٍ لقاء عمل، كقوله: من رد محفظتي فله كذا، أو أي انسان فعل كذا اعطيته كذا، ويصح فيها الاطلاق من حيث الزمان والمكان، كما يصح التقيد بهما أو بأحدهما، مثل أن يقول: من فعل كذا في شهر رمضان، أو يم الجمعة، أو في بلد كذا، أو الأرض الفلاني... ولافرق في القبول بين أن يكون بالفعل أو بالقول، فلو قال انسان: أنا أفعل. أو باشر بالعمل دون أن يقول شيئاً تم العقد .

2 ـ أن ينبذ الجاعل الأجرة أولاً، ثمّ يحصل العمل، فلو وجد انسان محفظة فالتقطها قبل الجعالة وجب عليه أن يسلمها لصاحبها، ولا يستحق من الجعل شيئاً، لأنّها أمانة في يده، وعليه أن يردها لمالكها، قال صاحب الجواهر: «لا أجد خلافاً في ذلك» .

ومن رد الضالة بقصد التربع فلا شيء له، سواء أكان ذلك بعد الجعالة، أو قبلها، وسواء أسمعها العامل، أو لم يسمعها، أما إذا لم يقصد التبرع، وكان الرد بعد الجعالة فيستحقها، حتّى ولو لم يسمعها، لأنه مع عدم التبرع واذن الجاعل ـ يكون العمل محترماً.

3 ـ أن يكون الجاعل أهلاً للتعاقد، تتوافر فيه الشروط العامة من البلوغ والرشد والقصد والاختيار، وعدم الحجر، أما العامل فلا يشترط فيه إلاّ امكان صدور العمل منه مع عدم المانع الشرعي، فيصح العمل من الصبي والسفيه، وقيل يصح من المجنون أيضاً. قال السيّد أبو الحسن الأصفهاني في الوسيلة: «يجوز أن يكون العامل صبياً مميزاً، ولو بغير اذن الولي، بل ولو كان غير مميز أو مجنوناً على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرر لعملهم» .

4 ـ قال العلامة في التذكرة ما نصه بالحرف: يشترط في العمل أن يكون محللاً فلا تصح الجعالة على محرم، فلو قال: من زنا أو قتل أو سرق، أو ظلم، أو شرب خمراً، أو أكثر محرماً، أو غصب، أو غير ذلك من الأفعال المحرمة فله كذا لم يصح، ولو فعل المجعول له ذلك لم يستحق العوض، سواء أكان المجعول له معيناً، أو مجهولاً، ولا نعلم في ذلك خلافاً. ويشترط أن يكون العمل مقصوداً للعقلاء، فلو قال: من استقى من ماء دجلة، ورمى الماء في الفرات، أو حفر نهراً ثمّ طمه، وغير ذلك مما لم يعده العقلاء مقصوداً لم يصح. ويشترط في العمل أن لا يكون واجباً، فلو قال: من صلى الفريضة، أو صام شهر رمضان فله كذا لم يصح، لأن الواجب لا يصح أخذ العوض عليه .

5 ـ أن يكون الجعل معلوماً، تماماً كالأجرة في عقد الاجارة، وإذا كان مجهولاً تبطل الجعالة، ويثبت للعامل أجرة المثل.. أجل، يجوز أن يقول: من رد دابتي فله نصفها أو ربعها .

وإذا قال: من فعل كذا فأنا أرضيه، فإن رضي الفاعل بما أعطاه الجاعل فذاك، وإلاّ فللعامل اجرة المثل .

مسائل :

1 ـ إذا قال: من رد محفظتي فله دينار فردها جماعة كان الجعل لهم بالسوية .

وإذا  قال: من دخل داري فله دينار، فدخلها جماعة كان لكل واحد منهم دينار، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف معتدٍ به ولا إشكال» .

2 ـ إذا خص الجعالة بانسان معين، مثل أن يقول: ان رد زيد محفظتي فله كذا، فإذا ردها غيره فلا شيء له. قال صاحب الجواهر: «لا خلاف أجده في ذلك، لأنه متبرع، حيث لم تبذل الأجرة له» .

3 ـ إذا قال: من رد سيارتي فله كذا فلا يستحق العامل المبلغ المجعول إلاّ بتسليم العين إلى يد المالك، فلو جاء بالسيارة، وتركها امام المنزل، ولم يقبضها المالك، ثمّ سرقت فلا شيء للعامل. قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده.. نعم، لو صرح الجاعل بما لا يقتضي التسليم، كما لو قال: من أوصلها إلى البلد، أو المنزل استحق العامل الجعل» .

4 ـ كلّ من أمر غيره بعمل، ولم يشارطه عليه فانه يستحق على عمله اجرة المثل بالاجماع .

 

 

1 ـ قال صاحب الشرائع: إذا عمل شخص لآخر، أو رد له ضالته، وقال للمالك: أنت امرتني بالعمل، أو شارطتني عليه، فانكر المالك ذلك فالقول قوله بيمينه، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، لأنه منكر، والاصل عدم الأمر وعدم الشرط» .

ويلاحظ بان هذا يتم إذا لم يكن هناك قرينة تفيد الاطمئنان، وتدل على عدم التبرع، كالحمال يحمل المتاع لانسان، فيدعي عليه صاحب المتاع التبرع، وكأصحاب سيارات الايجار يدعي الراكب التبرع.. ولا أظن عاقلاً يطلب البينة من الحمال وصاحب السيارة على ثبوت الايجار..

2 ـ إذا قال: من رد محفظتي فله كذا فردها له زيد، وطالبه بالجعل، فقال له الجاعل: لقد كانت المحفظة معك وفي يدك قبل أن انشى‏ء الجعالة، وعليه فلا تستحق شيئاً، وقال العامل: بل بحثت عنها، وحصلت عليها بعد الجعالة، فاستحق عليك الجعل كاملاً ـ إذا كان الأمر كذلك فالقول قول المالك بيمينه، لأن الأصل براءة ذمة المالك من الجعل، حتّى يثبت العكس .

3 ـ إذا اتفقا على انشاء الجعالة، واختلفا في قدر الجعل ـ مثلاً ـ قال المالك: جعلت عشرة دراهم للعمل. وقال العامل: بل جعلت عشرين، فمن المدعي؟ ومن المنكر ؟

وللفقهاء خمسة أقوال في ذلك، نقلها صاحب الجواهر والمسالك ومفتاح الكرامة. وأقرب الاوقوال ـ فيما نرى ـ ما ذهب إليه العلاّمة في القواعد، والشهيد الأول في اللمعة، واستحسنه أكثر من فقيه، وهو أن القول قول المالك بيمينه، مع عدم البينة للجاعل، فيحلف المالك على نفي الزيادة التي يدعيها العامل، وبديهة أن اليمين لا تثبت العشرة التي يدعيها الجاعل، لأن اليمين تنفي ما يدعيه الخصم، ولا تثبت ما يدعيه الحالف لأن الدعوى انما تثبت بالبينة، وإذا لم تثبت بالبينة، ولم تثبت العشرة التي يدعيها المالك، مع العلم بأن العمل محترم، لأنه كان باذن المالك وجب الأخذ باقل الأمرين من أجرة المثل، وما يدعيه العامل، فإن كانت اجرة المثل أكثر مما يدعيه، كما لو افترض أنّها ثلاثون اعطي العامل المبلغ الذي ادعاه، وهو العشرون، لاعترافه بعدم استحقاق الزائد، وبراءة ذمة المالك منه، وان كانت اجرة المثل أقل مما يدعيه العامل كما لو افترض انّها خمسة عشر فله اجرة المثل فقط.. أجل، لو افترض أن ما ادعاء المالك يزيد عن أجرة المثل، كما لو قال: جعلت 18 اعطيت الزيادة عن أجرة المثل للعامل، إذ المفروض ان المالك يعترف بأن العامل يستحقها، والعامل لا ينكرها، بل يدعي استحقاق الأكثر ([1]) .

______________________________________________

[1] لا أدري لماذا اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال، واطالوا النقل والشرح، ولم يفعلوا ذلك في مسألة اختلاف المؤجر والمستأجر في قدر الاجرة الذي أشرنا إليه في قدر الاجرة الذي أشرنا إليه في الفصل السابق فقرة التنازع رقم 3 مع أن المسألتين من باب واحد؟.. ونفرق بين الصورتين بكل حذر وتحفظ بأن النزاع في قدر الاجرة بباب الاجارة يرجع إلى النزاع في أن ما يستحقه المالك على المستأجر: هل هو الاقل أو الأكثر، تماماً كمسألة النزاع في مقدار الدين.. أما النزاع هنا فانما وقع في اصل الجعالة وانشائها عشرة أو عشرين بصرف النظر عن الشخص الذي يستحقها، اذ ان مستحق الجعل حين الجعالة غير معين، اما مستحق الاجرة فمعلوم ومعين.. نقول هذا، ونستغفر اللّه‏ .