النوع الثاني في عمر

وهو أمور. منها: أن النبي صلى الله عليه وآله طلب دواة وكتفا ليكتب لهم كتابا لا يختلفون بعده، وأراد النص على علي عليه السلام وتوكيد ما قال في حقه يوم الغدير وغيره، فلما أحس عمر بذلك منعه وقال: إنه يهجر (1) هذه روايتهم فيه قالوا: إنما أراد أن يكتب بخلافة أبي بكر إذ أسر الحديث المضمون في

____________

(1) رواه البخاري في كتاب العلم باب كتابة العلم (ج 1 ص 32 ط دار إحياء الكتب العربية) ولفظه:

حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وجعه قال:

ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر الله قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس يقول، إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه.

وهكذا في كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني (ج، ص 7) ولفظه: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وآله هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وآله كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا الاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله قال رسول صلى الله عليه وآله:

قوموا: قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

قال السيد شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد - وقد بحث عن ذلك أحسن بحث - وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر كتاب الوصايا (ص 325 من الجزء الأول) وسائر أصحاب السنن والأخبار، وقد تصرفوا فيه فنقلوه بالمعنى لأن لفظه الثابت: (إن النبي يهجر) لكنهم ذكروا أنه قال إن النبي قد غلب عليه الوجع، تهذيبا للعبارة، واتقاء فظاعتها.

ويدلك على هذا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها، قال البخاري في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير (ج 2 ص 178) من صحيحه:

حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن سلمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس) ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: واشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيروا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة!

الصفحة 4      

الآية (1) إلى حفصة أن أبا بكر وأباك يليان أمر أمتي من بعدي.

قلنا: من أين لكم العلم بهذا المراد، استفدتموه من عزله عن براءة؟ أم من تأخيره عن الصلاة، أم من فراره بالراية حين ولاه؟ ولو علم عمر النص على أبي بكر لسارع إلى فعله، لا إلى منعه.

____________

(1) سورة التحريم الآية 3: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا).

الصفحة 5      

والأخبار أنهما يليان ذلك إن صح فالمراد الولاية ظلما كما حبر عن ولاية غيرهم ظلما بني أمية وغيرهم، وقد نقل ابن أبي الحديد (1) عن كتاب تاريخ بغداد أن عمر سأل ابن عباس كيف خلفت عليا؟ قال: يمنح بالدلو، ويقرأ القرآن، قال:

ألقي في نفسه شئ من الخلافة يزعم أن رسول الله جعل له، قلت: نعم قال: أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت إشفاقا على الاسلام، وعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك فدل على أنه نسب النبي صلى الله عليه وآله إلى أنه أشفق منه على الاسلام وعلى أنه علم خلافة علي، وعلى معاندته للنبي وأنه كان مترقبا لموته ليغصب الحق من أهله وهذه من أفحش المطاعن وأوجبها للبعد عن الإمامة، وعلى الاجماع في خلافة أبي بكر لمخالفة علي ومن في جانبه.

وقد حدث علي ابن طلحة بأنه لما خرج عمر حدثه النبي بما أراد أن يكتب ومنه أنه سيلي الأمر اثنا عشر إمام ضلالة عليهم مثل أوزار الأمة إلى يوم القيامة وأوصى إليه بالإمامة وأن يدفعها إلى أولاده إلى تكملة اثني عشر إمام هدى.

وفي رواية أبي ذر أنه لما جمع القرآن أتى به إلى أبي بكر فوجد فيه فضايحهم فردوه، وأمر عمر زيد بن ثابت بجمع غيره، قال زيد: فإذا أخرجه بطل عملي فبعث ليريد من علي ليحرفه مع نفسه، فأبى ذلك فدبروا قتله على يد خالد وهو مشهور.

قالوا: أشفق على النبي حيث كان مجهودا وكثرت الغوغاء عنده فقال: فينا كتاب الله يكفينا.

قلنا: أول ما فيه أنه خالف النبي صلى الله عليه وآله الذي (لا ينطق عن الهوى (2)).

وثانيا أنه لم يرض بحكمه، ووجد؟ الحرج من قوله، وقد نفى الله الإيمان عند مخالفة حكمه، وعدم التسليم لحتمه، في قوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (3) فعمر حاد الله ورسوله، وأبو بكر واده حيث نصبه خليفة بعده وقد نفى الإيمان عن

____________

(1) شرح النهج ج 3 ص 114.

(2) النجم: 3.

(3) النساء: 65.

الصفحة 6      

المواد المحاد لله ورسوله، في قوله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله (1)).

وثالثا أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم: قربوا إليه كتابا، وقول عمر ومن معه: لا ندعه يكتب وإنه قد هجر، وفي رواية: ولا يعلم ما يقول، فعندها قال: اخرجوا عني، وهذا أذى لرسول الله، وقد قال الله: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله) الآية (2).

قالوا: اعتقد عمر الصواب في ترك الكتاب، وكان ذلك في مستقبل الأزمان بويع أبو بكر فلم يختلف عليه اثنان.

قلنا: أول ما فيه أنه اجتهاد بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله، والاجماع في منعه للعدول إلى الطعن في اليقين الحاصل، وثانيا قبح اعتقاده أن الصواب في عقله وتدبيره، و الخطأ في عقل النبي وتدبيره، وثالثا ورد في كتبهم ما أجمعوا عليه من قول ابن عباس الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه.

ورابعا قولهم: لم يختلف عليه اثنان وقد خالف سعد سيد الخزرج، حتى قتل لأجل خلافه، وخالف علي حتى قالوا: نضرب عنقك، وخالف أهل الردة في ولايته، وقوم جبلة في ولاية عمر، واجتمع أكثر الصحابة على قتل عثمان، و خالف الفرق الثلاث لعلي عليه السلام، هذا وقد تلقت الأمة بالقبول، قول الرسول ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية، والباقون في النار.

قالوا: ليس في قوله: يهجر منقصة لأن المراد بالهجر الخارج عن حد الصحة من حيث الكثرة والقلة، لانغمار قلبه بجهد المرض، وقد سها في حال صحته، فسلم في العصر على ركعتين كما في خبر ذي اليدين.

قلنا: أما ما ذكرتم في تعريف الهجر فخارج عن اللغة، قال الجوهري:

الهجر الهذيان، وروى أبو عبيد (3) في قوله: إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا

____________

(1) المجادلة: 22.

(2) الأحزاب: 57.

(3) في الصحاح ص 851: قال أبو عبيد: يروى عن إبراهيم - يعني إبراهيم بن زيد النخعي - ما يثبت هذا القول في قوله تعالى: إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الخ.

الصفحة 7      

لأنهم قالوا فيه غير الحق ألم تر أن المريض إذا هجر قال غير الحق، وقال عكرمة ومجاهد نحو ذلك نص عليه الجوهري.

وجواز السهو على النبي يرفع الثقة بقوله، وحديث ذي اليدين من الكذب والمين. وقد تمسكوا بخلافه أبي بكر بقول عائشة عنه عليه السلام مروا أبا بكر فليصل فلم يهجرهما ويقل غير الحق وجعلوا منعه من الكتاب الذي كان أساس الضلالة و الذهاب حسنة من حسنات عمر (1) مع وضوح مخالفته لسيد البشر، ولو احتمل هذا الرد التأويل، لم يجزم بحديث لأن تحريم رد قول النبي مع وضوحه إذا قبل التأويل، قبله كلما جاء عنه من الأقاويل، فكأن عمر قال: إن الله يهجر لأن كلام النبي صلى الله عليه وآله إنما هو يوجبه كما في كتابه.

تذنيب:

هذه المخالفة مجمع عليها، ذكرها مسلم والبخاري ورواها عبد الرزاق عن الزهري عن ابن عباس والطبري والبلاذري ورووه عن سعيد بن جبير بطريقين وعن جابر الأنصاري (2) وكيف يصح وصفه بالهجر، وقد صح أنه قال: تنام عيناي ولا ينام قلبي، وكان يتوضأ وينام، حتى يسمع غطيطه، ثم يصلي من غير استئناف وضوء.

قال الديلمي:

 

وصى النبي فقال قائلهم قد ظل يهجر سيد البشر

ورووا أبا بكر أصاب ولم         يهجر وقد أوصى إلى عمر

 

وقال:

 

وما رأيت من الآيات معتبرا     إن كنت مدكرا أو كنت معتبرا

 

____________

(1) كذا. والظاهر أن هنا سقطا.

(2) راجع صحيح مسلم ج 1 ص 222 و 325، شرح النهج لابن أبي الحديد، عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري ج 2 ص 20، مسند أحمد ج 1 ص 355.

والطبراني في الأوسط كما في ج 3 ص 138 من كنز العمال.

الصفحة 8      

 

 

أوصى النبي أمير النحل دونهما وخالفاه لأمر عنده اشتورا

وقال هاتوا كتابا لا تضلوا به      بعدي فقالوا رسول الله قد هجرا

تعصبا لأبي نصر فحين ثوى    وفا فوصى به من بعده زفرا

تحمل الوزر فيها ميتا عجبا      وقال حيا أقيلوني بها ضجرا

إن قال إن رسول الله غادرها     شورى فهلا اقتفى من بعده الأثرا

وقال أوصى فلم تقبل وصيته    يوم الغدير فلا تعجل فسوف ترا

 

ومنها: أنهما خالفا لنبي الله حال صحته فيما لا يتهم فيه (1) فقد ذكر الموصلي في مسنده وأبو نعيم في حليته، وابن عبد ربه في عقده، وأبو حاتم في زينته، والشيرازي في التفسير المستخرج من الاثني عشر تفسيرا أن الصحابة مدحوا رجلا بكثرة العبادة فدفع النبي سيفه إلى أبي بكر وأمره بقتله، فدخل فرآه يصلي، فرجع، فدفعه إلى عمر وأمره بقتله، فدخل فرجع، ودفعه إلى علي فدخل فلم يجده.

فقال عليه السلام: لو قتل لم يقع بين أمتي اختلاف أبدا، وفي قول آخر: لو قتل لكان أول الفتنة وآخرها، فالعجب من الأول كيف تركه وقد وصفوا للنبي صلى الله عليه وآله عبادته، وأعجب منه الثاني أفكانا أعلم من النبي بباطنه، و كانت تلك المخالفة سبب هلاك الأمة وضلالها، والرجل المأمور بقتله ذو الثدية رئيس الخوارج (2).

ومنها: الحديث التاسع والسبعين بعد المائة من الجمع بين الصحيحين (3)

____________

(1) وممن أخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 15. وذكره ابن حجر في الإصابة نقلا عن أبي يعلى في مسنده في ترجمة الرجل بعنوان ذي الثدية وهكذا ابن الأثير في أسد الغابة، نقلا عن البخاري تحت عنوانه لذي الخويصرة ج 2 ص 139.

(2) هو ذو الخويصرة التميمي: حرقوص بن زهير، صار بعد ذلك قائد الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

(3) رواه مسلم في صحيحه أوائل جزئه الأول باب من لقي الله تعالى بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار. وهكذا شرح صحيح مسلم للنووي ج 1 ص 44.

الصفحة 9      

أنه عليه السلام بعث أبا هريرة ببغلته يبشر بالجنة من شهد بالوحدة مستيقنا وضربه عمر ورده، وقال: خفت أن يتكلوا عليها، أفتراه أشفق من النبي أو من الرب تعالى فإن قوله يوجبه، وخصوصا هذه الرسالة وأي ضرر كان عليه إذ قنع الله من عباده بإخلاص هذه الشهادة، بل هذه جناية عمر على الاسلام كافة.

ومنها: ما ذكره صاحب العقد في المجلد الأول منه أن عمر عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله، وعزل الحارث بن وهب وشاطره ماله، و كتب إلى عمرو بن العاص: بلغني أنه قد فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد فمن أين لك هذا؟ فكتب إني أعالج من الزراعة ما لا يعالجه الناس فشاطره ماله حتى أخذ إحدى نعليه، فغضب ابن العاص وقال: قبح الله زمانا عمل فيه ابن العاص لابن الخطاب، والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب وعلى ابنه مثلها.

ومنها: أنه وضع الطلاق ثلاثا في مجلس واحد (1) حين قال: أرى ألسنة الناس قد استعذبوا الإيمان بالطلاق والوجه أن يغلب عليهم الحنث، لعلهم يرتدعون واشتهر عنه أنه أتي برجل طلق ثلاثا، فأوجع رأسه وردها عليه، وقد ذكر الله (الطلاق مرتان (2)) فمن قال: أنت طالق ثلاثا، فالثلاث لغو لأن الواحدة لا تكون ثلاثا، كما أن من سبح مرة وقال ثلاثا أو قرأ مرة وقال عشرا، أو قال الملاعن: أشهد بالله أربعا لم يكن كذلك اتفاقا، وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله

____________

(1) صحيح مسلم بشرح النووي ج 10 ص 70، الدر المنثور ج 1 ص 279، سبل السلام ج 3 ص 173، أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 459، سنن أبي داود ج 2 ص 509 تحت الرقم 2200 سنن النسائي ج 6 ص 142، وهكذا أخرجه الحاكم في مستدركه ج 2 ص 196، وابن حنبل في مسنده ج 1 ص 314، والبيهقي في سننه ج 7 ص 336، و القرطبي في تفسيره ج 3 ص 130 وغيرهم.

(2) البقرة: 229.

الصفحة 10   

إياكم والمطلقات ثلاثا فإنهن ذوات أزواج.

وذكر الجاحظ في كتاب النساء أن رجلا طلق ثلاثا جميعا (1) فقام عليه السلام غضبان وقال: يلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ (2) وفي سير ابن ماجة وأبي داود ومسند أحمد وأبي يعلى والشافعي وإحياء الغزالي وكشف الثعلبي أن ابن عمر طلق ثلاثا حائضا فأمره النبي بمراجعتها وإن أراد طلاقها للسنة (3).

قال ابن المغربي:

 

ولو رخص الله في دينه لأوشك من مكره أن يزيله

ولكن أتيح له حية       وعاجله الله بالقتل غيلة

وغادر من فعله سنة     يجر الزمان عليها ذيوله

 

وسيأتي شئ من ذلك في باب الأحكام إن شاء الله.

ومنها: أن عمر وأصحابه أخذوا عليا أسيرا إلى البيعة، وهكذا لا ينكره عالم من الشيعة وقد أورد ابن قتيبة وهو أكبر شيوخ القدرية في المجلد الأول في كتاب السياسة (4) قوله له حين قال: إن لم أبايع: نضرب عنقك، فأتى قبر النبي باكيا قائلا: (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)، وهذا فيه غاية

____________

(1) لم يذكر في الحديث اسم الرجل، ولعله عبد الله بن عمر بن الخطاب أو هو عبد يزيد أبو ركانة.

(2) رواه من سنن النسائي ج 6 ص 142، وبعده: حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله.

(3) وتراه في تفسير الكشاف ج 3 ص 240، تفسير الإمام الرازي ج 3 ص 30 و في نيل الأوطار ج 6 ص 241 نقلا عن المنتقى بإسناده إلى الحسن عن عبد الله بن عمر قال:

إنه طلق امرأة تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى: إنك أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء.

(4) راجع الإمامة والسياسة ج 1 ص 13.

الصفحة 11   

الأذى للنبي صلى الله عليه وآله لما رواه ابن حنبل عنه صلى الله عليه وآله: من آذى عليا فقد آذاني وقد عيره معاوية به، في قوله: كنت بالأمس تنقاد كالجمل المخشوش، أي في أ؟ فه خشاش، أجاب ماذا على المسلم من غضاضة، ما لم يكن شاكا في دينه، وروى البلاذري أن عليا قال لعمر: احلب حلبا لك شطره اشدده له اليوم يرد عليك غدا (1)

تذنيب:

سئل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم - إلى قوله -: ومكر السئ) قال: (2) مرض علي عليه السلام فأعاده النبي صلى الله عليه وآله في أناس فسأله أبو بكر ثلاثا بأمر عمر: كنت قد عهدت إلينا في علي فإن حدث أمر فإلى من؟ فقال عليه السلام: إنه لن يموت حتى تملئانه غضبا، وتوسعانه غدرا.

قالوا: فما ذكرتم من أخذه أسيرا نسبة خسة وعجز إلى الشجاع الأعظم وإلى شجعان بني هاشم، ذوي الآنفة والحمية.

قلنا: قد قتل وغصب جمع من الأنبياء، ولم ينسب إليهم بذلك خسة، هذا نوح قال: رب إني مغلوب (3)) ولوط (لو أن لي بكم قوة (4)) وموسى (ففررت منكم لما خفتكم (5)) وعيسى فر من اليهود والفجار، والنبي هرب من الكفار إلى الغار، فإذا جاز ذلك للأنبياء، فالأولى جوازه على الأولياء وعصابة بني هاشم لم تكن لتقاوم الكثرة في جانب الغاشم، ولجاز تركهم القيام بوصية علي المستندة إلى وصية النبي صلى الله عليه وآله هذا.

____________

(1) أخرجه البحراني في غاية المرام ص 557، وقد ذكر ذلك بنحو آخر في نهج البلاغة في الخطبة الشقشقية وأخرجه علم الهدى السيد المرتضى في الشافي كما في تلخيصه ج 3 ص 75، فراجع.

(2) الأحزاب: 57.

(3) القمر: 10 والآية: فدعا ربه إني مغلوب فانتصر.

(4) هود: 80.

(5) الشعراء: 21.

الصفحة 12   

وقد أخرج الطبري قول علي لحذيفة: كيف أنت وقد ظلمت العيون العين؟

قال حذيفة له: فلم أعلم تأويل كلامك إلى أن قام عتيق مقام الرسول، وأوله عين ثم عمر وأوله عين، ثم عثمان، وأوله عين، فقال له: علي عليه السلام نسيت عبد - الرحمن وقد عدل بها إلى عثمان، ثم عمرو بن العاص، ثم أخوهم عبد الرحمن ابن ملجم.

ولما تظلم عليه السلام قال له الأشعث بن قيس: لم لم تقاتل؟ فأجاب بأن لي أسوة بسنة الأنبياء، وقد صرحنا منهم بخمسة وأشرنا إلى هارون (استضعفوني) (1) وقد نطق القرآن بأحوالهم، والإمام أعذر منهم.

وأجاب عليه السلام الأشعث مرة أخرى بأنه عهد النبي إلي أن لا أجاهد إلا إذا وجدت أعوانا فلو وجدت أعوانا لجاهدت، وقد طفت على المهاجرين والأنصار فلم أحد سوى أربعة، ولو وجدت أربعين يوم بويع لأخي تيم لجاهدتهم.

ومنها: ما رواه البلاذري (2) واشتهر في الشيعة أنه حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسنا مع علم كل أحد بقول أبيها لها: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني.

____________

(1) الأعراف: 105.

(2) روى البلاذري بإسناده إلى أبي عون أن أبا بكر أرسل إلى علي يريده على البيعة فلم يبايع، ومعه قبس، فتلقته فاطمة عليها السلام على الباب، فقالت: يا بن الخطاب أتراك محرقا على بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء على فبايع.

والروايات بهذا المضمون كثيرة وفي بعضها التعرض لذكر المحسن وسقطه، راجع الإمامة والسياسة ج 1 ص 12، العقد الفريد ج 2 ص 250 تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156 أعلام النساء ج 3 ص 1027، تاريخ الطبري ج 3 ص 202 (ط دار المعارف) الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 131، مروج الذهب ج 1 ص 414، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 105.

وأما كتاب البلاذري، فالمطبوع منه يبدأ من بعد الشورى، ولم يطبعوه كاملا.

الصفحة 13   

إن قالوا: لا اختصاص لها بذلك فلا فضيلة لها، فإنه قال: من أذى ذميا فقد آذاني.

قلنا: هذا لا يضرنا لأن المراد أذيته بغير حق، وإذا كان هدا زجره عن أذية ذمي علم كل عاقل أن جميع أهل الذمة وكثير من الأمة لا توازي أذية بضعته والفلذة من جسده، ولم يقل: بضعة مني لأحد غيرها، لتنبيهه على عظيم شأنها، و تفخيم أمر الإساءة إليها.

قال الحميري:

 

ضربت واهتضمت من حقها    وأذيقت بعده طعم السلع

قطع الله يدي ضاربها   ويد الراضي بذاك المتبع

لا عفى الله له عنه ولا   كف عنه هول يوم المطلع

 

وقال البرقي:

 

وكللا النار من بيت ومن حطب          والمضرمان لمن فيه يسبان

وليس في البيت إلا كل طاهرة  من النساء وصديق وسبطان

فلم أقل غدرا بل قلت قد كفرا  والكفر أيسر من تحريق ولدان

وكل ما كان من جور ومن فتن ففي رقابهما في النار طوقان

 

إن قيل: يجوز للإمام تهديد مخالف الاجماع بذلك وغيره.

قلنا: لا خلاف أن ذلك كان قبل مبايعة علي، وحينئذ لا إجماع.

قالوا: عائشة لم تكن ابنة محمد، وحين عقر جملها حمت المسلمون لحرمة زوجها فتطايرت الرؤس والأكف حولها، وما فعل بفاطمة من النكير أعظم من عقر البعير فكيف لم يتحم المسلمون لها؟

قلنا: أين كانت حمية المسلمين حيث قتل أصحاب عائشة رسول علي إليهم بكتاب الله يعظهم كما أخرجه ابن مسكويه وابن قتيبة وغيرهما (1) وثنوا بقتل حكيم

____________

(1) قال الطبري: ج 3 ص 522 من تاريخه: ورجع على إلى أصحابه فقال لهم: أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى، فإن قطعت أيضا أخذه بأسنانه قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلا ذلك الشاب، فقال له علي، اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، الله الله في دمائنا ودمائكم، فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه فأخذه بأسنانه حتى قتل وقد ذكر هو وغيره من المؤرخين ومؤلفي التراجم قصة حكيم بن جبلة وعثمان بن حنيف كما في شرح النهج ج 2 ص 500.

الصفحة 14   

مع سائر أصحابه، وثلثوا بنتف لحية ابن حنيف وأجفانه، وهو من شيوخ الأنصار وزهادهم، وقد كانت عائشة وأصحابهم أقل من قبيلة عمر وأتباعها.

على أن عليا سب ألف شهر على المنابر، ولم يوجد لذلك حمية من البر والفاجر، أما الأول فلعذره، وأما الثاني فلغدره.

قالوا: فتأذى عمر لسوقي من ملك غسان جبلة (1) فكيف يتحمل أذية فاطمة.

قلنا: فما له يحمل أذاها في بعلها عند قوله: نضرب عنقك وقوله لأبي بكر:

ألا تأمر فيه بأمرك كما ذكره ابن قتيبة.

ومنها: أنه جاهل بالأحكام فأمر برجم حامل أقرت بالزنا فقال له علي (2): إن

____________

(1) قال ابن عبد ربه في العقد ج 1 ص 187 أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني وفد على عمر بن الخطاب في 500 من فرسان عك وجفينة وعليهم الوشي المنسوج بالذهب والفضة وعلى رأس جبلة تاجه، وفيه قرط جدته مارية فأسلموا جميعا، وفرح المسلمون بهم وبمن وراءهم من أتباعهم فرحا شديدا.

وحضر جبلة بأصحابه الموسم من عامهم ذاك مع الخليفة، فبينما يطوف جبلة بالبيت إذ وطئ إزاره رجل من فزارة فحله، فلطمه جبلة، فاستعدى الفزاري عمر، فأمر عمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك حتى بلغ اليأس، فلما جنه الليل خرج بأصحابه فأتوا القسطنطينية فتنصروا جميعا مرغمين.

(2) المعروف بينهم أن الذي نبهه على ذلك معاذ بن جبل، راجع الإصابة ترجمة معاذ بن جبل، ج 3 ص 427، شرح النهج ج 3 ص 150 وفتح الباري لابن حجر ج 12 ص 120، التمهيد للباقلاني ص 199، سنن البيهقي ج 7 ص 443.

الصفحة 15   

كان لك سبيل عليها فلا سبيل على حملها، دعها حتى تضع وترضع ولدها فتركها، وقال: لولا علي لهلك عمر.

قالوا: لم يكن عارفا بالحمل قلنا: اعترافه ينفي جهله إذ لا إثم يتوجه مع الجهل بالحمل، ولأن عليا عرفه بما يترتب ولم يعرفه بنفس الحمل، ولما كان عمر أقر عليه بل كان اعتذر بأني لم أعرف.

وكذا أمر برجم مجنونة شهد عليها بالزنا فأخرج البخاري أن عليا قال له:

أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق؟ فقال: لولا علي لهلك عمر (1).

قالوا: لم يكن عارفا بالجنون قلنا: قد سلف الجواب عن هذا الباب، وقد ثبت رجوعه إلى علي رغاما بعد عجزه، وعجز الصحابة في ثلاث وعشرين مسألة.

وأصاب رجل من بني كنانة مأمومة فأراد الاقتياد منه، فقال العباس: سمعت النبي يقول: لا قود في جائفة ولا مأمومة ولا منقلة فأغرمه العقل.

وفي إحياء الغزالي أن عمر هو الذي سد باب الكلام والجدل وفي تفسير النقاش وابن بطة والأنباري أنه ضرب رجلا اسمه ضبيع حين سأله عن (الذاريات) و (النازعات) و (المرسلات) وحبسه طويلا ثم نفاه إلى البصرة وكتب لا تجالسوه.

ومنها: ما ذكره الحميدي في فصل مفرد في آخر الجمع بين الصحيحين أنه منع المغالاة في المهور وقال: من غالى في مهر ابنته جعلته في بيت المال (2) بشبهة

____________

(1) رواه البخاري في كتاب المحاربين، باب لا يرجم المجنونة ج 4 ص 176 ط دار إحياء الكتب العربية وترى القصة في مستدرك الحاكم ج 4 ص 389، ج 2 ص 59 شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 150، سنن أبي داود ج 2 ص 227 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 227. سنن البيهقي ج 8 ص 264، تذكرة سبط ابن الجوزي ص 57 وغير ذلك من الكتب.

(2) تعرض لذلك الزمخشري والرازي والسيوطي وابن كثير والنيسابوري، والنسفي في تفسيرهم عند تفسير آية النساء: 20، وتراه في كتب الحديث في مجمع الزوائد ج 4 ص 284، سنن البيهقي ج 7 ص 233، كنز العمال ج 8 ص 298، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 61 و ج 3 ص 96، مستدرك الحاكم ج 2 ص 177.

الصفحة 16   

زواج النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة بخمسمائة، وفي الكتاب (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (1)) فنبهته امرأة بقوله تعالى: (وإن آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) (2) فقال: كل أفقه من عمر حتى المخدرات، وفي رواية السمعاني كل أفقه من عمر حتى النسوان، وفي رواية ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت.

قالوا: طلب الاستحباب في ترك المغالاة قلنا: المروي أنه حرمه حتى قالت المرأة: كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في محكم كتابه.

قالوا: تواضع بقوله: كل أفقه من عمر قلنا: لو كان ذلك حقا لكان هو المصيب دونها، ورووا أن عمر مر بصبيان يلعبون فقال: ما رأينا خيرا منذ فارقناكم، فقال واحد منهم: أتقول هذا وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الخير كله؟ فأخذ ترابا فجعله في فيه، وقال: كل أعقل من عمر حتى الصبيان.

أبو أيوب السختياني وإسماعيل بن علية: حكم عمر بين خصمين فقال رجل:

أصبت، فقال: والله ما يدري زفر أصاب أم أخطأ.

وروى عاصم بن سمرة أن غلاما ادعى أمومة امرأة فأنكرته أمه فأمر عمر بحده فصاح إلى علي فطلب عليه السلام أن يزوجها منه، فأقرت به فقال: لولا علي لهلك عمر.

الأصبغ بن نباته: جئ عمر بخمسة زنوا فأمر برجمهم فخطأه علي، وقتل واحدا ورجم ثانيا، وحد ثالثا،، وحد رابعا، منصفا، وعزر خامسا فقال المردبود كيف ذلك؟ فقال عليه السلام: ذمي زنى بمسلمة، والثاني محصن بكر، والثالث غير محصن والرابع عبد، والخامس مجنون فقال زفر: لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن (3).

وأتي برجل قال لامرأته: يا زانية قالت: أنت أزنى مني، فأمر بجلدهما فقال

____________

(1) المائدة: 44.

(2) ترى هذه الروايات في البحار مستخرجة عن كتب الأصحاب وغيرها الباب 97 من تاريخ أمير المؤمنين ج 40 ص 218 - 317 من طبعته الحديثة.

 

 

 

 

الصفحة 17   

علي عليه السلام: تجلد هي دونه حدين، أحدهما لفريتها، والآخر لإقرارها (1).

وسأله أربعون امرأة: كم شهوة الرجل من شهوة المرأة؟ فقال: له جزء و لها تسعة، قلن: فما باله يتسرى (2) ويتمتع بجزء، وليس لها ذلك مع تسعة أجزاء فأفحم، فرجع بذلك إلى علي عليه السلام فأمر كل واحدة أن تأتي بقارورة ماء وتضعه في إجانة فلما فعلن ذلك قال: كل كل منكن تأخذ ماءها، فقلن: لا نميزه، فأشار إلى أنه لو فعل ذلك لبطلت الأنساب والمواريث (3).

وادعى صبي مال أبيه، فزجره عمر وطرده فصاح إلى علي عليه السلام فاستجر من قبر أبيه ضلعه فأشمه إياه فانبعث الدم من أنفه فقال لعمر: سلم المال إليه ثم أشمه الحاضرين، فلم ينبعث الدم، فأعاده إليه فانبعث فقال: إنه أبوه والله ما كذبت ولا كذبت (4).

قال الصاحب:

 

ناصبة هبني قد صدقتها فيما روى الأول من أمر فدك

لم قدموا على علي رجلا        مع قوله لولا علي لهلك

 

وهذا كله يبطل ما رووه من قول النبي: الحق ينطق على لسان عمر، وقد علمت من شأنه إنطاق الباطل بلسانه، على أن الحديث لو صح لصدق بفرد واحد لأنه مهمل في قوة الجزئي.

قال الجاحظ: ما كان علي إلا كبعض فقهائهم، الذين يكثر صوابهم، و يقل خطأهم.

قلنا: قد روى منكم من لا يتهم عليكم قول النبي صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي

____________

(1) وذلك لأن قولها (أنت أزنى مني) يستلزم الزناء لنفسه من دون تفضيل، ولكن الاقرار بالزناء لا بد وأن يقع أربع مرات حتى يستلزم الحد، فتأمل.

(2) أي يأخذ السرية، وهي الجارية المملوكة.

(3) أخرجه ابن شهرآشوب عن روض الجنان لأبي الفتوح الرازي ج 1 ص 492 ط إيران.

(4) راجع المناقب ج 1 ص 491.

الصفحة 18   

وكان عمر أحد الفقهاء يضطر إليه اضطرار الفقير إلى الغني. والضعيف إلى القوي فأراد الجاحظ الحط لعلي من رتبته، فبالغ في تنقيص أحبته، وهذا من حمق الجاحظ وجهالته.

وقد روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أدر الحق مع علي، وروى ابن مردويه قول النبي: الحق مع علي، وروى أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: ألا وإن الحق معه يتبعه ألا فميلوا معه، ونحو ذلك كثير ولو فرضنا أنه اجتهد وأخطأ فلا لوم عليه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أيضا كل مجتهد مصيب.

ومنها: أنه بلغ به الجهل إلى إنكار موت النبي حتى قال له أبو بكر:

(إنك ميت وإنهم ميتون (1) (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (2)) فقال:

الآن أيقنت بوفاته، وكأني لم أسمعها (3) إن قيل: كان ذلك سهوا قلنا: كيف يقع السهو في الأمور المحسوسة، و خاصة في احترام خاتم النبوة، ومتى جاز السهو في هذه، جاز في جميع الأحكام فلا يوثق بها، وغلبة السهو توجب انعزال قاضي الأمة فضلا عن إمام الأمة.

وقد روى إنكاره لموته جميع أهل السير منهم البخاري والشعبي والجرجاني والطبري والزمخشري حتى قال العباس: إنما يقوله ابن الخطاب، فإنه لا يعجز أن يحثوا عنه خلوا بيننا وبينه، فإنه يأسن، أي يتغير، ولا عجب من إنكاره لموته وخطائه في أحكامه، وقد اجتهد في حفظ سورة البقرة بسبع سنين وقيل: اثنتي عشرة ونحر جزورا وليمة عند فراغه.

قالوا: إنما أنكر موته استصلاحا للرعية قلنا هذا يبطله قوله: الآن تيقنت وقوله لابن عباس: ما حملني على ذلك إلا قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة

____________

(1) الزمر: 30.

(2) آل عمران: 154 (3) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 200 ط دار المعارف، الكامل لابن الأثير ج 2 ص 219 وفي مسند ابن ماجة الحديث المرقم 1627، شرح النهج ج 2 ص 40 ط دار المعارف بمصر.

الصفحة 19   

وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (1) فظننت أنه يبقى بعدنا حتى يشهد على آخر أعمالنا.

فاعترف أنه كان يعتقد ذلك حتى قال في إنكاره: لا يموت حتى يقطع أيدي وأرجل ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، فانظر كيف تهجم بالكذب على رسوله، وتخرص على الغيب المستلزم لأعظم العيب.

ومنها: أنه لما طعن قيل له: استخلف! فقال: لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا أو سالم مولى حذيفة لاستخلفته ذكره الطبري في تاريخه من طرق مختلفة عن مشايخه، وذكره البلاذري في تاريخ الأشراف (2) ولولا شدة بغضه لعلي ذي الخصال الجليلة، ما تمنى لها من لا يدانيه في الفضيلة.

ومنها: أنه أوجب على جميع الخلق إمامة أبي بكر، ودعا إليها لا عن وحي من الله، ولا خبر من رسول الله، أتراه كان أعلم منهما بمصالح العباد، أو استناباه في نصب أبي بكر إماما على البلاد، أم الأمة حكمته على أنفسها، حتى قضى بذلك

____________

(1) البقرة: 143.

(2) كلامه هذا من المتواترات ذكره الطبري وابن الأثير أيضا في حوادث سنة 23 وذكره شارح النهج في شرح الخطبة الشقشقية وذكره ابن الأثير في أسد الغابة ج 2 ص 246 ولفظه، لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى.

أقول: وفي روايات أصحابنا عند تفسير قوله تعالى: (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) الزخرف: 79، أن ستة من المهاجرين والأنصار وهم أبو بكر وعمر ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة وأبو عبيدة ابن الجراح عهدوا فيما بينهم وأبرموا عهدهم على أن يخرجوا سلطان محمد صلى الله عليه وآله عن أهل بيته.

ولذلك ترى ثلاثة منهم عندما كانوا حضروا يوم السقيفة، إنما يداولون البيعة فيما بينهم، وبعد ما وقعت البيعة لأبي بكر فلتة تداولوها كالكرة فيما بينهم، فأوصى أبو بكر إلى عمر، وقال عمر: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا أو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا لما جعلتها شورى وأوصيت إليه، ثم إنه جعلها شورى في ستة وجعل الخيرة لعبد الرحمان ابن عوف لعلمه بأنه لا يدع جانب عثمان فيكون قد أخرج سلطان محمد عن أهل بيته.

الصفحة 20   

عليها، فلزمها فساد أمرها، وقد سنح لمؤلف الكتاب شعر فيها:

 

يا بيعة القفة كم هدمت في الخلق من أركان أديانها

وبدلت ما قاله الله في   علي إذ تنباد أركانها

فأفسدت صالح أعمالها تبا لها بات بخسرانها

 

توضيح: القفة هو الذي وضع يده في بوله فواضع يده في هذه البيعة كواضعها في بوله.

ومنها أنه تجسس على قوم في دارهم ذكره الطبري والرازي والثعلبي والقزويني والبصري وفي محاضرات الراغب والإحياء عن الغزالي وقوت القلوب عن المالكي فقال أصحاب الدار: أخطأت لقوله تعالى: (ولا تجسسوا (1)) ودخلت من غير باب لقوله: (وأتوا البيوت من أبوابها (2)) ودخلت من غير إذن لقوله: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها (3)).

قالوا: له أن يجتهد في إزالة المنكر، لأنه بلغه أنهم كانوا على منكر قلنا: لا يجوز الاجتهاد في محرم بغير علم وظن، ولهذا لما أظهر أنه كذب لحقه الخجل.

ومنها: أنه كان يعطي عائشة وحفصة كل سنة من بيت المال عشرة آلاف درهم، ومنع أهل البيت خمسهم، وكانت غلته ثمانون ألفا، ومنع فاطمة إرثها ونحلتها (4)

____________

(1) الحجرات: 12.

(2) البقرة: 189.

(3) النور: 27.

(4) فرض عمر لأزواج النبي صلوات الله عليه عشرة آلاف درهم إلا عائشة فإنه فرض لها اثنى عشر ألف درهم، كما ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ص 226 وهكذا ذكره الطبري في تاريخه ج 3 ص 614.

لكن ولا خلاف في أنه كان لا يقسم العطية بالسوية راجع الأحكام السلطانية ص 177 فتوح البلدان للبلاذري ص 435، طبقات ابن سعد ج 3 ص 223، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص: 51، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 153، مستدرك الحاكم ج 4 ص 8 وغير ذلك من الكتب.

وأما منعه الخمس عن أهل بيت الرسول، فقد تأولوا آية الخمس باختصاص سهم الله ورسوله وذي القربى بالرسول، وقالوا ذهب ذلك بذهاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأجروا الخمس على ثلاثة أصناف منهم على اليتامى والمساكين وابن السبيل وعزلوه عن القرابة، راجع في ذلك كتب التفاسير عند قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى).

الصفحة 21   

قالوا: يجوز تفضيل النساء في العطاء قلنا: لا بسبب خطأ.

ومنها: أنه خرق كتاب فاطمة الذي أعطاها أبو بكر وقال: لا تعطها بغير بينة أسنده إبراهيم الثقفي إلى علي عليه السلام، وذكره المرتضى في شافيه، قال: وروي من طرق مختلفة فأقول: فما باله رد سبي اليمن بعد أن شراه المسلمون، بقول الأشعري: إنه صلى الله عليه وآله أعطاهم عهدا فمن أين لعمر أن يخرج حقوق المسلمين من أيديهم بغير بينة.

ومنها: أنه ترك حي على خير العمل، وقال: خفت أن يتكل الناس عليها وتدع غيرها، وروى أبو بكر بن شيبة وهو أحد شيوخ الحديث أن الحسين عليه السلام قالها وقال: هذا الأذان الأول، يعني أذان رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأسند محمد بن منصور الكوفي في كتابه الجامع إلى أبي محذورة أن النبي أمره بها، وقال ابن عباس لعمر: ألقيتها من الأذان، وبها أذن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأبدع الكتف وهو في الصلاة من فعل اليهود والنصارى، وحذف البسملة منها، وزاد (آمين) فيها وهي كلمة سريانية يهودية، ووضع في التشهد الأول تسليما مع أنهم؟ ووا قوله عليه السلام: تحليلها التسليم، ولا خلاف عندهم أن من سلم قبل التشهد عمدا فلا صلاة له.

ومنها: أنه عطل حد الله لما شهدوه على المغيرة بن شعبة بالزنا فلقن الرابع وهو زياد بن سمينة فتركها فحد الثلاثة وكيف يجوز له صرف الحد عن مستحقه

الصفحة 22   

ويوضع فيه ثلاثة بهوى نفسه، وكان كلما لقي المغيرة يقول: قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء (1).

إن قيل: فعلي لم يحد رجلا أقر بالسرقة بل أسقطه بحفظه سورة البقرة فقال الأشعث بن قيس: تعطل حد الله؟ قلنا: قال له ويحك: إن للإمام الخيار في المقر أن يعفو أما مع الشهود فليس له أن يعفوا.

ومنها: ما ذكره الشهيد في قواعده أنه حد رجلا زور عليه كتابا مائة فشفع فيه قوم فجلده مائة ثانية ثم مائة أخرى، وليس ذلك من موجبات الحد، بل التعزير ولا يجوز أن يبلغ مائة جلدة.

ومنها: أنه كان يتلون في الأحكام ويتبع الظن، حتى قضى في الجد بسبعين قضية، وقيل: بمائة قضية وقال: إني قضيت في الجد تسعين قضية، وقيل:

مائة قضية وقال: إني قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها لم أكن فيها على الحق، ذكره عنه أيوب السختياني عن ابن سيرين.

وحكى الجاحظ قول عمر: أجرأكم على الجد أجرأكم على النار، ثم اختلف قضاؤه فيه، وهذا دليل مناقضته وخبطه، مع قوله: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله، بغير ما أراد الله.

وقال في الكلالة: أقول فيها برأيي، ومنع متعة الحج مع وجوبها في الكتاب ومتعة النساء، وسيأتي القول فيها محررا فليطلبه من أراده مأجورا.

ومنها: أنه أبدع في الشورى أمورا خرج بها عن النص والاختيار جميعا فروى الجمهور أنه نظر إلى أهل الشورى وقال: قد جاءني كل واحد منهم يهز عقيرته يرجو أن يكون خليفة.

____________

(1) ذكر القصة بطولها أصحاب السير، وتراه في ابن خلكان ج 2 ص 455، تاريخ ابن كثير ص 7 ص 81، شرح النهج لابن أبي الحديد ص 3 ص 161، السنن الكبرى للبيهقي ص 8 ص 235، تاريخ أبي الفداء ص 1 ص 174، الأغاني ص 14 ص 146 ط الساسي، تاريخ الطبري ص 4 ص 207 ط قديم مصر، وغير ذلك من الكتب.

الصفحة 23   

أما أنت يا طلحة أفلست القائل (لئن مات النبي لننكحن أزواجه؟) فنزل تحريمهن أبدا.

وأما أنت يا زبير فوالله مالان قبلك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا مؤمن الرضا، كافر الغضب يوما شيطانا ويوما رحمانا.

وأما أنت يا عثمان فوالله لروثة خير منك، ولئن وليتها لتحملن بني معيط على رقاب الناس ولئن فعلتها لتقتلن قالها ثلاثا.

وأما أنت يا عبد الرحمن فعاجز تحب قومك.

وأما أنت يا سعد فصاحب عصبة وفتنة مفتتن وقتال لا تقوم بقرية لو حملتها.

وأما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحتهم، ثم قام علي وخرج فقال عمر: والله إني لأعلم مكان الرجل لو وليتموه أمركم ليحملنكم على المحجة البيضاء قالوا: فلم لا توليه؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل. (1) وقال له ابنه مثل ذلك فقال: أكره أن أتحملها حيا وميتا (2).

وفي كتاب السقيفة للجوهري منهم ما يناسب ذلك وفي كتاب الاستيعاب منهم قول ابن عباس: ما أدري ما أصنع بأمة محمد؟ قلت: إنك القادر على أن تضع ذلك مكان الثقة، قال: تعني عليا؟ قلت: أجل قال: إنه كان كما ذكرت لكنه كثير الدعابة.

قال ابن طاووس: الدعابة من أخلاق النبيين، فانظر كيف طعن عمر فيهم ثم أهلهم وجعل الأمر إليهم، دون غيرهم ثم نقل الأمر إلى أربعة وأمر بقتل من خالفهم، ثم نقله إلى ثلاثة، وجعل للثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن، لعلمه أنه لا يعدل بها عن ختنه وابن عمه عثمان، وأن عليا وعثمان لا يجتمعان ثم أمر بقتل

____________

(1) راجع شرح النهج ج 1 ص 185 ط دار المعارف، أنساب الأشراف ج 5 ص 18، كنز العمال ج 3 ص 158، الاستيعاب في ترجمة علي عليه السلام.

(2) تراه في الاستيعاب في ترجمة عمر بن الخطاب، كنز العمال ج 6 ص 359 الرياض النضرة ج 2 ص 72.

الصفحة 24   

الثلاثة الأخر، ثم أمر بقتلهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام، وكيف يستحقون القتل، وقد كلفوا اختيار الإمام، وربما طال زمان الاجتهاد بحسب تعارض الصلاح والفساد.

قالوا: أمر بقتلهم إن تأخروا على طريق شق العصا، وطلب الأمر من غير جهته قلنا: ذلك لا يوجب القتل، ولئن أوجبه لم يجز تأخيره ثلاثا ولله در القائل:

 

وما ترك النبي الناس شورى    بلا هاد ولا علم مقيم

ولكن سول الشيطان أمرا         فأردى بالسواء وبالسئيم

 

وقد كانت الشورى سبب اختلاف الآراء، وتشتيت الأهواء، كما ذكره أهل التواريخ، وصاحب العقد في المجلد الرابع عن معاوية بن أبي سفيان، فكان عمر سبب الاختلاف في منع النبي صلى الله عليه وآله من الكتاب أولا، وفي جعل الأمر شورى ثانيا.

ومنها: أنه لم يحكم على نفسه بل أخرجها من أولياء الله الذين هم ناجون (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (1) فقد أسند الواقدي إلى ابن عباس أنه دخل عليه حين طعن، وقال: مضى النبي وهو عنك راض، فقال: المغرور من غررتموه، أما والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، فأين هذا من قول علي: إني إلى لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، وإني لعلى صراط مستقيم من أمري، وبينة من ربي، وسنذكر شيئا من ذلك عند ذكر الصحيفة.

وقال ابن عمر لابن أبي بكر: اكتم علي ما أقول، إن أبي لما حضرته الوفاة بكى فقلت: مم؟ قال: آت عليا ليحلني وأردد عليه الأمر فلما جاء قال له ذلك قال: أجيبك على أن تشهد رجلين من الأنصار ورجلين من المهاجرين أنك وصاحبك ظلمتماني فحول أبي وجهه، فخرج علي فقلت: قد أجابك فأعرضت عنه؟ فقال: يا أحمق أراد أن لا يصلي علي أحد.

____________

(1) يونس: 62.

الصفحة 25   

فلما حضرته الوفاة كان يقول مثل ما كان أبوك يقول وكان في حياته شاكا في دينه، وسنذكر طرفا منه في باب المجادلة.

وفي مسند ابن سليمان قال رجل للشعبي: إن عليا شهد للثاني بالجنة، فما تقول أنت؟ فقال: يبكي في خطيئته، وأنا أشهد له بالجنة؟.

وفي الحلية إن عمر قال: لو نادى منادي السماء أنكم داخلون الجنة إلا واحدا لخفت أن أكون هو.

وفي مواعظ الكرامي أنه قال عند احتضاره: ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي، ومزقوا عظمي، ولم أرتكب إثمي، وهذا يدل على خروجه من الدنيا على غير يقين.

وأسند الحسين بن عبد الله إلى الحسن بن علي أنه قال عند موته: أتوب إلى الله من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو دور.

وفي الحديث الأول من أفراد البخاري من الجمع بين الصحيحين أن ابن عباس دخل عليه لما طعن وهو يتألم فقال: جزعي من أجلك وأجل صاحبك، والله لو أن لي تلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله، قبل أن أراه، ونحو هذا أحاديث أخر تأتي إن شاء الله.

ومنها: ما أسنده جعفر بن علي الخزاز إلى سعيد بن المسيب ومحمد بن علي البصري إلى أبي سعيد الخدري أنه كتب إلى معاوية عهدا يذم فيه الاسلام ومحمدا وجعله ساحرا ويقسم باللات والعزى ما جحدها منذ عبدها، ويشكرها أنها هي التي دلت عتيقا بحيلته، وشهادته بفضائله، وتسرعه إلى بيعته، وادعائه أن عليا سلم خلافته بعد أن جره إلى سقيفته، بحبل في عنقه، وأشاع القول ببيعته، وحلف أبو ذر أن عليا ما أجاب إلى بيعته، ولا واحد من عشيرته، ثم فمن يا معاوية فعل فعلي، واستشاد أحقاد أسالفه غيري.

وذكر له أنه إنما قلده الشام، ليتم له هذا المرام، وذكر ذلك في شعره (معاوي إن القوم ضلت حلومهم) إلى آخره.

الصفحة 26   

ولما قدم ابن عمر على يزيد منكرا عليه قتل الحسين عليه السلام أوقفه على هذا العهد، فرجع مستبشرا وادا أن يكون له مشاركا.

وروي عن الرضا عليه السلام:

 

لآل محمد في كل عصر         تجدد في أذى زفر جديد

إذا زفر مضى زفر تولى يشيب نواصيا طفل وليد

 

ولقد أبدع في وضع الخراج على السواد.

ومنها: أنه أبدع التراويح جماعة في شهر رمضان، وقال نعمت البدعة، وقد قال النبي: كل بدعة ضلالة، فكأنه قال: نعمت الضلالة، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وآله من أن يكون إماما في نافلة رمضان كما أخرجه الحميدي في الجمع بين الصحيحين ورووا عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله أول من صلاها وإنما تركها لئلا يظنوا وجوبها.

قلنا: لو كان كذلك، لأسنده عمر إليه، ولم يقل إنها بدعة، على أن النبي صلى الله عليه وآله داوم على سنن كثيرة، ولم يظنوا بذلك وجوبها، وسأل أهل الكوفة عليا أن ينصب لهم إماما يصليها، فزجرهم وعرفهم أن السنة خلافها، فاجتمعوا ونصبوا لأنفسهم إماما فيها، فبعث الحسن إليهم بالدرة، ليردهم عنها، فلما دخل المسجد تبادروا الأبواب، وصاحوا واعمراه.

وقيام رمضان ثابت عندنا انفرادا، لا جماعة. لقول النبي صلى الله عليه وآله: أيها الناس إن النافلة بالليل في رمضان جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا في رمضان في النافلة، ولا تصلوا الضحى، فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة.

ألا وإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

تذنيب:

روى الحميدي في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب من رواية مرزوق والعجلي قلت: أكان عمر يصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعثمان؟ قال: لا، قلت: فأبا بكر قال: لا، قلت: فالنبي؟ قال: ما إخاله.

وروى الحميدي أيضا في مسند عائشة قالت: إن النبي ما صلى الضحى، و

الصفحة 27   

في مسندها عن ابن عمر أن صلاة الضحى بدعة، وفي مسند ابن حنبل ما يدل على مثل ذلك.

ومنها: أنه عارض النبي صلى الله عليه وآله في مواضع منها في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والتسعين لما أراد أن يصلي على ابن أبي سلول نهاه عمر، وقال:

قد نهاك ربك، فقال: بل خيرني ثم صلى، فنزلت (ولا تصل على أحد منهم (1)) فآذى النبي بالرد عليه، ولم يوقره ولم يتعظ بقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (2)) وكيف لعمر النبي ولا يعلمه النبي على أن آية (ولا تصل على أحد منهم) إنما نزلت بعد ذلك كما في حديثهم.

ومنها: في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني من المتفق عليه، أن عمر أمر جنبا لم يجد الماء بترك الصلاة، فإن كان عرف شرعية التيمم في كتابه فلم لم يأمر به؟ وإلا فيأمر به بجرأته! وإلا فيأمر به بجهالته.

وذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل وذكره غيره أيضا أن أول من أعال الميراث عمر، فقال ابن عباس لو قدموا من قدمه الله، وهو الذي اهبط من فرض إلى فرض، وأخروا من أحره الله، وهو الذي أهبط من فرض إلى ما بقي ما عالت فريضة قط.

قال الزهري: فقلت له: من أول من أعال؟ قال: عمر بن الخطاب.

فيا عجبا لمن يقع منه هذه الجهالات، ويسمونه فاروقا على منابرهم، ولا يستحيون من هذه المناقضات، وقد رووا أن الفاروق الفارق بين المؤمن والكافر، وفاروق الحق والباطل علي بن أبي طالب.

____________

(1) براءة: 84.

(2) الأحزاب: 36.

الصفحة 28   

 

كلام

في خساسته وخبث سريرته.

 

ذكر الحنبلي في كتاب نهاية الطلب أن عمر بن الخطاب كان قبل الاسلام نخاس الحمير.

في المجلد الثاني من كتاب العقد قالت له امرأة من قريش: يا عمير فوقف فقالت: كنا نعرفك عمير، ثم صرت عمر، ثم صرت أمير المؤمنين، فاتق الله وانظر في أمور الناس.

وفي الفصل الرابع من الجزء الأول من الإحياء للغزالي أن عمر سأل حذيفة هل هو من المنافقين أم لا؟ ولولا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين، لم يشك فيها، وتقدم على فضيحتها.

وذكر هشام بن السائب الكلبي من رجالهم في كتاب المثالب أن صهاك جارية حبشية لهاشم بن عبد مناف، وقع عليها فضلة بن هاشم، وعبد العزى بن رباح، فولدت جد عمر وقد قالوا: أنه نجب فردوا على نبيهم أن ولد الزنا لا ينجب.

فلينظر عقلاء الأنام، هل يقدم من هذه أحواله على بني هاشم الكرام، ذوي الأحلام في الجاهلية والاسلام، ولا غرو من ولد الزنا، وخبيث الأصل أن يجترئ على الاسلام. فقد روي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (لا يستوي الخبيث و الطيب (1)) الخبيثات للخبيثين (2)) نزلتا فيه وقد عرف أهل الأنساب أن أباه الخطاب، وجده نفيل، وأمه حنتمة، وجدته صهاك، وليس في قريش أوضع منها ولا تيم مع ضعتها.

وقد روى عنه جماعة: تعلموا أنسابكم تصلوا بها أرحامكم. ولا يسألني أحد ما وراء الحطاب وصحح أبو يحيى الجرجاني المحدث أن الصهاكي كان أبوه شاكرا (3).

____________

(1) المائدة: 100.

(2) النور: 26.

(3) يعني أنه كان أجيرا يخدم. وشاكر بفتح الكاف معرب جاكر؟ بالفارسية.

الصفحة 29   

وفي البخاري والإحياء أسند أحمد بن موسى أن رجلا قال للنبي: من أبي؟

قال: حذافة، فسأله آخر من أبي؟ قال: سالم، فبرك عمر على ركبتيه وقال بعد كلام:

لا تبد علينا سوءتنا: واعف عنا رواه أبو يعلى الموصلي في المسند عن أنس.

قال شاعر:

 

إذا نسبت عديا في بني مضر    فقدم الدال قبل العين في النسب

وقدم السوء والفحشاء في رجل          وغد زنيم عتل خائن نصب

 

وفي خرائج الراوندي سأل الثمالي زين العابدين عليه السلام عن الأول والثاني فقال: عليها لعائن الله كلها، كانا والله كافرين مشركين بالله العظيم.

قلت: ويعضد ذلك مناداتهما بالويل والثبور، عند احتضارهما لما رأيا من سوء عاقبتهما ويعضده أيضا ما أسنده علي بن مظاهر الواسطي إلى الإمام العسكري أنه جعل موت عمر يوم عيد وأنشد الكميت الشاعر بحضرة الإمام الباقر عليه السلام:

 

إن المصرين على ذنبيهما        والمخفيا الفتنة في قلبيهما

والخالعا العقدة من عنقيهما     والحاملا الوزر على ظهريهما

كالجبت والطاغوت في مثليهما فلعنة الله على روحيهما

 

فضحك الباقر عليه السلام وسيجئ في كتابنا ما يؤكد هذا المقام.