متن كتاب سليم 1

أسانيد الكتاب

أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي

*أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.

*وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة.

*وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.

 

الصفحة 124 

*وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهرآشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه.

أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم

قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.(1)

قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري،

قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.(2)

____________

١- في فهرست الشيخ الطوسي هكذا: ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه، ورواه حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عنه.

أقول: الظاهر توسط عمر بن أذينة بين أبان وحماد كما مر في المقدمة.

٢- الأسانيد المذكورة إلى هنا هي التي توجد في مفتتح نسخة (ألف)، وهناك سند آخر في مفتتح نسخة (ب) هكذا: (قال: حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال:

أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني بصنعاء - شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته...).

والظاهر توسط ابن أذينة بين معمر وأبان.

وهناك أيضا سند آخر في مفتتح نسخة (د) هكذا: حدثنا الحسن بن أبي يعقوب الدينوري قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان بن أبي عياش. ومر الكلام حول الأسناد في المقدمة.

الصفحة 125 

2

مسيرة الكتاب التاريخية

كيف تعرف ابن أذينة على أبان؟

قال عمر بن أذينة: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعا. إني رأيتك الغداة ففرحت بك.

إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: (يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها، وف لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب).

فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك وذكرت رؤياي سليم بن قيس.

كيف تعرف أبان على سليم؟

لما قدم الحجاج العراق (1) سأل عن سليم بن قيس، فهرب منه فوقع إلينا بالنوبندجان(2) متواريا، فنزل معنا في الدار. فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا

ولا أطول حزنا منه، ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه. وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وقد قرأت القرآن، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر.

____________

١- قدم الحجاج العراق حاكما عليها من قبل عبد الملك بن مروان في سنة 75 الهجرية.

٢- كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور، قريبة من شعب بوان الموصوف بالحسن والنزاهة، وقد تدعى نوبنجان. ذكرها في معجم البلدان: ج 5 ص 302، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة، ص 128 وآثار العجم: ص 90 و 304.

وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي إيران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى (نوبندكان).

الصفحة 126 

فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة (1) ابن أم سلمة زوجة النبي صلی الله عليه و اله، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب. ثم استكتمنيها ولم يأخذ علي فيها يمينا.

قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه

فلم ألبث أن حضرته الوفاة، فدعاني وخلا بي وقال: يا أبان، إني قد جاورتك فلم أر منك إلا ما أحب. وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي، فيها أحاديث

لا أحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها. وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم.

وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه

جميعا، فتبعتهم عليه، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق. وإني هممت

حين مرضت أن أحرقها، فتأثمت من ذلك وقطعت به. (2)فإن جعلت لي عهد الله

عز وجل وميثاقه أن لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا، ولا تحدث بشئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب.

فضمنت ذلك له، فدفعها إلي وقرأها كلها علي. فلم يلبث سليم أن هلك، رحمه الله.

إقرار الحسن البصري بمحتوى كتاب سليم

فنظرت فيها بعده فقطعت بها (3) وأعظمتها واستصعبتها (4)، لأن فيها هلاك جميع أمة محمد صلی الله عليه و اله من المهاجرين والأنصار والتابعين، غير علي بن أبي طالب وأهل بيته

____________

١- عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الإمام السجاد × كما سيجيئ.

٢- تأثم أي امتنع من الإثم، وقطع به أي امتنع منه ولم يره صوابا.

٣- أي جزمت بما فيها. في (د): ففظعت بها.

٤- أي وجدتها صعبا.

الصفحة 127 

صلوات الله عليهم وشيعته.

فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو

يومئذ متوار من الحجاج. والحسن يومئذ من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن مفرطيهم (1)، نادم متلهف على ما فاته من نصرة علي عليه السلام والقتال معه يوم الجمل.

فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي (2)، فعرضتها عليه، فبكى ثم قال: (ما في أحاديثه شئ إلا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وغيرهم ".

تقرير الإمام زين العابدين عليه السلام للكتاب

قال أبان: فحججت من عامي ذلك فدخلت على علي بن الحسين عليه السلام، وعنده

أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله - وكان من خيار أصحاب علي عليه السلام - ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبي صلی الله عليه و اله.(3)

فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين عليه السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام

- كل يوم إلى الليل - ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال عليه السلام لي(4):

(صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (5) نعرفه). وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ما

____________

١- إن الحسن البصري من المذبذبين المنافقين، وإن أبان يشير إلى نفاقه بقوله: (يومئذ)، أي كان في تلك الأيام يظهر الإفراط في التشيع. راجع عن أحوال الحسن البصري: بحار الأنوار: ج 2 ص 64، و ج 42 ص 141.

٢- هو الذي توارى عنده الحسن البصري كما يصرح بذلك أبان في الحديث 58. وقد يذكر بعنوان (الحجاج بن عتاب العبدي البصري). وفي (د): (الدئلي) مكان (الديلمي).

٣- أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الأسقع ولد عام أحد وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ثماني سنين من حياة النبي. كان له منزلة عند أمير المؤمنين عليه السلام وشهد صفين وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة. وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم لكنه نجا لأنه كانت له يد عند عبد الملك. مات سنة 100 وهو آخر من بقي من الصحابة.

وأبو حفص عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أصحابه. كان واليا على البحرين من قبل علي عليه السلام وشهد معه صفين. توفي بالمدينة في سنة 83.

٤- (ب): فقرأته عليهم، فقالوا لي.

٥- (ب): كل. (ب) خ ل: كلنا. وفي (د): كله أعرفه.

الصفحة 128 

فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه، ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد).

فقلت لأبي الحسن علي بن الحسين عليه السلام: جعلت فداك، إنه ليضيق صدري ببعض ما

فيه، لأن فيه هلاك أمة محمد صلی الله عليه و اله رأسا من المهاجرين والأنصار والتابعين، غيركم

أهل البيت وشيعتكم.

فقال عليه السلام: يا أخا عبد القيس، أما بلغك أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وكمثل باب

حطة في بني إسرائيل)؟ (1)فقلت: نعم. قال: من حدثك؟ فقلت: قد سمعته من أكثر من

مائة من الفقهاء. فقال: ممن؟ فقلت: سمعته من حنش بن المعتمر، وذكر أنه سمعه من

أبي ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ينادي به نداء ويرويه عن رسول الله صلی الله عليه و اله.(2) فقال:

وممن؟ فقلت: ومن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه سمعه من أبي ذر ومن المقداد

بن الأسود الكندي ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فقال: وممن؟ (3) فقلت:

ومن سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس، ومن أبي ظبيان الجنبي، ومن عبد الرحمن

بن أبي ليلى (4) - كل هؤلاء حاجين - أخبروا أنهم سمعوا من أبي ذر.

____________

١- " باب حطة " في بني إسرائيل كان علامة الخضوع أمام الأوامر الإلهية ولذلك كان الوجب عليهم أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج 13 ص 185 - 180.

٢- أوردنا هذا الحديث عن سليم في المستدركات: الحديث 75.

٣- من هنا إلى آخر العبارة في (د) هكذا: قال: وممن نقلت؟ قلت: من سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس وأبي ظبيان الجنبي وأبي وائل أنهم سمعوه من أبي ذر، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعاصم بن ضمرة وهبيرة بن مريم عن علي عليه السلام.

ثم إن أبا وائل هو شقيق بن سلمة مات في إمارة عمر بن عبد العزيز. وعاصم بن ضمرة السلولي من أصحاب علي عليه السلام. وهبيرة بن مريم الحميري الكوفي من أصحاب علي عليه السلام.

٤- أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المتوفى سنة 94، رباه أمير المؤمنين عليه السلام وقد عد في الخمس الذين كانوا حواري علي بن الحسين عليه السلام.

وعلقمة بن قيس كان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله عالما بالفرائض وهو من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام. شهد صفين وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها.

وأبو ظبيان حصين بن جندب بن الحارث الجنبي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن، تابعي مشهور الحديث. مات سنة 90.

وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عربي كوفي من خواص أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحابه من اليمن.

شهد مع علي عليه السلام مشاهده وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه. قتل سنة 82.

الصفحة 129 

وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ونحن والله سمعنا من أبي ذر، وسمعناه من

علي بن أبي طالب عليه السلام والمقداد وسلمان). ثم أقبل عمر بن أبي سلمة فقال: والله،

لقد سمعته ممن هو خير من هؤلاء كلهم، سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله، سمعته أذناي

ووعاه قلبي.

فأقبل علي علي بن الحسين عليه السلام فقال: أوليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث؟ اتق الله يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والأرض.قال

أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني.

أبان وأبو الطفيل

قال أبان: ثم لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدثني في الرجعة عن أناس من

أهل بدر وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وأبي بن كعب. (1)وقال أبو الطفيل: فعرضت

ذلك الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فقال لي: (هذا علم خاص يسع الأمة جهله ورد علمه إلى الله تعالى). ثم صدقني بكل ما حدثوني فيها وقرأ علي

بذلك قرآنا كثيرا وفسره تفسيرا شافيا، حتى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشد يقينا مني بالرجعة. (2)

____________

١- أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي. شهد بدرا والعقبة وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر.

٢- راجع عن (الرجعة): البحار: ج 53 ص 39 ب 29.

الصفحة 130 

وكان مما قلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن حوض رسول الله صلی الله عليه و اله، أفي الدنيا هو أم في الآخرة؟ فقال: بل في الدنيا. (1)قلت: فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بيدي هذه، فليردنه أوليائي وليصرفن عنه أعدائي.

قلت: يا أمير المؤمنين، قول الله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم، أن الناس...) الآية (2)، ما الدابة؟ قال: يا أبا الطفيل، اله (3) عن هذا.

فقلت:يا أمير المؤمنين، أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام

وتمشي في الأسواق وتنكح النساء.

فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: هو زر الأرض (4) الذي إليه تسكن الأرض. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: صديق هذه الأمة وفاروقها ورئيسها

وذو قرنها.

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: الذي قال الله عز وجل:(ويتلوه شاهد منه)(5) ، والذي (عنده علم الكتاب) (6)، (والذي جاء بالصدق) (7)، والذي (صدق به) أنا، والناس كلهم

____________

١- الظاهر - بقرينة كلمة (بل) - أنه عليه السلام يريد بذلك أن أصل الحوض في الدنيا وهو محبة محمد وآله عليهم السلام وولايتهم وبغض أعدائهم كما يستفاد ذلك من أحاديث كثيرة. يراجع البحار: ج 8 ص 16 الباب 20.

٢- سورة النمل: الآية 82. وبقية الآية هكذا: (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). روى في البحار: ج 39 ص 243 ح 31 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال:

قم يا دابة الله فقال رجل من أصحابه:

يا رسول الله، أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا والله، ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون).

ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك....

٣- (ب): إليك.

٤- زر الأرض كناية عما به قوامها.

٥- سورة هود: الآية 17، وما قبل الآية هكذا: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه).

٦- سورة الرعد: الآية 43، وما قبل الآية هكذا: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).

٧- سورة الزمر: الآية 33. وتمام الآية هكذا: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون).

الصفحة 131 

كلهم كافرون غيري وغيره.(1)

قلت: يا أمير المؤمنين، فسمه لي. قال: قد سميته لك.

يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني (أمير المؤمنين) واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم شهرا ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد صلی الله عليه و اله وببعض ما سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة، أنت وأشباهك من شيعتي.

ففزعت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك؟ قال: لا،

بل تثبتون.

ثم أقبل علي فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان. يا أبا الطفيل، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا (2)، إلا من عصمه الله بنا أهل البيت.

قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه

قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان (كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري)، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهرا (3) حتى مات. فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إلي أبان بن أبي عياش وقرأه علي. وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليه السلام فقال: (صدق سليم، هذا حديثنا نعرفه).(4)

____________

١- أي أنا الذي صدقت الصدق الذي جاء به، والناس كلهم كانوا كافرين به ومكذبين له غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي (د) هكذا: والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي صدق به (أنا) أيام كان الناس كلهم كافرين مكذبين غيري وغيره.

٢- في (د): فارتد الناس بعده كفارا.

٣- (ب): شهرين.

٤- في مختصر البصائر: (هذه أحاديثنا صحيحة)، والظاهر أنه نقل بالمعنى.

الصفحة 132 

1

كلام النبي صلی الله عليه و اله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك

قال سليم: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله صلی الله عليه و اله في مرضه الذي قبض فيه. فدخلت فاطمة عليها السلام، فلما رأت ما برسول الله صلی الله عليه و اله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها.

فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: يا بنية، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك.

آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه

فقال رسول الله صلی الله عليه و اله - واغرورقت عيناه بالدموع -: يا فاطمة، أوما علمت إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا. ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا وأن أجعله خليفتي في

أمتي.

فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أول من

يلحقني من أهلي. ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد أخي بعلك منك.

بشارة النبي بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام

فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا

الصفحة 133 

وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون.

أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم.

إكرام الله لفاطمة عليها السلام

أما تعلمين - يا بنية - أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا. فاستبشرت فاطمة عليها السلام بما قال لها رسول الله صلی الله عليه و اله وفرحت.

ميزات أمير المؤمنين عليه السلام

ثم قال لها رسول الله صلی الله عليه و اله: إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ، ومناقب ليست لأحد من الناس:

إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره.

وإنك - يا بنية - زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب.

ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة

يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين،

ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.

الصفحة 134 

قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. (1)

وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع

الملائكة في الجنة. (2)وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة.ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟ فقال

رسول الله صلی الله عليه و اله: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله صلی الله عليه و اله بيده إلى الحسين عليه السلام - منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا.

إخبار النبي صلی الله عليه و اله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده

ثم نظر رسول الله صلی الله عليه و اله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنة.

ثم أقبل النبي صلی الله عليه و اله على علي عليه السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة،

____________

١- (ب): ما خلا النبيين والوصيين. وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام هو سيد الشهداء من الأولين والآخرين.

٢- ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.

الصفحة 135 

فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى(1):

(إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).

____________

١- سورة الأعراف: الآية 150، وتمام الآية هكذا: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين).

الصفحة 136 

2

تظاهر الأمة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلی الله عليه و اله

قال سليم: وحدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت أمشي مع رسول الله صلی الله عليه و اله في بعض طرق المدينة. فأتينا على حديقة فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة

قال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها.

ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال:

ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها. حتى أتينا على سبع حدائق، أقول:

يا رسول الله، ما أحسنها ويقول: لك في الجنة أحسن منها.

علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد

فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت:

يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد.

قلت: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.

برنامج النبي عليه السلام لعلي صلی الله عليه و اله

فأبشر يا علي، فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي

ووزيري ووارثي والمؤدي عني، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني، وأنت تبرء

ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين، وأنت

الصفحة 137 

مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا

يقتلونه.

فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن

تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن

ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه

ولا يفرق بينهم.

اختلاف الأمة امتحان إلهي

يا علي، ما بعث الله رسولا إلا وأسلم معه قوم طوعا وقوم آخرون كرها، فسلط الله

الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم.

يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، وإن الله

قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجل النقمة فكان منه التغيير (1) حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكن

جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2)

فقلت: الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.

____________

١- أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجل النقمة على الظالمين وغير النعمة عليهم.

٢- سورة النجم: الآية 31.

الصفحة 138 

3

قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب

وعن سليم، قال: سمعت البراء بن عازب يقول:

كنت أحب بني هاشم حبا شديدا في حياة رسول الله صلی الله عليه و اله وبعد وفاته.

كيفية تغسيل رسول الله صلی الله عليه و اله

فلما قبض رسول الله صلی الله عليه و اله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنه لا ينبغي لأحد

أن يرى عورته غيره، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلی الله عليه و اله إلا ذهب بصره.

فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرائيل في جنود من الملائكة.

فكان علي عليه السلام يغسله، والفضل بن العباس مربوط العينين يصب الماء والملائكة

يقلبونه له كيف شاء. ولقد أراد علي عليه السلام أن ينزع قميص رسول الله صلی الله عليه و اله، فصاح به صائح:

(لا تنزع قميص نبيك، يا علي). فأدخل يده تحت القميص فغسله ثم حنطه وكفنه، ثم

نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه.

مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة

قال البراء بن عازب: فلما قبض رسول الله صلی الله عليه و اله تخوفت أن تتظاهر قريش على

إخراج هذا الأمر من بني هاشم.

فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي

من الحزن لوفاة رسول الله صلی الله عليه و اله.

الصفحة 139 

فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلی الله عليه و اله لغسله

وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه،

فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ.

فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت

أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى(1)

فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلی الله عليه و اله. فخرجت مسرعا

حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلق دونهم. فضربت الباب ضربا

عنيفا وقلت: يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس

أبا بكر فقال العباس: (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكم فعصيتموني).

ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة

فكمثت أكابد ما في نفسي. فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه

تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلی الله عليه و اله بالقرآن. فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء - فضاء بني بياضة -، فوجدت نفرا يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذا المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام،

____________

١- روى الشيخ المفيد في كتاب (الجمل): ص 59 عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر.

فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: (خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه). قال: والله، لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاءوا بهم مكرهين للبيعة.

الصفحة 140 

وحذيفة يقول: والله ليفعلن ما أخبرتكم به. فوالله ما كذبت ولا كذبت.

وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار. فقال حذيفة:

انطلقوا بنا إلى أبي بن كعب فقد علم مثل ما علمت.

فانطلقنا إلى أبي بن كعب فضربنا عليه بابه، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال:

من أنتم؟ فكلمه المقداد. فقال: ما جاء بكم؟ فقال: إفتح بابك، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب. فقال: ما أنا بفاتح بابي، وقد علمت ما جئتم له. وما أنا بفاتح بابي، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد.

فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: القول ما قال حذيفة، فأما أنا

فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه، ولما يكون بعدها شر منها، وإلى الله جل ثنائه المشتكى.

قال: فرجعوا. ثم دخل أبي بن كعب بيته.

محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة

قال: وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي. فقال المغيرة بن شعبة: أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب

فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت

الحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده.

قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا

على العباس بن عبد المطلب في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال: فتكلم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث لكم محمدا

نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصلحتهم، متفقين لا مختلفين. فاختاروني عليهم

الصفحة 141 

واليا ولأمورهم راعيا، فتوليت ذلك. وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله.

غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ

فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا

يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلی الله عليه و اله، وإن كان الناس أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكما.

فقال عمر(1): أي والله، وأخرى يا بني هاشم على رسلكم (2)، فإن رسول الله صلی الله عليه و اله منا ومنكم، وإنا لم نأتكم لحاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم وللعامة. ثم سكت.

مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة

فتكلم العباس فقال: إن الله تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلی الله عليه و اله - كما وصفت - نبيا وللمؤمنين وليا، فإن كنت برسول الله صلی الله عليه و اله طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن من المؤمنين، ما تقدمنا في أمرك ولا تشاورنا ولا تآمرنا

ولا نحب لك ذلك، إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين.

وأما قولك (أن تجعل لي في هذا الأمر نصيبا)، فإن كان هذا الأمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم

دونهم، وإن كان حقنا فإنا لا نرضى منك ببعضه دون بعض. (3)

____________

١- (ب): فتكلم عمر فقال. وفي شرح النهج: (فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال...).

٢- (ترسل) أي تمهل ولم يعجل. و (على رسلك) أي على هينتك، و (الرسل): الرفق. وقوله (يتفاقم الخطب) أي يعظم الأمر ولا يجري على استواء.

٣- زاد في شرح النهج: (وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان).

الصفحة 142 

وأما قولك يا عمر (إن رسول الله صلی الله عليه و اله منا ومنكم)، فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، فنحن أولى به منكم.

وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)، فهذا الذي فعلتموه أوائل ذلك، والله المستعان.

فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول:

ما كنت أحسب هذا الأمر منحرفا عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالآثار والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما في جميع الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الحسن

من ذا الذي ردكم عنه فنعرفه ها إن بيعتكم من أول الفتن

الصفحة 143 

4

قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي

1

احتجاج الأنصار على أهل السقيفة

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال:

لما أن قبض النبي صلی الله عليه و اله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه السلام فقالوا: يا معاشر الأنصار،

قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلی الله عليه و اله من قريش، والمهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (الأئمة من قريش).

كيفية تغسيل النبي صلی الله عليه و اله والصلاة عليه

قال سلمان: فأتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلی الله عليه و اله. وقد كان رسول الله صلی الله عليه و اله أوصى عليا عليه السلامأن لا يلي غسله غيره. فقال: يا رسول الله، فمن يعينني على ذلك؟

فقال: (جبرائيل). فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا قلب له.

فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن

والحسين عليهم السلام. فتقدم علي عليه السلام وصففنا خلفه وصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها.

الصفحة 144 

ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون و

يخرجون، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه. (1)

أفراد قلائل بايعوا أبا بكر

قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا عليه السلام - وهو يغسل رسول الله صلی الله عليه و اله - بما صنع القوم، وقلت: إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلی الله عليه و اله، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة (2) وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله!

فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلی الله عليه و اله؟

قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير (3) بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.

قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء، ولكن هل تدري من أول من بايعه حين صعد

المنبر؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول: (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك). فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. (4)

 

____________

١- عن أبي جعفر عليه السلام، قيل له: كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه وسجاه، أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. أورد ذلك في الكافي: ج 1 ص 450، إعلام الورى: ص 84. وسائل الشيعة:

ج 2 ص 779.

٢- في (د) وروضة الكافي: والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة.

٣- (ب): بشر. يوجد ضبطه بكلا العنوانين، كما أن اسم أبيه قد يذكر بعنوان (سعد).

٤- روي في البحار: ج 30 ص 155 ح 13 عنه عليه السلام: أن إبليس هو الذي أشار على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه.

الصفحة 145 

فقال علي عليه السلام: يا سلمان، أتدري من هو؟ قلت: لا، لقد ساءتني مقالته كأنه شامت

بموت رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه الله.

إبليس ينتقم بالسقيفة من يوم الغدير

أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلی الله عليه و اله إياي يوم غدير خم بأمر الله، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب. فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: (إن هذه الأمة أمة مرحومة معصومة، فما لك ولا لنا عليهم سبيل، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم).

فانطلق إبليس كئيبا حزينا.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله بعد ذلك وقال: يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا. ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا. ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا فيقولون: (يا سيدنا، يا كبيرنا، أنت الذي أخرجت

آدم من الجنة). فيقول: أي أمة لن تضل بعد نبيها؟ كلا (1)، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله وذلك قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين). (2)

____________

١- (ب) مكان قوله (فيقولون) إلى هنا هكذا: (فيجث ويكسع ثم يقول). ويجث بمعنى يقلع من مكانه، ويكسع أي يضرب دبره بيده فرحا.

٢- سورة سبأ: الآية 20.

الصفحة 146 

2

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال

قال سلمان: فلما أن كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهم السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا. فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على

الموت.

فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة. فقلت لسلمان: من الأربعة؟ فقال: أنا

وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام.

ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا: (نصبحك بكرة) فما منهم

أحد أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا.

علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس

فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. (1)

فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه

أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام: (إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا

أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه).

فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم

مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته:

____________

١- الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.

الصفحة 147 

(يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلی الله عليه و اله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلی الله عليه و اله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلی الله عليه و اله وعلمني تأويلها).

ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدا: (إنا كنا عن هذا غافلين). (1)

ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.

فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه (2) ثم دخل علي عليه السلامبيته.

إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب

وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو

قد بايع أمناه.

____________

١- لعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 172: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).

٢- في الإحتجاج: فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله وبعده في (د) هكذا: فدخل بيته وأغلق بابه.

في البحار: ج 92 ص 42 ح 2 عن أبي ذر: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم. فوثب عمر وقال: يا علي، أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل ما قد علمتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال: زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك....

فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين)، أو تقولوا: (ما جئتنا به).

إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة عليه.

الصفحة 148 

فأرسل إليه أبو بكر: (أجب خليفة رسول الله) فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له

علي عليه السلام: (سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري). وذهب الرسول فأخبره بما قال له.

قال: اذهب فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأتاه فأخبره بما قال. فقال له

علي عليه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى. فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين. فاستفهم هو

وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحق من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلی الله عليه و اله:

نعم، حقا حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار. فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.

إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم

فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن

والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته. فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته.

3

شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام

هجوم قبائل قريش على بيت الوحي وإحراقه

فلما رآى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر

الصفحة 149 

وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع

غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما

غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما.

فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.

فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن!

فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام: (أحرج عليكم (1) أن تدخلوا على بيتي

بغير إذن). فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا (2)

أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء!

____________

١- حرج عليه أي شدد عليه.

٢- من هنا إلى قوله: (ثم انطلق بعلي عليه السلام...) (بعد صفحات) في (د) هكذا: فقالوا: إن فاطمة حرجت علينا، فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها بغير إذنها. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حزم الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما. ثم نادى عمر: يا علي، والله لتخرجن فلتبايعن خليفة رسول الله عليك أو لأضرمنها عليك نارا فلم يجبه.

فوضع عمر النار بالباب وهو متخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما عرف من بأسه وشدته حتى احترق الباب. ثم قال لقنفذ: اقتحم عليه فأخرجه فاقتحم هو وأصحابه وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوا إليه وكاثروه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا.

وجاءت فاطمة عليها السلام لتحول بينهم وبينه، فضربها قنفذ بسوطه وأضغطت بين الباب فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا وأثر سوط قنفذ في عضدها مثل الدملوج.

الصفحة 150 

ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليهما السلام: (والله لتخرجن

يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار)!

فقالت فاطمة عليها السلام: يا عمر، ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.

فقالت: (يا عمر، أما تتقي الله تدخل على بيتي)؟ فأبى أن ينصرف.

ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت:

(يا أبتاه يا رسول الله) فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت:

(يا أبتاه) فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: (يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر).

دفاع علي عليه السلام عن سليلة النبوة

فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (1) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلی الله عليه و اله وما أوصاه به، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلی الله عليه و اله لعلمت إنك لا تدخل بيتي).

أبو بكر يصدر أمره بإحراق البيت مرة أخرى

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه.

فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته.

فقال أبو بكر لقنفذ: (إرجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم

بيتهم النار). فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى

____________

١- أي جذبه بشدة.

الصفحة 151 

سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه (1)

فألقوا في عنقه حبلا!

وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط (2)

فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، لعنه الله ولعن من بعث به.

4

بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والإكراه

ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (3) حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه(4)، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول

أبي بكر عليهم السلاح(5) !

الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن

قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلام بغير إذن؟ (6) قال: إي والله، وما عليها من

____________

١- في الإحتجاج: فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود!

٢- (ب): بسوط كان معه. وفي الإحتجاج: بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها. فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: (اضربها) فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.

٣- أي يجذب ويجر جرا عنيفا. وفي الإحتجاج: ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.

٤- (ب): على رأس أبي بكر بالسيف.

٥- في (د): قد سلوا السيوف.

٦- قد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335 ه‍ ق، هذا الموضع من حديث سليم في أرجوزته حيث يقول:

يا عجبا يستأذن الأمين عليهم ويهجم الخؤون

قال سليم: قلت يا سلمان هل هجموا ولم يك استيذان

فقال: اي وعزة الجبار وما على الزهراء من خمار

لكنها لاذت وراء الباب رعاية للستر والحجاب

فمذ رأوها عصروها عصرة كادت بنفسي أن تموت حسرة

تصيح يا فضة سنديني فقد وربى قتلوا جنيني

فأسقطت بنت الهدى وا حزنا جنينها ذاك المسمى محسنا

ولم يرعها كلما قد فعلوا لكنها قد خرجت تولول

فانبعثت تصيح بين الناس خلوه أو لأكشفن راسي

راجع وفاة الصديقة الطاهرة للمقرم: ص 49. رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي آل الشيخ سليمان البلادي البحراني: ص 3.

الصفحة 152 

خمار فنادت: (وا أبتاه، وارسول الله يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر عيناك

لم تتفقأ في قبرك) - تنادي بأعلى صوتها -. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ.

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش

قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.

ولما أن بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر، ما أسرع

ما توثبتم على رسول الله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟

الصفحة 153 

وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط - حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر: (إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها) - فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها (1) فألقت جنينا من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش

حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.

قال: ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال عليه السلام له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلا وصغارا

فقال عليه السلام: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما

أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بيني وبينه؟ قال:

نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات.

ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار،

أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلی الله عليه و اله علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.

قالوا: اللهم نعم.

أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة

فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له(2): كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة).

____________

١- (د): ألجأها إلى عضادة بابها فأضغطها فتكسر ضلعا من أضلاعها.

٢- (د): فقال مبادرا: نعم، كل ما قلت حق.

الصفحة 154 

فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله شهد هذا معك؟ فقال عمر:

صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.

أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة

فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة(1): " إن قتل الله محمدا أو مات لتزون (2) هذا الأمر عنا أهل البيت ".

فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها (3) فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت

____________

١- فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال: الله أكبر، ما أشد ما وفيتم بصحيفتكم المعلومة التي تعاهدتم وتعاقدتم عليها في الكعبة.

٢- زوى عنه حقه: منعه إياه.

٣- روي في البحار: ج 28 ص 111 - 96، تفصيل المعاقدة ضد الخلافة وكتابة الصحيفة الملعونة ومحتوى الصحيفة، كل ذلك نقلا عن حذيفة بن اليمان الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها.

وملخص ذلك أن أول من تعاقد على غصب الخلافة هو أبو بكر وعمر، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو: (إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا).

ثم اتصل بهما أبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأخيرا التحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة، فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا: (إن مات محمد أو قتل...) وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القضايا.

ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة. وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك.

فتقدم الأمر من الله في غدير خم بنصب أمير المؤمنين عليه السلام. ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من عقبة هرشى تقدم القوم فتواروا في ثنية العقبة، إلا أن الله صرف الشر عن نبيه وفضح أولئك الأربعة عشر.

فلما دخلوا المدينة اجتمعوا جميعا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة. وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر منهم أبو سفيان، عكرمة بن أبي جهل، صفوان بن أمية بن خلف، سعيد بن العاص، خالد بن الوليد، عياش بن أبي ربيعة، بشير بن سعيد، سهيل بن عمرو، حكيم بن حزام، صهيب بن سنان، أبو الأعور الأسلمي، مطيع بن الأسود المدري.

وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون.

وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي، فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم في المحرم سنة عشرة من الهجرة. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها.

الصفحة 155 

يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم

رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت)؟(1) فقالوا: اللهم نعم،

قد سمعنا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).

قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.

فقال علي عليه السلام: أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. (2)

الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى

وفيما يكذب قولكم على رسول الله صلی الله عليه و اله قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم

____________

١- (د): وكتبوا بينهم كتابا: إن هلك محمد أن يتظاهروا على أهل بيتي حتى يزيلوا هذا الأمر عنهم.

٢- (د): أما والله لقد أزلتموها عن أهل بيت نبيكم ولا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: يا بن عم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. فالمعذرة إلى الله ثم إليك.

الصفحة 156 

الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)(1) ، فالكتاب النبوة، والحكمة السنة، والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم.

دفاع المقداد وسلمان وأبي ذر عن علي عليه السلام

فقام المقداد فقال: يا علي، بما تأمرني؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت. فقال علي عليه السلام: كف يا مقداد، واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به.

فقمت(2) وقلت: والذي نفسي بيده، لو أني أعلم أني أدفع ضيما وأعز لله دينا

لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما. أتثبون على أخي رسول الله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده؟ فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء.

وقام أبو ذر فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول:

(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(3). وآل محمد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة،

وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة، أضاء نورها وبورك زيتها. محمد خاتم الأنبياء وسيد ولد

آدم، وعلي وصي الأوصياء وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض

____________

١- سورة النساء: الآية 54.

٢- القائل هو سلمان.

٣- سورة آل عمران: الآيتان 33 و 34.

الصفحة 157 

في كتاب الله)(1). فقدموا من قدم الله وأخروا من أخر الله واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله.

عمر يهدد عليا بالقتل

فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا

جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه - والحسن والحسين قائمان - فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما عليه السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.

دفاع أم أيمن وبريدة عن علي عليه السلام

وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلی الله عليه و اله فقالت: (يا أبا بكر، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم) فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء.

وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب - يا عمر - على أخي رسول الله وأبي ولده وأنت

الذي نعرفك في قريش بما نعرفك؟ ألستما قال لكما رسول الله صلی الله عليه و اله: (انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين)؟ فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال: نعم.

فقال أبو بكر: قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك: (لا يجتمع لأهل بيتي

النبوة والخلافة). فقال: والله ما قال هذا رسول الله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير.

فأمر به عمر فضرب وطرد!

كيفية بيعة أمير المؤمنين عليه السلام

ثم قال: قم يا بن أبي طالب فبايع. فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك

____________

١- سورة الأحزاب: الآية 6.

الصفحة 158 

فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه.

فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع - والحبل في عنقه -: (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). (1)

بيعة الزبير وسلمان وأبي ذر والمقداد

وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في

أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لببوه. فقال

الزبير - وعمر على صدره -: يا بن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني).

ثم بايع.

قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها.

ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي عليه السلام

وأربعتنا. ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول.

فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟

وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك - بعد ما زنى

بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا؟ (2)

____________

١- سورة الأعراف: الآية 150.

٢- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 295: إن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له الإبل فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب. ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة، فلفقها في خرقة من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق. فرآها هاشم بن المغيرة مرمية فأخذها ورباها وسماها حنتمة. فلما بلغت رآها خطاب يوما فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إياه فجاءت بعمر بن الخطاب. فكان الخطاب أبا وجدا وخالا لعمر، وكانت حنتمة أما وأختا وعمة له.

الصفحة 159 

فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه.

5

أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقيمون الحجة على الغاصبين

كلمة سلمان بعد البيعة

قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر - يا سلمان - ولم تقل شيئا؟

قال: قد قلت - بعد ما بايعت -: تبا لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟

أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة

نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. (1)

فقال عمر: يا سلمان، أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك

وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا). فقال: قل ما شئت، أليس

قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك؟

____________

١- في (د) هكذا: قال: بلى، قد قلت: تبا لكم، أصبتم وأخطأتم، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم. قالوا: وما الذي أصبنا وأخطأنا؟ قلت: أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والضلالة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حين أخرجتموها من معدنها وأهلها.

الصفحة 160 

فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة: (إنك - باسمك ونسبك وصفتك - باب من أبواب جهنم) فقالوا لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله؟

فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول، وسألته عن هذه الآية: (فيومئذ

لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) (1)، فأخبرني بأنك أنت هو.

فقال عمر: أسكت، أسكت الله نامتك، أيها العبد، يا بن اللخناء!

فقال علي عليه السلام: أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.

فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه، وكل

شئ سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال لي: إنك له لمطيع مسلم.

كلمة أبي ذر بعد البيعة

فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: يا سلمان، ألا تكف كما كف صاحباك؟ والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفا كما ترى وبايعا.

فقال أبو ذر: يا عمر، أفتعيرنا بحب آل محمد وتعظيمهم؟ لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الأمة

القهقرى على أدبارها.

فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها من حق وما هم فيها

وعرض الناس إلا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم؟

____________

١- سورة الفجر: الآيتان 25 و 26. روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: عن الباقر عليه السلام في قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال: زفر، فلا يعذب عذابه يوم القيامة أحد من خلقه. راجع تأويل الآيات: ج 2 ص 795.

الصفحة 161 

كلمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد البيعة

فقال علي عليه السلام لعمر: يا بن صهاك، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان؟

فقال عمر: كف الآن يا أبا الحسن إذ بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا،

بك فما ذنبي؟

فقال علي عليه السلام: ولكن الله عز وجل ورسوله لم يرضيا إلا بي، فأبشر أنت وصاحبك

ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه. ويلك يا بن الخطاب، لو ترى

ماذا جنيت على نفسك لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وما ذا جنيت على

نفسك وعلى صاحبك؟

فقال أبو بكر: يا عمر، أما إذ قد بايعنا وآمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء.

أصحاب الصحيفة الملعونة في تابوت جهنم

فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد. أذكركم بالله أيها الأربعة - يعنيني وأبا ذر والزبير والمقداد -: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة من الأولين وستة من الآخرين، في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل (1)، على

ذلك الجب صخرة. فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره.

قال علي عليه السلام: فسألت رسول الله صلی الله عليه و اله عنهم - وأنتم شهود به - عن الأولين، فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والآخر

نصر النصارى (2)، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال وهؤلاء الخمسة أصحاب

____________

١- (د): في جب في قعر جهنم، ذلك التابوت في تابوت آخر من نار مقفل عليه.

٢- في النسخ هكذا: (... والآخر نصر النصارى، وعاقر الناقة، وقاتل يحيى بن زكريا)، وإبليس غير مذكور في النسخ إلا في (ب) خ ل. ونحن صححناه على ما في كتاب الإحتجاج حيث أورد الحديث بعينه نقلا عن سليم وذكر إبليس ولم يذكر عاقر الناقة وقاتل يحيى.

الصفحة 162 

الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك

يا أخي، وتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا.

قال سلمان: فقلنا: صدقت، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.

كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله في عثمان والزبير

فقال عثمان: يا أبا الحسن، أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث في؟ فقال

علي عليه السلام: بلى، سمعت رسول الله يلعنك مرتين (1) ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك.

فغضب عثمان ثم قال: ما لي وما لك ولا تدعني على حال، عهد النبي ولا بعده.

فقال علي عليه السلام: نعم، فأرغم الله أنفك. فقال عثمان: فوالله لقد سمعت من

رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن الزبير يقتل مرتدا عن الإسلام)!

قال سلمان: فقال علي عليه السلام لي - فيما بيني وبينه -: صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتدا.

ارتد الناس بعد الرسول صلی الله عليه و اله إلا أربعة

قال سلمان: فقال علي عليه السلام(2): (إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلی الله عليه و اله غير أربعة).

إن الناس صاروا بعد رسول الله صلی الله عليه و اله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه.

فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري.

____________

١- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 312: أنه لما توفي أبو سلمة وعبد الله بن حذافة، وتزوج النبي صلى الله عليه وآله امرأتيهما أم سلمة وحفصة، قال طلحة وعثمان: أينكح محمد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات؟

والله لو قد مات لقد أجلنا على نساءه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة. فأنزل الله تعالى: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما) وأنزل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).

٢- في الإحتجاج: قال سليم: ثم أقبل علي سلمان فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد عليهم السلام.

الصفحة 163 

وسمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة

مني ليمروا على الصراط. فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني.

فأقول: أي رب، أصحابي أصحابي فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا

على أدبارهم حيث فارقتهم. فأقول: بعدا وسحقا.

وسمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل

وحذو القذة بالقذة، شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع، حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا

فيه معهم. إن التوراة والقرآن كتبه ملك واحد في رق واحد بقلم واحد، وجرت الأمثال والسنن سواء.

الصفحة 164 

5

إبليس ومؤسس السقيفة يوم القيامة

عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي

يقول(1) :

إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس مزموما بزمام من نار، ويؤتى

____________

١- ينبغي أن أورد بذيل هذا الحديث ما رواه في البحار: ج 8 قديم ص 315 ح 95 عن الإختصاص للشيخ المفيد بأسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر، فإذا إبليس قد أقبل، فقلت: بئس الشيخ أنت فقال: ولم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟

فوالله لأحدثنك بحديث عني عن الله عز وجل ما بيننا ثالث. إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت: يا إلهي وسيدي، ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني. فأوحى الله تعالى إلي: بلى، قد خلقت من هو أشقى منك، فانطلق إلى مالك يريكه. فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني. فانطلق بي مالك إلى النار، فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا. فقال لها: اهدئي فهدأت.

ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى. فقال لها: اخمدي.

فخمدت، إلى أن انطلق بي إلى السابع، وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى. فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل. فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك تخمد وإلا خمدت. فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم. فأمرها فخمدت. فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بهما إلى فوق، وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها. فقلت: يا مالك، من هذان؟ فقال: أو ما قرأت على ساق العرش - وكنت قبل قرأته، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام - (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته ونصرته بعلي). فقال: هذان عدوا أولئك وظالماهم.

وروي في البحار: ج 8 قديم ص 298: قال الله تعالى: (لأصلبنه (أي عمر) وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه).

الصفحة 165 

بزفر (1) مزموما بزمامين من نار!

فينطلق إليه إبليس فيصرخ ويقول: ثكلتك أمك، من أنت؟ أنا الذي فتنت الأولين والآخرين وأنا مزموم بزمام واحد وأنت مزموم بزمامين!

فيقول: أنا الذي أمرت فأطعت، وأمر الله فعصي.

____________

١- قال العلامة المجلسي في البحار: ج 22 ص 223: (زفر) و (حبتر) عمر وصاحبه، فالأول لموافقة الوزن والثاني لمشابهته لحبتر وهو الثعلب في الحيلة والمكر.

أقول: أستعمل كلمة (زفر) كناية عن عمر في كثير من الروايات. راجع البحار: ج 22 ص 223 و ج 37 ص 119.

الصفحة 166 

6

مفاخر أمير المؤمنين عليه السلام

وقال سليم: وحدثني أبو ذر وسلمان والمقداد، ثم سمعته من علي عليه السلام، قالوا:

إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلی الله عليه و اله لعلي عليه السلام: أي أخي، فاخر العرب، فأنت أكرمهم ابن عم (1) وأكرمهم أبا وأكرمهم أخا وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما، وأعظمهم عناء بنفسك ومالك، وأتمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما.

وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله (2) وأشجعهم قلبا في لقاء يوم الهيج، وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلي.

إخبار النبي صلی الله عليه و اله بظلم الأمة لأمير المؤمنين عليه السلام

وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش، ثم تجاهدهم في سبيل الله عز وجل إذا وجدت أعوانا. تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الأمة.

ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك. قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض

إلى الله والبعد من الله ومني، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذا الأوتاد. (3)

____________

١- في الفضائل: يا علي فاخر أهل الشرق والغرب والعجم والعرب، فأنت أكرمهم وابن عم رسول الله وأكرمهم زواجا....

٢- (ب): بسر الله.

٣- زاد في الفضائل: (يا علي، إنك من بعدي في كل أمر غالب مغلوب مغصوب، تصبر على الأذى في الله وفي رسوله محتسبا أجرك غير ضائع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الإسلام خيرا).

الصفحة 167 

كلام الحسن البصري عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام

قال أبان: وحدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر، فقال: صدق سليم وصدق أبو ذر. لعلي بن أبي طالب السابقة في الدين والعلم والحكمة والفقه، وفي الرأي والصحبة وفي الفضل وفي البسطة وفي العشيرة وفي الصهر، وفي النجدة (1) في الحرب، وفي الجود وفي الماعون وفي العلم بالقضاء وفي القرابة للرسول والعلم بالقضاء والفصل وفي حسن البلاء في الإسلام. إن عليا في كل أمر أمره علي، فرحم الله عليا وصلى عليه. ثم بكى حتى بل لحيته.

قال: (2) فقلت له: يا أبا سعيد، أتقول لأحد غير النبي (صلى الله عليه) إذا ذكرته؟

فقال: ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم وصل على محمد وآل محمد. وإن عليا خير آل محمد.

فقلت: يا أبا سعيد، خير من حمزة ومن جعفر ومن فاطمة ومن الحسن والحسين؟

فقال: إي والله، إنه لخير منهم، ومن يشك أنه خير منهم؟ فقلت له: بما ذا؟ قال: إنه

لم يجر عليه اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر. وعلي خير منهم بالسبق إلى الإسلام والعلم بكتاب الله وسنة نبيه. وإن رسول الله صلی الله عليه و اله قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أمتي)، فلو كان في الأمة خيرا منه لاستثناه. وإن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بين أصحابه، وآخى بين علي ونفسه، فرسول الله خيرهم نفسا وخيرهم أخا. ونصبه يوم غدير خم وأوجب له من الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وقال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولم يقل ذلك لأحد من

أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره. وله سوابق كثيرة ومناقب ليس لأحد من الناس مثلها.

قال: فقلت له: من خير هذه الأمة بعد علي عليه السلام؟ قال: زوجته وابناه. قلت: ثم من؟

قال: ثم جعفر وحمزة. إن خير الناس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير،

____________

١- أي الشجاعة والغلبة.

٢- القائل أبان يخاطب الحسن البصري.

الصفحة 168 

ضم فيه رسول الله صلی الله عليه و اله نفسه وعليا وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: هؤلاء ثقتي وعترتي في أهل بيتي، فأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمة: أدخلني معك ومعهم في الكساء. فقال لها: يا أم سلمة، أنت بخير وإلى خير، وإنما نزلت هذه الآية في وفي هؤلاء خاصة.

محاولة الحسن البصري تبرير نفاقه

فقلت: الله يا أبا سعيد ما ترويه في علي عليه السلام وما سمعتك تقول فيه؟

قال: يا أخي، أحقن بذلك دمي من هؤلاء الجبابرة الظلمة لعنهم الله. يا أخي، لولا ذلك لقد شالت بي الخشب ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك فيكفون عني. وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب عليه السلام، فيحسبون أني لهم ولي. قال الله عز وجل:

(ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (1)يعني التقية.

____________

١- سورة المؤمنون: الآية 96.

الصفحة 169 

7

اختلاف الأمة وفرقها

افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة

قال أبان: قال سليم: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:

إن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في

الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها

في الجنة واثنتا عشرة في النار!

تعيين الفرقة الناجية

وأما الفرقة الناجية المهدية المؤملة المؤمنة المسلمة الموافقة المرشدة فهي

المؤتمنة بي المسلمة لأمري المطيعة لي المتبرئة من عدوي المحبة لي والمبغضة

لعدوي، التي قد عرفت حقي وإمامتي وفرض طاعتي من كتاب الله وسنة نبيه،

فلم ترتد ولم تشك لما قد نور الله في قلبها من معرفة حقنا وعرفها من فضلها، وألهمها وأخذها بنواصيها فأدخلها في شيعتنا حتى اطمأنت قلوبها واستيقنت يقينا لا يخالطه

شك.

أئمة الفرقة الناجية

إني أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه

في آي من الكتاب كثيرة، وطهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه وتراجمة وحيه وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا

لا نفارقه ولا يفارقنا حتى نرد على رسول الله صلی الله عليه و اله حوضه كما قال.

الصفحة 170 

الفرق الثلاث والسبعون يوم القيامة

وتلك الفرقة الواحدة من الثلاث والسبعين فرقة هي الناجية من النار ومن جميع الفتن والضلالات والشبهات، وهم من أهل الجنة حقا، وهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب.

وجميع تلك الفرق الاثنتين والسبعين هم المتدينون بغير الحق، الناصرون لدين

الشيطان الآخذون عن إبليس وأوليائه، هم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين، يدخلون النار بغير حساب. براء من الله ومن رسوله، نسوا الله ورسوله (1)

وأشركوا بالله وكفروا به وعبدوا غير الله من حيث لا يعلمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يقولون يوم القيامة: (والله ربنا ما كنا مشركين) (2)، (يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون)(3).

المستضعفون دينيا

قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أرأيت من قد وقف فلم يأتم بكم ولم يعادكم

ولم ينصب لكم ولم يتعصب ولم يتولكم ولم يتبرء من عدوكم وقال: (لا أدري) وهو صادق؟

قال: ليس أولئك من الثلاث والسبعين فرقة، إنما عنى رسول الله صلی الله عليه و اله بالثلاث

والسبعين فرقة الباغين الناصبين الذين قد شهروا أنفسهم ودعوا إلى دينهم.

ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان وتتولى على قبولها وتتبرأ ممن خالفها.

فأما من وحد الله وآمن برسول الله صلی الله عليه و اله ولم يعرف ولايتنا ولا ضلالة عدونا

ولم ينصب شيئا ولم يحل ولم يحرم، وأخذ بجميع ما ليس بين المختلفين من الأمة

____________

١- في (د) هكذا: براء من الله ومن رسوله والله ورسوله براء منهم، سبوا الله ورسوله وأشركوا....

٢- سورة الأنعام: الآية 23.

٣- سورة المجادلة: الآية 18.

الصفحة 171 

فيه خلاف في أن الله عز وجل أمر به، وكف عما بين المختلفين من الأمة خلاف في

أن الله أمر به أو نهى عنه، فلم ينصب شيئا ولم يحلل ولم يحرم ولا يعلم ورد علم ما أشكل عليه إلى الله فهذا ناج.

أهل الجنة وأهل النار وأصحاب الأعراف

وهذه الطبقة بين المؤمنين وبين المشركين، هم أعظم الناس وجلهم، وهم

أصحاب الحساب والموازين والأعراف، والجهنميون الذين يشفع لهم الأنبياء

والملائكة والمؤمنون، ويخرجون من النار فيسمون (الجهنميين). (1)

فأما المؤمنون فينجون ويدخلون الجنة بغير حساب، أما المشركون فيدخلون النار

بغير حساب. وإنما الحساب على أهل هذه الصفات بين المؤمنين والمشركين،

والمؤلفة قلوبهم والمقترفة والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والمستضعفين

الذين لا يستطيعون حيلة الكفر والشرك ولا يحسنون أن ينصبوا ولا يهتدون سبيلا إلى

____________

١- روي في البحار: ج 8 ص 355 ح 8 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ثم تأخذ بحجزتي وآخذ بحجزة الله - وهي الحق - وتأخذ ذريتك بحجزتك وتأخذ شيعتك بحجزة ذريتك، فأين يذهب بكم إلا إلى الجنة؟ فإذا دخلتم الجنة فتبوأتم مع أزواجكم ونزلتم منازلكم أوحى الله إلى مالك:

أن افتح باب جهنم لينظر أوليائي إلى ما فضلتهم على عدوهم. فيفتح أبواب جهنم فتطلون عليهم. فإذا وجد أهل جهنم روح رائحة الجنة قالوا: يا مالك، أتطمع لنا في تخفيف العذاب عنا؟ إنا لنجد روحا.

فيقول لهم مالك: إن الله أوحى إلي أن أفتح أبواب جهنم لينظر أهل الجنة إليكم. فيرفعون رؤوسهم، فيقول هذا: يا فلان، ألم تك تجوع فأشبعك؟ ويقول هذا: ألم تك تعري فأكسوك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تخاف فآويتك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تحدث فأكتم عليك؟ فيقولون: بلى. فيقولون:

استوهبونا من ربكم. فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنة فيكونون فيها ملومين ويسمون (الجهنميين). فيقولون: سألتم ربكم فأنقذنا من عذابه فادعوه يذهب عنا هذا الاسم ويجعل لنا في الجنة مأوى. فيدعون فيوحي الله إلى ريح فتهب على أفواه أهل الجنة فينسيهم ذلك الاسم ويجعل لهم في الجنة مأوى.

وروي في البحار: ج 8 ص 360 ح 29 عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن (الجهنميين)، فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: يخرجون منها فينتهى بهم إلى عين عند باب الجنة تسمى (عين الحيوان) فينضح عليهم من مائها، فينبتون كما تنبت الزرع، تنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم.

الصفحة 172 

أن يكونوا مؤمنين عارفين، فهم أصحاب الأعراف، وهؤلاء لله فيهم المشيئة. إن الله

عز وجل إن يدخل أحدا منهم النار فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته.

المؤمن والكافر والمستضعف

فقلت: أصلحك الله، أيدخل النار المؤمن العارف الداعي؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: أفيدخل الجنة من لا يعرف إمامه؟ قال عليه السلام: لا، إلا أن يشاء الله.

قلت: أيدخل الجنة كافر أو مشرك؟ قال: لا يدخل النار إلا كافر، إلا أن يشاء الله.

قلت: أصلحك الله، فمن لقي الله مؤمنا عارفا بإمامه مطيعا له، أمن أهل الجنة هو؟

قال: نعم إذا لقي الله وهو مؤمن من الذين قال الله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (1)، (الذين آمنوا وكانوا يتقون) (2)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم

بظلم). (3)

قلت: فمن لقي الله منهم على الكبائر؟ قال: هو في مشيته، إن عذبه فبذنبه وإن

تجاوز عنه فبرحمته.

قلت: فيدخله النار وهو مؤمن؟ قال: نعم بذنبه، لأنه ليس من المؤمنين الذين عنى

الله (أنه ولي المؤمنين)، لأن الذين عنى الله (أنه لهم ولي) و (أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، هم المؤمنون (4) (الذين يتقون الله والذين عملوا الصالحات والذين

لم يلبسوا إيمانهم بظلم). (5)

____________

١- سورة البقرة: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).

٢- سورة يونس: الآية 63.

٣- سورة الأنعام: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (... أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).

٤- أي إن المؤمنين الذين عنى الله في تلك الآية هم المؤمنون الذين جاء وصفهم في هذه الآيات. وهي إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: الآية 68: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وإلى قوله تعالى في سورة يونس: الآية 62: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

٥- قد مر الإشارة إلى مواضع الآيات في المصحف.

الصفحة 173 

الفرق بين الإيمان والإسلام

قلت: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان وما الإسلام؟ قال: أما الإيمان فالإقرار بالمعرفة، والإسلام فما أقررت به والتسليم والطاعة لهم.

قلت: الإيمان الإقرار بعد المعرفة به؟ قال: من عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر

بطاعته فهو مؤمن.

قلت: المعرفة من الله والإقرار من العبد؟ قال: المعرفة من الله دعاء وحجة ومنة

ونعمة، والإقرار من الله قبول العبد، يمن على من يشاء، والمعرفة صنع الله تعالى في القلب، والإقرار فعال القلب من الله وعصمته ورحمته.

تكليف الجاهل بالحق

فمن لم يجعله الله عارفا فلا حجة عليه، وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم،

فلا يعذبه الله على جهله. فإنما يحمده على عمله بالطاعة ويعذبه على عمله بالمعصية.

ويستطيع أن يطيع ويستطيع أن يعصي، ولا يستطيع أن يعرف ويستطيع أن يجهل؟

هذا محال!

لا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء من الله وقدره وعلمه وكتابه بغير جبر لأنهم لو

كانوا مجبورين كانوا معذورين وغير محمودين.

ومن جهل وسعه أن يرد إلينا ما أشكل عليه ومن حمد الله على النعمة واستغفره من المعصية وأحب المطيعين وحمدهم على الطاعة، وأبغض العاصين وذمهم فإنه

يكتفي بذلك إذا رد علمه إلينا.

لهذا الحديث زيادة في (ج) وهي تنطبق على أواسطه هكذا:

أصحاب الحساب والشفاعة

... يحاسبون، منهم من يغفر له ويدخله الجنة بالإقرار والتوحيد، ومنهم من يعذب

في النار ثم يشفع له الملائكة والأنبياء والمؤمنون، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة

الصفحة 174 

فيسمون فيها (الجهنميين)!

منهم أصحاب الإقرار، وليست الموازين والحساب إلا عليهم، لأن أولياء الله العارفين لله ولرسوله والحجة في أرضه وشهدائه على خلقه المقرين لهم المطيعين لهم يدخلون الجنة بغير حساب، والمعاندين لهم المنذرين المكابرين المناصبين أعداء الله يدخلون النار بغير حساب. وأما ما بين هذين، فهم جل الناس وهم أصحاب الموازين والحساب والشفاعة.

دعاء أمير المؤمنين عليه السلام لسليم بالولاية

قال(1): قلت: فرجت عني وأوضحت لي وشفيت صدري، فادع الله أن يجعلني لك وليا في الدنيا والآخرة. قال: اللهم اجعله منهم.

قال: ثم أقبل علي فقال: ألا أعلمك شيئا سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله، علمه سلمان وأبا ذر والمقداد؟ قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.

قال: قل كلما أصبحت وأمسيت: (اللهم ابعثني على الإيمان بك والتصديق بمحمد رسولك والولاية لعلي بن أبي طالب والايتمام بالأئمة من آل محمد، فإني قد رضيت بذلك يا رب)،

عشر مرات.

قلت: يا أمير المؤمنين، قد حدثني بذلك سلمان وأبو ذر والمقداد، فلم أدع ذلك

منذ سمعته منهم. قال: لا تدعه ما بقيت.

____________

١- القائل هو سليم.

الصفحة 175 

8

1

معنى الإسلام والإيمان

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال:

سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام - وسأله رجل عن الإيمان - فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الإيمان، لا أسأل عنه أحدا غيرك ولا بعدك.

فقال علي عليه السلام: جاء رجل إلى النبي عليه السلام وسأله عن مثل ما سألتني عنه، فقال له مثل مقالتك، فأخذ يحدثه. ثم قال له: اقعد. فقال له: آمنت.

ثم أقبل علي عليه السلام على الرجل فقال: أما علمت أن جبرئيل أتى رسول الله صلی الله عليه و اله في صورة آدمي فقال له: ما الإسلام؟ فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة). فقال:

وما الإيمان؟ قال: (تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالحياة بعد الموت وبالقدر كله خيره وشره وحلوه ومره).

فلما قام الرجل قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (هذا جبرئيل، جاءكم ليعلمكم دينكم). فكان كلما قال له رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا قال له: (صدقت). قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: صدقت.

الصفحة 176 

2

دعائم الإيمان

ثم قال علي عليه السلام - بعد ما فرغ من قول جبرئيل (صدقت) -: ألا إن الإيمان بني على أربع دعائم: على اليقين والصبر والعدل والجهاد.

فاليقين منه على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب.

فمن اشتاق إلى الجنة سلا (1) عن الشهوات، ومن أشفق من النار اتقى المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.

والصبر على أربع شعب: على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين.

فمن تبصر الفطنة تبين في الحكمة، ومن تبين في الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة أبصر العبرة، ومن أبصر العبرة فكأنما كان في الأولين.

والعدل منه على أربع شعب: على غوامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم.

فمن فهم فسر جمل العلم، ومن علم عرضه شرائع الحكمة، ومن حلم لم يفرط

في أمره وعاش به في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن والغضب لله وشنآن الفاسقين.

____________

١- أي طابت نفسه عنه وذهل عن ذكره وهجره.

الصفحة 177 

فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له.

وذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.

أدنى درجات الإيمان والكفر والضلالة

فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمنا، وأدنى ما يكون به

كافرا، وأدنى ما يكون به ضالا؟

قال: قد سألت فاسمع الجواب: أدنى ما يكون به مؤمنا أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة. وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.

قال: يا أمير المؤمنين، وإن جهل جميع الأشياء غير ما وصفت؟ قال: نعم، إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.

وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين بشئ فيزعم أن الله أمره به - مما نهى الله عنه - ثم ينصبه دينا فيتبرأ ويتولى ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به.

وأدنى ما يكون به ضالا أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه الذي أمر الله بطاعته وفرض ولايته.

نص الرسول صلی الله عليه و اله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لي. قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (أطيعوا

الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). (1)

قال: أوضحهم لي. قال: الذين قال رسول الله صلی الله عليه و اله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن

____________

١- سورة النساء: الآية 59.

الصفحة 178 

اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين - وأشار بإصبعيه المسبحتين - ولا أقول كهاتين - وأشار بالمسبحة والوسطى - لأن إحديهما قدام الأخرى. فتمسكوا بهما لا تضلوا، ولا تقدموهم فتهلكوا، ولا تخلفوا عنهم فتفرقوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).

قال: يا أمير المؤمنين، سمه لي. قال: الذي نصبه رسول الله صلی الله عليه و اله بغدير خم،

فأخبرهم (أنه أولى بهم من أنفسهم). ثم أمرهم أن يعلم الشاهد الغائب منهم.

فقلت: أنت هو، يا أمير المؤمنين؟

قال: أنا أولهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم أوصياء رسول الله صلی الله عليه و اله حتى يردوا عليه حوضه واحدا بعد واحد.

فقام الرجل إلى علي عليه السلام فقبل رأسه، ثم قال: أوضحت لي وفرجت عني وأذهبت كل شئ في قلبي. (1)

____________

١- في البحار بيان مفصل في توضيح عبارات الحديث وغوامضه: راجع: ج 68 ص 365.

الصفحة 179 

9

خصائص الإسلام وآثاره

عن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: جاء رجل (1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن الإسلام. فقال عليه السلام:

إن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وإماما لمن ائتم به، وزينة لمن تحلاه، وعدة لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تعلمه، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا(2) لمن حاكم به وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به وحلما لمن جرب، وشفاء ولبا لمن تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة لمن أصلح، وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل، ورجاء (3) لمن فوض، وسابقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن رشد، وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين، وموعظة للمتقين ونجاة للفائزين.

____________

١- الرجل هو ابن الكواء، كما صرح به في الكافي: ج 1 ص 49.

٢- أي فوزا وظفرا.

٣- (ب) خ ل: رخاء. وفي أمالي المفيد وأمالي الطوسي وتحف العقول: راحة.

الصفحة 180 

ذلك الحق، سبيله الهدى وصفته الحسنى ومأثرته المجد، أبلج المنهاج، مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة (1)، متنافس السبقة (2)، أليم النقمة، قديم النعمة، قديم العدة، كريم الفرسان.

فالإيمان منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته (3)، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.

فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنخ الإيمان.

فذلك الإسلام!

____________

١- الحلبة: خيل تجمع للسباق من كل ناحية.

٢- السبقة: ما يتراهن عليه المتسابقون.

٣- قال المجلسي: معناه أن القيامة محل اجتماع الحلبة إما للسباق أو لحيازة السبقة.

الصفحة 181 

10

1

علة الفرق بين أحاديث الشيعة وأحاديث مخالفيهم

أبان عن سليم، قال: قلت لعلي عليه السلام(1): يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلی الله عليه و اله، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلی الله عليه و اله تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله عليه و اله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم؟

قال: فأقبل علي فقال لي: يا سليم، قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس

حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما. وقد كذب على رسول الله صلی الله عليه و اله على عهده حتى قام فيهم خطيبا فقال:

(أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة.(2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). ثم كذب عليه من بعده حين توفي، رحمة الله على نبي الرحمة وصلى الله عليه وآله.

____________

١- يظهر مما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في خطبة له فسأله سليم هذا السؤال أثناء الخطبة، وأصل الخطبة هي الحديث 18 من كتاب سليم. راجع البحار: ج 2 ص 230، والاحتجاج: ج 1 ص 392.

٢- قال المحقق السيد الداماد في التعليقة على الكافي: ص 146 في شرح حديث سليم ما ملخصه: (الكذابة) مصدر كذب يكذب، أي (كثرت علي كذابة الكاذبين)، أو بمعنى (المكذوب)، أي كثرت الأحاديث المفتراة المختلقة علي. وأما الكذابة بمعنى البليغ في الكذب أي (كثرت علي أكاذيب الكذابة)، أو (كثرت الجماعة الكذابة علي).

الصفحة 182 

المحدثون أربعة

وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس:

رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلی الله عليه و اله متعمدا. فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: (هذا صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله، رآه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل الكذب على رسول الله صلی الله عليه و اله). وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم)(1).

ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا. وإنما الناس مع الملوك في الدنيا إلا من عصم الله. فهذا أول الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول: (أنا سمعته من رسول الله). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنه وهم فيه لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.

ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وتخوفا من الله

وتعظيما لرسوله صلی الله عليه و اله ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه

____________

١- سورة المنافقون: الآية 4.

الصفحة 183 

ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.

وإن أمر رسول الله صلی الله عليه و اله ونهيه مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلی الله عليه و اله الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلی الله عليه و اله.

وليس كل أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله

ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلی الله عليه و اله حتى يسمعوا منه.

وكنت أدخل على رسول الله صلی الله عليه و اله كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلی الله عليه و اله، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره. وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني.

وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي. ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني.

فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها، فحفظته وأملاه علي فكتبته. وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا، وأن يعلمني

فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى.

فقلت له ذات يوم: يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته؟ أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

الصفحة 184 

الأئمة الأحد عشر عليهم السلام شركاء أمير المؤمنين عليه السلام

قلت: يا نبي الله، ومن شركائي؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال

في حقهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(1) فإن (خفتم التنازع في شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.

قلت: يا نبي الله، ومن هم؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم،

لا يفارقونه ولا يفارقهم. بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.

فقلت(2): يا رسول الله، سمهم لي. فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس

الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام. ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي.

فقلت: يا نبي الله، سمهم لي. فسماهم لي رجلا رجلا. منهم - والله يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم.

____________

١- سورة النساء: الآية 59. وتمام الآية هكذا: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).

٢- هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت: سمهم لي يا رسول الله، قال: أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام. ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى. ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:

والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم.

الصفحة 185 

2

تقرير الأئمة عليهم السلام لسليم في نقل هذا الحديث

قال سليم: ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة (1) بعد ما قتل

أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما. فقالا: صدقت، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلی الله عليه و اله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا.

قال سليم: ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام - وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام - فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلی الله عليه و اله، السلام وهو مريض وأنا صبي.

ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلی الله عليه و اله - وهو مريض - السلام.

قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله واقرأه من رسول الله صلی الله عليه و اله السلام. (3)

____________

١- في (د) وفي إعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية.

٢- الكتاب بمعنى موضع التعليم.

٣- روي في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري. فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الإمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر. فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام، أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: أنت إذا الباقر. قال: فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد، إن رسول الله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه. فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما: يا جابر، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي....

الصفحة 186 

قال أبان: فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود. ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال:

صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم. (1)

3

غدر الأمة بأهل بيت نبيها عليهم السلام

قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس!!

إن رسول الله صلی الله عليه و اله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.

____________

١- جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام. راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 و طبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15. ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه.

الصفحة 187 

السقيفة لأبي بكر وعمر

فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيه وما سمعته العامة.

فقالوا: صدقت، قد قال ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله ولكن قد نسخه فقال: (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله.

واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر. ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها.

الشورى لعثمان

ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فقلدوها عبد الرحمن. ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه (1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات.

حروب الجمل وصفين والنهروان

ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثم نكثا وغدرا، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه،

____________

١- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9 ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32.

وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا بالله.

الصفحة 188 

فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام (1) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه. (2)

النكث والغدر بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام

ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده.

فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل، حين لا يجد أعوانا.

ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا. ثم غدروا به، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل.

مظلومية الشيعة في عصر زياد وابن زياد والحجاج

ثم لم نزل أهل البيت - منذ قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب.

وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا(3).

____________

١- الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين).

٢- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا: ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود.

٣- في شرح نهج البلاغة هكذا: وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.

الصفحة 189 

ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه)!!

4

تاريخ الجعل والتحريف في الأحاديث

وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة، لم يخلق الله منها شيئا قط، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع. ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم

قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور.

نماذج من الأحاديث المختلقة

قال: قلت له: أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا. (1)قال: رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)، و (أن عمر محدث)، و (أن الملك يلقنه)، و (أن السكينة تنطق على لسانه)، و (أن عثمان، الملائكة تستحي منه)، و (أن لي وزيرا من أهل السماء

____________

١- لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بإيراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين. وذلك في ج 5 ص 378 - 297، ج 6 ص 96 - 87، ج 8 ص 96 - 33، ج 9 ص 396 - 273، ج 10 ص 138 - 70، ج 11 ص 101 - 75. هذا وقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 - 189 احتجاج الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع.

الصفحة 190 

ووزيرا من أهل الأرض " (1)، و " أن اقتدروا بالذين من بعدي "، و " أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)(2) - حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق - فقال عليه السلام: هي والله كلها كذب وزور.

قلت: أصلحك الله لم يكن منها شئ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها. (3)

ومثله (4) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام. وعامها كذب وزور وباطل.

اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلی الله عليه و اله، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.

____________

١- أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء. قلنا: من هؤلاء الوزراء يا رسول الله؟

قال: اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض - أو من أهل الدنيا -؟ قال: أبو بكر وعمر!!

٢- روي في البحار: ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على جبل حراء، إذ تحرك الجبل. فقال له: (قر، فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد). فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته.

وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض. فركضه برجله فقال: اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد). وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10 ص 73.

٣- معناه على الظاهر: فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسكن.

٤- لعل المعنى: ومثله في التحريف تحريفهم لمعنى الحديث.

الصفحة 191 

11

1

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على المسلمين في عصر عثمان

أبان عن سليم قال: رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلی الله عليه و اله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم.

فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيهم من الفضل، مثل قوله: (الأئمة من قريش)، وقوله: (الناس تبع لقريش) و (قريش أئمة العرب)، وقوله: (لا تسبوا قريشا)، وقوله: (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله:

(أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله: (من أراد هوان قريش أهانه الله).

وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيهم من الفضل. وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته (1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال

____________

١- في الإحتجاج زيادة هكذا: وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، و (إن العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله - لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس - فقال: (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها).

ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة سعد: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره. راجع البحار: ج 10 ص 43 و ج 20 ص 236.

٢- هو الذي استشهد يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سأل زوجته عن حاله، قالت: لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له: (غسيل الملائكة). راجع البحار: ج 20 ص 47 و 58.

٣- الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير. فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف بحمى الدبر. أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه. روي في البحار: ج 20 ص 152: أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد. فحمته الدبر، فقالوا: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه.

فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر).

الصفحة 192 

كل حي: (منا فلان وفلان).

وقالت قريش: (منا رسول الله صلی الله عليه و اله ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة (1) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف). فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه.

وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة. فكان ممن حفظت من قريش: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (2) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار(3): أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب

____________

١- أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة.

وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة.

٢- هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الفضلاء الأخيار. كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين.

٣- زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51. كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه.

وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام. شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان.

وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسي الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين.

ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46.

وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفي سنة 86.

أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين. وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب.

الصفحة 193 

الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه، غلام أمرد صبيح الوجه.

وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة.

قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما.

فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال - وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما

هم فيه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته.

2

احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام

فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا.

ثم قال: يا معاشر قريش، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلی الله عليه و اله

الصفحة 194 

وبه أدركنا ذلك كله ونلناه. فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلی الله عليه و اله لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.

قال: صدقتم، يا معاشر قريش والأنصار. أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا

والآخرة منا خاصة - أهل البيت - دونكم جميعا، وأنكم سمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله يقول:

(إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم)؟ (1)قال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة والقدمة: نعم، سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال: أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذف به في النار في

صلب إبراهيم. ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط)؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ فقالوا: اللهم نعم.

قال: أتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل،

تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي.

فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلی الله عليه و اله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب

في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلی الله عليه و اله واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلی الله عليه و اله

____________

١- راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25.

الصفحة 195 

ولي فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى

عليه (1)، ثم قال صلی الله عليه و اله: (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره

وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي

وابنيه)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله - حين دعا أهل نجران إلى المباهلة - إنه لم يأت إلا بي

و بصاحبتي وابني؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال: (لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا: اللهم

نعم.

____________

١- روي في البحار: ج 39 ص 23: أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مررت إلى مصلاك، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها. فقال:

قد أبى الله ذلك. فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه عيني. فقال: قد أبى الله ذلك، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك. والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم....

الصفحة 196 

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله بعثني بسورة براءة ورد غيري - بعد أن كان بعثه - بوحي من الله وقال: (إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عنك إلا رجل منك)؟ قالوا:

اللهم بلى. (1)

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي، وأنه

لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال:

(يا علي، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. (2)

قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلی الله عليه و اله في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا

____________

١- روي في البحار: ج 35 ص 295 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس. فنزل جبرئيل فقال: (لا يبلغ عنك إلا علي). فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة. فقال أبو بكر: أسخطة؟ فقال: لا، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك. فلما قدم علي عليه السلام مكة - وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر - قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر. وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك. ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر). راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير: ج 6 ص 341

٢- في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3 ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها. فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر. قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد:

(أنت أخونا ومولانا).

الصفحة 197 

سألته أعطاني وإذا سكت ابتدأني؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله فضلني على جعفر وحمزة، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب

وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا:

اللهم نعم.

قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم بالله، أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في آخر خطبة خطبكم: (أيها

الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي)؟ قالوا: اللهم نعم.

ثم قال (1) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلی الله عليه و اله أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (والسابقون الأولون من المهاجرين

____________

١- زاد في (الإحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟

قالوا: اللهم نعم.

الصفحة 198 

والأنصار) (1)، (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (2)، سئل عنها رسول الله صلی الله عليه و اله،

فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي

بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: اللهم نعم.

يوم غدير خم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام

قال: فأنشدكم، أتعلمون حيث نزلت (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا

الرسول وأولي الأمر منكم) (3)، وحيث نزلت (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (4)، وحيث نزلت (أم حسبتم أن

تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله

ولا المؤمنين وليجة) (5)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟

فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب وقال:

(أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني

فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).

ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أن الله

عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم)؟ قالوا: بلى،

يا رسول الله. قال: (قم، يا علي). فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

____________

١- سورة التوبة: الآية 100، وتمام الآية هكذا: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).

٢- سورة الواقعة: الآية 10.

٣- سورة النساء: الآية 59.

٤- سورة المائدة: الآية 55.

٥- سورة التوبة: الآية 16.

الصفحة 199 

فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كما ذا؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (1)فكبر النبي صلی الله عليه و اله وقال: (الله أكبر، تمام

نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي).

فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصة في علي؟ قال: بلى، فيه

وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع

القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي.

فقالوا كلهم: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم:

قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.

فقال علي عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك

من رسول الله صلی الله عليه و اله لما قام فأخبر به.

فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد

لقد حفظنا قول النبي صلی الله عليه و اله - وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه - وهو يقول: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي

والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم فيه بولايته. وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.

أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج

____________

١- سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 200 

فبينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة - ووضع يده على علي بن أبي طالب عليه السلام - ثم لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي.

أيها الناس، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم بعدي ووليكم وهاديكم، وهو

أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم. فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق

معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم). ثم جلسوا. (1)

قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (2)فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كساء وقال: (هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم (3)، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم

تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (أنت إلى خير، إنما نزلت في وفي

أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ليس معنا فيها أحد غيرهم)؟

فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلی الله عليه و اله فحدثنا كما

حدثتنا به أم سلمة.

ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله

____________

١- أي ثم جلس زيد بن أرقم والبراء وأبو ذر والمقداد وعمار بعد شهادتهم.

٢- سورة الأحزاب: الآية 33.

٣- سورة الأحزاب: الآية 33.

الصفحة 201 

وكونوا مع الصادقين). (1)فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة؟ قال صلی الله عليه و اله: (أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى

يوم القيامة)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أني قلت لرسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك: لم خلفتني؟

قال: (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه

لا نبي بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا

الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). (2)فقام

سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة. قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله؟

فقال: (أنا وأخي وأحد عشر من ولدي). قالوا: اللهم نعم.

فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك

فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسكوا

بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال: يا رسول الله، أكل

____________

١- سورة التوبة: الآية 119.

٢- سورة الحج: الآية: 78.

الصفحة 202 

أهل بيتك؟ قال: (لا، ولكن أوصيائي منهم. أولهم أخي علي ووزيري ووارثي

وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني

الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض. شهداء

الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله

ومن عصاهم عصى الله)؟

فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال ذلك.

وصف مجلس المناشدة

ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى

على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلی الله عليه و اله كثيرا، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.

قال: فلم يدع شيئا مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على

لسان رسول الله صلی الله عليه و اله إلا ناشدهم الله فيه. فمنه ما يقولون جميعا: (نعم) ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم: (اللهم نعم) ويقول الذين سكتوا للذين أقروا: أنتم عندنا ثقات، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.

ثم قال حين فرغ: اللهم اشهد عليهم. قالوا: اللهم اشهد أنا لم نقل إلا حقا وما

قد سمعناه من رسول الله صلی الله عليه و اله، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.

قال: أتقرون بأن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب

وليس يحبني) - ووضع يده على رأسي - فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:

(لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه

فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)؟ فقال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيين: (اللهم نعم)، وسكت بقيتهم.

فقال علي عليه السلام للسكوت: ما لكم سكوت؟ فقالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاه

الصفحة 203 

في صدقهم وفضلهم وسابقتهم. فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد عليهم. فقالوا: اللهم إنا

لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول الله صلی الله عليه و اله وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.

3

كلمات بين أمير المؤمنين عليه السلام وطلحة

سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة

فقال طلحة بن عبيد الله - وكان يقال له (داهية قريش) -: فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك

حبل، فقالوا لك: (بايع)، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة، فصدقوك جميعا. ثم ادعى أنه سمع نبي الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فصدقه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل؟

ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة

والفضل نحن نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الخمسة بما سمعت!

الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة

فقام عند ذلك علي عليه السلام - وغضب من مقالة طلحة - فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر

الصفحة 204 

شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به (1)، وأقبل على طلحة - والناس

يسمعون - فقال: يا طلحة، أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: (إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا علي فلا أصل إلى الخلافة)!

الجواب الثاني: حديث الغدير

وقال عليه السلام: والدليل - يا طلحة - على باطل ما شهدوا عليه قول نبي الله صلی الله عليه و اله يوم

غدير خم: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام؟

الجواب الثالث: حديث المنزلة

وقول رسول الله صلی الله عليه و اله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، أفلستم

تعلمون أن الخلافة غير النبوة؟ ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلی الله عليه و اله.

الجواب الرابع: حديث الثقلين

وقوله صلی الله عليه و اله: (إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي

لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (2)، وقال: (وزاده بسطة

____________

١- عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه: (ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى). فقال عليه السلام: عنى بها صحيفته التي في الكعبة. راجع البحار: ج 8 طبع قديم ص 27. وروي في ص 22 عن حذيفة بن اليمان أنه قال:

وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال: (ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى)!

٢- سورة يونس: الآية 35.

الصفحة 205 

في العلم والجسم " (1)، وقال: " أو أثارة من علم إن كنتم صادقين " (2) وقال رسول الله صلی الله عليه و اله:

(ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى

يرجعوا إلى ما تركوا)، فما الولاية غير الإمارة على الأمة؟

الجواب الخامس: حديث التسليم عن علي عليه السلام بإمرة المؤمنين

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر

رسول الله صلی الله عليه و اله، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك - يعني الزبير - وعلى الأمة رأسا وعلى هذين - وأشار إلى سعد وابن عوف - وعلى خليفتكم هذا

الظالم - يعني عثمان -.

الجواب السادس: الشورى التي أمر بها عمر

وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا، فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق

هو وأصحابه على رسول الله صلی الله عليه و اله؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور

في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها؟ وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم؟

فهلا أخرجني وقد قال: (إن رسول الله صلی الله عليه و اله أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب)؟

الجواب السابع: ما قال عمر عند موته

ولم قال عمر - حين دعانا رجلا رجلا - لابنه عبد الله - وها هو ذا (3) - أنشدك بالله، ما

قال لك حين خرجنا؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال: (إن بايعوا أصلع

____________

١- سورة البقرة: الآية 247.

٢- سورة الأحقاف: الآية 4.

٣- كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشار عليه السلام إليه وصير الخطاب إليه.

الصفحة 206 

بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم)!

ثم قال عليه السلام: يا بن عمر، فما قلت أنت عند ذلك؟ قال: قلت له: فما يمنعك - يا أبه -

أن تستخلفه؟ قال: فما رد عليك؟ قال: رد علي شيئا أكتمه قال عليه السلام: فإن رسول الله صلی الله عليه و اله قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له. قال: ومتى أخبرك؟ قال عليه السلام: أخبرني في حياته

ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رآى رسول الله صلی الله عليه و اله في المنام فقد رآه في اليقظة.

قال له ابن عمر: فما أخبرك؟ قال عليه السلام: أنشدك الله يا بن عمر، لئن حدثتك به

لتصدقني. قال: أو أسكت قال: فإنه قد قال لك - حين قلت له: (فما يمنعك

أن تستخلفه؟) - قال: الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر فقال: أسألك بحق رسول الله صلی الله عليه و اله لما أمسكت عني!

قال سليم: فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان

دموعا.

شورى عمر غير الشرعية

ثم أقبل علي عليه السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال: والله إن كان أولئك

الخمسة كذبوا على رسول الله صلی الله عليه و اله فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم - أيها الخمسة - أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على

رسول الله صلی الله عليه و اله ورغبة عنه.

الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام

ثم أقبل علي عليه السلام على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا عندكم أم كذاب؟ فقالوا: بل صديق صدوق، لا والله ما علمناك كذبت في

الصفحة 207 

جاهلية ولا إسلام. قال عليه السلام: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ (1) عنه صلی الله عليه و اله غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا.

أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم الأنبياء برسول الله صلی الله عليه و اله

إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن. والله جعل محمدا نبيا وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على

خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته،

فبلغهم كما أمره الله عز وجل.

من هو الأحق بمجلس رسول الله صلی الله عليه و اله؟

فأيهما أحق بمجلس رسول الله صلی الله عليه و اله وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعثني ببراءة فقال: (إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)؟ فأنشدكم الله، أسمعتم

ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله؟ قالوا: اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعثك ببراءة.

قال: فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلغ لها غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو

من خص من بين هذه الأمة أنه ليس من رسول الله؟ (2)

____________

١- قوله (لا يبلغ...) جواب للقسم.

٢- المراد أنا أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله أو أبو بكر الذي علم رسول الله صلى الله عليه وآله أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصة ليس من رسول الله صلى الله عليه وآله.

الصفحة 208 

ألم يقل النبي صلی الله عليه و اله: ليبلغ الشاهد الغائب؟

فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد

أن يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله وقد قال لنا ولسائر الناس: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: (رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل (1) عليهن قلب

امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم

جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم)، وقام في غير موطن فقال: (ليبلغ الشاهد الغائب)؟

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلی الله عليه و اله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض(2). فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي. فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين - وأشار بمسبحته والوسطى - فإن إحديهما قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا،

ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).

وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بإيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وإيجاب حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الأشياء غير ذلك. وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من

لا يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله جميع ما بعثه الله به غيرهم.

____________

١- روي في البحار: ج 21 ص 138 ح 33 عن الصادق عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف:

نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه. يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب. فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم. والمراد من ذكر هذه الفقرة إيراد موارد قوله (ليبلغ الشاهد الغائب).

٢- معنى الجملة: أن قوله (ليبلغ الشاهد الغائب) كان في هذه المواضع الثلاثة.

الصفحة 209 

ألا ترى يا طلحة، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قال لي - وأنتم تسمعون -: يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك. أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي).

فلما ولى أبو بكر هل قضى عن رسول الله صلی الله عليه و اله دينه وعداته؟ فأثبتهم جميعا فقضيت دينه وعداته. وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري. ولم يكن ما أعطاهم

أبو بكر بقضاء لدينه وعداته، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته.

الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس

وإنما يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله جميع ما جاء عن الله عز وجل الأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

فقال طلحة: فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول الله صلی الله عليه و اله بذلك حتى فسرته

لي. فجزاك الله يا أبا الحسن خيرا عن جميع الأمة.