(فاطمة الزهراء (عليها السلام

الصفحة 65   

بسم الله الرحمن الرحيم

 [مسندها]

1 / 1 - أخبرنا (1) القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، قال: حدثنا الخليل بن أسد أبو الأسود النوشجاني، قال: حدثنا رويم بن يزيد المنقري، قال: حدثنا سوار بن مصعب الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن سلمة بن كهيل، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، قال:

جاء رجل إلى فاطمة (عليها السلام) فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندك شيئا: تطرفينيه (2).

فقالت: يا جارية، هات تلك الحريرة.

____________

(1) (أخبرنا) ليس في " ع "، وقد سقطت هنا الواسطة بين الطبري والجعابي، ولعله: أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، كما سيأتي في الحديث (25) من دلائل الإمام زين العابدين (عليه السلام) والحديث (32) من دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام).

(2) في " م، ع ": فطوقنيه. تطرفينيه: أي تتحفيني به. " انظر المعجم الوسيط - طرف - 2: 555 ".

الصفحة 66   

فطلبتها فلم تجدها، فقالت: ويحك اطلبيها، فإنها تعدل عندي حسنا وحسينا.

فطلبتها فإذا هي قد قممتها (1) في قمامتها، فإذا فيها:

قال محمد النبي (صلى الله عليه وآله): " ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه (2).

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت.

إن الله يحب الخير (3) الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش الضنين السئآل الملحف.

إن الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار " (4).

2 / 2 - وحدثني أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن محمد، [عن أبيه، عن محمد بن أحمد] (5) قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن روح بن صالح، عن هارون بن خارجة، رفعه، عن فاطمة (عليها السلام)، قالت:

أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فتبعهما الناس حتى انتهوا إلى باب علي (عليه السلام) فخرج إليهم علي (عليه السلام) غير مكترث لما هم فيه، فمضى واتبعه الناس، حتى انتهى إلى تلعة (6)، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون

____________

(1) قم الشئ: كنسه، والقمامة: الكناسة " لسان العرب - قمم - 12: 493 ".

(2) أي غوائله وشره، أو ظلمه وغشمه " لسان العرب - بوق - 10: 30 ".

(3) في " ع ": الخبير.

(4) روى قطعة منه في الزهد: 6 / 10 و: 10 / 20 والكافي 2: 489 / 6 والبخاري في صحيحه 8: 19 / 48 ومسلم في صحيحه 1: 68 / 75 و 77 والبغوي في مصابيح السنة 3: 169 نحوه.

(5) (قال: حدثنا أحمد بن محمد) ليس في " ع "، وما بين المعقوفتين أضفناه من علل الشرائع، ورجال الشيخ:

520 / 28 ومعجم رجال الحديث 2: 323 و 327 و 14: 273 و 15: 26 و 52.

(6) التلعة: أرض مرتفعة غليظة " العين - تلع - 2: 71 ".

الصفحة 67   

إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة.

فقال لهم علي (عليه السلام): كأنكم قد هالكم ما ترون؟

قالوا: وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط؟

قالت (عليها السلام): فحرك شفتيه، ثم ضرب الأرض بيده، ثم قال: مالك؟ اسكني.

فسكنت، فعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم أولا حيث خرج إليهم. قال لهم: إنكم قد عجبتم من صنيعي؟! قالوا: نعم.

قال: أنا الرجل الذي قال الله عز وجل: * (إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها) * فأنا الإنسان الذي أقول لها:

ما لها * (يومئذ تحدث أخبارها) * (1) إياي تحدث (2).

3 / 3 - وحدثني القاضي أبو الفرج المعافى، قال: حدثنا إسحاق بن محمد، قال:

حدثنا أحمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم [بن موسى] بن جعفر بن محمد، عن عمي أبيه: الحسين وعلي ابني موسى، عن أبيه عن جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين (3)، عن الحسين بن علي عليهم السلام، قال: حدثتني فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليهم) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أبشرك؟! إذا أراد الله أن يتحف زوجة وليه في الجنة بعث إليك، تبعثين إليها من حليك (4).

4 / 4 - وحدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا بن يحيى بن عاصم بن زفر البصري، قال: حدثنا عثمان بن عمرو الدباغ، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأسدي، قال: حدثنا أبو الجارود، قال: حدثنا

____________

(1) الزلزلة 99: 1 - 4.

(2) علل الشرائع: 556 / 8، مناقب ابن شهرآشوب 2: 324 " قطعه ".

(3) في " ع، م " محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمه زيد (ع: يزيد) بن علي، عن أبيهما، عن علي بن الحسين، ولا يخلو من سقط وتصحيف، وصححناه وفقا للحديث السابع، ومعجم رجال الحديث 15: 93 و 107.

(4) البحار 43: 80.

الصفحة 68   

أبو الحجاف (1)، عن زينب ابنة علي، عن فاطمة بنت رسول الله (عليهم السلام)، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أما إنك - يا بن أبي طالب - وشيعتك في الجنة (2).

5 / 5 - وعنه، قال: حدثنا أبو بكر بن شاذان، قال: حدثنا أبو سعيد البصري، قال: حدثنا عثمان بن عبد الله أبو عمر الطحان، قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال:

حدثنا عبيد بن الطفيل، عن ربعي بن حراش، عن فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبسط ثوبا فقال: اجلسي عليه.

ثم دخل الحسن (عليه السلام) فقال: اجلس معها.

ثم دخل الحسين (عليه السلام) فقال: اجلس معهما.

ثم دخل علي (عليه السلام) فقال: اجلس معهم.

ثم أخذ بمجامع الثوب فضمه علينا، ثم قال:

اللهم هم مني وأنا منهم، اللهم ارض عنهم كما إني عنهم راض.(3)

6 / 6 - وأخبرني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، قال:

حدثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن عباد بن حاتم التمار بالبصرة، قال: حدثنا إبراهيم بن فهد بن حكيم، قال: حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن الرافعي (4)، عن أبيه، عن زينب بنت أبي رافع، عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنها أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام)

____________

(1) في " ط، ع، م ": أبو الحجابي، تصحيف صوابه ما في المتن، وهو أبو الحجاف داود بن أبي عوف، روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، عن زينب، انظر مسند أبي يعلى 12:

116 / 11. وروى عنه أبو الجارود زياد بن المنذر، انظر تهذيب الكمال 8: 435.

(2) كشف الغمة 1: 137.

(3) رواه أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 169 من طريق الطبراني في الأوسط، وأخرجه في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد 5: 96 نحوه، ينابيع المودة: 259.

(4) هذه النسبة إلى الجد، فهو: إبراهيم بن علي بن الحسن بن علي بن أبي رافع الرافعي المدني، روى عن أبيه، وروى عنه يعقوب بن حميد، انظر رجال الشيخ الطوسي: 146 / 65، وتهذيب الكمال 2: 155.

الصفحة 69   

في مرضه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله، إن هذين لم تورثهما شيئا.

قال: أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي (1).

7 / 7 - وحدثنا القاضي أبو الفرج المعافى، قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن علي أبو أحمد الكوفي، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ، صاحب الكسائي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: حدثني عما أبي: الحسين وعلي ابنا موسى، عن أبيهما، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي ابن الحسين، عن أبيه، عن علي، عن فاطمة (عليهم السلام) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

يا حبيبة أبيها، كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر (2).

8 / 8 - وأخبرني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، قال:

أخبرنا أبو الحسين زيد بن محمد بن جعفر الكوفي قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحكم الحبري قراءة عليه، قال: أخبرنا إسماعيل بن صبيح، قال: حدثنا يحيى بن مساور، عن علي بن الحزور، عن القاسم بن (3) أبي سعيد الخدري، رفع الحديث إلى فاطمة (عليها السلام) قالت: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت: السلام عليك يا أبه. فقال: وعليك السلام يا بنية.

قالت: فقلت: والله، ما أصبح - يا نبي الله - في بيت علي حبة طعام، ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس، ولا أصبحت له ثاغية ولا راغية (4)، ولا أصبح في بيته سفة

____________

(1) الخصال: 77 / 122، إرشاد المفيد: 187، ألقاب الرسول وعترته: 247 نحوه، روضة الواعظين: 156، إعلام الورى: 211، أسد الغابة 5: 467، كشف الغمة 1: 516، المستجاد من كتاب الارشاد: 432، (2) الكافي 6: 408 / 3، كنز العمال 5: 511 / 14762 عن ابن عمر " نحوه ".

(3) (بن) ليس في " ع "، وفي أمالي الصدوق لم يذكر (الخدري) وفي أمالي الطوسي: عن القاسم، عن أبي سعد، ولعله القاسم بن عوف الشيباني الذي يروي عنه ابن الحزور، ويروي هو عن جماعة من الصحابة والتابعين. انظر تهذيب التهذيب 7: 296 و 8: 326.

(4) الثاغية: الشاة والراغية: الناقة، أي ما له شئ، وهو مثل. انظر مجمع الأمثال 2: 284 والمستقصى في أمثال العرب 2: 330.

الصفحة 70   

ولا هفة (1).

فقال لها: ادني مني. فدنت منه، فقال لها: أدخلي يدك بين ظهري وثوبي. فإذا هي بحجر بين كتفي النبي (صلى الله عليه وآله) مربوط بعمامته إلى صدره، فصاحت فاطمة (عليها السلام) صيحة شديدة، وقال: ما أوقدت في بيوت (2) آل محمد نار منذ شهر.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): أتدرين ما منزلة علي؟ كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ست عشرة سنة، وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وفرج همومي وهو ابن عشرين سنة، ورفع باب خيبر وهو ابن عشرين سنة (3) وكان لا (4) يرفعه خمسون رجلا.

فأشرق لون فاطمة، ولم تقر قدماها مكانها حتى أتت عليا، فإذا البيت قد أنار لنور (5) وجهها، فقال لها علي (عليه السلام): يا ابنة محمد، لقد خرجت من عندي ووجهك على غير هذه الحال!

فقالت: إن النبي حدثني بفضلك، فما تمالكت حتى جئتك.

فقال لها: كيف لو حدثك (6) بكل فضلي؟! (7)

9 / 9 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن محمد بن معقل العجلي القرميسيني، قال: حدثني محمد بن الحسن بن بنت إلياس، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (8)، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه

____________

(1) السفة: ما ينسج من الخوص كالزبيل. والهفة: السحاب الذي لا ماء فيه. أي لا مشروب في بيتك ولا مأكول، النهاية 5: 267.

(2) (بيوت) ليس في " م، ع ".

(3) في " ط ": نيف وعشرين.

(4) (لا) ليس في " م ".

(5) في " ط ": بنور.

(6) في " م، ع ": ولو حدثتك.

(7) أمالي الصدوق: 326 / 13 وأمالي الطوسي 2: 54 قطعة منه.

(8) (قال حدثني محمد بن الحسن... الرضا) ليس في " ط، م "، انظر رجال النجاشي: 39، معجم رجال الحديث 5: 34.

الصفحة 71   

جعفر بن محمد، عن جده، عن أبيه الحسين، عن أمه فاطمة (عليهم السلام)، قالت: قال لي أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إياك والبخل، فإنه عاهة لا تكون في كريم، إياك والبخل فإنه شجرة في النار، وأغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله النار، والسخاء شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا (1) فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة (2).

10 / 10 - وحدثنا أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو العباس عبد الرحمان بن محمد بن حماد، قال: حدثنا أبو سعيد يحيى بن حكيم، قال: حدثنا أبو قتيبة (3)، قال: حدثنا الأصبغ بن زيد، عن سعيد بن راشد (4)، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله)، قالت: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول:

إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلا أعطاه إياه.

قالت: فقلت: يا رسول الله، أي ساعة هي؟

قال: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب.

قال: وكانت فاطمة (عليها السلام) تقول لغلامها: اصعد على السطح، فإن رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو (5).

____________

(1) (وأغصانها في الدنيا) ليس في " ع، م ".

(2) قرب الإسناد: 55 " نحوه ".

(3) هو سلم بن قتيبة الشعيري، روى عن الأصبغ بن زيد بن علي الجهني، وروى عنه أبو سعيد يحيى بن حكيم المقومي، انظر تهذيب الكمال 3: 301 و 11: 232.

(4) في " ط، م، ع " نافع، وفي المعاني: رافع.

وما في المتن هو الصواب، روى عنه الأصبغ، انظر تهذيب الكمال 3: 301، وأشار لهذا الحديث في لسان الميزان 3: 28 عن مسند إسحاق.

(5) معاني الأخبار: 399 / 59.

الصفحة 72   

11 / 11 - حدثنا القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري في الجزء الخامس من (مقاتل آل أبي طالب) ونحن نقرأه عليه، قال: حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني الكاتب، قال: حدثني علي بن إبراهيم بن محمد ابن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدثني سليمان بن أبي (1) العطوس، قال: حدثنا محمد بن عمران ابن أبي ليلى، قال: حدثنا عبد ربه - يعني ابن (2) علقمة - عن يحيى بن عبد الله، عن الذي أفلت من الثمانية، قال:

لما أدخلنا الحبس قال علي بن الحسن: اللهم إن كان هذا من سخط منك علينا فاشدد حتى ترضى.

فقال له عبد الله بن الحسن: ما هذا، يرحمك الله؟!

ثم حدثنا عبد الله، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها (3)، عن جدتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: قال لي رسول الله:

يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات، لم يسبقهم الأولون، ولم يدركهم الآخرون.

فقلت: نحن ثمانية! قال: هكذا سمعت.

قال: فلما فتحوا الباب وجدوهم موتى، وأصابوني وبي رمق، فسقوني ماء وأخرجوني فعشت (4).

12 / 12 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو عبد الله جعفر ابن محمد بن جعفر العلوي الحسني، قال: حدثني موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن

____________

(1) (أبي) ليس في المقاتل.

(2) زاد في " ط، م ": أبي، والصواب ما في المتن، ترجم له في الجرح والتعديل 6: 43 وذكر روايته عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، ورواية ابن أبي ليلى عنه.

(3) (عن أبيها) ليس في " ع ".

(4) مقاتل الطالبيين: 131.

الصفحة 73   

الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عبد الله ابن الحسن، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي، عن أمه فاطمة بنت رسول الله (عليهم السلام) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة، ألا أعلمك دعاء لا يدعو به أحد إلا استجيب له، ولا يحيك (1) في صاحبه سم ولا سحر، ولا يعرض له شيطان بسوء، ولا ترد له دعوة، وتقضى حوائجه كلها، التي يرغب إلى الله فيها عاجلها وآجلها؟

قلت: أجل يا أبه، لهذا والله، أحب إلي من الدنيا وما فيها. قال: تقولين:

يا الله، يا أعز مذكور وأقدمه قدما في العزة والجبروت، يا الله، يا رحيم كل مسترحم، ومفزع كل ملهوف، يا الله، يا راحم كل حزين يشكو بثه وحزنه إليه، يا الله، يا خير من طلب المعروف منه وأسرعه إعطاء، يا الله، يا من تخاف الملائكة المتوقدة بالنور منه، أسألك بالأسماء التي يدعوك بها حملة عرشك ومن حول عرشك، يسبحون بها شفقة من خوف عذابك، وبالأسماء التي يدعوك بها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل إلا أجبتني وكشفت يا إلهي كربتي، وسترت ذنوبي.

يا من يأمر بالصيحة في خلقه فإذا هم بالساهرة [يحشرون] (2)، أسألك بذلك الاسم الذي تحيي به العظام وهي رميم، أن تحيي قلبي، وتشرح صدري، وتصلح شأني.

يا من خص نفسه بالبقاء، وخلق لبريته الموت والحياة، يا من فعله قول، وقوله أمر، وأمره ماض على ما يشاء.

أسألك بالاسم الذي دعاك به خليلك حين القي في النار، فاستجبت له وقلت:

* (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) * (3) وبالاسم الذي دعاك به موسى من جانب الطور الأيمن فاستجبت له دعاءه.

وبالاسم الذي كشفت به عن أيوب الضر، وتبت به على داود، وسخرت به

____________

(1) لا يحيك: لا يؤثر " النهاية 1: 470 ".

(2) ما بين المعقوفتين من مهج الدعوات.

والساهرة: أرض يجددها الله يوم القيامة. " لسان العرب - سهر - 4: 383 ".

(3) الأنبياء 21: 69.

الصفحة 74   

لسليمان الريح تجري بأمره والشياطين، وعلمته منطق الطير.

وبالاسم الذي وهبت به لزكريا يحيى، وخلقت عيسى من روح القدس من غير أب (1).

وبالاسم الذي خلقت به العرش والكرسي.

وبالاسم الذي خلقت به الروحانيين.

وبالاسم الذي خلقت به الجن والإنس.

وبالاسم الذي خلقت به جميع الخلق وجميع ما أردت من شئ.

وبالاسم الذي قدرت به على كل شئ.

أسألك بهذه الأسماء لما أعطيتني سؤلي (2)، وقضيت بها حوائجي.

فإنه يقال لك: يا فاطمة، نعم نعم (3).

13 / 13 - وحدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسن القزويني، المعروف بابن مقبرة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال:

حدثنا جندل بن والق (4)، قال: حدثنا محمد بن عمر المازني (5)، عن عباد الكلبي (6)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين

____________

(1) (من غير أب) ليس في " ع ".

(2) في " م ": سؤالي.

(3) مهج الدعوات: 139.

(4) في " ط ": وابق، وفي " ع ": وامق، كلاهما تصحيف، ترجم له في تهذيب الكمال 5: 150، وذكر روايته عن محمد بن عمر المازني، ورواية محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي المعروف بمطين الكوفي عنه.

(5) في " ط، ع، م ": الملدي، تصحيف، صوابه ما في المتن من الأمالي، وانظر التعليقة السابقة وسند الحديث (65).

(6) في " ط، ع، م ": الكليني، تصحيف، صوابه ما في المتن، عده البرقي في رجاله: 23، والطوسي في رجاله:

241 / 284 من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).

الصفحة 75   

ابن علي، عن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، قالت: خرج علينا رسول الله عشية عرفة، فقال:

إن الله تعالى باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد، كل السعيد، حق السعيد، من أحب عليا في حياته وبعد موته، وأن الشقي، كل الشقي، حق الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد وفاته (1).

14 / 14 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن هارون ابن حميد المجدر (2)، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أمان، قال: حدثنا قطب بن زياد، عن ليث بن أبي (3) سليم، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها الحسين (عليه السلام)، عن فاطمة الكبرى ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: إن النبي كان إذا دخل المسجد يقول:

بسم الله، اللهم صل على محمد، واغفر ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.

وإذا خرج يقول:

بسم الله، اللهم صل على محمد، واغفر ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك (4).

15 / 15 - وعنه، قال: حدثنا إبراهيم بن حماد القاضي، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو جعفر الأيادي، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، عن أمه فاطمة ابنة (5)

____________

(1) أمالي الصدوق: 153 / 8، بشارة المصطفى: 149 " نحوه "، المناقب للخوارزمي: 37، الفصول المهمة:

125، وقطعة منه في العمدة: 200 / 304، وشرح ابن أبي الحديد 9: 168، وكشف الغمة 1: 450.

(2) في " ط ": محمد بن هارون بن المحرز، وفي " ع ": محمد بن هارون بن حميد بن المحرز، وفي " م ":... بن حميد المحرز، والظاهر صحة ما في المتن، ترجم له في تاريخ بغداد 3: 357، وسير أعلام النبلاء 14: 436.

(3) (أبي) ليس في " ع، م "، وهو ليث بن أبي سليم بن زنيم الكوفي، روى عن عبد الله بن الحسن، انظر تهذيب التهذيب 8: 465، معجم رجال الحديث 14: 139 و 140 والحديث الآتي.

(4) مسند أبي يعلى 12: 121 / 16، " نحوه "، أمالي الطوسي 2: 15 " نحوه ".

(5) في " ع، م ": فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت.

الصفحة 76   

رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

خياركم ألينكم مناكب، وأكرمهم لنسائهم (1).

16 / 16 - وعنه (2)، قال: حدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد الطبري، قال: أخبرنا أبو فاطمة محمد بن أحمد بن البهلول القاضي الأنباري التنوخي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد السلام، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن شيبة بن نعامة، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها (2) عن فاطمة الكبرى (عليها السلام)، قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله):

لكل نبي عصبة ينتمون إليه، وإن فاطمة عصبتي، إلي تنتمي (4).

خبر الولادة

17 / 17 - حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، قال:

حدثني أبو القاسم موسى بن محمد بن موسى الأشعري القمي، ابن أخت (5) سعد بن عبد الله، قال: حدثني الحسن بن محمد بن إسماعيل المعروف بابن أبي الشورى (6)، قال: حدثني عبيد الله بن علي بن أشيم، قال: حدثني يعقوب بن يزيد (7) الأنباري، عن

____________

(1) قطعة منه في الجعفريات: 35 والفردوس 2: 172 / 2858 وعوالي اللآلئ 1: 178 / 226 وكنز العمال 7: 525 / 20081.

(2) أي الطبري المصنف، لأن القاضي أبا إسحاق من شيوخه كما تقدم.

(3) (عن أبيها) ليس في " ع، م ".

(4) بشارة المصطفى: 40 نحوه.

(5) في ترجمته من رجال النجاشي: 407 / 1079: ابن بنت، وذكر له كتابا رواه عنه محمد بن عبد الله. وكذا في مصباح الأنوار " مخطوط ".

(6) في مصباح الأنوار: ابن أبي الشوارب.

(7) في " ط، ع، م ": زيد، تصحيف صوابه ما في المتن، روى عن حماد بن عيسى، انظر رجال النجاشي:

450 / 1215، معجم رجال الحديث 20: 147.

الصفحة 77   

حماد (1) بن عيسى، عن زرعة بن محمد (2)، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام)؟

قال: نعم، إن خديجة (رضوان الله عليها) لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك.

فلما حملت بفاطمة (عليها السلام)، وكانت خديجة تغتم وتحزن إذا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت فاطمة تحدثها من بطنها، وتصبرها، وكان حزن خديجة وحذرها على رسول الله.

وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوما، فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟!

قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.

فقال لها: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله (تعالى) سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة عل ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم ليلين منها ما تلي النساء من النساء. فأرسلن إليها بأنك عصيتنا (3)، ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمدا، يتيم أبي طالب، فقيرا لا مال له، فلسنا نجيئك، ولا نلي من أمرك [شيئا] (4)، فاغتمت خديجة لذلك.

____________

(1) في " ط، ع، م ": همام، تصحيف، صوابه ما في المتن، روى عنه يعقوب ين يزيد، انظر رجال النجاشي:

142 / 370، معجم رجال الحديث 6: 224.

(2) في " ط، ع، م ": بن زرعة بن عبد الله، وما في المتن من الأمالي ومصباح الأنوار، وهو الصواب، روى عن المفضل بن عمر في موارد أخرى كثيرة. انظر معجم رجال الحديث 7: 261.

(3) في " م، ط ": أغضبتينا.

(4) من الأمالي ومصادر أخرى.

الصفحة 78   

فبينا هي في ذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن، فقالت لها إحداهن: لا تحزني - يا خديجة - فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفوراء بنت شعيب، بعثنا الله إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.

فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى (1) عن يسارها، والثالثة بين (2) يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، ودخلت عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوتين، أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بأخرى.

ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي (3) سيد الأوصياء، وأن ولدي سيدا الأسباط. ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها.

وتباشرت (4) الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر، لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت الزهراء (صلوات الله عليها).

وقالت: خذيها، يا خديجة، طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها.

فتناولتها خديجة فرحة مستبشرة، فألقمتها ثديها، فشربت فدر عليها،

____________

(1) في " ط ": الثانية.

(2) في " ع، م ": من بين.

(3) في " ط ": بعلها عليا.

(4) في " ع، م ": تباشرن.

الصفحة 79   

وكانت (عليها السلام) تنمو في كل يوم كما ينمو الصبي في شهر، وفي شهر كما ينمو الصبي في السنة، (صلوات الله عليها) (1).

18 / 18 - وحدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال:

روى أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (2)، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:

ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلى الله عليه وآله)، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وتسعين (3) يوما، وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) (4).

ذكر أسمائها (صلوات الله عليها)

19 / 19 - أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي النقيب، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثني الحسن بن عبد الله، عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عز وجل:

____________

(1) أمالي الصدوق: 475 / 1، الخرائج والجرائح 2: 524 / 1، الثاقب في المناقب: 285 / 244 و 286 / 245 قطعة منه، العدد القوية: 222 / 15.

(2) في " ط، ع، م ": بن بحر، وهو تصحيف، صوابه ما في المتن من البحار والعوالم، روى عن ابن سنان، وروى عنه ابن عيسى في موارد كثيرة، انظر معجم رجال الحديث 9: 299.

(3) في " ط، ع ": سبعين.

(4) البحار 43: 9 / 16، عوالم فاطمة (عليها السلام): 36 / 5، وسيأتي في الحديث (43).

 

 

الصفحة 80   

فاطمة، والمذوبة (1)، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية (2)، والرضية، والمحدثة، والزهراء.

ثم قال (عليه السلام): أتدري أي شئ تفسير فاطمة؟

قلت: أخبرني يا سيدي، فمما فطمت؟

قال: من الشرك.

قال: ثم قال (عليه السلام): لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض من آدم فمن دونه (3).

معنى المحدثة

20 / 20 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري (4)، عن محمد (5) بن زكريا الجوهري، قال: حدثني شعيب بن واقد، قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد، عن (6) عيسى ابن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

____________

(1) في " ط " وكتب الصدوق: الصديقة.

(2) (والراضية) ليس في " ع، م ".

(3) الخصال: 414 / 3، أمالي الصدوق: 474 / 18، علل الشرائع: 178 / 3، نوادر المعجزات: 84 / 6.

(4) في " ط، ع، م ": السكوني، وهو تصحيف صوابه ما في المتن من عدة مواضع في كتب الشيخ الصدوق، وفي علل الشرائع: 178 / 1: أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري.

(5) في " ط، ع، م ": أحمد، والصواب ما في المتن من علل الشرائع، وهو محمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري، له كتب كثيرة، منها: أخبار فاطمة (عليها السلام) ومنشؤها ومولدها. انظر رجال النجاشي: 346، معجم رجال الحديث 16: 87، والحديث الآتي.

(6) في " ط " والعلل: بن، والظاهر صحة ما في المتن، وعيسى هو موتم الأشبال يكنى أبا يحيى، أسند عن الصادق (عليه السلام)، انظر رجال الطوسي: 257 / 553، معجم رجال الحديث 3: 42 و 13: 187.

الصفحة 81   

سميت فاطمة محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.

يا فاطمة، اقنتي لربك، الآية (1)، وتحدثهم ويحدثونها.

فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟

فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعلك سيدة عالمك، وسيدة نساء الأولين والآخرين (2).

حديث هجرتها (صلوات الله عليها)

21 / 21 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي العريب الضبي، قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي (3)، قال: حدثنا شعيب بن واقد، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: لم تزل فاطمة تشب في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر، وفي الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة، وابتنى بها مسجدا، وأنس أهل المدينة به (صلى الله عليه وآله)، وعلت كلمته، وعرف الناس بركته، وسارت إليه الركبان، وظهر الإيمان، ودرس القرآن، وتحدث الملوك والأشراف وخاف سيف نقمته الأكابر والأشراف، هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ونساء المهاجرين، وكانت عائشة فيمن هاجر معها، فقدمت المدينة، فأنزلها النبي (صلى الله عليه وآله) على أم أيوب الأنصاري.

وخطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) النساء، وتزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل

____________

(1) وهي في سورة آل عمران 3: 42، 43، وتتمتها: واسجدي واركعي مع الراكعين.

(2) علل الشرائع: 182 / 1. ويأتي تحت الرقم (66).

(3) صحف في " ع، م ": العلائي، وهو من بني غلاب قبيلة بالبصرة من بني نصر بن معاوية، انظر التعليقة الثانية على الحديث السابق.

الصفحة 82   

فاطمة إليها، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية.

فقالت أم سلمة: تزوجني رسول الله، وفوض أمر ابنته إلي، فكنت أدلها وأؤدبها، وكانت - والله - آدب مني، وأعرف بالأشياء كلها.

وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها؟! (1)

معرفة تزويجها بأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)

22 / 22 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي النقيب، قال: حدثنا أبو سهل محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق بن محمود العسكري، قال: حدثنا الأصم (2) بعسقلان، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي محمد بن إدريس، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال:

ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن عفان إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله، تزوجني فاطمة ابنتك؟ وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء، زرق الأعين، محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار. ولم يكن مع (3) رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان.

قال عثمان: بذلت لها (4) ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاما.

فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) من مقالتيهما، ثم تناول كفا من الحصى، فحصب به عبد الرحمن، وقال له: إنك تهول علي بمالك؟.

____________

(1) البحار 43: 9 / 16.

(2) هو المحدث مسند عصره محمد بن يعقوب بن يوسف، أبو العباس السناني المعقلي النيسابوري الأصم، حدث بكتاب الأم للشافعي عن الربيع بن سليمان، ولد سنة (247) وتوفي سنة (346 هـ)، انظر سير أعلام النبلاء 15: 452.

(3) في " ط ": يكن من أصحاب.

(4) في " ط ": وأنا أبذل.

الصفحة 83   

قال: فتحول الحصى درا، فقومت درة من تلك الدرر، فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن.

وهبط جبرئيل (عليه السلام) في تلك الساعة، فقال: يا أحمد، إن الله (تعالى) يقرئك السلام، ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب، فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها، ولا تحج إلى أحد.

إن الله (تعالى) أمرني أن آمر رضوان خازن الجنة (1) أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا (2) الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزين، وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى (3)، وأمر ملكا من الملائكة، يقال له (راحيل) وليس في الملائكة أفصح منه لسانا، ولا أعذب منطقا، ولا أحسن وجها، أن يحضر إلى ساق العرش.

فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبرا من النور، وأمر راحيل - ذلك الملك - أن يرقى، فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج عليا من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة.

وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله (تعالى).

وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما (4) من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك، وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة.

وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض، وأن تقول لعثمان بن عفان: أما سمعت قولي في القرآن: * (بسم الله الرحمن الرحيم * مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) * (5) وما سمعت في كتابي: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا

____________

(1) في " ط ": الجنان.

(2) في " م ": يحملن.

(3) (أن تحملا الحلي... وسدرة المنتهى) ليس في " ع ".

(4) في " ع، م ": ينثرن ما فيهن.

(5) الرحمن 55: 19 - 20.

الصفحة 84   

فجعله نسبا وصهرا) * (1)؟!

فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) كلام جبرئيل (عليه السلام) وجه خلف عمار بن ياسر وسلمان والعباس، فأحضرهم، ثم قال لعلي (عليه السلام): إن الله (تعالى) قد أمرني أن أزوجك.

فقال: يا رسول الله، إني لا أملك إلا سيفي وفرسي ودرعي.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اذهب فبع الدرع.

قال: فخرج علي (عليه السلام) فنادى على درعه، فبلغت أربعمائة درهم ودينار.

قال: فاشتراها دحية بن خليفة الكلبي، وكان حسن الوجه (2)، لم يكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحسن منه وجها.

قال:

فلما أخذ علي (عليه السلام) الثمن وتسلم دحية الدرع عطف دحية على (3) علي، فقال: أسألك يا أبا الحسن أن تقبل مني هذه (4) الدرع هدية، ولا تخالفني في ذلك.

قال: فحمل الدرع والدراهم، وجاء بهما إلى النبي، ونحن جلوس بين يديه، فقال له (5): يا رسول الله، إني بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراه دحية الكلبي، وقد أقسم علي أن أقبل الدرع هدية، وأيش تأمر (6)، أقبلها منه أم لا؟

فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: ليس هو دحية، لكنه جبرئيل، وإن الدراهم من عند الله ليكون شرفا وفخرا لابنتي فاطمة. وزوجه النبي بها، ودخل بعد ثلاث.

قال: وخرج علينا علي (عليه السلام) ونحن في المسجد، إذ هبط الأمين جبرئيل وقد اهبط بأترجة من الجنة، فقال له: يا رسول الله، إن الله يأمرك أن تدفع هذه الأترجة إلى علي بن أبي طالب.

____________

(1) الفرقان 25: 54.

(2) (كان حسن الوجه) ليس في " ع، م ".

(3) في " ع، م ": إلى.

(4) في " ع، م ": هذا.

(5) في " ط ": تخالفني فأخذها منه وحمل الثمن والدرع جاء بهما إلى النبي فطرحهما بين يديه وقال.

(6) في " ط ": هدية فما تأمرني.

الصفحة 85   

قال: فدفعها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي، فلما حصلت في كفه انقسمت قسمين:

على قسم منها مكتوب:

" لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ".

وعلى القسم الآخر مكتوب: " هدية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب " (1).

23 / 23 - وقال الشريف: حدثنا موسى بن عبد الله الجشمي [بإسناده] (2) عن وهب بن وهب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أنه قال:

هممت بتزويج فاطمة حينا، ولم أجسر على أن أذكره (3) لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك يختلج في صدري ليلا ونهارا، حتى دخلت يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي. فقلت: لبيك يا رسول الله.

فقال: هل لك في التزويج؟

فقلت: الله ورسوله أعلم. فظننت أنه يريد أن يزوجني ببعض نساء قريش، وقلبي خائف من فوت فاطمة. ففارقته على هذا، فوالله ما شعرت حتى أتاني رسول رسول الله، فقال: أجب يا علي، وأسرع.

قال: فأسرعت المضي إليه، فلما دخلت نظرت إليه، فلما رأيته ما رأيته أشد فرحا من ذلك اليوم، وهو (4) في حجرة أم سلمة فلما أبصرني تهلل وتبسم، حتى نظرت إلى بياض أسنانه لها بريق، قال: يا علي هلم فإن الله قد كفاني ما همني فيك من أمر تزويجك.

____________

(1) نوادر المعجزات: 84 / 7.

(2) من البحار، وهو الصواب لعدم إمكان رواية الجشمي عن أصحاب الصادق (عليه السلام) دون واسطة بحسب الطبقة.

(3) في " ط ": أجسر أن أذكر ذلك.

(4) في " ط ": كان.

الصفحة 86   

فقلت: وكيف ذلك يا رسول الله؟

قال: أتاني جبرئيل، ومعه من قرنفل الجنة وسنبلها قطعتان، فناولنيها، فأخذتهما وشممتهما، فسطع منها رائحة المسك، ثم أخذها مني، فقلت: يا جبرئيل، ما شأنهما (1)؟

فقال: إن الله أمر سكان الجنة أن يزينوا الجنان كلها بمفارشها ونضودها وأنهارها وأشجارها، وأمر ريح الجنة التي يقال لها (المثيرة) فهبت في الجنة بأنواع العطر والطيب، وأمر الحور العين بقراءة سورتي (2) طه ويس، فرفعن (3) أصواتهن بهما.

ثم نادى مناد: ألا إن اليوم يوم وليمة فاطمة بنت محمد، وعلي بن أبي طالب رضى مني بهما.

ثم بعث الله (تعالى) سحابة بيضاء، فمطرت على أهل الجنة من لؤلؤها وزبرجدها وياقوتها، وأمر خدام الجنة أن يلقطوها، وأمر ملكا من الملائكة يقال له (4): (راحيل) فخطب خطبة (5) لم يسمع أهل السماء بمثلها.

ثم نادى (تعالى): يا ملائكتي، وسكان جنتي، باركوا على نكاح فاطمة بنت محمد وعلي بن أبي طالب، فإني زوجت أحب النساء إلي من أحب الرجال إلي، بعد محمد.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي، أبشر، أبشر، فإني قد زوجتك بابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن من فوق عرشه، وقد رضيت لها ولك ما رضي الله لكما، فدونك أهلك، وكفى - يا علي - برضاي رضى فيك.

فقال: يا رسول الله، أو بلغ من شأني أن أذكر في أهل الجنة؟! وزوجني الله في ملائكته؟!

فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي، إن الله إذا أحب عبدا أكرمه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

____________

(1) في " ع، م ": سبيلها.

(2) في " ع، م ": حور عينها يقرأوا فيها سورة.

(3) في " ع، م ": فرفعوا.

(4) في " ط ": خدام الجنان أن يلتقطوها وأمر.

(5) في " ع، م ": فخطب راحيل بخطبة.

الصفحة 87   

فقال علي (عليه السلام): يا رب، أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي. فقال النبي: آمين آمين.

وقال علي (عليه السلام): لما أتيت رسول الله خاطبا ابنته فاطمة، قال: وما عندك تنقدني؟

قلت له: ليس عندي إلا بعيري وفرسي ودرعي.

قال: أما فرسك فلا بد لك منه، تقاتل عليه، وأما بعيرك فحامل أهلك، وأما درعك فقد زوجك الله بها.

قال علي: فخرجت من عنده والدرع على عاتقي الأيسر، فذهبت (1) إلى سوق الليل فبعتها بأربعمائة درهم سود هجرية، ثم أتيت بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فصببتها بين يديه، فوالله ما سألني عن عددها، وكان رسول الله سري (2) الكف، فدعا بلالا وملأ قبضته، فقال: يا بلال، ابتع بها طيبا لابنتي فاطمة.

ثم دعا أم سلمة وقال لها: يا أم سلمة، ابتاعي لابنتي فراشا من حلس (3) مصر، واحشيه ليفا، واتخذي لها مدرعة وعباءة قطوانية (4)، ولا تتخذي أكثر من ذلك فيكونا من المسرفين.

وصبرت أياما ما أذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا من أمر ابنته، حتى دخلت على أم سلمة، فقالت لي: يا علي، لم لا تقول لرسول الله يدخلك على أهلك؟

قال: قلت: أستحي منه أن أذكر له شيئا من هذا.

فقالت أم سلمة: ادخل عليه، فإنه سيعلم ما في نفسك.

قال علي: فدخلت عليه، ثم خرجت، ثم دخلت ثم خرجت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحسبك أنك تشتهي الدخول على أهلك؟

قال: قلت: نعم، فداك أبي وأمي يا رسول الله.

____________

(1) في " ع، م ": فدعيت.

(2) السرو: السخاء " لسان العرب - سرا - 14: 378 ".

(3) الحلس: بساط البيت " لسان العرب - حلس - 6: 54 ".

(4) القطوانية: عباءة بيضاء قصيرة الخمل " النهاية 4: 85 ".

الصفحة 88   

فقال (صلى الله عليه وآله): غدا إن شاء الله (تعالى) (1).

خبر الخطبة بجمع من الناس

24 / 24 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثني أبي، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي العريب الضبي، قال:

حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي، قال: حدثنا شعيب بن واقد، عن الليث، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، عن جابر، قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة عليا (عليه السلام) قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك.

قال علي: فخرجت من عند رسول الله وأنا ممتلئ (2) فرحا وسرورا، فاستقبلني أبو بكر وعمر، فقالا: ما وراءك يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله قد زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في أثري، ليذكر بحضرة الناس.

ففرحا وسرا، ودخلا معي المسجد.

قال علي (عليه السلام): فوالله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه ليتهلل فرحا وسرورا.

فقال (صلى الله عليه وآله): أين بلال؟ فأجاب: لبيك وسعديك يا رسول الله.

ثم قال: أين المقداد؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله.

ثم قال: أين سلمان؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله.

ثم قال: أين أبو ذر؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله، فلما مثلوا بين يديه قال:

انطلقوا بأجمعكم، فقوموا في جنبات المدينة، واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين.

فانطلقوا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقبل رسول الله فجلس على أعلى

____________

(1) تفسير فرات: 413، البحار 104: 87 / 53، قطعة منه في أمالي الصدوق: 448 / 1، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 222 / 1، وروضة الواعظين: 144.

(2) في " ع، م ": وأنا لا أعقل.

الصفحة 89   

درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض فدحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها وأخرج منها ماءها ومرعاها، الذي تعاظم عن صفات الواصفين، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين (1).

عباد الله، إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال، وتقلب أحوال (2)، جعلت سببا للارتحال، فرحم الله امرءا قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه (3) ليوم فاقته.

يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه (4) الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) * (5).

* (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) * (6).

* (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء وتود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) * (7).

* (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (8).

ليوم تبطل فيه الأنساب، وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح على النار وادخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا

____________

(1) في " ع، م ": وجعلني نقمة للكافرين ورحمة ورأفة على المؤمنين.

(2) في " ط ": متقلبة الحال.

(3) في " ع، م ": قدم.

(4) في " ع، م ": له.

(5) الحج 22: 2.

(6) النور 24: 25.

(7) آل عمران 3: 30.

(8) الزلزلة 99: 7 - 8.

الصفحة 90   

إلا متاع الغرور.

أيها الناس، إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله عز وجل أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي: علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها (1) في السماء، بشهادة (2) الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض (3)، وأشهدكم على ذلك.

ثم جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: قم، يا علي، فاخطب لنفسك.

قال: يا رسول الله، أخطب وأنت حاضر؟!

قال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك أن تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي.

ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): أيها الناس، اسمعوا قول نبيكم، إن الله بعث أربعة آلاف نبي، لكل نبي وصي، وأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء.

ثم أمسك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابتدأ علي (عليه السلام) فقال:

الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج (4) بابن عمي المصطفى العالمين، حتى (5) علت دعوته دعوة (6) الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطل (7) المبطلين، وجعله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وبلغ عن الله آياته.

والحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، ورحم وكرم وشرف وعظم.

____________

(1) في " ع، م ": علي بن أبي طالب وأن قد زوجه.

(2) في " ط ": وأشهد.

(3) (في الأرض) ليس في " ع، م ".

(4) في " ع، م ": طرق الفاصلين، وأنهج.

(5) في " ع، م ": و.

(6) في " ع، م ": دواعي، ظ دعاوى.

(7) في " ط ": بواطن.

الصفحة 91   

والحمد لله على نعمائه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص (1) ترضيه، وصلى الله على محمد صلاة تزلفه (2) وتحظيه.

وبعد:

فإن (3) النكاح مما أمر الله (تعالى) به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله (4) زوجني ابنته فاطمة، على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه وأشهدوا.

فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم.

قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما، وجمع شملهما.(5)

حديث المهر وكم قدره

25 / 25 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد بن إبراهيم ابن سعد (6) التلعكبري، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي، قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، قال: حدثني الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

ضجت الملائكة إلى الله (تعالى)، فقالوا: إلهنا وسيدنا، أعلمنا ما مهر فاطمة (7)، لنعلم ونتبين أنها أكرم الخلق عليك.

____________

(1) في " ع ": اقيله و، و " م ": ظ تبلغه و، كما في نوادر المعجزات.

(2) في " ع، م ": تريحه، وفي نوادر المعجزات: تزكيه.

(3) (بعد فإن) ليس في " ع، م ".

(4) (رسول الله) ليس في " ع، م ".

(5) نوادر المعجزات: 87 / 8.

(6) نسبه في رجال النجاشي: 439... بن أحمد بن سعيد بن سعيد.

(7) في " ع، م ": ما مهرها.

الصفحة 92   

فأوحى الله (تعالى) إليهم: يا ملائكتي، وسكان سماواتي، أشهدكم أن مهر فاطمة بنت محمد نصف الدنيا.(1)

26 / 26 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس غياث الديلمي، عن الحسن بن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الهروي (2)، عن الحسن بن مسكان، عن نجبة، عن جابر الجعفي، قال: قال سيدي الباقر محمد بن علي (عليه السلام) في قول الله (تعالى): * (وإذ استسقى موسى لقومه - إلى قوله - مفسدين) * (3):

إن قوم موسى شكوا إلى ربهم الحر والعطش، فاستسقى موسى الماء، وشكا إلى ربه (تعالى) مثل ذلك.

وقد شكا المؤمنون إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا رسول الله، عرفنا من الأئمة بعدك؟ فما مضى من نبي إلا وله أوصياء وأئمة بعده، وقد علمنا أن عليا وصيك، فمن الأئمة من بعده؟

فأوحى الله إليه: إني قد زوجت عليا بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي، وجعلت جبرئيل خطيبها، وميكائيل وليها، وإسرافيل القابل عن علي، وأمرت شجرة طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب، والدر، والياقوت، والزبرجد الأحمر، والأخضر، والأصفر، والمناشير المخطوطة بالنور، فيها أمان للملائكة مذخور إلى يوم القيامة، وجعلت نحلتها من علي خمس الدنيا، وثلثي الجنة، وجعلت نحلتها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، والنيل، ونهر دجلة، ونهر بلخ، فزوجها أنت - يا محمد - بخمسمائة درهم، تكون سنة لأمتك، فإنك إذا زوجت عليا من فاطمة جرى منهما (4) أحد عشر إماما من صلب علي، سيد كل أمة إمامهم في زمنه، ويعلمون كما علم قوم موسى مشربهم.

____________

(1) نوادر المعجزات: 90 / 9، مدينة المعاجز: 146.

(2) في " ع ": الهراري، و " م ": الهراوي.

(3) البقرة 2: 60.

(4) في " ع ": منها.

الصفحة 93   

وكان تزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوما.(1)

خبر محمود الملك (2)

27 - 27 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدثني جعفر بن مسرور، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى (3) بن محمد، عن أحمد بن محمد البزنطي، عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول:

بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها، فقال له رسول الله: حبيبي جبرئيل، لم أرك في مثل هذه الصورة؟

فقال الملك: لست بجبرئيل، أنا محمود، بعثني الله أن أزوج النور من النور.

قال: من ممن؟

قال: فاطمة من علي.

قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه مكتوب: محمد رسول الله، وعلي وصيه، فقال له (4) رسول الله: منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟

فقال: من قبل أن يخلق الله (عز وجل) آدم بمائتين وعشرين ألف عام.(5)

____________

(1) نوادر المعجزات: 90 / 10، مدينة المعاجز: 146.

(2) في " ط " زيادة: الهابط على النبي.

(3) في " ع ": علي، وفي " م ": يعلى، وكلاهما تصحيف وما في المتن هو الصواب من " ط " وبقية المصادر ومعجم رجال الحديث 18: 250، وللمعلى كتب رواها عنه النجاشي والطوسي بإسنادهما إلى الحسين بن محمد بن عامر عنه. رجال النجاشي: 418، الفهرست: 165.

(4) (له) ليس في " ع، م ".

(5) الكافي 1: 383 / 8، الخصال: 640 / 17، معاني الأخبار: 103 / 1، أمالي الصدوق: 474 / 19، نوادر المعجزات: 92 / 11، وفي المصادر الأربعة المتقدمة: باثنين وعشرين ألف عام.

الصفحة 94   

 

خبر النثار

28 / 28 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى (1)، قال: حدثنا أبو القاسم التستري، قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح، عن علي بن موسى بن جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عن علي (عليهم السلام) (2) قال:

لما زوجني النبي (صلى الله عليه وآله) (3) بفاطمة قال لي: أبشر، فإن الله قد كفاني ما أهمني من أمر تزويجك.

قلت: وما ذاك؟

قال: أتاني جبرئيل بسنبلة من سنابل الجنة، وقرنفلة من قرنفلها، فأخذتهما وشممتهما، وقلت: يا جبرئيل، ما شأنهما (4)؟

فقال: إن الله أمر ملائكة الجنة وسكانها أن يزينوا الجنة بأشجارها، وأنهارها، وقصورها، ودورها، وبيوتها، ومنازلها، وغرفها، وأمر الحور العين أن يقرأن حمعسق، ويس، ثم نادى مناد: اشهدوا أجمعين، الله يقول: إني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب.

ثم بعث الله سحابة فأمطرت عليهم الدر، والياقوت، واللؤلؤ، والجوهر، ونثرت السنبل والقرنفل، فهذا مما نثرت على الملائكة (5).

____________

(1) أبو أحمد الجلودي الأزدي، شيخ البصرة وأخباريها، عد النجاشي من كتبه كتاب: تزويج فاطمة (عليها السلام)، رجال النجاشي: 240.

(2) في " ط ": علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) عن آبائه، عن علي.

(3) في " ع ": لما زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عليا.

(4) في " ع، م ": سببهما.

(5) أمالي الصدوق: 448 / 1، نوادر المعجزات: 93 / 12، مدينة المعاجز: 147.

 

 

الصفحة 95   

خبر الوليمة

29 / 29 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن زكريا بن شيبان، قال:

حدثنا (1) محمد بن سنان، عن جعفر بن قرط، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:

لما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) بعلي (عليه السلام) قال حين عقد العقد: من حضر نكاح علي فليحضر طعامه.

قال: فضحك المنافقون، وقالوا: إن الذين حضروا العقد حشر من الناس، وإن محمدا سيضع طعاما لا يكفي عشرة أناس، فسيفتضح محمد اليوم (2).

وبلغ ذلك إليه، فدعا بعميه حمزة والعباس، وأقامهما على باب داره وقال لهما:

أدخلا الناس عشرة عشرة. وأقبل على علي وعقيل فأزرهما ببردين يمانيين، وقال: انقلا على أهل التوحيد الماء، واعلم - يا علي (3) - أن خدمتك للمسلمين أفضل من كرامتك لهم (4).

قال: وجعل الناس يردون عشرة عشرة، فيأكلون ويصدرون حتى أكل الناس من طعامه (5) ثلاثة أيام، والنبي (صلى الله عليه وآله) يجمع بين الصلاتين (6): الظهر والعصر، (7) والمغرب والعشاء الآخرة.

____________

(1) في " ع ": حدثني.

(2) في " ع، م ": قالوا إن محمدا قد صنع طعاما يكفي عشرة أناس، وحشر الناس، اليوم يفتضح محمد.

(3) في " ط ": أخي.

(4) في " ط ": كرامتكم.

(5) في " ع، م ": أكل من طعام أملاك علي من الناس.

(6) في " ط ": زيادة: في.

(7) في " ط " زيادة: في.

الصفحة 96   

وجعل الناس يصدرون، فعندها قال النبي: أين عمي العباس؟ فأجابه: لبيك يا رسول الله.

قال النبي: يا عم، مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟!

قال: يا ابن أخي، ما (1) في المدينة مؤمن إلا وقد أكل من طعامك، حتى أن جماعة من المشركين دخلوا في عداد المؤمنين، فأحببنا أن لا نمنعهم ليروا ما أعطاك الله (تعالى) من المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة.

قال النبي: يا عم، أتعرف عدد القوم؟

قال: لا علم لي (2)، ولكن إن أردت أن تعرف عدد القوم فعليك بعمك حمزة.

فنادى النبي: أين عمي حمزة؟ فأقبل يسعى، وهو يجر سيفه على الصفا (3) - وكان لا يفارقه سيفه شفقة على دين الله - فلما دخل على النبي رآه ضاحكا، فقال له النبي: مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟

قال: لكرامتك على ربك، أطعم الناس من طعامك حتى ما تخلف عنه موحد ولا ملحد.

قال: كم طعم منهم؟ هل تعرف عددهم؟

قال: والله، ما شذ علي رجل واحد، أكل من طعامك في أيامك تلك بعدة ثلاثة آلاف وعشرة أناس من المسلمين، وثلاثمائة رجل من المنافقين. فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه.

ثم دعا بصحاف، وجعل يغرف فيها ويبعث به مع عبد الله بن الزبير و عبد الله ابن عقبة (4) إلى بيوت الأرامل والضعفاء والمساكين من المسلمين والمسلمات، والمعاهدين والمعاهدات، حتى لم يبق يومئذ بالمدينة دار ولا منزل إلا أدخل إليه من طعام النبي (صلى الله عليه وآله).

____________

(1) في " ط ": لم يبق.

(2) في " ط ": فقال: لا أعلم.

(3) الصفا: الصخرة والحجر الأملس " النهاية 3: 41 ".

(4) كذا في النسخ، ولم يتبين لنا من هو، ولعل (عقبة) تصحيف (عتبة)، انظر أسد الغابة 3: 202.

الصفحة 97   

ثم نادى: هل فيكم رجل يعرف المنافقين؟ فأمسك الناس، فنادى الثانية فلم يجبه أحد، فنادى: أين حذيفة بن اليمان.

قال حذيفة: وكنت في هم (1) من العلة، وكانت الهراوة بيدي، وكنت أميل ضعفا، فلما نادى باسمي لم أجد بدا أن ناديت: لبيك يا رسول الله. وجعلت أدب فلما وقفت بين يديه، قال: يا حذيفة، هل تعرف المنافقين؟

قال حذيفة: ما المسؤول أعلم بهم من السائل.

قال: يا حذيفة، ادن مني فدنا حذيفة من النبي، فقال النبي: استقبل القبلة بوجهك. قال حذيفة: فاستقبلت القبلة بوجهي، فوضع النبي يمينه بين منكبي، فلم يستتم وضع يمينه بين كتفي حتى وجدت برد أنامل النبي في صدري، وعرفت المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم (2)، وذهبت العلة من جسدي، ورميت بالهراوة من يدي، وأقبل علي النبي فقال: انطلق حتى تأتيني بالمنافقين رجلا رجلا.

قال حذيفة: فلم أزل أخرجهم من أوطانهم، فجمعتهم في منزل النبي وحول (3) منزله، حتى جمعت مائة رجل واثنين وسبعين رجلا، ليس فيهم رجل (4) يؤمن بالله و (5) يقر بنبوة رسوله.

قال: فأقبل النبي على علي (عليه السلام) وقال: إحمل هذه الصحفة إلى القوم.

قال علي: فأتيت لأحمل الصحفة، فلم أقدر عليها، فاستعنت بأخي جعفر وبأخي عقيل، فلم أقدر عليها، فلم نزل نتكامل حول الجفنة إلى أن صرنا أربعين (6) رجلا فلم نقدر عليها، والنبي قائم على باب الحجرة ينظر إلينا ويتبسم، فلما أن علم

____________

(1) في " ط ": ضعف.

(2) المشهور عند الفريقين أن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله)، والمراد بالسر ما أعلمه من أحوال المنافقين. انظر صحيح البخاري 5: 99 / 231، سير أعلام النبلاء 2: 361.

(3) في " ط ": أزل أدعوهم وأخرجهم من بيوتهم وأجمعهم حول.

(4) في " ط ": من.

(5) في " ع، م ": ولا.

(6) في " ط ": لأحملها فلم أطق فاستعنت بأخي عقيل فلم نقدر، فتكامل معي أربعون.

الصفحة 98   

أن لا طاقة لنا بها، قال: تباعدوا عنها، فتباعدنا فطرح ذيل بردته (1) على عاتقه، وجعل كفه تحت الصحفة وشالها إلى منكبه، وجعل يجري (2) بها كما ينحدر سحاب في (3) صبب (4) فوضع الصحفة بين أيدي المنافقين، وكشف الغطاء عنها، والصحفة على حالها لم ينقص منها، ولا خردلة واحدة، ببركة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما نظر المنافقون إلى ذلك قال بعضهم لبعض، وأقبل الأصاغر على الأكابر وقالوا: لا جزيتم عنا خيرا، أنتم صددتمونا عن الهدى بعد إذ جاءنا، تصدونا عن دين محمد، ولا بيان أوثق مما رأينا، ولا شرح (5) أوضح مما سمعنا؟!

وأنكر الأكابر على الأصاغر، فقالوا لهم: لا تعجبوا من هذا، فإن هذا قليل من سحر محمد.

فلما سمع النبي مقالتهم حزن حزنا شديدا، ثم أقبل عليهم فقال: كلوا، لا أشبع الله بطونكم. فكان الرجل منهم يلتقم اللقمة من الصحفة ويهوي بها إلى فيه، فيلوكها لوكا شديدا، يمينا وشمالا، حتى إذا هم ببلعها خرجت اللقمة من فيه، كأنها حجر.

فلما طال ذلك عليهم ضجوا بالبكاء والنحيب، وقالوا: يا محمد. قال النبي: يا محمد! قالوا: يا أبا القاسم. قال النبي: يا أبا القاسم! قالوا: يا رسول الله. قال النبي:

لبيكم.

وكان (صلى الله عليه وآله) إذا نودي باسمه يا أحمد يا محمد، أجاب بهما، وإذا نودي بكنيته، أجاب بها، وإذا نودي بالرسالة والنبوة (6) أجاب بالتلبية.

فقال النبي: ما الذي تريدون؟ قالوا: يا محمد، التوبة التوبة، ما نعود - يا محمد

____________

(1) في " ع، م ": فتباعد الناس وطرح النبي ذيله.

(2) في " ع، م ": يخمر.

(3) في " ع، م ": كما يقلع صحاف ينحدر من.

(4) الصبب: الموضع المنحدر " النهاية 3: 3 ".

(5) في " ط ": شرع.

(6) في " ع، م ": نودي بالنبوة.

الصفحة 99   

- في نفاقنا أبدا. فقام النبي (1) على قدميه، ورفع يديه إلى السماء، ونادى:

اللهم إن كانوا صادقين فتب عليهم، وإلا فأرني فيهم آية لا تكون مسخا ولا قردا. لأنه رحيم بأمته.

قال: فما أشبه ذلك اليوم إلا بيوم القيامة، كما قال الله (عز وجل): * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) * (2) فأما من آمن بالنبي فصار وجهه كالشمس عند ضيائها (3)، وكالقمر في نوره.

وأما من كفر من المنافقين، وانقلب إلى النفاق والشقاق، فصار وجهه كالليل في ظلامه.

وآمن بالنبي مائة رجل، وانقلب إلى الشقاق والنفاق اثنان وسبعون رجلا، فاستبشر النبي بإيمان من آمن. وقال: لقد هدى الله هؤلاء ببركة علي وفاطمة.

وخرج المؤمنون متعجبون من بركة الصحفة ومن أكل منها من الناس.

فأنشد ابن رواحة شعرا:

 

نبيكم خير النبيين كلهم          كمثل سليمان يكلمه النمل (4)

 

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أسمعت خيرا يا بن رواحة، إن سليمان نبي، وأنا خير منه ولا فخر، كلمته النملة، وسبحت في يدي صغار الحصى، فنبيكم خير النبيين كلهم ولا فخر، فكلهم إخواني.

فقال رجل من المنافقين: يا محمد، وعلمت أن الحصى سبح في كفك، قال: إي، والذي بعثني بالحق نبيا.

فسمعه رجل من اليهود، فقال: والذي كلم موسى بن عمران على الطور، ما سبح في كفك الحصى.

____________

(1) في " ع، م " زيادة: قائما.

(2) آل عمران 3: 106.

(3) في " ط ": كالشمس في إشراقها.

(4) (نبيكم خير... النمل) ليس في " ع، م ".

الصفحة 100 

فقال النبي: بلى، والذي كلمني في (1) الرفيع الأعلى، من وراء سبعين حجابا، غلظ كل حجاب مائة عام.

ثم قبض النبي على كف من الحصى، فوضعه في راحته، فسمعنا له دويا كدوي الأذن إذا سدت بالأصبع.

فلما سمع اليهودي ذلك، قال: يا محمد، لا أثر بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنك - يا محمد - رسوله. وآمن من المنافقين أربعون رجلا، وبقي اثنان وثلاثون رجلا (2).

خبر ليلة الزفاف

30 / 30 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثني أحمد بن (3) محمد بن أحمد بن الحسن، قال:

حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي، قال: حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن جده محمد الباقر (عليهم السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

لما زوج رسول الله فاطمة من علي أتاه أناس من قريش فقالوا إنك زوجت عليا بمهر قليل!

فقال: ما أنا زوجت عليا، ولكن الله زوجه ليلة أسري بي إلى السماء، فصرت عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة: أن انثري ما عليك، فنثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن به، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد.

فلما كانت ليلة الزفاف، أتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي. وأمر سلمان أن يقودها، والنبي يسوقها، فبينا هم في بعض الطريق إذ

____________

(1) في " ع، م ": على.

(2) إثبات الهداة 2: 175 / 646 صدره، مدينة المعاجز: 147.

(3) (أحمد بن) ليس في الأمالي.

الصفحة 101 

سمع النبي وجبة (1)، فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفا من الملائكة، وميكائيل في سبعين ألفا، فقال النبي: ما أهبطكم إلى الأرض؟! قالوا: جئنا نزف (2) فاطمة إلى زوجها علي ابن أبي طالب. فكبر جبرئيل وميكائيل، وكبرت الملائكة،، وكبر رسول الله، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.

قال علي (عليه السلام): ثم دخل إلى منزله، فدخلت إليه، ودنوت منه، فوضع كف فاطمة الطيبة في كفي وقال: ادخلا المنزل، ولا تحدثا أمرا حتى آتيكما.

قال علي: فدخلت أنا وهي المنزل، فما كان إلا أن دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبيده مصباح، فوضعه في ناحية المنزل، ثم قال: يا علي، خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة (3).

قال: ففعلت، ثم أتيته به، فتفل فيه (صلى الله عليه وآله) تفلات، ثم ناولني القعب، فقال: اشرب. فشربت، ثم رددته إلى رسول الله، فناوله فاطمة، ثم قال: اشربي حبيبتي فجرعت منه ثلاث جرعات، ثم ردته إلى أبيها، فأخذ ما بقي من الماء، فنضحه على صدري وصدرها، ثم قال: * (إنما يريد الله ليذهب) * (4) إلى آخر الآية.

ثم رفع يديه وقال: يا رب، إنك لم تبعث نبيا إلا وقد جعلت له عترة، اللهم فاجعل عترتي الهادية من علي وفاطمة. ثم خرج.

قال علي: فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها، فلما أن كان في آخر السحر أحسست بحس رسول الله (صلى الله عليه وآله) معنا، فذهبت لأنهض، فقال لي: مكانك يا علي، أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل (صلى الله عليه وآله) رجليه معنا في الدثار، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة، ثم استيقظت فاطمة فبكى، وبكت، وبكيت لبكائهما، فقال لي: ما يبكيك يا علي؟

قال: قلت: فداك أبي وأمي، لقد بكيت وبكت فاطمة، فبكيت لبكائكما.

____________

(1) الوجبة: صوت السقوط " النهاية 5: 154 ".

(2) في " ط ": لزفاف.

(3) الشكوة: وعاء كالدلو، أو القربة الصغيرة. والقعب: القدح الضخم.

(4) الأحزاب 33: 33.

الصفحة 102 

قال نعم: أتاني جبرئيل فبشرني بفرخين يكونان لك، ثم عزيت بأحدهما، وعرفت أنه يقتل غريبا عطشانا. فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها، ثم قالت: يا أبه، لم يقتلوه وأنت جده، وأبوه علي، وأنا أمه؟

قال: يا بنية، لطلبهم (1) الملك، أما إنه سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك.

يا علي، من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، وأدخله النار (2).

31 / 31 - وحدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن مهدي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه الباقر (عليهم السلام)، قال: حدثني جابر ابن عبد الله الأنصاري، قال:

لما كانت الليلة التي أهدى فيها رسول الله فاطمة إلى علي (عليهم السلام)، دعا بعلي فأجلسه عن يمينه، ودعا بها (عليها السلام) فأجلسها عن شماله، ثم جمع رأسيهما، ثم قام، وقاما وهو بينهما، يريد منزل علي (عليه السلام)، فكبر جبرئيل في الملائكة، فسمع النبي التكبير، فكبر وكبر المسلمون، وهو أول تكبير كان في زفاف، فصارت سنة.(3)

32 / 32 - وحدثنا أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، قال: حدثنا أبو الحسن الأسدي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، قال: حدثني (4) أبي، عن علي بن عبد الله، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:

لما زفت فاطمة إلى علي (عليه السلام)، نزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ونزل

____________

(1) في " ع، م ": طلب.

(2) نوادر المعجزات: 94 / 14، مدينة المعاجز: 148 وقطعة منه في زمن لا يحضره الفقيه 3: 253 / 1، وأمالي الطوسي 1: 263.

(4) مدينة المعاجز: 148.

(5) في " ع ": حدثنا.

الصفحة 103 

منهم سبعون ألف ملك.

قال: فقدمت بغلة رسول الله (دلدل) وعليها شملة، قال فأمسك جبرئيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفر (1)، ورسول الله يسوي عليها ثيابها، فكبر جبرئيل، وكبر إسرافيل، وكبر ميكائيل، وكبرت الملائكة، وجرت به السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة.(2)

خبر الطيب

33 / 33 - حدثني (3) أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري القاضي، قال:

أخبرنا القاضي أبو الحسين علي بن عمر بن الحسن بن علي بن مالك السياري (4)، قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدثني أبي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن محمد بن عمار بن ياسر، قال: سمعت أبي عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي يوم زوجه فاطمة: يا علي، ارفع رأسك إلى السماء فانظر ما ترى.

قال: أرى جوار مزينات، معهن هدايا.

قال: فأولئك خدمك وخدم فاطمة في الجنة، انطلق إلى منزلك، ولا تحدث شيئا حتى آتيك. فما كان إلا أن مضى (5) رسول الله إلى منزله، وأمرني أن أهدي لها طيبا.

قال عمار: فلما كان من الغد جئت إلى منزل فاطمة ومعي الطيب، فقالت: يا

____________

(1) الثفر: السير الذي في مؤخر السرج " لسان العرب - ثفر - 4: 105 ".

(2) كشف الغمة 1: 368، مدينة المعاجز: 148.

(3) في " ع ": حدثنا.

(4) في " ع، م ": السباي.

(5) كذا في نوادر المعجزات، وفي " ط ": فما كان إلا كلا ولا حتى مضى؟ وفي " م ": فما كان إلا كلا شئ حتى مضى؟ وفي " ع ": سقط قوله (إلى منزلك... رسول الله).

الصفحة 104 

أبا اليقظان، ما هذا الطيب؟

قلت: طيب أمرني به أبوك أن أهديه لك.

فقالت: والله، لقد أتاني من السماء طيب مع جوار من الحور العين، وإن فيهن جارية حسناء كأنها القمر ليلة البدر، فقلت: من بعث بهذا الطيب؟ فقالت: دفعه إلي (1) رضوان خازن الجنة، وأمر هؤلاء الجواري أن ينحدرن معي، ومع كل واحدة منهن ثمرة من ثمار الجنة في اليد اليمنى، وفي اليد اليسرى نخبة (2) من رياحين الجنة.

فنظرت إلى الجواري وإلى حسنهن، فقلت: لمن أنتن؟ فقلن: نحن لك، ولأهل بيتك، ولشيعتك من المؤمنين، فقلت: أفيكن من أزواج ابن عمي أحد؟ قلن: أنت زوجته في الدنيا والآخرة، ونحن خدمك وخدم ذريتك.

وحملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين، ورزقت زينب وأم كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما لحقها من الرجل (3) أسقطت به ولدا تماما، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها (صلوات الله عليها).(4)

خبر مصحفها (صلوات الله عليها)

34 / 34 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، قال: حدثني علي بن سليمان وجعفر ابن محمد، عن علي بن أسباط، عن الحسين (5) بن أبي العلاء وعلي بن أبي حمزة، عن

____________

(1) في " ط ": فقالت: بعثه.

(2) في " ط ": طاقة.

(3) في " ع، م ": الوجل.

(4) نوادر المعجزات: 96 / 15.

(5) في " ط، ع، م ": الحسن، مكبرا، وهو تصحيف، وهو الحسين بن خالد أبي العلاء الخفاف، كان ثقة وجيها، وله كتاب يعد في الأصول، انظر رجال النجاشي 52، فهرست الطوسي: 54 / 194، معجم رجال الحديث 5:

182.

الصفحة 105 

أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (صلوات الله عليها)، فقال: انزل عليها بعد موت أبيها.

فقلت: ففيه شئ من القرآن؟

قال: ما فيه شئ من القرآن.

قال: قلت: فصفه لي.

قال: له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه حمراوين.

قلت له: جعلت فداك صف لي ورقه.

قال: ورقه من در أبيض قيل له: (كن) فكان.

قلت: جعلت فداك، فما فيه؟

قال: فيه خبر ما كان، وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في سماء سماء (1) من الملائكة، وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلا وغير مرسل، وأسماؤهم، وأسماء الذين أرسلوا (2) إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب منهم، وفيه أسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين، من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفه (3) كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم (4) وعددهم، وفيه أسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك واحدا واحدا، وفيه صفة كراتهم، وفيه صفة جميع من تردد في الأدوار من الأولين والآخرين.

قال: قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟

قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، وفيه أسماء جميع من خلق الله من

____________

(1) في " ط ": في السماوات.

(2) في " ط ": أسماء من أرسل.

(3) في " ع، م ": الآخرين وفيه صفة.

(4) في " ع، م ": الطواغيت وما يملكون.

الصفحة 106 

الأولين والآخرين وآجالهم، وصفة أهل الجنة، وعدد من يدخلها، وعدد من (1) يدخل النار، وأسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء، وفيه علم القرآن كما أنزل، وعلم التوراة كما أنزلت، وعلم الإنجيل، والزبور (2)، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد.

قال أبو جعفر (عليه السلام): فلما أراد الله (عز وجل) أن ينزله عليها، أمر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المصحف فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياما حتى قعدت، فلما فرغت من صلاتها سلموا عليها، وقالوا لها: السلام يقرئك السلام. ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت لهم: الله السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام.

ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه، حتى أتت على آخره.

ولقد كانت (صلوات الله عليها) طاعتها مفروضة على جميع من خلق الله من الجن، والإنس، والطير، والبهائم (3)، والأنبياء، والملائكة.

فقلت: جعلت فداك فلما مضت إلى من صار ذلك المصحف؟

فقال: دفعته إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما مضى صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر.

فقلت: إن هذا العلم كثير!

فقال: يا أبا محمد، إن هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثالثة (4)، ولا تكلمت بحرف منه.(5)

____________

(1) (عدد من) ليس في " ع، م ".

(2) في " ط ": الإنجيل كما أنزل وعلم الزبور.

(3) في " ط ": الوحش.

(4) في " ط، م ": الثانية.

(5) عوالم فاطمة (عليها السلام): 189 / 1.

الصفحة 107 

 

خبر دعائها (1) (صلوات الله عليها)

35 / 35 - روى علي بن الحسن الشافعي، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا محمد بن الأشعث، عن محمد بن عوف (2) الطائي، عن داود بن أبي هند (3)، عن ابن أبان، عن سلمان (رضي الله عنه) قال: كنت خارجا من منزلي ذات يوم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ لقيني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: مرحبا يا سلمان، صر إلى منزل فاطمة بنت رسول الله، فإنها إليك مشتاقة، وإنها قد أتحفت بتحفة من الجنة، تريد أن تتحفك منها.

قال سلمان: فمضيت إليها فطرقت الباب، فاستأذنت فأذنت لي بالدخول فدخلت، فإذا هي جالسة في صحن الحجرة، عليها قطعة عباءة، قالت: اجلس.

فجلست، فقالت: كنت بالأمس جالسة في صحن الحجرة، شديدة الغم على النبي، أبكيه وأندبه، وكنت رددت باب الحجرة بيدي، إذ انفتح الباب، ودخل علي ثلاث جوار، لم أر كحسنهن، ولا كنضارة وجوههن، فقمت إليهن منكرة لشأنهن، وقلت: من أين أنتن، من مكة أو من المدينة؟ فقلن: لا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة، نحن من دار السلام، بعثنا (4) إليك رب العالمين، يقرئك السلام (5) ويعزيك بأبيك محمد.

قالت فاطمة: فجلست أمامهن، وقلت للتي أظن (6) أنها أكبرهن: ما اسمك؟

قالت: ذرة.

____________

(1) في " ط، م ": وفاتها.

(2) صحف في " ط، ع، م ": إلى: عون، وهو الحافظ الثقة محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي، مات سنة اثنتين وسبعين ومائتين، انظر سير أعلام النبلاء 12: 613.

(3) واسمه دينار بن عذافر، ويقال: طهمان القشيري البصري، روى عن الباقر (عليه السلام) والتابعين، وثقه ابن حنبل وابن معين والعجلي وأبو حاتم وغيرهم، انظر رجال الطوسي: 120 / 7، تهذيب الكمال 8: 461.

(4) في " ع، م ": بعث بنا.

(5) في " ع، م ": يسلم عليك.

(6) في " ط ": ظننت.

الصفحة 108 

قلت: ولم سميت ذرة؟

قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني لأبي ذر الغفاري.

وقلت: للأخرى: ما اسمك؟

قالت: مقدادة.

فقلت: ولم سميت مقدادة؟

قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني للمقداد.

وقلت للثالثة: ما اسمك؟

قالت: سلمى.

قلت: ولم سميت سلمى؟

قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني لسلمان.

وقد أهدين إلي هدية من الجنة، وقد خبأت لك منها. فأخرجت إلي طبقا من رطب أبيض أبرد من الثلج، وأذكى رائحة من المسك، فدفعت إلي خمس رطبات، وقالت لي: كل - يا سلمان - هذا عند إفطارك.

فخرجت وأقبلت أريد المنزل، فوالله ما مررت بملأ من الناس إلا قالوا: تحمل المسك يا سلمان! حتى أتيت المنزل، فلما كان وقت الافطار أفطرت عليهن، فلم أجد لهن نوى ولا عجما، حتى إذا أصبحت بكرت إلى منزل فاطمة، فأخبرتها، فتبسمت ضاحكة، وقالت يا سلمان: من أين يكون لها نوى؟ وإنما هو (عز وجل) خلقه لي تحت عرشه بدعوات كان علمنيها النبي. فقلت: حبيبتي، علميني تلك الدعوات، فقالت: إن أحببت أن تلقى الله وهو عنك غير غضبان، فواظب على هذا الدعاء، وهو:

" بسم الله النور، بسم الله الذي يقول للشئ كن فيكون، بسم الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، بسم الله الذي خلق النور من النور، بسم الله الذي هو بالمعروف مذكور، بسم الله الذي أنزل النور على الطور، بقدر مقدور، في كتاب مسطور، على نبي محبور " (1).

الصفحة 109 

 

حديث فدك (1)

36 / 36 - حدثني أبو المفضل (2) محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن سعيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن الحسين القصباني (3)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (4) السكوني، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب الربعي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منع فدك...

وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن عمته زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكا...

وقال أبو العباس: وحدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري، قال:

حدثني (5) أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو بن عثمان الجعفي، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن عمته (6) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وغير واحد من (7) أن فاطمة لما أجمع أبو بكر على منعها فدكا...

 

____________

(1) في " ع ": زيادة: وما جرى بين فاطمة وبين أبي بكر في معنيها وكلامها له الحجة (كذا).

(2) في " ط ": الفضل.

(3) في " ط ": العضباني.

(4) زاد في " ط ": عن.

(5) في " ع ": حدثنا.

(6) (عمته) ليس في " ع، م ".

(7) (من) ليس في " ط ".

الصفحة 110 

وحدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر [بن مخلد] (1) بن سهل ابن حمران الدقاق، قال: حدثتني أم الفضل خديجة بنت محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز ابن يحيى الجلودي البصري، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر [بن محمد] بن عمارة الكندي، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن صالح بن حي - قال: وما رأت عيناي مثله - قال: حدثني رجلان من بني هاشم، عن زينب بنت علي (عليه السلام)، قالت: لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منع فدك، وانصراف وكيلها عنها، لاثت خمارها... وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدثني محمد (2) بن محمد بن يزيد مولى بني هاشم، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن (3)، عن جماعة من أهله... وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدثني أبي، عن عثمان (4)، قال: حدثنا نائل بن نجيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)...

وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدثنا عبد الله بن الضحاك (5)، قال: حدثنا هشام بن محمد،

____________

(1) أضفناه من تاريخ بغداد 6: 189 وأنساب السمعاني 1: 264، ولقباه (الباقرحي) كما يأتي في أحاديث أخرى، وهو من مشايخ النجاشي أيضا، كان صدوقا، صحيح الكتاب، حسن النقل، رجال النجاشي: 162 و 322.

(2) في شرح النهج: أحمد. ورواه عنه الشيخ أحمد بن عبد العزيز الجوهري.

(3) في " ط، ع، م ": عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

وفي الحديث (38) وشرح النهج: عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله، وفي موضع آخر (ج 16 / 233): عبد الله بن حماد بن سليمان.

(4) في شرح النهج: عثمان بن عمران العجيفي.

(5) في شرح النهج: محمد بن الضحاك.

 

 

الصفحة 111 

عن أبيه وعوانة (1).

قال الصفواني: وحدثنا ابن عائشة (2) ببعضه.

وحدثنا العباس بن بكار، قال: حدثنا حرب بن ميمون، عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام)، قالوا: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك، وانصرف عاملها منها، لاثت خمارها، ثم أقبلت في لمة (3) من حفدتها (4) ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى دخلت على أبي بكر، وقد حفل حوله المهاجرون والأنصار، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت حتى هدأت فورتهم، وسكنت روعتهم، وافتتحت الكلام، فقالت:

" أبتدئ بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطول " ثم قالت: " الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها، استدعى الشكور بأفضالها (5)، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلا الله، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة

____________

(1) في شرح النهج: عوانة بن الحكم، وهو أبو الحكم الكوفي الضرير، وصفوه بأنه كان عالما بالأخبار والآثار، ثقة، وكان عثمانيا، وكان يضع أخبارا لبني أمية وله كتاب (سير معاوية وبني أمية) روى عنه هشام بن الكلبي. انظر ترجمته في معجم الأدباء 16: 134، لسان الميزان 4: 386.

(2) وهو عبيد الله بن محمد بن حفص، ويعرف بابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة، وثقه أبو حاتم وغيره، وروى بعض حديث فدك محمد بن زكريا، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن عمه. انظر شرح النهج 16:

216، سير أعلام النبلاء 10: 564.

(3) أي في جماعة من نسائها، قيل: هي ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل اللمة: المثل في السن، والترب " النهاية 4: 273 ".

(4) الحفدة: الأعوان والخدم " الصحاح - حفد - 2: 466 ".

(5) في بلاغات النساء: واستثن الشكر بفضائلها، وفي كشف الغمة: استتب الشكر بفضائلها.

الصفحة 112 

[امتثلها] (1)، وضعها (2) لغير فائدة زادته، بل إظهارا لقدرته، وتعبد لبريته، وإعزازا لأهل دعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة (3) لعباده عن نقمته، وحياشة (4) لهم إلى جنته.

وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله (5)، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسماه قبل أن يستنجبه (6)، إذ الخلائق في الغيب مكنونة، وبسد الأوهام (7) مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله في غامض الأمور، وإحاطة من وراء حادثة الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه الله إتماما لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيراها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها (8)، وجلا عن الأبصار عمهها، وعن الأنفس غممها.

ثم قبضه الله إليه قبض رأفة ورحمة، واختيار ورغبة لمحمد عن تعب هذه الدار، موضوعا عنه أعباء الأوزار، محفوفا بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، أمينه على الوحي، وصفيه ورضيه، وخيرته من خلقه ونجيه، فعليه الصلاة والسلام (9)، ورحمة الله وبركاته ".

ثم التفتت إلى أهل المجلس (10)، فقالت لجميع المهاجرين والأنصار:

" وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم،

____________

(1) من الاحتجاج.

(2) في " ع، م ": سنأها.

(3) الذيادة: الطرد والدفع " لسان العرب - ذود - 3: 167 ".

(4) الحياشة: السوق والجمع " لسان العرب - حوش - 6: 290 ".

(5) جبله: أي خلقه " القاموس المحيط - جبل - 3: 356 ".

(6) انتجب فلانا واستنجبه: إذا استخلصه واصطفاه اختيارا على غيره " لسان العرب - نجب - 1: 748 ".

(7) في " ع ": بسر الأوهام، وفي بلاغات النساء والاحتجاج: وبستر الأهاويل.

(8) في " ط ": شبهها.

(9) في " ع، م ": خلقه وعليه السلام.

(10) في " ط، م ": المسجد.

الصفحة 113 

وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم لله فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله، بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان فينا متجلية ظواهره، مديم للبرية استماعه، وقائد إلى الرضوان أتباعه، ومؤد إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان حجج الله المنورة (1)، ومواعظه المكررة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، ورحمته المرجوة، وشرائعه المكتوبة.

ففرض الله عليكم الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزييدا في الرزق، والصيام إثباتا للاخلاص، والحج تشييدا للدين، والحق تسكينا للقلوب، وتمكينا للدين، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا لما للفرقة، والجهاد عزا للاسلام، والصبر معونة على الاستيجاب (2)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والنهي عن المنكر تنزيها للدين (3)، والبر بالوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، وزيادة في العمر، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذور (4) تعرضا للمغفرة، ووفاء المكيال والميزان تغييرا للبخس (5) والتطفيف، واجتناب قذف المحصنة حجابا عن اللعنة، والتناهي عن شرب الخمور تنزيها عن الرجس، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة، والتنزه عن أكل مال اليتيم والاستئثار به إجارة من الظلم، والنهي عن الزنا تحصنا من المقت، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية، وترك الجور في الحكم إثباتا للوعيد، والنهي عن الشرك إخلاصا له بالربوبية.

فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تتولوا مدبرين، وأطيعوه فيما أمركم ونهاكم، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، فاحمدوا الله الذي

____________

(1) في " ط، ع، م ": المنيرة، وما في المتن أنسب للسياق، من بلاغات النساء والاحتجاج.

(2) الاستيجاب: الاستحقاق " لسان العرب 1: 793 " وفي " ط ": الاستجابة، وفي الاحتجاج: استيجاب الأجر.

(3) في " ع، م ": هو الدين.

(4) في " ط ": بالعهود.

(5) في " ع، م " وبلاغات النساء: تعييرا للبخسة.

الصفحة 114 

بعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله، ونحن حجة غيبه، وورثة أنبيائه ".

ثم قالت:

" أنا فاطمة وأبي محمد، أقولها عودا على بدء، وما أقول إذ أقول سرفا ولا شططا * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (1) إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، بلغ النذارة (2) صادعا بالرسالة، ناكبا عن سنن المشركين، ضاربا لأثباجهم (3)، آخذا بأكظامهم (4)، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ (5) الأصنام، وينكت الهام (6)، حتى انهزم الجمع، وولوا الدبر، وحتى تفرى (7) الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه (8)، ونطق زعيم الدين، وهدأت فورة الكفر، وخرست شقاشق الشيطان (9)، وفهتم بكلمة الاخلاص.

وكنتم على شفا حفرة من النار، فأنقذكم منها نبيه، تعبدون الأصنام، وتستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب (10)، ونهزة (11) الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ

____________

(1) التوبة 9: 128.

(2) في " ع، م ": فبلغ النداء، وفي الشافي والاحتجاج والطرائف: فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة.

(3) الثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر، ووسط الشئ " الصحاح - ثبج - 1: 301 ".

(4) يقال: أخذت بكظمه: أي بمخرج نفسه، والجمع أكظام " الصحاح - كظم - 5: 2023 ".

(5) جذذت الشئ: كسرته وقطعته " الصحاح - جذذ - 2: 561 ".

(6) أي يرميها إلى الأرض. والهام: جمع الهامة وهي الرأس.

(7) تفرى: أي انشق " الصحاح - فرا - 6: 2454 ".

(8) محضه: أي خالصه وصريحه " النهاية - محض - 4: 302 ".

(9) شبهت الفصيح المنطيق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته، ونسبتها إلى الشيطان لما يدخل فيه من الكذب والباطل، وكونه لا يبالي بما قال. والشقاشق جمع شقشقة وهي لهاة البعير " النهاية - شقق - 2: 489، لسان العرب - شقق - 10: 185 ".

(10) المذقة: الشربة من اللبن الممذوق (الممزوج بالماء) " النهاية - مذق - 4: 311 ".

(11) النهزة: الفرصة " النهاية - نهز - 5: 135 ".

الصفحة 115 

الأقدام، تشربون الرنق (1)، وتقتاتون القدة (2)، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي (3)، وبعد ما مني ببهم (4) الرجال، وذوبان العرب (5)، * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * (6)، أو نجم (7) قرن الضلالة، أو فغرت (8) فاغرة المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها (9) بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، وأنتم في بلهنية (10) آمنون، وادعون فرحون، تتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال على الأعقاب، حتى أقام الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) عمود الدين.

فلما اختار الله (عز وجل) له دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهرت حسيكة (11) النفاق، وانسمل جلباب (12) الدين، وأخلق ثوبه، ونحل عظمه، وأودت رمته (13)، وظهر نابغ،

____________

(1) الرنق: تراب في الماء من القذى ونحوه، وماء رنق: كدر " لسان العرب - رنق - 10: 126 ".

وفي المصادر: تشربون الطرق: أي الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه وبعرت " النهاية - طرق - 3: 123 ".

(2) القدة: السير يقد من جلد غير مدبوغ. " أقرب الموارد - قدد - 2: 970 ".

(3) يريد الشدة العظيمة والصغيرة. " كتاب الأمثال: 256 / 882 ".

(4) البهم: جمع بهمة: الشجاع، وقيل: هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى له من شدة بأسه " لسان العرب - بهم - 12: 58 ".

(5) يعني صعاليكهم ولصوصهم. والذوبان: جمع ذئب، والأصل فيه الهمز. " النهاية - ذوب - 2: 171 ".

(6) المائدة 5: 64.

(7) نجم: طلع وظهر " لسان العرب - نجم - 12: 568 ".

(8) فغرت: أي فتحت " الصحاح - فغر - 2: 782 ".

(9) الصماخ: ثقب الأذن، وقيل: هو الأذن نفسها " لسان العرب - صمخ - 3: 34 ".

(10) البلهنية: السعة " الصحاح - بله - 6: 2227 ".

(11) الحسيكة: الضغن والعداوة " الصحاح - حسك - 4: 1579 ".

(12) أي بلي وأخلق، والجلباب: الأزار والرداء، وقيل: الملحفة.

(13) الرمة بالضم: قطعة من الحبل بالية. والرمة بالكسر: العظام البالية " الصحاح - رمم - 5: 1937 ".

الصفحة 116 

ونبغ خامل، ونطق كاظم (1)، وهدر فنيق (2) الباطل يخطر (3) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من معرسه (4) صارخا بكم، فألفاكم غضابا، فخطمتم (5) غير إبلكم، وأوردتموها غير شربكم بدارا (6)، زعمتم خوف الفتنة * (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * (7).

هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، فهيهات منكم، وأين بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، زواجره لائحة، وأوامره لامحة، ودلائله واضحة، وأعلامه بينة، وقد خالفتموه رغبة عنه، فبئس للظالمين بدلا، ثم لم تلبثوا (8) إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، تسرون (9) حسوا بارتغاء (10)، أو نصبر منكم على مثل حز المدى، وزعمتم أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون * (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * (11).

____________

(1) في بعض المصادر: ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفكين.

(2) الهدير: ترديد الصوت في الحنجرة " الصحاح - هدر - 2: 853 ".

الفنيق: الفحل المكرم من الإبل " الصحاح - فنق - 4: 1545 ".

(3) يخطر: من الخطران وهو الاهتزاز في المشي والتبختر " الصحاح - خطر - 2: 648 ".

(4) المعرس: اسم موضع من التعريس وهو نزول القوم في السفر من آخر الليل، يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون " الصحاح - عرس - 3: 948 ". وفي " ط ": مغرزة.

(5) فخطمتم: من الخطام، وهو كوي على شكل خط من أنف البعير إلى أحد خديه، انظر " النهاية - خطم - 2: 50 ".

(6) بدارا: أي سراعا " الصحاح - بدر - 2: 586 ".

(7) التوبة 9: 49.

(8) في " ط ": لم تريثوا شعثها، وفي " ع ": لم ترتئوا أختها، وفي " م ": لم تريثوا أختها، وما في المتن من الشافي.

(9) في " ع، م ": تشربون.

(10) مثل يضرب لمن يظهر أمرا وهو يريد غيره، وأصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها، فيشربها مع اللبن، انظر " مجمع الأمثال 2: 417، لسان العرب - رغا - 14: 330 ".

(11) آل عمران 3: 85. وما قبلها تضمين من سورة المائدة 5: 50.

الصفحة 117 

أيها (1) معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي، يا بن أبي قحافة؟! أبى الله (عز وجل) (2) أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريا، جرأة منكم على قطيعة الرحم، ونكث العهد، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه، إذ يقول الله (عز وجل):

* (وورث سليمان داود) * (3).

ومع ما (4) قص من خبر يحيى وزكريا إذ يقول * (رب.. فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) * (5).

وقال (عز وجل): * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (6) وقال (تعالى): * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) * (7).

فزعمتم أن لاحظ لي، ولا أرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟!

أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون (8)؟! أو لست وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم من النبي؟! دونكها (9) مرحولة مزمومة (10) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، ونعم الزعيم (11) محمد، والموعد القيامة، وعما قليل تؤفكون، وعند الساعة ما تحشرون، و * (لكل نبأ مستقر) * (12) * (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب

____________

(1) أيها: أي هيهات، وأيها بمعنى كف واسكت " الصحاح - أيه - 6: 2226، لسان العرب - أيه - 13:

474 ".

(2) في الاحتجاج: أفي كتاب الله.

(3) النمل 27: 16.

(4) في " ط ": وفيما.

(5) مريم 19: 4 - 6.

(6) النساء 4: 11.

(7) البقرة 2: 180.

(8) في " ط ": يتوارثان.

(9) في " ط ": ممن جاء به فدونكموها.

(10) مرحولة: من الرحل وهو مركب للبعير والناقة، " لسان العرب - رحل - 11: 274 ". مزمومة: من الزمام وهو الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفي المقود " لسان العرب - زمم - 12: 272 ".

(11) في " ط ": الخصيم.

(12) الأنعام 6: 67.

الصفحة 118 

يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) * (1).

ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلوات الله عليهما)، متمثلة بأبيات. صفية بنت عبد المطلب (رحمها الله تعالى):

 

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (2) لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها   واجتث أهلك مذ غيبت واغتصبوا

أبدت رجال لنا فحوى (3) صدورهم   لما نأيت وحالت دونك الكثب

تهضمتنا رجال (4) واستخف بنا         دهر فقد أدركوا فينا (5) الذي طلبوا

قد كنت للخلق نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا     فغاب عنا (6) فكل الخير محتجب

 

فقال أبو بكر لها: صدقت يا بنت رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وكان - والله - إذا نسبناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا ابن عمك دون الأخلاء (7) آثره على كل حميم، وساعده على الأمر العظيم، وأنتم عترة نبي الله الطيبون، وخيرته المنتجبون، على طريق الجنة (8) أدلتنا، وأبواب الخير لسالكينا (9).

فأما ما سألت، فلك ما جعله أبوك، مصدق قولك، ولا أظلم حقك، وأما ما سألت من الميراث فإن رسول الله قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ".

فقالت فاطمة: " يا سبحان الله! ما كان رسول الله لكتاب الله مخالفا، ولا عن

____________

(1) هود 11: 39، الزمر 39: 39 و 40.

(2) الهنبثة: الأمور الشداد، والاختلاط في القول " النهاية - هنبث - 5: 278.

(3) في شرح النهج: نجوى.

(4) في " ط ": تهجمتنا ليال.

(5) في " ط ": منا.

(6) في " ع، م ": عنها.

(7) في " ط ": الرجال.

(8) في " ع، م ": على الآخرة.

(9) في " ع، م ": وباب الجنة لسالكنا.

الصفحة 119 

حكمه صادفا، لقد كان يلتقط أثره، ويقتفي سيره، أفتجمعون إلى الظلامة الشنعاء والغلبة الدهياء (1)، اعتلالا بالكذب على رسول الله، وإضافة الحيف (2) إليه؟!

ولا عجب إن كان ذلك منكم، وفي حياته ما بغيتم له الغوائل، وترقبتم به الدوائر، هذا كتاب الله حكم عدل، وقائل فصل، عن بعض أنبيائه إذ قال: * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (3).

وفصل في بريته الميراث مما فرض من حظ الذكارة والإناث، فلم سولت لكم أنفسكم أمرا؟! فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون (4).

قد زعمت أن النبوة لا تورث، وإنما يورث ما دونها، فما لي امنع إرث أبي؟ أأنزل الله في كتابه: إلا فاطمة بنت محمد؟ فدلني عليه أقنع به ".

فقال لها أبو بكر: يا بنت رسول الله، أنت عين الحجة، ومنطق الحكمة، لا أدلي بجوابك، ولا أدفعك عن صوابك، ولكن المسلمون بيني وبينك، هم قلدوني ما تقلدت، وأتوني ما أخذت وتركت. قال: فقالت فاطمة (عليها السلام) لمن بحضرته: " أيها الناس، أتجتمعون إلى المقبل بالباطل والفعل الخاسر؟! لبئس ما اعتاض المبطلون (5)، وما يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، أما والله لتجدن محملها ثقيلا، وعبأها وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، فحينئذ لات حين مناص، وبدا لكم من الله ما كنتم تحذرون ".

قال: ولم يكن عمر حاضرا، فكتب لها أبو بكر إلى عامله برد فدك كتابا، فأخرجته في يدها، فاستقبلها عمر، فأخذه منها وتفل فيه ومزقه، وقال: لقد خرف ابن أبي قحافة، وظلم.

فقالت له: " مالك؟ لا أمهلك الله، وقتلك، ومزق بطنك ". وأتت من فورها ذلك

____________

(1) الدهياء: تعظيم الداهية: الأمر المنكر العظيم " لسان العرب - دها - 14: 275 ".

(2) في " ع ": الخرف، وفي " م ": الخوف.

(3) مريم 19: 6.

(4) تضمين من سورة يوسف 12: 18.

(5) في " ط ": المسلمون.

الصفحة 120 

الأنصار، فقالت:

" معشر البقية، وأعضاد الملة، وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي، والسنة (1) عن ظلامتي، أما كان رسول الله أمر بحفظ المرء في ولده؟ فسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة (2).

أتقولون مات محمد فخطب جليل، استوسع وهيه (3)، واستنهر فتقه (4)، وفقد راتقه، فأظلمت الأرض لغيبته، واكتأب خيرة الله لمصيبته، وأكدت الآمال (5)، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأذيلت (6) الحرمة بموت محمد، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا. ولقبل ما خلت له أنبياء الله ورسله * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (7).

أبني قيلة (8)، اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع! تلبسكم الدعوة، ويشملكم الجبن، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن (9) وأنتم نخبة الله التي امتحن، ونحلته التي انتحل، وخيرته التي انتخب لنا أهل البيت، فنابذتم فينا العرب، وناهضتم الأمم وكافحتم البهم، لا نبرح وتبرحون، ونأمركم فتأتمرون، حتى دارت بنا

____________

(1) السنة: الغفلة " أساس البلاغة - وسن -: 499 ".

(2) عجلان ذا إهالة: مثل معروف، يراد به ما أسرع ما كان هذا الأمر! وفيه ثلاث كلمات: سرعان، عجلان، وشكان، انظر، جمهرة الأمثال 1: 519، مجمع الأمثال 1: 336.

(3) الوهي: الشق أو الخرق في الشئ " لسان العرب - وهي - 15: 417 ".

(4) يقال: طعنة طعنة أنهر فتقها: أي وسعه " لسان العرب - نهر - 5: 237 ".

(5) أكدى الرجل: أخفق ولم يظفر بحاجته " أساس البلاغة - كدى -: 389 ".

(6) أذيلت: أهينت " أساس البلاغة - ذيل -: 148 ".

(7) آل عمران 3: 144.

(8) أرادت الأوس والخزرج، قبيلتي الأنصار، وقيلة: اسم أم لهم قديمة، وهي قيلة بنت كاهل " النهاية - قيل - 4: 134 ".

(9) الجنن هنا الدار أيضا، ويقال لكل ما ستر: جن وأجن.

ولعلها الجنن بالضم، جمع الجنة، وهو كل ما واراك من السلاح واستترت به، انظر " لسان العرب - جنن - 13:

92 و 94 ". وفي " ط ": الخيرة.

الصفحة 121 

وبكم رحى الاسلام، ودر حلب البلاد، وخضعت بغوة الشرك، وهدأت روعة الهرج، وخبت نار الحرب، واستوسق (1) نظام الدين، فأنى جرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، عن قوم * (نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) * (2).

ألا أرى والله أن [قد] أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فعجتم (3) عن الدين ومججتم (4) الذي استوعيتم، ودسعتم (5) ما استرعيتم، ألا و * (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * (6).

ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكم فاحتقبوها (7) دبرة الظهر (8)، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة.

فبعين الله ما تفعلون، * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (9)، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون، * (وسيعلم

____________

(1) استوسق الأمر: انتظم " المعجم الوسيط - وسق - 2: 1032 ".

(2) التوبة 9: 12.

(3) عاج عن الأمر: انصرف " المعجم الوسيط - عوج - 2: 634 ".

(4) مججتم: رميتم " لسان العرب - مجج - 2: 361.

(5) الدسع: القئ " لسان العرب - دسع - 8: 84 ".

(6) إبراهيم 14: 8 و 9.

(7) احتقب الشئ: أردفه أو ادخره. " المعجم الوسيط - حقب - 1: 187 ".

(8) الدبرة: القرحة والجرح الذي يكون في ظهر الدابة والبعير " لسان العرب - دبر - 4: 273 ".

(9) الشعراء 26: 227. وما قبلها تضمين من سورة الهمزة 104: 6 - 9.

الصفحة 122 

الكفار لمن عقبى الدار) *، * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) *، * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) *، * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (1) وكان الأمر قد قصر ".

ثم ولت، فأتبعها رافع بن رفاعة الزرقي، فقال لها: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن تكلم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد، ما عدلنا به أحدا.

فقالت له بردنها: " إليك عني، فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر ".

قال: فلم ير باك ولا باكية كان أكثر من ذلك اليوم، وارتجت المدينة، وهاج الناس، وارتفعت الأصوات.

فلما بلغ ذلك أبا بكر قال لعمر: تربت يداك، ما كان عليك لو تركتني، فربما رفأت الخرق ورتقت الفتق؟! ألم يكن ذلك بنا أحق؟!

فقال الرجل: قد كان في ذلك تضعيف سلطانك، وتوهين كفتك، وما أشفقت إلا عليك.

قال: ويلك، فكيف بابنة محمد وقد علم الناس ما تدعو إليه، وما نجن (2) لها من الغدر عليه.

فقال: هل هي إلا غمرة (3) انجلت، وساعة انقضت، وكأن ما قد كان لم يكن، وأنشده:

 

ما قد مضى مما مضى كما مضى         وما مضى مما مضى قد انقضى

 

أقم الصلاة وآت الزكاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، ووفر الفئ، وصل القرابة، فإن الله يقول: * (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى

____________

(1) الرعد 13: 42، التوبة 9: 105، الاسراء 17: 13، الزلزلة 99: 7 و 8.

(2) نجن: نستر، انظر " أساس البلاغة - جنن -: 66 ".

(3) الغمرة: الشدة " المعجم الوسيط - غمر - 2: 661 ".

الصفحة 123 

للذاكرين) * (1). ويقول: * (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (2) وقال: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * (3) ذنب واحد في حسنات كثيرة، قلدني ما يكون من ذلك.

قال: فضرب بيده على كتفه، ثم قال: رب كربة فرجتها، يا عمر.

ثم نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس، ما هذه الرعة (4)، ومع كل قالة (5) أمنية؟! أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم؟! فمن سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، كلا بل هو ثعالة شهيده ذنبه (6) لعنه الله، وقد لعنه الله، مرب (7) لكل فتنة، يقول: كروها جذعة (8)، ابتغاء الفتنة من بعد ما هرمت، كأم طحال (9) أحب أهلها الغوى (10)، ألا لو شئت أن أقول لقلت، ولو تكلمت لبحت، وإني ساكت ما تركت، يستعينون بالصبية (11)،

____________

(1) هود 11: 114.

(2) الرعد 13: 39.

(3) آل عمران 3: 135.

(4) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 16: 215: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعرض؟ فقال بعلي بن أبي طالب، إنه الملك يا بني، إن الأنصار هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم. قال ابن أبي الحديد: فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والاصغاء.

(5) والقالة: القول.

(6) قال النقيب أبو يحيى: ثعالة: اسم الثعلب، علم غير مصروف، وشهيده ذنبه، أي لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه وجزء منه.

(7) قال: مرب: ملازم.

(8) قال: كروها جذعة: أعيدوها. إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج.

(9) قال: وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، ويضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال.

(10) في شرح النهج: أحب أهلها إليها البغي.

(11) في " ع، م ": بالصعبة، ولعلها تصحيف الضعفة كما في شرح النهج.

الصفحة 124 

ويستنهضون النساء، وقد بلغني - يا معشر الأنصار - مقالة سفهائكم - فوالله - إن أحق الناس بلزوم عهد رسول الله أنتم، لقد جاءكم فآويتم ونصرتم، وأنتم اليوم أحق من لزم عهده، ومع ذلك فاغدوا على أعطياتكم، فإني لست كاشفا قناعا، ولا باسطا ذراعا، ولا لسانا إلا على من استحق ذلك، والسلام.

قال: فأطلعت أم سلمة رأسها من بابها وقالت: ألمثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا، وهي الحوراء بين الإنس، والإنس (1) للنفس، ربيت في حجور الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور (2) الطاهرات، ونشأت خير منشأ، وربيت خير مربى؟! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! وقد قال الله له:

* (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (3)؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم ابنة عمران، وحليلة ليث الاقران، تمت بأبيها رسالات ربه، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، فيوسدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويدا فرسول الله بمرأى لغيكم (4)، وعلى الله تردون، فواها لكم وسوف تعلمون.

قال: فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها، ورجعت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها فتشكت (5).

قال أبو جعفر (6): نظرت في جميع الروايات، فلم أجد فيها أتم شرح، وأبلغ في الالزام، وأوكد بالحجة من هذه الرواية، ونظرت إلى رواية عبد الرحمن بن كثير فوجدته قد زاد في هذا الموضع:

أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبدأ بالولاية: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وقوله " إني تارك فيكم الثقلين... "؟! ما أسرع ما أحدثتم! وأعجل ما

____________

(1) في " ع، م ": النفس.

(2) في " ط ": المغارس (3) الشعراء 26: 214.

(4) في " ط ": لأعينكم.

(5) في " ط ": فشكت.

(6) (قال أبو جعفر) ليس في " ع، م ".

الصفحة 125 

نكصتم (1)!.

وهو في بقية الحديث على السياقة.

عيادة نساء المدينة لها وخطابها لهن

37 / 37 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال:

لما رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكت وكان وفاتها في هذه المرضة، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات، فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟

فقالت: " أصبحت والله عائفة (2) لدنياكم، قالية (3) لرجالكم، شنأتهم (4) بعد إذ عرفتهم ولفظتهم (5) بعد إذ سبرتهم (6)، ورميتهم بعد أن عجمتهم (7)، فقبحا لفلول

____________

(1) روى خطبة الزهراء (عليها السلام) السيد الشريف المرتضى في الشافي 4: 69 - 77، والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي 3: 139 عن المرزباني بطريقين وابن طيفور في بلاغات النساء: 21، وأخرجه ابن طاوس في الطرائف:

263 عن كتاب الفائق عن الأربعين للشيخ أسعد بن سقروة، عن الحافظ الثقة ابن مردويه في كتاب المناقب.

والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 77 عن الحافظ أبي بكر.

وفي كشف الغمة 1: 480 عن كتاب السقيفة للجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها سنة (322 هـ).

وفي شرح النهج 16: 211 و 249 عن كتابي السقيفة والشافي، وفي الاحتجاج: 97 عن عبد الله بن الحسن.

(2) عائفة: كارهة.

(3) قالية: مبغضة.

(4) شنأتهم: أبغضتهم.

(5) لفظتهم، اللفظ: طرح الشئ من الفم كراهة له.

(6) سبرتهم: امتحنتهم.

(7) عجمه: ابتلاه واختبره " الصحاح - عجم - 5: 1981 ". (ورميتهم بعد أن عجمتهم) ليس في " ع، م ".

 

 

الصفحة 126 

الحد (1) وخطل (2) الرأي وعثور الجد، وخوف الفتن (3)، * (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) * (4)، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها (5)، وشننت (6) عليهم عارها، فجدعا (7) وعقرا وبعدا للقوم الظالمين.

ويحهم أنى (8) زحزحوها (9) عن رواسي (10) الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين بالوحي المبين، الطبين (11) بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين!

ما الذي نقموا من أبي حسن؟ نقموا - والله - منه شدة وطأته ونكال وقعته، ونكير سيفه، وتبحره في كتاب الله، وتنمره (12) في ذات الله.

وأيم الله لو تكافوا (13) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه (14) ثم لسار بهم

____________

(1) فلول السيف: كسور في حده " الصحاح - فلل - 5: 1792 ". وفي " ع، م ": لقول الخذل.

(2) الخطل: الاضطراب.

(3) في " ع ": القبر، وفي " م ": الغبن.

(4) المائدة 5: 80.

(5) الربقة ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط.

(6) شننت: صببت.

(7) يقال: جدعا له، هو دعاء معناه ألزمه الله الجدع، أي قطع عنه الخير وجعله ناقصا معيبا.

(8) في " ع، م ": لئن.

(9) زحزحوها: نحوها.

(10) الرواسي: الأصول الثابتة، وكذلك القواعد.

(11) الطبين: العالمين، وفي " ع، م ": والظنين.

(12) تنمره: أي تغضبه، يقال: تنمر الرجل إذا غضب وتشبه بالنمر.

(13) تكافوا: أي كفوا أيديهم عنه.

(14) لاعتلقه: لأخذه بيده.

الصفحة 127 

سيرا سجحا (1)، لا يكلم (2) خشاشه (3)، ولا يتعتع (4) راكبه، ولا وردهم منهلا (5) رويا صافيا فضفاضا (6) تطفح ضفتاه، ثم لأصدرهم بطانا (7) قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه سورة الساغب (8)، ولانفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا فاسمعن. ومن عاش أراه الدهر العجب، وإن تعجبن فانظرن إلى أي نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولمن اختاروا؟ ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير.

استبدلوا والله الذناني (9) بالقوادم (10)، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس (11) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * (12)؟

____________

(1) السجح: السير السهل.

(2) لا يكلم: لا يجرح ولا يدمي.

(3) الخشاش: ما يكون في أنف البعير من الخشب.

(4) لا يتعتع: أي لا يكره ولا يقلق.

(5) المنهل: مورد الماء.

(6) فضفاضا: كثيرا.

(7) البطان: جمع بطين، وهو الريان.

(8) غير متحل منه بطائل: أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا.

إلا بغمر الماء: أي كان يشرب بالغمر، والغمر: القدح الصغير.

وردعه سورة الساغب: أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع.

(9) الذنابي: ما يلي الذنب من الجناح.

(10) القوادم: ما تقدم منه.

(11) المعاطس: الأنوف.

(12) يونس 10: 35.

الصفحة 128 

أما لعمر الله لقد لقحت، فانظروها تنتج (1) ثم احتلبوا طلاع القعب (2) دما عبيطا (3) وذعافا (4) ممقرا (5)، هنالك خسر المبطلون، وعرف التالون غب ما أسس الأولون. ثم طيبوا بعد ذلك نفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا (6)، وأبشروا بسيف صارم، وهرج (7) شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم (8) حصيدا، فيا خسرى (9) لكم، وكيف بكم وقد عميت عليكم؟ * (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) *؟! " (10).

38 / 38 - وحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي، قال:

حدثني أم الفضل خديجة بنت أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان المدائني، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، قالت: لما اشتدت علة فاطمة (عليها السلام) اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت؟ فقالت:

____________

(1) تنتج: تلد.

(2) ثم احتلبوا طلاع القعب: أي ملؤه...، والقعب: القدح الكبير من الخشب.

(3) الدم العبيط: الطري.

(4) الذعاف: السم.

(5) الممقر: المر.

(6) أي مروعة للقلب من شدة الفزع.

(7) الهرج: الفتنة، وشدة القتل.

(8) في معاني الأخبار: زرعكم.

(9) في معاني الأخبار: فيا حسرتي.

(10) رواه في معاني الأخبار: 354 / 1 بطريقين، وفيه سؤال الشيخ الصدوق من الشيخ الأديب أبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري شرح غريب هذا الحديث ومعانيه، وقد ذكرنا هذا الشرح في الهامش، أمالي الطوسي 1: 384، الاحتجاج 1: 108، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 233. والآية من سورة هود 11: 28.

الصفحة 129 

" أصبحت عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وسئمتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد، وخور القناة وخطل الرأي، * (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) * (1)، لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافا ممقرا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون.

طم طيبوا عن أنفسكم أنفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا خسرى لكم، وأنى بكم وقد عميت عليكم؟ * (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) * (2) والحمد لله رب العالمين، والصلاة على أبي سيد المرسلين " (3).

وصية فاطمة (صلوات الله عليها)

39 / 39 - حدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي، قال: حدثنا أبو موسى إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: حدثنا عاصم بن حميد بن يحيى بن سليمان (4)، قال: قال لي محمد بن علي (عليهما السلام): ألا أقرئك (5) وصية فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال: فأخرج إلي سفطا في حق، وأخرج منه كتابا فيه:

" هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بحوائطها السبعة: ذي الحسنى، والساقية، والدلال، والغراف (6)، والرقمة، والهيثم، وما لأم إبراهيم إلى علي بن

____________

(1) المائدة: 5: 80.

(2) هود 11: 28.

(3) راجع مصادر الحديث المتقدم.

(4) في الكافي: عاصم بن حميد، عن أبي بصير.

(5) في " ط ": أريك.

(6) في " م ": العراف، وفي الكافي: العواف، وفيه اختلاف يسير في سائر الأسماء.

الصفحة 130 

أبي طالب (عليه السلام)، ومن (1) بعد علي فإلى الحسن، ومن (2) بعد الحسن فإلى الحسين، ومن (3) بعد الحسين فإلى الأكبر فالأكبر من ولدي (4)، شهد الله على ذلك، وكفى به شهيدا، وشهد المقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب " (5).

40 / 40 - وحدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن (6) بغدان، قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي (7)، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الأموي، أبو صفوان (8)، عن ابن جريج (9)، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): أن فاطمة (عليها السلام) (10) أوصت لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لكل واحدة منهن باثنتي (11) عشرة أوقية، ولنساء بني هاشم مثل ذلك: وأوصت لأمامة بنت أبي العاص (12) بشئ.(13)

41 / 41 - وحدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتنا خديجة، قالت: أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا

____________

(1 - 3) في " ع، م ": وأن.

(4) في " ط ": ولده.

(5) نحوه في الكافي 7: 48 / 5 و 49 / 6 وكشف الغمة 1: 499.

(6) (محمد بن) ليس في " ط ".

(7) في " ط، ع، م ": الثوري، تصحيف، صوابه ما في المتن نسبه إلى بلدة توز من بلاد فارس، انظر " أنساب السمعاني 1: 491، تهذيب التهذيب 9: 233 ".

(8) هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبو صفوان، روى عن عبد الملك بن جريج، وروى عنه أبو يعلى التوزي.

وفي " ط، ع، م ": قال: حدثنا أبو صفوان، انظر " تهذيب الكمال 15: 35 ".

(9) وهو عبد الملك بن جريج.

(10) في " ع، م ": عن أبيه، عن فاطمة (عليها السلام) أنها.

(11) في " ط ": اثنتا.

(12) وهي ابنة زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصية من فاطمة (سلام الله عليها)، بعد وفاتها،، انظر " معجم رجال الحديث 23: 181، سير أعلام النبلاء 1: 335 ".

(13) البحار 43: 218 / 50.

الصفحة 131 

الربيع بن سليمان المرادي (1)، قال: حدثنا الشافعي، قال: حدثنا محمد بن علي بن شافع (2)، قال: أخبرني عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصدقت بمالها على بني هاشم وبني عبد المطلب، وأن عليا تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم (3).

خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام)

42 / 42 - روى أبو بكر أحمد بن محمد الخشاب الكرخي، قال: حدثنا زكريا ابن يحيى الكوفي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترك إلا الثقلين، كتاب الله وعترته أهل بيته، وكان قد أسر إلى فاطمة (صلوات الله عليها) أنها لاحقة به، وأنها أول أهل بيته لحوقا.

قالت (صلى الله عليها): بينا أنا بين النائمة واليقظى بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كان أبي قد أشرف علي، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه، انقطع عنا خبر السماء، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا، يقدمها ملكان، حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر، وبستان بعد بستان، وإذا قد اطلع علي من تلك القصور جواري كأنهن اللعب، وهن يتباشرن ويضحكن إلي، ويقلن: مرحبا بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها.

فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، في كل قصر من

____________

(1) في " ط ": الرازي، تصحيف صوابه ما في المتن، وهو أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المصري المؤذن المرادي، صاحب الشافعي وراوي كتب الأمهات عنه، ويروي عنه زكريا بن يحيى الساجي، انظر " تهذيب الكمال 9: 87 ".

(2) في " ط، ع، م ": عمر بن محمد بن علي بن شافع، وما في المتن هو الصواب، كما في سنن البيهقي، وهو محمد بن علي بن شافع بن السائب المطلبي المكي، روى عنه الشافعي ووثقه، انظر " تهذيب التهذيب 9: 353 ".

(3) سنن البيهقي 6: 161 و 183.

الصفحة 132 

البيوت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت (1)، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرة الكثير، وعليها ألحاف من ألوان (2) الحرير والديباج وآنية (3) الذهب والفضة، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن، وأطيب رائحة من المسك الأذفر، فقلت: لمن هذه الدار؟ وما هذا النهر (4)؟

فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله.

قلت: فما هذا النهر؟

قالوا: هذا الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه.

قلت: فأين أبي؟

قالوا: الساعة يدخل عليك.

فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا من تلك (5) القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي (صلى الله عليه وآله) جالس على تلك الفرش، ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني، وقال:

مرحبا بابنتي، وأخذني وأقعدني في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه!

فأراني قصورا مشرفات، فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفسا فإنك قادمة علي إلى أيام.

قالت: فطار قلبي، واشتد شوقي، وانتبهت من رقدتي (6) مرعوبة.

____________

(1) (ولا أذن سمعت) ليس في " ع، م ".

(2) في " ط ": اللحاف من، و " م ": عليها من ألوان.

(3) في " ط ": والديباج بألوان ومن أواني.

(4) في " ط ": هذه الأنهار.

(5) في " ع، م ": بياضا وأنور من تلك.

(6) (من رقدتي) أثبتناها من " م ".

الصفحة 133 

قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): فلما انتبهت من مرقدها صاحت بي، فأتيتها وقلت لها: ما تشكين؟ فخبرتني بخبر الرؤيا.

ثم أخذت علي عهدا لله ورسوله أنها إذا توفيت لا أعلم أحدا إلا أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأم أيمن، وفضة، ومن الرجال ابنيها، و عبد الله بن عباس، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، والمقداد، وأبا ذر، وحذيفة. وقالت: إني قد أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلا ليلا، ولا تعلم أحدا قبري.

فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه، أقبلت (1) تقول:

وعليكم السلام.

وهي تقول لي: يا بن عم، قد أتاني جبرئيل مسلما، وقال لي: السلام يقرئك (2) السلام، يا حبيبة حبيب الله، وثمرة فؤاده، اليوم تلحقين به في الرفيع (3) الأعلى وجنة المأوى، ثم انصرف عني.

ثم سمعناها ثانيا تقول: وعليكم السلام، فقالت: يا بن عم، هذا والله ميكائيل يقول لي كقول صاحبه.

ثم أخذت ثالثا (4) تقول: وعليكم السلام.

ورأيناها قد فتحت عينيها فتحا شديدا ثم قالت: يا بن عم، هذا والله الحق وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب، وقد وصفه لي أبي، وهذه صفته.

فسمعناها تقول: وعليك السلام يا قابض الأرواح، عجل بي ولا تعذبني. ثم سمعناها تقول: إليك ربي لا إلى النار، ثم غمضت عينيها، ومدت يديها ورجليها، كأنها لم تكن حية قط (5).

____________

(1) في " ط ": أخذت.

(2) في " ع ": يقرأ عليك.

(3) في " ع، م ": تلحقين بالرفيع.

(4) (أخذت ثالثا) ليس في " ع، م ".

(5) - البخار 43: 207 / 36.

الصفحة 134 

ويروى (1) غير ذلك وهو خبر صعب شديد.

خبر وفاتها ودفنها وما جرى لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع القوم

43 / 43 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثني أبي، قال: حدثني (2) أبو علي محمد بن همام بن سهيل (رضي الله عنه)، قال: روى أحمد ابن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (3)، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:

ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد (4) النبي (صلى الله عليه وآله).

وأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما.

وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة.

وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف (5) بأمره، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها.

وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها (6)، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا

____________

(1) في " ط ": وروي في وفاتها.

(3) في " م ": حدثنا.

(3) راجع تعليقنا على الحديث (18).

(4) في " ع، م ": ولد.

(5) نعل السيف: ما يكون في أسفل غمد السيف من حديد أو فضة ونحوهما " الصحاح - نعل - 5: 1832 ".

(6) شفع له إلى فلان: طلب أن يعاونه ويسعى له " أقرب الموارد - شفع - 1: 599 ".

الصفحة 135 

بنت رسول الله؟

قالت: بخير بحمد الله.

ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله "؟ قالا: بلى.

قالت: فوالله، لقد آذيتماني.

قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما. (1).

44 / 44 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن حفص الخثعمي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا عبيد بن ذكوان، عن أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي الحسين ابن علي وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي أمير المؤمنين وهو آخذ بشعره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره يقول: من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله (عز وجل) لعنه ملء السماوات وملء الأرضين (2).

45 / 45 - وحدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الرازي، قال: حدثنا علي بن الحسن البزاز، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الكلبي والأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (3).

____________

(1) بحار الأنوار 43: 170 / 11. وراجع الحديث (18).

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 250 / 3، أمالي الصدوق: 271 / 10، أمالي الطوسي 2: 67، مناقب الخوارزمي: 235.

(3) الجامع الصغير للسيوطي 2: 547 / 8267.

الصفحة 136 

رجع الحديث إلى تمام حديث أبي علي بن همام (1)

قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما.

قال: وروي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة، وخمسة وثمانين يوما بعد وفاة أبيها، فغسلها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يحضرها غيره، والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وفضة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل، ومعه الحسن والحسين، وصلى عليها، ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، ودفنها في الروضة، وعفى (2) موضع قبرها، وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا؟

وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا (3) الصلاة عليها! بل ولم (4) تعرفوا قبرها!

فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور (5) قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلى الله عليه)، فخرج مغضبا قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه (6)، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم، وقال (7): هذا علي بن أبي

____________

(1) وهو الحديث (43).

(2) في " ع ": عمي.

(3) في " ع، م ": وفاتها و.

(4) في " ع، م ": عليها ولا.

(5) في " ط ": نعين، وفي " ع ": يرون.

(6) أي برزت وظهرت. ومنه قولهم: بين عينيه عرق يدره الغضب.

(7) في " ع، م ": الناس النذير وقالوا.

الصفحة 137 

طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين (1).

فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها.

فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض، وقال له:

يا بن السوداء، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فاعرض يا عمر.

فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش (2) إلا خليت عنه، فإنا غير (3) فاعلين شيئا تكرهه.

قال: فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك.(4)

46 / 46 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين القمي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا علي بن مسكان، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال: قال لي أبي الحسين بن علي (عليهما السلام).

لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وعفى على موضع قبرها بيده، ثم قام فحول وجهه إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال:

" السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عن (5) ابنتك وزائرتك، والبائتة في

____________

(1) في " ع، م ": السيف على غابر الآخر.

(2) في " ط ": وبحق فاطمة.

(3) في " ط ": لسنا.

(4) بحار الأنوار 43: 171.

(5) في " ع ": عني والسلام على.

الصفحة 138 

الثرى ببقعتك (1)، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين صدري ونحري، بلى وفي كتاب الله أنعم القبول، إن لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.

يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، ولا يبرح ذلك من قلبي أو (2) يختار الله لي دارك التي أنت بها، كمد مبرح (3) وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، فإلى الله أشكو.

وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، فستقول وبحكم الله، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليك (4) سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملال، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

آه آه لولا غلبة المستولين لجعلت هنا المقام، والتزمت لزاما معكوفا (5)، ولأعولت إعوال الثكلى على الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، وتمنع إرثها، ولم يبعد بك العهد، ولا اخلولق منك الذكر، فإلى الله - يا رسول الله - المشتكى، وفيك أجمل العزاء، صلوات الله عليك وعليها معك، والسلام " (6).

____________

(1) في " ع ": النائية في الثرى ببقيعك.

(2) في " ط ": حتى، وكلاهما بمعنى، قال الشاعر:

 

وكنت إذا غمزت قناة قوم       كسرت كعوبها أو تستقيما

 

أي: كسرت كعوبها حتى تستقيم. والفعل بعدها منصوب بأن واجبة الاضمار.

(3) (مبرح) ليس في " ع، م "، وفي الكافي، مقيح.

(4) (والسلام عليك) ليس في " ع، م ".

(5) في " ط ": التزمت الحزم أشد لزام عكوفا، وفي الكافي: واللبث لزاما معكوفا.

(6) الكافي 1: 381 / 3، أمالي المفيد: 281، أمالي الطوسي 1: 107.

الصفحة 139 

 

أخبار في (1) مناقبها (صلوات الله عليها)

47 / 47 - حدثني أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور بن محمد، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، قال: حدثني عثمان بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن حماد بن أحمد الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال:

بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان (رضي الله عنه) إلى منزل فاطمة لحاجة.

قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدور من برا، ما عندها أنيس.

قال: فعدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله، رأيت أمرا عظيما!

فقال: هيه يا سلمان، تكلم بما رأيت وسمعت.

قال: وقفت بباب ابنتك يا رسول الله، وسلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدور من (2) برا ما عندها أنيس!

قال: فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا سلمان، إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها (3)، فتفرغت لطاعة الله (عز وجل) فبعث الله ملكا اسمه (روفائيل) - وفي رواية أخرى: (رحمة) - فأدار (4) لها الرحى فكفاها الله (عز وجل) مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة (5).

____________

(1) في " ع، م ": خبر.

(2) (من) ليس في " ط ".

(3) المشاش، جمع مشاشة: وهي رؤوس العظام اللينة " الصحاح - مشش - 3: 1019 ".

(4) في " ط ": يدير.

(5) مناقب ابن شهرآشوب 3: 337، الثاقب في المناقب: 290 / 248.

الصفحة 140 

48 / 48 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد (1) بن إبراهيم بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن بحر الجندي النيشابوري (2)، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا أبي، عن المفضل بن عمر، قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: قال سلمان الفارسي (رضي الله عنه):

خرجت مع رسول الله ذات يوم (3) وأنا أريد الصلاة، فحاذيت باب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإذا أنا بهاتف من داخل الدار وهو يقول: اشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير، فمضني (4) القول مضا شديدا، فدنوت من الباب فقرعته قرعا خفيفا، فأجابتني فضة، جارية فاطمة (عليها السلام)، فقالت: من هذا؟

فقلت: أنا سلمان ابن الاسلام.

قالت: وراءك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله من وراء الباب، عليها اليسير من الثياب.

فأخذت عباءتي فرميت بها داخل الباب فلبستها فاطمة (عليها السلام) ثم قالت: يا فضة، قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة.

فدخلت فإذا أنا بفاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر، فحانت مني التفاتة فإذا أنا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور (5) من الجوع، فقلت: جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله،

____________

(1) في " ع ": بن محمد، ولم نعثر عليه بكلا الضبطين فيما عندنا من المعاجم الرجالية، ولعله جعفر بن محمد بن مالك الفزاري أحد مشايخ أبي المفضل، كما سيأتي في باب الجواد (عليه السلام).

(2) في " ع، م ": السابوري، ولعله تصحيف (الجنديسابوري) منسوب إلى (جند يسابور) في خوزستان.

(3) في " ط ": ليلة.

(4) المض: الحرقة والألم والوجع.

(5) في " ع ": يتضوع، وفي " م ": يتضرع.

الصفحة 141 

قد دبرت كفاك من طحن الشعير وفضة قائمة!

فقالت: نعم يا أبا عبد الله أوصاني حبيبي رسول الله (1) أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها، واليوم يوم خدمتي.

قال سلمان: فقلت: جعلني الله فداك، إني مولى عتاقة.

فقالت: أنت منا أهل البيت.

قلت: فاختاري إحدى الخصلتين: إما أن أطحن لك الشعير، أو اسكت لك الحسن.

قالت: يا أبا عبد الله، أنا اسكته فإني أرفق، وأنت تطحن الشعير.

قال: فجلست حتى طحنت جزء من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت حتى صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فلما فرغت من الصلاة أتيت علي بن أبي طالب وهو بيمنة من (2) رسول الله فجذبت رداءه وقلت: أنت هاهنا وفاطمة قد دبرت كفاها من طحن الشعير؟!

فقام وإن دموعه لتحدر على لحيته، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لينظر إليه حتى خرج من باب المسجد، فلم يمكث إلا قليلا. فإذا هو قد رجع يتبسم من غير أن تستبين أسنانه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حبيبي (3) خرجت وأنت باك ورجعت وأنت ضاحك؟

قال: نعم بأبي أنت وأمي، دخلت الدار وإذا فاطمة نائمة مستلقية لقفاها، والحسن نائم على صدرها، وقدامها الرحى تدور من غير يد.

فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا علي، أما علمت أن لله ملائكة سائرة في الأرض يخدمون محمدا وآل محمد إلى أن تقوم الساعة؟! (4)

____________

(1) في " ط ": أوصاني أبي.

(2) في " ط ": الصلاة رأيت عليا وهو على ميمنة.

(3) في " ط ": يا علي، وفي " م ": يا علي حبيبي.

(4) الخرائج والجرائح 2: 530 / 6.

 

 

الصفحة 142 

49 / 49 - وحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن علي (1) بن خيران (2) الأنباري، قالا: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف، قال: حدثنا محمد بن يونس بن موسى القرشي، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن الفزاري الأشقر، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع، نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط.

قال: فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع (3).

50 / 50 - وحدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، قال: حدثنا عبد النور المسمعي، قال: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة (4)، عن إبراهيم، عن (5) مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما قدم علي الكوفة - يعني عبد الله بن مسعود - قلنا (6) له: حدثنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر الجنة، ثم قال: ما حدثتكم

____________

(1) (علي) ليس في " ط ".

(2) في النسخ: ابن جيران، ويأتي في الحديث (29) من دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) بعنوان: ابن خيران.

(3) في " ط ": الخاطف.

مناقب ابن شهرآشوب 3: 326، كفاية الطالب: 364، كشف الغمة 1: 457، الصواعق المحرقة: 190.

وسيأتي في الحديث: 67.

(4) كذا في المصادر، وهو الصواب، روى عن إبراهيم بن يزيد النخعي، وروى عنه شعبة. وصحف في " ط، ع، م ": عمر بن عميرة، انظر سير أعلام النبلاء 5: 196، تهذيب التهذيب 8: 102.

(5) في " ط، ع، م ": بن، تصحيف، وما في المتن من المصادر، وهو الصواب، راجع التعليقة السابقة وتهذيب الكمال 2: 233.

(6) في " ط ": فقلنا.

الصفحة 143 

عن رسول الله، فلم أزل أطلب الشهادة للحديث ولم أرزقها، وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في تبوك ونحن نسير معه:

إن الله (عز وجل) أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب ففعلت.

فقال لي جبرئيل: إن الله (عز وجل) قد بنى جنة من قصب اللؤلؤ، بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوتة مشدودة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجدا أخضر، فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، وجعل عليها غرفا، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ولبنة من در، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، وقبابا من در، قد شعبت بسلاسل الذهب، وحفت بأنواع التحف.

وبنى في كل قصر قبة، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء، فرشها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران والمسك والعنبر، وجعل في كل قبة [حوراء (1)] والقبة لها مائة باب، في كل باب جاريتان وشجرتان، وفي كل قبة فرش وكتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي. فقلت: يا جبرئيل، لمن بنى الله (عز وجل) هذه القبة؟

فقال: هذه جنة بناها الله (عز وجل) لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك، تحفة أتحفهما بها، وأقر بها عينك يا محمد (2).

51 / 51 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي بأرتاح (3)، قال: حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي (4) الأزدي

____________

(1) من المصادر.

(2) نوادر المعجزات: 98 / 16، أبو صالح المؤذن في الأربعين، على ما في عوالم فاطمة (عليها السلام): 142 / 4، ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1: 259 / 302 والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 76 بهذا الاسناد إلى ابن مسعود، الكنجي في كفاية الطالب: 320.

(3) أرتاح: مدينة من أعمال حلب " معجم البلدان 1: 140 ".

(4) في " ط، ع، م ": الحسن بن عباس، وما في المتن هو الصواب، ذكره في معجم البلدان 5: 153 نسبة إلى معان مدينة في طرف بادية الشام، وفيه أبو عبيد المعني، وأبو عبيد كنيته والمعني لقبه، نسبة إلى معن بن مالك من الأزد، وكذا في تهذيب تاريخ دمشق 4: 233، وفي " ع ": أبو عبد المغني، وفي لسان الميزان 2: 226 كما في المتن.

الصفحة 144 

المعاني بمعان، قال: حدثنا عبد الوهاب بن همام الحميري (1)، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي البصري قدم علينا اليمن، قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: حدثني حذيفة بن اليمان، قال:

لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أرسل معه النجاشي بقدح من غالية (2) وقطيفة منسوجة بالذهب هدية إلى النبي (صلى الله عليه وآله). فقدم جعفر (عليه السلام) والنبي بأرض خيبر، فأتاه بالقدح من الغالية والقطيفة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.

فمد أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أعناقهم إليها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):

أين علي؟ فلما جاءه قال له النبي: يا علي، خذ هذه القطيفة إليك. فأخذها علي (عليه السلام) وأمهل، حتى قدم إلى المدينة، فانطلق إلى البقيع - وهو سوق المدينة - فأمر صائغا ففصل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب، وكان ألف مثقال، ففرقه علي (عليه السلام) في فقراء المهاجرين والأنصار، ثم رجع إلى منزله ولم يبق له من الذهب قليل ولا كثير (3)، فلقيه النبي (صلى الله عليه وآله) من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار، فقال: يا علي، إنك أفدت (4) بالأمس ألف مثقال، فاجعل غداي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك. ولم يكن علي (عليه السلام) يرجع يومئذ إلى شئ من العروض ذهب أو فضة، فقال حياء منهم وتكرما: نعم يا رسول الله، ادخل - يا نبي الله - وفي الرحب والسعة أنت ومن معك.

قال: فدخل النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال لنا: ادخلوا.

____________

(1) كذا في الأمالي والجرح والتعديل 6: 70 نسبة إلى حمير من قبائل اليمن، وانظر سير أعلام النبلاء 9:

563 / 220، وفي " ط، ع، م ": الخيبري.

(2) الغالية: ضرب من الطيب: مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود " مجمع البحرين - غلا - 1:

319 ".

(3) في " ط ": الذهب شئ لا قليل ولا كثير.

(4) في " ط ": أخذت.

الصفحة 145 

قال حذيفة: وكنا خمسة نفر: أنا، وعمار، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد (رضوان الله عليهم) فدخلنا ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) يبتغي عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور، وعليها عراق (1) كثير، وكأن رائحتها المسك.

فحملها علي (عليه السلام) حتى وضعها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) ومن حضر (2)، فأكلنا منها حتى تملأنا (3) ولم ينقص منها قليل ولا كثير (4).

فقام النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل على فاطمة (عليها السلام)، فقال: أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ فردت عليه (5)، ونحن نسمع قولها، فقالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) إلينا مستبشرا (6)، وهو يقول: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي (7) ما رأى زكريا لمريم، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها: يا مريم، أنى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (8).

52 / 52 - وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن علي بن عيسى المعروف بابن الخياط القمي، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر العسكري، قال: حدثني صعصعة بن سياب بن ناجية أبو محمد، قال: حدثنا زيد بن موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمه زيد بن علي،

____________

(1) العرق: الفدرة من اللحم، جمعها عراق، وقيل العراق: العظم بغير لحم " لسان العرب - عرق - 10:

244 ".

(2) في " ع، م ": حضرها، وفي الأمالي: حضر معه.

(3) في " ط ": شبعنا، وكلاهما بمعنى واحد، انظر " لسان العرب - ملأ - 1: 159 ".

(4) في " ط ": منها شئ.

(5) في " ط ": يا فاطمة؟ فأجابته.

(6) في " ع، م ": مستعبرا.

(7) في " ط ": زيادة: فاطمة.

(8) أمالي الطوسي 2: 227، سعد السعود: 90، نحوه، مدينة المعاجز: 53.

الصفحة 146 

عن أبيه، عن سكينة وزينب ابنتي علي، عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية، وإن بنات الأنبياء لا يحضن (1).

53 / 53 - وعنه، عن أبي الحسن، قال: حدثني أحمد بن يزد المهلبي، قال:

حدثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى، قال: حدثني الحسين بن زيد، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، عن أبيه وفاطمة ابنة الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن أبيه، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة:

يا فاطمة: إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك (2).

54 / 54 - وأخبرني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي، قال: حدثني خديجة أم الفضل ابنة محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن عيسى الجلودي، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدثني أبي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، عن جابر ابن عبد الله، قال: قيل: يا رسول الله، إنك تقبل فاطمة وتلزمها وتدنيها منك، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك!

فقال (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة، فأكلتها، فتحولت في صلبي، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فأنا أشم منها رائحة الجنة.(3)

55 / 55 - وعنه، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا

____________

(1) البحار 81: 112 / 37.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2: 26 ذيل حديث 6 و 46 / 176، أمالي الصدوق: 313 / 1، صحيفة الرضا (عليه السلام): 90 / 23، أمالي المفيد: 94 / 4، الحاكم في المستدرك 3: 154، أمالي الطوسي 2: 41، أسد الغابة 5: 522، كفاية الطالب: 364، ذخائر العقبى: 39، فرائد السمطين 2: 46 / 378، كنز العمال 13:

674 / 37725، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1: 52.

(3) نوادر المعجزات: 99 / 17، علل الشرائع: 183 / 1.

الصفحة 147 

أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا عثمان بن عمران (1)، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، قال: حدثنا جبلة المكي، عن طاوس اليماني، عن ابن عباس، قال:

دخلت عائشة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقبل فاطمة، فقالت له: أتحبها يا رسول الله؟ فقال: إي والله، لو تعلمين حبي لها لازددت لها حبا.

إن الله (تبارك وتعالى) لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل، وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: ادن (2) يا محمد. فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي (3) يا جبرئيل؟!

فقال: نعم، إن الله (تبارك وتعالى) فضل أنبياءه المرسلين على جميع ملائكته المقربين، وفضلك (4) أنت خاصة.

فدنوت فصليت (5) في أهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم الخليل في روضة من رياض الجنة، قد اكتنفته جماعة من الملائكة.

ثم إني صرت إلى السماء السادسة، فنوديت: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي (6).

فلما صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة، فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وأطيب رائحة من المسك، وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها، فتحولت الرطبة في صلبي.

____________

(1) في العلل: عمر.

(2) في " ط ": تقدم.

(3) في " ع، م ": تحضرني.

(4) في " ع، م ": فضلت.

(5) في " ط ": فتقدمت وصليت.

(6) المحاسن: 179 / 169، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 30 / 39، أمالي الصدوق: 266 / 14، مناقب ابن المغازلي: 42 / 65، و 67 / 96 وبلفظ آخر في: 44 / 66، ابن عساكر في تاريخ دمشق ضمن ترجمة الإمام علي (عليه السلام) 1: 131 / 159 و: 124 / 150، كفاية الطالب: 185، فرائد السمطين 1: 109 / 77 و 110 / 78، والخوارزمي في المناقب: 209، ومقتل الحسين (عليه السلام) 1: 49.

الصفحة 148 

فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة الحوراء الإنسية، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحتها (1).

56 / 56 - وعنه، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، قال:

حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، عن عمر بن موسى، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن زينب بنت علي، قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت:

قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد كنت شهدت فاطمة قد ولدت بعض ولدها فلم نر لها دما، فقلت: يا رسول الله، إن فاطمة ولدت فلم نر لها دما! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أسماء، إن فاطمة خلقت حورية إنسية (2).

57 / 57 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عنبسة (3)، قال: حدثنا يحيى بن عيسى ابن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

إنما سميت فاطمة فاطمة لأنها فطمت هي وشيعتها وذريتها من النار (4).

____________

(1) علل الشرائع: 183 / 2.

(2) مناقب ابن المغازلي: 369 / 416 بإسناده إليه محمد بن زكريا الغلابي، كشف الغمة 1: 463 عن ابن بابويه يرفعه إلى أسماء، ونحوه في ذخائر العقبى: 44، ونزهة المجالس 2: 227، وسيأتي في الحديث (62).

(3) في رجال النجاشي: 262 / 686 علي بن محمد بن جعفر بن عنبسة الحداد العسكري، يقال له: ابن رويدة، وفي الخصال: 387 / 73 و: 394 / 98: علي بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عنبسة مولى الرشيد.

(4) نحوه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 46 / 174، ومعاني الأخبار: 64 / 14، وعلل الشرائع:

178 / 1 و: 179 / 5، وأمالي الطوسي 1: 300، وبشارة المصطفى: 184، ومناقب ابن المغازلي: 65 / 92، ومناقب ابن شهرآشوب 3: 329، ونحوه في ذخائر العقبى: 26، وفرائد السمطين 2: 57 / 384، ومقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1: 51، ونور الأبصار: 96.

الصفحة 149 

58 / 58 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين، أهي سيدة نساء عالمها؟

فقال: تلك مريم، كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (1).

59 / 59 - وحدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الطالقاني: قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة: لم سميت الزهراء؟

فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض (2).

60 / 60 - ويروى أنها (عليها السلام) سميت الزهراء لأن الله (عز وجل) خلقها من نور عظمته (3).

61 / 61 - وعنه، قال: أخبرني أبو جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ابن أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أسباط، قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان، قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن

____________

(1) معاني الأخبار: 107 / 1، ونحوه في مشكل الآثار 1: 51، وحلية الأولياء 2: 42، وذخائر العقبى: 43، ومقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1: 79.

(2) علل الشرائع: 181 / 3، معاني الأخبار: 64 / 15.

(3) علل الشرائع: 180 / 1، معاني الأخبار: 64 / 16.

الصفحة 150 

عبد الله، قال: حدثني عيسى بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، عن آبائه، عن عمر بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن البتول، وقيل له (1): سمعناك، يا رسول الله، تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول فما ذاك.

فقال: البتول التي لم تر حمرة قط.

أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء (2).

62 / 62 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي، قال:

أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد ابن زكريا، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، عن عمر بن موسى، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن زينب بنت علي (عليه السلام)، قالت: حدثتني أسماء بنت عميس، قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد كنت شهدت فاطمة قد ولدت بعض ولدها فلم نر لها دما (3).

يا أسماء، إن فاطمة خلقت حورية إنسية (4).

63 / 63 - وعنه، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال:

حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن زكريا (5)، قال: حدثنا العباس بن بكار، قال:

حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: قلت لأمي: صفي لي فاطمة (عليها السلام).

فقالت: كانت أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)، بيضاء مشربة (6) حمرة،

____________

(1) في " ع، م ": البتول وإنا، وفي العلل والمعاني: ما البتول فإنا.

(2) علل الشرائع: 181 / 1، معاني الأخبار: 64 / 17، مناقب ابن شهرآشوب 3: 330.

(3) في " ط " زيادة: وسألته فقال.

(4) تقدم في الحديث (56).

(5) (قال: حدثنا محمد بن زكريا) ليس في " ط، م " وما في المتن هو الصواب وهو الغلابي، راجع ميزان الاعتدال 2: 382 ولسان الميزان 3: 237.

(6) الإشراب: خلط لون بلون، كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر " النهاية - شرب - 2: 454 ".

الصفحة 151 

لها شعر أسود يتغفر (1) لها، كأنها القمر ليلة البدر، وكأنها شمس قرنت (2) غماما.

قال عبد الله: فكانت - والله - كما قال الشاعر:

 

بيضاء تسحب من قيام شعرها  وتغيب فيه وهو جثل أسحم (3)

فكأنها فيه نهار مشرق  وكأنه ليل عليها مظلم (4)

 

64 / 64 - وعنه، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثني أبو أحمد، قال: حدثنا المغيرة بن محمد، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني مصعب، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن الحسن بن الحسن: من أين لك إشراق الرباعية؟

قال: قلت: كان جدي لأمي إبراهيم بن مصعب مشرق الرباعية، قال: ومن أين له ذاك؟

فقلت: كان جعفر بن محمد مشرق الرباعية.

قال: ومن أين ذاك له؟

قلت: لا أدري.

قال: ولكني أدري، كانت خديجة بنت خويلد مشرقة الرباعية، وكانت فاطمة مشرقة الرباعية (5).

65 / 65 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا علي بن محمد بن

____________

(1) يتغفر: أي كان كالغفرة لها، وهو ما يغطى به الشئ، انظر " لسان العرب - غفر - 5: 26 ".

(2) قرنت: أي كأن الشمس قارنت الغمام وصاحبته، انظر " لسان العرب - قرن - 13: 336 ".

(3) شعر جثل: كثير لين، أسحم: أسود " أساس البلاغة - جثل - 51 و - سحم - 205 ".

أورد هذين البيتين القالي في أماليه 1: 227 والسيد المرتضى في أماليه 2: 97 والثعالبي في الاعجاز والايجاز: 181، ونسبوهما لبكر بن النطاح، وهو شاعر كان في زمن هارون الرشيد جيد القول حسن الشعر، انظر أخباره في الأغاني 17: 153 وتأريخ بغداد 7: 90.

(4) الحاكم في المستدرك 3: 161، وبذيله التلخيص للذهبي 3: 161.

(5) أشار لهذا الحديث في مناقب ابن شهرآشوب 3: 357.

الصفحة 152 

الحسن القزويني، المعروف بابن مقبرة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال:

حدثنا جندل بن والق، قال: حدثنا محمد بن عمر المازني، عن عباد الكلبي (1)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن فاطمة الصغرى عن الحسين بن علي، عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال:

رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر (2) عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشئ، فقلت: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟

فقالت: يا بني، الجار ثم الدار (3).

66 / 66 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، عن محمد بن زكريا الجوهري، قال:

حدثني شعيب بن واقد، قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عيسى بن زيد ابن علي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.

يا فاطمة، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها.

فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟

فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله (عز وجل) جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين (4).

____________

(1) في النسخ: الضبي وقد تقدم البحث عنه في سند الحديث (13).

(2) في " ط ": انفلق، وفي العلل: اتضح.

(3) علل الشرائع: 181 / 1.

(4) تقدم في الحديث (20).

الصفحة 153 

67 / 67 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب، قال:

أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري، قال: حدثنا محمد بن يونس القرشي، قال: حدثنا الحسين الأشقر، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم، وغضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد على الصراط.

قال: فيمر معه سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع (1).

68 / 68 - وعنه، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال:

حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا محمد بن سهل، قال: حدثنا عمرو بن عبد الجبار (2)، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن علي (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا معشر الخلائق، غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتى تمر فاطمة بنت محمد، فتكون أول من يكسى.

وتستقبلها من الفردوس اثنا عشر ألف حوراء، وخمسون ألف مالك، على نجائب من الياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب، ركبها من زبرجد، عليها رحل (3) من الدر، على كل رحل نمرقة من سندس، حتى يجوزوا بها الصراط، ويأتوا بها

____________

(1) تقدم في الحديث (49).

(2) (قال: حدثنا عمرو بن عبد الجبار) ليس في " ط، م " والصواب إثباته، وهو أبو يحيى عمرو بن عبد الجبار اليامي، نسبة إلى يام بطن من همدان، روى عنه أبو عبد لله محمد بن سهل بن عبد الرحمن العطار، انظر تاريخ بغداد 5: 315 ولسان الميزان 4: 368.

(3) في " ع، م ": الحلل.

الصفحة 154 

الفردوس، فيتباشر بمجيئها أهل الجنان، فتجلس على كرسي من نور، ويجلسون حولها.

وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش الرحمن، وفيها قصران: قصر أبيض، وقصر أصفر من لؤلؤة على عرق واحد، في القصر الأبيض سبعون ألف دار، مساكن محمد وآل محمد، وفي (1) القصر الأصفر سبعون (2) ألف دار، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم.

ثم يبعث الله (عز وجل) ملكا لها (3) لم يبعث إلى أحد قبلها، ولا يبعث إلى أحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني.

فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، وفضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم في.

قال: فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه: أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها، وحفظهم بعدها.

قال: فتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن، وأقر عيني. فيقر الله بذلك عين محمد (صلى الله عليه وآله) (4).

69 / 69 - وحدثني أبو علي الحسن بن الحسين بن العباس ابن دوما (5)، قال:

حدثنا: علي بن حبيب، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عامر، قال: حدثني أبي، قال:

حدثنا علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن

____________

(1) في " ع، م ": وإن في.

(2) في " ع، م ": لسبعين.

(3) (لها) ليس في " ع، م ".

(4) تأويل الآيات 2: 618 / 7.

(5) في " ع، م ": البرد وما. وهي تصحيف: ابن دوما، وهو أبو علي الحسن بن الحسين بن العباس بن الفضل بن المغيرة المعروف بابن دوما النعالي نسبة إلى عمل النعال وبيعها، وهو من مشايخ الخطيب البغدادي، انظر تاريخ بغداد 7: 300، أنساب السمعاني 5: 508.

الصفحة 155 

محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تحشر ابنتي فاطمة وعليها حلة الكرامة، قد عجنت بماء الحيوان، تنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها.

ثم تكسى أيضا حلة من حلل الجنة، وهي ألف حلة، مكتوب على كل حلة بخط أخضر: (أدخلوا ابنة محمد الجنة على أحسن صورة وأحسن كرامة، وأحسن منظر).

فتزف إلى الجنة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية (1).

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 30 / 38، صحيفة الرضا (عليه السلام): 122 / 79، ذخائر العقبى: 48، فرائد السمطين 2: 63 / 388، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1: 52، ينابيع المودة: 199.