الباب في زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) من طريق الخاصة

وفيه ثلاثون حديثا

الأول: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن حماد عن حميد وجابر العبدي قالا: قال أمير المؤمنين: " إن الله جعلني إماما لخلقه، ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري، ولا يطغي الغني غناه "(1).

الثاني: ابن يعقوب هذا عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على عاصم بن زياد حين لبس العباءة وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك فقال أمير المؤمنين: " علي بعاصم بن زياد " فجئ به، فلما رآه عبس في وجهه فقال له: " أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على الله من ذلك أوليس الله يقول: *(والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام)*(2)، أوليس يقول: *(مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)*(3) إلى قوله: *(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)*(4) فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال عز وجل: *(وأما بنعمة ربك فحدث)*(5) ".

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟

____________

(1) الكافي: 1 / 410، ح 1.

(2) الرحمن: 10 - 11.

(3) الرحمن: 19 - 20.

(4) الرحمن: 22.

(5) الضحى: 11.

الصفحة 6      

فقال: " ويحك إن الله عز وجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ(1) بالفقير فقره " فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء(2)(3).

الثالث: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن محمد ابن يحيى الخزاز عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله وقال له رجل: أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن ويلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد فقال له: " إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت (عليه السلام) إذا قام لبس ثياب علي وسار بسيرة علي "(4).

الرابع: ابن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن أحمد بن عايذ عن أبي خديجة عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن عليا (عليه السلام) كان عندكم فأتى بني ديوان فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، والإزار إلى نصف الساق، والرداء من بين يديه إلى ثدييه ومن خلفه إلى أليتيه، ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه "

قال أبو عبد الله (عليه السلام): " ولكن لا تقدروا أن تلبسوا هذا اليوم، ولو فعلناه لقالوا: مجنون ولقالوا: مراء والله تعالى يقول: *(وثيابك فطهر)*(5) قال: وثيابك أرفعها ولا تجرها، وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس "(6).

الخامس: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا لبس القميص مد يده فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه "(7).

السادس: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان عن الحسن الصيقل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): " تريد أريك قميص علي (عليه السلام) الذي ضرب فيه وأريك دمه قال: قلت: نعم، فدعا به وهو في سفط فأخرجه ونشره، فإذا هو قميص كرابيس يشبه

____________

(1) التبيغ: الهيجان والغلبة.

(2) الملاء بالضم والمد جمع ملاءة كذلك ثوب لين رقيق، ومنه قوله: فلان لبس العباء وترك الملاء. مجمع البحرين.

(3) الكافي: 1 / 410، ح 3.

(4) الكافي: 1 / 411 / ح 4.

(5) المدثر: 4.

(6) الكافي: 6 / 455 / ح 2.

(7) الكافي: 6 / 457 / ح 7.

الصفحة 7      

السنبلاني، فإذا موضع الجيب إلى الأرض، وإذا أثر دم أبيض شبه اللبن شبيه شطب السيف فقال:

هذا قميص علي (عليه السلام) الذي ضرب فيه، وهذا أثر دمه فشبرت بدنه فإذا هو ثلاثة أشبار، وشبرت أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا "(1).

السابع: ابن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة بن أعين قال: رأيت قميص علي (عليه السلام) الذي قتل فيه عند أبي جعفر فإذا أسفله اثنا عشر شبرا وبدنه ثلاثة أشبار، ورأيت فيه نضح دم(2).

الثامن: الشيخ في أماليه بإسناده عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: " أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب (عليه السلام) أصحاب القمص فسام وشيخا منهم فقال: يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم، فقال الشيخ: حبا وكرامة، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين وأتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم قال: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأؤدي فيه فريضتي واستر به عورتي، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا الحديث أو شئ سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال: بل شئ سمعته من رسول الله سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك عند الكسوة "(3).

التاسع: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن مخلد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد الدقاق المعروف بابن الثمالي قال: حدثنا أبو قلابة الوقاشي قال: حدثنا عارم بن الفضل أبو النعمان قال: حدثنا مرجا أبو يحيى صاحب القسط قال: وقد ذكرته لحماد بن يزيد فعرفه عن معمر بن زياد أن أبا مطر حدثه قال: كنت بالكوفة فمر علي رجل فقال، هذا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، فتبعته فوقف على خياط فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه فقال: " الحمد لله الذي ستر عورتي وكساني الرياش " ثم قال: " هكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إذا لبس قميصا "(4).

العاشر: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن سعيد بن عمر الجعفي عن محمد ابن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر ذات يوم وهو يأكل متكئا، وقد كان بلغنا أن ذلك يكره

____________

(1) الكافي: 6 / 457 / ح 8.

(2) الكافي: 6 / 457 / ح 9.

(3) أمالي الطوسي: 365 / مجلس 13 / ح 22.

(4) أمالي الطوسي: 387 / مجلس 13 / 100. مع اختلاف في بعض أسانيد الرجال.

الصفحة 8      

فجعلت أنظر فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال: " يا محمد لعلك ترى أن رسول الله ما رأته عين يأكل وهو متكي من أن بعثه الله إلى أن قبضه، ثم رد على نفسه فقال: لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ منذ أن بعثه إلى أن قبضه ثم قال: يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله تعالى إلى أن قبضه، أما إني لا أقول كان لا يجد، لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الإبل، فلو أراد أن يأكل أكل، ولقد أتاه جبرائيل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى ما أعد له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربه جل وعز، وما سئل شيئا قط فيقول: لا، إن كان أعطي وإن لم يكن قال يكون، وما أعطى على الله شيئا قط إلا سلم ذلك إليه حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له.

ثم تناولني بيده وقال: وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل أكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله، فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني، ثم يخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الباقي فإذا جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذقه(1)، وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد ولى الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما، ولا أطاق أحد عمله، وإن كان علي بن الحسين (عليه السلام) لينظر في كتاب من كتب علي (عليه السلام) فيضرب به الأرض ويقول: من طبق هذا؟ "(2).

الحادي عشر: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني قال: أخبرنا محمد ابن وهبان عن أحمد بن محمد بن زكريا عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن سعيد ابن عمر والجعفي عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ذات يوم وهو يأكل متكئا، وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره، وساق الحديث إلى آخره كما تقدم إلا أن في رواية الشيخ، وأنه كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه(3).

الثاني عشر: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " إن ولي علي (عليه السلام) لا يأكل إلا الحلال لأن صاحبه كذلك، وإن ولي عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما لأن صاحبه كذلك، ثم

____________

(1) حذقه حذقا عن باب فشربه قطعة.

(2) الكافي: 8 / 129 / ح 100، وجواهر الكلام: 36 / 459.

(3) أمالي الطوسي: 692 / مجلس 39 / ح 13.

الصفحة 9      

عاد إلى ذكر علي (عليه السلام) فقال: أما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا ولا كثيرا حتى فارقها، ولا عرض له أمران كلاهما طاعة إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولا نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) شديدة قط إلا وجهه فيها ثقة به، ولا أطاق أحد من هذه الأمة عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعده غيره، ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار، ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كل ذلك تحفى فيه يداه ويعرق فيه جبينه التماس وجه الله عز وجل والخلاص من النار، وما كان قوته إلا الخل والزيت، وحلواه التمر إذا وجده، وملبوسه الكرابيس، فإذا فضل من ثيابه شئ دعا بالجلم(1) فجزه "(2).

الثالث عشر: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن مرازم بن حكيم عن عبد الأعلى مولى سام قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يروون أن لك مالا كثيرا فقال: " ما يسوؤني ذاك، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر ذات يوم على أناس شتى من قريش وعليه قميص مخرق فقالوا: أصبح علي لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره ولا يبعث إلى إنسان شئ، وأن يوفره ثم قال له: بعه الأول فالأول، واجعلها دراهم ثم اجعلها حيث تجعل التمر فاكبسه معه حيث لا يرى، وقال للذي يقوم عليه: إذا دعوت بالتمر فاصعد وانظر المال فاضربه برجلك كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنشرها، ثم بعث إلى رجل منهم يدعوه ثم دعا بالتمر، فلما صعد ينزل التمر ضرب برجله فانتشر الدراهم فقال: ما هذا يا أبا الحسن؟

فقال: هذا مال من لا مال له، ثم أمر بذلك المال فقال: انظروا أهل كل بيت كنت أبعث إليهم، فانظروا حاله وابعثوا إليه "(3).

الرابع عشر: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن الحسن بن علي عن ربعي بن عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله يقول: " كان علي (عليه السلام) لينقطع ركابه في طريق مكة فيشده بخوصة ليهون الحج على نفسه "(4).

الخامس عشر: الشيخ المفيد في إرشاده قال: أخبرني أبو محمد الأنصاري قال: حدثني محمد ابن ميمون البزاز قال: حدثنا الحسين بن علوان عن علي بن زياد بن رستم عن سعيد بن كلثوم قال:

____________

(1) الجلم بالتحريك الذي يجز به الشعر والصوف كالمقص.

(2) الكافي: 8 / 163 / ح 173.

(3) الكافي: 6 / 439 / ح 8.

(4) الكافي: 4 / 280 / ح 3.

الصفحة 10   

كنت عند الصادق جعفر بن محمد فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأطراه ومدحه بما هو أهله ثم قال: " والله ما أكل علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران فظن أنهما رضا الله إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله نازلة إلا دعاه فقدمه ثقة به وما أطاق عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة غيره، وإنه كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيده ورشح منه جبينه وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس، إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين (عليه السلام)، ولقد دخل أبو جعفر ابنه (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمضت عيناه من البكاء ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود وورمت ساقاه وقدماه من القيام إلى الصلاة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فبكيت رحمة عليه، وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا، وقال: من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)؟ "(1).

السادس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا صالح بن عيس العجلي قال: حدثنا محمد بن علي بن علي قال: حدثنا محمد بن منده الأصفهاني قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجلان من أصحابه في ليلة ظلماء مكفهرة إذ قال لنا رسول الله: " ائتوا باب علي (عليه السلام) " فأتينا باب علي (عليه السلام) فنقر أحدنا الباب نقرا خفيفا، إذ خرج علينا علي بن أبي طالب (عليه السلام) متزرا بإزار من صوف مرتديا بمثله، في كفه سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لنا: أحدث حدث؟ قلنا: خير، أمرنا رسول الله أن نأتي بابك وهو بالأثر، إذ جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا علي قال: لبيك " قال: " أخبر أصحابي بما أصابك "؟

قال علي (عليه السلام): " يا رسول الله إني لأستحيي ".

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الله لا يستحيي من الحق ".

قال علي (عليه السلام): " يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فطلبت في البيت ماء فلم أجد الماء فبعثت الحسن كذا والحسين كذا فأبطيا علي، فاستلقيت على قفاي فإذا

____________

(1) الإرشاد: 2 / 141.

الصفحة 11   

بهاتف من سواد البيت: قم يا علي وخذ السطل واغتسل، فإذا أنا بسطل من ماء مملوء، عليه منديل من سندس فأخذت السطل واغتسلت ومسحت بدني بالمنديل ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء فسقط من السطل جرعة، فأصابت هامتي فوجدت بردها على فؤادي ".

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت وخادمك جبرائيل (عليه السلام)، أما الماء فمن نهر الكوثر، وأما السطل والمنديل فمن الجنة، كذا أخبرني جبرئيل، كذا أخبرني جبرئيل، كذا أخبرني جبرئيل "(1).

السابع عشر: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن حماد بن عثمان عن زيد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

" كان أمير المؤمنين أشبه الناس طعمة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يأكل الخبز والخل والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم "(2).

الثامن عشر: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن يعقوب ابن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " كان أمير المؤمنين يأكل الخل والزيت ويجعل نفقته تحت طنفسته(3) "(4).

التاسع عشر: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ربيع المسلي عن معروف بن خربوذ عمن رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) يأكل الخبز بالعنب(5).

العشرون: المفيد في أماليه قال: أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا عبد الله ابن راشد الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرنا أحمد بن شمر قال: حدثنا عبد الله بن ميمون المكي مولى بني مخزوم عن جعفر الصادق بن محمد الباقر (عليه السلام) عن أبيه (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): " أتي بخبيص(6) فأبى أن يأكل فقالوا له: أتحرمه؟

قال: لا، ولكني أخشى أن تتوق إليه نفسي فأطلبه، ثم تلا هذه الآية: *(أذهبتم طيباتكم في

____________

(1) أمالي الصدوق: 296 / مجلس 40 / ح 4.

(2) الكافي: 6 / 328 / ح 3.

(3) الطنفسة هي بكسرتين وفي لغة بكسر الطاء والفاء وبضمها، وبكسر الطاء وضم الفاء، البساط الذي له محمل رقيق، تجعل تحت الرجل على كتفي البعير، والجمع الطنافس. مجمع البحرين.

(4) الكافي: 6 / 328، ح 9.

(5) الكافي: 6 / 350 / ح 1.

(6) الخبيص والخبيصة: طعام معمول من التمر والزبيب والسمن والحلواء.

الصفحة 12   

حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)*(1) "(2).

الحادي والعشرون: ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أبي (قدس سره) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: " والله إن كان علي (عليه السلام) ليأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد، وإنه كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا أجاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا قطع قطيعا ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإنه ليطعم الناس من خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده، تربت فيه يداه وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين (عليه السلام)، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده "(3).

الثاني والعشرون: ابن شهرآشوب في المناقب عن الأصبغ وأبي مسعدة والباقر (عليه السلام) أنه أتى البزازين فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) عندي حاجتك، فلما عرفه مضى عنه، فوقف على غلام وأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين فقال: " يا قنبر خذ الذي بثلاثة " قال: فأنت أولى به، تصعد المنبر وتخطب الناس، قال: " وأنت شاب فلك شره الشباب، وأنا أستحيي من ربي أن أتفضل عليك، سمعت رسول الله يقول: ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تأكلون " فلما لبس القميص مد كم القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء، فقال الغلام: هلم أكفه قال: " دعه كما هو فإن الأمر أسرع من ذلك " فجاء أبو الغلام فقال: إن ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما فقال: " ما كنت لأفعل، قد ماكست وماكسني واتفقنا على رضا "(4).

الثالث والعشرون: عن الأصبغ بن نباته قال علي (عليه السلام): " دخلت بلادكم بأسمالي هذه ورحلي وراحلتي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين " وفي رواية " يا أهل البصرة ما تنقمون مني، إن هذا لمن غزل أهلي " وأشار إلى قميصه(5).

الرابع والعشرون: ورأى أمير المؤمنين سويد بن غفلة وهو يأكل رغيفا يكسره بركبتيه ويلقيه في

____________

(1) الأحقاف: 20.

(2) أمالي المفيد: 134 / ح 2.

(3) أمالي الصدوق: 356 / مجلس 47 / ح 14.

(4) مناقب آل أبي طالب: 1 / 366.

(5) مناقب آل أبي طالب: 1 / 367.

الصفحة 13   

لبن حامض يجد ريحه من حموضته وقال: ويحك يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ فتنخلون له طعاما، لما رأى فيه النخالة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز الشعير حتى قبضه الله تعالى " وقال لعقبة بن علقمة: " يا أبا الجنوب أدركت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به " وترصد غداه عمرو بن حريث فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبز شعير خشنا، فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته فقالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أضع في جرابه طعاما طيبا فختم جرابه، ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) فته في قصعة وصب عليه الماء، ثم ذر عليه الملح وحسر عن ذراعيه فلما فرغ قال: " يا عمرو لقد خابت هذه " ومد يده إلى محاسنه، وخسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام، وهذا يجزيني(1).

الخامس والعشرون: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن معاذ، أخبرنا سفيان بن وكيع، أخبرنا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن علقمة قال: دخلنا على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وبين يديه طبق من خوص عليه قرص أو قرصان من خبز شعير، نخالته تبين في الخبز وهو يكسره على ركبتيه ويأكله على جريش، فقلت لجارية له سوداء يقال لها فضة: ألا نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟

فقالت: يأكل هو المهنأ ويكون الوزر في عنقي، فتبسم (عليه السلام) وقال: " أنا أمرتها أن لا تنخله " فقلنا:

لم يا أمير المؤمنين؟

قال: " ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون وألحق بأصحابي "(2).

السادس والعشرون: روى عدي بن حاتم أنه رآه (عليه السلام) وهو بين يديه شنة فيها قراح ماء وكسيرات من خبز شعير وملح، فقال: إني لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظل نهارك طاويا مجاهدا، وبالليل ساهرا مكابدا، ثم هذا فطورك! فقال (عليه السلام) " علل النفس بالقنوع وإلا طلبت منه فوق ما يكفيها "(3).

الأحنف بن قيس: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدم ألوانا ما أدري ما هي: فقلت: ما هذا؟

فقال: مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذر عليه السكر، فبكيت فقال: ما

____________

(1) مناقب آل أبي طالب: 1 / 367.

(2) ما وجدنا له بهذا الإسناد مصدرا، نعم نقله المصنف في حلية الأبرار: 2 / 230 / ح 13.

(3) مناقب آل أبي طالب: 1 / 368.

الصفحة 14   

يبكيك؟

فقلت: ذكرت عليا (عليه السلام)، بينا أنا عنده حضر وقت إفطاره فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم فقلت: ما هذا الجراب؟

قال: " سويق الشعير " فقلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟

قال: " لا ولا أحدهما لكني خفت أن يلينه الحسن والحسين بسمن أو زيت " قلت: محرم هو؟

قال: " لا ولكن يجب على أئمة الحق أن يعدوا أنفسم(1) من ضعفاء الناس كيلا يطغى الفقير فقره " فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله(2).

السابع والعشرون: العرني قال: وضع خوان من فالوذج بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجأ بإصبعه حتى بلغ أسفله ولم يأخذ منه شيئا، وتلمظ بأصبعه وقال: " طيب طيب، وما هو بحرام ولكن أكره أن أعود نفسي بما لم أعودها ".

وفي خبر آخر عن الصادق أنه مد يده إليه ثم قبضها، فقيل له في ذلك فقال: " ذكرت رسول الله أنه لم يأكله قط فكرهت أن آكله ".

وفي خبر عن الصادق (عليه السلام) قالوا له: تحرمه؟

قال: " لا ولكني أخشى أن تتوق إليه نفسي " ثم تلا " *(أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)* "(3).

وعن الباقر في خبر كان (عليه السلام) ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل(4).

الثامن والعشرون: عمر الزاهد، قال ابن الأعرابي: إن عليا (عليه السلام) دخل السوق وهو أمير المؤمنين فاشترى قميصا بثلاثة دراهم ونصف فلبسه في السوق، فطال أصابعه فقال للخياط: " قصه " قال:

فقصه فقال الخياط: أخوصه يا أمير المؤمنين قال: " لا " قال: ومشى والدرة على كتفه وهو يقول:

" شرعك ما بلغك المحل، وشرعك حسبك " أي كفاك(5).

التاسع والعشرون: السيد الرضى قال: روي عن مولى لبني الأشتر النخعي: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنا غلام وقد أتى السوق بالكوفة، فقال لبعض باعة الثياب: " أتعرفني "؟

____________

(1) في المخطوط والحلية: يعتدوا بالقسم، وما أثبتناه من كتاب شيخ المضيرة، وفي الكافي في رواية مشابهة: أن يقدروا أنفسهم.

(2) حلية الأبرار للمصنف: 2 / 233، وشيخ المضيرة أبو هريرة عن الآبي: 208.

(3) الأحقاف: 20.

(4) مناقب آل أبي طالب: 1 / 368.

(5) الغارات: 2 / 942.

 

 

 

 

الصفحة 15   

قال: نعم أنت أمير المؤمنين، فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال: ما أعرفك، فاشترى منه قميصا فلبسه ثم قال: " الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب (عليه السلام) " وإنما أبتاع (عليه السلام) ممن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه(1).

 

قال علي (عليه السلام) يوما على المنبر: " من يشتري سيفي هذا؟ ولو أن لي قوت ليلة ما بعته "(2) وغلة صدقته تشتمل حينئذ على أربعة آلاف دينار ".

الثلاثون: ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم ابن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة الثمالي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا أتى بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده بالمال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول: " يا صفرا يا بيضاء لا تغريني، غري غيري ".

 

هذا جناي وخياره فيه  إذ كل جان يده إلى فيه

 

ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه، ثم يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: " يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك "(3).

____________

(1) خصائص الأئمة: 80.

(2) خصائص الأئمة: 79.

(3) أمالي الصدوق: 357 / مجلس 47 / ح 17.