في معنى الاستطاعة

الصفحة 63   

قال أبو جعفر - رحمه الله -(1) في الاستطاعة: اعتقادنا في ذلك ما روي عن موسى بن جعفر - عليه السلام -: من أن العبد لا يكون مستطيعا إلا بأربع خصال(2)... إلخ(3).

قال أبو عبد الله: الذي رواه أبو جعفر عن أبي الحسن موسى - عليه السلام - في الاستطاعة حديث شاذ، والاستطاعة في الحقيقة هي الصحة والسلامة، فكل صحيح فهو مستطيع، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة، وقد يكون مستطيعا للفعل من لا يجد آلة له ويكون مستطيعا ممنوعا من الفعل، والمنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل، ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها.

وقد قال الله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات)(4) فبين أن الإنسان يكون مستطيعا للنكاح وهو غير ناكح، ويكون مستطيعا للحج قبل أن يحج، ومستطيعا للخروج قبل أن يخرج.

____________

(1) عنه في بحار الأنوار 5: 8 و 9 / 10 - 12.

(2) (ق) زيادة: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله.

(3) الاعتقادات ص 38، الكافي 1: 160 - 161، التوحيد: 348 / 7 وفيهما عن الرضا - عليه السلام -.

(4) النساء: 25.

الصفحة 64   

قال الله تعالى: (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم)(1) فخبر أنهم كانوا مستطيعين للخروج فلم يخرجوا.

وقال سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)(2) فأوجب الحج على [ الناس و ](3) الاستطاعة قبل الحج، فكيف ظن أبو جعفر أن من شرط الاستطاعة للزنا وجود المزني بها، وقد بينا أن الإنسان يستطيع ذلك مع فقد المرأة وتعذر وجودها؟ وإن ثبت الخبر الذي رواه أبو جعفر - رحمه الله - فالمراد بالاستطاعة فيه التيسير للفعل وتسهيل سبيله، وليس عدم السبيل موجبا لعدم الاستطاعة، لما قدمناه من وجود الاستطاعة مع المنع، وهذا باب إن بسطناه طال القول فيه، وفيما أثبتناه من معناه كفاية لمن اعتبره(4).

____________

(1) التوبة: 42.

(2) آل عمران: 98.

(3) (ق): من لم يحج، وأثبت.

(4) (ق): تأمله.