معنى فطرة الله

الصفحة 60   

قال أبو جعفر - رحمه الله -(1) في معنى الفطرة: إن الله تعالى فطر [ جميع الخلق ](2) على التوحيد(3).

قال الشيخ المفيد - رحمه الله -: ذكر أبو جعفر - رحمه الله - الفطرة ولم يبين معناها! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته، والمعنى في قوله - عليه السلام - فطر الله الخلق، أي: ابتدأهم بالحدوث، والفطرة هي الخلق.

قال الله تعالى: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض)(4) يريد به خالق السماوات والأرض على الابتداء والاستقبال، وقال: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)(5) يعني خلقته التي خلق الناس عليها [ وهو معنى ](6) قول الصادق - عليه السلام: فطر الله الخلق على التوحيد، أي: خلقهم للتوحيد وعلى أن يوحدوه، وليس

____________

(1) عنه في البحار 5: 196 / 1 - 8.

(2) (ق): الخلائق.

(3) الاعتقادات ص 36.

(4) الملائكة: 1.

(5) الروم: 30.

(6) (ق): والمعنى في.

الصفحة 61   

المراد به أنه [ أراد منهم ](1) التوحيد، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد!

وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(2) فبين أنه إنما خلقهم لعبادته.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول، قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه(3). وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [ أنفسهم و ] من أضلهم من الجن والإنس دون الله

____________

(1) (ق): خلق فيهم.

(2) الذاريات: 56.

(3) قال العلامة الشهرستاني في مجلة (المرشد - ص 26 - 27 ج 1): الفطرة هي ما يقتضيه الشئ لو خلي ونفسه وبدون مانع، فإذا قيل: (الصدق فطري في البشر) معناه أن الإنسان لو خلي ونفسه فإن حالته الفطرية تقتضي أن يصدق كلامه، وهذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب، وقد تزول عنه بمانع أقوى فيلتجئ إلى الكذب، كما أن القائل: سقوط الحجر إلى الأرض طبيعي، معناه:

أن الحجر المتحرك حول الأرض لو خلي ونفسه فحكمه السقوط إلى الأرض، وهذا لا يمنع أن يتخلف عن طبيعته لعارض وبسبب قاسر.

وعليه فكون دين الاسلام فطريا في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة، وبعبارة فنية (إن الفطرة اقتضاء لا ضرورة) كما يصرح بذلك حديث (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه).

وأما معنى فطرية دين الاسلام، فالراجح أنه بعنوانه المجموعي، أي إن الاسلام إذا قيس إلى أي دين آخر كان هو دين الفطرة دون غيره - كما أشار إليه الحديث النبوي المتقدم.

ومما يريك دين الاسلام بلباسه الفطري، أن حقيقة الاسلام هو أن يسلم المرء أمره إلى خالقه وأن يسالم المخلوقين، وهل هذا إلا قضية الفطرة.

قال سبحانه: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) (النساء: 125) أي:

المسلم لله والمسالم لعباده.

وقال نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه).

ثم إن الاسلام بني على توحيد الله في ذاته وصفاته وتوحيده في عنايته وعبادته، وهل هذا إلا الفطرة، وأسس شرعه على العدل والاحسان والفضيلة والمحبة، وكلها أحكام الفطرة.

فالاسلام بهذا المعنى دين الفطرة وشرع الحقيقة، وهذا المعنى هو دين الله الحقيقي، وهو أقدم شرائع البشر من عهد إبراهيم - عليه السلام - والذين من قبله، والقرآن يقول في إبراهيم - عليه السلام - إنه: (كان حنيفا مسلما) (آل عمران: 68) أي: متدينا بالدين الأصلي، أعني به إسلام الفرد نفسه لربه ومسالمته مع عباده. چ.

الصفحة 62   

تعالى، والذي أورده أبو جعفر في بيان...(1) الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم دلائل العقول.

____________

(1) هنا في النسخ بياض بمقدار كلمة.