ادعاء العفو عن المنهزمين يوم أحد، ورده

فأما ما تعلقوا به في العفو عنهم في قوله تعالى: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم }(2) الآية، فإنه طريف، يدل على جهلهم، وضعف عقولهم، وذلك أنهم راموا بما تعلقوا به من السوابق التي زعموا لأئمتهم، والقضايا والأخبار عن العواقب دفعا عن إضافة الظلم إليهم، والخطأ في دفع النص على أمير المؤمنين عليه السلام، وجحد حقوقه بعد النبي صلى الله عليه وآله، بما جلب عليهم إيجاب التخطئة لهم في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، والحكم عليهم بنقض العهود، وارتكاب كبائر الذنوب، وتوجه الذم إليهم من أجل ذلك والوعيد، ثم اشتغلوا بطلب الحيل في تخليصهم من ذلك(3) وتمحل وجوه العفو عنهم فيما لا يمكنهم دفاعه من خلافهم على الله تعالى، وعلى نبيه صلى الله عليه وآله وهو بين أظهرهم، وما كان أغناهم عن هذا التخليط والتهور لو سلكوا طريق(4) الرشاد، ولم تحملهم العصبية على تورطهم، وتدخلهم في(5) العناد!

____________

 (2) سورة آل عمران 3: 155.

(3) (من ذلك) ليس في ب، م.

(4) في أ: طرق.

(5) في أ: ويدخلهم فيه.

 

الصفحة 70   

وبعد: فإن العفو من الله سبحانه قد يكون عن العاجل من العقاب، وقد يكون عن الآجل من العذاب، وقد يكون عنهما جميعا إذا شاء، وليس في الآية أنه عفا عنهم على كل حال، ولا أنه يعفو عنهم في يوم المآب، بل ظاهرها يدل على الماضي دون المستقبل، ويؤيده قوله تعالى: { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا }(1).

فقد ثبت أنه لا يكون العفو في كل حال، وإن عفا فقد عفا عن السؤال، فإذن لا بد أن يكون معنى العفو على ما قلناه في الدنيا عن العاجل دون الآجل، كما عفا سبحانه عنهم في يوم بدر، لما كان منهم من الرأي في الأسرى، وقد أخبر أنه لولا ما سبق في كتابه، من دفع العقاب عن أمة محمد صلى الله عليه وآله، وترك معاجلتهم بالنقمات، لمسهم منه جل جلاله عذاب عظيم، أو يكون العفو عن خاص من القوم دون العموم، وإلا لتناقض(2) القرآن.

وعلى أي الوجهين ثبت العفو عن المذكورين، فقد خرج الأمر عن يد خصومنا في براءة ساحة من يذهبون إلى إمامته وتعظيمه والولاية له(3) لأنه لا تتميز الدعوى إلا بدليل، ولا دليل للقوم إلا ما تلوناه في العفو، وذلك غير موجب بنفسه التغيير والتمييز بخروجه عن

____________

(1) سورة الأحزاب 33: 15.

(2) في أ: تناقض.

(3) (وتعظيمه والولاية له) ليس في ب.

 

الصفحة 71   

الاستيعاب، وعن الوقوع على كل حال.

على أنا لو سلمنا لهم العفو عنهم على ما تمنوه، لما أوجب ذلك لهم العفو عما اكتسبوه من بعد من الذنوب، ولا دل(1) على عصمتهم فيما يستقبل من الأوقات، ولا خروجهم عن العمد في المعاصي والشبهات، فأين وجه الحجة لهم فيما اعتمدوه لولا ضعف الرأي واليقين؟!

____________

(1) في أ: ولا دليل.