الباب في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني " من طريق الخاصة

الصفحة 240 

وفيه سبعة أحاديث

الأول: ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى الدقاق ومحمد بن أحمد السناني (رحمه الله) قالوا، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:

حدثنا محمد بن العباس قال: حدثني محمد بن السري قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس عن سعد بن طريف الكناني عن الأصبغ بن نباته قال: لما جلس علي (عليه السلام) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لابسا بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، منتعلا نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، متقلدا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال: " يا معاشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، وهذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى ينطق التوراة فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق [ الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق ] القرآن فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله لأخبرتك بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية: * (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) *(1).

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، تأويلها وتنزيلها لأخبرتكم ".

فقام إليه رجل يقال له دعلب وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه فقال: يا أمير المؤمنين، هل

____________

(1) الرعد: 39.

الصفحة 241 

رأيت ربك؟

فقال: " ويلك يا دعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره ".

فقال: كيف رأيته؟ صفه لنا.

قال: " ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا دعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة وذهاب لطيف اللطافة ولا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير الكبر أما لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قايل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج عنها على غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال له شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، دخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ خارج ".

فخر دعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني " فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عكازة فلم يتخط الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار، فقال له: " إسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل بعمله، وبغني لا يبخل بماله عن أهل دين الله عز وجل، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى يديها أي إلى الكفر بعد الإيمان.

أيها السائل لا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام، أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها الناس إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام " قال: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان قال: " ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منها وإن كان حبيبا قريبا " قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ثم غاب الرجل فلم يره فطلبه الناس فلم يجدوه فتبسم (عليه السلام) على المنبر ثم قال: " ما لكم؟ هذا أخي الخضر (عليه السلام) " ثم قال (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني " فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه (صلى الله عليه وآله) ثم قال

الصفحة 242 

للحسن (عليه السلام): " يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش بعدي فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئا، قال الحسن: يا أبة كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى؟ قال له: بأبي وأمي أواري نفسي عنك، أسمع وأرى ولا تراني " فصعد الحسن (عليه السلام) المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة ثم قال: " أيها الناس سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلا من بابها؟ " ثم نزل فوثب إليه علي (عليه السلام) فتحمله وضمه إلى صدره، ثم قال للحسين (عليه السلام): " يا بني قم فاصعد وتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك " فصعد الحسين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلاة واحدة موجزة ثم قال: " معاشر الناس سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إن عليا مدينة هدى فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك " فوثب إليه علي (عليه السلام) وضمه إلى صدره فقبله ثم قال: " معاشر الناس أشهدوا أنهما فرخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووديعته التي استودعينها، وأنا استودعكموها معاشر الناس، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) سائلكم عنهما "(1).

الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميداني قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي نجران عن جعفر بن محمد الكوفي عن عبيد الله السمين عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب الناس وهو يقول: " سلوني قبل أن تفقدوني فوالله، لا تسألوني عن شئ مضى ولا شئ يكون إلا نبأتكم به " فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال له: يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة فقال له: " والله لقد سألتني عن مسألة، حدثني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنك تسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسين "، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه(2).

الثالث: محمد بن العباس بن مروان الثقة في تفسيره وقد ذكر نحوا من ستة وعشرين طريقا في قوله تفسير أولئك خير البرية بذكره منها طريقا واحدا قال: حدثنا أحمد بن محمد المحدور قال:

حدثنا الحسين بن عبيد بن عبد الرحمن الكندي قال: حدثني محمد بن سليمان قال: حدثني خالد بن السري الأزدي قال: حدثني النظر بن السابق قال: حدثني عامر بن واثلة قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة وهو اجيرات مجصص فحمد الله وأثنى عليه وذكر الله كما هو أهله

____________

(1) أمالي الصدوق 422 / 560، التوحيد: 304 / 1، الإختصاص: 235 بحار الأنوار 10 / 117 / 1.

(2) أمالي الصدوق 196 / 207، كامل الزيارات: 74 / 12، بحار الأنوار 42: 146 / 6 و 44: 256 / 5.

الصفحة 243 

وصلى على نبيه ثم قال: " أيها الناس سلوني، سلوني فوالله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلا حدثتكم عنها متى نزلت، بليل أو نهار أو في مقام أو في مسير أو في سهل أم في جبل، وفي من نزلت في مؤمن أم في منافق، وما عنى بها أعام أم خاص، ولئن فقدتموني لا يحدثكم أحد حديثي " فقام إليه ابن الكواء فلما بصر به متعنتا " ألا تسأل تعلما، هات سل فإذا سألت فاعقل ما تسأل عنه " فقال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن قول الله جل وعز: * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *(1).

فسكت أمير المؤمنين فأعادها عليه ابن الكوا، فسكت فأعادها الثالثة فقال علي (عليه السلام) ورفع صوته: " ويحك يا بن الكوا أولئك نحن وأتباعنا يوم القيامة غرا محجلين رواء مرويين يعرفون بسيماهم "(2).

الرابع: الشيخ في أماليه قال: حدثنا محمد بن محمد يعني المفيد قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رحمه الله) قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا أحمد بن عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد الأزدي عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال: كان علي أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا ما يقول:

" سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة، ولا فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا وأنا أعلم قايدها وسايقها وناعقها إلى يوم القيامة "(3).

الخامس: محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن عنبسة العابد عن مغيرة مولى عبد المؤمن الأنصاري عن سعد عن الأصبغ قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول على هذا المنبر: " سلوني قبل أن تفقدوني، والله ما أرض مخصبة ولا مجدبة وكل فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا وقد عرفت قائدها وسايقها، وقد أحبرت بهذا رجلا من أهل بيتي يخبر بها كبيرهم لصغيرهم إلى أن تقوم القيامة "(4).

السادس: الصفار هذا عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن المعلى عن سلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نروي أحاديثكم لا نجد عند أحد من أهل بيتك فيها شيئا قال: " ما هي؟ " قال:

يروون أن عليا (عليه السلام) كان يخطب الناس: " يا أيها الناس سلوني فإنكم لم تسألوني عن شئ فيما بيني وبين الساعة لا عن أرض مجدبة ولا عن أرض مخصبة ولا عن فرقة تضل مائة وتهدي مائة

____________

(1) البينة: 7.

(2) رواه عنه ابن طاووس في سعد السعود: 109، بحار الأنوار 32 / 190 / 192.

(3) أمالي الطوسي 58 / 85.

(4) بصائر الدرجات 296 / 1.

الصفحة 244 

إلا أن شئت أخبرتكم بناعقها وسائقها وقائدها إلى يوم القيامة " قال: " إنه حق "(1).

السابع: الشيخ المفيد في أماليه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا النقاد قال:

حدثنا علي بن هاشم عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: سمعت يحيى بن أم الطويل يقول:

سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: " ما بين لوحي المصحف من آية إلا وقد علمت فيمن نزلت وأين نزلت، في سهل أو جبل، وإن بين جوانحي لعلما جما، فسلوني قبل أن تفقدوني فإنكم إن فقدتموني لم تجدوا من يحدثكم مثل حديثي "(2).

____________

(1) بصائر الدرجات 296 / 2.

(2) أمالي المفيد 152 / 3.