شعيب عليه السلام

الصفحة 96   

في قول شعيب (ع) استغفروا ربكم ثم توبوا:

(مسألة): فإن قيل: ما معنى قوله تعالى في الحكاية عن شعيب عليه السلام: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) (1) والشئ لا يعطف على نفسه لا سيما بالحرف الذي يقتضي التراخي والمهلة وهو (ثم) وإذا كان الاستغفار هو التوبة فما وجه هذا الكلام؟.

(الجواب): قلنا في هذه الآية وجوه:

أولها: أن يكون المعنى اجعلوا المغفرة غرضكم وقصدكم الذي فيه تجئرون ونحوه يتوجهون، ثم توصلوا إليها بالتوبة إليه، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب.

وثانيها: أنه لا يمتنع أن يريد بقوله: (استغفروا ربكم) أي اسألوه التوفيق للمغفرة والمعونة عليها ثم توبوا إليه، لأن المسألة للتوفيق ينبغي أن يكون قبل التوبة.

وثالثها: أنه أراد بثم الواو، والمعنى استغفروا ربكم وتوبوا إليه، وهذان الحرفان قد يتداخلان فيقوم أحدهما مقام الآخرة.

____________

(1) هود الآية 90.

الصفحة 97   

ورابعها: أن يريد استغفروه قولا ونطقا ثم توبوا إليه لتكونوا بالتوبة فاعلين لما يسقط العقاب عنده.

وخامسها: أنه خاطب المشركين بالله تعالى فقال لهم: استغفروه من الشرك بمفارقته ثم توبوا إليه، أي ارجعوا إلى الله تعالى بالطاعات وأفعال الخير، لأن الانتفاع بذلك. لأن ذلك لا يكون إلا بتقديم الاستغفار من الشرك ومفارقته. والتائب والآئب والنايب والمنيب بمعنى واحد.

وسادسها: ما أومى إليه أبو علي الجبائي في تفسير هذه الآية لأنه قال أراد بقوله (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) أي أقيموا على التوبة إليه، لأن التائب إلى الله تعالى من ذنوبه يجب أن يكون تائبا إلى الله في كل وقت يذكر فيه ذنوبه بعد توبته الأولى، لأنه يجب أن يكون مقيما على الندم على ذلك، وعلى العزم على أن لا يعود إلى مثله. لأنه لو نقض هذا العزم لكان عازما على العود، وذلك لا يجوز. وكذلك لو نقض الندم لكان راضيا بالمعصية مسرورا بها وهذا لا يجوز. وقد حكينا ألفاظه بأعيانها، حمله على هذا الوجه أنه أراد التكرار والتأكيد والأمر بالتوبة بعد التوبة. كما يقول أحدنا لغيره: " اضرب زيدا ثم اضربه " " وافعل هذا ثم افعل ". وهذا الذي حكينا عن أبي علي أولى مما ذكره في صدر هذه السورة، لأنه قال هناك وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، أن معناه استغفروا ربكم من ذنوبكم السالفة ثم توبوا إليه بعد ذلك من كل ذنب يكون منكم أو معصية، وهذا ليس بشئ، لأنه إذا حمل الاستغفار المذكور في الآية على التوبة فلا معنى لتخصيصه بما سلف دون ما يأتي، لأن التوبة من ذلك أجمع واجبة، ولا معنى أيضا لتخصيص قوله ثم توبوا إليه بالمعاصي المستقبلة دون الماضية، لأن الماضي والمستقبل مما يجب التوبة منه. فالذي حكيناه أو لا عنه أشفى وأولى.

حول إنكاح ابنته (ع):

(مسألة): فإن قيل فما الوجه في عدول شعيب عليه السلام عن جواب

الصفحة 98   

ابنته في قولها (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) (1) إلى قوله لموسى عليه السلام (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) وهي لم تسأل النكاح ولا عرضت به، فترك إجابتها عن كلامها وخرج إلى شئ لم يجر ما يقتضيه.

(الجواب): إنها لما سألته أن يستأجره ومدحته بالقوة والأمانة، كان كلامها دالا على الترغيب فيه والتقريب منه والمدح له بما يدعو إلى إنكاحه، فبذل له النكاح الذي يقتضي غاية الاختصاص، فما فعله شعيب (ع) في غاية المطابقة لجوابها ولما يقتضيه سؤالها.

في قول شعيب (ع) فإن أتممت عشرا فمن عندك:

(مسألة): فإن قيل فما معنى قول شعيب عليه السلام: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إنشاء الله من الصالحين) (2) وكيف يجوز في الصداق هذا التخيير والتفويض، وأي فايدة للبنت فيما شرط هو لنفسه وليس يعود عليها من ذلك نفع؟.

(الجواب): قلنا: يجوز أن تكون الغنم كانت لشعيب (ع)، وكانت الفايدة باستيجار من يرعاها عائدة عليه، إلا أنه أراد أن يعوض بنته عن قيمة رعيها فيكون ذلك مهرا لها. وأما التخيير فلم يكن إلا ما زاد على الثماني حجج ولم يكن فيما شرطه مقترحا تخيير، وإنما كان فيما تجاوزه وتعداه.

ووجه آخر أنه يجوز أن تكون الغنم كانت للبنت وكان الأب المتولي لأمرها والقابض لصداقها، لأنه لا خلاف أن قبض الأب مهر بنته البكر البالغ جايز،

____________

(1) القصص الآية 26.

(2) القصص الآية 27.

الصفحة 99   

وأنه ليس لأحد من الأولياء ذلك غيره، وأجمعوا أن بنت شعيب (ع) كانت بكرا.

ووجه آخر: وهو أن يكون حذف ذكر الصداق، وذكر ما شرطه لنفسه مضافا إلى الصداق، لأنه جائز أن يشترط الولي لنفسه ما يخرج عن الصداق.

وهذا الجواب يخالف الظاهر، لأن قوله تعالى (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) يقتضي ظاهره أن أحدهما جزاء على الآخر.

ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يكون من شريعته عليه السلام العقد بالتراضي من غير صداق معين، ويكون قوله (على أن تأجرني) على غير وجه الصداق. وما تقدم من الوجوه أقوى.