(أبو محمد علي بن موسى الرضا (عليه السلام

الصفحة 347 

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة.(1)

ويروى سنة ست بعد وفاة جده أبي عبد الله (عليه السلام) بخمس سنين (2).

وأقام مع أبيه تسعا وعشرين سنة وأشهرا.

وأقام بعد أبيه سني إمامته: بقية ملك الرشيد، ثم ملك محمد بن هارون الأمين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما، ثم خلع واجلس عمه إبراهيم بن شكلة أربعة عشر يوما، ثم ملك المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما، ووجه إلى أبي الحسن (عليه السلام) فحمله إلى خراسان (3).

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 18، تاريخ مواليد الأئمة: 192، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، كشف الغمة 2: 259، الفصول المهمة: 244.

(2) لم نجد هذه الرواية، والمروي سنة 148 هـ، وقيل: سنة 151 هـ، انظر الكافي 1: 406، الارشاد: 304، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، وفيات الأعيان 3: 270.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 19، تاج المواليد: 125، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367.

الصفحة 348 

 

خبر أمه (عليه السلام:)

303 / 1 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن عمار (1) الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، رفعه إلى هشام بن أحمد، قال: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السلام): قد قدم رجل من المغرب نخاس، فامض بنا إليه. فمضينا، فعرض علينا رقيقا، فلم يعجبه، قال لي: سله عما بقي عنده، فسألته، فقال: لم تبق إلا جارية عليلة. فتركناه وانصرفنا، فقال لي: عد إليه وابتع تلك الجارية منه بما يقول لك فإنه يقول لك كذا وكذا.

فأتيت النخاس فكان كما قال: وباعني الجارية، ثم قال لي: بالله، هي لك؟

قلت: لا.

قال: لمن هي؟ قلت: لرجل من بني هاشم.

قال: أخبرك أني اشتريت هذه الجارية من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب، فقالت: ما هذه الجارية معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي.

قالت: ما ينبغي أن تكون هذه إلا عند خير أهل الأرض، ولا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد له غلاما يدين له شرق الأرض وغربها. فحملتها ولم تلبث إلا قليلا (2) حتى حملت بأبي الحسن (عليه السلام).

وكان يقال لها: تكتم (3).

وقال أبو الحسن (عليه السلام) لما ابتعت هذه الجارية، لجماعة من أصحابه: والله، ما اشتريت هذه الجارية إلا بأمر الله ووحيه.

فسئل عن ذلك فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي، ومعهما شقة حرير،

____________

(1) في " ط ": عمارة.

(2) (حتى تلد... قليلا) ليس في " ع ".

(3) في " ع، م ": قليم، وما في المتن هو المشهور في اسمها، وراجع " مجمع البحرين - كتم - 6: 151 ".

الصفحة 349 

فنشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض، ثم أمراني إذا ولدته أن أسميه عليا وقالا (1):

إن الله (عز وجل) سيظهر به العدل والرأفة والرحمة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وكذبه وعانده.(2)

خبر خروجه إلى خراسان:

304 / 2 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، قال: روى محمد بن عيسى، عن أبي محمد الوشاء، ورواه جماعة من أصحاب الرضا عن الرضا (عليه السلام)، قال:

لما أردت الخروج من المدينة جمعت عيالي وأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع بكاءهم، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت لهم: إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.

ثم أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد، ووضعت يده على حافة القبر، وألصقته به واستحفظته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالتفت أبو جعفر فقال لي: بأبي أنت وأمي، والله تذهب إلى عادية (3).

وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة، وترك مخالفته، والمصير إليه عند وفاتي، وعرفتهم أنه القيم مقامي.

وشخص على طريق البصرة إلى خراسان، واستقبله المأمون، وأعظمه وأكرمه، وعزم عليه في أمره، فقال له: إن هذا أمر ليس بكائن إلا بعد خروج السفياني. فألح عليه، فامتنع، ثم أقسم عليه فأبر قسمه، وعقد له الأمر، وجلس مع المأمون للبيعة.

____________

(1) في " ع ": وقال.

(2) إثبات الوصية: 170، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 17 / 4، الارشاد: 307، أمالي الطوسي 2: 331، عيون المعجزات: 106، الخرائج والجرائح 2: 653 / 6، كشف الغمة 2: 272، حلية الأبرار 2: 296.

(3) في " ع، م ": هادمة.

الصفحة 350 

ثم سأله المأمون أن يخرج فيصلي بالناس، فقال له: هذا ليس بكائن. فأقسم عليه. فأمر القواد بالركوب معه، فاجتمع الناس على بابه، فخرج وعليه قميصان ورداء وعمامة، فأسدل ذؤابتها من قدام وخلف، مكحولا مدهنا، كما كان يخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فلما خرج من بابه ضج الناس بالبكاء، وكاد البلد يفتتن، واتصل الخبر بالمأمون، فبعث إليه: كنت أعلم مني بما قلت، فارجع. فرجع ولم يصل بالناس.(1)

ثم زوجه ابنته، وسأله أن يخطب، فقال: الحمد لله الذي بيده مقادير الأقدار، وبمشيئته تتم الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة يواطئ القلب اللسان، والسر الاعلان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، انتجبه رسولا فنطق البرهان بتحقيق نبوته، بعد أمر لم (2) يأذن الله فيه، وقرب أمر مآب (3) مشيئة الله إليه، ونحن نتعرض بالدعاء لخيرة القضاء، والذي يذكر أم حبيب بنت أمير المؤمنين، صلة الرحم، وأمشاج للشبكة (4)، وقد بذلت لها خمسمائة درهم، فزوجتني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم.

قال: قد قبلت ورضيت.(5)

وجعله ولي عهده في حياته، وضرب الدراهم على اسمه، وهي: (الدراهم الرضوية) تعرف بذلك.

وجمع بني العباس وناظرهم، وألزمهم الحجة، وبين فضل الرضا، ورد فدك على ولد فاطمة (صلوات الله عليها).

ثم غدر به، وفكر في قتله، فقتله بطوس من خراسان، واستشهد ولي الله وقد كمل عمره تسعة وأربعين سنة وستة أشهر، في شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين ومائتين من الهجرة.

____________

(1) مدينة المعاجز: 502 / 117.

(2) في " ع، م ": بعد أمركم.

(3) في " ط ": أومأت.

(4) الأمشاج: جمع مشيج أو مشج، أي المختلط. والشبكة: القرابة، واشتبكت بينهم الأرحام: توشجت.

(5) إثبات الوصية: 179.

الصفحة 351 

ويروى: في صفر سنة ثلاث ومائتين من (1) الهجرة.(2)

وكان سبب وفاته أن المأمون سمه.(3)

305 / 3 - وهو ما رواه أبو الحسن بن عباد، قال: حدثني أبو علي محمد بن مرشد (4) القمي، قال: حدثنا محمد بن منير، قال: حدثني محمد بن خالد الطاطري، قال: حدثني هرثمة بن أعين، قال: كنت بين يدي المأمون إلى أن مضى من الليل أربع ساعات، ثم أذن بالانصراف، فانصرفت إلى منزلي.

فلما مضى ساعتان من آخر الليل، قرع قارع بابي، فكلمه بعض غلماني، فقال له: قل لهرثمة: أجب سيدك. فقمت مسرعا، فأخذت علي أثوابي، وأسرعت إلى سيدي، فدخل الغلام بين يدي، ودخلت وراءه، فإذا بسيدي في صحن داره جالس، فقال لي: يا هرثمة! فقلت: لبيك يا مولاي. فقال لي: اجلس. فجلست، فقال لي:

اسمع وع يا هرثمة، هذا أوان رحيلي إلى الله (عز وجل)، ولحاقي بآبائي وجدي (عليهم السلام)، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك.

فأما العنب، فإنه يغمس السلك ويجريه بالخياط في العنب ليخفى، وأما الرمان، فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه، ويفرك الرمان به مدة، ليتلطخ حبه في ذلك السم، وإنه سيدعوني في يومنا هذا المقبل، ويقدم إلي الرمان والعنب، ويسألني أكله، ثم ينفذ الحكم والقضاء.

فإذا أنا مت فسيقول: أنا اغسله بيدي، فإذا قال ذلك فقل له عني - بينك وبينه - أنه قال لي: قل له لا يتعرض لغسلي، ولا لتكفيني، ولا لدفني، فإنه إن فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخر عنه، وحل به أليم ما يحذر، فإنه سينتهي.

____________

(1) في " ع ": عمره تسعة وأربعين سنة ثلاث ومائتين. ويروى يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي الحجة سنة ست ومائتين من.

(2) تاريخ الأئمة: 12، الكافي 1: 406، الارشاد: 304، مسار الشيعة: 52، تاج المواليد: 126، تذكرة الخواص: 355، كفاية الطالب: 458، كشف الغمة 2: 267، المستجاد من كتاب الارشاد: 492.

(3) تذكرة الخواص: 355، المستجاد من كتاب الارشاد: 498، كشف الغمة 2: 281.

(4) في " ع ": زيد، وفي " م ": رشيد.

الصفحة 352 

قال: قلت: نعم يا سيدي.

قال: فإذا خلى (1) بينك وبين غسلي، فيجلس في علو من أبنيته هذه، مشرفا على موضع غسلي لينظر، فلا تعرض يا هرثمة في شئ من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار، أبيض، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها، فضعني من وراء الفسطاط، وقف من ورائه، ويكون من معك دونك، ولا تكشف عن الفسطاط حتى تراني فتهلك.

فإنه سيشرف عليك ويقول لك: يا هرثمة، أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله؟! فمن يغسل أبا الحسن وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟! فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول أن الإمام يجب أن يغسله الإمام، فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا، ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى، ما يغسله أحد غير من ذكرته.

فإذا ارتفع الفسطاط، فسوف تراني مدرجا في أكفاني، فضعني على نعشي، واحملني.

فإذا أراد أن يحفر قبري، فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري، ولا (2) يكون ذلك أبدا، وإذا ضربوا بالمعاول فستنبو (3) عن الأرض، ولا ينفجر لهم منها ولا قلامة الظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم، فقل لهم عني: إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد.

فإذا ضربت انفتح في الأرض قبر محفور، وضريح قائم، فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني فيه حتى تقرب منه، فترى ماء أبيض، فيمتلئ به ذلك القبر مع وجه

____________

(1) في " ط " زيادة: بيني و.

(2) في " ع ": وأنى.

(3) يقال نبا الشئ عني: أي تجافى وتباعد " الصحاح - نبا - 6: 2500 ".

الصفحة 353 

الأرض، ثم يضطرب فيه حوت بطوله، فإذا اضطرب فلا تنزلني في القبر، حتى إذا غاب الحوت منه، وغار الماء، فأنزلني في القبر، وألحدني في ذلك الضريح، ولا تتركهم يأتوا بتراب فيلقونه علي، فإن القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ.

قال: قلت: نعم يا سيدي.

قال: ثم قال لي: احفظ ما عهدت إليك، واعمل ولا تخالف.

قلت: أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي.

قال هرثمة: ثم خرجت باكيا حزينا، فلم أزل كالحبة على المقلاة، لا يعلم ما في نفسي إلا الله (عز وجل). ثم دعاني المأمون، فدخلت إليه، فلم أزل قائما إلى ضحى النهار، ثم قال المأمون: امض يا هرثمة إلى أبي الحسن، فأقرئه عني السلام، وقل له:

إما تصير إلينا، أو نصير إليك، فإن قال لك: بل نصير إليه فاسأله عني أن يقدم مصيره.

قال: فجئته، فلما طلعت على سيدي (عليه السلام) قال لي: يا هرثمة، أليس قد حفظت ما وصيتك به؟ قلت: بلى، قال: قدموا بغلي. وقال: علمت ما قد أرسلك به.

قال: فقدمت بغله، ومشى إليه، فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه إلى جانبه على سريره، وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة، ثم قال لبعض غلمانه: إئتونا بعنب ورمان.

قال هرثمة: فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر، ورأيت النفضة عرضت في جسدي، فكرهت أن يتبين، فتراجعت القهقرى حتى خرجت، فرميت نفسي في موضع من الدار، فلما قرب نحو زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده، ورجع إلى داره.

ثم رأينا الآمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطباء والمترفقين، فقلت:

ما ذاك؟ فقيل: علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام). فكان الناس في شك وكنت في يقين، لما علمته منه.

قال: فلما كان في بعض الليل، وهو الثلث الثاني، علا الصياح وسمعت

الصفحة 354 

الواعية (1) من الدار، فأسرعت فيمن أسرع، فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس، محلول الأزرار (2)، قائم على قدميه، ينتحب ويبكي.

قال: فوقفت فيمن وقف، وأنا أحس بنفسي تكاد تنفطر، فلما أصبحنا جلس المأمون لتعزيته، ثم قام يمشي إلى الموضع الذي فيه سيدنا الرضا (عليه السلام)، فقال:

أصلحوا لنا موضعا، فإني أريد أن اغسله. فدنوت منه فقلت: خلوة يا أمير المؤمنين، فأخلى نفسه، فأعدت عليه ما قاله سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن.

فقال لي: لست أعرض في ذلك، شأنك يا هرثمة.

قال: فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط الأبيض قد نصب إلى جانب الدار، فحملته ووضعته بقرب الفسطاط، وكان داخله، ووقفت من ظاهره، وكل من في الدار دوني، وأنا أسمع التكبير، والتهليل، والتسبيح، وتردد الأواني، وصوت صب الماء، وسطوع ريح طيب لم أشم مثله.

قال: فإذا أنا بالمأمون قد أشرف علي من بعض علو داره، فصاح: يا هرثمة، أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، وأين ابنه محمد عنه، وهو بمدينة الرسول ونحن بطوس من أرض خراسان؟

قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين: إنا نقول إن الإمام يجب أن يغسله إمام مثله، فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا، ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى.

قال: فسكت عني. ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيدي مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه، ثم حملناه، فصلى عليه المأمون، وجميع من حضر، ثم جئنا إلى موضع القبر، فوجدتهم يضربون المعاول من فوق قبر هارون، ليجعلوه قبلة القبر، والمعاول تنبو، فقال: ويحك يا هرثمة! أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟!

____________

(1) في " ع، م ": الوجبة.

(2) في " ط ": الإزار.

 

 

الصفحة 355 

فقلت له: إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر (1) أبيك هارون الرشيد، لا أضرب غيره.

قال: إذا ضربت يا هرثمة، يكون ماذا؟

فقلت له: أخبرني أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره، وإنني إذا ضربت هذا المعول الواحد يصير القبر محفورا من غير يد تحفره، ويأتي ضريح في وسطه.

قال المأمون: سبحان الله! ما أعجب هذا الكلام، ولا عجب من أمر أبي الحسن، فاضرب حتى نرى (2).

قال هرثمة: فأخذت المعول بيدي، فضربت في قبلة قبر هارون، قال: فانفرج القبر محفورا، والضريح في وسطه قائما، والناس ينظرون.

قال: أنزله يا هرثمة. فقلت: يا سيدي، إنه أمرني أن لا أنزله حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض، فيمتلئ به القبر مع وجه الأرض، ثم يظهر فيه حوت بطول القبر، فإذا غاب الحوت، وغار الماء، وضعته على جانب القبر (3)، وخليت بينه وبين ملحده.

قال: فافعل يا هرثمة ما أمرت. قال: فانتظرت حتى ظهر الماء والحوت، وانتظرت الحوت حتى غاب، وغار الماء، والناس ينظرون، ثم جعلت النعش إلى جانب القبر، وسجف من فوقه سجف لم أبسطه أبيض، ثم أنزل إلى القبر بغير يدي ولا يد أحد ممن حضر، فأشار المأمون إلى الناس أن أهيلوا (4) بأيديكم التراب فاطرحوا فيه.

فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين.

فقال: ويحك فبم يمتلئ (5)؟

____________

(1) (قبر) ليس في " ع، م ".

(2) في " ط " زيادة: ما قال.

(3) في " م ": قبره.

(4) في " ط ": هيلوا، وفي " ع ": هاتوا.

(5) في " ع، م ": يعلى.

الصفحة 356 

قلت: قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب، وأخبرني أن القبر يمتلئ من نفسه، وينطبق، ويرتفع، ويتربع على وجه الأرض. قال: فأشار إلى الناس أن كفوا. قال:

فرموا ما في أيديهم من التراب، ثم امتلأ القبر، وأنطبق، وتربع على وجه الأرض، وانصرف المأمون، وانصرفنا.

فدعاني وأخلى مجلسه، ثم قال: والله يا هرثمة، لتصدقني بجميع ما سمعته من أبي الحسن علي بن موسى الرضا.

قال: فقلت: أخبرت أمير المؤمنين بما قال لي.

قال: لا والله، لتصدقني بما أخبرك به غير ما قلت لي.

قال: قلت: يا أمير المؤمنين، فعم تسألني؟

قال: بالله يا هرثمة، أسر إليك شيئا غير هذا؟ فقلت: نعم.

قال: فما هو؟

قلت: خبر العنب والرمان، فأقبل يتلون ألوانه بصفرة وحمرة وسواد، ثم مد نفسه كالمغشي عليه. قال: وسمعته في غشيته، وهو يقول: ويل للمأمون من الله، ويل للمأمون من رسول الله، ويل للمأمون من علي بن أبي طالب، ويل للمأمون من فاطمة، ويل للمأمون من الحسن و (1) الحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسين، ويل للمأمون (2)، ويل لأبيه هارون من موسى بن جعفر، هذا والله الخسران حقا، يقول هذا القول ويكرره، فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه، فجلست في بعض الدار.

قال: فجلس فدعاني، ودخلت عليه وهو كالسكران، فقال: والله، ما أنت علي أعز منه، ولا جميع من في الأرض، فوالله (3) لئن بلغني أنك أعدت ما سمعت ورأيته، ليكونن (4) هلاكك أهون علي مما لم يكن.

____________

(1) في " ط ": بن علي ويل للمأمون من.

(2) (أبي طالب، ويل للمأمون... ويل للمأمون) ليس في " ع ".

(3) في " ط ": الأرض من قومه.

(4) في " ط " زيادة: هذا الكلام.

الصفحة 357 

قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن ظهر علي ذلك، فأنت في حل من دمي.

قال: لا والله، إلا أن تعطيني عهدا وميثاقا أنك تكتم هذا ولا تعيده.

قال: فأخذ مني العهد والميثاق، وأكثره علي، فلما وليت عنه صفق بيده، وسمعته يقول * (يستخفون من الناس) * (1) إلى آخر الآية.(2)

ولدعبل بن علي في معنى القبرين:

 

حويت قبرين: (3) خير الناس كلهم    وقـبـر شـرهــم هـذا مـن العبـر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا     على الزكي بقرب الرجس من ضرر (4)

 

306 / 4 - وأنشدني أبو أحمد عبد السلام البصري، قال: أنشدني أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني، قال: أنشدني أحمد بن محمد المكي، قال: أنشدنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: أنشدنا دعبل بن علي لنفسه:

 

مدارس آيات خلت من تلاوة   ومنزل وحي مقفر العرصات (5)

 

قال أبو أحمد عبد السلام: لما بلغ إنشاده لي هذه القصيدة وبلغ منها إلى هذا الموضع:

 

وقبر ببغداد لنفس زكية تضمنها الرحمن في الغرفات

 

قال أبو عبيد الله المرزباني: لما دخل دعبل على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس وأنشده هذه القصيدة، وبلغ إلى هذا الموضع، قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام):

 

وقبر بطوس يا لها من مصيبة   تردد بين الصدر واللهوات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما          يفرج عنا الهم والكربات

 

فقال دعبل: لا أعرف قبرا بطوس. قال (عليه السلام): بلى، قبري بها.

____________

(1) النساء 4: 108.

(2) الهداية الكبرى: 282 " نحوه "، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 1.

(3) في الديوان وعيون الأخبار: قبران في طوس.

(4) الديوان: 198، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 251.

(5) انظر الديوان: 124.

الصفحة 358 

فلما بلغ إلى قوله:

 

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد       تقطع نفسي بينهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج      يقوم على اسم الله والبركات (1)

 

فلما فرغ من إنشاده قام الرضا (عليه السلام) فدخل منزله، وبعث إليه خادما بخرقة حرير فيها ستمائة دينار، وقال للخادم: قل له: يقول لك مولاي: استعن بهذا على سفرك، وأعذرنا.

فقال له دعبل: لا والله، ما هذا أردت، ولا له خرجت، ولكن قل له: أكسني ثوبا من أثوابك. وردها عليه، فردها إليه الرضا (عليه السلام) وقال له: خذها. وبعث إليه بجبة من ثيابه.

فخرج دعبل حتى ورد قم، فنظر أهل قم إلى الجبة، فأعطوه بها ألف دينار، فأبى عليهم، وقال: لا والله، ولا خرقة منها بألف دينار. ثم خرج من قم، فتبعوه فقطعوها عليه، وأخذوا الجبة، فرجع إلى قم، فكلمهم فيها، فقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن إن شئت فهذه الألف دينار. قال لهم: وخرقة من الجبة. فأعطوه ألف دينار وخرقة من الجبة.(2)

نسبه (عليه السلام)

وهو: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

____________

(1) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 266 / 35 بالإسناد عن دعبل الخزاعي، قال: فلما انتهيت إلى قولي:

 

خروج إمام لا محالة خارج      يقوم على اسم الله والبركات

 

بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا، ثم رفع رأسه إلي، فقال لي: " يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ " الحديث، ويتضمن النص على القائم (عليه السلام).

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263، كمال الدين وتمام النعمة 2: 372 / 6، مناقب ابن شهرآشوب 4: 338، ينابيع المودة: 454، " نحوه " وانظر إعلام الورى: 329، وكشف الغمة 2: 263 و 318، العدد القوية: 283 / 15.

الصفحة 359 

 

ويكنى:

أبا الحسن، والخاص: أبا محمد (1).

ولقبه:

الرضا، والصابر (2)، والوفي، ونور الهدى، وسراج الله، والفاضل، وقرة عين المؤمنين، ومكيد الملحدين (3).

[اسم أمه]: قيل: إن اسم أمه: سكن النوبية، ويقال لها: الخيزران، ويقال: صفراء (4)، وتسمى:

أروى، وأم البنين (5).

[نقش خاتمه (عليه السلام)]

وكان له خاتم، نقش فصه: العزة لله (6).

قال أبو الحسن بن عباد: قال لي الرضا (عليه السلام) مرارا: أنا والرشيد كهاتين.

وأومأ بإصبعيه السبابة والوسطى، فلم أدر ما قال، ومنعتني هيبته أن أسأله، حتى مضى فقبروه إلى جانب الرشيد (7).

وبوابه (عليه السلام):

محمد (8) بن الفرات (9).

ذكر ولده (عليه السلام):

أبو جعفر محمد بن علي الإمام (عليه السلام) (10).

____________

(1) الهداية الكبرى: 279.

(2) في " ط " زيادة: والضامن.

(3) تاريخ الأئمة: 28، تاريخ مواليد الأئمة: 194، مناقب ابن شهرآشوب 4: 366، تذكرة الخواص: 351، كشف الغمة 2: 260، الفصول المهمة: 244، نور الأبصار: 309.

(4) في المناقب: صقر، وفي كشف الغمة والفصول المهمة وتاريخ مواليد الأئمة، شقراء.

(5) الكافي 1: 406، تاريخ مواليد الأئمة: 193، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، تذكرة الخواص: 351، كشف الغمة 2: 259، المستجاد من كتاب الارشاد: 492، نور الأبصار: 309.

(6) في الفصول المهمة: 244 ونور الأبصار: 309: حسبي الله.

(7) الارشاد: 316، كشف الغمة 2: 282، نور الأبصار: 325.

(8) في " ع، م ": عمر.

(9) تاريخ الأئمة: 33، الفصول المهمة: 244، نور الأبصار: 309.

(10) أضيف في بعض المصادر: الحسن وجعفر وإبراهيم والحسين وعائشة: انظر: تاريخ مواليد الأئمة:

193، كشف الغمة 2: 267، الفصول المهمة: 246.

الصفحة 360 

 

ذكر معجزاته (عليه السلام)

307 / 5 - وعنه، قال: حدثني أبو علي محمد بن زيد القمي، قال: حدثني محمد ابن منير، قال: حدثني محمد بن خلف الطوسي، قال: حدثني هرثمة بن أعين، قال:

دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، وقد ذكر أنه قد مات، ولم يصح، فدخلت أريد الإذن عليه.

وكان في بعض ثقات خدم المأمون خادم يقال له (صبيح الديلمي) وكان يتولى سيدنا الرضا علي بن موسى (عليه السلام) حق الولاء (1).

قال: وإذا أنا بصبيح قد خرج، فلما رآني قال لي: يا هرثمة، ألست تعلم أنني ثقة المأمون على سره وعلانيته؟ قال: قلت: بلى.

قال: اعلم يا هرثمة، أن المأمون دعاني وثلاثين غلاما من ثقاته على سره وعلانيته، في الثلث الأول من الليل، فدخلت وقد صار نهارا من الشموع وبين يديه سيوف مستلة مشحوذة مسمومة، فدعا بنا غلاما غلاما، فأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه، وليس بحضرته أحد من خلق الله غيرنا، فقال لنا: إن هذا (2) لازم لكم، أنكم تفعلون ما آمركم به، ولا تخلفوا عنه.

قال: فحلفنا له، فقال: يأخذ كل واحد منكم من الأسياف سيفا بيده، وامضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى في حجرته، فإن وجدتموه قائما، أو قاعدا، أو نائما، فلا تكلموه وضعوا أسيافكم هذه عليه، فرضوه رضا بها، حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه، ثم أدرجوا عليه بساطه، وامسحوا أسيافكم وصيروا إلي، فقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه عشرة آلاف درهم، وعشر ضياع منتخبة، والحظوة مني ما حييت وبقيت.

قال: فأخذنا الأسياف بأيدينا، ودخلنا عليه في حجرته، فوجدناه مضطجعا يقلب طرفه ويده، ويتكلم كلاما لا نعقله. قال: فبادرت الأسياف إليه، حتى فعل ذلك،

____________

(1) (حق الولاء) ليس في " ع ".

(2) في " ع ": فقال: هذا.

الصفحة 361 

ثم طووا عليه بساطه، ومسحوا أسيافهم، وخرجوا حتى دخلوا على المأمون، فقال: ما الذي صنعتم؟ فقالوا: ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين. وأنا أظن أنهم سيقولون إني ما ضربت معهم بسيفي، ولا أقدمت إليه.

قال: فقال: أيكم كان أسرع إليه بسيفه، قالوا: صبيح الديلمي، يا أمير المؤمنين. فجزاني خيرا. ثم قال: لا تعيدوا شيئا مما جرى فتبخسوا (1) حظكم مني، وتعجلوا الفناء، وتخسروا الآخرة والأولى.

قال: فلما كان انبلاج (2) الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه، مكشوف الرأس، محلول الأزرار، وأظهر الحزن، وقعد للتعزية، وقبل أن يصل إليه الناس قام حافيا فمشى إلى الدار، لينظر (3) إليه، وأنا بين يديه فلما دخل في حجرته سمع همهمة فارتعد، ثم قال: من عنده؟

فقلنا: لا علم لنا به يا أمير المؤمنين. قال: أسرعوا. قال صبيح: فأسرعنا إليه فإذا نحن بسيدي جالس في محرابه، مواصل تسبيحه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، هو ذا نرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح.

قال: فانتفض المأمون وارتعد، ثم قال: غدرتم، لعنكم الله. قال: ثم التفت إلي من بينهم فقال: يا صبيح، أنت تعرفه، فانظر من المصلي عنده. قال صبيح: فدخلت وولى المأمون راجعا، فلما صرت بعتبة الباب قال لي: يا صبيح! قلت: لبيك يا مولاي، وسقطت لوجهي.

فقال: قم رحمك الله، فارجع وقل له: * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) * (4) فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم، فقال لي: يا صبيح، ما وراءك؟

____________

(1) في " ع، م ": فتخيبوا.

(2) في " ع، م ": انسلاخ.

(3) في " ط ": وأنا أنظر.

(4) الصف 61: 8.

الصفحة 362 

فقلت: جالس في محرابه، وقد ناداني باسمي، وقال لي كيت وكيت.

قال: ثم شد أزراره، وأمر برد أثوابه، وقال: قولوا: إنه قد كان غشي عليه، وقد أفاق من غشيته.

قال هرثمة: فدخلت على سيدي الرضا (عليه السلام)، فلما رآني قال: يا هرثمة، لا تحدث بما حدثك به صبيح الديلمي إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا، ووالانا، فقلت:

نعم يا سيدي.

وقال لي: يا هرثمة، والله، لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله.(1)

308 / 6 - قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع إليه وإلى المأمون ولد العباس ليزيلوه عن ولاية العهد، ورأيته يكلم المأمون ويقول:

يا أخي، مالي إلى هذا من حاجة، ولست متخذ الظالمين عضدا. وإذا على كتفه الأيمن أسد، وعلى يساره أفعى، يحملان على كل من حوله.

فقال المأمون: أتلومونني على محبة هذا. ثم رأيته وقد أخرج من حائط رطبا فأطعمهم.(2)

309 / 7 - قال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في آخر أيامه فقلت: يا بن رسول الله، أريد أن أحدث عنك معجزة فأرنيها. فرأيته أخرج لنا ماء من صخرة فسقانا وشربت.(3)

310 / 8 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: قال عمارة بن زيد، رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فكلمته في رجل أن يصله بشئ، فأعطاني مخلاة (4) تبن، فاستحييت أن أراجعه، فلما وصلت باب الرجل فتحتها فإذا كلها دنانير،

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 22، مدينة المعاجز: 482 / 54.

(2) نوادر المعجزات: 166 / 1.

(3) نوادر المعجزات: 166 / 2.

(4) المخلاة: ما يوضع فيه العلف للدابة.

الصفحة 363 

فاستغنى الرجل وعقبه. فلما كان من غد أتيته فقلت: يا بن رسول الله، إن ذلك التبن تحول ذهبا (1)! فقال: لهذا دفعناه إليك.(2)

311 / 9 - قال أبو جعفر: حدثنا علي بن قنطر (3) الموصلي، قال: حدثنا سعد بن سلام، قال: أتيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد حاس (4) الناس فيه وقالوا: لا يصلح للإمامة، فإن أباه لم يوص إليه. فقعد منا عشرة رجال فكلموه، فسمعت الجماد الذي من تحته يقول: هو إمامي وإمام كل شئ، وإنه دخل المسجد الذي في المدينة - يعني مدينة أبي جعفر المنصور - فرأيت الحيطان والخشب تكلمه وتسلم عليه.(5)

312 / 10 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) على منبر العراق في مدينة المنصور، والمنبر يكلمه. فقلت له: وهل كان معك أحد يسمع؟

فقال عمارة: وساكن السماوات، لقد كان معي من دونه من حشمه يسمعون ذلك.(6)

313 / 11 - قال أبو جعفر: حدثنا معلى بن الفرج، قال: أخبرنا معبد بن جنيد (7) الشامي، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له: قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك، فلو شئت أنبأتني بشئ أحدثه عنك.

فقال: وما تشاء؟

فقلت: تحيي لي أبي وأمي.

فقال: انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما. فانصرفت والله وهما في البيت أحياء، فأقاما عندي عشرة أيام، ثم قبضهما الله (تبارك وتعالى).(8)

____________

(1) في " ط ": دنانير.

(2) نوادر المعجزات: 166 / 3.

(3) في " ط ": قنطرة.

(4) حاس الناس فيه: أي بالغوا في النكاية فيه، وفي " ط ": جاش.

(5) نوادر المعجزات: 167 / 4.

(6) نوادر المعجزات: 167 / 5.

(7) في " ع ": حنيذ.

(8) نوادر المعجزات: 168 / 6، فرج المهموم: 231.

الصفحة 364 

314 / 12 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد، قال: حدثنا إبراهيم بن سهل، قال: لقيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو على حماره، فقلت له:

من أركبك هذا، وتزعم أكثر شيعتك أن أباك لم يوصك ولم يقعدك هذ المقعد، وادعيت لنفسك ما لم يكن لك.

فقال لي: وما دلالة الإمام عندك؟

قلت: أن يكلم بما (1) وراء البيت، وأن يحيي ويميت.

فقال: أنا أفعل، أما الذي معك فخمسة دنانير، وأما أهلك فإنها ماتت منذ سنة وقد أحييتها الساعة وأتركها معك سنة أخرى، ثم أقبضها إلي لتعلم أني إمام بلا خلاف. فوقعت علي الرعدة فقال: أخرج (2) روعك فإنك آمن.

ثم انطلقت إلى منزلي، فإذا بأهلي جالسة، فقلت لها: ما الذي جاء بك؟ فقالت:

كنت نائمة إذ أتاني آت، ضخم، شديد السمرة - فوصفت لي صفة الرضا (عليه السلام) - فقال لي: يا هذه، قومي وارجعي إلى زوجك، فإنك ترزقين بعد الموت ولدا. فرزقت والله (3).

315 / 13 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال:

صحبت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى مكة ومعي غلام لي، فاعتل في الطريق، فاشتهى العنب ونحن في مفازة. فوجه إلي الرضا (عليه السلام)، فقال: إن غلامك اشتهى العنب. فنظرت وإذا أنا بكرم لم أر أحسن منه، وأشجار رمان، فقطعت عنبا ورمانا وأتيت به الغلام، فتزودنا منه إلى مكة، ورجعت منه إلى بغداد، فحدثت الليث بن سعد وإبراهيم ابن سعد الجوهري، فأتيا الرضا (عليه السلام) فأخبراه فقال لهما الرضا (عليه السلام): وما هي ببعيد منكما، ها هو ذا. فإذا هم ببستان فيه من كل نوع فأكلنا وادخرنا.(4)

316 / 14 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال: أخبرنا (5) أبو

____________

(1) في " ط ": ما.

(2) في " ع ": أفرج.

(3) نوادر المعجزات: 168 / 7.

(4) نوادر المعجزات: 169 / 8، مدينة المعاجز: 475 / 17.

(5) في " ع ": أخبرني.

الصفحة 365 

جعفر محمد بن الوليد، عن أبي محمد، قال: قدم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فكتبت إليه أسأله الإذن لي في الخروج إلى مصر، وكنت أتجر إليها. فكتب إلي: أقم ما شاء الله.

فأقمت سنتين.

ثم قدمت الثالثة، فكتبت إليه أستأذنه، فكتب إلي: اخرج مباركا لك صنع الله لك. ووقع الهرج ببغداد: فسلمت من تلك الفتنة.(1)

317 / 15 - وبإسناده عن محمد بن الوليد، عن أبي محمد الكوفي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: فأقبل يحدثني ويسائلني، إذ قال:

يا أبا محمد، ما ابتلى الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها، إلا كان له مثل أجر ألف شهيد.

قال: ولم يكن ذلك في ذكر شئ من العلل، فأنكرت ذلك من قوله أن حدثني بالوجع في غير موضعه! قال: فسلمت عليه وودعته، ثم خرجت من عنده، فلحقت أصحابي وقد رحلوا (2)، فاشتكيت رجلي من ليلتي. قال: فقلت: هذا لما تعبت، فلما كان من الغد تورمت.

قال: ثم أصبحت وقد اشتد الورم، وضرب (3) علي في الليل، فذكرت قوله: فلما وصلت إلى المدينة جرى منه القيح، وصار جرحا عظيما، لا أنام ولا أقيم (4)، فعلمت أنه حدثني لهذا المعنى.

فبقي بضعة عشر شهرا صاحب فراش، ثم أفاق، ثم نكس منها فمات.(5)

318 / 16 - وأخبرني أبو الحسين، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، قال:

حدثنا محمد بن محمد بن مسعود الربعي السمرقندي، قال: حدثني عبد (6) الله بن الحسن، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: وجه إلي أبو الحسن علي بن موسى

____________

(1) مدينة المعاجز: 475 / 18.

(2) في " ع، م ": دخلوا.

(3) في " ع، م ": وضرت.

(4) في " ط، ع ": ولا أنيم.

(5) الهداية الكبرى: 286، الخرائج والجرائح 1: 360 / 14.

(6) في " ع ": عبيد.

الصفحة 366 

الرضا (عليه السلام) ونحن بخراسان ذات يوم بعد صلاة العصر، فلما دخلت إليه قال لي:

يا حسن، توفي علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم، وادخل قبره في هذه الساعة، فأتياه ملكا القبر، فقالا له: من ربك؟

فقال: الله ربي.

قالا: فمن نبيك؟ قال: محمد.

قالا: فما دينك؟ قال: الاسلام.

قالا: ما كتابك؟ قال: القرآن.

قالا: فمن وليك؟ قال: علي.

قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسن.

قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسين.

قالا: ثم من؟ قال: ثم علي بن الحسين.

قالا: ثم من؟ قال: ثم محمد بن علي.

قالا: ثم من؟ قال: ثم جعفر بن محمد.

قالا: ثم من؟ قال: ثم موسى بن جعفر.

قالا: ثم من؟ فتلجلج لسانه (1)، فأعادا عليه، فسكت، قالا له: أفموسى بن جعفر أمرك بهذا؟! ثم ضرباه بإرزبة (2)، فألقياه على قبره، فهو يلتهب إلى يوم القيامة.

قال الحسن بن علي: فلما خرجت كتبت اليوم ومنزلته في (3) الشهر، فما مضت الأيام حتى وردت علينا كتب الكوفيين، بأن علي بن أبي حمزة توفي في ذلك اليوم، وادخل قبره في الساعة التي قال أبو الحسن (عليه السلام).(4)

319 / 17 - وبإسناده عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثنا أحمد بن هليل،

____________

(1) (لسانه) ليس في " ع ".

(2) الإرزبة: عصية من حديد " لسان العرب - رزب - 1: 416 ".

(3) في " ع ": من.

(4) نوادر المعجزات: 170 / 9، مدينة المعاجز: 478 / 30.

الصفحة 367 

قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن أبي حاتم حميد بن سليمان، قال:

كنا عند الرضا (عليه السلام) مجتمعين، وكانت له جارية يقال لها (رابعة) فقال لنا (1) يوما:

إن طيرا جاءني، فوقع عندي، أصفر المنقار، ذلق اللسان، فكلمني بلسان فقال لي: أن جاريتك هذه تموت قبلك. فماتت الجارية.

وقال لي الغابر: إذا دخلت سنة ستين حدثت أمور عظام، أسأل الله كفايتها، واختلاف الموالي شديد، ثم يجمعهم الله في سنة إحدى وستين.

وكان يقول: فإذا كان كذا وكذا ينبغي للرجل يحفظ دينه ونفسه.

فقلت له: يكون لي ولد؟ فأخذ شيئا من الأرض، فصوره ووضعه على فخذي، وقال: هذا ولدك.(2)

320 / 18 - وبإسناده عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن يسار، قال: قال لي الرضا (عليه السلام) في ذلك الوقت: عبد الله يقتل محمدا.

قلت له: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟ قال: نعم.

قلت: عبد الله بن هارون الذي بخراسان صاحب طاهر وهرثمة، يقتل محمد ابن زبيدة الذي ببغداد؟

قال: نعم. فقتله.(3)

321 / 19 - وبإسناده عن الحميري، عن أبي حبيب النباجي (4) أنه قال: رأيت في منامي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد دخل قريتي، في مسجد النباج، فجلس وأتي بأطباق فيها تمر، فدخلت إليه فقبض قبضة من ذلك التمر فدفعه إلي، فعددته فكان

____________

(1) في " م، ط ": أربعة فقال لها.

(2) مدينة المعاجز: 478 / 31.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 12.

(4) في " ع ": الساجي، وفي " م ": الساحي، وكلاهما تصحيف، والنباجي نسبة إلى النباج، قرية قرب البصرة، أنساب السمعاني 5: 453، معجم البلدان 5: 255.

الصفحة 368 

ثماني عشرة تمرة، فقلت: إني أعيش ثماني عشرة سنة.

فبينا أنا في أرضي إذ قيل لي: قد قدم الرضا (عليه السلام) من المدينة، ورأيت الناس يسعون (1) إليه، فصرت إليه، فإذا هو في المسجد، وبين يديه أطباق فيها تمر، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم تناول قبضة من ذلك التمر، فدفعه إلي، فعددته فكان ثماني عشرة تمرة.

فقلت: زدني يا بن رسول الله.

فقال: لو زادك رسول الله شيئا لزدتك.(2)

322 / 20 - وبإسناده عن الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن يسار الواسطي، قال: سألني الحسين بن قياما (3) الصيرفي أن أستأذن له على الرضا (عليه السلام) ففعلت، فلما صار بين يديه قال له: أنت إمام؟ قال: نعم.

قال: فإني أشهد الله أنك لست بإمام.

قال له: وما علمك؟

قال: لأني رويت عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " الإمام لا يكون عقيما " وقد بلغت هذا السن وليس لك ولد. فرفع الرضا (عليه السلام) رأسه إلى السماء ثم قال:

اللهم إني أشهدك أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى أرزق ولدا يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. فعددنا الوقت، فكان بينه وبين ولادة أبي جعفر شهور.(4)

323 / 21 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله الموصلي، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن حمزة الهاشمي، عن

____________

(1) في " ع ": مشيعون.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 15، كشف الغمة 2: 313.

(3) في النسخ: قيام، تصحيف صحيحه ما أثبتناه، وهو من رؤساء الواقفة، كما وصف في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، وانظر: رجال الطوسي: 348 / 27، معجم رجال الحديث 6: 65.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، نوادر المعجزات: 172 / 11، إعلام الورى: 323، حلية الأبرار 2: 432.

الصفحة 369 

إبراهيم بن موسى، قال: ألححت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في شئ طلبته لحاجتي إليه، فكان يعدني.

فخرج ذات يوم يستقبل (1) والي المدينة، وكنت معه، فجاء فنزل تحت شجرة، ونزلت معه، ليس معنا ثالث، قلت: جعلت فداك، العيد قد أظلنا، ولا والله ما أملك درهما فما سواه.

قال: فحك بسوط دابته الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب من موضع الحك، فقال: خذها وانتفع بها، واكتم ما رأيت علي.(2)

324 / 22 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (3)، عن محمد بن عبد الله، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فأصابني عطش شديد، فكرهت أن أستسقي في مجلسه، فدعا بماء، فأتاه فقال: يا محمد، اشرب فإنه بارد. فشربت.(4)

325 / 23 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن محمد بن الأشعري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: استقبلت الرضا (عليه السلام) إلى القادسية، فسلمت عليه، فقال: اكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى الخارج، فإنه أستر عليك. وبعث إلي بمنديل فيه دنانير صالحة ومصحف، وكان يأتيني رسوله في حوائجه، فأشتري له.

وقعدت يوما وفتحت المصحف لأقرأ فيه، فنظرت في سورة * (لم يكن) * (5) فوجدتها أضعاف ما في أيدي الناس، فأخذت الدواة والقرطاس لأكتبها، فأتاني مسافر

____________

(1) في " ع، م ": استقبل.

(2) بصائر الدرجات: 394 / 2، الكافي 1: 408 / 6، الارشاد: 309، الاختصاص: 270، روضة الواعظين:

222، إعلام الورى: 326، مناقب ابن شهرآشوب 4: 344، كشف الغمة 2: 274، الصراط المستقيم 2: 194 / 1.

(3) زاد في العيون: قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد ابن الحسن بن علان. ومثله في البصائر، وهو الصواب.

(4) بصائر الدرجات: 259 / 16، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 204 / 3.

(5) المراد سورة البينة.

 

 

الصفحة 370 

قبل أن أكتب منه شيئا، معه منديل وخاتم، فقال: يأمرك أن تضع المصحف فيه، وتختمه بهذا الخاتم، وتبعث به إليه. ففعلت ذلك.(1)

326 / 24 - وروى أبو حامد السندي بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله دعاء، فدعا لي، وقال: لا تؤخر صلاة العصر، ولا تحبس الزكاة.

قال أبو حامد: وما كتبت إليه بشئ من هذا، ولم يطلع عليه أحد إلا الله.

قال أبو حامد: وكنت أصلي العصر في آخر وقتها، وكنت أدفع الزكاة بتأخير الدارهم من أقل وأكثر، بعد ما تحل، فابتدأني بهذا.(2)

327 / 25 - وروى الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل، قال دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألته عن أشياء، وأردت أن أسأله عن السلاح، فأغفلته، فخرجت من عنده ودخلت إلى منزل الحسن بن بشير، فإذا غلامه ورقعته:

" بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي، ووارثه، وعندي ما كان عنده (عليه السلام) ".(3)

328 / 26 - وروى عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن أحمد بن عمر، قال: سمعته يقول - يعني أبا الحسن الرضا (عليه السلام) -: إني طلقت أم فروة بنت إسحاق بعد موت أبي بيوم.

قلت: جعلت فداك، طلقتها وقد علمت بموت أبي الحسن موسى (عليه السلام)؟!

قال: نعم.(4)

329 / 27 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن معمر بن خلاد، قال:

سألني ريان بن الصلت أن أستأذن له على أبي الحسن (عليه السلام) بخراسان حين أراد

____________

(1) بصائر الدرجات: 266 / 8.

(2) مدينة المعاجز: 479 / 36.

(3) بصائر الدرجات: 272 / 5، الخرائج والجرائح 2: 663 / 6، الصراط المستقيم 2: 198 / 21.

(4) بصائر الدرجات: 487 / 4، الكافي 1: 312 / 3، مدينة المعاجز: 512 / 153.

الصفحة 371 

أن يخرج إلى نعيم بن حازم، لما ألت (1) على الخليفة، إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأن أسأله أن يكسوه قميصا يكون في أكفانه إن حدث به حدث، ويهب له (2) من الدراهم التي ضربت باسمه.

فلما صرت إلى المنزل جاءني رسول أبي الحسن (عليه السلام)، فلما أتيته قال لي: أين كنت؟ قلت: كنت عند ريان.

فقال: متى يخرج؟

فقلت له: زعم أن ذا الرئاستين أمره بأن يخرج غدا مع زوال الشمس.

فقال أبو الحسن: اشتهى أن يلقاني؟

قلت: نعم، جعلت فداك.

قال: اشتهى أن أكسوه؟ فسبحت، فقال: مالك تسبح؟

فقلت: جعلت فداك، ما كنا إلا في هذا!

فقال: يا معمر، إن المؤمن موفق إن شاء الله، قل له يأتيني الليلة.

فلما خرجت أتيته فوعدته حتى يلقاه بالليل، فلما دخل عليه جلس قدامه، وتنحيت أنا ناحية، فدعاني فأجلسني معه، ثم أقبل على ريان بوجهه، فدعا له بقميص.

فلما أراد أن يخرج وضع في يده شيئا، فلما خرج نظرت فإذا ثلاثون درهما من دراهمه، فاجتمع له جميع ما أراد من غير طلبه.(3)

330 / 28 - وبإسناده عن أبي جعفر بن الوليد، عن علي بن حديد، عن مرازم، قال: أرسلني أبو الحسن الأول (عليه السلام) وأمرني بأشياء، فأتيت المكان الذي بعثني إليه، فإذا أبو الحسن الرضا (عليه السلام). قال: فقال لي: فيم قدمت؟

قال: فكبر علي أن لا أخبره حين سألني، لمعرفتي بحاله عند أبيه (عليه السلام)، ثم قلت له: ما أمرني أن أخبره، وأنا مردد ذلك في نفسي.

____________

(1) ألت عليه: قصده، أو حط من قدره.

(2) في " ع، م ": لي.

(3) نحوه في قرب الإسناد: 148، ورجال الكشي: 546 / 1035، و 1036، كشف الغمة 2: 299.

الصفحة 372 

فقال: قدمت يا مرازم، في كذا وكذا. قال: فقص ما قدمت له.(1)

331 / 29 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، قال:

حدثني أبي، عن الحسن بن علي الحراني، عن محمد بن حمران، عن داود بن كثير الرقي أنه سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إن يحيى بن خالد، صاحب أبي، أطعمه ثلاثين رطبة منزوعة الاقماع، مصبوب فيها السم.

قال: فقلت: جعلت فداك، إن كان يحيى بن خالد صاحبه، فأنا أشتري نفسي لله، فأتولى قتله، فإني أرجو الظفر به.

فقال لي: لا تتعرض له، فإن الذي ينزل به وبولده من صاحبه شر مما تريد أن تصنعه به.

وأخبرت أبا الحسن (عليه السلام) بكلام داود، فقال لي: صدق داود عني، فقد رأيت ما صنع بالظالم وانتصر منه.

وقال: كلما يبلغك عن شرطة الخميس، وما يحكى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الأعاجيب، فقد والله أرانيه أبو الحسن - يعني الرضا (عليه السلام) - ولكني أمرت أن لا أحكيه، ولو حكيته لأحد لأخبرتك به.(2)

332 / 30 - وبإسناده عن داود الرقي، قال: لأبي الحسن (عليه السلام) في السنة التي مات فيها هارون أنه قد دخل في الأربع والعشرين، وأخاف أن يطول عمره، فقال: كلا والله، إن أيادي الله عندي وعند آبائي قديمة، لن يبلغ الأربع والعشرين سنة.(3)

333 / 31 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي جعفر ابن الوليد، عن أبي محمد محمد بن أبي نصر (4)، قال: حدثني مسافر قال: أمر أبو

____________

(1) مدينة المعاجز: 487 / 80.

(2) مدينة المعاجز: 487 / 81.

(3) مدينة المعاجز: 488 / 86.

(4) في إثبات الوصية: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، ولعل ما في المتن هو محمد بن أبي نصر الذي عده البرقي في رجاله: 57 من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام).

الصفحة 373 

إبراهيم أبا الحسن (عليهما السلام) حين حمل إلى العراق أن ينام على بابه في كل ليلة، فكنا في كل ليلة نفرش له في الدهليز، ثم يأتي بعد العشاء الآخرة، فينام، فإذا أصبح أنصرف إلى منزله، وكنا ربما خبأنا الشئ مما يؤكل فيجئ حتى يخرجه، ويعلمنا أنه قد علم به.

فمكث على هذه الحال نحو أربع سنين، وأبو إبراهيم (عليه السلام) مقيم في يد السلطان ذاهبا جائيا في حال رفاهة وإكرام، وكان الرشيد يرجع إليه في المسائل، فيجيبه عنها.

ثم كان من البرامكة ما كان في السعي على دمه، والاغراء به، حتى حبسه في يد السندي بن شاهك، وأمره الرشيد بقتله في السم.

فلما كان في ليلة من الليالي وقد فرشنا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) على عادته أبطأ عنا، فلم يأت كما كان يأتي، فاستوحش العيال وذعروا، وداخلنا من إبطائه أمر عظيم.

فلما أصبحنا أتى الدار، ودخل قاصدا إليها من غير إذن، ثم أتى أم حميد (1) فقال لها: هات الذي أودعك أبي (عليه السلام). وسماه لها، فصرخت ولطمت، وشقت ثيابها، وقالت: مات، والله، سيدي. فكفها، وقال لها: لا تكلمي بهذا، ولا تظهريه (2) حتى يجئ الخبر إلى والي المدينة.

 

فأخرجت إليه سفطا فيه تلك الوديعة والمال، وهو ستة آلاف دينار، وسلمته إليه، وكتمت الأمر، فورد الخبر إلى المدينة، فنظر فيه، فوجد قد توفي في الوقت، صلى الله عليه (3).

334 / 32 - وروى محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، قال: لما كان في السنة التي بطش فيها هارون بجعفر بن يحيى، وحبس يحيى

____________

(1) في " ط ": أم حميدة، وفي المصادر: أم أحمد.

(2) في " ع، م ": ولا تظهروه.

(3) الكافي 1: 312 / 6، إثبات الوصية: 168، الخرائج والجرائح 1: 371 / 29.

الصفحة 374 

ابن خالد، ونزل بالبرامكة ما نزل، كان الرضا (عليه السلام) واقفا بعرفة يدعو، ثم طأطأ رأسه حتى كادت جبهته تصيب قادمة الرحل، ثم رفع رأسه فسئل عن ذلك، فقال:

إني كنت أدعو على هؤلاء القوم - يعني البرامكة - منذ فعلوا بأبي ما فعلوا، فاستجاب الله لي اليوم فيهم.

فلما انصرفنا لم نلبث إلا أياما حتى بطش بجعفر، وحبس يحيى، وتغيرت حالاتهم.(1)

335 / 33 - وروى محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي يعقوب، عن موسى بن مهران، قال: رأيت الرضا (عليه السلام)، ونظر إلى هرثمة بالمدينة، فقال: كأني به وقد حمل إلى مرو فضربت عنقه. فكان كما قال.(2)

336 / 34 - قال: وكتب إليه موسى بن مهران يسأله أن يدعو لابن له عليل، فكتب إليه: " وهب الله لك ولدا صالحا " فمات ابنه وولد له ابن آخر.(3)

337 / 35 - وروى الحسن بن علي الوشاء، المعروف بابن بنت إلياس، قال:

شخصت إلى خراسان ومعي حلة وشي وحبرة (4)، فوردت مرو ليلا، وكنت أقول بالوقف، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: سيدي يقول لك: وجه إلي بالحبرة التي معك، لأكفن بها مولى لنا توفي.

فقلت: ومن سيدك؟

فقال: علي بن موسى.

فقلت: ما بقي معي حبرة، ولا حلة إلا وقد بعتها في الطريق فعاد إلي فقال:

بلى، قد بقيت الحبرة قبلك. فحلفت له أني لا أعلمها معي. فمضى وعاد الثلاثة، فقال:

هي في عرض السفط الفلاني.

____________

(1) عيون المعجزات: 108 (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 14، مناقب ابن شهرآشوب 4: 335، كشف الغمة 2: 304.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 38.

(4) الحبرة والحبرة: ضرب من برود اليمن منمر " لسان العرب - حبر - 4: 159 ".

الصفحة 375 

فقلت في نفسي: إن صح هذا، فهي دلالة. وكانت ابنتي دفعت إلي الحبرة وقالت: بعها وابتع بثمنها فيروزجا وشيحا (1) من خراسان: فقلت لغلامي: هات السفط، فلما أخرجه وجدتها في عرضه، فدفعتها إليه، وقلت: لا آخذ لها ثمنا.

فقال: هذه دفعتها إليك ابنتك فلانة، وسألتك أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا وشيحا، فابتع لها بهذا.

فعجبت مما ورد علي، وقلت: والله، لأكتبن له مسائل أسأله فيها، ولأمتحننه في مسائل كنت أسأل أباه عنها، فأثبت ذلك في درج وغدوت إلى بابه، والدرج في كمي، ومعي صديق لي لا يعلم شرح هذا الأمر.

فلما صرت إلى بابه رأيت القواد والعرب والجند والموالي يدخلون إليه، فجلست ناحية وقلت في نفسي: متى أصل أنا إلى هذا؟ فأنا أفكر في ذلك إذ خرج خارج يتصفح الوجوه، ويقول: أين ابن بنت إلياس؟

فقلت: ها أنا ذا. وأخرج من كمه درجا، وقال: هذا تفسير مسائلك. ففتحته فإذا فيه تفسير ما معي (2) في كمي، فقلت: أشهد الله ورسوله أنك حجة الله، وقمت، فقال لي رفيقي: إلى أين أسرعت؟ فقلت: قضيت حاجتي.(3)

338 / 36 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين، المعروف بابن أبي القاسم، قال: حدثني أبي، عن بعض رجاله، عن الهيثم بن واقد، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) بخراسان، وكان العباس يحجبه، فدعاني وإذا عنده شيخ أعور يسأله، فخرج الشيخ، فقال لي رد علي الشيخ.

فخرجت إلى الحاجب فسألته، فقال: لم يخرج علي أحد.

فقال الرضا (عليه السلام): أتعرف الشيخ؟ فقلت: لا.

____________

(1) الشيح: ضرب من برود اليمن مخطط، ونبات سهلي له رائحة طيبة " لسان العرب - شيح - 2: 501 و 502 ".

في " م، ط ": مسائلي.

(3) عيون المعجزات: 108، وقطعة منه في إعلام الورى: 321، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 341.

الصفحة 376 

فقال: هذا رجل من الجن، سألني عن مسائل، وكان فيما سألني عنه مولودان ولدا في بطن ملتزقين، مات أحدهما، كيف يصنع به؟ قلت: ينشر الميت عن الحي.(1)

339 / 37 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا أحمد، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن محمد بن صدقة، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال: لقيت رسول الله، وعليا، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد، وجعفر، وأبي (صلى الله عليهم أجمعين) في ليلتي هذه، وهم يحدثون الله (عز وجل)، فقلت: الله!

قال: فأدناني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقعدني بين أمير المؤمنين وبينه، فقال لي:

كأني بالذرية من أزل (2) قد أصاب لأهل السماء ولأهل الأرض، بخ بخ لمن عرفوه حق معرفته، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، العارف به خير من كل ملك مقرب، وكل نبي مرسل، وهم، والله، يشاركون الرسل في درجاتهم.

ثم قال لي: يا محمد، بخ بخ، لمن عرف محمدا وعليا، والويل لمن ضل عنهم، وكفى بجهنم سعيرا.(3)

340 / 38 - وحدثني أبو الحسن علي بن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن الرائقة الموصلي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم (رضي الله عنه)، قال:

حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، قال:

لما جعل المأمون أبي ولي عهده حبست السماء قطرها في ذلك العام، فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبون على علي الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا لما جاءنا من علي ابن موسى، صار ولي عهدنا، فحبس عنا المطر. واتصل الخبر بالمأمون، فاشتد ذلك

____________

(1) مدينة المعاجز: 492 / 101.

(2) في النوادر: أول.

(3) نوادر المعجزات: 171 / 10.

الصفحة 377 

عليه، وعظم، فقال للرضا (عليه السلام): قد احتبس المطر عنا، فلو دعوت الله (عز وجل) أن يمطر الناس.

فقال الرضا (عليه السلام): نعم، أنا أفعل ذلك.

قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة.

فقال الرضا (عليه السلام): يوم الاثنين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: يا بني، انتظر إلى يوم الاثنين، وأخرج إلى الصحراء واستسقي فإن الله (عز وجل) سيسقيهم، وأخبرهم بما يريد الله مما لا يعلمون حاله (1)، ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك (عز وجل).

فلما كان يوم الاثنين غدا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد الرضا (عليه السلام) المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:

يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت، فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا عاما، غير رائث (2) ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم.

قال: فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم، وأرعدت وأبرقت، فتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر، فقال الرضا (عليه السلام): على رسلكم يا أيها الناس، فليس هذا الغيم لكم، إنما هو لأهل بلد كذا وكذا. فمضت السحابة وعبرت.

ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق، فتحركوا للانصراف، فقال (عليه السلام): على رسلكم، فما هذه لكم، وإنما هي لأهل بلد كذا وكذا. فما زال حتى جاءت عشر سحابات وعبرت، فكل يقول الرضا (عليه السلام): على رسلكم، ليست هذه لكم، إنما هي لأهل بلد كذا وكذا.

____________

(1) في عيون الأخبار: بما يريك الله مما لا يعلمون من حالهم.

(2) أي غير بطئ متأخر. " النهاية 2: 287 ".

الصفحة 378 

ثم أقبلت السحابة الحادية عشرة، فقال: أيها الناس، هذه بعثها الله لكم، واشكروا الله على فضله عليكم، وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم، فإنها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله (جل جلاله).

ونزل عن المنبر وانصرف الناس.

فما زالت السحابة متماسكة إلى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامة الله (عز وجل) (1).

ثم برز إليهم الرضا (عليه السلام)، وحضرت الجماعات الكثيرة منهم، فقال (عليه السلام):

اتقوا الله في نعمكم التي أنعم الله بها عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته، واشكروه على أياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله (تعالى) بشئ بعد الإيمان به والاعتراف بحقوق أوليائه من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله (تعالى)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولا ما ينبغي لعاقل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله، وعمل عليه.

قيل: يا رسول الله، هلك فلان، يفعل من الذنوب كيت وكيت.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله عنه السيئات، ويبدلها حسنات. وقال: فإنه كان مارا في طريق وعبر بمؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة، فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب، ولا ناقشك في الحساب. فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير، بدعاء ذلك المؤمن (2).

____________

(1) في " ع، م ": وكرامة لقوله.

(2) في " ع، م ": اليوم.

الصفحة 379 

فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) به، فتاب وأناب، وأقبل إلى طاعة الله (عز وجل)، ولم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة، فوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثرهم جماعة ذلك أحدهم فاستشهد فيهم.

قال الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام): وعظم الله (تعالى) البركة في البلاد (1) بدعاء الرضا (عليه السلام)، وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده دون الرضا (عليه السلام)، وحساد كانوا بحضرة المأمون للرضا (عليه السلام) (2)، فقال للمأمون بعض أولئك: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تكون تاريخ (3) الخلفاء في إخراجك هذا الأمر الشريف والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي، لقد أعنت على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، وقد كان خاملا فأظهرته، ومتضعا فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفيا فنوهت به، قد ملا الدنيا مخرقة (4) وتشوفا (5) بهذا المطر الوارد عند دعائه، ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر من ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه ومملكته مثل جنايتك؟!

فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستترا عنا، يدعو الناس إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه إلينا، وليعرف أن الملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المعتقدون أنه ليس مما ادعى لنفسه في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشق (6) علينا منه ما لا نقدر على سده، وأن يأتي علينا ما لا طاقة لنا به، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا من أمره بما قد أخطأنا،

____________

(1) (في البلاد) ليس في " ع، م ".

(2) في " ع، م ": وحيث إذ كلفوا بحضرة المأمون الرضا (عليه السلام).

(3) في " ع، م ": نازع. وفي البحار 49: 185 قوله: أن تكون تاريخ الخلفاء، كناية عن عظم تلك الواقعة وفظاعتها بزعمه، فإن الناس يؤرخون الأمور بالوقائع والدواهي.

(4) المخرقة: الشعبذة، وفي " ط ": مخرقة.

(5) في " ط ": تشوقا، وكلاهما بمعنى أي ملأ الدنيا تطلعا إليه.

(6) في " ع، م ": ينبش.

الصفحة 380 

وأشرفنا على الهلاك بالتنويه على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج إلى أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه.

قال الرجل: يا أمير المؤمنين، فولني مجادلته، فإني أفحمه وأضع من قدره، فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته، وبينت للناس قصوره عما رسخ له في قلوبهم.

قال المأمون: ما (1) شئ أحب إلي من ذلك.

قال: فاجمع وجوه أهل مملكتك من القواد، والخاصة، والقضاة، والفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون تأخيره عن محله الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس له واسع، وقعد فيه لهم، وأقعد الرضا بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا، وقال له: إن الناس قد أكثروا الحكايات وأسرفوا في وصفك، فما أرى أنك إن وقفت عليه إلا وبرئت منه إليهم، وأول ذلك أنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه، فجاء، فجعلوه آية معجزة لك، أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله ملكه وبقاءه - لا يوازن بأحد إلا رجح، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، فليس من حقه عليك أن تسوغ للكذابين لك فيما يدعونه.

قال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله أن يتحدثوا بنعم الله (عز وجل)، وإن كنت لا أبغي بذلك بطرا ولا أشرا، وأما ذكرك أن صاحبك أحلني هذا المحل، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام)، وكانت حالهما ما قد عرفت.

فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يا بن موسى، لقد عدوت طورك، وتجاوزت قدرك أن بعث الله مطرا مقدرا وقته، لا يتقدم الساعة ولا يتأخر، جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي فرقها على الجبال فأتينه سعيا، وتركبن على الرؤوس،

____________

(1) في " م، ط " زيادة: من.

الصفحة 381 

وخفقت طائرة بإذن الله (عز وجل)، فإن كنت صادقا فيما توهم، فأحيي هاتين (1) الصورتين وسلطهما علي، فإن ذلك يكون حينئذ آية ومعجزة، وأما المطر المعتاد فلست بأحق أن يكون جاء بدعائك دون دعاء غيرك من الذين دعوا كما دعوت.

وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه، وكانا متقابلين على المسند، فغضب علي بن موسى (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر، فافترساه، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين، فتناولا الحاجب ورضضاه وهشماه، وأكلاه ولحسا دمه، والقوم متحيرون ينظرون. فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام)، وقالا: يا ولي الله في أرضه، ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا، أنفعل به ما فعلناه بصاحبه؟ وأشارا بالقول إلى المأمون، فغشي عليه مما سمع منهما، فقال الرضا (عليه السلام) لأصحاب المأمون وحاشيته: أفيضوا عليه ماء الورد والطيب. ففعلوا به ذلك، فأفاق من غشيته، وعاد الأسدان يقولان: إئذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه.

قال: لا، فإن لله (عز وجل) فيه تدبيرا هو ممضيه.

قال الأسدان: فما تأمرنا؟

قال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانا.

فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد به مهران - يعني بذلك الرجل المفترس -.

ثم قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، هذا الأمر لجدكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لكم، ولو شئت لنزلت لك عنه.

فقال الرضا (عليه السلام): لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك، فإن الله (عز وجل) أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين، إلا جهال بني آدم، فإنهم وإن خسروا حظوظهم، فلله (عز وجل) فيهم تدبير، وقد أمرني ربي بترك الاعتراض

____________

(1) في " ع، م ": هذين.

الصفحة 382 

عليك، وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف الصديق (عليه السلام) بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

وأدبر المأمون ضئيلا في نفسه، إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (1) ما قضى.(2)

والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله.

____________

(1) في " ع، م ": إلى أن قضى به.

(2) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 167 / 1، مناقب ابن شهرآشوب 4: 370، الثاقب في المناقب: 467 / 394 و: 469 / 395، فرائد السمطين 2: 212 / 490، الصراط المستقيم 2: 197 / 17.