متن كتاب سليم 3

الصفحة 295 

4

مناشدات أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين في صفين

ثم صعد عليه السلام المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي

والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

مناقب علي عليه السلام لا تحصى

يا معاشر الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد، ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال في رسول الله صلی الله عليه و اله، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي.

أتعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه -

على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.

علي عليه السلام أفضل الأوصياء

قال: أنشدكم الله، سئل رسول الله صلی الله عليه و اله عن قوله: (والسابقون السابقون أولئك

المقربون) (1) فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء؟

فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم

أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن

ياسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك.

____________

١- سورة الواقعة: الآيتان 10 و 11.

الصفحة 296 

إعلان الولاية في غدير خم

قال: أنشدكم الله في قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي

الأمر منكم) (1)، وقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2)، ثم قال: (ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله

ولا المؤمنين وليجة) (3)، فقال الناس: (يا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم)؟ فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الآيات وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم.

فنصبني بغدير خم وقال: (إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني، فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني. قم يا علي). ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلى

بهم الظهر، ثم قال: (أيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من

أنفسهم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).

فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كما ذا؟ فقال: (ولاؤه كولايتي،

من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وأنزل الله تبارك وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (4)فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة).

____________

١- سورة النساء: الآية 59.

٢- سورة المائدة: الآية 55.

٣- سورة التوبة: الآية 16. وفي المصحف: ولم يتخذوا.

٤- سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 297 

ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (يا سلمان، اشهد أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب). فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، بينهم لنا. فقال: (علي أخي ووزيري

ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما من ولده.

أولهم ابني الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض).

فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما

قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفا، وأشهدنا رسول الله صلی الله عليه و اله على ذلك. وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا. فقال عليه السلام:

صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض.

فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن

ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول

رسول الله صلی الله عليه و اله وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه.

ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما ووصيا يكون وصي نبيكم فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته. فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).

ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (أيها الناس، إن الله - جل اسمه - أمركم في كتابه بالصلاة

وقد بينتها لكم وسننتها، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم، وأمركم في

كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب والأوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي، علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين

الصفحة 298 

ابني، لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.

يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو

أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني الله أن أعلمه إياه وأعلمكم أنه عنده، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم

مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم).

حديث الكساء وآية التطهير

ثم قال علي عليه السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله:

أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (1) فجمعني رسول الله صلی الله عليه و اله وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: (اللهم هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب

عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (إنك على

خير، وإنما أنزلت في وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من

ولد الحسين ابني - صلوات الله عليهم - خاصة ليس معنا غيرنا).

فقام كلهم فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة به.

الصادقون في القرآن هم الأئمة عليهم السلام

ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل في كتابه: (يا أيها

____________

١- سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 299 

الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (1)، فقال سلمان: يا رسول الله، أعامة هي أم خاصة؟ فقال: (أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة).

قال علي عليه السلام: وقلت لرسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك: يا رسول الله، لم خلفتني؟

فقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي.

فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من

رسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك.

الشهداء على الناس في القرآن هم الأئمة عليهم السلام

فقال عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله

حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم

النصير)(2) ، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم

شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم؟

قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا وأخي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولدي، واحدا بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم وهم مع القرآن،

لا يفترقون حتى يردوا علي الحوض. قالوا: اللهم نعم.

____________

١- سورة التوبة: الآية 119.

٢- سورة الحج: الآيتان 77 و 78.

الصفحة 300 

حديث الثقلين والنص على أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قام خطيبا - ولم يخطب

بعدها - وقال: (يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إلي اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)؟

فقالوا: اللهم نعم، قد شهدنا ذلك كله من رسول الله صلی الله عليه و اله. فقال عليه السلام: حسبي الله.

فقام الاثنا عشر من الجماعة البدريين فقالوا: نشهد أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين خطب

في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكل

أهل بيتك؟

فقال: لا ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل

مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده، هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين - ثم وصي ابني يسمى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثم وصي علي وهو ولده واسمه محمد، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الأمة. اسمه كاسمي وطينته كطينتي،

يأمر بأمري وينهى بنهيي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يتلو

بعضهم بعضا، واحدا بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه

وحججه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

فقام باقي السبعين البدريين ومثلهم من الآخرين فقالوا: ذكرتنا ما كنا نسينا، نشهد

أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.

ثم عاد عليه السلام إلى السؤال فلم يدع شيئا مما سأل عنه في مسجد رسول الله صلی الله عليه و اله في

خلافة عثمان (1) إلا ناشدهم فيه حتى أتى عليه السلام على آخر مناقبه وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيه، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.

____________

١- راجع عما قاله عليه السلام في خلافة عثمان: الحديث 11 من هذا الكتاب.

الصفحة 301 

5

كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنين عليه السلام

فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من

ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقا لقد هلك

المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته.

تقية أمير المؤمنين عليه السلام

ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام: لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك.

وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم، وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما

تقية إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك

بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: (إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (1)، فإذا سمعتموني أترحم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بني).

مشاهدات معاوية في السقيفة

والدليل على صدق ما أتوني به ورقوه إلي: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل

____________

١- روي في البحار: ج 31 ص 307 قال: كنا جلوسا عند علي عليه السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان ثم قال:

إني لم أسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

الصفحة 302 

من ذلك غيرنا، رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين - إذ بويع أبو بكر - فلم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.

لعمري لو كنت محقا لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلا وما لا يقرون به.

وسمعتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان - حين قال لك: (غلبت يا بن أبي طالب

على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي) ودعاك إلى

أن ينصرك - فقلت: (لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل)، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرها.

6

كتاب أمير المؤمنين عليه السلام جوابا لمعاوية

قال: فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام:

بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطت فيه

يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الأمة

أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت!

وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،

الصفحة 303 

الموافق لك كما وافق شن طبقة(1) ، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه.

والله لقد أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلا، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول الله صلی الله عليه و اله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته

على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمة جميعا إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم فليس من دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراما ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره.

وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا

وعباد الله خولا ومال الله دولا).

وقال رسول الله صلی الله عليه و اله: يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال: (جاهد في سبيل

الله لا تكلف إلا نفسك) (2)، وقال: (حرض المؤمنين على القتال) (3)، فكنت أنا وأنت المجاهدين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أؤمر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه

لا يعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام.

وإن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت

من حجتك، متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه، ولا سيما لما أتوك قبل (4) مخالفة ما

____________

١- قوله (وافق شن طبقة) مثل يضرب للشيئين يتفقان.

٢- إشارة إلى سورة النساء: الآية 84، والآية هكذا: (فقاتل في سبيل الله...).

٣- سورة الأنفال: الآية 65.

٤- لعل المراد من قوله (لما أتوك) أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.

الصفحة 304 

أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدع، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك (1) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة

عليهم.

إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه

لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت

قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكت عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت

لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك.

ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم

وجاهدتم من غير أن يكون معك فئة أعوان تقوي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.

وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى

ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول

ذا الفضل فضله، ولو شاء عجل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2)فقلت: شكرا لله

على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.

____________

١- المراد من قوله (إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم...)، إن استجابوا لك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان.

٢- سورة النجم: الآية 31.

الصفحة 305 

ثم قال صلی الله عليه و اله: يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى،

ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر

لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وترات

أحد.

وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم

بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك،

إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق.

واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون

لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الأمة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه.

ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلا، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة

وعذابا. وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرما ولا أصغر ذنبا وأهون بدعة وضلالة ممن استنالك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا، فإن الله يقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله

فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون

الصفحة 306 

الناس على ما آتاهم الله من فضله) (1)، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله

عز وجل: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (2)، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك

في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد؟

يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن

والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الأمة، فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين!

يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون

في آذانهم وقر وهو عليهم عمى.

يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفا من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلا

وقد رد عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم، وأنزل فيهم قرآنا قاطعا ناطقا عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل، (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (3)، الراسخون نحن آل محمد.

وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا: (آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) (4)،

وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (5)، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.

____________

١- سورة النساء: الآيات 54 ـ 51.

٢- سورة النساء: الآيتان 54 و 55.

٣- سورة آل عمران: الآية 7.

٤- سورة آل عمران: الآية 7.

٥- سورة النساء: الآية 83.

الصفحة 307 

آيتان نزلتا في معاوية

لعمري لو أن الناس - حين قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - سلموا لنا واتبعونا وقلدونا

أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية فما

فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم.

ولقد أنزل الله في وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها

ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) إلى قوله: (وأما من أوتي كتابه بشماله) (1)إلى آخر الآية، وذلك

أنه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه

فيدعى بي ويدعى بك.

يا معاوية، وأنت صاحب السلسلة الذي يقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما

حسابيه) إلى آخر القصص (2)، والله لقد سمعت ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.

آية نزلت في بني أمية

ونزل فيكم قول الله عز وجل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس

____________

١- الآية الأولى في سورة الانشقاق: الآية 6 وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا). والآية الثانية في سورة الحاقة: الآيات 37 - 19، وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ما ليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه...).

٢- سورة الحاقة: الآيات 29 - 25. وقوله (أنت صاحب السلسلة)، إشارة إلى قوله تعالى في الآية 32 من هذه السورة: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).

الصفحة 308 

والشجرة الملعونة في القرآن) (1)، وذلك حين رآى رسول الله صلی الله عليه و اله اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين

مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله صلی الله عليه و اله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلی الله عليه و اله. (2)

يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثوابا.

وقد سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله أنت ووزيرك وصويحبك، يقول: (إذا بلغ

بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). (3)

يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى

الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديما حاربوا أولياء

الرحمن، قال الله: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون

الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم). (4)

____________

١- سورة الإسراء: الآية 60.

٢- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 243 عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذه الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغربهم جميعا إلى الطائف.

فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة.

٣- قوله (كتاب الله دخلا) أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيدا وإماء ويتداولون مال الله بينهم.

٤- سورة آل عمران: الآية 21.

الصفحة 309 

يا معاوية، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي،

وإني مستشهد، وستلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم، وأن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين، يلي ذلك منه ابن الزانية.

إخباره عليه السلام عن تسلط بني أمية على الأمة

وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم

وخمسة من ولده تكملة اثني عشر إماما قد رآهم رسول الله صلی الله عليه و اله يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى، وأنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة. وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر.

إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام

وأن رجلا من ولدك مشوم ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قد نزع الله

من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته

وابن كم هو.

فيبعث جيشا إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب

منه رجل من ولدي زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.

وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته. وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه. فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيا بريا عند أحجار الزيت.

ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم

وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله

الصفحة 310 

عز وجل: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (1)- قال: من تحت أقدامكم - فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه.

ويبعث الله للمهدي أقواما يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف. والله

إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم. فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع، قال الله عز وجل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) (2)هذا لنا خاصة أهل البيت.

هدف أمير المؤمنين عليه السلام من مراسلاته لمعاوية

أما والله يا معاوية، لقد كتبت إليك هذا الكتاب وإني لأعلم أنك لا تنتفع به، وأنك

ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك، لأن الآخرة ليست من بالك وأنك بالآخرة لمن الكافرين. وستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة.

ومما دعاني إلى الكتاب إليك بما كتبت به: إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ورؤوس أصحابي لعل الله أن ينفعهم بذلك، أو يقرأه واحد ممن قبلك فيخرجه الله به وبنا من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتهم، وأحببت أن أحتج عليك.

7

جواب معاوية الأخير إلى أمير المؤمنين عليه السلام

فكتب إليه معاوية:

(هنيئا لك يا أبا الحسن تملك الآخرة، وهنيئا لنا نملك الدنيا)!

____________

١- سورة سبأ: الآية 51.

٢- سورة النمل: الآية 62.

الصفحة 311 

26

1

احتجاجات قيس بن سعد بن عبادة على معاوية

أبان عن سليم وعمر بن أبي سلمة - حديثهما واحد، هذا وذلك - قالا:

قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين عليه السلام وصالح

الحسن عليه السلام. فاستقبله أهل المدينة (1)، فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر من

الأنصار. فسأل عن ذلك، فقيل له: (إنهم محتاجون ليست لهم دواب)!

فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا معشر الأنصار، ما لكم

لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش؟ فقال قيس - وكان سيد الأنصار وابن سيدهم -: أقعدنا - يا أمير المؤمنين - أن لم تكن لنا دواب فقال معاوية: فأين النواضح؟ فقال

قيس: أفنيناها يوم بدر ويوم أحد وما بعدهما في مشاهد رسول الله حين ضربناك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون.

قال معاوية: اللهم غفرا. قال قيس: أما إن رسول الله قال: (إنكم سترون بعدي

إثرة). فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. فقال: فاصبروا حتى

تلقوه!

____________

١- في المثالب لابن شهرآشوب: فتلقته قريش بوادي القرى والأنصار بأبواء المدينة.

الصفحة 312 

ثم قال قيس: يا معاوية، تعيرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم

جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا. ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الإسلام الذي ضربناكم عليه.

فقال له معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتك إيانا، والله لقريش بذلك المن والطول.

ألستم تمنون علينا - يا معشر الأنصار - بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو

ابن عمنا ومنا؟ فلنا المن والطول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا.

سوابق أبي طالب عليه السلام في نصرة الإسلام

فقال قيس: إن الله عز وجل بعث محمدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى

الجن والأنس والأحمر والأسود والأبيض، واختاره لنبوته واختصه برسالته. فكان

أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وكان أبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه.

فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه عليا بموازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك عليا من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم.

فجمع رسول الله صلی الله عليه و اله جميع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلی الله عليه و اله وخادمه يومئذ علي عليه السلام، ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب، فقال: (أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي

في أمتي وولي كل مؤمن بعدي)؟

فسكت القوم حتى أعادها رسول الله صلی الله عليه و اله ثلاث مرات. فقال علي عليه السلام: (أنا يا رسول الله، صلى الله عليك). فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه

الصفحة 313 

وقال: (اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما). ثم قال لأبي طالب: (يا أبا طالب، اسمع

الآن لابنك علي وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى). وآخى بين

الناس وآخى بين علي وبين نفسه.

فلم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال: منهم أهل البيت

جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين، اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين. فإذا وضعت من قريش

رسول الله وأهل بيته وعترته الطيبين، فنحن والله خير منكم - يا معشر قريش - وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم.

لقد قبض رسول الله صلی الله عليه و اله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ثم قالوا: (لا نبايع

غير سعد). فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته من

رسول الله صلی الله عليه و اله. فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمد عليهم السلام.

ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.

فغضب معاوية وقال: يا بن سعد، عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته؟

أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي

وأعظم علي حقا من أبي. قال: ومن هو؟ قال: ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عالم هذه الأمة وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل وهو قوله عز وجل:

(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (1)فلم يدع قيس آية نزلت

في علي عليه السلام إلا ذكرها.

____________

١- سورة الرعد: الآية 43.

الصفحة 314 

فقال معاوية: فإن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله

بن سلام!

قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: (أفمن كان على بينة من

ربه ويتلوه شاهد منه) (1)، والذي أنزل الله جل اسمه فيه: (إنما أنت منذر ولكل قوم

هاد) (2)، والله لقد نزلت: (وعلي لكل قوم هاد)، فأسقطتم ذلك، والذي نصبه

رسول الله صلی الله عليه و اله بغدير خم فقال: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وقال له رسول الله في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

2

بداية خطة معاوية في لعن علي عليه السلام

وكان معاوية يومئذ بالمدينة، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله: (ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحل بنفسه العقوبة).

وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل بيته عليهم السلام بما ليس فيهم، واللعنة لهم.

____________

١- سورة هود: الآية 17.

٢- سورة الرعد: الآية 7.

الصفحة 315 

3

احتجاجات ابن عباس على معاوية

ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال

له: يا بن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك علي بقتالي إياكم يوم صفين. يا بن عباس، إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما.

قال له ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما، أفسلمتم الأمر إلى ولده، وهذا

ابنه؟ قال: إن عمر قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال: قتله المسلمون

قال: فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق.

قال معاوية: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف

لسانك - يا بن عباس - وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا.

قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم.

قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ قال: نعم.

قال: فأيما أوجب علينا، قرائته أو العمل به؟ قال معاوية: العمل به.

قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك من

يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه

آل أبي معيط أو اليهود والنصارى والمجوس؟ قال له معاوية: فقد عدلتنا بهم وصيرتنا منهم.

الصفحة 316 

قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه

من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية: فاقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم من تفسيره وما

قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس: قال الله في القرآن: (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله

إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). (1)

قال معاوية: يا بن عباس، اكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلا

فليكن ذلك سرا ولا يسمعه أحد منك علانية.

ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم.

4

اشتداد البلاء على الشيعة في عهد معاوية

ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته عليهم السلام، وكان أشد الناس بلية

أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زيادا أخاه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقد عرفهم وسمع كلامهم أول شئ.

____________

١- سورة التوبة: الآية 32.

الصفحة 317 

فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل

منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق. فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب.

وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: (أن لا تجيزوا

لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون

فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة).

تقريب معاوية جماعة عثمان واختلاق المناقب له

وكتب إلى عماله: (انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه، فأدنوا مجالسهم وأكرموهم وقربوهم

وشرفوهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل واسم أبيه وممن هو).

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات والكسي وأكثر

لهم القطائع من العرب والموالي. فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل والضياع واتسعت عليهم الدنيا. فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قرية فيروي في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع. فلبثوا بذلك ما شاء الله.

سعي معاوية في إحياء اسم أبي بكر وعمر

ثم كتب بعد ذلك إلى عماله: (أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل قرية

ومصر ومن كل ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في أبي بكر وعمر، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم

من مناقب عثمان وفضائله).

الصفحة 318 

فقرأ كل قاض وأمير من ولاته كتابه على الناس، وأخذ الناس في الروايات في

أبي بكر وعمر وفي مناقبهم.

أمر معاوية بتعليم المناقب الكاذبة للأطفال والنساء

ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل، وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقرائتها على المنابر وفي كل كورة وفي كل مسجد. وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن (1) وحتى علموها بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله. (2)

برنامج معاوية لإبادة الشيعة

ثم كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: (انظروا من قامت عليه

البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة).

ثم كتب كتابا آخر: (من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه).

فقتلوهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب، حتى لقد كان الرجل يغلط

بكلمة فيضرب عنقه. ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أنه كان الرجل من شيعة علي عليه السلام - وممن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها - ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ثم يلقي إليه سره فيخاف من خادمه ومملوكه،

فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه عليه.

____________

١- راجع عن المناقب المفتعلة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان: الحديث 10 من هذا الكتاب.

٢- زاد هنا في الإحتجاج: وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: (أنهم على دين علي وعلى رأيه).

فكتب إليه معاوية: (اقتل كل من كان على دين علي ورأيه)، فقتلهم ومثل بهم.

روي في البحار: ج 44 ص 212 من جملة ما كتبه الإمام الحسين عليه السلام إلى معاوية جوابا لرسالته:

(... أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثل بهم بأمرك).

الصفحة 319 

وجعل الأمر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور والبهتان، فنشأ الناس على ذلك ولم يتعلموا إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهائهم.

وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنه القراء المراءون المتصنعون، الذين يظهرون

لهم الحزن والخشوع والنسك، ويكذبون ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند

ولاتهم ويدنوا بذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل. حتى

صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق، فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا، حتى جمعت على ذلك مجالسهم وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب ويبغضون عليه أهله.

فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها

ولا تنقصوا من خالفهم. فصار الحق في ذلك الزمان باطلا والباطل حقا والصدق كذبا والكذب صدقا. وقد قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة. فإذا غير منها شئ قالوا: أتى الناس

منكرا، غيرت السنة)!

فلما مات الحسن بن علي عليه السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان، فلم يبق ولي لله

إلا خائفا على دمه أو مقتولا أو طريدا أو شريدا، ولم يبق عدو لله إلا مظهرا حجته غير مستتر ببدعته وضلالته.

الصفحة 320 

5

مناشدات واحتجاجات الإمام الحسين عليه السلام بمكة

فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته.

ثم أرسل رسلا: (لا تدعوا أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله

المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي).

فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل (1) وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين

ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلی الله عليه و اله وغيرهم.

فقام فيهم الحسين عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا

الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن

شئ، فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق

رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم

أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

____________

١- في الإحتجاج: ألف رجل.

الصفحة 321 

مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان الإمام الحسين عليه السلام

وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قاله

رسول الله صلی الله عليه و اله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا وشهدنا)، ويقول التابعي: (اللهم قد حدثني به من

أصدقه وأئتمنه من الصحابة). فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه.

قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين عليه السلام وذكرهم أن قال: أنشدكم الله أتعلمون أن علي بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلی الله عليه و اله حين آخى بين أصحابه، فآخى بينه وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله اشترى موضع مسجده ومنازله

فابتناه، ثم ابتنى فيه عشرة منازل، تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي.

ثم سد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه، فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلی الله عليه و اله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ثم نهى

الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنب في المسجد ومنزله في منزل

رسول الله صلی الله عليه و اله، فولد لرسول الله صلی الله عليه و اله وله فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد، فأبى عليه. ثم خطب صلی الله عليه و اله فقال: إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا

لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟ قالوا: اللهم نعم.

الصفحة 322 

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: (ليبلغ الشاهد الغائب)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال له في غزوة تبوك: (أنت مني

بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: (لأدفعه إلى رجل

يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا:

اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله بعثه ببراءة وقال: (لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم تنزل به شدة قط إلا قدمه لها ثقة به، وأنه لم يدعه باسمه قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قضى بينه وبين جعفر وزيد (1)، فقال له: (يا علي،

أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله صلی الله عليه و اله كل يوم خلوة وكل ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللهم نعم.

____________

١- راجع الحديث 11 من هذا الكتاب.

الصفحة 323 

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله فضله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم

نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب،

وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله أمره بغسله وأخبره أن جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا:

اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في آخر خطبة خطبها: (أيها الناس، إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا)؟ قالوا: اللهم نعم.

فلم يدع شيئا أنزله الله في علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة وفي أهل بيته من القرآن

ولا على لسان نبيه صلی الله عليه و اله إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا)،

ويقول التابعي: (اللهم قد حدثنيه من أثق به، فلان وفلان).

ثم ناشدهم أنهم قد سمعوه صلی الله عليه و اله يقول: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب، ليس يحبني وهو يبغض عليا) فقال له قائل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: لأنه مني وأنا منه، من أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)؟

فقالوا: (اللهم نعم، قد سمعنا). وتفرقوا على ذلك.

الصفحة 324 

27

ابن عباس يحكي قضية الكتف

أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: إني كنت عند عبد الله بن عباس في بيته وعنده

رهط من الشيعة. قال: فذكروا رسول الله صلی الله عليه و اله وموته، فبكى ابن عباس، وقال:

قال رسول الله صلی الله عليه و اله يوم الاثنين - وهو اليوم الذي قبض فيه - وحوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا

بعدي.

فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال: (إن رسول الله يهجر) فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله

وقال: (إني أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي)؟ فترك الكتف.

قال سليم: ثم أقبل علي ابن عباس فقال: يا سليم، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا

كتابا لا يضل أحد ولا يختلف.

فقال رجل من القوم: ومن ذلك الرجل؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل.

فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعت

عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: (إنه عمر). فقال: يا سليم، اكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك، فإن قلوب هذه الأمة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل والسامري.

الصفحة 325 

28

أحاديث عن حرب الجمل

قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول: شهدت يوم الجمل عليا عليه السلام، وكنا اثني عشر

ألفا وكان أصحاب الجمل زيادة على عشرين ومائة ألف.

وكان مع علي عليه السلام من المهاجرين والأنصار نحو من أربعة آلاف ممن شهد مع

رسول الله صلی الله عليه و اله بدرا والحديبية ومشاهده، وسائر الناس من أهل الكوفة إلا من تبعه (1) من أهل البصرة والحجاز ليست له هجرة ممن أسلم بعد الفتح. وجل الأربعة آلاف من الأنصار.

ولم يكره أحدا من الناس على البيعة ولا على القتال، إنما ندبهم فانتدب من أهل

بدر سبعون ومائة رجل، وجلهم من الأنصار ممن شاهد أحدا والحديبية، ولم يتخلف

عنه أحد.

وليس أحد من المهاجرين والأنصار إلا وهواه معه، يتولونه ويدعون له بالظفر

والنصر ويحبون ظهوره على من ناواه، ولم يحرجهم ولم يضيق عليهم وقد بايعوه،

وليس كل الناس يقاتل في سبيل الله. (2)

____________

١- أي مضافا إلى من تبعه من أهل البصرة ومن غير المهاجرين من أهل الحجاز الذين أسلموا بعد فتح مكة.

٢- أي عدم إكراهه عليه السلام لهم لا ينافي عدم خلوص نياتهم في الحرب.

الصفحة 326 

والطاعن عليه والمتبرء منه قليل مستتر عنه، مظهر له الطاعة غير ثلاثة رهط، بايعوه

ثم شكوا في القتال معه وقعدوا في بيوتهم: محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر.

وأسامة بن زيد سلم بعد ذلك ورضي، ودعا لعلي عليه السلام واستغفر له وبرئ من عدوه

وشهد أنه على الحق، ومن خالفه ملعون حلال الدم.

الصفحة 327 

29

احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة والزبير

قال أبان: قال سليم: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام، وأهل البصرة يوم الجمل نادى

علي عليه السلام الزبير: يا أبا عبد الله، اخرج إلي.

فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس

شاك في السلاح وأنت على بغلة بلا سلاح؟ فقال علي عليه السلام: إن علي من الله جنة واقية.

لن يستطيع أحد فرارا من أجله. وإني لا أموت ولا أقتل إلا على يدي أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.

فخرج إليه الزبير. فقال: أين طلحة؟ ليخرج. فخرج طلحة.

أصحاب الجمل ملعونون على لسان رسول الله صلی الله عليه و اله

فقال عليه السلام: نشدتكما بالله، أتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر

(أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلی الله عليه و اله) وقد خاب من افترى؟

فقال الزبير: كيف نكون ملعونين ونحن من أهل الجنة؟ فقال علي عليه السلام: لو علمت

أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم.

فقال الزبير: أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد: (أوجب طلحة الجنة، ومن أراد

أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حيا فلينظر إلى طلحة)؟ أوما سمعت رسول الله

الصفحة 328 

يقول: (عشرة من قريش في الجنة)؟ (1)

رد أمير المؤمنين عليه السلام حديث العشرة المبشرة

فقال علي عليه السلام: فسمهم. قال: فلان وفلان وفلان، حتى عد تسعة، فيهم أبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

فقال علي عليه السلام: عددت تسعة، فمن العاشر؟ قال الزبير: أنت فقال علي عليه السلام: أما أنت

فقد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإني به لمن الجاحدين. والله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب

صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم. سمعت ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله، وإلا فأظفرك الله بي وسفك دمي بيدك، وإلا فأظفرني الله بك وبأصحابك!

فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي.

إخراج زوجة رسول الله صلی الله عليه و اله بيد طلحة والزبير

ثم أقبل على طلحة فقال: يا طلحة، معكما نساؤكما؟ قال: لا. قال: عمدتما إلى

امرأة موضعها في كتاب الله القعود في بيتها فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام والحجال؟ ما أنصفتما رسول الله صلی الله عليه و اله من أنفسكم حيث أجلستما نسائكما في البيوت وأخرجتما زوجة رسول الله صلی الله عليه و اله وقد أمر الله أن لا يكلمن إلا من وراء حجاب.

 

أخبرني عن صلاة عبد الله بن الزبير بكما، أما يرضى أحدكما بصاحبه؟ أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي، ما يحملكما على ذلك؟

____________

١- في الإحتجاج: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

(عشرة من قريش في الجنة)؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته. فقال له علي عليه السلام:

لست أخبرك بشئ حتى تسميهم.

الصفحة 329 

فقال طلحة: يا هذا، كنا في الشورى ستة مات منا واحد وقتل آخر، فنحن اليوم

أربعة كلنا لك كاره.

فقال له علي عليه السلام: ليس ذلك علي، قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا وهو اليوم

في يدي. أرأيت لو أردت - بعد ما بايعت عثمان - أن أرد هذا الأمر شورى، أكان ذلك لي؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك بايعت طائعا.

فقال علي عليه السلام: وكيف ذلك، والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون: (لئن فرغتم وبايعتم واحدا منكم، وإلا ضربنا أعناقكم أجمعين) فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئا من هذا حيث بايعتماني؟ وحجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك وقد بايعتني أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين، وكنتما أول من فعل ذلك، ولم يقل أحد:

لتبايعان أو لنقتلنكما!

فانصرف طلحة ونشب القتال، فقتل طلحة وانهزم الزبير.

الصفحة 330 

30

مفتاح العلوم عند أمير المؤمنين عليه السلام

قال أبان: قال سليم: سمعت ابن عباس يقول: سمعت من علي عليه السلام حديثا لم أدر ما

وجهه ولم أنكره. سمعته يقول: (إن رسول الله صلی الله عليه و اله أسر إلي في مرضه، فعلمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب).

وإني لجالس بذي قار في فسطاط علي عليه السلام وقد بعث الحسن عليه السلام وعمارا إلى أهل الكوفة يستنفران الناس، إذ أقبل علي علي عليه السلام فقال: يا بن عباس، يقدم عليك الحسن ومعه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. (1)فقلت في نفسي: إن كان كما قال فهو من تلك الألف باب.

فلما أظلنا الحسن عليه السلام بذلك الجند استقبلتهم، فقلت لكاتب الجيش الذي معه

أسمائهم: كم رجل معكم؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.

____________

١- الترديد من الراوي، ورواه في البحار: ج 41 ص 300 بتفصيل أكثر هكذا: قال أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على الموت. قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من العدد أو يزيدوا عليه فيفسدوا الأمر علينا. وإني أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسعمائة ر جل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجئ القوم. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما ذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وإداوة. فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لأبايعك. قال علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك أو يفتح الله عليك. فقال: ما اسمك؟ قال: أويس القرني، قال: نعم، الله أكبر فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أني أدرك رجلا من أمته يقال له (أويس القرني)، يكون من حزب الله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عباس: فسري عنا.

الصفحة 331 

31

سلوني قبل أن تفقدوني

قال أبان عن سليم، قال: جلست إلى علي عليه السلام بالكوفة في المسجد والناس حوله.

فقال: سلوني قبل أن تفقدوني. سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلی الله عليه و اله وعلمني تأويلها.

فقال ابن الكواء: فما كان ينزل عليه وأنت غائب؟

فقال عليه السلام: بلى، يحفظ علي ما غبت عنه، فإذا قدمت عليه قال لي: (يا علي، أنزل الله بعدك كذا وكذا) فيقرأنيه، (وتأويله كذا وكذا) فيعلمنيه.

الصفحة 332 

32

افتراق الأمم

قال أبان: قال سليم: سمعت عليا عليه السلام وهو يقول لرأس اليهود: كم افترقتم؟ فقال:

على كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه السلام: كذبت!

ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة

بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل القرآن بقرآنهم.

افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة

وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى. وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين

فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى عليه السلام. وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصي محمد صلی الله عليه و اله - وضرب بيده على صدره -.

ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة منها في النار.

الصفحة 333 

33

أسماء أهل السعادة والشقاوة

قال أبان: قال سليم: قلت لابن عباس: أخبرني بأعظم ما سمعتم من علي بن

أبي طالب عليه السلام، ما هو؟

قال سليم: فأتاني بشئ قد كنت سمعته أنا من علي عليه السلام.

قال عليه السلام: دعاني رسول الله صلی الله عليه و اله وفي يده كتاب، فقال: يا علي، دونك هذا الكتاب.

فقلت: يا نبي الله، وما هذا الكتاب؟ قال: كتاب كتبه الله، فيه تسمية أهل السعادة وأهل الشقاوة من أمتي إلى يوم القيامة، أمرني ربي أن أدفعه إليك. (1)

____________

١- يناسب هنا أن أورد ما رواه في البحار: ج 17 ص 146 ح 40 بأسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال:

خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرى كتاب. فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب لأهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد). قال: ثم نشر الذي بيده اليسرى فقرأ: (كتاب من الله الرحمن الرحيم لأهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد).

وروي في البحار أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: انتهى النبي صلى الله عليه وآله إلى السماء السابعة وانتهى إلى سدرة المنتهى. قال: فقالت السدرة: ما جازني مخلوق قبلك. ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى.

قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وكتاب أصحاب الشمال. فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه ونظر فيه، فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم. قال: وفتح كتاب أصحاب الشمال ونظر فيه فإذا فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم. ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

الصفحة 334 

34

أخبار ليلة الهرير أشد مراحل حرب صفين

قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول - وسألته(1): هل شهدت صفين؟ فقال: نعم.

قلت: هل شهدت يوم الهرير؟ قال: نعم. قلت: كم كان أتى عليك من السن؟ قال:

أربعون سنة. (2)قلت: فحدثني رحمك الله.

قال: مهما نسيت من شئ من الأشياء فلا أنسى هذا الحديث. ثم بكى وقال:

صفوا وصففنا، فخرج مالك الأشتر على فرس له أدهم مجنب (3) وسلاحه معلق على

فرسه وبيده الرمح وهو يقرع به رؤوسنا ويقول: (أقيموا صفوفكم).

فلما كتب الكتائب (4) وأقام الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره وأقبل علينا بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله عليه و اله، ثم قال:

(أما بعد، فإنه كان من قضاء الله وقدره اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لآجال

قد اقتربت وأمور تصرمت، يسوسنا فيها سيد المسلمين وأمير المؤمنين

____________

١- أي وقد سألت سليما، وسيأتي في موارد من هذا الحديث قوله: (قال سليم). ويؤيد ذلك أن سليم كان حاضرا بصفين إلى آخرها كما هو صريح عدة أحاديث في هذا الكتاب.

٢- يستفاد من هذه العبارة أن سليما ولد بسنتين أو أربع سنين قبل الهجرة، وذلك أن وقعة صفين بدئت في سنة 36 وانتهت في سنة 38. فإذا كان عمر سليم آنذاك أربعون سنة يكون ميلاده إما بسنتين قبل الهجرة أو أربع سنوات.

٣- أي كان يقوده إلى جنبه ولم يركبه.

٤- كتب الكتائب أي هيأهم وجعلهم في فئات منظمة.

الصفحة 335 

وخير الوصيين وابن عم نبينا وأخوه ووارثه، وسيوفنا سيوف الله، ورئيسهم ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء والنار. ونحن نرجو بقتالهم

من الله الثواب، وهم ينتظرون العقاب. فإذا حمى الوطيس وثار القتال (1) وجالت الخيل بقتلانا وقتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله، فلا أسمعن إلا غمغمة (2) أو همهمة.

أيها الناس، غضوا الأبصار وعضوا على النواجذ من الأضراس فإنها أشد لضرب

الرأس، واستقبلوا القوم بوجوهكم وخذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم، فاضربوا الهام

وأطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف(3) الايسر فانه مقتل وشدوا شدة قوم موتورين

بآبائهم وبدماء إخوانهم حنقين على عدوهم، قد وطنوا أنفسهم على الموت،

لكيلا تذلوا ولا يلزمكم في الدنيا عار).

ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم، فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة

العرب(4). وكانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول. ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع:

الظهر والعصر والمغرب والعشاء. (5)

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد ليلة الهرير

قال سليم: ثم إن عليا عليه السلام قام خطيبا فقال: (يا أيها الناس، إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم وبعدوكم كمثل فلم يبق إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها،

____________

١- حمى الوطيس أي اشتد الحرب.

٢- الغمغمة: الكلام الذي لا يبين.

٣- الشرسوف: طرف الضلع المشرف على البطن.

٤- أي ساداتهم.

٥- قوله: (ما سجد لله...) أي كانوا يصلون صلاة الخوف حالة القيام، كما ورد ذلك عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (... وما كانت صلاة القوم يومئذ إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة). راجع أمالي الصدوق:

ص 332 والبحار: ج 32 ص 615 ح 482.

الصفحة 336 

وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا. وأنا غاد عليهم بالغداة

إن شاء الله ومحاكمهم إلى الله).

رفع المصاحف

فبلغ ذلك معاوية ففزع فزعا شديدا وانكسر هو وجميع أصحابه وأهل الشام

لذلك. فدعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إنما هي الليلة حتى يغدو علينا،

فما ترى؟ قال: أرى الرجال قد قلوا، وما بقي فلا يقومون لرجاله ولست مثله، وإنما يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره: أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء. وليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم. ولكن ألق إليهم أمرا إن ردوه اختلفوا وإن قبلوه اختلفوا دعهم إلى كتاب الله وارفع المصاحف على رؤوس الرماح، فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها لك.

كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام خديعة

فعرفها معاوية وقال: صدقت، ولكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا: (طلبي إليه الشام

على الموادعة)، وهو الشئ الأول الذي ردني عنه.

فضحك عمرو وقال: أين أنت يا معاوية من خديعة علي؟ وإن شئت أن تكتب فاكتب.

قال: فكتب معاوية إلى علي عليه السلام كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له (عبد الله

بن عقبة):

(أما بعد، فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمناه نحن، لم يجنها

بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به (1) ما مضى ونصلح ما بقي.

وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك علي

____________

١- أي نصلح ونأخذ في ترميمه.

الصفحة 337 

فأعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنك لا ترجو من

البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف، وقد والله رقت الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز

ولا يسترق به ذليل، والسلام).

جواب أمير المؤمنين عليه السلام لكتاب معاوية

قال سليم: فلما قرأ علي عليه السلام كتابه ضحك وقال: العجب من معاوية وخديعته لي

فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له: أكتب:

أما بعد، فقد جائني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك

إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض)، وإنا وإياك - يا معاوية - على غاية منها

لم نبلغها بعد.

وأما طلبك الشام، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف

والرجاء، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام أحرص

على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض)، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم، والسلام).

شماتة عمرو بن العاص بمعاوية

قال: فلما انتهى كتاب علي عليه السلام إلى معاوية كتمه عن عمرو، ثم دعاه فأقرأه. فشمت

به عمرو، وقد كان نهاه. ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي عليه السلام من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن دابته. فقال عمرو:

الصفحة 338 

ألا لله درك يا بن هند ودر المرء ذي الحال المسود

أتطمع - لا أبا لك - في علي وقد قرع الحديد على الحديد

وترجو أن تخادعه بشك وترجو أن يهابك بالوعيد

وقد كشف القناع وجر حربا يشيب لهولها رأس الوليد

له جاواه مظلمة طحول فوارسها تلهب كالأسود (1)

يقول لها إذا رجعت إليه وقابل بالطعان القوم عودي

فإن وردت فأولها ورودا وإن صدرت فليس بذي ورود

وما هي من أبي حسن بنكر وما هي من مسائك بالبعيد

وقلت له مقالة مستكين ضعيف القلب منقطع الوريد

طلبت الشام حسبك يا بن هند من السوءات والرأي الزهيد

ولو أعطاكها ما ازددت عزا وما لك في استزادك من مزيد

فلم تكسر بهذا الرأي عودا سوى ما كان، لا بل دون عود

فضيحة معاوية وعمرو بن العاص

فقال معاوية: والله لقد علمت ما أردت بهذا. قال عمرو: وما أردت به؟ قال: عيبك

رأيي وخلافك علي وإعظامك عليا، لما فضحك يوم بارزته.

فضحك عمرو وقال: أما خلافك ومعصيتك فقد كانت، وأما فضيحتي فلم يفتضح

____________

١- جاوى بالإبل: دعاه إلى الماء، والطحول: الملآن.

الصفحة 339 

رجل بارز عليا (1) ، فإن شئت أن تتلوها أنت منه فافعل!

فسكت معاوية وفشا أمرهما في أهل الشام.

____________

١- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 2 ص 161 عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن ابن عباس قال: تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السلام يوما من أيام صفين وظن أنه يطمع منه في غرة فيصيبه. فحمل عليه علي عليه السلام، فلما كاد أن يخالطه أذرى نفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته فصرف عليه السلام وجهه عنه وقام (أي ابن العاص) معفرا بالتراب هاربا على رجليه معتصما بصفوفه. فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين، أفلت الرجل. فقال: أتدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: إنه عمرو بن العاص، تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم، فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية، فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال: لقيني علي فصرعني قال: أحمد الله وعورتك!!

الصفحة 340 

35

أخبار مقطع من حرب صفين

قال أبان: قال سليم: ومر علي عليه السلام بجماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة بن

أبي معيط (1) وهم يشتمونه.

____________

١- أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 120 عن الأغاني: أن الوليد بن عقبة كان زانيا شريب الخمر.

فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلى بهم أربع ركعات. ثم التفت إليهم وقال لهم: أزيدكم؟ وتقيأ في المحراب، وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته:

علق القلب الربابا بعد ما شابت وشابا

وروى عن عدة طرق: أن طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له: قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت، وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله. وقال علي عليه السلام: اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه. فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد. فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة وأشخص الوليد. فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتا. فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين عليك فيكف. فلما رآى ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام أخذ السوط ودخل عليه... فجعل يضربه والوليد يسبه!

وفي رواية البحار: ج 8 طبع قديم ص 302: (فأقبل الوليد يروغ من علي عليه السلام. فاجتذبه وضرب به الأرض وعلاه بالسوط).

وابن النابغة هو عمرو بن العاص، وأمه كانت بغيا من ذوات الرايات من طوائف مكة. فوقع عليها ستة من قريش في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه فألحقته النابغة بالعاص بن وائل. راجع الغدير: ج 2 ص 121.

وأما أبو الأعور الأسلمي فهو عمرو بن سفيان كان ممن شهد معاهدة المنافقين ضد أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. ولم يزل معاديا لأمير المؤمنين عليه السلام حتى صار من أمراء جند معاوية بصفين وكان على مقدمته.

وأما مروان بن الحكم فهو الذي أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبيه من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف. ولما أدخل مروان - حين ولد - على النبي صلى الله عليه وآله قال: هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون. راجع الغدير:

ج 8 ص 244 و 260.

الصفحة 341 

فأخبر بذلك. فوقف فيمن يليهم من أصحابه ثم قال لهم:

(انهضوا إليهم وعليكم السكينة وسيماء الصالحين ووقار الإسلام. إن أقربنا من

الجهل بالله والجرأة عليه والاغترار لقوم رئيسهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور

السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود الحد في الإسلام والطريد مروان،

وهم هؤلاء يقومون ويشتمون. وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم

إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأوثان فالحمد لله قديما وحديثا على ما عاداني الفاسقون المنافقون. إن هذا الخطب لجليل، إن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين وعلى الإسلام متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهوائهم إلى الباطل. فقد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء نور الله، والله متم نوره

ولو كره الكافرون).

ثم حرض عليهم وقال: (إن هؤلاء لا يزالون عن موقفهم هذا دون طعن دراك (1)

تطير منه القلوب، وضرب يفلق الهام وتطيح منه الأنوف والعظام وتسقط منه

المعاصم، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد وتنشر حواجبهم على صدورهم

والأذقان والنحور. أين أهل الدين، طلاب الأجر)؟

حملة محمد بن الحنفية بأربعة آلاف على عسكر معاوية

فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف، فدعا محمد بن الحنفية فقال: (يا بني، امش

نحو هذه الراية مشيا وئيدا على هينتك (2) حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فامسك

____________

١- قوله (دراك) أي متواصل.

٢- أي بتمهل وتأني.

الصفحة 342 

حتى يأتيك رأيي)، ففعل.

وأعد علي عليه السلام مثلهم، فلما دنا محمد وأشرع الرماح في صدورهم أمر علي عليه السلام

الذين كان أعدهم أن يحملوا معهم. فشدوا عليهم ونهض محمد ومن معه في

وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وقتلوا عامتهم.

الصفحة 343 

36

دعاء رسول الله صلی الله عليه و اله لعلي عليه السلام

أبان عن سليم، قال: سألت المقداد عن علي عليه السلام، قال: كنا نسافر مع رسول الله صلی الله عليه و اله

- وذلك قبل أن يأمر نساءه بالحجاب - وهو يخدم رسول الله صلی الله عليه و اله ليس له خادم غيره، وكان لرسول الله صلی الله عليه و اله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة.

فكان رسول الله صلی الله عليه و اله ينام بين علي وعائشة ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام

رسول الله صلی الله عليه و اله من الليل يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتهم، ويقوم رسول الله صلی الله عليه و اله فيصلي.

فأخذت عليا عليه السلام الحمى ليلة فأسهرته، فسهر رسول الله صلی الله عليه و اله لسهره، فبات ليله مرة يصلي ومرة يأتي عليا عليه السلام يسليه وينظر إليه حتى أصبح. فلما صلى بأصحابه الغداة قال:

(اللهم اشف عليا وعافه، فإنه قد أسهرني مما به من الوجع). فعوفي، فكأنما أنشط من عقال ما به من علة.

ما سأل رسول الله صلی الله عليه و اله ربه لعلي عليه السلام

ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: أبشر يا أخي قال ذلك وأصحابه حوله يسمعون. فقال

علي عليه السلام: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك. قال: إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله. إني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن بعدي ففعل، وسألته إذا ألبسني ثوب النبوة والرسالة أن يلبسك ثوب الوصية والشجاعة ففعل، وسألته أن يجعلك وصيي ووارثي

الصفحة 344 

وخازن علمي ففعل، وسألته أن يجعلك مني بمنزلة هارون من موسى وأن يشد بك

أزري ويشركك في أمري ففعل، إلا أنه قال: (لا نبي بعدك) فرضيت، وسألته

أن يزوجك ابنتي ويجعلك أبا ولدي ففعل.

فقال رجل لصاحبه: أرأيت ما سأل؟ فوالله لو سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه

على عدوه أو يفتح له كنزا ينفقه هو وأصحابه - فإن به حاجة - كان خيرا له مما سأل وقال الآخر: والله لصاع من تمر خير مما سأل!

الصفحة 345 

37

1

ما قاله أصحاب الصحيفة الملعونة عند موتهم (1)

كلام معاذ بن جبل وما رآه عند الموت

عن أبان قال: سمعت سليم بن قيس يقول: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأزدي ثم الثمالي (2) ختن معاذ بن جبل - وكانت ابنته تحت معاذ بن جبل - وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهادا. قال:

مات معاذ بن جبل بالطاعون(3) ، فشهدته يوم مات - وكان الناس متشاغلين بالطاعون - قال: فسمعته حين احتضر وليس في البيت معه غيري - وذلك في خلافة عمر بن

____________

١- ينبغي أن نورد علي عليه السلام: (وما هم بخارجين من النار).

راجع عن تفصيل معاقدة أصحاب الصحيفة وأسمائهم: الحديث 4 من هذا الكتاب. وراجع عن سائر ما قاله أبو بكر وعمر عند مماتهم: البحار ج 8 طبع قديم ص 196 ب 18.

٢- عبد الرحمن بن غنم أسلم زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يره ولم يفد إليه. ولزم معاذ بن جبل منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن إلى أن مات معاذ في خلافة عمر. وكان يعرف بصاحب معاذ وكان أفقه أهل الشام وهو الذي فقه عامة التابعين من أهل الشام.

وكانت له جلالة وقدر وهو الذي عاتب أبا الدرداء وأبا هريرة بحمص لما انصرفا من عند علي عليه السلام رسولين لمعاوية. توفي عبد الرحمن سنة 78.

٣- وذلك في سنة 18 الهجرية.

الصفحة 346 

الخطاب - يقول: ويل لي ويل لي ويل لي ويل لي فقلت في نفسي: أصحاب

الطاعون يهذون ويتكلمون ويقولون الأعاجيب.

فقلت له: تهذي رحمك الله؟ فقال: لا.

فقلت: فلم تدعو بالويل؟ قال: لموالاتي عدو الله على ولي الله!

فقلت له: من هو؟ قال: لموالاتي عدو الله عتيقا وعمر على خليفة رسول الله ووصيه

علي بن أبي طالب.

فقلت: إنك لتهجر؟ فقال: يا بن غنم، والله ما أهجر هذا رسول الله وعلي بن

أبي طالب يقولان: يا معاذ بن جبل، أبشر بالنار أنت وأصحابك الذين قلتم: (إن مات رسول الله أو قتل زوينا الخلافة عن علي فلن يصل إليها)، أنت وعتيق وعمر وأبو عبيدة وسالم.

فقلت: يا معاذ، متى هذا؟ فقال: في حجة الوداع، قلنا: (نتظاهر على علي فلا ينال

الخلافة ما حيينا). فلما قبض رسول الله قلت لهم: (أنا أكفيكم قومي الأنصار، فاكفوني قريشا). ثم دعوت على عهد رسول الله إلى الذي تعاهدنا عليه بشير بن سعيد وأسيد بن حضير(1) ، فبايعاني على ذلك.

فقلت: يا معاذ، إنك لتهجر؟ قال: (ضع خدي بالأرض). فما زال يدعو بالويل

والثبور حتى قضى.

كلام أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة عند الموت

قال سليم: قال لي ابن غنم: ما حدثت به أحدا قبلك قط - لا والله غير رجلين، فإني

فزعت مما سمعت من معاذ. فحججت فلقيت الذي ولى موت أبي عبيدة بن الجراح

____________

١- بشير بن سعيد كان رئيس الخزرج. قتل في إمارة أبي بكر باليمن. وأسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسي الأنصاري الأشهلي كان رئيس الأوس. مات سنة 20، وهو ممن حمل الحطب إلى بيت فاطمة عليها السلام لإضرامه. فأصحاب الصحيفة لما يئسوا من سعد بن عبادة رئيس الأنصار أجمع تعاهدوا مع هذين اللذين كان كل واحد منهما رئيسا لنصف قبائل الأنصار.

الصفحة 347 

وسالم مولى أبي حذيفة(1) ، فقلت: أو لم يقتل سالم يوم اليمامة؟ قال: بلى، ولكن احتملناه وبه رمق. قال: فحدثني كل واحد منهما بمثله سواء، لم يزد ولم ينقص أنهما قالا كما

قال معاذ.

كلام أبي بكر عند الموت

قال أبان: قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر. فقال:

اكتم علي، وأشهد أن أبي عند موته قال مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي ليهجر!

كلام عمر عند الموت

قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان فحدثته بما قال أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتمن علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص.(2) ثم تداركها عبد الله بن عمر وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، لما قد علم من حبي له وانقطاعي إليه، فقال: إنما كان أبي يهجر!

توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث

فأتيت (3) أمير المؤمنين عليه السلام فحدثته بما سمعت من أبي وبما حدثنيه ابن عمر عن

أبيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد حدثني بذلك عن أبيه وعن أبيك وعن أبي عبيدة وعن سالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر. فقلت: من هو ذاك

يا أمير المؤمنين؟ فقال: بعض من يحدثني. قال: فعلمت من عنى. فقلت: صدقت

يا أمير المؤمنين، إنما حسبت إنسانا حدثك، وما شهد أبي - وهو يقول هذا - غيري. (4)

____________

١- مات أبو عبيدة في سنة 18 الهجرية في مدينة حمص بالشام، وقتل سالم في سنة 12 في وقعة اليمامة.

٢- راجع عن كلام عبد الله بن عمر عن أبيه: الحديث 11 من هذا الكتاب.

٣- هذا من كلام محمد بن أبي بكر.

٤- معناه: إني ظننت أولا أن الذي أخبرك عما جرى كان شخصا من الأشخاص، وحيث لم يكن عند قول أبي في ساعات موته أحدا غيري وأنت قلت (بعض من يحدثني) علمت أن الذي أخبرك لم يكن من البشر.

الصفحة 348 

قال سليم: فقلت لعبد الرحمن بن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبم مات أبو عبيدة بن الجراح؟ قال: بالدبيلة. (1)

2

بعض ما جرى عند موت أبي بكر

فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمن

وعائشة وعمر؟ قال: لا. قلت: وهل سمعوا منه ما سمعت؟ قال: سمعوا منه طرفا فبكوا وقالوا: يهجر. فأما كل ما سمعت أنا فلا.

أبو بكر يشاهد رسول الله وعليا عليهما السلام عند الموت

قلت: والذي سمعوا منه ما هو؟ قال: دعا بالويل والثبور، فقال له عمر: يا خليفة

رسول الله، ما لك تدعو بالويل والثبور؟ قال: هذا رسول الله وعلي معه يبشرني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: (لعمري لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين).

فلما سمعها عمر خرج وهو يقول: إنه ليهجر. قال: لا والله ما أهجر، أين تذهب؟

قال عمر: أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار. قال: الآن أيضا؟ أو لم أحدثك: أن محمدا

- ولم يقل رسول الله - قال لي وأنا معه في الغار: (إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر). فقلت: أرنيها. فمسح وجهي فنظرت إليها فاستيقنت عند ذلك أنه

____________

١- الدبيلة مصغرة: الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالبا.

الصفحة 349 

ساحر (1) فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر؟

فقال عمر: (يا هؤلاء إن أباكم يهجر فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لا يشمت بكم

أهل هذا البيت). ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني

من قوله ما لم يسمعوا.

إقرار أبي بكر بدخوله في تابوت جهنم

فقلت له لما خلوت به: يا أبه، قل: (لا إله إلا الله). قال: (لا أقولها أبدا ولا أقدر عليها

حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أي تابوت؟

فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت:

عمر؟ قال: نعم، فمن أعني؟ وعشرة في جب في جهنم عليه صخرة إذا أراد الله

أن يسعر جهنم رفع الصخرة.

لعن عمر على لسان أبي بكر

قلت: تهذي؟ قال: (لا والله ما أهذي. لعن الله ابن صهاك. هو الذي صدني عن الذكر

بعد إذ جاءني فبئس القرين (2)، لعنه الله، الصق خدي بالأرض)، فألصقت خده بالأرض

____________

١- روي في البحار: ج 8 ص 109 ح 10 بأسناده عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصديق؟ قال: نعم. قلت: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، وإنك لتراها؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ فقال: ادن مني. قال: فدنا منه فمسح على عينيه، ثم قال: أنظر.

فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر. ثم نظر إلى قصور أهل المدينة. فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت!

٢- قال الله تعالى في سورة الفرقان: الآيات 31 - 27: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا).

وقال تعالى في سورة زخرف: الآيات 39 - 36: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).

وروي في الكافي - كتاب الروضة - ص 27 في حديث طويل بأسناده عن الإمام الباقر عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه، فقال:... ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرء كل واحد منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).

فيجيبه الأشقى على رثوثة: (يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار، لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة...

الصفحة 350 

فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته.

ثم دخل علي عمر وقد غمضته، فقال: هل قال بعدي شيئا؟ فعرفته ما قال. فقال

عمر: يرحم الله خليفة رسول الله، اكتمه فإن هذا هذيان، وأنتم أهل بيت معروف لكم

في مرضكم الهذيان فقالت عائشة: صدقت وقالوا لي جميعا: لا يسمعن أحد منكم

من هذا شيئا فيشمت به ابن أبي طالب وأهل بيته.

قال سليم: فقلت لمحمد: من تراه حدث أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما

قالوا؟ فقال: رسول الله صلی الله عليه و اله، وإنه يراه في منامه كل ليلة، وحديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في الحياة واليقظة، فإن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة).

الصفحة 351 

قال سليم: فقلت لمحمد بن أبي بكر: من حدثك بهذا؟ قال: علي عليه السلام. فقلت: وأنا

سمعته أيضا منه كما سمعت أنت.

فقلت لمحمد: فلعل ملكا من الملائكة حدثه؟ قال: أو ذاك؟ قلت: وهل تحدث

الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ القرآن: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي

ولا محدث)؟(1) قال: قلت له: أمير المؤمنين عليه السلام محدث هو؟ قال: نعم، وكانت

فاطمة عليها السلام محدثة ولم تكن نبية، ومريم كانت محدثة ولم تكن نبية، وأم موسى ما كانت نبية وكانت محدثة، وكانت سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية.

توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث مرة ثانية

قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعي عزيت به أمير المؤمنين عليه السلام(2)

وخلوت به فحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وخبرته بما خبرني به

____________

١- سورة الحج: الآية 52، وفي المصحف: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته...) وقد ورد روايات متضافرة أنه في قراءة أهل البيت عليهم السلام: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث...) كما في المتن، وروى ابن شهرآشوب في المناقب: ج 3 ص 336: أن ابن عباس أيضا قرأ: (ولا محدث) كما روى الصفار في بصائر الدرجات: ص 321 ح 8 عن قتادة أنه قرأ:

(ولا محدث).

راجع عن آية المحدث وبيان معناها بصائر الدرجات للصفار: ص 324 - 320، الكافي للكليني: ج 1 ص 176 و 177 و 270، الإختصاص للشيخ المفيد: ص 323، أمالي الطوسي: ج 2 ص 21.

وقد أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 42 بحثا إضافيا حول آية المحدث ومعنى المحدث عند الشيعة وغيرهم، ونقل عن القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: ج 6 ص 99 قراءة ابن عباس (... ولا نبي ولا محدث). وكذلك نقله عن أبي جعفر الطحاوي في مشكل الآثار: ج 2 ص 257 وعن القرطبي في تفسيره: ج 12 ص 79. راجع أيضا البحار: ج 26 ص 66 ب 2.

٢- ذكر في مجمع النورين للمرندي: ص 206 أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس للتعزية بمحمد بن أبي بكر ثلاثة أيام لأنه ولده.

الصفحة 352 

عبد الرحمن بن غنم، قال: صدق محمد رحمه الله، أما إنه شهيد حي يرزق. (1)

خصائص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

يا سليم، إن أوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة هداة مهديون كلهم محدثون.

قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم؟ قال: ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم

ابني هذا - وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع - ثم ثمانية من ولده (2) واحدا بعد واحد. وهم الذين أقسم الله بهم فقال: (ووالد وما ولد) (3)، فالوالد رسول الله صلی الله عليه و اله وأنا، و (ما ولد) يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم.

قلت: يا أمير المؤمنين، فيجتمع إمامان؟ قال: نعم، إلا أن واحدا صامت لا ينطق

حتى يهلك الأول.

نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب،

نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:

موت أصحاب الصحيفة على الجاهلية

هذا ما خطه بيده أبان عن لسان سليم: (إن القوم - وهم أبو بكر وعمر وعثمان

وطلحة والزبير وأنس وسعد وعبد الرحمن بن عوف - شهدوا على أنفسهم عند

مماتهم: أنهم ماتوا على ما مات عليه آبائهم في الجاهلية...).

____________

١- ليعلم أن محمد بن أبي بكر كان ربيب علي بن أبي طالب عليه السلام وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع منذ زمن الصبا فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أبا غير علي عليه السلام ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره.

٢- أي من ولد علي بن الحسين عليه السلام.

٣- سورة البلد: الآية 3.

الصفحة 353 

38

افتراق الأمة إلى أهل حق وأهل باطل ومذبذبين

أبان عن سليم: قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنا لقعود عند

رسول الله صلی الله عليه و اله ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين كلهم بدريون.

فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: ستفترق أمتي بعدي ثلاث فرق: فرقة حق لا يشوبه شئ من

الباطل، مثلهم كمثل الذهب الأحمر كلما سبكته على النار ازداد جودة وطيبا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة أهل باطل لا يشوبه شئ من الحق، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا ونتنا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة أخرى ضلال مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إمامهم أحد هذه الثلاثة.

فسألتهم عن الثلاثة، فقالوا: إمام الحق والهدى علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص إمام المذبذبين، وحرصت عليهم أن يسموا لي الثالث فأبوا علي وعرضوا لي (1) حتى عرفت من يعنون به.

قال سليم: فحدثت أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة بما حدثني به سلمان وأبو ذر

والمقداد من قول رسول الله صلی الله عليه و اله حين رآى الثلاثة من أهل بدر من المهاجرين من قريش مقبلين، قال: (تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق) فسموك وسموا سعدا، والثالث

لم يسموا إلا بالمعاريض حتى علمت من عنوا.

____________

١- أي لم يصرحوا باسمه وذكروه بالتعريض.

الصفحة 354 

فقال عليه السلام: لا تلمهم يا سليم، فإن الأمة قد أشربت قلوبهم حبه كما أشربت قلوب

بني إسرائيل حب العجل. يا سليم، أفي شك أنت فيه من هو؟ قال: قلت: بلى (1)، ولكن أحب أن تسميه لي وأسمعه منك فأزداد يقينا.

قال: هو عتيق.

أمر الولاية أشد خبرية من الذهب والفضة

إن هذا الأمر الذي عرفكم الله ومن به عليكم أشد خبرية من الذهب والفضة، وأقل الأمة الذين يعرفونه، ولقد ماتت أم أيمن وإنها لمن أهل الجنة وما كانت تعرف ما عرفك

الله (2) ، فاحمد الله وخذ ما أعطاك الله وخصك به بشكر.

واعلم أن الله تعالى يعطي الدنيا البر والفاجر، وإن هذا الأمر الذي أنت فيه إنما يعطيه الله صفوته من خلقه. إن أمرنا لا يعرفه إلا ثلاثة من الخلق: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان.

يا سليم، إن ملاك هذا الأمر الورع لأنه لا ينال ولايتنا إلا بالورع.

____________

١- أي بلى أعرفه ولا أشك فيه.

٢- روي في البحار: ج 22 ص 265 ح 8 والكافي: ج 2 ص 405 عن أبي جعفر عليه السلام قال: أرأيت أم أيمن، فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

الصفحة 355 

39

غدير خم

أبو سعيد الخدري يروي بيعة الغدير

أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:

إن رسول الله صلی الله عليه و اله دعا الناس بغدير خم، فأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس. ثم دعا الناس إليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب عليه السلام فرفعها حتى نظرت إلى بياض إبط رسول الله صلی الله عليه و اله فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).

قال أبو سعيد: فلم ينزل عن المنبر حتى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (1) فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي.

شعر حسان في غدير خم بشهادة رسول الله صلی الله عليه و اله

فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله، ائذن لي لأقول في علي عليه السلام أبياتا. فقال صلی الله عليه و اله: قل على بركة الله.

فقال حسان: يا مشيخة قريش، اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله. ثم أنشأ يقول:

____________

١- سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 356 

ألم تعلموا أن النبي محمدا لدى دوح خم حين قام مناديا

وقد جاء جبريل من عند ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل الله ربهم وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا

عليك فما بلغتهم عن إلههم رسالته إن كنت تخشى الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه بيمنى يديه معلن الصوت عاليا

فقال لهم: من كنت مولاه منكم وكان لقولي حافظا ليس ناسيا

فمولاه من بعدي علي وإنني به لكم دون البرية راضيا

فيا رب من والى عليا فواله وكن للذي عادى عليا معاديا

ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا

ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا

نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب،

نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:

اعتراض أبي بكر وعمر في الغدير

قام رسول الله صلی الله عليه و اله في وقت الظهيرة وأمر بنصب خيمة وأمر عليا عليه السلام أن يدخل فيها، وأول من أمرهم رسول الله صلی الله عليه و اله هما أبو بكر وعمر. فلم يقوما إلا بعد ما سألا

رسول الله صلی الله عليه و اله: هل من أمر الله هذه البيعة؟ فأجابهما: نعم، من أمر الله جل وعلا، واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع عليا كافر، فإن قول علي قولي وأمره أمري. فمن خالف قول علي وأمره فقد خالفني.

وبعد ما أكد عليهم هذا الكلام أمرهم بالإسراع في البيعة. فقاما ودخلا على علي عليه السلام وبايعاه بإمرة المؤمنين. وقال عمر عند البيعة: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي

ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول الله صلی الله عليه و اله سلمان وأبا ذر بالبيعة، فقاما ولم يقولا شيئا....

الصفحة 357 

40

من خصال أمير المؤمنين عليه السلام

أبان عن سليم بن قيس قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: كانت لي من رسول الله صلی الله عليه و اله عشر خصال ما يسرني بإحديهن ما طلعت عليه الشمس وما غربت.

فقيل له: بينها لنا يا أمير المؤمنين.

فقال: قال لي رسول الله صلی الله عليه و اله: يا علي، أنت الأخ وأنت الخليل وأنت الوصي وأنت الوزير، وأنت الخليفة في الأهل والمال وفي كل غيبة أغيبها. ومنزلتك منى كمنزلتي

من ربي، وأنت الخليفة في أمتي. وليك وليي وعدوك عدوي، وأنت أمير المؤمنين

وسيد المسلمين من بعدي.

أثر حب أهل البيت عليهم السلام في ثبات الإيمان

ثم أقبل علي عليه السلام على أصحابه فقال: يا معشر الصحابة، والله ما تقدمت على أمر إلا

ما عهد إلي فيه رسول الله صلی الله عليه و اله. فطوبى لمن رسخ حبنا أهل البيت في قلبه. ليكون الإيمان أثبت في قلبه من جبل أحد في مكانه، ومن لم تصر مودتنا في قلبه إنماث (1) الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء.

والله ثم والله، ما ذكر في العالمين ذكر أحب إلى رسول الله صلی الله عليه و اله مني، ولا صلى القبلتين كصلاتي. صليت صبيا ولم أرهق حلما.

____________

١- أي ذاب.

الصفحة 358 

وهذه فاطمة بضعة من رسول الله صلی الله عليه و اله تحتي، هي في زمانها كمريم بنت عمران في زمانها.

وأقول لكم الثالثة: إن الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وهما من محمد كمكان

العينين من الرأس، وأما أنا فكمكان اليدين من البدن، وأما فاطمة فكمكان القلب من الجسد.

مثلنا مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

الصفحة 359 

41

كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله الأخيرة عن الشيعة

أبان عن سليم، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: عهد إلي رسول الله صلی الله عليه و اله يوم توفي

وقد أسندته إلى صدري وإن رأسه عند أذني، وقد أصغت المرأتان (1) لتسمعا الكلام.

فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: اللهم سد مسامعهما.

ثم قال لي: يا علي، أرأيت قول الله تبارك وتعالى (إن الذين آمنوا وعملوا

الصالحات أولئك هم خير البرية)(2) ، أتدري من هم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: فإنهم شيعتك وأنصارك، وموعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة إذا جثت الأمم على ركبها وبدا لله تبارك وتعالى في عرض خلقه ودعا الناس إلى ما لا بد لهم منه.

فيدعوك وشيعتك، فتجيئون غرا محجلين شباعا مرويين.

يا علي، (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها

أولئك هم شر البرية) (3)، فهم اليهود وبنو أمية وشيعتهم، يبعثون يوم القيامة أشقياء

جياعا عطاشى مسودة وجوههم.

____________

١- أي عائشة وحفصة.

٢- سورة البينة: الآية 7.

٣- سورة البينة: الآية 6.

الصفحة 360 

يوجد في آخر نسخ (ب) و (د) من كتاب سليم هذه الزيادة:

الأمر بحفظ الكتاب حتى ظهور الحق

صن هذا الكتاب يا جابر (1)، فالملك لبني العباس حتى يختم بعباد الله ذو العين

الآخرة (2) ويظهر ناد (3) بالحجاز ويخرب جامع الكوفة وما شيده الثاني بالفرات. وإذا

هلك ملك الترك تميد (4) لسان الشام ويكثر الملوك ويظهر الحق والحمد لله.

____________

١- لعل هذا خطاب من الإمام المعصوم عليه السلام إلى جابر بن عبد الله أو جابر بن يزيد الجعفي يأمره بالاحتفاظ بكتاب سليم. هذا وإن بقية الكلام إخبا‘ عن بعض الملاحم بصورة مجملة.

٢- روى الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 285 عن كعب الأحبار أنه قال: إذا ملك رجل من بني العباس يقال له (عبد الله)، وهو ذو العين، بها افتتحوا وبها يختمون، وهو مفتاح البلاء وسيف الفناء.

٣- (ب): نار.

٤- أي تضطرب.

الصفحة 361 

42

احتجاجات عبد الله بن جعفر على معاوية

أبان عن سليم، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية

ومعنا الحسن والحسين وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس.

فالتفت إلي معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشد تعظيمك للحسن والحسين

والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله أمهما لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس دونها!

فغضبت من مقالته وأخذني ما لم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنك لقليل المعرفة

بهما وبأبيهما وبأمهما. بل والله لهما خير مني ولأبوهما خير من أبي ولأمهما خير من

أمي. يا معاوية، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمهما، قد حفظته ووعيته ورويته.

قال معاوية: هات ما سمعت - وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس

والفضل بن عباس وابن أبي لهب - فوالله ما أنت بكذاب ولا متهم. فقلت: إنه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا، فلست أبالي إذا لم يكن في المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه فحدثنا فإنا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادعيتم.

الصفحة 362 

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن

قلت: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله - وقد سئل عن هذه الآية: (وما جعلنا الرؤيا التي

أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (1)- فقال: (إني رأيت اثني عشر

رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى.

فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص). وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا).

نص رسول الله صلی الله عليه و اله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

يا معاوية، إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول - وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد

والزبير بن العوام - وهو يقول: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)؟ فقلنا: بلى،

يا رسول الله. قال: (أليس أزواجي أمهاتكم)؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: (من كنت

مولاه فعلي مولاه - وضرب بيديه على منكب علي عليه السلام - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

(أيها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعلي من بعدي

أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين

من أنفسهم ليس لهم معه أمر).

إخبار رسول الله صلی الله عليه و اله عن شهادة نفسه والأئمة عليهم السلام

ثم عاد صلی الله عليه و اله فقال: (أيها الناس، إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسن

____________

١- سورة الأسراء: الآية 60.

الصفحة 363 

فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر). ثم أقبل على علي عليه السلام فقال:

(يا علي، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام. فإذا استشهد فابنه محمد أولى بالمؤمنين

منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام. ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر). ثم أعادها ثلاثا ثم قال: (وليس منهم

أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلهم هادون مهتدون تسعة

من ولد الحسين).

فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يبكي، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أتقتل؟

قال: (نعم، أهلك شهيدا بالسم، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغي بن طاغي، دعي

بن دعي، منافق بن منافق.

هلاك أبي بكر وعمر وعثمان بتقرير معاوية

فقال معاوية: يا بن جعفر، لقد تكلمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت وهلك

الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلكت أمة محمد وأصحاب محمد من

المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم.

فقلت: والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله.

فقال معاوية: يا حسن ويا حسين ويا بن عباس، ما يقول ابن جعفر؟ فقال

ابن عباس: إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسألهما، فشهدا أن الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلی الله عليه و اله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أول سنة جمعت الأمة على معاوية.

الصفحة 364 

قال سليم: وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب.

الحجج المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام

فقال معاوية: يا بن جعفر، قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت

في أمهما؟ - ومعاوية كالمستهزء والمنكر -.

فقلت: بلى، قد سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (ليس في جنة عدن منزل أشرف

ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي. نحن فيه أربعة عشر إنسانا، أنا وأخي

علي وهو خيرهم وأحبهم إلي، وفاطمة وهي سيدة نساء أهل الجنة، والحسن

والحسين وتسعة أئمة من ولد الحسين. فنحن فيه أربعة عشر إنسانا في منزل واحد أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، هداة مهديين.

أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وعن الله عز وجل. وهم حجج الله تبارك

وتعالى على خلقه وشهدائه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه. من أطاعهم

أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم، ولا تصلح الأرض إلا بهم. يخبرون الأمة بأمر دينهم وبحلالهم وحرامهم. يدلونهم على رضى ربهم

وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع.

يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده، يتوارثونه إلى يوم القيامة. أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيه وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم. لا يحتاجون إلى

أحد من الأمة في شئ من أمر دينهم، والأمة تحتاج إليهم. وهم الذين عنى الله في

كتابه (1) وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي

الأمر منكم). (2)

____________

١- )ج): عنى الله في كتابه. فلم يدع آية نزلت فيهم من القرآن إلا ذكرها.

٢- سورة النساء: الآية 59.

الصفحة 365 

قال: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن

أبي سلمة وأسامة بن زيد، فقال: كلكم على ما قال ابن جعفر؟ فقالوا: نعم. قال:

يا بني عبد المطلب، إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقا.

وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء. ولئن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم فأولئك في الناس قليل.

2

احتجاجات ابن عباس على معاوية

فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله عز وجل في كتابه: (وقليل من عبادي

الشكور)(1) ، ويقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)(2) ، ويقول: (إلا الذين

آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (3) ، ويقول لنوح: (وما آمن معه إلا قليل). (4)

وتعجب من ذلك يا معاوية؟ وأعجب من أمرنا أمر بني إسرائيل. إن السحرة قالوا

لفرعون: (اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا برب العالمين). (5)

فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه. فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر

____________

١- سورة سبأ: الآية 13.

٢- سورة يوسف: الآية 103.

٣- سورة ص: الآية 24.

٤- سورة هود: الآية 40. وقوله (يقول لنوح) أي قال لقصة نوح مع قومه لا أن الخطاب إلى نوح.

٥- سورة طه: الآية 72.

الصفحة 366 

وأراهم الأعاجيب وهم يصدقون به وبالتوراة يقرون له بدينه، فمر بهم على قوم

يعبدون أصناما لهم، فقالوا: (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (1)، ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري: (هذا إلهكم وإله

موسى) (2)، ثم قال لهم بعد ذلك: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم).(3) فكان

من جوابهم ما قص الله في كتابه: (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) (4) ، حتى قال موسى: (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)(5) ، ثم قال: (فلا تأس على القوم الفاسقين). (6)

فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء. وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع

رسول الله صلی الله عليه و الهومنازل منه قريبة، ومقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله

عز وجل على دينهم وإيمانهم، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم، كما فعل أصحاب موسى عليه السلام باتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته.

ونبينا صلی الله عليه و اله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن. واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل

مؤمن بعده، وأن كل من كان هو وليه فعلي وليه ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي

____________

١- سورة الأعراف: الآية 138.

٢- سورة طه: الآية 88.

٣- سورة المائدة: الآية 21.

٤- سورة المائدة: الآية 22.

٥- سورة المائدة: الآية 25.

٦- سورة المائدة: الآية 26.

الصفحة 367 

أولى به من نفسه، وأنه خليفته فيهم ووصيه، وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى

الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله. فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره.

رسول الله صلی الله عليه و اله لم يرض بانتخاب الناس في الخلافة

يا معاوية(1) ، أما علمت أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن

أبي طالب، ثم قال: (إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد

فعبد الله بن رواحة)، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم، أفكان يترك أمته لا يبين لهم خليفته فيهم؟ بلى والله، ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد البينة وكذبوا على رسول الله صلی الله عليه و اله فهلكوا وهلك من شايعهم وضلوا وضل من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين.

فقال معاوية: يا بن عباس، إنك لتتفوه بعظيم، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف،

وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك.

____________

١- من هنا إلى قوله: (شهادة أن لا إله إلا الله...) في (ج) هكذا: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله جعفرا إلى مؤتة فقال:

(وليت عليكم جعفرا، إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة)، فقتلوا جميعا. ثم يترك أمته لا يبين لهم من خلفائه من بعده؟ يأمرهم باتباع خيرهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ويتركهم يختارون لأنفسهم؟ إذا لكان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره لهم وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد البينة والحجة، وما تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله في عمياء ولا شبهة. وإنما هلك أولئك الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السلام وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فشبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم.

فقال معاوية: ما تقول يا حسن؟ فقال عليه السلام: يا معاوية، قد سمعت ما قال ابن جعفر وما قال ابن عباس.

والعجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك وجرأتك على الله أن تقول: (قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه) فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟ الويل لك ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة. لأقولن لك قولا ما أريد بذلك إلا أن يسمعه هؤلاء الذين حولي: إن الناس قد اجتمعوا على أشياء كثيرة وليس بينهم فيها اختلاف. اجتمعوا على شهادة أن لا إله إلا الله....

الصفحة 368 

فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها)، وإن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف

ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله،

واجتمعوا على تحريم الخمر والزنا والسرقة وقطع الأرحام والكذب والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه

وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرء بعضها من بعض، والثاني لم تقتتل عليه

ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه، وما يحدث زعمت

أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه. وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلی الله عليه و اله.

فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله

فقد سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلفت

فيهما. ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو،

فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا. وكان نبي الله صلی الله عليه و اله يقول: (رحم الله عبدا قال حقا فغنم، أو سكت فسلم).

جميع العلم عند أهل البيت عليهم السلام

فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة، لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها وجعلها أهلا في كتابه وعلى لسان نبيه صلی الله عليه و اله.

فالعلم فيهم وهم أهله، وهو عندهم كله بحذافيره، باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه.

الصفحة 369 

جمع وحفظ القرآن

يا معاوية، إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمارته (1) إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: (إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إلينا ما كتبت من القرآن).

فقال عليه السلام: تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه. فقلت: ولم؟ قال عليه السلام(2): لأن الله يقول:

(لا يمسه إلا المطهرون)(3) ، يعني لا يناله كله إلا المطهرون. إيانا عنى، نحن الذين

أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. وقال: (وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من

عبادنا)(4) ، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضربت الأمثال

وعلينا نزل الوحي.

قال: فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره فمن

كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه، وإلا لم يكتبه.

فمن قال - يا معاوية - إنه ضاع من القرآن شئ فقد كذب، هو عند أهله مجموع محفوظ.

أول إعلان رسمي عن إعمال الرأي في دين الله

ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: (اجتهدوا رأيكم واتبعوا ما ترون أنه الحق) فلم يزل هو وبعض ولاته وقد وقعوا في عظيمة، فكان علي بن أبي طالب عليه السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم. وكان عماله وقضاته يحكمون في شئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم، لأن

الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب.

____________

١- راجع عن طلب عمر قرآن أمير المؤمنين عليه السلام: الحديث 4 من هذا الكتاب.

٢- زاد في الإحتجاج هنا: قال: لأن الله تعالى قال: (والراسخون في العلم)، إيانا عنى ولم يعنك ولا أصحابك.

٣- سورة الواقعة: الآية 79.

٤- سورة فاطر: الآية 32.

الصفحة 370 

وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم فبالله نستعين

على من جحدهم حقهم وسن للناس ما يحتج به مثلك عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل.

الناس تجاه أهل البيت عليهم السلام ثلاثة

إنما الناس ثلاثة: مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا، فذلك ناج نجيب لله ولي، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دمائنا ويجحد حقنا ويدين بالبراءة منا،

فهذا كافر به مشرك ملعون، ورجل آخذ بما لا يختلفون فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله من ولايتنا ولم يعادنا، فنحن نرجو له فأمره إلى الله.

فلما سمع ذلك معاوية أمر للحسن والحسين عليهما السلام بألف ألف درهم، لكل واحد

بخمسمائة ألف.

الصفحة 371 

43

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام

يقال له (همام) (1)- وكان عابدا مجتهدا - فقال: يا أمير المؤمنين، صف لي المؤمنين كأني أنظر إليهم.

فتثاقل أمير المؤمنين عليه السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن، فإن الله مع

الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال له همام: أسألك بالذي أكرمك وخصك وحباك وفضلك بما آتاك لما وصفتهم لي.

فقام أمير المؤمنين عليه السلام على رجليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي

وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم قال:

أما بعد، فإن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لأنه

لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم. فقسم بينهم معايشهم

ووضعهم من الدنيا مواضعهم. وإنما أهبط آدم إليها عقوبة لما صنع حيث نهاه الله

فخالفه وأمره فعصاه.

المؤمن في الدنيا

فالمؤمنون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم

التواضع. خضعوا لله بالطاعة فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين

____________

١- هو همام بن شريح بن زيد بن مرة بن عمرو. راجع البحار: ج 67 ص 317، ج 68 ص 192 و 196.

الصفحة 372 

أسماعهم على العلم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، رضى عن

الله بالقضاء.

لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا

إلى الثواب وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم.

المؤمن والجنة والنار

فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها

معذبون. قلوبهم محزونة، وحدودهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الإسلام عظيمة.

صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسرها لهم رب كريم.

أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.

المؤمن في يومه ليلته

أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم (1) جوانحهم.

فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت إليها أنفسهم شوقا فظنوا أنها

نصب أعينهم، حافين على أوساطهم، يمجدون جبارا عظيما، مفترشين جباههم

وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم من النار. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم

وأبصارهم، واقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم وظنوا أن صهيل جهنم

وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.

____________

١- جمع الكلم بمعنى الجرح.

الصفحة 373 

وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء، برأهم الخوف فهم أمثال القداح (1)، ينظر إليهم

الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو قد خولطوا، قد خالط القوم أمر

عظيم.

إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة،

فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها

جلودهم. وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية، لا يرضون لله بالقليل

ولا يستكثرون له الجزيل.

علامات المؤمن الظاهرية

فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إن زكي أحدهم خاف مما يقولون

وقال: (أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من غيري. اللهم لا تؤاخذني بما

يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب).

ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين،

وحرصا على علم، وفهما في فقه، وعلما في حلم، وشفقة في نفقة، وكيسا في رفق، وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتحملا في فاقة، وصبرا في شدة، ورحمة

للمجهود(2) ، وإعطاء في حق، ورفقا في كسب، وطيبا في الحلال، ونشاطا في الهدى، وتحرجا عن الطمع، وبرا في استقامة، واعتصاما عند شهوة.

علامات المؤمن الباطنية

لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء عمله، مستبطأ لنفسه في العمل، يعمل

الأعمال الصالحة.

____________

١- برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام، والقداح هو السهم قبل أن ينصل ويراش.

٢- المجهود: الطاقة والاستطاعة.

الصفحة 374 

وهو رجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله الذكر. يبيت حذرا ويصبح فرحا،

حذرا لما حذر وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما

تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه بشره. ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرة عينه فيما

لا يزول. رغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى.

يمزج الحلم بالعلم والعلم بالعقل. تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا

زلله، متوقعا أجله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، متغيبا جهله، سهلا أمره، حريزا لدينه،

ميتة شهوته، مكظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالذي

قدر له، متينا صبره، محكما أمره، كثيرا ذكره.

لا يحدث بما اؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادة الأعداء، ولا يعمل شيئا من

الحق رياء ولا يتركه حياء. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.

يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. لا يعزب حلمه ولا يعجل

فيما يريبه، ويصفح عما تبين له. بعيد جهله، لين قوله، عائب منكره، قريب معروفه،

صادق قوله، حسن فعله، مقبل خيره، مدبر شره.

وهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور.

المؤمن والناس

لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيما يحب، ولا يدعى ما ليس له، ولا يجحد

حقا هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه.

لا يضيع ما استحفظ عليه، ولا ينابز بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يهم

بالحسد، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب.

مؤد للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطيئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى

عن المنكر. لا يدخل في الأمور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز.

الصفحة 375 

إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعل صوته. قانع

بالذي قدر له. لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له.

يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، ويبحث ليعلم.

لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبر على من سواه.

نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة. أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من

نفسه. إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له. بعده عمن تباعد عنه زهد

ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبرا ولا عظمة، ولا دنوه

خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. فهو إمام لمن خلفه من أهل البر.

تأثير خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في همام

قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشيا عليه. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله

لقد كنت أخافها عليه، وقال: (هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها). فقال له قائل: فما

بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لكل أجل لن يعدوه وسبب لا يجاوزه. فمهلا لا تعد، فإنما نفث على لسانك الشيطان.

ثم رفع همام رأسه فصعق صعقة وفارق الدنيا، رحمه الله.

الصفحة 376 

44

قوله صلی الله عليه و اله: (سلوني عما بدا لكم)

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن سلمان وأبي ذر والمقداد:

إن نفرا من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن محمدا ليخبرنا عن الجنة وما أعد الله فيها

من النعيم لأوليائه وأهل طاعته، وعن النار وما أعد الله فيها من الأنكال والهوان لأعدائه وأهل معصيته. فلو أخبرنا عن آبائنا وأمهاتنا ومقعدنا في الجنة والنار، فعرفنا الذي

يبنى عليه في العاجل والآجل!

فبلغ ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله، فأمر بلالا فنادى بالصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتى

غص المسجد وتضايق بأهله. فخرج مغضبا حاسرا عن ذراعيه وركبتيه حتى صعد

المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس، أنا بشر مثلكم أوحى إلي ربي، فاختصني برسالته واصطفاني لنبوته

وفضلني على جميع ولد آدم وأطلعني على ما شاء من غيبه. فاسألوني عما بدا لكم.

فوالذي نفسي بيده لا يسألني رجل منكم عن أبيه وأمه وعن مقعده من الجنة والنار إلا أخبرته. هذا جبرئيل عن يميني يخبرني عن ربي فاسألوني.

سؤال الناس عن أنسابهم وعن الجنة والنار

فقام رجل مؤمن يحب الله ورسوله، فقال: يا نبي الله، من أنا؟ قال: أنت عبد الله بن

جعفر، فنسبه إلى أبيه الذي كان يدعى به، فجلس قريرة عينه.

الصفحة 377 

ثم قام منافق مريض القلب مبغض لله ولرسوله فقال: يا رسول الله، من أنا؟ قال:

أنت فلان بن فلان راع لبني عصمة وهم شر حي في ثقيف، عصوا الله فأخزاهم.

فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد، وكان قبل ذلك لا يشك الناس أنه صنديد من صناديد قريش وناب من أنيابهم!

ثم قام ثالث منافق مريض القلب، فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال:

في النار ورغما فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد.

فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبك يا رسول الله نبيا،

ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. اعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، واستر سترك الله. فقال صلی الله عليه و اله: عن غير هذا - أو تطلب سواه (1) - يا عمر. فقال: يا رسول الله، العفو

عن أمتك.

خلق رسول الله وعلي عليهما السلام

فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك.

فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقين من تحت العرش، يقدسان الملك (2) من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام. ثم خلق من ذينك العمودين نطفتين

بيضاوين ملتويتين. ثم نقل تلك النطفتين في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب. فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا

____________

١- الظاهر أن المراد: عن غير هذا كنت تسأل، أو قال: (كنت تطلب سواه). ولعل كلا الجملتين معطوفتان للتوضيح لا من ترديد الراوي.

٢- أي الله تعالى.

الصفحة 378 

وصهرا وكان ربك قديرا). (1)

علي عليه السلام السبب بين الله وخلقه

يا علي، أنت مني وأنا منك. سيط (2) لحمك بلحمي ودمك بدمي. وأنت السبب فيما بين

الله وبين خلقه بعدي. فمن جحد ولايتك قطع السبب الذي فيما بينه وبين الله وكان ماضيا في الدركات.

يا علي، ما عرف الله إلا بي ثم بك. من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته!

يا علي، أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة. فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك والموقف موقفك والحساب حسابك. فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك. اللهم اشهد، اللهم اشهد.

 

ثم نزل صلی الله عليه و اله.

____________

١- سورة الفرقان: الآية 54.

٢- أي اختلط.

الصفحة 379 

45

كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله عن علي والأئمة عليهم السلام

أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلا

من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: (ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة)!

فبلغ ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع

الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله.

قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في

نسبه حتى انتهى إلى نزار. (1)

خلق أهل البيت عليهم السلام ونسبهم

ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي

عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه.

فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم. ثم

حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل ينقلنا

في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتدا (2) وأكرم المغارس منبتا بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.

____________

١- راجع عن نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء آبائه: الحديث 14 من هذا الكتاب.

٢- أي أخلصهما أصلا.

الصفحة 380 

ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن

والحسين وفاطمة والمهدي.

اختار الله محمدا وعليا والأئمة عليهم السلام حججا

ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني

رسولا ونبيا، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إلي أن أتخذه أخا وخليلا ووزيرا ووصيا وخليفة.

ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته

الوثقى. ( يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). (1)

ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيا (2) من أهل بيتي، فجعلهم

خيار أمتي واحدا بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم

أئمة هداة مهتدون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم.

هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه،

ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض.

فليبلغ الشاهد الغائب. اللهم اشهد، اللهم اشهد - ثلاث مرات -.

____________

١- . إشارة إلى سورة الصف: الآية 8، وفي القرآن: (ليطفؤوا).

٢- إن التصحيف إما في (بعدنا) وأنه كان في الأصل (بعدي)، أو في (اثني عشر) وأنه كان في الأصل (أحد عشر).

الصفحة 381 

46

أعظم مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان أبي ذر والمقداد

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: قلت لأبي ذر: حدثني رحمك الله

بأعجب ما سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام.

طاعة علي عليه السلام والبراءة من أعدائه عند الملائكة

قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن حول العرش لتسعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الطاعة لعلي بن أبي طالب والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته).

قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: سمعته يقول: (إن الله خص جبرئيل وميكائيل

وإسرافيل بطاعة علي والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته).

احتجاج الله على الأمم السالفة بعلي عليه السلام

قلت: فغير هذا رحمك الله. قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (لم يزل الله يحتج

بعلي في كل أمة فيها نبي مرسل، وأشدهم معرفة لعلي أعظمهم درجة عند الله).

علي عليه السلام الستر والحجاب بين الله وبين خلقه

قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: نعم، سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (لولا أنا

وعلي ما عرف الله، ولولا أنا وعلي ما عبد الله، ولولا أنا وعلي ما كان ثواب ولا عقاب.

ولا يستر عليا عن الله ستر، ولا يحجبه عن الله حجاب، وهو الستر والحجاب فيما بين

الله وبين خلقه).

الصفحة 382 

ولاية علي عليه السلام تطهير للقلب

قال سليم: ثم سألت المقداد فقلت: حدثني - رحمك الله - بأفضل ما سمعت من

رسول الله صلی الله عليه و اله يقول في علي بن أبي طالب.

قال: سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: إن الله توحد بملكه، فعرف أنواره نفسه (1)، ثم فوض إليهم أمره وأباحهم جنته. فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والأنس عرفه ولاية علي بن أبي طالب، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب.

منزلة الأنبياء عليهم السلام بالإقرار للنبي وعلي عليهما السلام

والذي نفسي بيده، ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب

عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ولا اتخذه خليلا إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما كلم الله موسى تكليما ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفته والإقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق

من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والإقرار لعلي بعدي.

ثم سكت، فقلت: فغير هذا رحمك الله.

علي عليه السلام الموكل بحساب الأمة

قال: نعم، سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها

____________

١- المراد من الأنوار المعصومون عليهم السلام ظاهرا أي عرفهم الله نفسه.

الصفحة 383 

والمتولي لحسابها. وهو صاحب السنام الأعظم وطريق الحق الأبهج السبيل، وصراط

الله المستقيم. به يهتدى بعدي من الضلالة ويبصر به من العمى. به ينجو الناجون

ويجار من الموت ويؤمن من الخوف، ويمحى به السيئات ويدفع الضيم وينزل

الرحمة.

وهو عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرحمة، ووجهه في السماوات والأرض وجنبه الظاهر اليمين، وحبله القوي المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، وبابه الذي يؤتى منه، وبيته الذي من دخله كان آمنا.

وعلمه على الصراط في بعثه. من عرفه نجا إلى الجنة ومن أنكره هوى إلى النار.

الصفحة 384 

47

ولاية علي عليه السلام هي الفارق بين الإيمان والكفر

وعنه عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول:

إن عليا باب فتحه الله، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا. (1)

____________

١- أورد الطبرسي في الإحتجاج: ج 1 ص 66، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في خطبته يوم الغدير: (قال الله تعالى: جعلت (عليا) علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار).

الصفحة 385 

48

وقائع السقيفة على لسان ابن عباس

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: كنت عند عبد الله بن عباس في بيته

ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام، فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال:

يا إخوتي، توفي رسول الله صلی الله عليه و اله يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف. واشتغل علي بن أبي طالب عليه السلام برسول الله صلی الله عليه و اله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته. ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلی الله عليه و اله، ولم يكن همته الملك لما كان رسول الله صلی الله عليه و اله أخبره عن القوم.

1

أخذ البيعة من علي عليه السلام بالإكراه

فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين، فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير، قال عمر لأبي بكر: (يا هذا، إن الناس أجمعين

قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر، فابعث إليه). فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له (قنفذ) فقال له: (يا قنفذ، انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله).

فانطلق فأبلغه. فقال علي عليه السلام: (ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، نكثتم وارتددتم.

الصفحة 386 

والله ما استخلف رسول الله غيري. فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي:

والله ما استخلفك رسول الله وإنك لتعلم من خليفة رسول الله).

فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة. فقال أبو بكر: (صدق علي، ما استخلفني

رسول الله) فغضب عمر ووثب وقام. فقال أبو بكر: (إجلس). ثم قال لقنفذ: (إذهب

إليه فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر)!

فأقبل قنفذ حتى دخل على علي عليه السلام فأبلغه الرسالة. فقال عليه السلام: (كذب والله، انطلق

إليه فقل له: والله لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك).

فرجع قنفذ فأخبرهما. فوثب عمر غضبان فقال: (والله إني لعارف بسخفه وضعف

رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله فخلني آتك برأسه) فقال أبو بكر: (إجلس)،

فأبى فأقسم عليه فجلس. ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: (أجب أبا بكر).

فأقبل قنفذ فقال: (يا علي، أجب أبا بكر). فقال علي عليه السلام: (إني لفي شغل عنه،

وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور).

هجومهم على بيت فاطمة عليها السلام وإحراقه

فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر. فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا

فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا. ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلی الله عليه و اله. فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: (يا بن أبي طالب، افتح الباب).

فقالت فاطمة عليها السلام: (يا عمر، ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه).

قال: (افتحي الباب وإلا أحرقناه عليكم)!

الصفحة 387 

فقال: (يا عمر، أما تتقي الله عز وجل، تدخل على بيتي وتهجم على داري)؟ فأبى

أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر.

ضرب الصديقة الطاهرة عليها السلام

فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: (يا أبتاه يا رسول الله) فرفع السيف وهو في غمده

فوجأ به جنبها فصرخت. فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: (يا أبتاه)!

أمير المؤمنين عليه السلام يهم بقتل عمر

فوثب علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلی الله عليه و اله وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة يا بن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي).

يريدون قتل الزهراء عليها السلام بالسيف!

فأرسل عمر يستغيث. فأقبل الناس حتى دخلوا الدار. وسل خالد بن الوليد السيف

ليضرب فاطمة عليها السلام فحمل عليه بسيفه، فأقسم على علي عليه السلام فكف.

إخراج أمير المؤمنين عليه السلام من البيت

وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا

لعلي عليه السلام، حتى كادت تقع فتنة. فأخرج علي عليه السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون: (ما أسرع ما خنتم

رسول الله صلی الله عليه و اله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم).

وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: (يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه

وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به). فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك.

الصفحة 388 

2

كيفية البيعة الجبرية

أول ما قال أمير المؤمنين عليه السلام عند البيعة الجبرية

فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر ملببا. فلما بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال

علي عليه السلام: (ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم يا أبا بكر، بأي حق وبأي

ميراث وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلی الله عليه و اله)؟

التهديد الأول لعلي عليه السلام

فقال عمر: دع عنك هذا يا علي، فوالله إن لم تبايع لنقتلنك فقال علي عليه السلام: (إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول). فقال عمر: (أما عبد الله المقتول فنعم، وأما

أخو رسول الله فلا) فقال علي عليه السلام: (أما والله، لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إلي خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا)، وأبو بكر ساكت لا يتكلم.

فقام بريدة فقال: يا عمر، ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلی الله عليه و اله: (انطلقا إلى علي

فسلما عليه بإمرة المؤمنين)، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: نعم.

فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة، ولكنك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده

الأمر فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة؟ وما يدخلك في هذا؟ فقال بريدة: (والله

لا سكنت في بلدة أنتم فيها أمراء). فأمر به عمر فضرب وأخرج.

ثم قام سلمان فقال: (يا أبا بكر، اتق الله وقم عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به

رغدا إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الأمة سيفان)، فلم يجبه أبو بكر. فأعاد

الصفحة 389 

سلمان فقال مثلها. فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر؟ وما يدخلك فيما هيهنا؟

فقال: مهلا يا عمر، قم يا أبا بكر عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون. والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما.

أتثبون على وصي رسول الله؟ فأبشروا بالبلاء وأقنطوا من الرخاء.

ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار، فقالوا لعلي عليه السلام: (ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن

بالسيف حتى نقتل). فقال علي عليه السلام: (كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله صلی الله عليه و اله وما أوصاكم به)، فكفوا.

التهديد الثاني لعلي عليه السلام

فقال عمر لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك؟ أو تأمر به فيضرب عنقه؟ - والحسن والحسين عليهما السلام قائمان على رأس علي عليه السلام - فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما: (يا جداه

يا رسول الله) فضمهما علي عليه السلام إلى صدره وقال: (لا تبكيا، فوالله لا يقدران على قتل أبيكما، هما أقل وأذل وأدخر (1) من ذلك.

وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول الله صلی الله عليه و اله وأم سلمة فقالتا: (يا عتيق، ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد). فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: (ما لنا وللنساء)!

____________

١- أي أصغر وأذل.

الصفحة 390 

التهديد الثالث لعلي عليه السلام

ثم قال: يا علي، قم بايع. فقال علي عليه السلام: إن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك.

قال عليه السلام: كذبت والله يا بن صهاك، لا تقدر على ذلك. أنت ألأم وأضعف من ذلك.

التهديد الرابع لعلي عليه السلام

فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: (والله إن لم تفعل لأقتلنك). فقام إليه

علي عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده!

التهديد الخامس لعلي عليه السلام

فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع. قال عليه السلام: فإن لم أفعل؟ قال: (إذا والله

نقتلك). واحتج عليهم علي عليه السلام ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي منه بذلك. ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس.

3

غصبهم فدكا هدية النبي صلی الله عليه و اله للزهراء عليها السلام!!

احتجاج الزهراء عليها السلام لإعادة فدك

قال: ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك. فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي

رسول الله صلی الله عليه و اله وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل

ولا ركاب؟ أما كان قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (المرء يحفظ في ولده بعده)؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها.

الصفحة 391 

منع عمر من كتاب أبي بكر برد فدك

فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال:

يا خليفة رسول الله، لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي. فقالت فاطمة عليها السلام: نعم، أقيم البينة. قال: من؟ قالت: علي وأم أيمن. فقال عمر: (لا تقبل شهادة امرأة عجمية

لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه). فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ

ما لا يوصف، فمرضت.

أبو بكر وعمر يعودان فاطمة عليها السلام

وكان علي عليه السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس. فكلما صلى قال له أبو بكر

وعمر: (كيف بنت رسول الله)؟ إلى أن ثقلت، فسألا عنها وقالا: (قد كان بيننا وبينها

ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا)؟ قال عليه السلام: ذاك إليكما.

فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها: (أيتها الحرة، فلان

وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين)؟ قالت عليها السلام: البيت بيتك والحرة

زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال: (شدي قناعك)، فشدت قناعها وحولت وجهها إلى

الحائط.

دعاء فاطمة عليها السلام على أبي بكر وعمر

فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي الله عنك. فقالت: ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا:

اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك. فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدا لك. قالت: نشدتكما

بالله هل سمعتما رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني)؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: (اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى

الصفحة 392 

رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما).

قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا. فقال عمر: تجزع

يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟

4

وصية فاطمة الزهراء عليها السلام وشهادتها

قال: فبقيت فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلی الله عليه و اله أربعين ليلة. فلما اشتد بها الأمر دعت عليا عليه السلام وقالت: (يا بن عم، ما أراني إلا لما بي، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي، وتتخذ لي نعشا، فإني رأيت الملائكة يصفونه لي.

وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة علي).

قال ابن عباس: وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (أشياء لم أجد إلى تركهن سبيلا، لأن القرآن بها أنزل على قلب محمد صلی الله عليه و اله: قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذي أوصاني وعهد إلي خليلي رسول الله بقتالهم، وتزويج أمامة بنت زينب أوصتني بها

فاطمة عليها السلام).

قال ابن عباس: فقبضت فاطمة عليها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلی الله عليه و اله. فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ويقولان له: (يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله).

الصفحة 393 

فلما كان في الليل دعا علي عليه السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا،

فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها.

أراد عمر نبش قبر الزهراء عليها السلام فواجهه أمير المؤمنين عليه السلام

فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.

فقال عمر: والله لا تتركون - يا بني هاشم - حسدكم القديم لنا أبدا. إن هذه الضغائن

التي في صدوركم لن تذهب والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها.

فقال علي عليه السلام: (والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لأرجعت إليك يمينك. والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك). (1) فانكسر عمر وسكت، وعلم أن

عليا عليه السلام إذا حلف صدق.

ثم قال علي عليه السلام: يا عمر، ألست الذي هم بك رسول الله صلی الله عليه و اله وأرسل إلي، فجئت متقلدا بسيفي، ثم أقبلت نحوك لأقتلك، فأنزل الله عز وجل: (فلا تعجل عليهم إنما

نعد لهم عدا)(2) ، فانصرفوا.

____________

١- أي اقصد نحوه إن قدرت عليه.

٢- سورة مريم: الآية 84.

الصفحة 394 

5

مؤامرتهم لقتل أمير المؤمنين عليه السلام

قال ابن عباس: ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: (لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل

حيا) فقال أبو بكر: من لنا بقتله؟ فقال عمر: (خالد بن الوليد) فأرسلا إليه فقالا:

(يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فوالله إن

حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت. فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له!

فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا

سلمت فاضرب عنقه. قال: نعم. فافترقوا على ذلك.

ندامة أبي بكر عند إجراء المؤامرة

ثم إن أبا بكر تفكر فيما أمر به من قتل علي عليه السلام وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به. فلم ينم ليلته تلك حتى أصبح ثم أتى

المسجد وقد أقيمت الصلاة. فتقدم فصلى بالناس مفكرا لا يدري ما يقول.

وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف حتى قام إلى جانب علي عليه السلام، وقد فطن

علي عليه السلام ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلم: (يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك) ثم سلم عن يمينه وشماله.

المواجهة لمؤامرة القتل

فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه.

الصفحة 395 

فقال العباس: حلفوه بحق القبر (لما كففت). فحلفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى

منزله.

وجاء الزبير والعباس وأبو ذر والمقداد وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا:

(والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل) واختلف الناس وماجوا واضطربوا.

وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: (يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة

لرسول الله وأهل بيته لطالما أردتم هذا من رسول الله صلی الله عليه و اله، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالأمس، ثم أنتم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده؟ كذبتم ورب الكعبة. ما كنتم تصلون إلى قتله).

حتى تخوف الناس أن تقع فتنة عظيمة.