الباب في جرأة عمر بن الخطاب على رسول الله حين علم عمر أنه (صلى الله عليه وآله) أراد أن ينص على علي (عليه السلام) بأنه صاحب الأمر بعده (صلى الله عليه وآله) في مر

الصفحة 92   

وفيه سبعة عشر حديثا

الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال: روى ابن عباس (رحمه الله) قال: دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرة كانت عنده واستلقى على مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال:

كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر، قلت: خلفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان ويقرأ القرآن، قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قلت:

نعم، قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نص عليه؟ قلت: نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال:

صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره زورا من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يرتع في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم.

ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب تاريخ بغداد في كتابه مسندا. إلى هاهنا كلام ابن أبي الحديد(1).

الثاني: ابن أبي الحديد قال في الشرح قال: روى ابن عباس قال: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوما يسير على بعيرة فاتبعته فقال لي: يا بن عباس أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولم أزال أراه واجدا فما تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 20.

الصفحة 93   

لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة، قلت: هو ذلك إنه يزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد الأمر له فقال: يا بن عباس وأراد رسول الله الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أمرا وأراد الله غيره فنفذ أمر الله ولم ينفذ مراد رسوله أو كلما أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أراده الله إنه كان أراد إسلام عمه ولم يرده الله فلم يسلم.

وقد روى معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ وهو قوله: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أن يذكر له الأمر في مرضه فصددته عنه خوفا من الفتنة وانتشار أمر الإسلام فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في نفسي فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم إلى هنا كلام ابن أبي الحديد(1).

قال مؤلف هذا الكتاب: الذي رواه ابن أبي الحديد ورواه عن غيره يدل على كفر عمر بن الخطاب حيث جعل مراد الله عز وجل غير مراد رسوله ومراد رسوله غير مراد الله تعالى لأن كل ما أراده الله أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر الله تعالى وأمر رسوله واحد وطاعتهم واحدة، قال الله تعالى:

*(من يطع الرسول فقد أطاع الله)*(2) وقال تعالى: *(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)*(3).

وقال سبحانه: *(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)*(4) وقال جل وعلا: *(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)*(5) فكيف عمر بن الخطاب يفرق بين الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) فكفر عمر بذلك. قال الله جل جلاله: *(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا)*(6).

الثالث: ابن أبي الحديد في الشرح بعد أن ذكر أحاديث فيها النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والخلافة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال ابن أبي الحديد: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد ابن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له: ما أراها إلا تكاد تكون دالة على النص ولكني أستبعد أن يجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شخص بعينه، كما استبعدنا من الصحابة على رد نصه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين، فقال رحمه الله: أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة(7).

ثم نقل ابن أبي الحديد عن أبي جعفر هذا أحاديث مما رده عمر بن الخطاب على رسول

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 78.

(2) النساء: 80.

(3) الفتح: 10.

(4) النجم: 3.

(5) الحشر: 7.

(6) النساء: 150 - 151.

(7) شرح نهج البلاغة: 12 / 82.

الصفحة 94   

الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث كثيرة إلى أن قال أبو جعفر في الأحاديث التي أنكرها عمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنكاره يعني عمر أمره (عليه السلام) بالنداء من قال لا إله إلا الله دخل الجنة إلى غير ذلك من أمور كثيرة يشتمل عليها كتب الحديث، ولو لم يكن إلا إنكاره قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: إئتوني بدواة وكتف أكتب لكم ما لا تضلون بعده، وقوله ما قال(1) وسكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه، وأعجب الأشياء أنه قال ذلك اليوم: حسبنا كتاب الله فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار فبعضهم يقول القول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعضهم يقول القول ما قال عمر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد كثر اللغط وعلت الأصوات: قوموا عني فما ينبغي لنبي أن يكون عنده هذا التنازع، فهل بقي للنبوة مزية أو فضل إذا كان الاختلاف قد وقع بين القول وميل المسلمين بينهما مرجح قوم هذا وقوم هذا، أفليس ذلك دالا على أن القوم سووا بينه وبين عمر وجعلوا القولين مسألة خلاف، ذهب كل فريق منهم إلى نصرة واحد منهما كما يختلف اثنان من عرض المسلمين في بعض الأحكام فينصر هذا قوم وينصر ذلك آخرون، فمن بلغت قوته وهمته إلى هذا كيف ينكر منه أن يبايع أبا بكر لمصلحة يراها ويعدلان عن النفر ومن الذي كان ينكر عليه ذلك وهو في القول الذي قاله للرسول (صلى الله عليه وآله) في وجهه غير خائف من الإنكار ولا أنكر عليه أحد لا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا غيره، وهو أشد من مخالفة النص في الخلافة وأفضع وأشنع.

قال ابن أبي الحديد عقيب ذلك: وقد ذكرت في هذا الفصل خلاصة ما حفظت عن النقيب أبي جعفر ولم يكن إمامي المذهب ولا كان يبرء من السلف الصالح ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة ولكنه كلام أجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه، على أن العلوي لو كان كراميا لا بد أن يكون عنده نوع من تعصب وميل على الصحابة، وكان النقيب أبو جعفر (رحمه الله) غزير العلم صحيح العقل منصفا في الجدال غير متعصب للمذهب وإن كان علويا وكان يعترف بفضل الصحابة ويثني على الشيخين(2).

قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى ما ذكرناه عن أبي الحديد وما نقله عن أبي جعفر يطلعك على فساد ما أصلوا عليه من مذهب العامة من إنكارهم النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع علمهم بالنص عليه بالإمامة والخلافة واتبعوا أهوائهم فبعدا للقوم الظالمين.

الرابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا الحسن بن الربيع عن عبد الرحمان عن معمر عن الزهري عن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه

____________

(1) أي قول عمر الآتي: إنه يهجر.

(2) شرح نهج البلاغة: 12 / 90.

الصفحة 95   

قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول: القول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن قائل يقول: القول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قوموا إنه لا ينبغي لنبي أن يختلف عنده هكذا، فقاموا فمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعني الاختلاف واللغط.

قال ابن أبي الحديد: قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما(1) واتفق المحدثون كافة على روايته.

إلى هنا كلام ابن أبي الحديد(2).

الخامس: ابن أبي الحديد في الشرح قال: في الصحيحين خرجاه معا رحمهما الله عن ابن عباس أنه كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقلنا: يا بن عباس ما يوم الخميس؟ قال: اشتد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال: إئتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا فقال إنه لا ينبغي عندي تنازع فقال قائل: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني بالذي أنا فيه خير من الذي أنتم فيه، ثم أمر بثلاثة أشياء فقال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسئل ابن عباس عن الثالثة فقال: إما أن لا يكون تكلم بها وإما أن يكون قالها فنسيت(3).

السادس: ابن أبي الحديد في الشرح قال: وفي الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابن عباس (رحمه الله) قال: لما احتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده (صلى الله عليه وآله) قال لهم: قوموا، فقاموا وكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب(4).

____________

(1) صحيح البخاري: 5 / 138 و 7 / 9 كتاب المرض والطب ط. دار الفكر بيروت المصورة عن استانبول 1401 هـ، وصحيح مسلم بشرح النووي: 5 / 76 و 11 / 89 ط. دار الكتاب العربي 1407 هـ.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 51.

(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 54 - 55.

(4) شرح نهج البلاغة: 2 / 55.

الصفحة 96   

السابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال أبو جعفر الطبري وروى سعيد بن جبير قال: كان ابن عباس (رحمه الله) يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم يبكي حتى تبل دموعه الحصباء، فقلنا له: وما يوم الخميس؟ قال: يوم اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال: إئتوني باللوح والدواة - أو قال - بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا، فتنازعوا فقال: اخرجوا لا ينبغي عند نبي أن يتنازع.

قالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه، ثم أوصى بثلاث قال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد مما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة عمدا أو قالها ونسيتها(1).

الثامن: ابن أبي الحديد قال: وكان في ألفاظ عمر وأخلاقه جفاء وعنجهية ظاهرة يحسب لها السامع أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من يحكي له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصد، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها، ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ولم يتحفظ منها، وكان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك(2).

قال: وما روي من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه قال: إعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات كثيرة كان (رضي الله عنه) يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة ولا حيلة له فيها، لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها ولا ريب عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات ولا يقصد بها شرا ولا يريد به ذما ولا تخطئة كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكاللفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك، والله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أطهر النيات وأخلصها لله تعالى(3).

قال مؤلف هذا الكتاب: لقد غلا ابن أبي الحديد في عمر بن الخطاب وتعصب فيه أتم التعصب وخرج عن مذهب الاعتزال من أن فعال العباد منهم لا من الله ودخل في مذهب المجبرة أن العبد لا فعل له ولا قدرة له على فعله، وعندهم أن المكلف لا اختيار له في أفعاله كالحجر إن حركته تحرك، وإنما قلنا ذلك في ابن أبي الحديد لأنه قال في الاعتذار عن عمر في قوله لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 13 / 30.

(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 180.

(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 27.

الصفحة 97   

يهجر قالها عمر بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة ولا حيلة له فيها لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها وهذا بعينه قول المجبرة وليت شعري ما الذي أوجب خروجه من مذهبه وهل هذا إلا محض تعصب لعمر، أعوذ بالله تعالى من الحمية الجاهلية والعجب من ابن أبي الحديد بين تعصبه هنا لعمر وبين قوله في عمر وذمه له حيث جعل الخلافة شورى في ستة.

قال ابن أبي الحديد في الشرح بعد طعن أبي لؤلؤة من أمر الشورى: فإن ذلك كان سبب كل فتنة وقعت وتقع إلى أن تنقضي الدنيا وقد شرحنا ما أدى إليه من أمر الشورى من الفساد بما حصل في نفس كل واحد من الستة من ترشيحه للخلافة. إلى هنا كلام ابن أبي الحديد بلفظه(1).

التاسع: ومن كتاب سير الصحابة لبعض رجال العامة ما هذا لفظه في مطلع كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم ما جاء في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن أخبار النبي صلوات الله عليهما وعلى عترتهما أجمعين قال النبي (صلى الله عليه وآله): سيظهر في الإسلام من الفرق ما ظهر في الأديان من قبلها فأما اليهود فإنها افترقت على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي من بعدي ثلاثا وسبعين فرقة جميعها في النار غير واحدة ناجية.

فقيل له: يا رسول الله من الفرقة الناجية؟

فقال: من كان على ما أنا عليه وأهل بيتي ومن قام على عهدي بعد وفاتي، فقال حذيفة بن اليمان: يا رسول الله هل يتبعون شيئا غيرك؟ قال: نعم يا حذيفة تظهر من بعدي طوائف ثلاث وهم الناكثون والقاسطون والمارقون فهؤلاء وأتباعهم - وأيم الله تعالى - أهل النار، وهم اثنان وسبعون فرقة وستختلف أصحابي من طرق شتى، ثم أخذ المصنف في ذكر الاختلاف إلى أن قال:

والخلاف الثاني في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فيما أخبر به محمد بن أبي عمر قال، حدثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: يوم الاثنين وما يوم الاثنين وهملت عيناه فقيل له: يا بن عباس وما يوم الاثنين؟ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غمرات الموت فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا فتنازعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يجز عنده التنازع، وقال رجل من القوم: إن الرجل ليهجر، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر بإخراجه وإخراج صاحبه ثم أتوه بالصحيفة والدواة فقال: بعدما قال قائلكم ما قال!؟ ثم قال: ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه(2).

العاشر: صاحب كتاب سير الصحابة أيضا عن أبي إسحاق أخبرنا سعيد بن منصور البلخي قال:

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 27.

(2) مكاتيب الرسول: 3 / 697 عن المصنف.

الصفحة 98   

حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دموعه الحصى، فقلت له: يا بن عباس وما يوم الخميس؟ فقال:

اشتد المرض برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتابا لئلا تضلوا بعدي أبدا، قال:

فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال رجل منهم: ما شأنه يهجر استفهموه، فسمع فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير(1).

الحادي عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثنا حماد بن عبد الله عن هشام بن سعيد عن بريد ابن أسلم قال حماد: لا أعلم إلا عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلون بعدي، فقالت النسوة: ائتوا رسول الله بما طلب فقام إنسان ليأتي به إذ غمي عليه فلما أفاق قال [ عمر ]: تبكون! إذا صح ركبتم عنقه عند مرضه وخالفتموه في حياته(2)، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والنسوة كن فاطمة (عليها السلام) وأم سلمة وعائشة وفضة(3).

الثاني عشر: صاحب سير الصحابة قال: وحدثني عبد الرحمن بن أبي هاشم قال: حدثني عمرو ابن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عباس إذا ذكر ليلة الخميس بكى فقيل له: يا بن عباس ما يبكيك؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا بني عبد المطلب اجلسوني وسندوني أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا، فقال بعض أصحابه: إنه يهجر، قال: وأبى أن يسمي الرجل، فجئناه بعد ذلك فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكتبه لنا ثم سمعناه يقول: عدى العدوي وسينكث البكري(4).

الثالث عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثنا محمد بن علي قال: حدثني أبو إسحاق بن يزيد عن فضيل بن يسار عن عبد الله بن محمد قال: سمعت عكرمة يقول عن ابن عباس قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إئتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي فمنعه رجل فقلت لعكرمة: من الرجل؟ فقال: إنكم لتعرفونه مثلي هو والله المعذول(5).

الرابع عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثني محمد بن علي قال: حدثنا عاصم بن عامر عن الحسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال المعذول: إن النبي هجر كما

____________

(1) الإيضاح لابن شاذان: 359، وصحيح البخاري: 4 / 66 ط. دار الفكر بيروت، ومسند أحمد: 1 / 222.

(2) في المصادر: قال عمر: إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هن خير منكم.

كنز العمال: 7 / 243 ح 18771.

(3) راجع مكاتيب الرسول: 3 / 695 عن المصنف.

(4) لم نجده في المصادر.

(5) مكاتيب الرسول: 3 / 698.

 

 

 

 

الصفحة 99   

يهجر المريض، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): أنتم لا أحلام لكم، قال: إنما قلت من الورم(1)، قال: إنكم قوم تجهلون بهذا أخبرني أخي جبرئيل عن ربي جل جلاله فأخرجوه، فأخرجنا، والله لقد مضى في الحال(2) إلى أبي بكر فأخرجه إلى السقيفة وجمع فيها من جمع وبايع على ما بايع(3).

الخامس عشر: صاحب سير الصحابة قال: وحدثني محمد بن علي قال: سمعت أبا إسحاق يزيد الفراء عن الصباح المزني عن أبان بن أبي عياش قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن قال:

سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم سمعته بعينه من عبد الله بن عباس بالبصرة وهو عامل عليها فكأنما ينطقان بفم واحد وكأنما يقرآنه من نسخة واحدة والذي عقلته وحفظته قول ابن عباس والمعنى واحد غير أن حديث ابن عباس أحفظه قال: سمعته يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي قبض فيه: إئتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا، فقام بعضهم ليأتي به فمنعه رجل من قريش وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر، فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب وقال: إنكم تختلفون وأنا حي، قد أعلمت أهل بيتي بما أخبرني به جبرئيل عن رب العالمين إنكم ستعملون بهم من بعدي وأوصيتهم كما أوصاني ربي فاصبروا صبرا جميلا، فبكى ابن عباس حتى بل لحيته ثم قال:

لولا مقالته لكتب لنا كتابا لم تختلف أمته بعده ولم تفترق(4).

السادس عشر: صاحب كتاب سير الصحابة قال: وحدثني محمد بن مروان قال: حدثنا زيد بن معدل عن أبان بن عثمان عن بعض أصحابه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في المرض الذي قبض فيه: إئتوني بصحيفة ودواة لأكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي، فدعا العباس بصحيفة ودواة، فقال بعض من حضر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) يهجر، ثم أفاق النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له العباس: هذه صحيفة ودواة قد آتينا بها يا رسول الله، فقال: بعدما قال قائلكم ما قال، ثم أقبل عليهم وقال: احفظوني في أهل بيتي واستوصوا بأهل الذمة خيرا وأطعموا المساكين وأكثروا من الصلاة واستوصوا بما ملكت أيمانكم، وجعل يردد ذلك (صلى الله عليه وآله): وإني لأعلم أن منكم ناقض عهدي والباغي على أهل بيتي(5).

السابع عشر: صاحب سير الصحابة قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي قال: حدثني أبي قال:

حدثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال: حدثني أبو حبيش الهروي قال: حدثنا عبد الرزاق عن

____________

(1) لعله من قول عمر فتأمل.

(2) أي عمر.

(3) مكاتيب الرسول: 3 / 698 عن المصنف إلى قوله: أنتم لا أحلام لكم.

(4) البحار بتفاوت: 22 / 498 ح 44، ومكاتيب الرسول: 3 / 699.

(5) لم نجده في المصادر بهذه الألفاظ.

الصفحة 100 

أبيه عن جده عن أبي سعيد الخدري في حديث مكاتبة أبي بكر إلى أسامة بن زيد بعد استخلاف أبي بكر والحديث طويل فكان في جواب أسامة له في جواب طويل لأبي بكر قال أسامة: وأنت في كل الأمور على خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألم يأمرك بالخروج معي؟! ألم يبعثك إلى المسير في حملتي، ألم تدخل أنت وعمر لعيادته فلما رآكما أنكر تخلفكما عن الخروج إلى معسكري حتى اعتذرتما بالاستعداد وسألتماني النظرة يومين أو ثلاثة ثم أنفذت إليكما من يزعجكما فأجبتما بمثل ذلك وكلما دخلتما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نفذوا جيش أسامة، يكرر ذلك في الساعة الواحدة دفعات حتى خرج أحدكما في بعض ذلك وهو يقول: إن محمدا ليهجر، فكيف تدعي أنك لا تخالف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت تخالف أوامره أوما تستحي على أهل بيته وهو يقدمهم ويؤخرك بفضلهم وبقصرك، ويؤمرهم عليك ولا يؤمرك عليهم، وساق الحديث بطوله وهو جواب حسن بذكر فضائل علي (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) وإظهار نقض أبي بكر(1).

____________

(1) راجع دعائم الإسلام: 1 / 41، وإعلام الورى: 1 / 263.