القبض

هل عقد الرهن لا يتم إلاّ بالقبض بحيث يكون القبض شرطاً لانعقاده وصحته ومع عدمه فلا عقد من الأساس تماماً كما هو الشأن في الصدقة والهبة والعارية والقرض أو أن العقد ليس شرطاً في صحة عقد الرهن ولا لزومه تماماً كما هي الحال في عقد البيع أو هو شرط في لزوم العقد من جانب الراهن لا في صحته وانعقاده ؟

وللفقهاء في ذلك أقوال ثلاثة ([1]) وأصحها أن القبض ليس بشرط اطلاقاً لافي صحة الرهن ولا في لزومه لأن عقد الرهن كغيره من العقود يتم بالايجاب والقبول ومتى انعقد كان لازماً بحكم قوله تعالى: أَوفُواْ بِالعُقُودِ وحديث «المؤمنون عند شروطهم» ولا يتوقف لزومه على القبض ولا على غير القبض لعدم الدليل على شيء من ذلك :

أمّا آية: وإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَم تَجِدُوْا كَاتِباً فَرِهانٌ مَّقبُوضَةٌ فَإِن أَمِنَ بَعضُكُم بَعضاً فَليُؤَدِّ الَّذِي اؤتُمِنَ أمَانَتَهُ وَليَتَّقِ اللّه‏َ رَبَّهُ أمّا هذه الآية فلا تدل من قريب أو بعيد على وجوب القبض لأنها تعرضت لحكم الدين في السفر لا لحكم الرهن وما يشترط فيه وإنما ذكرت الرهان على سبيل الإرشاد مع عدم وجود الكاتب.. وبديهة أن هذا شيء وان القبض شرط في الرهن شيء آخر .

وأمّا ما روي أن الإمام الباقر أبا الإمام جعفر الصادق عليهماالسلامقال: «لا رهن إلاّ مقبوض» فقد أجيب عن هذه الرواية بضعف السند وبأنّها للارشاد تماماً كالآية الكريمة ولذا اعرض عنها جماعة من كبار الفقهاء القدامى والجدد منهم الشيخ المفيد والشهيد الأول والعلامة الحلي والمحقق صاحب الشرائع .

وتسأل: ان الرهن وثيقة للدين كما سبق في تعريفه وكيف يستوثق الراهن من ماله مع عدم القبض؟ وبكلمة أية فائدة من الرهن ما دام قبض المرهون ليس شرطاً فيه؟.

ونجيب بأن الغاية من الرهن حبس الشيء المرهون ومنع الراهن من التصرف فيه بالبيع ونحوه ليتمكن المرتهن من استيفاء حقه من المرهون عند الاقتضاء وليس من شك أن هذه الغاية تتحقق من غير قبض وان كان تحققها أأكد وأوثق.. وبالاختصار ان الراهن محجر عليه بالنسبة إلى المرهون كالمفلس فكما لا يشترط القبض في صحة التحجير على المفليس كذلك لا يشترط في الرهن .

وعلى ما اخترناه من أن القبض ليس شرطاً فى صحة الرهن ولا في لزومه من جانب الراهن فلا يبقى موضوع للفروع التي بناها الفقهاء على وجوب القبض لأن سقوط الأصل يستدعي سقوط الفرع.. ومن الفروع التي بنوها على لزوم القبض عدم صحة قبض المرهون من غير اذن الراهن وعدم وجوب استمرار القبض وغياب المرهون عن مجلس الرهن وما إلى ذاك مما يبتني على شرطية القبض .

__________________________________

[1] قال صاحب الجواهر: لقد ظن أكثر الفقهاء ان في هذه المسألة قولين إلاّ أن من تتبعها يرى أنّها ثلاثة أقوال: الأول: عدم دخل القبض في الصحة واللزوم. الثاني: توقف الصحة عليه. الثالث: توقف اللزوم عليه دون الصحة .