إكساء أجسام الحيوانات و خلقة أقدامها بعكس الإنسان و أسباب ذلك

انظر يا مفضل إلى لطف الله جل اسمه بالبهائم كيف كسيت أجسامها هذه الكسوة من الشعر و الوبر و الصوف لتقيها من البرد و كثرة الآفات ألبست الأظلاف و الحافر و الأخفاف لتقيها من الحفاء إذ كانت لا أيدي لها و لا أكف و لا أصابع مهيأة للغزل و النسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى تجديدها و استبدال بها فأما الإنسان فإنه ذو حيلة و كف مهيأة للعمل فهو ينسج و يغزل و يتخذ لنفسه الكسوة و يستبدل بها حالا بعد حال و له في ذلك صلاح من جهات من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث و ما تخرجه إليه الكفاية و منها أنه يستريح إلى خلع كسوته إذا شاء و لبسها إذا شاء و منها أن يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال و روعة فيتلذذ بلبسها و تبديلها و كذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف و النعال يقي بها قدميه و في ذلك معايش لمن يعمله من الناس و مكاسب يكون فيها معايشهم و منها أقواتهم و أقوات عيالهم فصار الشعر و الوبر و الصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة و الأظلاف و الحوافر و الأخفاف مقام الحذاء