رد من زعم أن الآية قاضية بفضل أبي بكر على أمير المؤمنين عليه السلام

فإن قالوا: لم يقع من الرجلين شئ من ذلك، وكانا معصومين عن جميعه. كابروا وقبحت المناظرة لهم، لأنهم اعتمدوا العناد في ذلك ودفعوا علم الاضطرار.

وإن قالوا: إن الوعد من الله سبحانه لطلحة والزبير بالحسنى لم يمنعهما من سائر ما عددناه، للاتفاق منهم على وقوعه من جهتهما والاجماع.

قيل لهم: ما أنكرتم أن يكون ذلك أيضا غير عاصم لأبي بكر وعمر وعثمان مع دفع أمير المؤمنين عليه السلام عن حقه، وإنكار فضله(1)، وجحد إمامته والنصوص عليه، ولا يمنع التسليم لكم ما ادعيتموه من دخولهم في الآية، وتوجه المدحة إليهم منها، والوعد بالحسنى والنعيم على غاية منيتكم، فيما ذكرته الشيعة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وحال المتقدمين عليه، كما رتبنا ذلك فيما تقدم من السؤال، فلا يجدون منه مهربا.

فصل

 

وقد زعم بعض الناصبة أن الآية قاضية بفضل أبي بكر على أمير

____________

(1) في أ، ب، ح: فرضه.

 

الصفحة 160 

المؤمنين عليه السلام، فإن زعم أن أبا بكر له إنفاق بالإجماع وقتال مع النبي صلى الله عليه وآله، وأن عليا لم يكن له إنفاق(1) على ما زعم وكان له قتال، ومن جمع الأمرين كان أفضل من المنفرد بأحدهما على النظر الصحيح والاعتبار.

فيقال له: أما قتال أمير المؤمنين عليه السلام وظهور جهاده مع النبي صلى الله عليه السلام واشتهاره فمعلوم بالاضطرار، وحاصل عليه من الآية بالإجماع والاتفاق، وليس لصاحبك قتال بين يدي النبي صلى الله عليه وآله باتفاق العلماء، ولا يثبت له جهاد بخبر ولا قرآن، ولا يمكن لأحد ادعاء ذلك له على الوجوه كلها والأسباب، إلا أن يتخرص باطلا على الظن والعناد.

وأما الإنفاق فقد نطق به القرآن لأمير المؤمنين عليه السلام في آية النجوى(2) بإجماع علماء القرآن، وفي آية المنفقين بالليل والنهار(3)، وجاء التفسير بتخصيصها فيه عليه السلام، ونزل الذكر بزكاته عليه السلام في الصلاة(4)،

____________

(1) (بالإجماع.. إنفاق) ليس في ب، ح، م.

(2) وهي قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } سورة المجادلة 58: 12. وانظر مستدرك الحاكم 2: 482 والرياض النضرة 3:

222.

(3) وهي قوله تعالى: { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } سورة البقرة 2: 274. وانظر مناقب ابن المغازلي: 280 / 325، الرياض النضرة 3: 178، شواهد التنزيل 1: 109.

(4) وهو قوله تعالى: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } سورة المائدة 5: 55 وانظر تفسير الحبري 258 / 21 و 260 / 22، معرفة علوم الحديث للحاكم: 102، فرائد السمطين 1: 187 - 195.

 

الصفحة 161 

وصدقته على المسكين واليتيم والأسير في: { هل أتى على الإنسان }(1).

وليس يثبت لأبي بكر إنفاق يدل عليه القرآن بظاهره، ولا قطع العذر به من قول إمام صادق في الخبر عن معناه، ولا يدل عليه تواتر ولا إجماع، مع حصول العلم الضروري بفقر أبي بكر، وما كان عليه من الاضطرار المانع لصحة دعوى الناصبة له ذلك، حسب ما تخرصوه في المقال، ولا فرق بين من ادعى لأبي بكر القتال مع ما بيناه ومن ادعى مثل ذلك لحسان، وبين من ادعى له الإنفاق مع ما بيناه ومن ادعى مثله لأبي هريرة وبلال.

وإذا كانت الدعوى لهذين الرجلين على ما ذكرناه ظاهرة البطلان، فكذلك ما شاركهما في دلالة الفساد من الدعوى لأبي بكر على ما وصفناه، فبطل مقال من ادعى له الفضل في الجملة، فضلا عمن ادعاه له على أمير المؤمنين عليه السلام على ما بنى عليه الناصب الكلام، وبان جهله، والله الموفق للصواب.

____________

(1) سورة الإنسان 76: 1. وانظر تفسير الحبري: 326 / 69، شواهد التنزيل 2: 298 - 315.