(أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام

الصفحة 215 

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد (عليه السلام) بالمدينة يوم الجمعة غرة رجب (1) سنة سبع وخمسين من الهجرة (2)، قبل (3) قتل الحسين (عليه السلام) بثلاث سنين، فأقام مع جده ثلاث سنين، ومع أبيه علي أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر.

وعاش بعد أبيه أيام إمامته بقية ملك الوليد، وملك سليمان بن عبد الملك، وملك عمر بن عبد العزيز، وملك يزيد بن عبد الملك، وملك هشام بن عبد الملك، وملك الوليد ابن يزيد (4)، وملك إبراهيم بن الوليد.

وقبض في أول ملك إبراهيم (5)، في شهر ربيع الآخر (6) سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة، فكانت أيام إمامته تسع عشرة سنة وشهرين، وصار إلى كرامة الله (عز وجل) وقد

____________

(1) وقيل: في الثالث من صفر. انظر: روضة الواعظين: 207، إعلام الورى: 264، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، كشف الغمة 2: 117، نور الأبصار: 289.

02) الكافي 1: 390، الارشاد: 262، كفاية الطالب: 455، الفصول المهمة: 211.

(3) في " ع، م " زيادة: أن.

(4) سقط هنا: يزيد بن الوليد. انظر: الجوهر الثمين 1: 103.

(5) مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، وفي إعلام الورى: 265 وتاج المواليد: 117 أنه توفي في ملك هشام ابن عبد الملك، وهو الموافق للصواب، لأن ملكه امتد بين (105 - 125 هـ) انظر: الجوهر الثمين 1: 98.

(6) في " ط ": الأول، انظر: تاريخ أهل البيت: 80، روضة الواعظين: 207، إعلام الورى: 264.

الصفحة 216 

كمل عمره سبعا وخمسين سنة (1).

وكان سبب وفاته أن إبراهيم بن الوليد سمه (2).

ودفن بالبقيع مع أبيه علي (3)، وعم أبيه الحسن (عليهما السلام) (4).

نسبه (عليه السلام)

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

ويكنى:

أبا جعفر.

لقبه

الباقر، لأنه بقر علوم النبيين، والشاكر (5)، والهادي، والأمين، ويدعى: الشبيه، لأنه كان يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6).

نقش خاتمه (عليه السلام)

وكان له خاتم نقشه: العزة لله (7).

____________

(1) الكافي 1: 390، الارشاد: 262، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، كفاية الطالب: 455، كشف الغمة 2: 123، الصواعق المحرقة: 201.

(2) مناقب ابن شهرآشوب 2: 210، الفصول المهمة: 221.

(3) (علي) ليس في " ط ".

(4) تاريخ الأئمة: 31، الكافي 1: 390، الهداية الكبرى: 238، الارشاد: 262، تاج المواليد: 117.

(5) في مناقب ابن شهرآشوب: الشاكر لله.

(6) مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، تذكرة الخواص: 336، الفصول المهمة: 211، نور الأبصار: 288.

(7) الكافي 6: 473 / 2، وروي فيه غير ذلك، انظر: مكارم الأخلاق: 92، كشف الغمة 2: 119.

الصفحة 217 

 

بوابه

جابر بن يزيد الجعفي (1).

ذكر ولده (عليه السلام)

جعفر الإمام الصادق (عليه السلام)، وعلي، و عبد الله، وإبراهيم، وابنته: أم سلمة فقط (2).

وأمه:

فاطمة بنت الحسن بن علي (عليهما السلام) (3)، ويروى فاطمة أم الحسن بنت الحسن (4)، وهي أول علوية ولدت لعلوي (5).

ويروى أنه تزوج [أبو محمد علي بن الحسين (عليهما السلام] (6) بأم عبد الله بنت الحسن بن علي، وهي أم أبي جعفر، وكان يسميها الصديقة.

ويقال: إنه لم يدرك في [آل] الحسن [امرأة] مثلها (7).

____________

(1) تاريخ الأئمة: 33، مناقب ابن شهرآشوب 4: 211، الفصول المهمة: 211، نور الأبصار: 289.

(2) تاريخ الأئمة: 19، الارشاد: 270، تاريخ مواليد الأئمة: 184، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، تذكرة الخواص: 341، كشف الغمة 2: 119، نور الأبصار: 292، ينابيع المودة: 380.

(3) في " ع، م ": بنت الحسن ويروى فاطمة بنت علي، وفي " ط ": بنت الحسن ويروى بنت علي، وما أثبتناه هو الموافق لسائر المصادر، انظر: تاريخ الأئمة: 24، الكافي 1: 390، روضة الواعظين: 207، تاج المواليد:

115، تاريخ مواليد الأئمة: 184، إعلام الورى: 264، كشف الغمة 2: 117، نور الأبصار: 289.

(4) في " ع، م ": فاطمة بنت الحسن بن الحسين، وفي " ط ": فاطمة بنت الحسن بن الحسن، وما أثبتناه هو الصواب، انظر: تاج المواليد: 115، تاريخ مواليد الأئمة: 184، كشف الغمة 2: 117.

05) في " ط ": ولدت علويا.

(6) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الهداية الكبرى: 240.

(7) أثبتناه من الكافي 1: 390، الهداية الكبرى: 240، دعوات الراوندي: 69 / 165.

الصفحة 218 

وروي أنها كانت عند جدار فتصدع الجدار فقالت بيدها: لا وحق المصطفى، ما أذن الله لك في السقوط. فبقي معلقا في الجو حتى جازت، فتصدق عنها علي بن الحسين (عليه السلام) بمائة دينار (1).

137 / 1 - وأخبرني أبو طالب محمد بن عيسى القطان، قال: أخبرني أبو محمد هارون بن موسى، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، عمن رواه، عن الصادق (2) (عليه السلام) قال:

جاء علي بن الحسين بابنه محمد الإمام إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له: سلم على عمك جابر.

فأخذه جابر فقبل ما بين عينيه، وضمه إلى صدره، وقال: هكذا أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال لي: يا جابر، يولد لعلي بن الحسين زين العابدين ولد، يقال له محمد، فإذا رأيته يا جابر فأقرئه مني السلام، واعلم يا جابر، أن مقامك بعد رؤيته قليل.

قال: فعاش جابر بعد أن رآه أياما يسيرة، ومات (رضي الله عنه) (3).

ذكر معجزاته (عليه السلام)

138 / 2 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، قال: قال قيس بن الربيع: كنت ضيفا لمحمد بن علي (عليه السلام) وليس في منزله غير لبنة (4)، فلما حضر العشاء قام فصلى وصليت معه، ثم ضرب بيده إلى اللبنة فأخرج منها قنديلا مشعلا ومائدة مستو عليها كل حار وبارد، فقال لي: كل، فهذا ما أعده الله

____________

(1) الكافي 1: 39 / 1، الهداية الكبرى: 241، الدعوات للراوندي 68 / 165.

(2) في " ط " زيادة: جعفر بن محمد.

(3) مدينة المعاجز: 322 / 2، ونحوه في كشف الغمة 2: 119، والفصول المهمة: 215، ونور الأبصار:

288.

(4) اللبنة: التي يبنى بها، وما ضرب من الطين مربعا " لسان العرب - لبن - 13: 375 ".

الصفحة 219 

لأوليائه. فأكل وأكلت، ثم رفعت المائدة في اللبنة، فخالطني الشك، حتى إذا خرج لحاجته قلبت اللبنة فإذا هي لبنة صغيرة، فدخل وعلم ما في قلبي، فأخرج من اللبنة أقداحا وكيزانا (1) وجرة فيها ماء، فشرب وسقاني، ثم أعاد ذلك إلى موضعه، وقال:

مثلك معي مثل اليهود مع المسيح (عليه السلام) حين لم يثقوا (2) به. ثم أمر اللبنة أن تنطق فتكلمت (3).

139 / 3 - قال أبو جعفر: وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، قال: قال لي المنصور - يعني أبا جعفر الدوانيقي -: كنت هاربا من بني أمية، أنا وأخي أبو العباس، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس، فقال لرجل إلى جانبه:

كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين. فأتى الرجل فبشرنا به، فملنا إليه، وقلنا: يا بن رسول الله، ما الذي قلت؟

فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب، ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي، فالويل لكم عن قريب. فما مضت الأيام حتى ملك (4) أخي وملكتها (5).

140 / 4 - قال أبو جعفر: وحدثنا الحسن بن عرفة العبدي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا العلاء بن محرز، قال: شهدت محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبيده عرجونة - يعني قضيبا دقيقا - يسأله عن أخبار بلد بلد، فيجيبه ويقول: زاد الماء بمصر كذا، ونقص بالموصل كذا، ووقعت الزلزلة بإرمينية، والتقى حادن وحورد (6) في موضع - يعني جبلين - ثم رأيته يكسرها ويرمي بها فتجمع فتصير (7) قضيبا (8).

____________

(1) الكيزان: جمع كوز، إناء يحفظ فيه الماء.

(2) في " ع، م ": يثق.

(3) نوادر المعجزات: 133 / 2، إثبات الهداة 5: 315 / 78، مدينة المعاجز: 322 / 3.

(4) في " ط ": أيام حتى هلك.

(5) إثبات الهداة 5: 316 / 79، مدينة المعاجز: 323 / 4.

(6) في " ع، م ": حارث وجويرد.

(7) في " ط ": بها فتعود.

(8) نوادر المعجزات: 134 / 3، إثبات الهداة 5: 317 / 80، مدينة المعاجز: 323 / 5.

الصفحة 220 

141 / 5 - قال أبو جعفر: وحدثنا أحمد بن منصور الرمادي (1)، قال: حدثنا شاذان بن عمر (2)، قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد، قال: قال لي: جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر (عليه السلام) وقد صنع فيلا من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة عليه ورجع، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر (عليه السلام)، فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا، فصنع مثله وركب وحملني معه إلى مكة وردني (3).

142 / 6 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا حكيم بن أسد، قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبيده عصا يضرب بها الصخر فينبع منه الماء، فقلت: يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: نبعة من عصا موسى (عليه السلام) التي يتعجبون منها.(4)

143 / 7 - قال أبو جعفر: وحدثنا أحمد بن عامر، قال: حدثنا عبد الحميد (5) بن سويد، قال: حدثنا شهر (6) بن وائل، قال: لقيت الباقر (عليه السلام) وبيده قصعة (7) من خشب يشعل (8) فيها النار ولا تحترق القصعة، فقلت: يا بن رسول الله، ما هذا؟

فقال: لأرضة (9) الأرض قرضت (10) تلك النار منها، فقدرت أن القصعة قد

____________

(1) في " ط ": الرماني، وهو أحمد بن منصور الرمادي المتوفى سنة (265 هـ) عن 83 سنة كما في معجم البلدان 3: 66 والظاهر صحته لمعاصرة الطبري الكبير معه ولو في شطر من عمره. انظر سير أعلام النبلاء 12:

389 / 170، تهذيب التهذيب 1: 83، معجم المؤلفين 9: 146.

(2) في " ع، م ": عمرو.

(3) نوادر المعجزات: 135 / 4، إثبات الهداة 5: 317 / 81، مدينة المعاجز: 323 / 6.

(4) نوادر المعجزات: 135 / 5، إثبات الهداة 5: 317 / 82، مدينة المعاجز: 323 / 7.

(5) في " ع، م ": عبد الحي.

(6) في " ع ": سهر.

(7) القصعة: وعاء يؤكل فيه، وغالبا ما يتخذ من الخشب.

(8) في " ع، م ": تشتعل.

(9) الأرضة: دويبة تأكل الخشب.

(10) في " ط ": فقال: التظت الأرض فارفضت.

الصفحة 221 

احترقت فلم يؤثر فيها شئ (1).

144 / 8 - قال أبو جعفر: وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، قال:

حدثنا منصور، قال: كنت أريد أن أركب البحر فسألت الباقر (عليه السلام)، فأعطاني خاتما، فكنت أطرحه في الزورق إذا شئت فيقف، وإذا شئت أطلقه، وإني جئت الدور (2)، فسقط لأخ لي كيس في دجلة، فألقيت ذلك الخاتم فخرج وأخرج الكيس بإذن الله (تعالى) (3).

145 / 9 - قال أحمد بن جعفر: حدثنا عدة من أصحابنا، عن جابر بن يزيد (رحمه الله)، قال: خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) وهو يريد الحيرة، فلما أشرفنا على كربلاء قال لي: يا جابر، هذه روضة من رياض الجنة لنا ولشيعتنا، وحفرة من حفر جهنم لأعدائنا.

ثم إنه قضى ما أراد، ثم التفت إلي وقال: يا جابر. فقلت: لبيك سيدي.

قال لي: تأكل شيئا. قلت: نعم سيدي.

قال: فأدخل يده بين الحجارة، فأخرج لي تفاحة لم أشم قط رائحة مثلها، لا تشبه رائحة فاكهة الدنيا، فعلمت أنها من الجنة، فأكلتها، فعصمتني من الطعام أربعين يوما، لم آكل ولم أحدث (4).

146 / 10 - وروى موسى بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، عن علي بن حسان (5)، عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

____________

(1) إثبات الهداة 5: 318 / 83، مدينة المعاجز: 323 / 8.

(2) الدور: تطلق على سبعة مواضع بأرض العراق، من نواحي بغداد. مراصد الاطلاع 2: 539.

(3) إثبات الهداة 5: 318 / 84، مدينة المعاجز: 323 / 9.

(4) نوادر المعجزات: 135 / 6، إثبات الهداة 5: 318 / 85، مدينة المعاجز: 323 / 10.

(5) في النسخ: خالد بن حسان، تصحيف، صحيحه ما أثبتناه، وهو علي بن حسان الذي قيل: إنه لا يروي إلا عن عمه عبد الرحمن، وكلاهما ضعيف، انظر رجال النجاشي: 235 و 251، ومعجم رجال الحديث 9: 343 و 11: 311.

الصفحة 222 

نزل أبو جعفر (عليه السلام) بواد، فضرب خباءه، ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى نخلة يابسة، فحمد الله (عز وجل) عندها، ثم تكلم بكلام لم أسمع بمثله، ثم قال: أيتها النخلة، أطعمينا مما جعل الله (جل ذكره) فيك. فتساقط منها رطب أحمر وأصفر، فأكل، وأكل معه أبو أمية الأنصاري، فقال: يا أبا أمية، هذه الآية فينا (1) كالآية في مريم: إذ هزت إليها بالنخلة فتساقط عليها رطبا جنبا.(2)

147 / 11 - وروى الحسن، عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) في مجلس له ذات يوم إذ أطرق إلى الأرض ينكت فيها مليا، ثم رفع رأسه فقال: كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم في مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتى يستقريكم (3) بسيفه ثلاثة أيام، فيقتل مقاتليكم (4) وتلقون منه ذلا (5)، لا تقدرون أن تدفعوا ذلك، فخذوا حذركم، واعلموا أن الذي قلت لكم كائن لا بد منه.

فلم يلتفت أهل المدينة إلى هذا الكلام من أبي جعفر (عليه السلام) فقالوا: لا يكون هذا أبدا. ولم يأخذوا حذرهم، إلا بنو هاشم خاصة لعلمهم أن كلامه (عليه السلام) حق من الله (عز وجل).

فلما كان من قابل حمل أبو جعفر عياله وبنو هاشم، فخرجوا من المدينة ووقع ما قال أبو جعفر (عليه السلام) في المدينة، فأصيب أهلها (6) وقالوا: والله، لا نرد على أبي جعفر شيئا نسمعه أبدا، منه سمعنا ما رأينا.

وقال بعضهم: إنما القوم أهل بيت النبوة ينطقون بالحق، ما يتعلق أحدكم على

____________

(1) في " ع، م ": منا.

(2) بصائر الدرجات: 273 / 2، الخرائج والجرائح 2: 593 / 2، مناقب ابن شهرآشوب 4: 188، الثاقب في المناقب: 374 / 308، الصراط المستقيم 2: 183 / 13، مدينة المعاجز: 323 / 11.

(3) يستقريكم: أي يتتبعكم " لسان العرب - قرا - 15: 175 ". وفي " ع، م ": يسبقونكم.

(4) في " ط ": مقاتلتكم.

(5) في " ع، م ": ملأ، وكأنها تصحيف: بلاء.

(6) في " ع، م ": وأصابوا ما قال أبو جعفر عليه السلام.

الصفحة 223 

أبي جعفر بكلمة لم ير تأويلها، يقول: هذا غلط (1).

148 / 12 - وروى أحمد بن إبراهيم، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن ابن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان أبو جعفر محمد بن علي الباقر في طريق مكة ومعه أبو أمية الأنصاري، وهو زميله في محمله، فنظر إلى زوج ورشان (2) في جانب المحمل معه، فرفع أبو أمية يده لينحيه، فقال له أبو جعفر: مهلا، فإن هذا الطير جاء يستجير بنا أهل البيت، فإن حية تؤذيه، وتأكل فراخه كل سنة، وقد دعوت الله له أن يدفعها (3) عنه، وقد فعل (4).

149 / 13 - وروى محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) بين مكة والمدينة نسير، أنا على حمار لي، وهو على بغلة له، إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر، فحبس له البغلة حتى دنا منه، فوضع يده على قربوس السرج، ومد عنقه إليه وأدنى أبو جعفر أذنه منه ساعة، ثم قال له: امض فقد فعلت.

فرجع مهرولا. فقلت: جعلت فداك، لقد رأيت عجيبا!

فقال: هل تدري ما قال؟

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

فقال: ذكر أن زوجته في هذا الجبل، وقد عسرت عليها ولادتها، فادع الله (عز وجل) أن يخلصها، وأن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم أهل البيت. فقلت:

قد فعلت.(5)

____________

(1) الخرائج والجرائح 1: 289 / 23، مناقب ابن شهرآشوب 4: 192، كشف الغمة 2: 146، الفصول المهمة: 218، مدينة المعاجز: 323 / 12، نور الأبصار: 291.

(2) الورشان: طائر من الفصيلة الحمامية، أكبر قليلا من الحمامة المعروفة، (3) في " ع، م ": يدفع.

(4) بصائر الدرجات: 364 / 16، مدينة المعاجز: 324 / 13.

(5) بصائر الدرجات: 371 / 12، الاختصاص: 300، مناقب ابن شهرآشوب 4: 189.

 

 

الصفحة 224 

150 / 14 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر، قال:

حدثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن سعيد، قال: حدثنا الحسن (1) بن علي، عن (2) كرام، عن عبد الله بن طلحة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوزغ، فقال هو رجس مسخ، فإذا قتلته فاغتسل.

ثم قال: إن أبي (عليه السلام) كان قاعدا في الحجر، ومعه رجل يحدثه، وإذا وزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ فقال: لا.

قال: يقول: والله لئن ذكرت عثمان لأذكرن عليا حتى تقوم من ها هنا.(3)

151 / 15 - وروى الحسن بن أحمد بن سلمة، عن محمد بن المثنى، عن عثمان ابن عيسى، عمن حدثه، عن جابر (4)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: شكوت إليه الحاجة، فقال: يا جابر، ما عندنا درهم.

قال: فلم ألبث أن دخل الكميت بن زيد (5) الشاعر، فقال له: جعلني الله فداك أتأذن لي أن أنشدك قصيدة قلتها فيكم؟

فقال له: هاتها. فأنشده قصيدة أولها:

من لقلب متيم مستهام (6)

____________

(1) في " ط ": الحسين.

(2) في النسخ: بن، وهو تصحيف صوابه ما في المتن، وكرام لقب عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي، انظر رجال النجاشي: 245، معجم رجال الحديث 10: 65 و 14: 111.

(3) بصائر الدرجات: 373 / 1، الاختصاص: 301، الخرائج والجرائح 2: 823 / 36، مناقب ابن شهرآشوب 4: 189، مدينة المعاجز: 324 / 18.

(4) في البصائر والاختصاص: محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر، والظاهر صحته، انظر معجم رجال الحديث 14: 178 و 17: 184، والحديث (26) من دلائل الإمام السجاد (عليه السلام).

(5) في " ع، م ": يزيد. وهو تصحيف، انظر سير أعلام النبلاء 5: 388، معجم رجال الحديث 14: 125.

(6) وهي أولى قصائده المعروفة بالهاشميات، ويبلغ عدد أبياتها مائة وثلاثة، انظر شرح هاشمياته لأبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي: 11 - 42.

الصفحة 225 

فلما فرغ منها قال: يا غلام، ادخل ذلك البيت وأخرج إلى الكميت بدرة (1)، وادفعها إليه. فأخرجها ووضعها بين يديه (2).

فقال له: جعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي في أخرى. فقال له: هاتها. فأنشده أخرى، فأمر له ببدرة أخرى، فأخرجت له من البيت.

ثم قال له: الثالثة. فأذن له، فأمر له ببدرة ثالثة، فأخرجت له.

فقال له الكميت: يا سيدي، والله ما أنشدك طلبا لعرض من الدنيا، وما أردت بذلك إلا صلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما أوجبه الله علي من حقكم.

فدعا له أبو جعفر، ثم قال: يا غلام، رد هذه البدر في مكانها. فأخذها الغلام فردها.

قال جابر: فقلت في نفسي: شكوت إليه الحاجة فقال: ما عندي شئ، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم!

وخرج الكميت فقال: يا جابر، قم فادخل ذلك البيت.

قال: فدخلت فلم أجد فيه شيئا، فخرجت فأخبرته، فقال: يا جابر، ما سترنا عتك أكثر مما أظهرناه لك.

ثم قام وأخذ بيدي فأدخلني ذلك البيت وضرب برجله الأرض فإذا شبه عنق البعير قد خرج من ذهب (3)، فقال: يا جابر، انظر إلى هذا ولا تخبر به إلا من تثق به من إخوانك.

يا جابر، إن جبرئيل أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مرة بمفاتيح خزائن الأرض وكنوزها، وخيره من غير أن ينقصه الله مما أعد له شيئا، فاختار التواضع لربه (عز وجل)، ونحن نختاره (4).

____________

(1) البدرة: كيس فيه مقدار من المال يتعامل به ويقدم في العطايا، ويختلف باختلاف العهود، والغالب أنه عشرة آلاف درهم.

(2) في " ع، م ": ووضعها عنده.

(3) في " ط ": منها ذهبا.

(4) في " ط ": ينقصه الله شيئا مما أعد له فاختار تركها ونحن نختار ذلك.

الصفحة 226 

يا جابر إن الله أقدرنا على ما نريد من خزائن الأرض، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها.(1)

152 / 16 - وروى محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير الصيرفي (2)، قال: أوصاني أبو جعفر (عليه السلام) بحوائج له بالمدينة، فبينا أنا في فج الروحاء (3) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه.

قال: فقمت له وظننت أنه عطشان، فناولته الإداوة فقال: لا حاجة لي بها.

وناولني كتابا طينه رطب، فنظرت إلى الخاتم وإذا هو خاتم أبي جعفر (عليه السلام) [فقلت:

متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال: الساعة، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثم التفت فإذا ليس عندي أحد.

قال: ثم قدم أبو جعفر (عليه السلام)] (4) فلقيته فقلت: جعلت فداك، رجل أتاني بكتاب وطينه رطب! فقال: إذا عجل بنا أمر أرسلت بعضهم - يعني الجن - (5).

153 / 17 - وروى علي بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، قال:

دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: أنتم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم.

قلت: ورسول الله وارث الأنبياء على ما علموا وعملوا؟ قال لي: نعم.

قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى، وتبرؤوا الأكمه والأبرص؟ قال: نعم، بإذن الله.

ثم قال: ادن مني يا أبا محمد. فدنوت، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شئ في الدار.

قال: فقال: تحب أن تكون على هذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم

____________

(1) بصائر الدرجات: 395 / 5، الاختصاص: 271، مدينة المعاجز: 326 / 24.

(2) في " ط ": شديد القرضي، وفي " م ":... الصرخي، وفي " ع ":... بن الصرخي، تصحيف صوابها ما في المتن من الكافي، وراجع معجم رجال الحديث 8: 38.

(3) قرية على ليلتين من المدينة " الروض المعطار: 277 ".

(4) أثبتناه من الكافي.

(5) الكافي 1: 325 / 4، مدينة المعاجز: 327 / 25.

الصفحة 227 

القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصة؟

قلت: أعود كما كنت.

قال: فمسح يده على عيني فعدت كما كنت.(1)

154 / 18 - وروى محمد بن الحسن بن فروخ، عن عاصم بن حميد، عن محمد ابن مسلم بن رباح الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لرجل من أهل إفريقية: ما حال راشد؟ قال: خلفته صالحا يقرئك السلام.

قال: رحمه الله. قال: أو مات؟! قال: نعم رحمه الله.

قال: ومتى مات؟

قال: قبل خروجك بيومين.

قال: لا والله، ما مرض ولا كانت به علة!

قال: وإنما يموت من يموت من غير علة أكثر.

فقلت: أيما كان من الرجال الرجل؟

فقال: كان لنا وليا ومحبا من أهل إفريقية.

ثم قال: يا محمد بن مسلم، لئن كنتم ترون أنا ليس معكم بأعين ناظرة وآذان (2) سامعة لبئس ما رأيتم، والله من (3) خفي ما غاب، فأحضروا لي (4) جميلا، وعودوا ألسنتكم الخير، وكونوا من أهله تعرفوا (5) به.(6)

155 / 19 - وعنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم وعلي بن جرير،

____________

(1) بصائر الدرجات: 289 / 1، الكافي 1: 391 / 3، الهداية الكبرى: 243، إثبات الوصية: 152، رجال الكشي: 174 / 298، عيون المعجزات: 76، إعلام الورى: 267، مناقب ابن شهرآشوب 4: 184.

(2) في " ع، م ": واسماع.

(3) في " ط ": ما.

(4) في " ع ": فاحضروني.

(5) في " ع، م ": تقربوا.

(6) الخرائج والجرائح 2: 595 / 7 نحوه، وقطعة منه في مناقب ابن شهرآشوب 4: 193، والثاقب في المناقب: 383 / 315، مدينة المعاجز: 330 / 37.

الصفحة 228 

عن منصور بن حازم، عن سعد الإسكاف، قال: طلبت الإذن على أبي جعفر (عليه السلام) مع أصحاب لنا (1)، فدخلت عليه فإذا على يمينه نفر كأنهم من أب وأم، عليهم ثياب (2) وأقبية ضافية، وعمائم صفر، فما لبثوا حتى (3) خرجوا فقال لي: يا سعد، رأيتهم؟

قلت: نعم، جعلت فداك، من هؤلاء؟

قال: إخوانكم من الجن أتونا يستفتونا في حلالهم وحرامهم كما تأتونا وتستفتونا في حلالكم وحرامكم.

فقلت: جعلت فداك، ويظهرون لكم؟ قال: نعم.(4)

156 / 20 - وروى الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الصمد بن بشير، عن عطية أخي أبي العوام (5)، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل أعرابي على لقوح (6) له، فعقلها ثم دخل، فضرب ببصره يمينا وشمالا كأنه طائر العقل، فهتف به أبو جعفر فلم يسمعه، فأخذ كفا من حصا فحصبه، فأقبل الأعرابي حتى نزل بين يديه، فقال له: يا أعرابي من أين أقبلت؟

قال: من أقصى الأرض.

فقال له أبو جعفر: أوسع من ذلك، فمن أين أقبلت؟

قال: من أقصى الدنيا، وما خلفي من شئ، أقبلت من الأحقاف.

قال: أي الأحقاف؟

قال: أحقاف عاد.

قال: يا أعرابي، فما مررت به في طريقك؟

قال: مررت بكذا. فقال أبو جعفر: ومررت بكذا، فقال الأعرابي: نعم، ومررت

____________

(1) في " ط ": لي.

(2) في " ع، م " زيادة: دوابر.

(3) في " ع، م ": صفر، فما احتبسوا حتى.

(4) بصائر الدرجات: 117 / 5، مدينة المعاجز: 328 / 29.

(5) في رجال الطوسي: 260 / 619: العرام، وانظر معجم رجال الحديث 11: 146 و 147.

(6) اللقوح: الناقة التي تقبل اللقاح، وقيل: الناقة الحلوب.

الصفحة 229 

بكذا.

قال أبو جعفر (عليه السلام): ومررت بكذا؟. فلم يزل الأعرابي يقول: إني مررت، ويقول له أبو جعفر: ومررت بكذا، إلى أن قال له أبو جعفر: فمررت بشجرة يقال لها:

(شجرة الرقاق)؟

قال: فوثب الأعرابي على رجليه ثم صفق بيديه وقال: والله، ما رأيت رجلا أعلم بالبلاد منك، أوطأتها؟

قال: لا يا أعرابي، ولكنها عندي في كتاب.

يا أعرابي، إن من ورائكم لواد يقال له (برهوت) تسكنه البوم والهام (1)، تعذب فيه أرواح المشركين إلى يوم القيامة.(2)

157 / 21 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن خالد البرقي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): مررت (3) بالشام وأنا متوجه إلى بعض ملوك (4) بني أمية، فإذا قوم يمرون (5)، فقلت: أين تريدون؟ قالوا: إلى عالم لنا لم نر مثله، يخبرنا بمصلحة شأننا.

قال: فأتبعتهم حتى دخلوا برجا (6) عظيما، فيه بشر كثير، فلم ألبث أن خرج شيخ كبير متوكئ على رجلين، قد سقط حاجباه على عينيه، فشدهما (7) حتى بدن عيناه، فنظر إلي فقال: أمنا أنت أم من الأمة المرحومة؟

____________

(1) البوم طائر معروف، والهام أنثاه، أو هما اسمان يقعان على طيور الليل عامة، انظر " لسان العرب - بوم - 12: 61، حياة الحيوان 1: 226 و 2: 386 ".

(2) مدينة المعاجز: 330 / 38.

(3) في " ع، ط ": كنت.

(4) في " ع ": خلفاء.

(5) في " ط ": قوم في جانبي.

(6) في " ع، م ": بهوا، والبهو: البيت المقدم أمام البيوت.

(7) في " ع، م ": قد شد حاجبيه.

الصفحة 230 

قال: قلت: من الأمة المرحومة.

فقال: أمن علمائها (1) أم من جهالها؟

قال: قلت: لا من علمائها ولا من جهالها.

فقال: أنتم الذين تزعمون أنكم تذهبون إلى الجنة فتأكلون وتشربون ولا تحدثون؟

قال: قلت: نعم.

قال: فهات على هذا برهانا.

قال: قلت: الجنين يأكل في بطن أمه من طعامها، ويشرب من شرابها ولا يحدث.

قال: أليس زعمت أنك لست من علمائها!

قال: قلت لك: ولا من جهالها.

قال: فأخبرني عن ساعة ليست من النهار ولا من الليل.

قال: قلت: هذه الساعة التي هي من طلوع (2) الفجر إلى طلوع الشمس، لا نعدها من ليلنا ولا من نهارنا، وفيها تفيق (3) مرضانا.

قال: فنظر إلي النصراني متعجبا، ثم قال: أليس زعمت أنك لست من علمائها!

ثم قال: أما والله لأسألنك عن مسألة ترتطم فيها ارتطام الثور (4) في الوحل، أخبرني عن رجلين ولدا في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة.

قال: قلت: ثكلتك أمك، ذلك عزير وعزرة، عاش هذا خمسين عاما، ثم أماته الله مائة عام، ثم بعثه فقال: كم لبثت؟ قال: يوما أو بعض يوم. وعاش خمسين ومائة عام، ثم ماتا جميعا.

فقال النصراني: لا والله لا أكلمكم كلمة ولا رأيتم لي وجها اثني عشر شهرا،

____________

(1) في " ع ": علمائهم، وكذا بقية الضمائر في الكلمات الآتية.

(2) في " ع، م ": هذه ساعة من طلوع.

(3) في " م ": يعتق.

(4) في " ع، م ": تربط فيها أو تظام فيها كالثور.

الصفحة 231 

غضبا إذ أدخلتم هذا علي. وقام فخرجت (1).

158 / 22 - وروى محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن أبي مرض مرضا شديدا حتى خفنا عليه، فبكى بعض أصحابنا عند رأسه، فنظر (عليه السلام) إليه وقال له: إني لست بميت من وجعي هذا، فبرئ ومكث ما شاء الله أن يمكث.

فبينا هو صحيح ليس به بأس حتى قال لي: يا بني، إن اللذين أتياني في شكايتي التي قمت منها أتياني فخبراني أني ميت من وجعي هذا في يوم كذا وكذا.

قال: فمات (عليه السلام) في ذلك اليوم.(2)

159 / 23 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه أبي محمد، قال:

حدثنا (3) أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسائي (4)، قال: حدثنا عبد الله (5) بن أحمد بن نهيك - أبو العباس النخعي الشيخ الصالح - عن محمد بن أبي عمير، عمن أخبره، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:

أسري برجل منا فمر برجل منكم حتى أتى الرجل الذي يعذب، فإذا هو في قرية موكل به سبعة رجال كل يوم، كلما هلك رجل جعل مكانه رجل، يستقبلون به عين الشمس حيث دارت، يصبون عليه في الشتاء الماء البارد، والماء الحار في الصيف،

____________

(1) في " ع، م ": حيث دخلوا بأبي جعفر (عليه السلام) معهم.

مدينة المعاجز: 331 / 43.

(2) - مدينة المعاجز: 335 / 45، بصائر الدرجات: 501 / 2.

(3) في " ط ": أخبرنا.

(4) نسبة إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وهو أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى الكاظم (عليه السلام)، روى عنه التلعكبري، وكان سماعه منه سنة (340) بمصر وله منه إجازة، أنساب السمعاني 5: 405. ويقال له الموسوي أيضا، انظر معجم رجال الحديث 4: 101.

(5) في بعض المصادر والمعاجم الرجالية: عبيد الله، مصغرا، روى عن ابن أبي عمير، ووصفه النجاشي بالشيخ الصدوق، وقال: اشتملت إجازة أبي القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي - وأراناها - على سائر ما رواه عبيد الله بن أحمد بن نهيك، انظر رجال النجاشي: 232، معجم رجال الحديث 10 / 107.

الصفحة 232 

فسأله: لم يفعل (1) به هذا؟

فقال: ما تدري لأنك أكيس الناس، أو لأنك أحمق الناس، ما يزال يأتينا الرجل منكم في السنين فلا يسأل عن هذا (2).

فخرجت من الفج فالتفت فإذا راكب خلفي يوضع (3) ويشير إلي، فظننت أن الرجل عطشان، فتناولت إداوتي فأهويت بها إليه.

قال: فناولني كتابا صغيرا طينه رطب، وكتابته رطبة، فإذا فيه إنفاذ بعض ما أمرني به، ونقل شئ إلى شئ فأمضيت الذي في الكتاب، وقلت للرجل: متى عهدك؟

قال: الساعة.

قال: وحفظت الساعة واليوم، فلما قدم أبو جعفر (عليه السلام) أخبرته بخبر الكتاب والطين واليوم والساعة، فقال: إنا أهل البيت أعطينا أعوانا من الجن، إذا عجلت بنا الحاجة بعثناهم فيها.(4)

160 / 24 - وروى محمد بن الحسن، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، قال: كنت اقرئ امرأة وأعلمها (5) القرآن، فمازحتها بشئ، فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا بصير، أي شئ قلت للمرأة؟ فقلت بيدي هكذا على وجهي - يعني غطيت وجهي -.

قال: فقال: لا تعد إليها.(6)

161 / 25 - وعنه: عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن أبي بصير، قال: قدم بعض أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) فقال لي: لا والله، لا ترى أبا جعفر أبدا.

____________

(1) في " ط ": فسألهم لم يفعلون.

(2) في " ع، م ": فقال: لأنك أكيس الناس أو لأنك لأحمق الناس، ما يزال ما بين الرجل منكم في السنين ما قال هذا أحد.

(3) الوضع: سرعة السير " الصحاح - وضع - 3: 1300 ".

(4) مدينة المعاجز 328 / 31.

(5) في " م ": كنت أعلمها.

(6) الخرائج والجرائح 2: 594 / 5، الصراط المستقيم 2: 183 / 14، مدينة المعاجز: 340 / 60.

الصفحة 233 

فأخذت صكا وأشهدت شهودا على الكتاب في غير أيام الحج، ثم إني خرجت إلى المدينة فاستأذنت على أبي جعفر (عليه السلام)، فلما نظر إلي قال: يا أبا بصير، وما فعل الصك؟

فقلت: جعلت فداك، إن فلانا قال لي: لا والله، لا تراه أبدا.(1)

162 / 26 - وروى الحسن بن معاذ الرضوي، قال: حدثنا لوط بن يحيى الأزدي، عن عمارة بن زيد الواقدي، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر (عليهم السلام)، فقال جعفر في بعض كلامه (2):

الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول إنه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) فأخبر مسيلمة أخاه بما سمع (3)، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصنا، فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام، ثم أذن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين متسلحين، وقد نصب البرجاس (4) حذاءه، وأشياخ قومه يرمون.

فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلا، فقال لأبي: يا أبا جعفر، لو رميت (5) مع أشياخ قومك الغرض. وإنما أراد أن يهتك (6) بأبي

____________

(1) بصائر الدرجات: 268 / 13، مدينة المعاجز: 340 / 61.

(2) في " ع، م ": فقال جعفر بن محمد (عليه السلام).

(3) في " ط ": مسيلمة بن عبد الملك أخاه.

(4) غرض في الهواء يرمى به " لسان العرب - برجس - 6: 26 ".

(5) في " ع، م ": فلما دخلنا وأبي أمامي يقدمني عليه وأنا خلفه على يد أبي حين حاذيناه فنادى أبي: يا محمد، ارم.

(6) في " ط ": يضحك.

الصفحة 234 

ظنا منه (1) أنه يقصر ويخطئ ولا يصيب إذا رمى، فيشتفي منه بذلك، فقال له: إني قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني.

فقال: وحق من (2) أعزنا بدينه ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك. ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك.

فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهما فوضعه (3) في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثم رمى فيه الثانية فشق فوق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم (4) بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم، كلا زعمت أنك قد كبرت عن الرمي. ثم أدركته ندامة على ما قال.

وكان هشام لا يكني أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته، فهم به وأطرق إطراقة يرتأي فيه رأيا، وأبي واقف بحذائه مواجها له، وأنا وراء أبي.

فلما طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهم به، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يتبين للناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام ذلك من أبي قال له: يا محمد، اصعد، فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه، فلما دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له: يا محمد، لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، ولله درك، من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟

فقال له أبي: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه، فتعاطيته أيام حداثتي، ثم تركته، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه (5).

فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت، وما ظننت أن في الأرض أحدا

____________

(1) في " ع، م ": وظن.

(2) في " ط ": تعفيني فلم يقبل وقال: لا والذي.

(3) في " ط ": فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة فوضع سهما.

(4) في " ط " زيادة: فصار.

(5) في " ع، م ": فيه.

الصفحة 235 

يرمي مثل هذا الرمي، أين رمي جعفر من رميك؟

فقال: إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه (عليه السلام) في قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * (1) والأرض لا تخلو ممن يكمل (2) هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.

قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه فقال لأبي: ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك، ولكن الله (جل ثناؤه) اختصنا من مكنون سره وخالص علمه، بما لم يختص أحدا به غيرنا.

فقال: أليس الله (جل ثناؤه) بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة، أبيضها وأسودها وأحمرها، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قول الله (تبارك وتعالى): * (ولله ميراث السماوات والأرض) * (3) إلى آخر الآية، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟

فقال: من قوله (تعالى) لنبيه (عليه السلام): * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (4) فالذي أبداه فهو للناس كافة، والذي لم يحرك به لسانه، أمر الله (تعالى) أن يخصنا به من دون غيرنا.

فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه، وأنزل الله بذلك قرآنا في قوله (تعالى): * (وتعيها أذن واعية) * (5) فقال رسول الله لأصحابه: سألت الله (تعالى) أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) بالكوفة: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به رسول

____________

(1) المائدة 5: 3.

(2) في " ط ": يعني ورضيت لكم الاسلام دينا فالأرض ممن يكمل دينه لا تخلو، فكان ذلك علامة، وفي " م ":

والأرض لا تخلو ممن يكمل وجهه، وكان ذلك علامة.

(3) آل عمران 3: 180، الحديد 57: 10.

(4) القيامة 75: 16.

(5) الحاقة 69: 12.

الصفحة 236 

الله (صلى الله عليه وآله) من مكنون علمه ما خصه الله به، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا.

فقال له هشام: إن عليا كان يدعي علم الغيب، والله لم يطلع على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك؟

فقال أبي: إن الله (جل ذكره) أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، في قوله: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * (1).

وفي قوله: * (كل شئ أحصيناه في إمام مبين) * (2).

وفي قوله: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (3).

وفي قوله: * (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) * (4).

وأوحى الله (تعالى) إلى نبيه (عليه السلام) أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه، له مالي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز موعدي.

ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت (5) على تنزيله.

ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي (عليه السلام)، ولذلك قال رسول الله لأصحابه: أقضاكم علي، أي هو قاضيكم.

وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. أفيشهد (6) له عمر ويجحد غيره؟!

____________

(1) النحل 16: 89، وفي " م، ط، ع ": (هدى وموعظة للمتقين).

(2) يس 36: 12.

(3) الأنعام 6: 38.

(4) النمل 27: 75.

(5) في " م ": قاتل.

(6) في " ع، م ": يشهد.

الصفحة 237 

فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال: سل حاجتك.

فقال: خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي.

فقال: قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم أكثر من يومك. فاعتنقه أبي ودعا له وودعه، وفعلت أنا كفعل أبي، ثم نهض ونهضت معه.

وخرجنا إلى بابه وإذا ميدان ببابه، وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير، قال أبي: من هؤلاء؟ قال الحجاب: هؤلاء القسيسون والرهبان، وهذا عالم لهم، يقعد لهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم.

فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه، وفعلت أنا مثل فعل أبي، فأقبل نحوهم حتى قعد عندهم (1)، وقعدت وراء أبي، ورفع ذلك الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي، فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة (2) صفراء حتى توسطنا، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه، فجاء إلى صدر المجلس فقعد فيه، وأحاط به أصحابه، وأبي وأنا بينهم، فأدار نظره ثم قال لأبي: أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟

فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة.

فقال: أمن علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي: لست من جهالها؟ فاضطرب اضطرابا شديدا، ثم قال له: أسألك. فقال له أبي: سل.

فقال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يأكلون (3) ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل (4) الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.

قال: فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ثم قال: كلا، زعمت أنك لست من علمائها! فقال له أبي: ولا من جهالها، وأصحاب هشام يسمعون ذلك.

____________

(1) في " ع، م ": نحوهم.

(2) في " ط ": بعصابة.

(3) في " ع " وأمان الأخطار وفي " م ": نسخة بدل زيادة: يطعمون.

(4) في " ط ": قال أبي: الدليل الذي لا ينكر مشاهدة.

الصفحة 238 

فقال لأبي: أسألك عن مسألة أخرى. فقال له أبي سل.

فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة، لا تنقطع، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟

فقال له أبي: دليل ما ندعي أن ترابنا (1) أبدا غض طري موجود غير معدوم عند جميع أهل الدنيا (2) لا ينقطع.

فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا، ثم قال: كلا، زعمت أنك لست من علمائها! فقال له أبي: ولا من جهالها.

فقال: أسألك عن مسألة. فقال له: سل.

قال: أخبرني عن ساعة من ساعات الدنيا ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار.

فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى، ويرقد فيها الساهر، ويفيق المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين، وفي الآخرة للعاملين لها، ودليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المنكرين التاركين لها.

قال: فصاح النصراني صيحة، ثم قال: بقيت مسألة واحدة، والله لأسألنك عنها، ولا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا. فأسألك؟ فقال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك.

فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد، وماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة، والآخر خمسون سنة في دار الدنيا.

فقال له أبي: ذلك عزير وعزرة، ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما، مر عزير وهو راكب على حماره بقرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟! وقد كان الله اصطفاه وهداه، فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال.

____________

(1) في " ط ": الفرات، وفي " ع، م ": قرآننا. وما أثبتناه من أمان الأخطار والبحار.

(2) في " ع، م ": جميع المسلمين، وما أثبتناه من أمان الأخطار والبحار.

 

 

الصفحة 239 

ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه، فعاد إلى داره وعزرة أخوه لا يعرفه، فاستضافه فأضافه، وبعث إلى ولد عزرة وولد ولده (1) وقد شاخوا، وعزير شاب في سن ابن خمس وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا، وهم يذكرون ما يذكرهم (2)، ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور (3)؟! ويقول له عزرة وهو شيخ ابن مائة وخمس وعشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمس وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟

فقال عزير لأخيه عزرة: أنا عزير، سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني، فأماتني مائة سنة، ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا أن الله على كل شئ قدير، وها هو حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم، أعاده الله لي كما كان، فعندها أيقنوا (4)، فأعاشه الله بينهم خمسا وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما، وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم:

جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى يهتكني ويفضحني، وأعلم المسلمين أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، لا والله لا أكلمكم من رأسي كلمة، ولا قعدت لكم إن عشت سنة.

فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك في الخبر إلى هشام بن عبد الملك، فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا (5) رسول هشام بالجائزة، وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس، لأن الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بين أبي وبين عالم النصارى.

____________

(1) في " ط ": وبعث إلى أولاده وأحفاده.

(2) في " م، ط ": يذكره.

(3) (ويقولون... الشهور) ليس في " ط ".

(4) في " ط ": كان بقدرته.

(5) في " م ": فإذا.

الصفحة 240 

فركبنا دوابنا منصرفين، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين (1) على طريقنا إلى المدينة (2): " إن ابني أبي تراب الساحرين (3) محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين - بل هو الكذاب (لعنه الله) - فيما يظهران من الاسلام وردا علي، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى (4)، وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فناد (5) في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما، أو يبايعهما، أو يصافحهما، أو يسلم عليهما، فإنهما قد ارتدا عن الاسلام، ورأي أمير المؤمنين أن تقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة ".

قال: فورد البريد إلى مدين، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلا ويشتروا لدوابنا علفا، ولنا طعاما.

فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا، وذكروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، وقالوا: لا نزول لكم عندنا، ولا شراء ولا بيع، يا كفار، يا مشركين، يا مرتدين، يا كذابين، يا شر الخلائق أجمعين.

فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم، فكلمهم أبي ولين لهم القول، وقال لهم: اتقوا الله ولا تغلطوا، فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون، فاسمعونا، فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان، فقال لهم أبي: فهبنا كما تقولون، افتحوا لنا الباب، وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس.

فقالوا: أنتم أشر من اليهود والنصارى والمجوس، لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون.

____________

(1) مدينة تجاه تبوك بين المدينة والشام " آثار البلاد: 261 ".

(2) في " ط " زيادة: يذكر له.

(3) في " ط ": الساحر.

(4) في الأمان زيادة: وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفر - دين النصارى -.

(5) في " ط ": فإذا مرا بانصرافهما عليكم فليناد.

الصفحة 241 

فقال لهم أبي: افتحوا لنا الباب وأنزلونا، وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم.

فقالوا: لا نفتح، ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا (1) وتموت دوابكم تحتكم. فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا.

قال: فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي: مكانك - يا جعفر - لا تبرح. ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته:

* (وإلى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله (عز وجل) - بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * (2) نحن والله: بقية الله في أرضه.

فأمر الله (تعالى) ريحا سوداء مظلمة، فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان (3)، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم.

وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنظر إلى أبي على الجبل، فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين، فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب (عليه السلام) حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه، جاءكم من الله العذاب وأتى عليكم، وقد أعذر من أنذر. ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا.

وكتب العامل (4) بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمره (5)، فأخذوه فطمروه (رحمة الله عليه).

وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي شئ من ذلك.(6)

163 / 27 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس

____________

(1) النائع: العطشان، والمتمايل جوعا. " المعجم الوسيط 2: 963 ".

(2) هود 11: 84 - 86.

(3) في " ط " زيادة: والإماء.

(4) (العامل) ليس في " ع، م ".

(5) أي يدفنه، انظر " القاموس المحيط - طمر - 2: 81 ".

(6) نوادر المعجزات: 127 / 1، الأمان من الأخطار: 66، البحار 46: 306 / 1، مدينة المعاجز: 332 / 44.

الصفحة 242 

أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن يحيى بن زكريا، عن الحسن بن محبوب الزراد، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال:

مررت بعبد الله بن الحسن بن الحسن فلما رآني سبني وسب الباقر (عليه السلام)، فجئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما بصرني قال: يا جابر - متبسما - مررت بعبد الله بن الحسن فسبك وسبني.

قال: قلت: نعم يا سيدي، فدعوت الله عليه.

فقال لي: أول داخل يدخل عليك هو. فإذا هو قد دخل، فلما جلس قال له الباقر (عليه السلام): ما جاء بك يا عبد الله؟

قال: أنت الذي تدعي ما تدعي.

قال له الباقر (عليه السلام): ويلك، قد أكثرت فقال: يا جابر. قلت: لبيك.

قال: احفر في الدار حفيرة، قال: فحفرت، ثم قال: ائتني بحطب فألقه فيها.

قال: ففعلت، ثم قال: اضرمه نارا. ففعلت، ثم قال: يا عبد الله بن الحسن، قم فأدخلها واخرج منها إن كنت صادقا.

قال عبد الله: قم فادخل أنت قبلي.

فقام أبو جعفر (عليه السلام) ودخلها، حتى لم يزل يدوسها برجل، ويدور فيها حتى جعلها رمادا رمددا (1) ثم خرج فجاء وجلس، وجعل يمسح العرق والعرق ينضح (2) من وجهه.

ثم قال: قم قبحك الله، فما أقرب ما يحل بك كما حل بمروان بن الحكم وبولده! (3)

164 / 28 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن فروخ، عن عبد الله بن الحجال، عن ثعلبة، عن أبي حازم يزيد غلام

____________

(1) الرماد الرمدد: المتناهي في الاحتراق والدقة " لسان العرب - رمد - 3: 185 ".

(2) في " ط ": ينضج منه فيمسحه.

(3) إثبات الهداة 5: 319 / 87، مدينة المعاجز: 340 / 62.

الصفحة 243 

عبد الرحمن، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) بالمدينة فنظر إلى دار هشام بن عبد الملك التي بناها بأحجار الزيت، فقال: أما والله لتهدمن، أما والله لتندر (1) أحجار الزيت (2)، أما والله إنه لموضع النفس الزكية.

فسمعت هذا منه وتعجبت، وقلت: من يهدم هذه الدار وهشام بناها، وهو أمير المؤمنين! ورأت عيني حيث مات هشام بعث الوليد بن يزيد فهدمها، ونقلها حتى ندرت أحجار الزيت.(3)

____________

(1) ندر الشئ: سقط (لسان العرب - ندر - 5: 199).

(2) موضع بالمدينة داخلها (معجم البلدان 1: 109).

(3) كشف الغمة 2: 137، مدينة المعاجز: 340 / 63.