الباب في قول النبي لعلي (عليهما السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي من طريق الخاصة

الصفحة 72   

من طريق الخاصة وفيه سبعون حديثا.

الأول: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (رضي الله عنه) قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي الرازي قال: حدثنا محمد بن آدم الشيباني عن أبيه آدم بن أبي إياس قال: حدثنا المبارك بن فضالة عن وهب بن منبه رفعه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي ربي جل جلاله أتاني النداء يا محمد قلت: لبيك رب العظمة لبيك، فأوحى الله إلي يا محمد فيما اختصم الملأ الأعلى فقلت: لا علم لي يا إلهي فقال: يا محمد هل اتخذت من الآدميين وزيرا وأخا ووصيا من بعدك قلت: يا إلهي ومن اتخذ تخير لي أنت يا إلهي، فأوحى الله إلي يا محمد قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب فقلت: إلهي ابن عمي، فأوحى الله إلي يا محمد أن عليا وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك، ثم أوحي إلي يا محمد إني قد أقسمت على نفسي قسما حقا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذريتك الطيبين الطاهرين، حقا أقول يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبى من خلقي فقلت: إلهي هل واحد يأبى من دخول الجنة؟ فأوحى الله إلي بلى فقلت: وكيف يأبى؟

فأوحى الله لي يا محمد اخترتك من خلقي واخترت لك وصيا من بعدك وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك، وألقيت محبته في قلبك وجعلته أبا لولدك فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك، فمن جحده حقه جحد حقك، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يدخل الجنة، فخررت لله ساجدا شكرا لما أنعم علي، فإذا مناد ينادي إرفع يا محمد رأسك واسألني أعطك فقلت: إلهي إجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا علي جميعا حوضي يوم القيامة، فأوحى الله إلي يا محمد إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم وقضائي ماض فيهم لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء، وقد أتيته علمك من بعدك وجعلته [ وزيرك و ] خليفتك من بعدك على أهلك وأمتك، عزيمة مني لا أدخل الجنة من أبغضه وعاداه

الصفحة 73   

وأنكر ولايته بعدك فمن أبغضه أبغضك ومن أبغضك أبغضني ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني، ومن أحبه فقد أحبك ومن أحبك فقد أحبني فقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا كلهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى ابن مريم يملأ الأرض عدلا كما ملئت منهم ظلما وجورا، أنجي به من الهلكة وأهدي به من الضلالة وأبرئ به من العمى وأشفي به المريض.

فقلت: إلهي ومتى يكون ذلك؟ فأوحى إلي عز وجل يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القراء وقل العمل وكثر القتل وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة والخونة وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد وحليت المصاحف وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد وظهر المنكر وأمر به أمتك ونهوا عن المعروف، واكتفى النساء بالنساء والرجال بالرجال، وصارت الأمراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوو الرأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاث خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب، وخروج الدجال يخرج بالمشرق من سجستان وظهور السفياني فقلت: إلهي ومتى يكون بعدي من الفتن، فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني أمية وفتنة ولد عمي العباس وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمي حين هبطت الأرض، فأديت الرسالة ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيون وكما حمده كل شئ قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة(1).

الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني قال: حدثنا أحمد بن صالح عن حكيم بن عبد الرحمن قال: حدثني مقاتل بن سليمان عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام):

يا علي أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم وبمنزلة سام من نوح وبمنزلة إسحاق من إبراهيم وبمنزلة هارون من موسى وبمنزلة شمعون من عيسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا علي أنت وصيي وخليفتي فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس مني ولست منه، وأنا خصمه يوم القيامة، يا علي أنت أفضل أمتي فضلا وأقدمهم سلما وأكثرهم علما وأمنهم حلما وأشجعهم قلبا وأسخاهم كفا، يا علي أنت قسيم الجنة والنار بمحبتك يعرف الأبرار ويميز بين الأشرار والأخيار وبين المؤمنين والكفار(2).

____________

(1) كمال الدين 250 / ح 1.

(2) أمالي الصدوق 101 / 100 / مجلس 11 / ح 4.

الصفحة 74   

الثالث: ابن بابويه قال: حدثني أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب قال: حدثنا أحمد بن علي الأصفهاني عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا جعفر بن الحسن عن عبيد الله بن موسى الضبي(1) عن محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مني وأنا منه، وقوله: علي مني كهارون من موسى وقوله (عليه السلام): علي مني كنفسي طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي.

وقوله (صلى الله عليه وآله): حرب علي حرب الله وسلم علي سلم الله.

وقوله (صلى الله عليه وآله): علي حجة الله وخليفته على عباده.

وقوله (صلى الله عليه وآله): حب علي إيمان وبغضه كفر.

وقوله (صلى الله عليه وآله): علي قسيم الجنة والنار.

وقوله (صلى الله عليه وآله): من فارق علي فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله.

وقوله (صلى الله عليه وآله): شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(2).

الرابع: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن عمر البغدادي الحافظ قال: [ حدثنا عبد الله بن يزيد قال ] حدثنا محمد بن ثواب قال: حدثنا إسحاق بن منصور عن كادح - يعني أبا جعفر البجلي - عن عبد الله بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد عن سلمة بن يسار عن جابر بن عبد الله قال: لما قدم علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفتح خيبر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من رجليك ومن فضل طهورك يستشفوا به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي، بعدي، وإنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي، وأنت غدا على الحوض خليفتي وأنت أول من يرد علي الحوض، وأنت أول من يكسى معي، وإنك أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم ويكونون غدا جيراني في الجنة، وإن حربك حربي وسلمك سلمي، وإن سرك سري وعلانيتك علانيتي وإن سريرة صدرك كسريرتي، وإن ولدك ولدي وإنك تنجز عداتي، وإن الحق معك وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك ولن يغيب محب لك حتى يرد معك قال: فخر علي ساجدا ثم قال:

الحمد لله الذي أنعم علي بالإسلام وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية وخاتم النبيين وسيد

____________

(1) في المصدر: العبسي.

(2) أمالي الصدوق 149 / مجلس 20 / ح 1.

الصفحة 75   

المرسلين إحسانا منه وفضلا منه علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي(1).

الخامس: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: أخبرنا محمد بن زكريا [ قال: حدثنا العباس بن بكار ] قال: حدثنا حرب بن ميمون عن أبي حمزة الثمالي عن زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) قال: لما ولدت فاطمة الحسن (عليه السلام) قالت: لعلي (عليه السلام): سمه فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما كنت أسبق باسمه ربي عز وجل، فأوحى الله عز وجل إلى جبرائيل أنه قد ولد لمحمد ابن فأهبط فأقرأه السلام وهنه وقل: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون فقال: وما كان اسمه؟ قال: شبر قال: لساني عربي فقال: سمه الحسن فسماه الحسن، فلما ولد الحسين أوحى الله عز وجل إلى جبرائيل أنه قد ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله) ابن فأهبط وأقرأه السلام وهنه وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبرائيل فهناه عن الله عز وجل ويأمرك أن تسميه باسم ابن هارون قال: وما كان اسمه؟ قال: شبير قال: لساني عربي قال: اسمه الحسين فسماه الحسين(2).

السادس: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن [ الحسن ين ] أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى حي يقال له بنوا المصطلق من بني جذيمة، وكان بينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية، فلما ورد عليهم خالد أمر مناديا ينادي بالصلاة، فصلى وصلوا ولما كان صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلى وصلوا، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب فطلبوا كتابهم فوجدوه، فأتوا به النبي (صلى الله عليه وآله) وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد فاستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) القبلة ثم قال: اللهم إني أبرء إليك مما صنع خالد بن الوليد.

قال: ثم قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تبر ومتاع فقال لعلي (عليه السلام): أئت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مما صنع خالد ثم رفع قدميه فقال: يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك فأتاهم علي (عليه السلام) فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله، فلما رجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي أخبرني بما صنعت فقال: يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ولكل مال مالا، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم، وفضلت معي فضلة فأعطيته لروعة نسائهم

____________

(1) أمالي الصدوق 156 / مجلس 21 / ح 1.

(2) أمالي الصدوق 197 / مجلس 28 / ح 3.

الصفحة 76   

وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله.

فقال (صلى الله عليه وآله): أعطيتهم ليرضوا عني رضي الله عنك يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(1).

السابع: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي سنة سبع عشرة وثلاثمائة وهو ابن مائة وسبع سنين قال: حدثنا الحسين بن أحمد الطفاوي قال: حدثنا قيس بن الربيع قال: حدثنا سعد الخفاف عن عطية العوفي عن مخدوج بن زيد الذهلي، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين المسلمين ثم قال: يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، أما علمت يا علي أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقوم عن يمين العرش فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبينا إبراهيم (عليه السلام) فيقوم عن يمين العرش في ظله فيكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين بعضهم على إثر بعض فيقومون سماطين عن يمين العرش في ظله فيكسون حللا خضراء من حلل الجنة، ألا وإني أخبرك يا علي: أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة.

ثم أبشرك يا علي: أن أول من يدعى يوم القيامة يدعى بك هذا لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسير به بين السماطين، وإن آدم وجميع من خلق الله يستظلون بلوائي يوم القيامة، وطوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء قصبته فضة بيضاء زجة درة خضراء له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة في المشرق وذؤابة في المغرب وذؤابة في وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر: السطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم، والثاني الحمد لله رب العالمين، والثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله، طول كل سطر مسيرة ألف سنة وعرضه مسيرة ألف سنة، فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش، فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم ينادي مناد من عند العرش نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي، ألا وإني أبشرك يا علي: أنك تدعى إذا دعيت وتكسى إذا كسيت وتحبى إذا حبيت(2).

الثامن: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن عمر البغدادي قال: حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن الجعد قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال: حدثنا شعيب بن راشد عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قام علي (عليه السلام) يخطب الناس بصفين يوم جمعة وذلك قبل الهرير بخمسة أيام فقال: الحمد الله

____________

(1) أمالي الصدوق 237 / مجلس 32 / ح 8.

(2) أمالي الصدوق 401 / مجلس 52 / ح 14.

الصفحة 77   

على نعمه الفاضلة على جميع خلقه البر والفاجر وعلى حجته البالغة على خلقه، من عصاه وأطاعه إن يعف فيفضل منه، وإن يعذب فبما قدمت أيديهم وما الله بظلام للعبيد، أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء، وأستعينه على ما نابنا من أمر ديننا وأؤمن به وأتوكل عليه وكفى بالله وكيلا، ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده أرسله بالهدى ودينه الذي ارتضاه، وكان أهله، واصطفاه على جميع العباد بتبليغ رسالته وحججه على خلقه، وكان كعلمه فيه رؤوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا، وأجملهم منظرا، وأشجعهم نفسا، وأبرهم بوالد، وآمنهم على عقد لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر ويقدر فيصفح ويعفو حتى مضى مطيعا لله صابرا على ما أصابه مجاهدا في الله حق جهاده عابدا لله حتى أتاه اليقين، فكان ذهابه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم المصيبة على جميع أهل الأرض البر والفاجر، ثم ترك فيكم كتاب الله [ يأمركم بطاعة الله، وينهاكم عن معصيته. وقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهدا ] لن أخرج عنه وقد حضركم عدوكم، وقد عرفتم من رئيسهم يدعوهم الباطل وابن عم نبيكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربكم والعمل بسنة نبيكم، ولا سواء من صلى قبل كل ذكر، لم يسبقني بالصلاة غير نبي الله، وأنا والله من أهل بدر، والله إنكم لعلى الحق وإن القوم لعلى الباطل فلا يصبر القوم على باطلهم ويجتمعوا عليه وتتفرقوا عن حقكم، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، فإن لم تفعلوا ليعذبهم الله بأيدي غيركم، فأجابه أصحابه فقالوا:

يا أمير المؤمنين إنهض إلى القوم إذا شئت فوالله ما نبغي بك بدلا نموت معك ونحيى، فقال مجيبا لهم: والذي نفسي بيده ينظر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ وأنا أضرب ] قدامه بسيفي فقال: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار.

ثم قال لي: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وحياتك وموتك يا علي معي فوالله ما كذبت ولا ضللت ولا ضل بي ولا نسيت ما عهد إلي إذا لنسي، وإني لعلى بينة من ربي بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله) فبينها لي وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا.

ثم نهض إلى القوم يوم الخميس، فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق ما كانت صلاة القوم يومئذ إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة، فقتل علي (عليه السلام) يومئذ بيده خمسمائة وستة نفر من جماعة القوم، فأصبح أهل الشام ينادون: يا علي اتق الله في البقية ورفعوا المصاحف على أطراف القناة(1).

التاسع: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار

____________

(1) أمالي الصدوق 490 / مجلس 63 / ح 10.

 

 

 

 

الصفحة 78   

عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذنيه عن أبان بن أبي عباس عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي في حديث طويل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة ومن تظاهرهم عليك وظلمهم، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، وإن لم تجد أعوانا فأصبر وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصطبر لظلم قريش وتظاهرهم عليك فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه(1).

العاشر: الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الفضل بن محمد بن جعفر البيهقي قال: حدثنا هارون بن عمرو المجاشعي قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: حدثنا أبي أبو عبد الله قال المجاشعي: وحدثنا الرضا علي بن موسى قال:

حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين قال:

حدثني عمر وسلمة أبنا أبي سلمة ربيبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في حجته [ حجة الوداع ]: علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن الله ختم النبوة بي فلا نبي بعدي وهو الخليفة في الأهل والمؤمنين بعدي(2).

الحادي عشر: ابن بابويه قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبو سعيد النسوي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن مروان(3) قال: حدثنا أحمد بن [ أبي ] الفضل البلخي قال: حدثني [ خال ] يحيى بن سعيد البلخي عن علي بن موسى (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: بينما أنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة إذ لقينا شيخ طويل كث اللحية بعيد ما بين المنكبين فسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ورحب به، ثم التفت إلي فقال السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته أليس كذلك هو يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):

بلى، ثم مضى فقلت يا رسول الله: ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له؟ قال: أنت كذلك والحمد لله إن الله تعالى قال في كتابه: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * المجعول فيها آدم (عليه السلام) وقال:

عز وجل: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * وهو الثاني وقال عز وجل

____________

(1) كمال الدين وتمام النعمة 264.

(2) أمالي الطوسي 521 / مجلس 18 / ح 54.

(3) في المصدر: هارون.

الصفحة 79   

حكاية عن موسى حين قال لهارون: أخلفني في قومي وأصلح فهو هارون إذا استخلفه موسى (عليه السلام) في قومه وهو الثالث وقال تعالى: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * فكنت أنت المبلغ عن الله تعالى وعن رسوله وأنت وصيي ووزيري وقاضي ديني والمؤدي عني وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ أو لا تدري من هو؟ قلت: لا قال: ذاك أخوك الخضر (عليه السلام) فاعلم(1).

الثاني عشر: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان في أماليه قال: أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن علي الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مروان الغزال قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد بن خميس العبدي قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني عن عبد الله بن شريك عن الحرث بن ثعلبة قال: قدم رجلان يريدان مكة والمدينة في الهلال أو قبل الهلال، فوجدا الناس ناهضين إلى الحج قال: فخرجنا معهم فإذا نحن بركب فيهم رجل كأنه أميرهم فأنتبذ منهم فقال: كأنكما عراقيان؟ فقلنا نحن عراقيان قال: كونا كوفيين؟ قلنا:

كوفيان قال: ممن أنتما؟ قلنا: من بني كنانة؟

قال: من أي بني كنانة، قلنا: من بني مالك بن كنانة قال: رحب على رحب وقرب على قرب أنشدكما بكل كتاب منزل ونبي مرسل أسمعتما علي بن أبي طالب يسبني أو يقول إنه معادي أو مقاتلي؟ قلنا: من أنت؟ قال: أنا سعد بن أبي وقاص قلنا: لا ولكن سمعناه يقول: اتقوا فتنة الخنيس، قال: سمعتاه يسبني باسمي؟ قالا: لا قال: الله أكبر الله أكبر قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين إن أنا قاتلته بعد أربع سمعتهن من رسول الله لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها أعمر فيها عمر نوح قلنا سمهن، قال: ما ذكرتهن إلا وأنا أريد أن أسميهن، بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ببراءة لينبذ إلى المشركين فلما سار ليلة أو بعض ليلة بعث بعلي بن أبي طالب نحوه فقال: اقبض براءة منه واردده إلي، فمضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقبض براءة منه ورده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما مثل بين يديه بكى، وقال: يا رسول الله أحدث في شئ أم نزل بي قرآن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم ينزل فيك قرآن لكن جبرائيل (عليه السلام) جائني عن الله عز وجل فقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وعلي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي.

قلنا له: وما الثانية قال: كنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل علي وآل أبي بكر وآل عمر وأعمامه قال: فنودي ليلا أخرجوا من المسجد إلا آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل علي، قال: فخرجنا نجر أذيالنا فلما

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 / 12 / ح 23.

الصفحة 80   

أصبحنا أتاه عمه حمزة فقال: يا رسول الله أخرجتنا وأسكنت هذا الغلام ونحن عمومتك ومشيخة أهلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا أخرجتكم ولا أنا أسكنته ولكن الله عز وجل أمرني بذلك، قلنا له: فما الثالثة، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) برايته إلى خيبر مع أبي بكر فردها فبعث بها عمر فردها فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه. قال: فلما أصبحنا جثونا على الركب، فلم نره يدعو أحدا منا ثم نادى علي بن أبي طالب فجيئ به وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه الراية ففتح الله على يديه.

قلنا له: فما الرابعة، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج غازيا إلى تبوك واستخلف علي على الناس فحسدته قريش وقالوا إنما خلفه لكراهية صحبته، قال: فانطلق في أثره حتى لحقه فأخذ بغرز ناقته ثم قال: إني لتابعك قال: ما شأنك فبكى وقال: إن قريشا تزعم أنك إنما خلفتني لبغضك إلي وكراهيتك صحبتي، قال: فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس، ثم قال: أيها الناس أفيكم أحد إلا وله من أهله خاصة؟

قالوا: أجل قال: فإن علي بن أبي طالب خاصة أهلي وحبيبي إلى قلبي، ثم أقبل على أمير المؤمنين فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

فقال علي (عليه السلام): رضيت عن الله ورسوله، ثم قال سعد: هذه أربعة إن شئتما حدثتكما بخامسة.

قلنا: قد شئنا ذلك، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع فلما عاد نزل غدير خم وأمر مناديه فنادى في الناس فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر من نصره وأخذل من خذله(1).

الثالث عشر: الشيخ الطوسي في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد - يعني المفيد - قال:

أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزياني قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن عيسى الزملي قال: حدثنا الأعمش عن عباية الأسدي عن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأم سلمة - رضي الله عنها -: يا أم سلمة علي مني وأنا من علي لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى، يا أم سلمة اسمعي وأشهدي هذا علي سيد المسلمين(2).

____________

(1) أمالي الشيخ المفيد 55.

(2) أمالي الشيخ الطوسي 50 / مجلس 2 / ح 34.

الصفحة 81   

الرابع عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد - يعني المفيد - قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن مالك النحوي، قال: أخبرني أبو الحسين أحمد بن علي المعدل بجلب قال:

حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا محمد بن سليمان الأصفهاني قال: حدثنا عمر بن قيس المكي عن عكرمة صاحب ابن عباس قال: لما حج معاوية نزل المدينة فاستؤذن لسعد بن أبي وقاص عليه فقال لجلسائه: إذا أذنت لسعد وجلس فخذوا من علي بن أبي طالب، فأذن له وجلس معه على السرير قال: وشتم القوم أمير المؤمنين (عليه السلام) فانسكبت عينا سعد بالبكاء، فقال له معاوية: ما يبكيك يا سعد أتبكي أن شتم قاتل أخيك عثمان بن عفان؟

قال: والله ما أملك البكاء خرجنا من مكة مهاجرين حتى نزلنا هذا المسجد - يعني مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) - فكان فيه مبيتنا ومقيلنا إذ أخرجنا وترك علي بن أبي طالب فيه، فاشتد ذلك علينا وهبنا نبي الله أن نذكر ذلك فأتينا فقلنا: يا أم المؤمنين إن لنا صحبة مثل صحبة علي وهجرة مثل هجرة علي وإنا قد أخرجنا من المسجد وترك فيه فلا يدرى من سخط من الله أو من غضب من رسوله؟ فاذكري ذلك له فإنا نهابه، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: يا عائشة لا والله ما أنا أخرجتهم ولا أنا أسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه، وغزونا خيبر فانهزم عنها من انهزم، فقال نبي الله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فدعاه وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه الراية ففتح الله له، وغزونا تبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فودع علي النبي (صلى الله عليه وآله) على ثنية الوداع وبكى، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك فقال: كيف لا أبكي ولم أتخلف عنك في غزوة منذ بعثك الله تعالى فما بالك تخلفني في هذه الغزوة؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فقال علي (عليه السلام): بلى رضيت(1).

الخامس عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنا الشريف الفاضل أبو محمد الحسين بن محمد بن يحيى قال: حدثنا جدي أبو الحسن يحيى بن الحسن قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أبي بكر الزهري أبو مصعب قال: حدثنا يوسف بن الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سألت سعد بن أبي وقاص أسمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي؟

قال: نعم، فقلت أنت سمعته؟

قال: فأدخل إصبعيه في أذنيه فقال: نعم وإلا فاستكتا(2).

____________

(1) أمالي الطوسي 171 / مجلس 6 / ح 39.

(2) أمالي الطوسي 227 / مجلس 8 / ح 49.

الصفحة 82   

السادس عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي قال: أخبرنا أحمد - يعني ابن محمد بن سعد بن عقدة - قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا قال: سمعنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا أبو مريم عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(1).

السابع عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا أحمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا أبو عبد الله المحلى عن سماك عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(2).

الثامن عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أبو عمر قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة تبوك: أخلفني في قومي.

فقال علي: يا رسول الله إني أكره أن يقول العرب خذل ابن عمه وتخلف عنه، فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟

قال: بلى.

قال: فاخلفني(3).

التاسع عشر: الشيخ في أماليه قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد الصائغ قال: حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم بن بكير بن يسار عن عامر بن سعد عن أبيه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي ثلاثا: فلأن يكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه فقال: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

قال: فتطاولنا لهذا قال: ادعوا إلي عليا، فأتى علي أرمد العين فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ففتح عليه، ولما نزلت هذه الآية * (ندع أبنائنا وأبنائكم) *، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام)

____________

(1) أمالي الطوسي 253 / مجلس 9 / ح 44.

(2) أمالي الطوسي 253 / مجلس 9 / ح 45.

(3) أمالي الطوسي 261 / مجلس 10 / ح 13.

الصفحة 83   

وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي(1).

العشرون: الشيخ في أماليه قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد إجازة قال: حدثنا علي بن محمد بن حبيبة الكندي قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو غيلان سعد بن طالب الشيباني عن أبي إسحاق عن أبي الطفيل قال: كنت في البيت يوم الشورى وسمعت علي عليه السلام يقول: أنشدكم بالله جميعا أفيكم أحد صلى القبلتين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: أنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد وحد الله قبلي؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فأنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: أنشدكم الله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر؟

قالوا: اللهم لا.

قال: أنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي سيدة نساء أهل الجنة؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدا شباب أهل الجنة؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فأنشدكم بالله أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيري؟

قالوا: اللهم لا.

____________

(1) أمالي الطوسي 307 / مجلس 11 / ح 63.

الصفحة 84   

قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بطير فقال: اللهم آتني بأحب خلقك إلي يأكل معي من هذا الطير، فدخلت عليه فقال اللهم وألي فلم يأكل معه أحد غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: اللهم أشهد(1).

الحادي والعشرون: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا ابن الصلت قال: أخبرنا ابن عقدة قال: أخبرني علي بن محمد بن علي قراءة عليه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عيسى قال: حدثنا عبيد الله بن علي قال: حدثنا علي بن موسى عن أبيه عن جده عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في غزوة تبوك، فقال يا رسول الله: تخلفني بعدك؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(2).

الثاني والعشرون: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا الحفار هلال بن محمد قال: حدثنا أبو قلابة قال:

حدثنا بشر بن عمر قال: حدثنا مالك بن أنس عن يزيد بن أسلم قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال:

حدثنا أبو مريم عن ثور بن أبي فاختة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال: أبي، دفع النبي (صلى الله عليه وآله) الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم فتح الله عليه، وأوقفه يوم غدير خم فاعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة وقال: أنت مني وأنا منك وقال له: تقاتل يا علي على التأويل كما قاتلت على التنزيل وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وقال: أنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك.

وقال: أنت العروة الوثقى.

وقال له: أنت تبين ما اشتبه عليهم بعدي.

وقال له: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي.

وقال له: أنت الذي أنزل الله فيه * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) *.

وقال له: أنت الآخذ بسنتي والذاب عن ملتي.

وقال له: أنا أول من تنشق عنه الأرض وأنت معي.

وقال له: أنا عند الحوض وأنت معي.

وقال: أنا أول من يدخل الجنة وأنت بعدي تدخلها والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام).

وقال له: إن الله أوحى إلي أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني بتبليغه.

____________

(1) أمالي الطوسي 332 / مجلس 12 / ح 7.

(2) أمالي الطوسي 342 / مجلس 12 / ح 42.

الصفحة 85   

وقال له: اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

ثم بكى النبي (صلى الله عليه وآله) فقيل مم بكاؤك يا رسول الله؟

قال: أخبرني جبرائيل: أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقاتلون ولده ويظلمونهم بعده.

وأخبرني جبرائيل عن ربه عز وجل: إن ذلك يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة على محبتهم وكان الشاني لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وكثر المادح لهم، وذلك حين تغير البلاد وتضعف العباد والإياس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم منهم قال النبي (صلى الله عليه وآله): اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي وهو من ولد ابني يظهر الله الحق بهم ويخمد الباطل بأسيافهم ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم، قال: وسكن البكاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال: معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج، فإن وعد الله لا يخلف وقضاؤه لا يرد وهو الحكيم الخبير فإن فتح الله قريب، اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم اكلأهم وارعهم وكن لهم وأحفظهم وأنصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم وأخلفني فيهم إنك على كل شئ قدير(1).

الثالث والعشرون: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا الحفار قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا محمد بن أبي بكر الواسطي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد قال: حدثنا حسين بن حسن قال:

حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هاشم الرماني عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

علي مني بمنزلة هارون من موسى ورأسي من بدني(2).

الرابع والعشرون: الشيخ في أماليه بالإسناد عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت: قبلت جدتك فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام) قالت: فلما ولدت الحسن جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء هاتي ابني، قالت: فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال: ألم أعهد إليكن ألا تلفوا المولود في خرقة صفراء، ودعا بخرقة بيضاء فلفه فيها، ثم أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى وقال لعلي (عليه السلام): بم سميت ابني هذا؟

قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله.

____________

(1) أمالي الطوسي 351 / مجلس 12 / ح 66، مع تفاوت في بعض أسماء الرواة.

(2) أمالي الطوسي 353 / مجلس 12 / ح 72.

الصفحة 86   

قال: وأنا ما كنت لأسبق ربي عز وجل، قال: فهبط جبرائيل (عليه السلام) وقال: إن الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك فسم ابنك باسم ابن هارون.

قال النبي (صلى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون؟

قال جبرائيل: شبر.

قال: وما شبر؟

قال: الحسن.

قالت أسماء: فسماه الحسن، قالت أسماء: فلما ولدت فاطمة الحسين (عليه السلام) نفستها به، فجاءني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: هلمي بابني يا أسماء.

فدفعته إليه في خرقة بيضاء ففعل به كما فعل بالحسن قالت: وبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: إنه سيكون له حديث، اللهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك، قالت أسماء: فلما كان في يوم سابعه جائني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: هلمي ابني فأتيته به ففعل كما فعل بالحسن، وعق عنه كما عق كبشا أملح وأعطي القابلة رجلا وحلق رأسه، وتصدق بوزن الشعر ورقا وخلق رأسه بالخلوق وقال: إن الدم من فعل الجاهلية، قالت: ثم وضعه في حجره ثم قال: يا أبا عبد الله عزيز علي ثم بكى قلت: بأبي وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو، قال: أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم ثم قال:

اللهم إني أسئلك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما مثل السماء والأرض(1).

الخامس والعشرون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان قال: حدثنا أبي قال:

حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: حدثنا معتب مولانا قال: حدثنا عمر بن علي بن عمر بن علي بن الحسين قال: سمعت محمد بن أبي عبيد الله بن محمد بن عمار بن ياسر يحدث عن أبيه عن جده محمد بن عمار بن ياسر قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة يقول: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال له: يا علي أنت أخي وصفيي ووصيي ووزيري وأميني مكانك في حياتي وبعد موتي كمكان هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي، من مات وهو يحبك ختم الله عز وجل له

____________

(1) أمالي الطوسي 366 / مجلس 13 / ح 32.

الصفحة 87   

بالأمن والإيمان ومن مات وهو يبغضك لم يكن له في الإسلام نصيب(1).

السادس والعشرون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العدلي قال: حدثنا الربيع بن سيار قال: حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر (رضي الله عنه) في حديث مناشدة علي (عليه السلام) واحتجاجه على أهل الشورى، قال في حديثه: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فهل فيكم من قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ولو كان نبي بعدي لكنته يا علي غيري؟

قالوا: لا(2).

السابع والعشرون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري ومحمد بن جعفر بن بشر البسري(3) بالقصر وعلي بن محمد بن الحسن بن كأس بالرملة وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قالوا: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا الأزدي الصوفي قال: حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن معروف بن خربوذ وزياد بن المنذر وسعيد بن محمد الأسدي(4)، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وذكر حديث الشورى واحتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) عليهم، إلى أن قال (عليه السلام): فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال في غزوة تبوك: إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي غيري؟

قالوا: اللهم لا(5).

الثامن والعشرون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد العلوي الحسني وأبو عبيد الله محمد بن أحمد المؤمل الصيرفي قالا: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن ربيعة بن عجلان، عن معاوية عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أبي رافع قال: لما أجتمع أصحاب الشورى وهم ستة نفر وهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف، أقبل عليهم علي بن أبي طالب فقال: أنشدكم بالله أيها

____________

(1) أمالي الطوسي 544 / مجلس 20 / ح 3.

(2) أمالي الطوسي 548 / مجلس 20 / ح 4.

(3) في المصدر: محمد بن جعفر بن رميس الهبيري.

(4) في المصدر: الأسلمي.

(5) أمالي الطوسي 554 / مجلس 20 / ح 5.

الصفحة 88   

النفر هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): منزلتك مني يا علي منزلة هارون من موسى، أتعلمون قال ذلك لأحد غيري؟

قالوا: اللهم لا(1).

التاسع والعشرون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرني جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو طالب محمد بن أحمد بن أبي معشر السلمي الحراني بحران قال: حدثنا أحمد بن الأسود أبو علي الحنفي القاضي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص العائشي التميمي قال: حدثنا أبي عن عمر بن أذينة العبدي عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي الهنائي قال: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه أبي الأسود قال: لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب جعل الأمر بين ستة نفر، علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن مالك، وعبد الله بن عمر معهم يشهد النجوى وليس له في الأمر نصيب، وأمرهم أن يدخلوا لذلك بيتا ويغلقوا عليهم بابه، قال أبو الأسود: فكنت على الباب أنا ونفر معي حاجتهم أن يسمعوا الحوار الذي يجري بينهم، فابتدر الكلام عبد الرحمن بن عوف فقال: ليذكر كل رجل منكم رجلا إن أخطأه هذا الأمر كانت الخيرة لصاحبه، فقال الزبير: قد اخترت عليا، وقال طلحة: قد اخترت عثمانا وقال سعد:

قد اخترت عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: قد رضي القوم منا وقد جعل الأمر فينا ولنا، أيها الثلاثة فأيكم يخرج من هذا الأمر نفسه ويختار للمسلمين رجلا رضي في الأمة؟ فأمسك الشيخان فعاد عبد الرحمن لكلامه، فقال له علي (عليه السلام): كن أنت ذلك الرجل؟

قال: فإنه لن يبقى إلا أنت وعثمان فأيكما يتقلد هذا الأمر على أن يسير في الأمة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرة صاحبيه أبي بكر وعمر فلا يغدوهما، قال علي (عليه السلام): أنا آخذها على أن أسير في الأمة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهدي وطوقي وأستعين على ذلك بربي، قال: فما عندك يا عثمان، قال: أسير في الأمة بسيرة رسول الله وسيرة أبي بكر وعمر، قال: فردها على علي (عليه السلام) ثلاثا وعلى عثمان ثلاثا كل رجل منهما يقول قوله الأول، فلما توافقوا على رأي واحد، قال لهم علي (عليه السلام): إني أحب أن تسمعوا مني قولا أقول لكم، قالوا: قل يا أبا الحسن، فقال: إني أسئلكم بالذي يعلم سركم وجهركم هل فيكم من رجل قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي غيري؟

قالوا: اللهم لا، وذكر المناشدة نحوه(2).

____________

(1) أمالي الطوسي 556 / مجلس 20 / ح 6.

(2) أمالي الطوسي 556 / مجلس 20 / ح 7.

الصفحة 89   

الثلاثون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه عن عثمان أبي اليقظان عن أبي عمر زادان قال: لما وادع الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية، صعد معاوية المنبر وجمع الناس فخطبهم وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة، فلما فرغ من كلامه، قام الحسن (عليه السلام) فحمد الله تعالى بما هو أهله، ثم ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس بأبي ومن الأبناء بي وبأخي ومن النساء بأمي وكنا أهله ونحن له وهو منا ونحن منه، ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كساء لأم سلمة رضي الله عنها خيبري، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فلم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد ويولد له فيه إلا النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي تكرمة من الله لنا وتفضيلا منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر بسد الأبواب فسدها وترك بابنا فقيل له في ذلك، فقال: أما أني لم أسدها وأفتح بابه ولكن الله عز وجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه، وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولن أرى نفسي لها أهلا، فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا وتوثب على رقابنا وحمل الناس علينا ومنعنا سهمنا من الفيئ ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها وما طمع فيها معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، فقد تركت بنوا إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل النبي في سعة من الله حين خذلتنا هذه الأمة وبايعوك يا معاوية وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا، أيها الناس لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوا وإني قد

 

 

 

الصفحة 90   

بايعت هذا، وإني أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين(1).

الحادي والثلاثون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرني جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة قال: حدثنا محمد بن الفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي قال: حدثنا عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليه السلام) قال: لما أجمع الحسن بن علي (عليه السلام) على صلح معاوية خرج حتى لقيه، فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن (عليه السلام) أن يقوم أسفل منه بدرجة، ثم تكلم وقال: أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها وقد أتانا ليبايع طوعا ثم قال: قم يا حسن، فقام الحسن (عليه السلام) فخطب فقال: الحمد الله الحمد المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه من لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عنه كنه ظنانة المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته [ ووجوده ] ووحدانيته صمدا لا شريك له فردا لا ظهير له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعيا إلى الحق وسراجا منيرا، وللعباد مما يخافون نذيرا ولما يأملون بشيرا، فنصح للأمة وصدع بالرسالة وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أموت وأحشر وبها في الآجلة أقرب وأحبر، وأقول:

معاشر الخلائق فاسمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم، نعمة منه لم تفترق الناس فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) للنبوة واختاره للرسالة وأنزل عليه كتابه، ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل، فكان أبي (عليه السلام) أول من استجاب لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله في كتابه المنزل على نبيه المرسل:

* (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * فرسول الله الذي على بينة من ربه وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه، وقد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة: سر بها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني وأنت هو، فعلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله منه.

____________

(1) أمالي الطوسي 559 / مجلس 20 / ح 9.

الصفحة 91   

وقال له نبي الله (صلى الله عليه وآله) حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ومولاه زيد بن حادثة في ابنة حمزة: أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي، فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه، لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن يقدمه ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحته لله عز وجل ولرسوله * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *، فكان أبي سابق السابقين إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة) * فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا، وأولهم على وجده ووسعه نفقة قال سبحانه: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) *.

فالناس من جميع الأمم ليستغفروا له لسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد، وقد قال الله تعالى: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) * فهو سابق جميع السابقين فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين، وقد قال الله عز وجل:

* (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) * والمجاهد في سبيل الله حقا، وفيه نزلت هذه الآية، وكان ممن استجاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه حمزة وجعفر ابن عمه فقتلا شهيدين رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل الله حمزة سيد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنزلتهما وقرابتهما منه (عليه السلام)، وصلى رسول الله على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي (صلى الله عليه وآله) للمحسنة منهن أجرين وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاة في سائر المساجد إلا المسجد الحرام ومسجد إبراهيم (عليه السلام) بمكة، وذلك لمكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ربه، وفرض الله عز وجل الصلاة على نبيه (صلى الله عليه وآله) على كافة المؤمنين، فقالوا: يا رسول الله كيف الصلاة عليك، فقال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد، فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فريضة واجبة، وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوجبها في كتابه وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا، فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (صلى الله عليه وآله) وأخرجنا ونزهنا عما أخرجه منه ونزهه كرامة

الصفحة 92   

أكرمنا الله عز وجل بها، وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله) حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) *.

فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس أبي معه ومن البنين أنا وأخي ومن النساء فاطمة أمي من الناس جميعا، فنحن أهله ولحمه ودمه ونحن منه وهو منا وقد قال الله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا وأخي وأمي وأبي فجعلنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري وذلك في حجرتها وفي يومها فقال:

اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت، أم سلمة - رضي الله عنها -: أأدخل معهم يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرحمك الله أنت على خير وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم، ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه إليه، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسد الأبواب في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك، فقال: أما إني لم أسد أبوابكم وأفتح باب علي من تلقاء نفسي ولكني أتبع ما يوحى إلي، إن الله أمر بسدها وفتح بابه فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله ويولد فيه الأولاد غير رسول الله وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) تكرمة من الله تعالى لنا وتفضيلا اختصنا به على جميع الناس، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله في مسجده ومنزلنا بين منازل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يبني مسجده، فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسطها لأبي، فها هو لبسبيل(1) مقيم، والبيت هو المسجد المطهر، وهو الذي قال الله تعالى: * (أهل البيت) * فنحن أهل البيت ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.

أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عز وجل وخصنا الله به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه لم أحصه، وأنا ابن النذير البشير السراج المنير الذي جعله الله رحمة للعالمين، وأبي علي ولي المؤمنين وشبيه هارون، وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، وأيم الله لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول

____________

(1) في حلية الأبرار والبحار: بسبيل.

الصفحة 93   

الله (صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل على رقابنا وحمل الناس على أكتافنا ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيئ والغنائم، ومنع أمنا فاطمة إرثها من أبيها، إنا لا نسمي أحدا ولكن أقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله عز وجل ورسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما أختلف في هذه الأمة سيفان ولأكلوها خضراء خضيرة إلى يوم القيامة، ما طمعت فيها ولكنها لما خرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها، وترامتها كنز أمي الكرة حتى طمعت أنت فيها يا معاوية وأصحابك من بعدك.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، وقد تركت بنو إسرائيل أصحاب موسى هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل، وأطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبي (عليه السلام): أنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذارا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم أعوانا، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم وقد جعل في سعة كما جعل النبي (صلى الله عليه وآله) في سعة، وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا بن حرب، ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك، وقد جعل الله عز وجل هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد عليهم أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبوه وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تجدوا غيري وغير أخي، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان وكيف بكم وأنى ذلك لكم ألا وإني قد بايعت هذا - وأشار بيده إلى معاوية - وإني أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له ولكل صواب نافع وكل خطأ ضار لأهله، وقد كانت القضية تفهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود، وأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن أنفع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمه أبي طالب وهو في الموت: قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين، وليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب، يقول الله عز وجل: * (وليست

الصفحة 94   

التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) *، * (وأيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وارجعوا) *. وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق، وقد صار عنكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، والسلام على من اتبع الهدى، قال: فقال معاوية: ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض وهممت أن أبطش به ثم علمت أن الإغضاء أقرب العافية(1).

الثاني والثلاثون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا محمد بن يزيد بن محمود الأزهري وابن أبي الأزهر البوشنخي النحوي قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري قال: حدثنا أبو أويس عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته.

قال أبو المفضل: وما كتبت هذا الحديث إلا عن [ ابن ] أبي الأزهر(2).

الثالث والثلاثون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا جرير عن أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية وقد نزل بذي طوى، فجاءه سعد بن أبي وقاص فسلم عليه، فقال معاوية: يا أهل الشام هذا سعد وهو صديق لعلي، قال: فطأطأ القوم رؤوسهم وسبوا عليا (عليه السلام)، فبكى سعد فقال له معاوية: ما الذي أبكاك؟

قال: ولم لا أبكي لرجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسب عندك ولا أستطيع أن أغير، وقد كان في علي خصال لئن تكون في واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، أحدها أن رجلا كان باليمن فجاءه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: لأشكونك إلى رسول الله، فقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن علي (عليه السلام)، فقال: أنشدك الله الذي أنزل علي الكتاب واختصني بالرسالة أعن سخط تقول في علي (عليه السلام)؟

قال: نعم يا رسول الله، قال: ألا تعلم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قال: بلى.

قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، وأنه بعث يوم خيبر عمر بن الخطاب إلى القتال فهزم

____________

(1) أمالي الطوسي 561 / مجلس 21 / ح 1.

(2) أمالي الطوسي 598 / مجلس 26 / ح 16.

الصفحة 95   

وأصحابه، فقال (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدا إنسانا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقعد المسلمون وعلي (عليه السلام) أرمد فدعاه فقال: خذ الراية، فقال: يا رسول الله إن عيني كما ترى فتفل فيها، فقام فأخذ الراية ثم مضى بها حتى فتح الله عليه، والثالثة خلفه في بعض مغازيه فقال علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، والرابعة سد الأبواب في المسجد إلا باب علي، والخامسة نزلت هذه الآية * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) عليا وحسنا وحسينا وفاطمة (عليها السلام)، فقال: اللهم هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1).

الرابع والثلاثون: ابن بابويه قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب وجعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنهما قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريان بن الصلت عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، في حديث المفرق بين عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأمة، فذكر في آيات الاصطفاء من القرآن في اثني عشر آية وذكرها (عليه السلام) قال: في ذلك، وأما الرابعة فإخراجه (صلى الله عليه وآله) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يا رسول الله تركت عليا فأخرجتنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله تركه وأخرجكم، وفي هذا تبيان قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى، قالت العلماء: فأين هذا من القرآن، قال (عليه السلام): أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم؟

قالوا: هات.

قال: قول الله تعالى: * (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) *، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى، وفيها أيضا منزلة علي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال: إن هذا المسجد لا يحل إلا لمحمد وآله.

وقال العلماء: يا أبا الحسن هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة لا ينكره إلا معاند لله تعالى، الحمد لله على ذلك فهذه الرابعة، والآية الخامسة وساق الحديث(2).

الخامس والثلاثون: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن عمر بن أسلم بن البراء الجعابي قال: حدثنا

____________

(1) أمالي الطوسي 598 / مجلس 26 / ح 17.

(2) أمالي الطوسي 618 / مجلس 79 / ح 1.

الصفحة 96   

أبو محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي التميمي قال: حدثنا سيدي علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال لي النبي (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى(1).

السادس والثلاثون: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال: حدثنا الحسين بن علي البزوفري قال: حدثني عبد العزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة قال: حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن أحمد بن عيسى بن زيد قال: حدثني عمر بن عبد الغفار عن أبي نصير عن حكيم بن جبير، عن علي بن زيد بن جذعان عن سعيد بن المسيب عن سعيد بن مالك، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، تقضي ديني وتنجز عداتي وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، يا علي حبك إيمان وبغضك نفاق، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون مطهرون، ومنهم مهدي هذه الأمة الذي يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أوله(2).

السابع والثلاثون: محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب النعماني في كتاب الغيبة، بإسناده عن عبد الرزاق عن معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): مررت يوما برجل سماه لي، فقال: ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كباة، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرت ذلك له، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج مغضبا وأتى المنبر ففزعت الأنصار إلى السلاح لما رأوا من غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (عليه السلام): ما بال أقوام يعيروني بقرابتي وقد سمعوا ما أقول من تفضيل الله عز وجل إياهم وما اختصهم من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم، وقد سمعوا ما قلت في فضل أهل بيتي ووصيي، وما أكرمه الله به وخصه وفضله من سبقه الإسلام وبلائه وقرابته مني وأنه مني بمنزلة هارون من موسى صلى الله عليهما(3).

الثامن والثلاثون: محمد بن العباس بن ماهيار في تفسير القرآن فيما نزل في أهل البيت (عليهم السلام) وهو ثقة قال: حدثنا عبد الله [ بن زيدان ] بن يزيد عن إسماعيل بن إسحاق الراشدي وعلي بن محمد بن مخلد الدهان عن الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن هاشم الشمساوي عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبيه عن جده أبي رافع قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بني عبد المطلب في الشعب، وهم يومئذ ولد عبد المطلب لصلبه وهم أولاده أربعون

____________

(1) (2) كفاية الأثر 134.

(3) كتاب الغيبة 82 / ح 12.

الصفحة 97   

رجلا، فصنع لهم رجل شاة ثم ثرد لهم ثردة وصب عليه ذلك المرق واللحم، ثم قدمها إليهم فأكلوا منها حتى تضلعوا، ثم سقاهم عسا واحدا فشربوا كلهم من ذلك العس حتى رووا منه، فقال أبو لهب: والله إن منا لنفرا يأكل أحدهم الجفنة وما يصلحهما ولا تكاد تشبعه ويشرب الفرق من النبيذ فما يرويه، وإن ابن أبي كبشة دعانا فجمعنا على رجل شاة وعس من شراب فشبعنا وروينا منها، إن هذا لهو السحر المبين، قال: ثم دعاهم فقال لهم: إن الله عز وجل قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ورهطي المخلصين، وأنتم عشيرتي الأقربون ورهطي المخلصون، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووارثا ووزيرا ووصيا، فأيكم يقوم يبايعني [ على ] أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي ووصيي وخليفتي في أهلي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، فأسكت القوم فقال: والله ليقومن قائمكم وليكونن في غيركم ثم لتندمن، قال: فقام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم ينظرون إليه كلهم فبايعه وأجابه إلى ما دعاه إليه، فقال له: أدن مني فدنا منه، فقال له: أفتح فاك ففتحه فنفث فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وبين ثدييه، فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك أجابك لما دعوته إليه فملأت فاه ووجهه بزاقا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى ملأته علما وحكما وفقها(1).

التاسع والثلاثون: سليم بن قيس الهلالي في كتابه قال: قال علي (عليه السلام): إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري(2).

الأربعون: سليم بن قيس الهلالي أيضا في كتابه قال: حدثني أبو ذر وسلمان والمقداد ثم سمعته من علي (عليه السلام) قالوا: إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ لعلي (عليه السلام) ]: يا أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم أخا وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما وأكرمهم ابن عم وأكرمهم أبا، وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأطهرهم زوجة وأعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم عناء بنفسك ومالك، وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله عز وجل وإلي، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله عز وجل وتصبر على ظلم قريش، ثم تجاهد في سبيل الله عز وجل، فإذا وجدت أعوانا تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض والبعد

____________

(1) أنظر: تأويل الآيات: 1 / 19.

(2) كتاب سليم بن قيس 162.

الصفحة 98   

من الله ومني ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذي الأوتاد(1).

قال أبان: - يعني ابن أبي عياش - راوي كتاب سليم بن قيس حدثت بهذا الحديث الحسن البصري، عن أبي ذر وسلمان فقال: صدق سلمان وصدق أبو ذر، لعلي (عليه السلام) السابقة في الدين والعلم والحلم والفقه والرأي والزهد والصحبة والفضل وحسن البلاء في الإسلام، أن عليا (عليه السلام) كان في كل فن عالما فرحم الله عليا وصلى الله عليه قال: فقلت يا أبا سعيد تقول لأحد غير النبي (صلى الله عليه وآله) إذا ذكرته فقال: ترحم على المؤمنين إذا ذكرتهم وصل على محمد وآل محمد وإن عليا خير آل محمد فقلت: يا أبا سعيد خير من جعفر ومن حمزة ومن فاطمة ومن الحسن والحسين فقال: أي والله خير منهم ومن يشك أنه خير منهم فقلت: بماذا؟ فقال: إنه لم يجر عليه اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر، وعلي خير منهم بالسبق إلى الإسلام والعلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: زوجتك خير أمتي فلو كان في الأمة خيرا منه لاستثناه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآخى بين أصحابه وآخى بينه وبينه، فرسول الله خيرهم نفسا وخيرهم أخا، ونصبه بغدير خم للناس وأوجب له من الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه فقال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولم يقل ذلك لأحد من أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره، وله سوابق كثيرة ومناقب ليست لأحد من الناس مثلها قال: فقلت: من خير هذه الأمة بعد علي (عليه السلام)؟ قال: زوجته وابناه: قلت ثم من؟

قال: ثم جعفر وحمزة خير الناس وأصحاب الكساء حين نزلت آية التطهير ضم فيها نفسه وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم قال: هؤلاء آلي وعترتي وأهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

فقالت أم سلمة: أدخلني معك ومعهم في الكساء، قال لها: يا أم سلمة أنت بخير وإلى خير وإنما نزلت هذه الآية في هؤلاء خاصة وفي فقلت: يا أبا سعيد فما تروي في علي (عليه السلام) وما سمعتك تقول فيه؟ قال: يا أخي احقن بذلك دمي من هؤلاء الجبابرة والظلمة لولا ذلك لقد تمايل في الخسف(2)، ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك عني ويكفون علي وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيحسبون إني لهم ولي قال الله تعالى: * (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) * يعني التقية(3).

الحادي والأربعون: سليم بن قيس في كتابه قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 166.

(2) في المصدر: لقد شالت بي الخشب.

(3) كتاب سليم بن قيس 167، بتفاوت يسير.

الصفحة 99   

مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلافة عثمان، والمهاجرين والأنصار يتحدثون فيه ويتذاكرون الفقه والعلم، فذكروا قريش وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها من الفضل مثل قوله:

الأئمة من قريش، وقوله: الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب، وقوله: لا تسبوا قريشا، وقوله:

للقرشي قوة رجلين من غيرهم، وقوله: أبغض الله من أبغض قريشا، وقوله: من أراد قريشا بهوان أهانه الله وذكرت الأنصار فضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليها في كتابه وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم من التفضيل، وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، وحنظلة غسيل الملائكة والذي حمته الدبر ولم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال: كل حي منا فلان وفلان، وقالت قريش منا رسول الله ومنا حمزة ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم وابن عوف، فلم يدعوا أحدا من المسلمين أحدا من أهل السابقة إلا عد، وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل منهم متساند إلى القبلة ومنهم في الحلقة وكان ممن حفظت من قريش علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وعبد الله بن العباس والحسن والحسين ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر الطيار وعبيد الله بن عباس، ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد ابن ثابت وأبو أيوب وأبو الهيثم وابن مناف ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد إلى جنبه غلام أمرد صبيح الوجه [ وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه ] معتدل القامة، فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما وأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى أن حضرت الصلاة، وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ساكت لا ينطق ولا أحد من أهل بيته، فقالوا له: يا أبا الحسن ما لك لا تتكلم، فقال (عليه السلام): ما في الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا.

ثم قال علي (عليه السلام): يا معشر قريش والأنصار ممن أعطاكم الله عز وجل هذا الفضل فبعشائركم وأهل بيوتكم أم بغيركم؟ فقالوا: أعطانا الله ومن علينا برسوله (صلى الله عليه وآله) وبه أدركنا ذلك ونلناه لأنفسنا وعشائرنا وأهل بيوتاتنا، قال: صدقتم قال: يا معشر قريش أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دونكم جميعا وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أنا وأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) لطينة إلى آدم (عليه السلام)، فقال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة وأهل التقدمة: نعم قد سمعنا

الصفحة 100 

ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي رواية أخرى كنا نورا نسعى بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم (عليه السلام) وقع ذلك النور في صلب إبراهيم (عليه السلام)، ثم لم يزل الله ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط، قالوا جميعا: سمعنا ذلك من رسول الله، فقال: يا معشر قريش والأنصار أتقرون أن رسول الله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبينه، فقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشترى موضع المسجد ومنازله فابتناه، ثم بنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها، وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي فتكلم في ذلك من تكلم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني أن أسد أبوابكم وأفتح له بابه؟

قالوا: نعم.

قال: أفتعرفون أيها الناس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهي الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري فكنت أبيت في المسجد ومنزلي في منزل رسول الله في المسجد يولد لرسوله (صلى الله عليه وآله) ولي فيه الأولاد؟

قالوا: نعم قال: أفتعرفون وتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينيه من منزله إلى المسجد فأبى ذلك عليه النبي (صلى الله عليه وآله)؟

ثم قال: إن الله جل اسمه أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا ولا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني ببناء مسجد طاهر ولا يسكنه غيري وغير أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفتياه، قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعاني فنصبني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا أهل نجران للمباهلة لم يأت إلا بي وبصاحبتي

الصفحة 101 

وابني؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أنه دفع إلي اللواء يوم خيبر ثم قال: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه؟

فقالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثني ببراءة وقال: لا يبلغ عني إلا رجل مني؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تنزل به شديدة إلا قدمني لها ثقة بي وأنه لم يدع باسمي قط إلا أن يقول: يا أخي وادعوا إلي أخي؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بيني وبين جعفر وزيد وحمزة، فقال لي: يا علي إنك مني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وخلوة إن سألته أعطاني وإن سكت ابتدأني؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضلني على حمزة وجعفر، فقال لفاطمة: فزوجتك خير أهلي وخير أمتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أنا سيد ولد آدم وعلي أخي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني بغسله وأخبرني أن جبرائيل (عليه السلام) يعينني عليه؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: في آخر خطبة خطبها أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي؟

الصفحة 102 

قالوا: اللهم نعم.

قال: ولم يدع شيئا أنزل فيه خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ناشدهم فيه فمنهم من يقول نعم ومنهم من يسكت، ويقول بعضهم: اللهم نعم، ويقول الذين سكتوا: أنتم عندنا ثقات، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال علي: حين فرع اللهم أشهد عليهم، قالوا: اللهم نعم أشهد إنا لم نقل إلا حقا وما سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: أتقرون بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب، ليس ممن يحبني ووضع يده على رأسي، فقال له قائل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه مني وأنا منه فمن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله، فقال له عشرون من أفاضل القوم: اللهم نعم وسكت بقيتهم، فقال علي (عليه السلام): للسكوت ما لكم سكوت؟

قالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقات في صدقهم وفضلهم وسابقتهم.

فقال: اللهم أشهد عليهم(1).

الثاني والأربعون: سليم بن قيس في كتابه عقيب الحديث السابق قال: فقال طلحة بن عبد الله وكان يقال له داهية قريش: فكيف تصنع بما ادعاه أبو بكر وعمر وأصحابهما الذين شهدوا وصدقوه على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك الحبل فما احتججت به من شئ إلا صدقوا حجتك، فادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله آلى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقوه وشهدوا له، منهم عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل، ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ادعيت وذكرته واحتججت به من السابقة والفضل نحن نعترف بذلك، وأما الخلافة فقد شهد أولئك ما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عند ذلك علي (عليه السلام) وقد غضب من مقالة طلحة، فأخرج شيئا كان يكتمه وفسر شيئا كان قد قاله، وهو أنه كان قاله يوم مات عمر ولم يدروا ما عنى به، ثم أقبل على طلحة والناس يسمعون ثم قال: يا طلحة أما والله ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع إن قتل محمد أو مات أن يتوازروا علي ويتظاهروا على أن لا تصل الخلافة إلي، والدليل يا طلحة على ما شبهوا به قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم الأمراء والحكام علي؟ وقول رسول الله لي: أنت مني بمنزلة

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 191 - 203، بتفاوت يسير.

 

 

 

 

الصفحة 103 

هارون من موسى غير النبوة، فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوله: إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي ولا تقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فينبغي أن لا تكون الخلافة على الأمة إلا لأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله عز وجل: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) *.

قال: * (وزاده بسطة في العلم والجسم) * وقال: * (وأثارة من علم إن كنتم صادقين) *، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، فما الولاية غير الإمارة على الأمة.

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي الحجة عليك وعليهم خاصة وعلى هذا الذي معك - يعني الزبير - وعلى الأمة، وأشار إلى سعد وابن عوف، وخليفتكم هذا القائم - يعني عثمان -، وإنا معشر الشورى ستة أحياء كلنا فلم جعلني عمر في الشورى؟ أن قد صدق هو وأصحابه على رسول الله أنه قال: ليس لنا في الخلافة شئ أليس أمرنا شورى في الخلافة أم في غيرها، وإن زعمتم إنما جعلها في غير أمارة فليس لعثمان أمارة لأنه أمرنا أن نشاور في غيرها، وإن كانت المشاورة فيها فلم؟ أدخلني فيكم؟ فهلا أخرجني وقد كان شهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه لا نصيب له فيها، ولم قال عمر لعثمان حين دعانا رجلا رجلا لابنه وكان شاهدا، يا عبد الله بن عمر أنشدك الله ما قال لك حين خرجت؟ فقال عبد الله: أما إذا ناشدتني فإنه قال: إن يبايعوا أصلع بني هاشم يحملهم على المحجة البيضاء وأقامهم على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه قال: فقال علي: ما قلت له حين قال لك ذلك، قال: قلت: ما يمنعك أن تستخلفه، قال: فما رد عليك؟ قال: رد علي شيئا أكتمه.

قال علي: فإن رسول الله أخبرني به قبل موته بثلاثة أيام، وليلة مات فيها أبوك رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي، ومن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه فقد رآه، فقال له ابن عمر: فما أخبرك؟

فقال له علي: (عليه السلام) أنشدك بالله إني إن أخبرك لتصدقني، قال ابن عمر: أو أسكت، قال: فإنه حين قال لك قلت له أنت: فما يمنعك أن تستخلفه؟ قال: الصحيفة التي كتبناها والعهد في الكعبة في حجة الوداع، قال: فسكت ابن عمر، فقال [ علي ]: أسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أمسكه عني؟

قال: أبان - يعني ابن أبي عياش - عن سليم: فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان، ثم أقبل علي على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال: والله إن كان أولئك

الصفحة 104 

الخمسة كذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما يحل لكم ولا لهم، وإن كان صدقوا فما حل لكم أن تدخلوني معكم في الشورى، إن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورغبة عنه.

ثم أقبل على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق عندكم أم كذاب؟

فقالوا: صادق صدوق مصدق ما علمنا والله إنك ما كذبت في جاهلية ولا إسلام، قال: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده أن جعلنا أئمة المؤمنين من بعده لا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الخلافة والإمامة إلا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها ولا نصيبا ولا حقا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول ختم به الأنبياء إلى يوم القيامة وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا الله خلفاء محمد وشهداء في الطاعة على خلقه، وفرض طاعتنا في كتابه وأقرننا بنفسه وبينه من بعده في غير آية من القرآن، والله جعل محمدا نبيا اجتباه في كتابه المنزل، ثم أمر الله حين أشهد نبيه عليه السلام أن يبلغ ذلك عنه، فبلغهم كما أمره وأنهم أحق بمجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبمكانه أو ما سمعتم حين بعثني ببراءة، فقال: لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولن يصلح أن يكون لها المبلغ غيري، فأيهما أحق بمجلسه وبمكانه الذي سماه الله خاصة أنه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من خصه من بين الأمة أنه ليس من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد يبلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سمعناه قال لنا ولجميع سائر الناس: ليبلغ الشاهد منكم الغائب عني، قال: تعرفه حين حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع؟ فقال (رضي الله عنه): من سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل عليها قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، وقال في غير موطن: فليبلغ الشاهد الغائب، فقال علي (عليه السلام): إن الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وفي حجة الوداع ويوم قبض آخر خطبة خطبها حين قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا، ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي، وإن اللطيف الخبير عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين وإن أحدهما أقدم من الآخر فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تولوا ولا تقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، إنما أمر من يقول من العامة بإجابة طاعة الأئمة من آل محمد وإيجاب حقهم ولم يقل في ذلك شيئا من الأشياء غير ذلك فإنما أمر

الصفحة 105 

العامة أن يبلغوا العامة بحجة من لا يبلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما بعثه الله به غيرهم ألا ترى يا طلحة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وأنتم تسمعون: إنه لا يقضي ديني ولا يبري ذمتي ويؤدي ديني وأمانتي ويقاتل عن سنتي غيري، فلما ولي أبو بكر ما قضى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دينه ولا عداته فاتبعتهما جمعيا فقضيتهما عنه، وأخبرني أنه لا يقضي دينه ولا عداته غيري فلم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته وإنما علي قضى دينه وعداته هو الذي قضى وأبرأ ذمته وقضى أمانته، وإنما يبلغ عن رسول الله جميع ما أتى به عن الله عز وجل من بعده الأئمة الذين افترض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم، والذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فقال طلحة فرجت عني ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى فسرتها لي فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع الأمة حسنة(1).

الثالث والأربعون: سليم بن قيس في كتابه قال الأشعث بن قيس لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا بن أبي طالب ما منعك حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي وأخو بني أمية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك فإنك لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا قلت فيها: والله إني أولى الناس بالناس وما زلت مظلوما، قال: قد قلت فاستمع الجواب لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهة للقاء ربي وأن لا أكون أعلم إن ما عند الله خير لي من الدنيا بما فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعهده إلي، أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما الأمة [ فاعلة ] بعده، فلم أكن بما صنعوا حين عاينته بأعلم مني به ولا أشد يقينا به مني قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد يقينا لما عاينت وشاهدت فقلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة كتاب الله وسنتي أعوانا، وأخبرني أن الأمة ستخذلني وتتبع غيري، وأخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسى وأن الأمة سيصيرون بعده بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فقال موسى: يا هارون * (ما منعك إذا رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * وقال: * (يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) * وإنما يعني أن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا ثم وجد أعوانا أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم، وإني خشيت أن يقول أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا فكف

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 203 - 209 مع تفاوت.

الصفحة 106 

يدك واحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله (صلى الله عليه وآله) بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن وآليت على نفسي أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب، ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين (عليهما السلام) فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من الناس إلا أربعة نفر الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد(1).

الرابع والأربعون: سليم بن قيس في كتابه قال: قال علي (عليه السلام): مررت بالصهاكي يوما فقال لي: ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرت له ذلك، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وخرج مغضبا فأتى المنبر ففزعت الأنصار إلى السلاح لما رأوا غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ما بال قوم يعيروني بقرابتي وقد سمعوني ما قلت في فضل بني هاشم وخيرهم وما أخصهم الله تعالى، وفضل علي وكرامته وسبقه إلى الإسلام وبلائه فيه وقرابته وإنه مني بمنزلة هارون من موسى، ثم أنه يزعم أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة، ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين فجعلني في أحسن الفرقتين، ثم فرق الفرقة ثلاث فرق شعوبا وقبائل وبيوتا فجعلني في خيرهم شعبا وخيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فكذلك قوله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *، حتى خلفت في أهل بيتي وبني أبي أنا وأخي علي بن أبي طالب حتى نظر الله إلى أهل الأرض فاختارني منهم، ثم نظر نظرة ثانية فاختار عليا أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي وإمام كل مؤمن من بعدي، فمن والاه والى الله ومن عاداه عاد الله ومن أحبه أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر، وهو رب الأرض أي أصلها بعدي وساكنها، وهو كلمة الله العليا وعروته الوثقى يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، أيها الناس ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم، اللهم أشهد عليهم.

أيها الناس إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي وبعد أخي أحد عشر وصيا من أهل بيتي وهم أخيار أمتي منهم تسعة بعد أخي وابنيه كلما هلك واحد قام واحد مثلهم كمثل نجوم السماء كلما أفل نجم طلع نجم، أئمة هدى مهديون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم، بل لعن الله في ذلك من كادهم وخذلهم، هم حجة الله في أرضه وشهداؤه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 214، بتفاوت.

الصفحة 107 

حتى يردوا علي الحوض، أول الأئمة علي خيرهم، ثم ابني الحسن (عليه السلام) ثم ابني الحسين (عليه السلام) ثم تسعة من ولد الحسين (عليه السلام) وأمهم فاطمة ابنتي من بعدهم جعفر بن أبي طالب ابن عمي وأخو أخي وعمي حمزة بن عبد المطلب، أنا خير النبيين والمرسلين وعلي وابناه الأوصياء الحسن والحسين خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوتات النبيين وقال: ابنتي سيدة نساء أهل الجنة وابناي سيدا شباب أهل الجنة(1).

الخامس والأربعون: سليم بن قيس في كتابه عن عمر بن أبي سلمة أن معاوية دعا أبا مسلم الخولاني ونحن مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين ودعا أبا هريرة فقال لهما: انطلقا إلى علي فأقرياه السلام وقولا له: والله إنك لأولى بالخلافة وأحق بها مني لأنك من المهاجرين، وأنا ابن الطلقاء وليس لي مثل قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسابقتك وعلمك بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ولقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيك قبل ثلاثة أيام، ثم أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين، وكان أول من بايعك طلحة والزبير ثم نكثا ببيعتك وظلماك وطلبا ما ليس لهما بحق، وأنا ابن عم عثمان والطالب بدمه، وبلغني أنك تعتذر من قتله وتتبرأ من دمه وتزعم أنه قتل وأنت قاعد في بيتك، وأنك قلت حين قتل واسترجعت: اللهم لم أرض ولم أمالئ، وأنك قلت يوم الجمل حين نادوا يا لثارات عثمان: كب الله اليوم قتلة عثمان على وجوههم في النار أنحن قتلناه إنما قتلته عائشة وصاحباها - يعني طلحة والزبير - وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي، فإن كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة عثمان وأدفعهم إلينا نقتلهم بابن عفان ونبايعك ونسلم الأمر إليك، وقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب من أولياء عثمان ممن يقاتل معك وتحسب أنه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه إلينا وجسده معك، وأنك تظهر ولاية أبي بكر وعمر وتترحم عليهما، وتكف عن عثمان ولا تذكره ولا تلعنه ولا تتبرأ منه، وبلغني عنك أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وخاصتك وشيعتك الضالين المغيرة الكاذبة برئت عندهم من عمر وأبي بكر وعثمان ولعنتهم، وادعيت أنك خليفة رسول الله ووصيه، وإن الله سبحانه فرض طاعتك على المؤمنين وأمر بولايتك في كتابه وسنة نبيه، وإن الله عز وجل أمر محمد (صلى الله عليه وآله) أن يقوم بذلك في أمته وإن الله أنزل * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * فجمع أمته في غدير خم فبلغ ما أمر به فيك عن الله وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب، وأخبرهم إنك أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنك منه بمنزلة هارون من موسى(2).

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 235 بتفاوت.

(2) كتاب سليم بن قيس 289، بتفاوت غير مؤثر.

الصفحة 108 

السادس والأربعون: سليم بن قيس الهلالي في كتابه في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيها الناس إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، [ أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي... سأل رسول الله ] عن قوله: * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنزلها الله عز وجل في الأنبياء وأوصيائهم وأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي أخي ووصي أفضل الأوصياء، فقام نحو من سبعين رجلا من أهل بدر كلهم من الأنصار وبقية من المهاجرين منهم من الأنصار أبو الهيثم التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن ياسر فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك، قال: فأنشدكم الله في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * وقال: * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) *، فقال الناس: يا رسول الله أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، فنصبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم فقال: إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس يكذبوني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني، ثم نادى بأعلى صوته بعد ما أن نادى بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاؤه كماذا؟ فقال: ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من نفسه فأنزل الله عز وجل * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فقال سلمان: يا رسول الله هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال: نعم وفي أوصيائه يوم القيامة فقال سلمان: يا رسول الله سمهم لي، فقال علي أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر إماما ابني الحسن وابني الحسين ثم التسعة من ولده واحدا بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا على الحوض. فقام اثني عشر رجلا من البدريين فشهدوا أنا سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص منه، وقال بقية السبعين: قد سمعنا كما قلت ولم نحفظه كله وهؤلاء اثنا عشر خيارنا وأفضلنا، فقال: صدقتم ليس كل إنسان يحفظ بعضهم أحفظ من بعض، فقام من الاثني عشر أربعة: أبو التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقالوا: نشهد أنا قد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)

الصفحة 109 

يومئذ وعلي قائم إلى جنبه: يا أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم ووصيي فيكم وخليفتي من أهل بيتي بعدي في أمتي، والذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه فأمركم فيه بولايته، فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبها فأوعدني لأبلغها أو ليعاقبني، يا أيها الناس إن الله جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسميتها والزكاة والصوم والحج فبينته وفسرته لكم وأمركم في كتابه بولايته، وإني أشهد كم أيها الناس إنها خاصة لعلي وأوصيائي من ولدي وولده أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين (عليه السلام) لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي الحوض، أيها الناس قد أعلمتكم الهدى بعدي ووليكم وإمامكم وهاديكم بعدي وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني أن أعلمه إياه وأن أعلمكم أنه عنده فسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه ولا تعلموهم ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معه لا يزايلونه ولا يزايلهم، فقال علي: أيها الناس أتعلمون إن الله أنزل في كتابه * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *.

فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة والحسن والحسين ونحن معه في كساء، فقال: اللهم أحبني وعترتي وخاصتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا، فقال:

وأنت إلى خير إنما أنزلت في وفي أخي وابنتي وابني الحسن وابني الحسين وفي تسعة من ولد الحسين (عليه السلام) خاصة ليس معنا أجلها، فقام جلهم فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا ذلك، فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة، فقال علي: فأنشدكم الله أتعلمون أن الله أنزل * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *، فقال سلمان: يا رسول الله أعامة هي أم خاصة؟ قال: أما المأمورون فالعامة مع المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي ولأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة، قال علي: فقلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك: يا رسول الله لم خلفتني؟ فقال: إن المدينة لا تصلح إلا لي أو لك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبوة بعدي فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله في غزوة تبوك.

السابع والأربعون: في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنه روى أبان عن سليم وعمر بن سلمة - حديثهما واحد هذا وذلك - قالا: قدم معاوية حاجا في أمارته بعد ما قتل علي (عليه السلام) وبايعه الحسن،

الصفحة 110 

فاستقبله أهل المدينة، فنظر فإذا الذين استقبلوه من قريش أكثر من الأنصار، فسأل عن ذلك فقالوا: إنهم احتاجوا ليس لهم دواب، قال: فأين نواضحهم قال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيد الأنصار وابن سيدهم: أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ضربوا أباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون يا معاوية ما تعيرنا بنواضحنا، أما والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا، ثم دخلت أنت وأبوك في الدين كرها كما ضربناكم عليه، فقال معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتكم إيانا فلله ولقريش بذلك المن والطول إذ جعلكم أنصارنا وأتباعنا فهداكم الله قال قيس: إن الله بعث محمدا رحمة للعالمين إلى الناس كافة إلى الإنس والجن والأحمر والأسود واختاره لنبوته واختصه برسالته، فكان أول من صدق به وآمن به علي بن أبي طالب (عليه السلام) يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبين أن يردعوه ويؤذوه، وأمره بتبليغ رسالات ربه، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه، وأمر ابنه علي بن أبي طالب بمؤازرته ونصرته فآزره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، فاختص بذلك علي من بين قريش وأكرمه بين جميع العرب والعجم، فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، فدعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخادمهم منهم يومئذ علي بن أبي طالب، ورسوله يومئذ في حجر عمه أبي طالب فقال:

أيكم يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، فسكت القوم حتى أعادها ثلاث مرات، فقال علي (عليه السلام): أنا يا رسول الله، فوضع رسول الله يده على رأس علي (عليه السلام) فوضع رأسه في حجره ثم تفل في فيه فقال: اللهم املأ جوفه حكما وعلما وفهما.

فقال أبو لهب: يا أبا طالب اسمع الآن وأطع لابنك علي إذ جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى، وآخى بين الناس وآخى بينه وبين نفسه، ولم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلا ذكرها وأحتج بها، ومنهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم سيدة نساء أهل الجنة الطاهرة المطهرة الطيبة المباركة، فنحن في الله خير منكم يا معشر قريش وأحب إلى الله وإلى رسوله وأهل بيته منكم لقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجتمعت الأنصار إلى أبي بكر فقالوا: نبايع سعدا، فجاءت قريش بحجة علي (عليه السلام) وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته فما يعدوا قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمد، ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا من قريش ولا من العرب ولا من العجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده (عليهم السلام)، فغضب معاوية وقال: يا بن سعد عن من أخذت

الصفحة 111 

هذا؟ وعن من ترويه؟ وممن سمعته، أبوك حدثك بهذا وعنه أخذت؟

فقال له قيس بن سعد: أخذته عن من هو خير من أبي وأعظم علي حقا من أبي.

قال: من هو؟

قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخذته من عالم هذه الأمة وربانيها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) *، فلم يدع آية نزلت فيه إلا ذكرها، فقال معاوية: إن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام، قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * الذي أنزل الله فيه * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * والذي نصبه رسول الله بغدير خم، فقال:

من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه وقال في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي الحديث(1).

الثامن والأربعون: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن الأعمش عن عباية الأسدي قال: كان عبد الله بن العباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس فلما فرغ من حديثه أتاه رجل فسلم عليه، ثم قال: يا عبد الله إني رجل من أهل الشام، فقال:

أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم سل عما بدا لك، فقال: يا عبد الله بن عباس إني أسئلك عن من قتله علي بن أبي طالب من أهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة ولا بحج ولا بصوم شهر رمضان ولا بزكاة؟

فقال له عبد الله: ثكلتك أمك سل عما يعنيك ودع ما لا يغنيك، فقال: ما جئتك أضرب إليك من حمص للحج ولا للعمرة ولكن أتيتك للشرح في أمر علي بن أبي طالب وفعاله، فقال له: ويلك إن علم العالم صعب ولا يحتمله ولا تقربه القلوب الصدية، أخبرك: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مثله في هذه الأمة كمثل موسى والعالم عليهما السلام وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه:

* (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) * فكان موسى (عليه السلام) يرى أن جميع الأشياء تثبت له كما ترون أنتم، وأن علمائكم قد أثبتوا جميع الأشياء، فلما انتهى موسى ساحل البحر فلقي العالم فاستنطق موسى ليصل علمه ولا يحسده كما حسدتم أنتم علي بن أبي طالب فأنكرتم فضله، فقال

____________

(1) كتاب سليم بن قيس 311 - 314.

 

 

 

 

الصفحة 112 

له موسى: هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا؟ فعلم العالم أن موسى لا يطيق بصحبته ولا يصبر على علمه فقال له: إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، فقال له موسى: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، فعلم العالم أن موسى (عليه السلام) لا يصبر على علمه فقال: فإن أتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا، قال: فركبا السفينة فخرقها العالم فكان خرقها لله عز وجل رضى وسخط لموسى، ولقي الغلام فقتله وكان قتله لله عز وجل رضا وسخط لذلك موسى، وأقام الجدار وكان أقامته لله عز وجل رضا وسخط موسى لذلك، كذلك كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يقتل إلا من كان قتله لله رضا ولأهل الجهالة من الناس سخط، أجلس حتى أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج زينب بنت جحش فأولم وكانت وليمته الحيس كان يدعو عشرة عشرة فكانوا إذا أصابوا طعام رسول الله (صلى الله عليه وآله) استأنسوا إلى حديثه واستغنموا النظر إلى وجهه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشتهي أن يخففوا عنه فيخلو له المنزل لأنه حديث عهد بعرس وكان يكره أذى المؤمنين له، فأنزل الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين أناة ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق) *، فلما نزلت هذه الآية كان الناس إذا أصابوا طعام نبيهم لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال: فلبث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعة أيام ولياليهن عند زينب بنت جحش، ثم تحول إلى بيت أم سلمة بنت أبي أمية وكان ليلتها وصبيحة يومها فلما تعالى النهار انتهى علي (عليه السلام) إلى الباب فدقه دقا خفيفا له، عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) دقه وأنكرته أم سلمة فقال لها: يا أم سلمة قومي فافتحي له الباب، فقالت: يا رسول الله من هذا الذي يبلغ من خطره أقوم فافتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول الله عز وجل: * (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) * فمن هذا الذي بلغ من خطره أن استقبله بمحاسني ومعاصمي؟ قال: فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) كهيئة المغضب: من يطع الرسول فقد أطاع الله قومي فافتحي له الباب فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجول في أمره يحب الله ورسوله وليس بفاتح الباب حتى يتوارى عنه الوطئ فقامت أم سلمة وهي لا تدري من في الباب غير أنها قد حفظت النعت والمدح فمشت نحو الباب وهي تقول: بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ففتحت له الباب قال: فأمسك بعضادتي الباب ولم يزل قائما حتى خفي عليه الوطئ ودخلت أم سلمة فقال: تعرفينه؟

قالت: نعم وهنيئا له هذا علي بن أبي طالب، فقال: صدقت يا أم سلمة هذا علي بن أبي طالب

الصفحة 113 

لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا أم سلمة اسمعي وأشهدي هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وهو عيبة علمي وبابي الذي أؤتى منه وهو الوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتي وأخي في الدنيا والآخرة وهو معي في السنام الأعلى، أشهدي يا أم سلمة واحفظي أنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فقال الشامي: فرجت عني يا عبد الله بن العباس أشهد أن علي بن أبي طالب مولاي ومولى كل مسلم(1).

وروى هذا الحديث صاحب كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة بإسناده المتصل عن الأعمش عن عباية الأسدي عن ابن عباس عن أم سلمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديث بطوله.

التاسع والأربعون: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسن السكري قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي قال:

حدثنا علي بن حكيم قال: حدثنا الربيع بن عبد الله عن عبد الله بن الحسن عن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

قال الغلابي: وحدثني شعيب بن واقد قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد عن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي عن أبيه علي (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله وقال الغلابي: وحدثنا العباس بن بكار قال: حدثنا حرب بن ميمون عن أبي حمزة الثمالي عن زيد بن علي عن أبيه (عليه السلام) قال: لما ولدت فاطمة (عليها السلام) الحسن (عليه السلام) قالت لعلي (عليه السلام): سمه، قال: ما كنت لا سبق باسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ] فأخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها، ثم قال لعلي (عليه السلام): هل سميته، فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال: وما كنت لأسبق ربي عز وجل، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل (عليه السلام) أن ولد لمحمد ابن فأهبط فأقرأه السلام وهنه وقل له إن علي منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبرائيل (عليه السلام) فهناه من الله تعالى جل جلاله ثم قال: إن الله جل جلاله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبيرا، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسين(2).

الخمسون: ابن بابويه بإسناده السابق عن العباس بن بكار قال: حدثنا عباد بن كثير وأبو بكر الذهلي عن ابن الزبير عن جابر قال: لما حملت فاطمة بالحسن فولدت، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهم

____________

(1) علل الشرائع: 1 / 64 / ح 3.

(2) علل الشرائع: 1 / 137 / ح 5، وقد أنقص منه في الكتاب قصة تسمية الحسن (عليه السلام).

الصفحة 114 

أن يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء، وقالت فاطمة (عليها السلام): يا علي سمه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه وجعل الحسن (عليه السلام) يمصه ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألم أتقدم إليكم أن لا تلفوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها ورمى الصفراء: وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي (عليه السلام): ما سميته؟

قال: ما كنت لأسبقك باسمه، فأوحى الله تعالى عز ذكره إلى جبرائيل (عليه السلام) أنه قد ولد لمحمد ابن فأهبط إليه فاقرأه السلام فهنه مني ومنك وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، قال: ما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسن، فسماه الحسن، فلما ولد الحسين جاء إليهم النبي ففعل به كما فعل بالحسن (عليه السلام)، وهبط جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:

إن الله تبارك وتعالى يقرئك السلام ويقول لك: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبيرا، قال: لساني عربي، قال: فسمه الحسين فسماه الحسين(1).

الحادي والخمسون: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رحمه الله قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال: حدثنا نصر بن أحمد البغدادي قال: حدثنا عيسى بن مهران قال:

حدثنا محول قال: أخبرنا عبد الرحمن بن الأسود عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه وعمه عن أبيهما عن أبي رافع قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب الناس فقال: أيها الناس إن الله عز وجل أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى، فلا يحل أن يقرب النساء في مسجدي ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته فمن ساءه ذلك فههنا وضرب بيده نحو الشام.

الثاني والخمسون: ابن بابويه قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال: حدثنا نصر بن أحمد البغدادي قال: حدثنا محمد بن عبيد بن عتبة قال: حدثنا إسماعيل بن أبان عن سالم بن أبي عمرة عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قام خطيبا فقال: إن رجالا لا يجدون في أنفسهم أن أسكن عليا في المسجد وأخرجهم، والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه أن ابنوا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة، ثم أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون

____________

(1) علل الشرائع: 1 / 138 / ح 7.

الصفحة 115 

وذريته، وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ولا يحل لأحد أن ينكح فيه النساء إلا علي وذريته فمن ساءه فهاهنا وأشار بيده نحو الشام(1).

الثالث والخمسون: ابن بابويه بإسناده في حديث طويل قال: لما قدم معاوية دخل إليه سعد - يعني سعد بن أبي وقاص - فقال: يا أبا إسحاق ما الذي منعك أن تعينني على الطلب بدم المظلوم - يعني عثمان - فقال: ما كنت أقاتل معك عليا وقد سمعت رسول الله يقول له أنت مني بمنزلة هارون من موسى، قال: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ قال: نعم وإلا صمتا، قال: أنت الآن أقل عذرا في القعود عن النصرة فوالله لو سمعت هذا من رسول الله ما قاتلته، وقد أحال فقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام) أكثر من ذلك فقاتله وهو بعد مفارقته الدنيا يلعنه ويشتمه، ويرى أن ملكه وثبات قدرته بذلك لأنه أراد أن يقطع عذر سعد عن القعود عن نصرته والله المستعان(2).

الرابع والخمسون: ما حكاه الشيخ المفيد في كتاب العيون والمحاسن قال: دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا عمر هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة؟ فقال ضرار: هلم من شئت، فبعث إلى هشام بن الحكم (رضي الله عنه) فأحضره فقال له: يا أبا محمد هذا ضرار وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلمه في الإمامة، فقال: نعم ثم أقبل على ضرار فقال: يا أبا عمرو خبرني على ما تجب الولاية والبراءة على الظاهر أم على الباطن؟

فقال ضرار: بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي.

قال هشام: صدقت، فخبرني الآن أي الرجلين كان أذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف والقتل لأعداء الله تعالى بين يديه، وأكثر ثوابا وآثارا في الجهاد أعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أم أبو بكر؟

فقال: علي بن أبي طالب ولكن أبو بكر كان أشد يقينا، قال: هشام هذا هو الباطن الذي تركنا الكلام فيه وقد اعترفت لعلي (عليه السلام) بظاهر علمه فوجب لعلي من الولاية ما لم يجب لأبي بكر، فقال ضرار: هذا هو الظاهر نعم، ثم قال له هشام: أفليس إذا كان الظاهر مع الباطن فهو الفضل الذي لا يدفع؟

فقال ضرار: بلى.

فقال له هشام: ألست تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

فقال ضرار: بلى.

____________

(1) علل الشرائع: 1 / 202 / ح 3.

(2) علل الشرائع: 1 / 222 / باب 160.

الصفحة 116 

فقال له هشام: أفيجوز أن يقول له هذا القول وهو عنده في الباطن غير مؤمن؟

قال: لا.

فقال له هشام: فقد صح لعلي (عليه السلام) ظاهره وباطنه ولم يصح لصاحبك لا ظاهر ولا باطن(1).

الخامس والخمسون: محمد بن يعقوب عن محمد بن علي بن معمر عن محمد بن علي بن عكاية التميمي عن الحسين بن النضر الفهري عن أبي عمرو الأوزاعي عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى اسمه امتحن بي عباده وقتل بي أضداده وأفنى بسيفي جحاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على المجرمين، وشد بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته فقال (صلى الله عليه وآله) وقد حشده المهاجرون والأنصار وانفضت بهم المحافل: أيها الناس إن علي مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوه أني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا لموسى لأبيه، ولا كنت نبيا فاقتضي نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون (عليه السلام) حيث يقول: * (أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) *.

وقوله حين تكلمت طائفة فقالت: نحن موالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلى حجة الوداع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله، من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله وأنزل الله عز وجل في ذلك * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) *، فكانت ولايتي كمال الدين ورضى الرب جل ذكره، فأنزل تبارك وتعالى اختصاصا لي وتكرما نحلنيه وإعظاما وتفضلا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) منحنيه وهو قوله: * (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) * في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع وطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليها وردا ولبئس ما لأنفسهما، فهذا يتلاعنان في دورهما ويبرء كل منهما من صاحبه، يقول لقرينه: إذا التقيا * (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) * فيجيبه الأشقى على رثوثة: يا ليتني لم أتخذك * (خليلا لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) *، فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه

____________

(1) الفصول المختارة للشيخ المفيد 28.

الصفحة 117 

مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب، ولإن وقعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة، يتناقعان بالحسرة ما لهما من راحة ولا عن عذابهما مندوحة، إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان يقيمون لها المناسك وينصبون لها العتاير ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ويستقسمون بالأزلام، عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد ومهطعين إلى العباد، قد استحوذ عليهم الشيطان وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها خلاله، فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة وأسفر بنا على الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه والحديث طويل(1).

السادس والخمسون: ابن بابويه قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب قال: حدثنا أحمد بن علي الإصبهاني عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا جعفر بن الحسن عن عبيد الله بن موسى العبسي عن محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في علي خصالا لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا قوله (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني كهارون من موسى، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني وأنا منه، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني كنفسي طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي، وقوله (صلى الله عليه وآله): حرب علي حرب الله وسلم علي سلم الله، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولي علي ولي الله وعدو علي عدو الله، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي حجة الله وخليفته على عباده، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حب علي إيمان وبغضه كفر، وقوله: حزب علي حزب الله وحزب أعدائه حزب الشيطان، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، وقوله (عليه السلام): علي قسيم الجنة والنار وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من فارق عليا فقد فارقني ومن فارقني فارق الله عز وجل، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(2).

السابع والخمسون: ابن بابويه قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري بنيشابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري عن الفضل بن شاذان قال: سأل المأمون علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أن يكتب له محض الإسلام على الإيجاز والاختصار فكتب إليه (عليه السلام): إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها

____________

(1) الكافي: 8 / 26 / ح 4.

(2) أمالي الصدوق 149 / مجلس 20 / ح 1.

الصفحة 118 

واحدا أحدا صمدا قيوما سميعا بصيرا قديرا قديما عالما، لا يجهل قادرا لا يعجز غنيا لا يحتاج عدلا لا يجور وأنه خالق كل شئ وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، لا شبه له ولا ضد له ولا ند ولا كفوا، وأنه المقصود بالعبادة والدعاء والرهبة، وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه وصفوته وصفيه من خلقه وسيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ولا نبي بعده ولا تبديل لملته ولا تغير لشريعته، وأن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هو الحق المبين والتصديق بجميع ما مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأنه المهيمن على الكتب كلها وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، يؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله، وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمر المرسلين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وأفضل الوصيين ووارث علم النبيين والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي باقر علم النبيين، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم المنتظر المهدي ولده صلوات الله عليهم أجمعين، أشهد لهم بالإمامة والوصية وأن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه في كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق، وأنهم المعبرون عن القرآن والناطقون عن الرسل صلوات الله عليهم بالبيان، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ومن دينهم الورع والفقه والصدق والصلاح والاستقامة والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، وطول السجود وصيام النهار وقيام الليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وكرم الصحبة، ثم ذكر صفة الوضوء وساق الحديث في الفقه(1).

الثامن والخمسون: السيد الأجل أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاوس في الطرائف الثلاث والثلاثين في النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالإمامة والخلافة والوصية قال: الطرفة العاشرة في تصريح النبي (صلى الله عليه وآله) عند الوفاة بخلافة علي (عليه السلام) على الصغار والكبار وجميع

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 129 / ب 35 / ح 1.

الصفحة 119 

أهل الأمصار بمحضر الأنصار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: لما حضرت رسول الله الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معاشر الأنصار قد حان الفراق وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال ووسعتم في المسكن وبذلتم لله مهج النفوس والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وبقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل، العمل معها مقرون جميعا، إني أرى أن لا أفرق بينهما جميعا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولا يقبل الله منه عملا من الأعمال.

قالوا: يا رسول الله أين لنا نعرفها فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام والنعمة من الله ورسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله قد بلغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفا رحيما شفيقا مشفقا فما هي يا رسول الله؟

قال لهم: كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن ففيه الحجة والنور والبرهان كلام الله جديد غض طري وشاهد وحاكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم به غدا فيحاج به أقواما فتزل أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قال: إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة ولا يقوم السقف إلا بها فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدودا لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالى * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبل الله أيها الناس أفهمتم؟ الله، الله في أهل بيتي مصابيح الظلم ومعادن العلم وينابيع الحكم ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت؟ والله يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا ألا إن باب فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب الله، قال عيسى - يعني راوي الحديث -: فبكى أبو الحسن صلوات الله عليه طويلا وقطع عنه بقية الحديث وأكثر البكاء وقال: هتك حجاب الله هتك والله حجاب الله هتك والله حجاب الله يا أماه صلوات الله عليها(1).

التاسع والخمسون: الشيخ أحمد بن علي بن أبي منصور الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبان ابن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

____________

(1) لم أجده في كتاب الطرائف لابن طاووس، نعم نقله عنه العلامة المجلسي في كتاب الطرف، انظر البحار:

22 / 476 / ح 27.

الصفحة 120 

فقال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعد بن العباس وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وحزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري، قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض: والله لتأتينه ولتنزلنه عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال الآخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا لعنتم على أنفسكم وقد قال الله عز وجل: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين لنستشيره ونستطلع رأيه، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى منه لأنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف مال، ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله فجئنا نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): وأيم الله لو فعلتم ذلك فما كنتم لهم إلا حربا ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال إذن لأتوني، فقالوا لي: بايع وإلا قتلناك فلا بد أن أدفع القوم عن نفسي وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوعز لي قبل وفاته قال: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وينقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى، وإن الأمة الهادية من بعدي بمنزلة هارون ومن تبعه، والأمة الضالة من بعدي بمنزلة السامري ومن اتبعه، فقلت يا رسول الله: فما تعهد إلي إذا كان ذلك، قال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا كف يدك وأحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما والحديث طويل(1).

الستون: الطبرسي في الاحتجاج أيضا عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: خطب الناس سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بعد إذ دفن النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيام فقال فيها: ألا يا أيها الناس اسمعوا عني حديثي ثم أعقلوه عني ألا إني أوتيت علما كثيرا فلو حدثتكم بكل ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه لقالت طائفة منكم هو مجنون، وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا ألا وإن عند علي بن أبي طالب صلوات الله عليه علم المنايا والبلايا وميراث الوصايا وفصل الخطاب وأصل الأنساب على منهاج هارون بن عمران من موسى (عليهما السلام) إذ يقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت وصيي في أهل بيتي وخليفتي في أمتي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولكنكم أخذتم سنة بني إسرائيل فأخطأتم الحق وأنتم تعلمون فلا

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 97.

الصفحة 121 

تعلمون، أما والله لتركبن طبقا عن طبق على سنة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل، أما والذي نفس سلمان بيده لو وليتموها عليه لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، ولو دعوتم الطير في جو السماء لأجابتكم، ودعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلاء وأقنطوا من الرخاء وقد نابذتكم على سواء فانقطعت العصمة فما بيني وبينكم من الولاء عليكم بآل محمد (صلى الله عليه وآله) القادة إلى الجنة والدعاة إليها يوم القيامة، عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وأمرة المؤمنين مرارا جمة مع نبينا كل ذلك يأمرنا به ويؤكده علينا، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد قابيل هابيل فقتله أو كفار قد ارتدت أمة موسى بن عمران (عليه السلام)، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل فأين يذهب بكم أيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان أجهلتم أم تجاهلتم أم حسدتم أم تحاسدتم؟ والله لترتدن كفار أيضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا وإني أظهرت أمري وسلمت لنبيي وأتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وإمام الصديقين والشهداء والصالحين(1).

الحادي والستون: الطبرسي في الاحتجاج عن محمد ويحيى ابني عبد الله بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب قال: لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان فقال: يا معاشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله وأثنى الله عليهم في القرآن، ويا معشر الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان وأثنى الله عليهم في القرآن تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم غيرتم أم خذلتم أم عجزتم؟ ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فينا مقاما أقام فيه علي فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علي - ومن كنت نبيه فهذا أميره ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي، ألستم تعلمون أن رسول الله قال: أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم وأمروهم ولا تأمروا، عليهم، ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته وقد جمعنا في بيت ابنته فاطمة (عليها السلام) فقال: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران (عليه السلام) أن اتخذ أخا من أهلك فاجعله نبيا واجعل أهله لك ولدا أطهرهم من الآفات وأخلصهم من الريب، فاتخذ موسى هارون أخا وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وإن الله أوحى

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 151.

الصفحة 122 

إلي أن اتخذ علي أخا كما أن موسى اتخذ هارون أخا واتخذ ولده ولدا فقد طهرتم كما طهرت ولد هارون إلا أني ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية أفما تبصرون؟ أفما تفهمون؟

أما تسمعون؟ ضربت عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء، فقال له: أمامك عينان أحدهما مالحة والأخرى عذبة فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت.

فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم، وأيم الله ما أهملتم لقد نصب لكم علما يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام، ولو أطعتموه لما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض، فوالله إنكم بعده لناقضوا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنكم على عترته لمختلفون إن هذا من غير ما يعلم أفتى برأيه فقد أبعدتم وتحاسرتم وزعمتم أن الخلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم يقول الله تبارك وتعالى: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) * ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه: * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * أي للرحمة وهم آل محمد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله) كيف وهو خبركم بانتكاصكم عن وصيه (صلى الله عليه وآله) وأمينه ووزيره وأخيه ووليه، أطهركم قلبا وأعلمكم علما وأقدمكم سلما وأعظمكم وعيا عند رسول الله، أعطاه تراثه وأوصاه بعداته فاستخلفه على أمته ووضع عنده سره فهو وليه دونكم أجمعين وأحق به منكم أجمعين، سيد الوصيين ووصي خاتم المرسلين وأفضل المتقين وأطوع الأمة لرب العالمين سلمتم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين، فقد أعذر من أنذر وأدى النصيحة من وعظه وبصر من عمي فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما رأينا وشهدتم كما شهدنا، فقام عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل لعنهم الله، فقالوا: يا أبي أصابك خبل أم بك جنة؟ فقال: بل الخبل فيكم والله كنت عند رسول الله فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى وجهه فقال فيما يخاطبه نصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفترى أمتي تنقاد له من بعدي؟ قال: يا محمد تتبعه من أمتك أبرارها وتخالف عليه من أمتك فجارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك، يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله [ وأطوعهم له ] فأمره الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا، وكما أمرت بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له، فإن أخذت أمتك بسنن بني إسرائيل كذبوا وصيك وجحدوا أمره

الصفحة 123 

وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه فقلت: يا رسول الله من هذا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ملك من ملائكة ربي عز وجل ينبئني إن أمتي تختلف على وصيي علي بن أبي طالب وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير، يا أبي عليك بعلي فإنه الهادي المهدي الناصح لأمتي المحيي لسنتي وهو إمامكم بعدي فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي ومن غير ومن بدل لقيني ناكثا لبيعتي عاصيا أمري جاحدا لنبوتي لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضي، فقامت إليه رجال الأنصار فقالوا له: اقعد رحمك الله يا أبي فقد أديت ما سمعت ووفيت بعهدك(1).

الثاني والستون: الطبرسي في الاحتجاج عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال: لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض، فكبر ذلك على أبي بكر وأحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه، أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت فيه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة، ولا قوة لي بمال ولا كثرة العشيرة ولا استيثار به دون غيري، فما لك تضمر علي ما لا أستحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنآن لي؟ قال: فقال علي: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن الله لا يجمع أمتي على ضلال) ولما رأيت إجماعهم اتبعت حديث النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي نسخة قول النبي (صلى الله عليه وآله) وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من الضلال فأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت، فقال علي (عليه السلام): أما ما ذكرت من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) (إن الله لا يجمع أمتي على ضلال) أو كنت من الأمة أو لم أكن، قال: بلى، قال: وكذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان وعمار والمقداد وأبي ذر وابن عبادة ومن معه من الأنصار، قال: كل من الأمة، قال علي (عليه السلام): فكيف تحتج بحديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول (صلى الله عليه وآله) ولصحبته منهم تقصير؟ قال: ما علمت بتخلفهم إلا من بعد الإبرام وخفت أن قعدت عن الأمر أن يرجعوا الناس مرتدين عن الدين فكان ممارستكم إلي أن أجبتم أهون مؤونة على الدين وإبقاء من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 154.

الصفحة 124 

أديانهم، فقال علي (عليه السلام): أجل ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه، قال: فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة، فقال: [ أبو بكر والسابقة والقرابة ]: فقال علي:

أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟ قال: أبو بكر بل فيك يا أبا الحسن.

قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل ذكران المسلمين أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا صاحب الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسي يوم الغار أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله إلي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية الزكاة بالخاتم أم لك؟

قال: بل لك.

قال: أنشدك بالله إلي الوزارة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمثل من هارون من موسى أم لك؟

قال: بل لك.

قال: أنشدك بالله بي برز رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين أم بك وبأهلك ولدك؟

قال: بل بكم.

قال: فأنشدك بالله إلي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟

قال: بل لك ولأهل بيتك.

قال: فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهلي وولدي يوم الكساء (اللهم هؤلاء أهل بيتي إليك لا إلى النار) أم أنت؟

قال: بل أنت وأهلك وولدك.

قال: أنشدك بالله أنا صاحب الآية * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * أم أنت؟

 

 

 

 

الصفحة 125 

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله أنت الذي ردت له الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله أنت الفتى الذي نودي من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله (صلى الله عليه وآله) برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت نفست عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله أنت الذي إئتمنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله أنا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه يقول رسول الله: خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبد المطلب أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوجني ابنته فاطمة، وقال: الله زوجك إياها أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول: هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أخوك المزين بالجناحين في الجنة مع الملائكة أم أخي؟

قال: بل أخوك.

قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك فأنشدك بالله أنا الذي دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والطير عنده يريد أكله، يقول: اللهم آتني بأحب خلقك إلي وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير فلم يأته غيري أم أنت؟

الصفحة 126 

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووليت غسله ودفنه أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الذي دل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله علي أقضاكم أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرائيل وأضفت محمدا وأطعمت ولده؟

قال فبكى أبو بكر وقال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي حملك رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شئت أن تنال أفق السماء لنلتها أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفتح بابه في مسجده عندما أمر بسد أبواب جميع أهل بيته وأصحابه وأحل لك فيه ما أحل الله له أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقة فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال: * (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * الآية أم أنا؟

الصفحة 127 

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنت الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: زوجتك أول الناس إيمانا وأرجحهم إسلاما في كلام له أم أنا؟

قال: بل أنت.

قال: فلم يزل علي (عليه السلام) يورد مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه ودون غيره، ويقول له أبو بكر بل أنت.

قال: فبهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال له علي (عليه السلام): فما الذي غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه وأنت خلو مما تحتاج إليه أهل دينه؟

قال فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا أبا الحسن انظرني قيام يومي فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك، فقال علي (عليه السلام): لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده فطابت نفسه يومه لم يأذن لأحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي، فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمثل له في مجلسه فقام إليه أبو بكر يسلم عليه فولى عنه وجهه فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولى عنه وجهه، فقال أبو بكر: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أأمرت بأمر لم أفعله؟

فقال: أرد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله رد الحق أهله.

فقلت: من أهله؟

قال: من عاتبك عليه علي.

قلت: فقد رددته عليه يا رسول الله.

ثم لم يره فأصبح أبو بكر إلى علي وقال: إبسط يدك يا أبا الحسن أبايعك فأخبره بما قد رأى.

قال: فبسط علي يده فمسح عليها أبو بكر وبايعه وسلم إليه وقال له: اخرج إلى مسجد رسول الله فأخبرهم بما رأيت في ليلتي وما جرى بيني وبينك وأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلمه إليك.

قال: فقال علي (عليه السلام): نعم، فخرج من عنده متغيرا لونه عاتبا نفسه، فصادفه عمر وهو في طلبه فقال مالك يا خليفة رسول الله؟ فأخبر بما كان منه وما رأى وما جرى بينه وبين علي.

قال: فقال له عمر: أنشدك بالله يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاغترار بسحر بني هاشم والثقة بهم عليه فليس هذا بأول سحر منهم، فما زال به حتى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه فيما هو فيه والثبات عليه والقيام به، قال: فأتى علي المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم أحدا فأحس بشئ منهم فقعد إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فمر به عمر فقال: يا علي دون ما تريد خرط القتاد، فعلم

الصفحة 128 

بالأمر ورجع إلى بيته(1).

وهذا الحديث أخرجته مسندا من رواية ابن بابويه في كتاب البرهان في تفسير قوله تعالى:

* (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * الآية.

الثالث والستون الطبرسي في الاحتجاج قال: روى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: إن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة وجمع على الشورى بعث إلى ستة نفر من قريش إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإلى عثمان بن عفان وإلى الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فأمرهم أن يدخلوا إلى بيت فلم يخرجوا منه حتى يبايعوا لأحدهم، فإن اجتمعت الأربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل، وإن امتنع اثنان وبايعه ثلاثة قتلا، فاجتمع رأيهم على عثمان، فلما رأى أمير المؤمنين وما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة فقال لهم: اسمعوا مني كلامي فإن يك ما أقول حقا فأقبلوا وإن يك باطلا فأنكروا ثم قال لهم: أنشدكم بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما غيري؟

 

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح وبيعة الرضوان غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخوه المزين بالجناحين في الجنة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد عمه سيد الشهداء غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم من زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد إبناه أبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما سيدا شباب أهل الجنة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم من عرف الناسخ والمنسوخ غيري؟

قالوا: لا.

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 157 - 185.

الصفحة 129 

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد عاين جبرائيل (عليه السلام) في مثال دحية الكلبي غيري؟

قالوا: لا.

قال: فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد أدى الزكاة وهو راكع غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينيه وأعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرا ولا بردا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نصبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم بأمر الله، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحصر ورفيقه في السفر غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقتله غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم من سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبضة من تراب فرمى في وجوه الكفار فانهزموا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحد حين ذهب الناس غيري؟

قالوا: لا.

الصفحة 130 

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قضى دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد إشتاقت الجنة إلى رؤيته غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد شهد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكفنه ولحده غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورايته وخاتمه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلاق نسائه بيده غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ظهره حتى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نودي باسمه يوم بدر لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحدا أكل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الطاير المشوي الذي أهدي إليه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت صاحب رايتي في الدنيا وصاحب لوائي في الآخرة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟

قالوا: لا.

الصفحة 131 

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد يخصف نعلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا أخوك وأنت أخي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أحب الخلق إلي وأقولهم بالحق غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أستقي مائة دلو بمائة تمرة وجاء بالتمر فأطعمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جائع غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد سلم عليه جبرائيل وميكائيل وإسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد غمض رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد وحد الله قبلي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد كان أول داخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآخر خارج من عنده غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد مشى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمر على حديقة فقلت: ما أحسن هذه الحديقة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حديقتك في الجنة أحسن من هذه الحديقة حتى مررت على ثلاث حدائق كل ذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): حديقتك في الجنة أحسن من هذه غيري؟

قالوا: لا.

قال: أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أنت أول من آمن بي وصدقني وأول من يرد علي الحوض يوم القيامة " غيري؟

الصفحة 132 

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده ويد امرأته وابنيه، حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيين وأولى بالناس، فقال أنس: اللهم أجعله رجلا من الأنصار فكنت أنا الطالع فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنس: ما أنت يا أنس بأول رجل أحب قومه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة هم راكعون) * غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه وفي ولده * (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) * إلى آخر السورة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) * غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف كلمة كل كلمة مفتاح ألف كلمة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ناجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الطائف فقال أبو بكر وعمر: ناجيت علي دوننا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أنا ناجيته، بل الله أمرني بذلك غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد سقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المهراس غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أقرب الخلق مني يوم القيامة تدخل

الصفحة 133 

بشفاعتك أكثر من عدد ربيعة ومضر غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت تكسى حين أكسى غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت وشيعتك فائزون يوم القيامة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب شعراتي هذا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، فقيل له: ما شعراتك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: علي والحسن والحسين وفاطمة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت خير البشر بعد النبيين غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أفضل الخلائق عملا يوم القيامة بعد النبيين غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كساه وحطه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال: اللهم أنا وأهل بيتي إليك لا إلى النار غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الطعام وهو في الغار ويخبره

الصفحة 134 

الأخبار غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت أخي ووزيري وصاحبي من أهلي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أقدمهم سلما وأفضلهم علما وأكثرهم حلما غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا سر دونك " غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قتل مرحب اليهودي فارس اليهود غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد عرض عليه النبي (صلى الله عليه وآله) الإسلام فقال له: انظرني حتى ألقى والدي فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): فإنها أمانة عندك، فقلت: فإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت، غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حتى فتحها فمشى به مائة ذراع ثم عالجه بعده أربعون رجلا فلم يطيقوه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * فكنت أنا الذي قدم الصدقة غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): منزلي مواجه منزلك في الجنة غيري؟

قالوا: لا.

الصفحة 135 

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قاتل الله من قاتلك وعادى من عاداك غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أراد أن يسير المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: أنت يوم القيامة عن يمين العرش والله يكسوك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين وأشهر غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا يوم القيامة بحجزة ربي والحجزة النور، وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذون بحجزتك غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أولى الناس بأمتي بعدي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ولايتك كولايتي عهد عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم اجعله لي عونا وعضدا وناصرا غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): المال يعسوب الظلمة وأنت يعسوب

الصفحة 136 

المؤمنين غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأبعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للإيمان غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أطعمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) رمانة وقال: هذه من رمانة الجنة لا ينبغي أن يأكل منها إلا نبي أو وصي نبي غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ولم أسال ربي شيئا إلا ما سألت لك مثله غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يدخل الله أوليائك الجنة وعدوك النار غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب ولا فخر غيري؟

قالوا: لا.

الصفحة 137 

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد رضي الله عنه في آيتين من القرآن غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إني أحبه اللهم إني استودعكه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): موعدك موعدي وموعد شيعتك الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت تحاج الناس فتحجهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والقسم بالسوية غيري قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده يوم غدير فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه ويقول: ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه وصدقوه فإنه وليكم غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد جبرائيل أحد ضيفانه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حنوطا من حنوط الجنة، ثم قال: أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حياه وأدناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت

 

 

 

الصفحة 138 

الأنبياء بالأوصياء غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد سرحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة بأمر الله غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدى الله عن أمانتك أدى الله عن ذمتك غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسبي بنت مرحب وقادها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت قسيم النار تخرج منها من زكى وتذر فيها كل كافر غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ترد على الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم ويرد علي عدوك ضماء مظمئين مسودة وجوههم غيري؟

قالوا: لا.

قال لهم أمير المؤمنين: أما إذا أقررتم على أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم (صلى الله عليه وآله):

فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم أن خالفتم خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهلها وهي له قال: فتغامزوا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا: قد عرفنا فضله وعلمنا أنه أحق الناس بها، ولكنه لا رجل يفضل أحدا على أحد فإن وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس شرعا سواء ولكن ولوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون فدفعوها إليه(1).

الرابع والستون: الطبرسي في الاحتجاج قال: روى يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب بالبصرة بعد دخولها بأيام فقام إليه رجل فقال:

يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل البدعة ومن أهل السنة؟ فقال:

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 193 - 210.

الصفحة 139 

ويحك أما إذا سألتني فافهم عني ولا عليك إلا تسأل عنها أحدا بعدي، أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله عز وجل وعن أمر رسوله.

وأهل الفرقة المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا، وأما أهل السنة المتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا.

وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله والعاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج وعلى الله قصمها واستيصالها عن جدد الأرض، فقام إليه عمار فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده فيء، فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال: يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية، فقال: ولم؟ ويحك، قال: لأنك قسمت ما في العسكر وتركت النساء والأموال والذرية، فقال: أيها الناس من كانت به جراحة فليداويها بالسمن، فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف، فقيل من غلام ثقيف؟ فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها، فقيل: أفيموت أو يقتل؟

فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه.

يا أخا بكر أنت امرئ ضعيف الرأي أوما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير وإن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة وولدوا عن فطرة وإنما لكم ما حوى عسكرهم وما كان في دورهم فهو ميراث، فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره، يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة فقسم ما حوى العسكر ولم يتعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذوا النعل بالنعل، يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها وإن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق، فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني وأكثرتم علي وذلك إنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ عائشة بسهمه؟

فقالوا: يا أمير المؤمنين، أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر الله تعالى، ونادى الناس من كل جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد، فقام عباد فقال: أيها الناس إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم (صلى الله عليه وآله) حتى قيس شعره وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهج هارون (عليه السلام) وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه (صلى الله عليه وآله)

الصفحة 140 

حيث أعطاه ما لم يعطه أحدا من خلقه، ثم قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة وإن كان فيه مشقة شديدة ومزازة عتيدة، والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقوة والندامة عما قليل، ثم إني أخبركم إن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره، فشربوا منه إلا قليلا منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم، وأما عائشة فأدركها رأي النساء ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عن من يشاء ويعذب من يشاء(1).

الخامس والستون: الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) قال: لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على العقبة، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما قدروا مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) لما فخم من أمره وعظم من شأنه، من ذلك أنه لما خرج من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له: إن جبرائيل (عليه السلام) أتاني وقال لي: يا محمد إن العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك يا محمد أما أنت تخرج وتقيم علي أو تقيم أنت ويخرج علي لا بد من ذلك، فإن علي قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري فلما خلفه قال: أكثر المنافقين ملة وسئمه وكره صحبته، فتبعه علي (عليه السلام) حتى لحقه، وقد وجد غما شديدا مما قالوا فيه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أشخصك من كرمك، قال: بلغني عن الناس كذا وكذا، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فانصرف علي إلى موضعه وذكر قصة العقبة إلى أخرها، والأربعة والعشرين الذين أرادوا التدبير على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها وخلصه الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه وتأييده لرسول الله (صلى الله عليه وآله)(2).

السادس والستون: الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: ولقد اتخذ المنافقون من أمة محمد بعد موت سعد بن معاد، وبعد انطلاق محمد (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك أبا عامر الراهب أميرا ورئيسا وبايعوا له، وتواطؤوا على إنهاب المدينة وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر أهله وصحابته، ودبروا التبييت على محمد ليقتلوه في طريقه إلى تبوك، فأحسن الله الدفاع عن محمد (صلى الله عليه وآله) وفضح المنافقين وأخزاهم، وذكر قصة أبي عامر الراهب والمنافقين الذين معه من بناء مسجد ضرار لأبي عامر الراهب وما أرادوا به من كيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما دبروا فيه إلى أن قال (عليه السلام) في

____________

(1) الاحتجاج: 1 / 246.

(2) الاحتجاج 1 / 59 باختصار من المصنف.

الصفحة 141 

آخر القصة: وجد في العزم - يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) - على الخروج إلى تبوك وعزم المنافقون على اصطلام مخلفيهم إذا خرجوا، فأوحى الله تعالى إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: إما أن تخرج أنت ويقيم علي وإما أن يخرج علي وتقيم أنت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذاك لعلي (عليه السلام)، فقال علي: السمع والطاعة لأمر الله وأمر رسوله وإن كنت لا أتخلف عن رسول الله في حال من الأحوال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فقال رضيت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

السابع والستون: الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام) ولقد كان من المنافقين والضعفاء من أشباه المنافقين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا قصدوا إلى تخريب المساجد بالمدينة كلها لما هموا من قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالمدينة ومن قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريقهم إلى العقبة، ولقد أراد الله في ذلك السير إلى تبوك في بصائر المستبصرين وفي قطع معاذيرهم متمرديهم زيادات تليق بجلال الله وطوله على عباده، منها لما كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسيره إلى تبوك قالوا: لن نصبر على طعام واحد كما قالت بنو إسرائيل لموسى، وكانت آية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظاهرة في ذلك أعظم من الآية الظاهرة لقوم موسى، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن يخلف عليا بالمدينة، فقال علي: يا رسول الله ما كنت أحب أن أتخلف عنك في شئ من أمورك وأن أغيب عن مشاهدتك والنظر إلى هديك وسمتك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أما ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأن لك في مقامك من الأجر مثل الذي لو خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) موقنا طايعا(2).

الثامن والستون: ابن شهرآشوب في كتاب الفضائل في خروج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى غزوة تبوك أنه (صلى الله عليه وآله) لما خرج من المدينة وانتهى إلى الجرف لحقه علي (عليه السلام) وأخذ يغزر رحله وقال: يا رسول الله زعمت قريش إنما خلفتني استثقالا ومقتا، فقال (صلى الله عليه وآله): طال ما آذت الأمم أنبيائها أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ الخبر(3).

التاسع والستون: الشيخ أحمد بن علي بن أبي منصور الطبرسي في الاحتجاج قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثني سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر

____________

(1) تفسير الإمام العسكري: 485 / 309.

(2) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 561 / 331.

(3) مناقب آل أبي طالب: 1 / 183.

الصفحة 142 

محمد بن علي (عليهما السلام) قال: حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية، وساق الحديث بطوله ورواه ابن الفارسي في روضة الواعظين عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وفي الحديث قال: حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه ما خلا الحج والولاية، فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال له: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ورسلي إلا من بعد كمال ديني وتأكيد حجتي وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك فريضة الحج وفريضة الولاية والخليفة من بعدك، فإني لم أخل الأرض من حجة ولن أخليها أبدا والحديث طويل مشتمل لحج النبي (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع، ونصه على أمير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم بالخطبة الطويلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والخلافة والوصية وساق الخطبة إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحي إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد، وإن عظمت منبته وصفت خلته لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الكافي الكريم فأوحى إلي بسم الله الرحمن الرحيم * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل إلي وأنا مبين لكم سبب هذه الآية، إن جبرائيل (عليه السلام) هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي والذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وأتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال وساق الحديث إلى آخرها(1).

والحديث والخطبة تقدم في الباب السابع عشر باب غدير خم من هذا الكتاب وهو الحديث الأربعون من الباب.

السبعون: أحمد بن علي بن أبي منصور الطبرسي في الاحتجاج في رسالة أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض قال:

اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك، أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم

____________

(1) روضة الواعظين 89، الاحتجاج: 1 / 67.

الصفحة 143 

في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي (صلى الله عليه وآله): لا تجتمع أمتي على ضلالة، فأخبر (صلى الله عليه وآله) أن ما اجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون ولا ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب واتباع أحكام الأحاديث المزورة والروايات المزخرفة واتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب وتحقيق الآيات الواضحات النيرات، ونحن نسأل الله أن يوفقنا للصواب ويهدينا إلى الرشاد، ثم قال: (عليه السلام): فإذا شهد الكتاب بصدق خبر وتحقيقه فأنكرته طائفة من الأمة وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب ضلالا وأصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: إني مستخلف فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض إنكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *.

ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنه تصدق بخاتمه وهو راكع، فشكر الله ذلك وأنزل الآية فيه، ثم وجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وقوله: علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم بعدي وقوله حين استخلفه على المدينة فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار وتحقيق هذه الشواهد فيلزم الأمة الإقرار بها إذ كانت هذه الأخبار وافقت القرآن، فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله ووجدنا كتاب الله موافقا لهذه الأخبار وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد(1).

على هذا القدر نقتصر من روايات الخاصة في قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

والروايات من طريق العامة والخاصة بذلك متواترة.

قال: السيد المرتضى قدس الله تعالى روحه في الشافي: العلماء مطبقون على قبول الحديث(2).

____________

(1) الاحتجاج: 2 / 251. (2 / 487) (2) أنظر: الشافي في الإمامة: 3 / 8.