فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في العدل

الصفحة 103 

قال أبو جعفر: باب الاعتقاد في العدل... إلى آخره(1)(2).

قال الشيخ المفيد أبو عبد الله - رحمه الله: العدل، هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم، هو منع الحقوق، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض(3) على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده.

فقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)(4) الآية، فخبر أن للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده وقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها. (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)(5) يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران.

____________

(1) الاعتقادات ص 69.

(2) بحار الأنوار 5: 335 / 2.

(3) بحار الأنوار 5: 335.

(4) يونس: 26.

(5) الأنعام: 160.

وقال النراقي الأول - قدس سره - في كتابه (مشكلات العلوم ص 162) عند كلامه على تفسير قول الله تعالى: (وإن الله ليس بظلام للعبيد) (آل عمران: 182): إن صيغة المبالغة إنما جئ بها لكثرة العبيد لا لكثرة الظلم في نفسه، فإن الظالم عل الجمع الكثير يكون كثير الظلم نظرا إلى كثرة المظلومين، فيصح الاتيان بصيغة المبالغة الدالة على كثرة أفراد الظلم نظرا إلى كثرة أفراد المظلوم، فمن كانت عبيده كثيرة فإن كان يظلم الكل فالأنسب به اسم الظلام دون الظالم، فإذ ألم يكن ظالما لشئ منهم فاللازم نفي الظلام عنه، إذ لو فرض صدور الظلم منه لكان ظلاما لا ظالما. ولذا إذا أفرد المفعول لا يؤتى بصيغة المبالغة، ومع كونه جمعا يؤتى بها، كقوله تعالى: (عالم الغيب) و (علام الغيوب) وقولهم: زيد ظالم لعبده، وزيد ظلام لعبيده.

والحاصل: أن صيغة المبالغة هنا لكثرة المفعول لا لتكرار الفعل. چ.

الصفحة 104 

فقال سبحانه: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم)(1) وقال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(2).

وقال سبحانه: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)(3) والحق الذي للعبد هو ما جعله الله تعالى حقا له واقتضاه [ جود الله وكرمه ](4)، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق، لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة.

وقد أجمع أهل القبلة(5) على أن من قال: إني وفيت(6) جميع ما لله تعالى علي وكافأت نعمه بالشكر، فهو ضال، وأجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر، وأن لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما

____________

(1) الرعد: 6.

(2) النساء: 48.

(3) يونس: 58.

(4) (ز): جوده أو كرمه.

(5) (ح): العقل.

(6) بحار الأنوار 5: 335.

الصفحة 105 

له عليهم، فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله وجوده وكرمه.

ولأن حال العامل الشاكر بخلاف حال من لا عمل له في العقول، وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد، ومن لا عمل له فليس في العقول له حمد، وإذا ثبت الفضل(1) بين العامل ومن لا عمل له(2) كان ما يجب في العقول من حمده(3) هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك، وإذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله(4) في العقول له حقا.

وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور، فقال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان)(5)(6).

____________

(1) في بعض النسخ: الفصل.

(2) بحار الأنوار 5: 366.

(3) (ق): الحمد.

(4) (ز): جعل.

(5) النحل: 90.

(6) بحار الأنوار 5: 336.