الباب في أن المهاجرين والأنصار لا يشكون أن صاحب الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أمير المؤمنين علي وأن أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية يعلمون ذلك وإتيان

الصفحة 304 

وفيه خمسة عشر حديثا

الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال: روى الزبير بن بكار قال محمد بن إسحاق: إن أبا بكر لما بويع افتخرت بنو مرة قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون في أن عليا (عليه السلام) هو صاحب الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الفضل بن العباس: يا معشر قريش وخصوصا بني تيم إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهية الناس لنا أعظم من كراهيتهم لغيرنا حسدا منهم لنا وحقدا علينا، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا وهو ينتهي إليه، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم:

 

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا        عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم     وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن

ما فيه ما فيهم لا تمترون به      وليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردهم عنه فنعلمه ها  إن ذا غبننا من أعظم الغبن

 

قال الزبير: فبعث إليه علي (عليه السلام) فنهاه وأمره أن لا يعود، وقال: سلامة الدين أحب إلينا من غيرها(1).

الثاني: ابن أبي الحديد في الشرح قال: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز في كتاب السقيفة قال:

أخبرني أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أحمد بن سيار قال: حدثنا سعيد بن كثير عن عفير الأنصاري

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 21.

الصفحة 305 

قال: ذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة (عليها السلام) منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال لهم:

انطلقوا فبايعوا، فأبوا - يعني من كان في بيت فاطمة - وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر: عليكم الكلب فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم، وعلي (عليه السلام) يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له:

بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ولا فبوءوا بالظلم لنا وأنتم تعلمون.

فقال عمر: أنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي (عليه السلام): إحلب يا عمر حلبا لك شطره، أشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا، ألا والله ولا أقبل قولك ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك، فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن أنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالا له واضطلاعا به، فسلم له هذا الأمر وارض به، فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك فقال: يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد من بيته وداره إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا، فقال بشر بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنهم قد بايعوا، وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع ولزم بيته حتى ماتت فاطمة، فلما ماتت فاطمة خرج فبايع(1).

الثالث: ابن أبي الحديد قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وحدثنا أحمد قال: حدثني سعيد بن كثير قال: حدثني ابن لهيعة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما مات وأبو ذر غائب فقدم وقد ولي أبو بكر وقال:

أصبتم قناعه وتركتم قرامه، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم اثنان، قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبه قال: حدثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال: لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) وجرى في السقيفة ما جرى تمثل علي (عليه السلام):

____________

(1) شرح بهج البلاغة: 6 / 5.

الصفحة 306 

 

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا  ويطغون لما غال زيدا غوائله(1)

 

وقال: وروى الزبير بن بكار في الموفقيات لما بايع بشير بن سعد أبا بكر وازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوقف وأنشد:

 

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم         ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم        وليس لها إلا أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كف حازم  فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي

وأي امرئ يرمى قصيا ورأيها   منيع الحمى والبأس من غالب قصي(2)

 

الرابع: ابن أبي الحديد قال الزبير: لما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما كان في آخر النهار افترقوا إلى منازلهم واجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين، فتعاتبوا فيما بينهم وقال عبد الرحمن بن عوف: يا معشر الأنصار إنكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا علي ولا أبي عبيدة، فقال زيد بن أرقم: إنا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن، وإن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة ومن أمر الله رسوله عليه السلام أن يقرئه السلام، وأن يأخذ عنه القرآن أبي بن كعب ومن يجئ يوم القيامة أمام العلماء معاذ بن جبل، ومن أمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وإنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد علي بن أبي طالب قال الزبير:

فلما كان من الغد قام أبو بكر وخطب الناس فقال: أيها الناس إني وليتكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، فإن لي شيطانا يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي حتى أرد إليه حقه، والقوي ضعيف حتى آخذ الحق منه، أنه لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع في قوم الفاحشة إلا عمهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، فقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله(3).

الخامس: ابن أبي الحديد قال الزبير: قال: حدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة قال: حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال: لما بويع أبو بكر واستقر أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضهم بعضا وذكروا علي بن أبي طالب

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 13.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 17.

(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 19.

 

 

 

 

الصفحة 307 

ونوهوا باسمه وإنه لفي بيته لم يخرج إليهم، وجزع من ذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام(1).

السادس: ابن أبي الحديد قال: قال الزبير: وحضر أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس حتى يقروا بفضلنا عليهم، فإن تفضلوا فحسبنا حتى انتهى بها، وإلا فحسبهم حيث انتهى بهم، وأيم الله لئن بطروا المعيشة وكفروا النعمة لنضربنهم على الإسلام كما ضربونا عليه، فأما علي بن أبي طالب فأهل والله أن يسود على قريش وتطيعه الأنصار.

السابع: ابن أبي الحديد وقال: قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبه عن رجاله عن الشعبي قال: قام الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له: انزل عن منبر أبي، فقال أبو بكر: صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي، فبعث علي (عليه السلام) إلى أبي بكر إنه غلام حدث وإنا لم نأمره فقال أبو بكر: صدقت إنا لم نتهمك(2).

الثامن: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وأخبرنا زيد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا غسان ابن عبد الحميد قال: لما أكثروا في تخلف علي (عليه السلام) عن البيعة واشتد أمر أبي بكر وعمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبي ونادته يا رسول الله:

 

قد كان بعدك أنباء وهينمة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها   فاختل قومك فاشهدهم ولا تعب(3)

 

التاسع: ابن أبي الحديد قال قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وسمعت أبا زيد بن عمر بن شبة يحدث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده قال: مر المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي (صلى الله عليه وآله) حين قبض فقال: ما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه - يعنيان عليا (عليه السلام) - فقال: أتريدون أن تنتظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت، وسعوها في قريش تتسع قال:

فقاما إلى سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه(4).

انظر كيف رجع أبو بكر وعمر عن الحق ورجعا إلى المغيرة بن شعبة الذي شهد عليه المعتزلة بالكفر كما صرح به ابن أبي الحديد، وإنه زان فاسق كما ذكره ابن أبي الحديد وذكر فيه الروايات الكثيرة في الشرح، والعجب أيضا من ابن أبي الحديد ومن قال بمقالته كيف يعتقد إمامة من هذه صفته.

العاشر: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال نصر يعني بن مزاحم: وكتب محمد بن أبي بكر:

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 22.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 42.

(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 43.

(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 43.

الصفحة 308 

الغاوي معاوية بن صخر سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولايته، أما بعد فإن الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عبث ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم ولكنه خلقهم عبيدا، وجعل منهم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا، ثم اختارهم على علمه فاصطفى وانتجب منهم محمدا (صلى الله عليه وآله) فاختصه برسالته واختاره لوحيه وائتمنه على أمره وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب ودليلا على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول من أجاب وأناب وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف، فحارب حربه وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله.

وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو، السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة وخير الناس، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتحالفان في ذلك القبائل، على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والشاهد لعلي مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب، يجالدون حوله بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه، يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه فكيف - يالك الويل - تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في أمره وأنت عدوه؟ وابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكان أجلك قد انقضى وكيدك قد زها وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا.

واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور، وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء والسلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان: إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام الله على أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه وما اصطفى به نبيه مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف ولايتك فيه تعنيف، ذكرت حق ابن أبي طالب

الصفحة 309 

وقديم سابقته وقرابته من نبي الله ونصرته ومواساته إياه في كل هول وخوف، واحتجاجك علي وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده وأظهر دعوته وأفلج حجته قبضه الله إليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكآ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايعهما وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضا وانقضى أمرهما ثم أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان يهتدي بهداهما ويسير بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما وكشفتما له عداوتكما وغلكما حتى بلغتما منه مناكما، فخذ حذرك يا بن أبي بكر فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك يقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ولا يلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أنانه، أبوك مهد له مهاده وبنى ملكه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يكن جورا فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام على من أناب، ورجع عن غوايته وتاب(1).

الحادي عشر: روى عامر الشعبي وهو من النواصب المنحرفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، رواه عن عروة بن الزبير بن العوام قال: لما قال المنافقون: إن أبا بكر تقدم عليا، وهو يقول: أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال: صبرا على من ليس يؤول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية، أظهر الإيمان ذلة وأسر النفاق غلة، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أني أقول:

إني أفضل من علي، وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته؟ عبد الله [ وحد الله ] وأنا موحده، وعبده قبل أن أعبده، ووالى الرسول وأنا عدوه، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره، وإن ابن أبي طالب فاز من الله بمحبة ومن الرسول بقربة ومن الإيمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرون لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل لله مهجته ولابن عمه مودته، كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق، وبرز قبل أن يسابق، جمع العلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا، لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمل أن ينال

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 3 / 188.

الصفحة 310 

درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا وللنبي (صلى الله عليه وآله) وصيا وللخلافة راعيا وللإمامة قائما؟ أفيغتر بمقام قمته إذ أقامني وأطعته إذا أمرني، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الحق مع علي وعلي مع الحق، من أطاع عليا رشد ومن عصى عليا فسد، ومن أحبه سعد ومن أبغضه شقي، والله لو لم يحب ابن أبي طالب إلا لأجل أنه لم يواقع لله محرما ولا عبد من دونه صنما، ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يحب، فكيف لأسباب أقلها موجب وأهونها مرعب، للرحم المماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل، ولخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك مجدها ود المتمنون أن لو كانوا تراب [ أقدام ] ابن أبي طالب، أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى الله وإلى الرسول(1)؟.

الثاني عشر: ابن أبي الحديد في الشرح عن ابن عباس في حديث طويل يشكو عثمان عليا (عليه السلام) وفي الحديث قال عثمان: يا بن عباس الله يعلم أنك تعلم من علي ما شكوت منه قال: اللهم لا، إلا أن يقول كما يقول الناس ينقم كما ينقمون، فمن أغراك به وأولعك بذكره دونهم فقال عثمان: إنما أفتى من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر وهو علي بن أبي طالب ابن عمك، وهذا والله من نكده وشؤمه قال ابن عباس: مهلا استثن يا أمير المؤمنين قل: إن شاء الله قال: إن شاء الله، ثم قال: إني أنشدك بابن عباس الإسلام والرحم، فقد والله غلبت وابتليت بكم والله لوددت أن هذا الأمر صار إليكم دوني فحملتموه عني وكنت أحد أعوانكم عليه إذا والله لوجدتموني لكم خيرا مما وجدتكم لي، ولقد علمت أن الأمر لكم ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم، فوالله ما أدري أدفعوه منكم أم دفعوكم عنه.

قال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين فإنما ننشدك الله والإسلام والرحم مثل ما نشدتنا أن يطمع فيك وفينا عدو أو يشمت بك وبنا حسود إن أمرك إليك ما كان فعلا فإذا صار فعلا فليس إليك ولا في يديك، وإنا والله لنخالفن إن خولفنا ولننازعن إن نوزعنا، ما تمنيك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منا ما يقوله الناس ويعيب كما عابوا، فأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسد قد والله عرفته، وبغي قد والله علمته فالله بيننا وبين قومنا، وأما قولك: إنك لا تدري أدفعوه عنا أم دفعونا عنه، فلعمري إنك لتعرف أنه لو صار إلينا هذا الأمر ما ازددنا به فضلا ولا قدرا إلى قدرنا وإنا لأهل الفضل وأهل القدر وما فضل فاضل إلا بفضلنا ولا سبق سابق إلا بسبقنا، ولولا هدانا ما اهتدى

____________

(1) الإحتجاج للطبرسي: 1 / 115.

الصفحة 311 

أحد ولا أبصروا من عمى ولا قصدوا من جور، فقال عثمان: حتى متى يا بن عباس يأتيني عنكم ما يأتيني، هبوني كنت بعيدا أما كان لي من الحق عليكم أن أراقب وأنا أنظر؟ بلى ورب الكعبة ولكن الفرقة سهلت لكم القول في، وتقدمت بكم إلى الإسراع إلي والله المستعان.

قال ابن عباس: مهلا حتى ألقى عليا ثم أحمل إليك على قدر ما أرى فقال: افعل، فقد فعلت وطال ما طلبت فلا أطلب ولا أجاب ولا أعتب قال ابن عباس: فخرجت فلقيت عليا وإذا به من الغضب والتلظي أضعاف ما بعثمان، فأردت تسكينه فامتنع فأتيت منزلي وأغلقت بابي واعتزلتهما، فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلي فأتيته وقد هدأ غضبه فنظر إلي ثم ضحك فقال: يا بن عباس ما أبطأ بك عنا إن تركك العود إلينا لدليل على ما رأيت عند صاحبك وعرفت من حاله، فالله بيننا وبينه، خذ بنا في غير ذلك، قال ابن عباس: فكان عثمان إذا أتاه بعد ذلك عن علي شئ فأردت التكذيب عنه يقول: ولا يوم الجمعة حين أبطأت عنا وتركت العود إلينا فلا أدري كيف أرد عليه(1).

الثالث عشر: ابن أبي الحديد قال: روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عباس (رحمه الله) قال:

شهدت عتاب عثمان لعلي (عليه السلام) يوما فقال له في بعض ما قال له: نشدتك الله أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقا وابن الخطاب كطاعتك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولست بدون واحد منهما وأنا أمس بك رحما وأقرب إليك صهرا، فإن كنت تزعم أن هذا الأمر جعله رسول الله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثم أقررت، فإن كانا لم يركبا من الأمر جددا فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة؟ وإن كانا أحسنا فيما وليا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما؟ فقال علي (عليه السلام): أما الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بابا وأسهل إليها سبيلا ولكني أنهاك عما ينهاك الله ورسوله عنه، وأما عتيق وابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين؟ فأما أن لا يكون حقي، بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السهم الثغرة، وأما أن يكون حقي دونهم فقد تركته لهم، طبت به نفسا ونفضت يدي منه استصلاحا، وأما التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما، إنهما وليا هذا الأمر فظلفا أهلهما وأنفسهما عنه، وعمت فيه وقومك عوم السايح في اللجة فارجع إلى الله أبا عمرو، وانظر هل بقي من عمرك إلا كظم الحمار؟ فحتى متى؟ وإلى متى؟ ألا تنهي سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 9.

الصفحة 312 

وبينك.

قال ابن عباس: فقال عثمان: لك العتبى وافعل واعزل من عمالي كل من تكرهه ويكرهه المسلمون ثم افترقا فصده مروان بن الحكم عن ذلك وقال: يجترئ عليك الناس، فلم يعزل أحدا منهم(1).

الرابع عشر: ابن أبي الحديد في الشرح قال عثمان: أنا أخبركم - مخاطبا لعلي وطلحة والزبير وكان معاوية حاضرا - عني وعما وليت، إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش فبسطت في شئ من ذلك لما أقوم به فيه، فإن رأيتم خطأ فردوه فأمري لأمركم تبع فقالوا: أصبت وأحسنت، أنك أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا وأعطيت مروان خمسة عشر ألفا فاستعدهما منهما فاستعادها فخرجوا راضين(2).

الخامس عشر: محمد بن علي الحكيم الترمذي وهو من أكابر العامة في كتابه في كلام له في فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: إذا تحققت هذا فقد تحققت أن له الخلافة الحقيقية اليقينية الأصلية المعنونة، ولهذا جعل رضاه بعد مضي أيام إجماعا على خلافة أبي بكر (رضي الله عنه) يقينيا وكان يأتيه في الحقيقة، ولهذا قال أبو بكر الصديق: أقيلوني فإن عليا أحق مني بهذا الأمر، قال وفي رواية:

كان الصديق (رضي الله عنه) يقول ثلاث مرات: أقيلوني أقيلوني فإني لست بخير منكم وعلي فيكم، وإنما قال ذلك لعلمه بحال علي كرم الله وجهه ومرتبته في الخلافة في الحقية الحقيقية الأصلية اليقينية تخلفا وتحققا وتعقلا وتعلقا(3).

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 15.

(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 138.

(3) تفسير القرطبي: 1 / 272، الغدير: 5 / 368 بتفاوت.