الباب في حديث الأعمش مع المنصور من طريق الخاصة

الصفحة 302 

ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى الدقاق، عن محمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصايغ قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا أبو محمد بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني علي بن محمد قال:

حدثنا الفضل بن عباس قال: حدثنا عبد القدوس الوراق قال: حدثنا محمد بن كثير عن الأعمش وحدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتب (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن يحيى القطان قال: حدثني بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني عبد الله بن محمد باطويه عن محمد بن كثير عن الأعمش وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم ابن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال: حدثنا الوليد بن الفضل العنزي قال: حدثنا مندل بن علي العنزي عن الأعمش وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي قال: حدثنا علي بن عيسى الكوفي قال: حدثنا حريز بن عبد الحميد عن الأعمش، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض، وساق الحديث المندل بن علي العنزي عن الأعمش قال: بعث لي أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب قال: فقمت متفكرا فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إلي أمير المؤمنين في هذه الساعة إلا ليسألني عن فضائل علي (عليه السلام) فلعلني إن أخبرته قتلني، فكتبت وصيتي ولبست كفني ودخلت عليه فقال: ادن مني فدنوت وعنده عمرو بن عبيد، فلما رأيته طابت نفسي ثم قال: ادن مني فدنوت حتى كادت تمس ركبتي ركبته قال: فوجد مني رائحة الحنوط فقال: لتصدقني أو لأصلبنك قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟

قال: ما شأنك متحنطا؟ قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب فقلت: عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي (عليه السلام) فلعلني إن أخبرته قتلني، وكتبت وصيتي ولبست كفني قال: وكان متكئا فاستوى قاعدا فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، سألتك

الصفحة 303 

بالله يا سليمان كم حديث ترويه في فضائل علي؟ فقلت: يسيرا، قال: كم؟

قلت: عشرة آلاف حديث وما زاد، فقال: يا سليمان والله لأحدثنك بحديث في فضائل علي (عليه السلام) تنسى كل حديث سمعته قال: قلت: حدثنا يا أمير المؤمنين، قال: نعم، كنت هاربا من بني أمية لعنهم الله وكنت أتردد في البلدان وأتقرب إلى الناس بفضائل علي (عليه السلام)، وكانوا يطعمونني ويزودونني، ووردت بلاد الشام وإني لفي كساء خلق ما علي غيره، فسمعت الإقامة وأنا جائع فدخلت المسجد لأصلي وفي نفسي أن أكلم الناس في عشاء يعشونني، فلما سلم الإمام دخل المسجد صبيان فالتفت الإمام إليهما وقال: مرحبا بكما ومرحبا بمن اسمكما على اسمهما، فكان إلى جنبي شاب فقلت: يا شاب من الصبيان من الشيخ؟ قال: هو جدهما وليس في المدينة أحد يحب عليا غير هذا الشيخ فلذلك سمى أحدهما الحسن والآخر الحسين، فقمت فرحا فقلت للشيخ: هل لك في حديث أقر به عينك؟

قال: إن أقررت عيني أقررت عينك فقلت: حدثني والدي عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاءت فاطمة (عليها السلام) تبكي فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أبت خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا يا أبي، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة لا تبكي فالله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ورفع النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى السماء وقال: اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتم لهما فإنهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة، وأبوهما أفضل منهما، هما نائمان في حظيرة بني النجار وقد وكل الله بهما ملكا، قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فرحا ومعه أصحابه حتى أتوا حضيرة بني النجار فإذا هم بالحسن معانقا للحسين (عليهما السلام)، وإذا الملك الموكل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطاهما بالآخر قال: فمكث النبي عليه الصلاة والسلام يقبلهما حتى انتبها، فلما استيقظا حمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحضيرة وهو يقول: والله لأشرفنكما كما شرفكما الله عز وجل فقال له أبو بكر: ناولني أحد الصبيين أخفف عنك فقال: يا أبا بكر نعم الحاملان ونعم الراكبان وأبوهما أفضل منهما، فخرج حتى أتى باب المسجد وقال: يا بلال هلم إلي بالناس فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة فاجتمع الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد فقام على قدميه فقال: يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة؟

قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الحسن والحسين فإن جدهما محمد وجدتهما خديجة بنت خويلد، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس أما وأبا؟ فقالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الحسن

الصفحة 304 

والحسين، فإن أباهما علي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأمهما فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: الحسن والحسين فإن عمهما جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

الحسن والحسين فإن خالهما القاسم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخالتهما زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال بيده: هكذا يحشرنا الله ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن في الجنة والحسين في الجنة وجديهما في الجنة وأباهما في الجنة وأمهما في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة وخالهما في الجنة وخالتهما في الجنة، اللهم إنك تعلم أن من يحبهما في الجنة ومن يبغضهما في النار.

قال: فلما قلت ذلك للشيخ قال: من أنت يا فتى؟

فقلت: من أهل الكوفة.

قال: عربي أم مولى؟ قال: قلت: بل عربي، قال: فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء؟ فكساني خلعته وحملني على بغلته فبعثها بمائة دينار فقال: يا شاب أقررت عيني فوالله لأقرن عينك ولأرشدنك إلى شاب يقر عينك اليوم، فقال: قلت: أرشدني، قال: لي أخوان أحدهما إمام والآخر مؤذن أما الإمام فإنه يحب عليا (عليه السلام) منذ خرج من بطن أمه، وأما المؤذن فإنه يبغض عليا منذ خرج من بطن أمه قال: فقلت: ارشدني فأخذ بيدي حتى أتى باب الإمام، فإذا أنا برجل قد خرج إلي فقال: أما البغلة والكسوة فأعرفهما، والله ما كان فلان يحملك ولا يكسوك إلا أنك تحب الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فحدثني بحديث في فضائل علي بن أبي طالب قال: فقلت: أخبرني أبي عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ جاءت فاطمة (عليها السلام) تبكي بكاء شديدا فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟

فقالت: يا أبت عيرتني نساء قريش وقلن: إن أباك زوجك من معدم لا مال له، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله):

لا تبكي فوالله ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه، وأشهد بذلك جبرئيل وميكائيل، وإن الله عز وجل اطلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار من الخلائق عليا فزوجك إياه واتخذه وصيا، فعلي أشجع الناس قلبا وأحلم الناس حلما وأسمح الناس كفا وأقدم الناس سلما وأعلم الناس علما، والحسن والحسين ابناه سيدا شباب أهل الجنة، واسمهما في التوراة شبر وشبير لكرامتهما على الله عز وجل، يا فاطمة لا تبكي فوالله إنه إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلتين وعلي حلتين، ولواء الحمد بيدي فأناوله عليا لكرامته على الله عز وجل،

الصفحة 305 

يا فاطمة لا تبكي فإني إذا دعيت إلى رب العالمين يجئ علي معي، وإذا شفعني الله عز وجل شفع علي معي، يا فاطمة لا تبكي، إذا كان يوم القيامة ينادي مناد في أهوال ذلك اليوم: يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم خليل الرحمن، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب، يا فاطمة علي يعينني على مفاتيح الجنة وشيعته هم الفائزون يوم القيامة غدا في الجنة.

فلما قلت ذلك قال: يا بني ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أعربي أنت أم مولى؟ قلت:

بل عربي قال: فكساني ثلاثين ثوبا وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثم قال الشاب: أقررت عيني ولي إليك حاجة، قلت: قضيت إن شاء الله، فإذا كان غد فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعلي (عليه السلام)، قال: فطالت علي تلك الليلة.

فلما أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي، فقمت في الصف الأول وإلى جنبي شاب متعمم، فذهب ليركع فسقطت عمامته فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ووجهه وجه خنزير، فوالله ما علمت ما تكلمت به في صلاتي حتى سلم الإمام فقلت: ويلك ما الذي أرى بك، فبكى وقال لي: انظر إلى هذه الدار فنظرت فقال لي: أدخل فدخلت فقال لي: كنت مؤذنا لآل فلان، كلما أصبحت لعنت عليا ألف مرة في الأذان والإقامة، وكلما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرة، فخرجت من منزلي فأتيت داري فاتكأت على هذا الدكان الذي ترى، فرأيت في منامي كأني في الجنة وفيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) فرحين، ورأيت كأن النبي (صلى الله عليه وآله) عن يمينه الحسن وعن يساره الحسين ومعه كأس فقال: يا حسن اسقني فسقاه، فقال له: اسق الجماعة فشربوا، ثم رأيته كأنه قال:

اسق المتكئ على هذا الدكان، فقال له الحسن (عليه السلام): يا جداه تأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن والدي في كل يوم ألف مرة بين الأذان والإقامة، ولقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرة، فأتاني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لي: ما لك عليك لعنة الله تلعن عليا وعلي مني، وتشتم عليا وعلي مني، ورأيته كأنه تفل في وجهي وضربني برجله وقال: قم غير الله ما بك من نعمة، فانتبهت من نومي فإذا رأسي رأس خنزير ووجهي وجه خنزير.

ثم قال لي أبو جعفر أمير المؤمنين: أهذان الحديثان في يدك؟ فقلت: لا، فقال: يا سلمان حب علي إيمان وبغضه نفاق، والله لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، قال: قلت: الأمان يا أمير المؤمنين قال: لك الأمان قال: فما تقول في قاتل الحسين؟ قال: إلى النار وفي النار قلت: وكذلك من قتل ولد رسول الله إلى النار وفي النار، قال: الملك عقيم يا سليمان، أخرج فحدث بما سمعت(1).

____________

(1) أمالي الصدوق 520 / مجلس 67 / ح 2. بحار الأنوار: 37 / ح 55.