الزيدية 3

 

من بايع زيداً من المحدثين والفقهاء :

    قد عرفت أنّه بايعه وجوه أهل الكوفة كما بايعه أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان (2) ولكن نركز على أسماء أهل العلم ونقلة الآثار الذين أتى بأسمائهم أبو الفرج الاَصفهاني في كتاب « مقاتل الطالبيين » فإنّ في التعرف عليهم تأثيراً للتعرّف على مكانة زيد في قلوب الفقهاء والمحدثين وأهل العلم في ذلك الزمان ، وأنّ الرجل ما لم تكن فيه مكانة كبرى في قلوب الناس لما بايعه نظراء أبي حنيفة والاَعمش وابن أبي ليلى وغيرهم.

    1 ـ منصور بن المعتمر :

    عدّه الرجاليون من أصحاب الاِمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) (3) كان يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي ، أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه ، فقتل زيد ومنصور غائب عنه ، فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عن تأخره ، ثم خرج بعد ذلك مع عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر (4).

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 91 ـ 92.

    2 ـ ابن مهنا : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 256 ، وقد عرفت كلام أبي الفرج في مقاتل الطالبيين.

    3 ـ تنقيح المقال : 3/250 ، نقله عن الشيخ الطوسي.

    4 ـ ذكر خروجه (عبد اللّه بن معاوية) أبو الفرج في مقاتل الطالبيين111 ـ 116.

________________________________________

(297)

2 ـ نعمان بن ثابت (أبو حنيفة) :

    روى أبو الفرج عن الفضل بن الزبير ، قال : قال أبو حنيفة من يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال : قلت : سلمة بن كهيل ، ويزيد بن أبي زياد ، وهارون بن سعد ، وهشام بن البريد وأبو هاشم الرماني ، والحجاج بن دينار وغيرهم ، فقال لي : قل لزيد : لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح ، ثم بعث ذلك معي إلى زيد فأخذه زيد.

    3 ـ سليمان بن مهران (الاَعمش) :

    أحد أعلام الشيعة بالكوفة ، وقد جاء عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه فجلس إلى الاَعمش فقال : أخلنا فإنّ لنا إليك حاجة ، فقال : وماخطبكم؟ هذا شريك وهذا عمرو بن سعيد ، أذكر حاجتك فقال : أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته والجهاد معه وهو من عرفت. قال : أجل ما أعرفني بفضله إقرياه مني السلام وقولا له : يقول لك الاَعمش : لست أثق لك ـ جعلت فداك ـ بالناس ولو أنّا وجدنا لك ثلاثمائة رجل أثق بهم ، لغيّرنا لك جوانبها.

    4 ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الاَنصاري :

    كان من أصحاب الرأي تولى قضاء الكوفة وأقام حاكماً ثلاث وثلاثين سنة ولي لبني أُمية ، ثم لبني العباس ومات على القضاء في سنة 148 هـ وله 74 سنة ، نقل أبو الفرج عن أحمد بن محمد بن عمران بن أبي ليلى ، قال : حدثني أبي ، قال : كان محمد بن أبي ليلى ومنصور بن المعتمر بايعا زيد بن علي. قال : وبعث يوسف ابن عمر إلى الناس فأخذ عليهم أبواب المسجد فحال بينه وبينهم.

 

________________________________________

(298)

5 ـ هلال بن حباب :

    كان عالماً فاضلاً راوياً تولى قضاء المدائن ومات بها. قال أبو الفرج : كتب زيد بن علي إلى هلال بن حباب وهو يومئذ قاضي المدائن فأجابه وبايع له.

    6 ـ زبيد بن الحارث اليامي :

    ينتهي نسبه إلى يام ، بطن من همدان ، كان من الشيعة المحدثين في الكوفة ومن التابعين ، روى أبو الفرج عن سالم بن أبي الحديد ، قال : أرسلني زيد بن علي إلى زبيد اليامي أدعوه إلى الجهاد معه.

    7 ـ يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي :

    كان هاشمياً ولاءً لا نسباً ، أحد أعلام الشيعة بالكوفة مات سنة مائة وسبع وثلاثين ، روى أبو الفرج عن عبدة بن كثير السراج الجرمي ، قال : قدم يزيد بن أبي زياد مولى بنى هاشم صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقّة يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي ، وكان من دعاة زيد بن علي ، وأجابه الناس من أهل الرقّة ، وكنت فيمن أجابه.

    8 ـ قيس بن ربيع الاَسدي :

    كان من فقهاء الكوفة ولكثرة أحاديثه وسماعه الحديث قيل له الحوال ، قال أبو الوليد : كتبت عن قيس ستة آلاف حديث توفى بالكوفة سنة مائة وثمان وستين. روى أبو الفرج أنّ أبا حصين قال لقيس بن الربيع : ياقيس ، قال : لبيك. قال : لا لبيك ولا سعديك ، لتبايعن رجلاً من ولد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم تخذله ، وذلك أنّه بلغه بايع زيد بن علي رضوان اللّه عليه.

 

________________________________________

(299)

    9 ـ سلمة بن كهيل :

    عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب علي بن الحسين والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ويظهر من الروايات انحرافه عن الاِمام الباقر ، روى الكليني عن الاِمام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : « شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا » (1).

    روى الكشي أنّه دخل سلمة بن كهيل ومعه جماعة على أبي جعفر وعنده أخوه زيد فقالوا لاَبي جعفر ( عليه السلام ) : نتولّـى علياً وحسناً وحسيناً ونتبّرأ من أعدائهم؟ قال : نعم ، قالوا : فنتولى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهم؟فالتفت إليهم زيد بن علي وقال لهم : أتتبرّوَن من فاطمة ، بترتم أمرنا بتركم اللّه. فيومئذ سمّوا البترية (2).

    10 ـ هارون بن سعد العجلي :

    ويقال له الجعفي الفقيه كان من حملة الآثار في الكوفة وقد عدّه أبو الفرج من المبايعين كما عرفت.

    11 ـ أبو هاشم الرماني :

    اسمه يحيى بن دينار من الفقهاء التابعين.

    12 ـ الحجاج بن دينار :

    كثير الرواية كان من فقهاء التابعين.

________________________________________

    1 ـ الكليني : الكافي : 1/392.

    2 ـ الكشي : الرجال : 236.

________________________________________

(300)

    13 ـ سفيان الثوري :

    نسبه إلى ثور بن عبد مناة سمّي بذلك لاَنّه نزل جبل ثور الذي به الغار ، كان من أعيان فقهاء الكوفة ورواة الحديث استقضاه المهدي على الكوفة فامتنع وتولاه شريك بن عبد اللّه النخعي فقال الشاعر :

تحـرز سفيان وفاز بدينه                  وأمسى شريك مرصداً للدراهم

    مات في البصرة عام 161 هـ وله 66 سنة وكان مختفياً من السلطان بايع زيداً على الخروج ولما بلغه قتل زيد. قال : لقد بذل مهجته لربّه وقام بالحقّ لخالقه ولحق بالشهداء المرزوقين.

    14 ـ مسعر بن كدام الفدكي :

    يعد من مشاهير رواة الحديث في الكوفة من بني صعصعة يبسط له في المسجد الاَعظم ليجلس عليه ويحدث ، طلبه المنصور للقضاء فأبى ومات سنة 152 هـ ولم يتول شيئاً من ذلك.

    هوَلاء هم الذين ذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين إلا الاَخير (1) وهناك شخصيات أُخرى بايعوه ولم يذكرهم بل جاءت في مصادر أُخرى ، فمن أراد التفصيل فليرجع إليها. (2)

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 98 ـ 101 ، ط النجف.

    2 ـ لاحظ الروض النضير : ج1/111؛ حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية : 1/144 ، السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم : زيد الشهيد : 120 ـ 123.

(301)

دعاته :

    إنّ لمكانة دعاة الثورة ومنزلتهم بين الناس ، تأثيراً بالغاً في اجتذاب الناس وعطفهم إليها ، فإذا كان الداعي عالماً بارعاً ، أو فقيهاً ورعاً ، يأخذ بمجامع القلوب ، ويوَثر في الشعوب وقد تعرفت على أسماء بعض دعاته عند الكلام في المبايعين لزيد من الفقهاء ونقلة الآثار نظراء :

    1 ـ منصور بن المعتمر

    2 ـ يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم

    3 ـ سالم بن أبي الحديد ـ كما في مقاتل الطالبيين ـ ويحتمل كونه مصحف سالم بن أبي حفصة ، الذي عنونه الكشي مع فريق ممن بايعوا زيداً كسلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة وغيرهما (1).

    4 ـ الفضيل بن الزبير الذي دعا أبا حنيفة إلى بيعة زيد

    5 ـ عبدة بن كثير الجرمي

    6 ـ الحسن بن سعد الفقيه

    قال أبو الفرج كان رسول زيد إلى خراسان عبدة بن كثير الجرمي ، والحسن بن سعد الفقيه.

    7 ـ عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه رسول زيد إلى الاَعمش

    وذكر السياغي أنّ من دعاته :

    8 ـ نصر بن معاوية بن شداد العبسي

    9 ـ معمر بن خثيم العامري.

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 200 ـ 202.

________________________________________

(302)

    10 ـ معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري (1).

    أنّ بث الدعاة في مختلف الاَقطار ينم عن علو همة زيد ، وسعة دعوته وأنّه كان بصدد تشكيل حكومة إسلامية عادلة ، غير أنّ الظروف القاسية وتساهل المبايعين ، حالت بينه وبين أُمنيته.

 

تحذيره عن القيام :

    قد حذره عن القيام غير واحد من أقاربه وأصدقائه ، حذروه عن الخروج معتضداً بالكوفيين وأنّهم أُناس لايوفون بمواثيقهم وعهودهم ، ويشهد بذلك ، حياتهم منذ عهد الاِمام إلى يومهم هذا نذكر كلمات بعض المحذّرين :

    1 ـ روى الصدوق عن معمر بن سعيد قال : كنت جالساً عند الصادق ( عليه السلام ) فجاء زيد بن علي فأخذ بعضادتي الباب فقال : له الصادق ( عليه السلام ) : « ياعم أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب بالكناسة ... » (2).

    2 ـ قال محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : أُذكّرك يازيد لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة فإنّهم لا يفون لك ، فلم يقبل (3).

    3 ـ قال داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس : يابن عم إنّ هوَلاء ليغرّونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك : جدّك علي بن أبي طالب حتى قُتل ، والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه ، أوليس أخرجوا جدّك الحسين وحلفوا له وخذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه؟ (4).

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/130.

    2 ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/249 ، الباب 25.

    3 ـ الجزري : الكامل : 5/232.

    4 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 488 ، الجزري : الكامل : 5/234.

________________________________________

(303)

    4 ـ قال سلمة بن كهيل : ننشدك اللّه كم بايعك؟ قال : أربعون ألفاً ، قال : فكم بايع جدك؟ قال : ثمانون ألفاً ، قال : فكم حصل معه ، قال ثلاثمائة ، قال : نشدتك اللّه ، أنت خير أم جدك؟ قال : جدي.

    قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال : ذلك القرن. قال : أفتطمع أن يفي لك هوَلاء ، وقد غدر هوَلاء بجدك. قال : قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم ، قال : أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد؟ فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي ، فأذن له فخرج إلى اليمامة (1).

    5 ـ كتب عبد اللّه بن الحسن بن الحسن إلى زيد : أمّا بعد فإنّ أهل الكوفة نفخ العلانية ، خوَر السريرة ، هرج في الرخاء ، جزع في اللقاء ، تقدّمهم ألسنتهم ، ولاتشايعهم قلوبهم. ولقد تواترت إليّ كتبهم بدعوتهم فصممتُ عن ندائهم ، وألبست قلبي غشاءً عن ذكرهم ، يأساً منهم واطِّراحاً لهم ، ومالهم مثل إلاّ ما قال علي بن أبي طالب : « إن أُهملتم ، خضتم ، وإن حوربتم خرتم ، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم ، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم » (2).

 

أعذاره تجاه الناصحين :

    هذه النصائح لم تكن رادعة لزيد عن أُمنيته وجهاده ، لاَنّه كان واقفاً على ما تنطوي عليه سرائر أهل الكوفة من التساهل في مجال العمل بالمواثيق والعهود ، ولكنه ( عليه السلام ) لم يصغ إلى شيء منها ، لاَنّه كان موطّناً نفسه على القتل والشهادة سواء أنال بغيته الظاهرة أي الحكومة والسلطة أم لا ، وذلك لاَنّ من أهدافه العالية إنهاض المسلمين إلى الثورة ولو باستشهاده وقتله في سبيل اللّه

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 489 ، الجزري : الكامل : 5/235.

    2 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 489 ، الجزري : الكامل : 5/235.

________________________________________

(304)

حتى يقضوا على عروش بني أُمية ، ومن حسن الحظ أنّ زيداً وصل إلى تلك الاَُمنية ، فقد تواترت الثورات بعد زيد هنا وهناك ضد النظام فأُزيلت عروشهم بعد استشهاده بمدّة لاتزيد على عشر سنوات ، فصارت جثث بني أُمية طعمة للكلاب والوحوش ، فاستوَصلوا من الاَراضي الاِسلامية ولم يبق منهم إلا حثالات فرّوا إلى الاَندلس أو كانوا فيها وما أجاب به زيد ، سلمة بن كهيل من كون بيعة الكوفيين على عنقه ولابد له من الوفاء بها فإنّما كان جواباً ظاهرياً لاقناع سلمة ، وإلاّ فللعمل بالميثاق شروط أوضحها كون الظروف هادئة والعدو غافلاً ، أو ضعيفاً والمبايعين صامدين في طريق بيعتهم ولم يكن واحد منها موجوداً.

 

الموَامرة على زيد من الداخل :

    ولما استتب الاَمر لزيد وكانت الثورة تستفحل يوماً بعد يوم ويرجع الناس إلى زيد زرافات ووحداناً.

    اجتمعت إليه جماعة من المبايعين ، فقالوا : رحمك اللّه ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال : رحمهما اللّه وغفر لهما ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرّأ منهما ولا يقول فيهما إلاّ خيراً ، قالوا : فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت؟ إلاّ أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم ، فقال لهم زيد : إنّ أشد ما أقول فيما ذكرتم إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول اللّه من الناس أجمعين وإنّ القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً ، قد ولّوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنّة. قالوا : فلم يظلمك هوَلاء إذا كان أُولئك لم يظلموك؟ فلمَ تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين؟ فقال : إنّ هوَلاء ليسوا كأُولئك ، إنّ هوَلاء ظالمون لي ولكم ولاَنفسهم ، ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا : سبق الاِمام وكانوا يزعمون أنّ أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الاِمام وكان قد هلك يومئذ ، وكان ابنه جعفر بن محمد حياً.

 

________________________________________

(305)

فقالوا : جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه وهو أحقّ بالاَمر بعد أبيه ، ولانتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة ، فهم اليوم يزعمون أنّ الذي سمّاهم رافضة المغيرة حيث فارقوه (1).

    ما ذكره الطبري في ذلك الموضع نقله أكثر الموَرّخين وأصحاب المقالات حتى اللغويين ، قال ابن منظور : الروافض قوم من الشيعة سمّوا بذلك لاَنّهم تركوا زيد بن علي. قال الاَصمعي : كانوا قد بايعوا زيد بن علي ، ثم قالوا له : إبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى. فقال : كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وأرفضوا عنه فسمّوا رافضة (2).

    يقول البغدادي : وكان زيد بن علي قد بايعه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة ، وخرج بهم على والي العراق وهو يوسف بن عمر الثقفي. قالوا له : إنّا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر بعد أن ظلما جدك علي ابن أبي طالب ، فقال زيد بن علي : لا أقول فيهم إلاّ خيراً وما سمعت من أبي فيهم إلاّ خيراً ، وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين وأغاروا على المدينة يوم وقعة الحرة ثم رموا بيت اللّه بالمنجنيق والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم : رفضتموني ومن يومئذ سمّوا رافضة (3).

    قال البزدوي : وإنّما سمّوا روافض لاَنّهم وقعوا في أبي بكر وعمر فزجرهم زيد فرفضوه فسمّوا روافض (4).

    قال نشوان في شرح رسالة الحور العين : وسميت الرافضة من الشيعة ،

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 498.

    2 ـ لسان العرب : 7/457 ، مادة رفض.

    3 ـ الفرق بين الفرق : 35 ، ولاحظ الروض النضير : 1/130.

    4 ـ البزدوي ، أُصول الدين : 248.

________________________________________

(306)

رافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين وتركهم الخروج معه حين سألوه البراءة من أبي بكر وعمر فلم يجيبهم إلى ذلك ... (1).

    نظرنا في الموضوع :

    إنّ هذا الموضوع نقله الموَرخون وأرسله أصحاب المقالات وكتاب العقائد والمذاهب ، إرسال المسلّم ، ولكن لنا فيه ملاحظات نشير إليها :

    1 ـ إنّ تسمية الشيعة بالرافضة لا تفارق التنابز بالاَلقاب المحرّم بنص الذكر الحكيم (2) ولايصدر من إمام فقيه ورع مثل زيد خصوصاً أوان الثورة الذي هو أحوج في هذا الظرف ، إلى التآلف وتوحيد الكلمة ، وأظن أنّ القصة من أوهام حشوية المشارقة ، أو من صنايع نواصب المغاربة الذين كان لهم دور في عصر تدويـن التأريخ وتأليف الحديث(أيام المنصور 138ـ 158هـ) وبعدها فاختلقوها لتشويه سمعة الشيعة ونسبوها إلى أحد علماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ليقع موقع القبول من الناس ، حتى أنّ المسكين « نشوان الحميري » لم يقتصر على ما ذكر وأردفه بأمر آخر وهو أنّ زيداً لمّا أحسّ أنّ السائلين بصدد نقض البيعة قال حدثني أبي عن جدي أنّه قال لعلي : « إنّه سيكون قوم يدعون حبّنا لهم نبز (3) يعرفون به فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنّهم مشركون » اذهبوا فأنتم الرافضة ، ففارقوا زيداً ( عليه السلام ) فسمّاهم الرافضة فجرى عليهم الاسم (4).

    يلاحظ عليه : أنّه كيف اعتمد على ذلك الحديث ويلوح عليه أثر الوضع إذ أيّ صلة بين نقض البيعة أو عدم المشاركة في جهاد زيد ونضاله ، وبين كونهم

________________________________________

    1 ـ شرح رسالة الحور العين : 184.

    2 ـ الحجرات : الآية 11.

    3 ـ النبز : اللقب.

    4 ـ السياغي : الروض النضير : 1/131.

________________________________________

(307)

مشركين. هب أنّهم يكونون بذلك فاسقين لامشركين.

    2 ـ إنّ النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن إنساناً فارغاً عن كل عملٍ حتى يتحدث عن هوَلاء الذين لم يكن لهم دور في الاَوساط الاِسلامية إلاّ لمحاً وأياماً قلائل فهذا الحديث وزان سائر الاَحاديث التي حشاها الحشوية في كتبهم حول الفرق والمذاهب كالقدرية والمعتزلة والمرجئة وغيرهم ، بل كسائر الاَحاديث الموضوعة حول محاسن أو مساوىَ الاَئمة الاَربعة الفقهية التي استدل بها الموافق والمخالف لصالح إمامه أو لضد إمام الغير ، أعاذنا اللّه وإياكم من دسائس الدجالين.

    3 ـ إنّ السوَال عن الشيخين في ذلك الوقت العصيب مع كون المبايعين بين محبّ وغير محبّ ، بين من يراهما خليفتي رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن يراهما غير مستحقي هذا المقام ، سوَالُ من يريد تشتيت الاَمر ، وإيجاد الفرقة بين المجاهدين في ساحة الحرب خصوصاً أنّ السوَال طرح عندما رأى أصحاب زيد بن علي أنّ يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد وأنّه يدس إليه ويبحث في أمره (1).

    فاللائق بقائد محنّك مثل زيد هو التعتيم والكف عن الاِجابة ، ولو اضطر إليها لكان له أن يأتي بجمل متشابهة لا تخدش العواطف كما فعله جده الاِمام أمير الموَمنين ( عليهم السلام ) في حرب صفين عند تقارع السيوف واشتباك الاَسنّة ، ففوجىء بمثل هذا السوَال ، حيث قام أحد أصحابه سائلاً ـ والمجاهدون فيها بين شيعة يرى الاِمام هو الاِنسان المنصوص عليه بالخلافة ، ومن يراه الخليفة الذي بايعه الناس ـ : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال ( عليه السلام ) :

    يا أخا بني أسد ، إنّك لقلقُ الوضين ، ترسلُ في غير سدَد ، ولك بعدُ ذمامة الصهر وحقّ المسألة ، وقد استعلمت فاعلم.

    أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ، ونحن الاَعلون نسباً ، والاَشدّون بالرسول

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/499.

________________________________________

(308)

( صلى الله عليه وآله وسلم ) نوطاً ، فإنّها كانت أثَرة شُحَّت عليها نفوس قومٍ ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم للّه والمعود (1) إليه يوم القيامة.

ودع عنك نهباً صيح في حجراته                  ولكن حديثاً ما حديث الرواحل

    وهلمّ الخطب في ابن أبي سفيان ، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه ، ولا غرو واللّه ، فياله خطباً يستفرغ العجب ، ويكثر الاَود.

    حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه ، وسد فوّاره من ينبوعه ، وجدحوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً ، فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوي ، أحملهم من الحقّ على محضه ، وإن تكن الاَُخرى ، « فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون » (2) (3).

    ترى أنّ الاِمام أوجز في الجواب وعطف نظر السائل إلى خطورة الموقف ولزوم الحرب مع ابن أبي سفيان ، قال ابن أبي الحديد : ولو أخذ الاِمام يصرح له بالنص ويعرفه تفاصيل باطن الاَمر ، لنفر عنه ، واتّهمه ولم يقبل قوله ولم ينجذب إلى تصديقه ، فكان أولى الاَُمور في حكم السياسية وتدبير الناس أن يجيب بما لا نفرة منه ولا مطعن عليه فيه (4).

    وأين هو من الجواب المبسوط الذي أتى به زيد بن علي كأنّه يريد أن يدرس العقائد في ساحة الحرب. ونحن نجل قائدنا المحنك من الكلام الخارج عن طور البلاغة.

________________________________________

    1 ـ المعود ـ بسكون العين وفتح الواو ـ كذا ضبطت في اللسان. وفي النهاية لابن الاَثير : هكذا جاء « المعود » على الاَصل ، وهو « مفعل » من عاد يعود ، ومن حقّ أمثاله أن تقلب واوه ألفاً ، كالمقام والمراح ، ولكنه استعمله على الاَصل.

    2 ـ فاطر : 8.

    3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 163.

    4 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة : 9/251 ، الخطبة : 163.

________________________________________

(309)

    4 ـ أنّ عليـاً وأهل بيته مقتفون أثر فاطمة بنت النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حقّ الخلفاء ولا يصح لمن ينتمي إلى ذلك البيت أن يبوح بخلاف ما عليه أُمّهم وجدهم ، هذا الاَمام البخاري يذكر موقف فاطمة من الخلفاء ويقول : أبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها (فدك وميراثها من النبي) شيئاً فوجدت (1) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوَذن بها أبا بكر وصلّى عليها (2).

    هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، روى الاِمام البخاري عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني (3).

    أفبعد هذين الحديثين هل يصحّ أن يترنّم ولد فاطمة بما نسب إليه؟!.

    على أنّ المروي عن طريقنا عن سدير ما لا يلائم ذلك ، قال : دخلت على أبي جعفر ، ومعى سلَمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحدّادوسالم بن أبي حفصة وكثير النوّاء ، وجماعة معه ، وعند أبي جعفر أخوه زيد بن علي فقالوا لاَبي جعفر : نتولى علياً وحسناً وحسيناً ونتبرّأ من أعدائهم؟ قال : نعم ، قالوا : نتوّلى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهم؟ فالتفت إليهم زيد بن علي وقال : أتتبرّأون من فاطمة بتركم اللّه؟ بترتم أمرنا ، فيومئذ سموا البترية (4).

    وقد مضت أشعاره في ذلك في الفصل الثالث الخاص بخطبه وشعره.

    5 ـ أنّ ظاهر ما نقل عن زيد في هذا الموضع أنّه هو الذي ابتكر ذلك المصطلح وأطلقه على لفيف من الشيعة الذين رفضوه وتركوه في ساحة الحرب

________________________________________

    1 ـ فوجدت : غضبت.

    2 ـ البخاري : الصحيح : 5/177.

    3 ـ المصدر نفسه : 5/36 ، باب فضائل أصحاب النبي ، باب مناقب فاطمة.

    4 ـ الكشي : الرجال : برقم 110 في ترجمة مسلمة بن كهيل.

________________________________________

(310)

أو أنّه مما حدّث به النبي الاَكرم علياً وهو حدّث أبناءه مع أنّ التاريخ يشهد بخلاف ذلك وأنّ كلمة (الرافضة) كانت كلمة سياسية تطلق على مخالف الدولة والحكومات الحاضرة من غير فرق بين علوي أو عثماني حتى أنّ معاوية بن أبي سفيان سمّى مخالفي علي ( عليه السلام ) رفضة ، وقد جاءت الكلمة في كلمات أبي جعفر الباقر قبل أن تكون لزيد فكرة الثورة أو نفسها وقد أتينا بماجاء حول الكلمة في الجزء الاَوّل من هذا المشروع فلا نعيدها ، فلاحظ (1).

    6 ـ أنّ المنقول مسنداً عن طرقنا أنّه لم يذكرهما بخير في ذلك الموقف الرهيب (2).

 

الكوفة في مخاض الثورة :

    كان يوسف بن عمر عامل هشام في العراق ، وكان يسكن بالحيرة وهي بلدة بين الكوفة والنجف ، وخليفته في الكوفة هو الحكم بن الصلت ورئيس شرطه عمرو بن عبد الرحمن ، ومع ما كان لهم عيون وجواسيس لم يطلعوا على ما كان يجري في الكوفة وما والاها من العشائر ، وهذا يدل على حنكة الثائر حيث صانها من الفشل والتسرب إلى الخارج ، وقد كان التخطيط معجباً جداً ، حيث كان الناس يبايعون زيداً ولا يعرفون مكانه ، وذلك لاَنّ معمر بن خثيم وفضيل بن الزبير يُدخلان الناس عليه وعليهم براقع لا يعرفون موضع زيد ، فيأتيان بهم من مكان لايبصرون شيئاً حتى يدخلوا عليه فيبايعون (3).

    كانت الثورة تستفحل إلى أن وافت رسالة هشام إلى عامله أطلعه على الاَمر

________________________________________

    1 ـ بحوث في الملل والنحل : 1/125ـ 126.

    2 ـ الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 307 ، المجلسي : البحار : 46/201 ح 75.

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/130.

(311)

وشتمه وسفّهه فيها بقوله : إنّك لغافل ، وجاء فيها أنّ رجلاً من بني أُمية كتب في ما ذكر إلى هشام يذكر له أمر زيد فكتب هشام إلى يوسف يشتمه ويجّهله ويقول : انّك لغافل وزيد عاوز ذنبه بالكوفة يبايع له فألجج في طلبه (1).

    فكتب يوسف إلى الحكم بن الصلت وهو خليفته على الكوفة بطلبه ، فطلبه ، فخفي عليه موضعه ، فدس يوسف مملوكاً له خراسانياً ألكن ، وأعطاه خمسة آلاف درهم ، وأمره أن يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنّه قد قدم من خراسان حباً لاَهل البيت وأنّ معه مالاً يريد أن يقويهم به ، فلم يزل المملوك يلقى الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه حتى أدخلوه على زيد ، فخرج ، ودلّ يوسف على موضعه (2).

    وفي رواية أُخرى أنّه انطلق سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر فأخبره خبره ، وأعلمه أنّه يختلف إلى رجل منهم يقال له عامر ، وإلى رجل من بني تميم يقال له طعمة ابن أُخت لبارق ، وهو نازل فيهم ، فبعث يوسف يطلب زيداً في منزلهما ، فلم يوجد عندهما ، وأخذ الرجلان فأُتي بهما فلما كلّمهما استبان له أمر زيد وأصحابه وتخوف زيد بن علي أن يوَخذ فتعجل قبل الاَجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة (3).

    ظلت الحكومة تفحص عن موضع زيد فلم تحصّله ، ولكن وقف على زمان تفجر الثورة وأنّه واعد أصحابه ليلة الاَربعاء أوّل ليلة من صفر سنة 122هـ.

 

الحيلولة بين الناس وزيد :

    لما بلغ يوسف أنّ زيداً قد أزمع على الخروج في زمان محدود ، أراد فصل

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/504.

    2 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 505.

    3 ـ الطبري : التاريخ : 5/498.

________________________________________

(312)

الناس عن زيد ، والحيلولة بين القائد والمقود.

    قال الطبري : بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بن الصلت فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الاَعظم يحصرهم فيه ، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة ، فأدخلهم المسجد ، ونادى مناديه : ألا إنّ الاَمير يقول : من أدركناه في رحله فقد برئت منه الذمة ادخلوا المسجد الاَعظم ، فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم. وطلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري ، فخرج ليلاً وذلك ليلة الاَربعاء في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق (1).

    وقف زيد على أنّ العدو قد اطّلع على سره فظل يبحث موضعه ، وأنّه لو تأخر وأمهل في الخروج ربما كشف عن مخبأه ، فاستعد للقتال ، بإلقاء خطب تحث الاَفراد ، للقيام ، وقد عرفت بعضها ونورد في المقام ما لم نذكره هناك :

 

خطبه في حث المبايعين على القتال :

    قد نقل عن الاِمام الثائر خطب بليغة عند اشتعال الحرب.

    1 ـ روي أنّه لمّا خفقت الرايات على رأسه قال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني بعد أن كنت أستحيي من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أرد عليه ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنه عن منكر (2).

    2 ـ روى صاحب كتاب : « التقية والتقى » بإسناد إلى خالد بن صفوان ، قال : سمعت زيد بن علي يقول : أيّها الناس عليكم بالجهاد ، فإنّه قوام الدين

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/499.

    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/102.

________________________________________

(313)

وعمود الاِسلام ومنار الاِيمان ، واعلموا أنّه ما ترك قوم الجهاد قطّ إلاّ حقروا وذلوا ... ثم قرأ الفاتحة إلى قوله : « الصراط المستقيم » : وقال : الصراط المستقيم هو دين اللّه وسنامه وقوامه الجهاد ، ثم ذكر ما نزل من القرآن في فضل الجهاد من أول القرآن إلى آخره (1).

    3 ـ روى الاِمام المهدي في « المنهاج » والاِمام أبو طالب في « الاَمالي » والسيد أبو العباس في « المصابيح » عن سعيد بن خثيم ، قال : إنّ زيداً ( عليه السلام ) كتَّب كتائبه فلمّا خفقت راياته رفع يديه إلى السماء ، فقال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه مايسرّني إنّي لقيت محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم آمر في أُمّته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر ، واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أُجّجت لي نار ثم قُذِفْتُ فيها ، ثم صرتُ بعد ذلك إلى رحمة اللّه تعالى ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ).

    ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم ، جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحن بنوه؟ يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجّة اللّه عليكم ، هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتاب اللّه ونقسم فيئكم بينكم بالسوية ، فسلوني عن معالم دينكم فإن لم أُنبئكم عما سألتم فولّوا من شئتم ممن علمتم أنّه أعلم مني ، واللّه لقد علمت علم أبي علي بن الحسين وعلم جدي الحسين وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه وعيبة علمه ، وإنّي لاَعلم أهل بيتي ، واللّه ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ، ولا انتهكت محرماً للّه عزّ وجلّ منذ عرفت أنّ اللّه يوَاخذني (2).

    ومضى من طرقنا ما لا يجامع بعض ما ورد في هذه الخطبة فقد كان زيد

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/106.

    2 ـ المصدر نفسه : 1/128.

________________________________________

(314)

معترفاً بأعلمية الاِمام الصادق ( عليه السلام ) فانتظر.

    روى الاِمام المهدي في « المنهاج » ، وصاحب « المحيط » في كتابه ، والاِمام المرشد باللّه في « أماليه » عن محمد بن فرات ، قال : وقف زيد ( عليه السلام ) على باب الجسر وجاء إلى أهل الشام ، فقال لاَصحابه : انصروني على أهل الشام فواللّه لا ينصرني رجل عليهم إلاّ أخذت بيده أُدخله الجنّة ، ثم قال : واللّه لو عملت عملاً هو أرضى للّه من قتال أهل الشام لاَفعلنّه ، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبراً ، ولاتجهزوا على جريح ، أو تفتحوا باباً مغلقاً ، فإن سمعتموهم يسبّون علي بن أبي طالب فاقتلوهم من كل وجه (1).

    4 ـ روى الاِمام المهدي والسيد أبو العباس الحسني وأبو طالب في « الاَمالي » بالاِسناد إلى سهل بن سليمان الرازي عن أبيه ، قال : شهدت زيد بن علي ( عليه السلام ) يوم خرج لمحاربة القوم بالكوفة ، فلم أر يوماً قط كان أبهى ، ولا رجالاً كانوا أكثر قرّاء ، ولا فقهاء ولا أوفر سلاحاً من أصحاب زيد بن علي ، فخرج على بغلة شهباء وعليه عمامة سوداء ، بين يدي قربوس سرجه مصحف. قال : أيها الناس أعينوني على أنباط الشام ، فواللّه لا يعينني عليهم منكم أحد إلاّ رجوت أن يأتيني يوم القيامة آمناً ، حتى يجوز على الصراط ويدخل الجنّة ، واللّه ما وقفت هذا الموقف حتى علمت التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والحلال والحرام بين الدفتين (2).

    إنّ هذه الخطب تحكي عن روح ثورية وبطولة باهرة ، وتفانٍ في سبيل الحقّ ، غير أنّ بعض المغالين في حقّه أدخل في خطبه ما لا يدّعيه زيد ، ولا يصدقه أهل بيته. ومن المكذوب المنسوب إليه ما روي عن أبي الجارود أنّ زيداً قال :

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/ 127.

    2 ـ المصدر نفسه : 1/127 ـ 128.

________________________________________

(315)

سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فإنّكم لن تسألوا مثلي ، واللّه لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ أنبأتكم بها ، ولاتسألوني عن حرف من سنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ أنبأتكم به ، ولكنكم زدتم ونقصتم ، وقدّمتم وأخرّتم ، فاشتبهت عليكم الاَخبار (1).

    إلفات نظر :

    كيف يصدق ذلك الكلام وقد روى ابن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب ، قال : ما كان أحد من الناس يقول سلوني ، غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2) قال العلامة المجلسي : أجمع الناس كلّ الصحابة ولا أحد من العلماء هذا الكلام (3).

    روى الاَصبغ بن نباته قال : لما جلس علي ( عليه السلام ) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لابساً بردة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متنَعِلاً نعل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متقلداً سيف رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ثم شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال : « يامعاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا مازقّني رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زقّاً زقاً ، سلوني فإنّ عندي علم الاَوّلين والآخرين ، أما واللّه لوثنيت لي وسادة فجلست عليها ، لاَفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق عليّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ ، وأفتيت أهل الاِنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الاِنجيل فيقول : صدق عليّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/ 128.

    2 ـ الاستيعاب : 3/39.

    3 ـ المجلسي : البحار : 10/128.

________________________________________

(316)

في كتاب اللّه عزّ وجلّ لاَخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : « يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ ويُثْبِتُ وعِندَهُ أُمُّ الكِتاب ».

    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لوسألتموني عن أيّة آية في ليل أُنزلت أو في نهار أُنزلت ، مكيّها ومدنيّها ، سفريّها وحضريّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لاَخبرتكم » (1).

     ونزيد بياناً : كيف يصحّ لزيد ومن هو في درجته ومنزلته ، أن يدّعي أنّ عنده علم الكتاب والسنّة ، ولايشذّ عنه جواب سوَالٍ ، مع أنّه لم يدرس إلاّ عند أبيه الاِمام زين العابدين ( عليه السلام ) وكان له من العمر عندما توفي والده (94 أو 95هـ) ما لا يتجاوز العشرين ، ولو أكمل دراسته عند أخيه الاِمام الباقر ( عليه السلام ) فليس هو بأرفع من أُستاذه الكبير الذي أطبق العلماء على أنّه كان يبقر العلم بقراً.

    إنّ هذه الكلمة إنّما هي لمن كانت له تربية إلهية ، وتوعية غيبية ، تربى في أحضان الوحي ، فصار موضع سرّ النبي ، وعيبة علمه إلى أن بلغ شأواً يرى ما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويسمع ما سمعه وليس هو إلاّ الاِمام أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي ابن أبي طالب ، وهو يصف نفسه بقوله : « يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ، ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاِسلام غير رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة.

    ولقد سمعت رنّة الشيطان ، حين نزل الوحي عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم )

________________________________________

    1 ـ المجلسي : البحار : 10/117 ح1 ، والآية 39 من سورة الرعد.

________________________________________

(317)

فقلت : يارسول اللّه ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنّك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى إلاّ أنّك لست نبي ولكنك وزير وإنّك لعلى خير » (1).

    ولم يكن زيد ، إلاّ محدِّثاً واعياً ، وفقيهاً بارعاً وله من العلم والفضل ، ما للطبقة العليا من تلاميذ أبيه وأخيه غير أنّ الذي رفعه ، وأخلد ذكره ، إنّما هو جهاده ونضاله ، وتفانيه في سبيل اللّه : « فضَّلَ اللّهُ المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجراً عَظِيماً » (2) ، ولا صلة له بعلمه وفضله ، ولو قيس الحديث والفقه ، إلى ما روى عن الصادقين من العلوم والمعارف لعلم أنّ الاَولى أن ينسب ذلك الكلام إلى الاِمامين لا إلى زيد ، ولكنّهما لم يبوحا بذلك أبداً.

 

تكتيب الكتائب والهجوم على الكوفة والحيرة :

    غادر زيد ليلة الاَربعاء ، دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري ، واستقر خارج الكوفة فأمر برفع الهرادي (3) فيها فكلما أكل النار هردياً ، رفعوا آخر فما زالو كذلك حتى طلع الفجر فلما أصبح ، أمر بعض أصحابه النداء وبالشعار لغاية تقاطر المبايعين إلى النقطة التي استقر فيها لاِرسال الكتائب منها إلى الكوفة والحيرة ولفتح البلدين ، ومحاربة المانعين من أبناء البيت الاَموي وأنصارهم ، فكان التخطيط تخطيطاً عسكرياً بارعاً لولا أن القضاء سبق التدبير ، وتسرب أسرار الثورة إلى الخارج ، وحالت العامل وخليفته ، بينه وبين وثوب الناس واجتماعهم لديه.

    أصبح زيد وتعجب من قلة الحاضرين (4) وقال : أين الناس ، فقيل له : هم

________________________________________

    1 ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة القاصعة : برقم 192.

    2 ـ النساء : 95.

    3 ـ القصب.

    4 ـ الحاضرون : حسب ما نقله الطبري كانوا مائتين وثمانية عشر رجلاً : التاريخ : 5/500.

________________________________________

(318)

في المسجد الاَعظم محصورون ، فقال : لا واللّه ما هذا لمن بايعنا بعذر ، ولم يجد بداً من القتال بمن معه ، موطناً نفسه على الاستشهاد وقد ذكر الموَرخون كيفية قتاله وقتال أصحابه الموفين بعهدهم وبيعتهم ، وهم بين موجز في القول ومسهب في النقل ، ونحن نكتفي بنصوص ثلاثة :

    1 ـ قال المسعودي : « مضى زيد إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القرّاء والاَشراف ، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب ، انهزم أصحاب زيد ، وبقي في جماعة يسيرة ، فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً :

أذل الحياة وعزّ المماتفإن كان لابد من واحد              وكلاً أراه طعاماً وبيلافسيري إلى الموت سيراً جميلا

    وحال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخناً بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل ، فأتى بحجام من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته ، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش ، وأُجري الماء على ذلك ، وحضر الحجام مواراته ، فعرف الموضع فلما أصبح مضى إلى يوسف متنصحاً ، فدلّه على موضع قبره ، فاستخرجه يوسف ، وبعث برأسه إلى هشام ، فكتب إليه هشام : أن أصلبه عرياناً ، فصلبه يوسف كذلك ، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أُمية يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة                   ولم أر مهدياً على الجذع يصلب

    وبنى تحت خشبته عموداً ، ثم كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذروه في الرياح (1).

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/207.

________________________________________

(319)

    هذا ما يذكره المسعودي الذي يذكر الاَحداث على وجه الاِيجاز.

    2 ـ أنّ الطبري يذكر القصة ببسط وتفصيل ويذكر لزيد بطولات باهرة وأنّه دامت الحرب يومين (الاَربعاء والخميس) وأنّه وصل بأصحابه إلى باب الفيل ، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الاَبواب ويقولون : يا أهل المسجد اخرجوا ، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم ، ويقول : يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنّكم لستم في دين ولا دنيا ، فأشرف عليهم أهل الشام فجعلوا يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد ... (1).

    ولو صحّ ما ذكره الطبري وتبعه الجزري لزم أن يكون المتواجدون في معسكره أزيد مما ذكره.

    3 ـ وممّن لخّص الحادثة ولم تفته الاِشارة إلى دقائقها : الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة في « الشافي » قال : « وكان ديوانه قد انطوى على خمسة عشر ألف مقاتل خارجاً عمن بايع من جميع أهل الاَمصار وسائر البلدان ، ثم قال : ولمّا خرج ( عليه السلام ) خرج معه القرّاء والفقهاء وأهل البصائر قدر خمسة آلاف رجل في زيّ لم ير الناس مثله ، وتخلّف باقي الناس عنه ، فقال : أين الناس؟ قال : أُحتبسوا في المسجد ، فقال : لا يسعنا عند اللّه خذلانهم ، فسار حتى وصل إليهم وأمرهم بالخروج فلم يفعلوا. فقال نصر بن خزيمة :

    يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز إلى خير الدنيا والآخرة ، وأدخلوا عليهم الرايات من طاقات المسجد فلم ينجح ذلك فيهم شيئاً.

    وأقبلت جنود الشام من تلقاء الحيرة ، فحمل عليهم ( عليه السلام ) كأنّه الليث المغضب ، فقتل منهم أكثر من ألفي قتيل بين الحيرة والكوفة وأقام بين

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/501.

________________________________________

(320)

الحيرة والكوفة ، ودخلت جيوش الشام الكوفة ففرق أصحابه فرقتين ، فرقة بأزاء أهل الكوفة وفرقة بأزاء أهل الحيرة ، ولم يزل أهل الكوفة يخرج الواحد منهم إلى أخيه والمرأة إلى زوجها ، والبنت إلى أبيها والصديق إلى صديقه ، فيبكي عليه حتى يرده فأمسى ( عليه السلام ) وقد رقّ عسكره وخذله كثير ممن كان معه ، وأهل الشام في اثني عشر ألفاً وحاربهم ( عليه السلام ) يوم الاَربعاء ويوم الخميس وحمل عليهم عشية الخميس ، فقتل من فرسانهم زيادة على مائتي فارس ، وأُصيب ( عليه السلام ) آخر يوم الجمعة بنشابة في جبينه ، فحمل إلى دور « أرحب » و « شاكر » وجيء بطبيب نزع النصل ، بعد أن عهد إلى ولده يحيى بجهاد الظالمين ، ثم مات من ساعته ودفن في مجرى ماء وأُجري عليه الماء ، فأبصرهم غلام سنديّ ، فلما ظهر قتله وصاح صائح يوسف بن عمر بطلبه دلّ عليه ، فصلبوه في الكناسة وحرقوه بعد ذلك ، وخبطوه بالشماريخ والعثاكيل حتى صار رماداً ، وسفّوه في البر والبحر وذروه في الرياح ، فحرق اللّه هشاماً في الدنيا وله في الآخرة عذاب النار (1).

    وقد بسط أبو الفرج الكلام في قتاله ونضاله وقال في آخر كلامه :

    قال : وجعلت خيل أهل الشام لاتثبت لخيل زيد بن علي. فبعث العباس ابن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله أن يبعث إليه الناشبة فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم نجارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الاَنصاري يومئذ قتالاً شديداً فقتل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ ، فرجع ورجع أصحابه ولايظن أهل الشام أنّهم رجعوا إلاّ للمساء والليل.

    قال أبو مخنف : فحدثني سلمة بن ثابت وكان من أصحاب زيد وكان آخر

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/133.

(321)

من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق ، قال : أقبلت أنا وأصحابي نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت « حران بن أبي كريمة » في سكة البريد في دور « أرحب » و « شاكر » فدخلت عليه فقلت له : جعلني اللّه فداك أبا الحسين ، وانطلق ناس من أصحابه فجاءوا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس. فقال له : إنّك إن نزعته من رأسك مت ، قال : الموت أيسر علي مما أنا فيه.

    قال : فأخذ الكبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات صلوات اللّه عليه.

    قال القوم : أين ندفنه؟ أين نواريه؟ فقال بعضهم : نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء. وقال بعضهم : لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى.

    قال : فقال يحيى بن زيد : لا واللّه لا يأكل لحم أبي السباع. وقال بعضهم نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيه.

    قال : فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنّا له ، دفناه ثم أجرينا عليه الماء ومعنا عبد سنديّ. قال سعيد بن خثيم في حديثه : عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خثيم قد أخذ صفته لزيد وقال يحيى بن صالح : هو مملوك لزيد سنديّ وكان حضرهم.

    قال أبو مخنف عن كهمس قال : كان نبطيّ يسقي زرعاً له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه ، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلّهم على موضع قبره ، فسرح إليه يوسف بن عمر ، العباس بن سعيد المري. قال أبو مخنف : بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه ـ وحملوه ـ على بعير.

    قال هشام : فحدثني نصر بن قابوس قال : فنظرت واللّه إليه حين أقبل به على جمل قد شدّ بالحبال وعليه قميص أصفر هروي ، فأُلقي من البعير على باب القصر فخرّ كأنّه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة ، وصلب معه معاوية بن إسحاق ،

 

________________________________________

(322)

وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي (1) وعن ابن عساكر : « وأمر بحراستهم وبعث بالرأس إلى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل إلى المدينة » (2).

    « وقال الوليد بن محمد : كنّا على باب الزهري إذ سمع جلبة ، فقال : ما هذا ياوليد؟ فنظرت ، فإذا رأس زيد بن علي يطاف به بيد اللعانين ، فأخبرته فبكى ، ثم قال : أهلك أهل هذا البيت العجلة! قلت : ويملكون؟ قال : نعم ، وكانوا قد صلبوه بالكناسة سنة احدى أو اثنتين أو ثلاث وعشرين ومائة ، وله اثنتان أو أربع وأربعون سنة ، ثم أحرقوه بالنار فسمّي زيد النار. ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ، ثم أُنزل بعد أربع سنين من صلبه. وقيل : كان يوجه وجهه ناحية الفرات فيصيح ، وقد دارت خشبته ناحية القبلة مراراً ، ونسجت العنكبوت على عورته ، وكان قد صلب عرياناً. وقال الموكل بخشبته : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم وقد وقف على الخشبة وقال : « هكذا تصنعون بولدي من بعدي! يابنيّ يازيد ! قتلوك قتلهم اللّه ! صلبوك صلبهم اللّه ! » فخرج هذا في الناس. فكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنتهم ! فكتب إليه : أحرقه بالنار ! ، وقال : جرير ابن حازم : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسنداً ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي ويقول : « هكذا تفعلون بولدي » ، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (3).

    وفي معجم البلدان : « وعلى باب الكورتين مشهد زيد ، فيه مدفن زيد بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ، ثم حمل إلى مصر فدفن هناك (4)

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 96؛ ونقل الطبري في تاريخه خطبة يوسف بن عمر بعد قتل زيد لاحظ : 5/507.

    2 ـ السيد الاَمين : زيد الشهيد : 77.

    3 ـ صلاح الدين الصفدي : الوافي بالوفيات : 15/34.

    4 ـ ياقوت : معجم البلدان : 8/77 ، مادة مصر.

________________________________________

(323)

    وقال ابن مهنا : « قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه إلى المدينة ونصب عند قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً وليلة » (1).

    وقال السيد الاَمين : كأنّهم يريدون أن يقولوا : يامحمد هذا برأس ولدك الذي قتلناه بمن قُتِل منّا يوم بدر نصبناه عند قبرك (2).

    قيل لاَبي نعيم الفضل دكين : كان زهير بن معاوية يحرس خشبة زيد بن علي؟

    قال : نعم ، وكان فيه شر من ذلك ، وكان جده الرحيل فيمن قتل الحسين ( صلوات اللّه عليه ) (3).

 

الرأي العام في استشهاد زيد :

    إنّ وعاظ السلاطين وشعراء البلاط الاَموي كانوا ينقمون منه وينظمون القريض في ذمّه ، ولمّا صلب أقبل شاعر منهم وقال :

ألا يا ناقض الميثانقضت العهد والميثا            ق أبشر بالذي ساكاقدماً كان قدما كا

    فقيل له : ويلك أتقول هذا لمثل زيد ، فقال : إنّ الاَمير غضبان فأردت أن أرضيه ، فرد عليه بعض الشعراء المخلصين وقال :

________________________________________

    1 ـ ابن مهنا : عمدة الطالب : 258 ، ط النجف.

    2 ـ الاَمين : زيد الشهيد : 80.

    3 ـ المفيد : الاختصاص : 128؛ المجلسي : بحار الاَنوار : 46/181.

________________________________________

(324)

ألا يا شاعر السوءأتشتم ابن رسول اللـويوم الحشر لاشك                 لقد أصبحت أفّاكاـه وتُرضي من تولاكافإنّ النار مثواكا (1)

    هذا ولما قتل زيد لبست الشيعة السواد ، ورثوه بقصائد نذكر بعضها :

    1 ـ ما رثى به فضل بن العباس بن عبد الرحمان بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب (ت 129هـ) مصلوب على عمود بالكناسة.

الا ياعين لاترق وجودىغداة ابن النبي أبو حسينيظل على عمودهم ويُمسيتعدى الكافر الجبار فيهفظلّوا ينبشون أبا حسين                   بدمعك ليس ذا حين الجمودصليب بالكناسة فوق عودبنفسي أعظم فوق العمودفأخرجه من القبر اللحيدخضيباً بينهم بدم جسيد (2)

    وقال أبو ثميلة الآبار يرثي زيداً :

   

أبا الحسين أعار فقدك لوعةًكنت الموَمل للعظائم والنهىفقتلت حين رضيت كل مناضلوالقتل في ذات الاِله سجيةوالناس قد آمنوا وآل محمّد               من يلقَ ما لقيت منها يكمدترجى لاَمر الاَُمة المتأودوصعدت في العلياء كل مصعدمنكم وأحرى بالفعال الاَمجدمن بين مقتول وبين مشرد (3)

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/506.

    2 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 101 ـ 102.

    3 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 101 ـ 102.

________________________________________

(325)

    وقد رثي الاِمام الثائر بقصائد كثيرة لوجمعت لكانت كتاباً مفرداً ونكتفي في المقام بما جادت به قريحة سيدنا العلامة الاَمين نقتطف منه ما يلي :

لقد لامني فيك الوشاة وأطنبواأرقتَ وقد نام الخلي ولم أزلعجبت وفي الاَيام كم من عجائبتفاخَرنا قوم لنا الفخر دونهاإلى آل مروان يضاف وينسب(صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةفإن تصلبوا زيداً عناداً لجدهوإنّا نعد القتل أعظم فخرنافما لكم والفخر بالحرب إنّهاهداة الورى في ظلمة الجهل والعمىكفاهم فخاراً أنّ أحمد منهم             وراموا الذي لم يدركوه فخُيّبواكأنّي على جمر الغضى أتقلّبولكما فيها عجيب وأعجبعلى كل مخلوق يجيء ويذهبوما ساءني إلاّ مقالة قائلولم أر مهدياً على الجذع يصلب)فقد قتُلت رسل الاِله وصلّبوابيوم به شمس النهار تحجبإذا ماانتمت تنمى إلينا وتنسبإذا غاب منهم كوكب بان كوكبوغيرهم أن يدَّعوا الفخر كذبوا (1)

________________________________________

    1 ـ زيد الشهيد : 78.

________________________________________

(326)

________________________________________

(327)

القسم الثاني :

    وإليك مجمل ما فيه من فصول :

    الفصل الاَوّل : عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد وهم بين داع وإمام.

    الفصل الثاني : أصحاب الانتفاضة.

    الفصل الثالث : أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن.

    الفصل الرابع : أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان.

    الفصل الخامـس : الدولة الزيدية في المغرب.

    الفصل السادس : الاَعلام المجتهدون من الزيدية.

    الفصل السابع : شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة.

    الفصل الثامن : فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد.

    الفصل التاسع : في عقائد الزيدية.

    الفصل العاشــر : في أُمور متفرقة.

 

________________________________________

(328)

________________________________________

(329)

الفصل الاَوّل

عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد

وهم بين داع وإمام

    إنّ ثورة زيد بن علي كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الاَموية وساعدت على إزالتهم عن أديم الاَرض ، وقد استغلّها العباسيون في تنظيم حركتهم لاِقامة دولتهم وقد تركت ثورته في القلوب محبّة للثائر ومن حبا حبوه بشكل قلّ نظيره ، حتى أنّ يحيى بن زيد لما أُطلق سراحه اتّخذ الخراسانيون من قيد قدميه فصوصاً لخواتيمهم ، يتبركون بها ، وهذا يدلّ على عمق تأثير ثورة زيد في قلوب المسلمين. ولاِيقاف القارىَ على الاَحداث التي وقعت بعد ثورته ، نذكر الذين نهجوا منهجه وساروا على دربه ، أخذوا بزمام الثورة وقادوها ، واحداً بعد الآخر ، وإليك أسماءهم أوّلاً ، ثم الاِدلاء بحياتهم وثورتهم ، ثانياً :

    1 ـ يحيى بن زيد ، الذي اشترك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.

    2 ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن المعروف بالنفس الزكية المستشهد عام 145 هـ ، خرج بالمدينة مطالباً بإرجاع الحقوق إلى أصحابها الشرعيين ، وكان

 

________________________________________

(330)

محمد قد شارك في ثورة زيد بن علي ولما فشلت عاد إلى المدينة ، وسيوافيك أنّ يحيى بن زيد قد فوّض الاَمر إلى النفس الزكية.

    3 ـ لما قتل محمد بن عبد اللّه قام أخوه إبراهيم بن عبد اللّه في نفس العام في البصرة ، التحق به أنصار زيد بن علي ، لمواصلة القتال من جديد. إلى أن قضى عليه أبو جعفر المنصور في نفس العام.

    4 ـ ولما قتل محمد بن عبد اللّه ، مضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس وبعث المنصور من اغتاله بالسم وقام ولده إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن مقامه ، وأسّس دولة الاَدارسة في المغرب. ذكر تفصيله المسعودي في مروج الذهب (1) وسيوافيك الكلام فيه في محلّه.

    5 ـ عيسى بن زيد بن علي ، أخو يحيى بن زيد ، وقد توارى بعد ثورة أخيه فمات متوارياً عام 166هـ.

    6 ـ محمد بن إبراهيم (طباطبا) ، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضا من آل محمد وكانت له أتباع وغلب على بلاد العراق وهزمت جيوش المأمون التي أُرسلت للقضاء عليه ، وصلت سيطرة ابن طباطبا إلى الحجاز حتى أنّ الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي المعروف بـ « الاَفطس » دعا له بالمدينة ، وتوفي عام 199هـ.

    7 ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي ، وكان أبو السرايا قائداً عاماً لجيشه وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.

    لما توفي محمد بن إبراهيم (طباطبا) هرب أخوه القاسم بن إبراهيم

________________________________________

    1 ـ المسعودي مروج الذهب : 3/296 ، قال : وقد أتينا على خبرهم عند ذكرنا بخبر عبيد اللّه صاحب المغرب ، وبنائه المدينة المعروف بالمدينة.

(331)

(طباطبا) إلى الهند وتوفي هناك عام 254 هـ فعاد ابنه الحسين بن القاسم إلى اليمن ، وعند ذلك تواصلت قيادة الثورة بابنه الآخر أعني :

    8 ـ محمد بن القاسم بن علي بن عمر الاَشرف بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، فقد ظهر في الطالقان عام 219 هـ ودعا إلى الرضا من آل محمد ، ولكن أُلقي القبض عليه فجيء به إلى المعتصم فسجن.

    9 ـ يحيـى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، خرج بالكوفه عام 250هـ غير أنّ ثورته فشلت.

    10 ـ يحيى بن الحسين بن القاسم ، المعروف بالزاهد وقد دعا لنفسه بصعده وبويع للاِمامة عام 288 هـ.

    ثم إنّ الاِمام يحيى بن الحسين أسس دولة زيدية باليمن وقامت بالاِمامة واحد بعد الآخر وكلّهم من أبناء القاسم إلى أن أُقصيت الزيدية عن الحكم في اليمن بحلول الجمهورية ، وذلك في شهر ربيع الاَوّل من سنة 1382هـ ، وسيوافيك أسماء أئمتهم إلى المنصور باللّه محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين. في محلّه.

    11 ـ قامت دولة زيدية أُخرى في طبرستان بين 250 ـ 360هـ.

    وفي عام 250هـ ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب في طبرستان أيام المستعين ، واستطاع السيطرة على طبرستان وجرجان بعد قتال مرير ضد محمد بن طاهر أمير خراسان وتوفي عام 270هـ.

    12 ـ قـام مقامه أخوه محمد بن زيد ودخل بلاد الديلم عام 277 هـ وامتلكها وتمت بيعة رافع له.

 

________________________________________

(332)

    وفي عام 287 هـ سار محمد بن زيد نحو خراسان للاستيلاء عليها ، فاصطدم بإسماعيل الساماني المتوفى عام 295 هـ ومات متأثراً بجراحه.

    13 ـ ثم ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن علي المعروف بـ « الاَطروش » وقد كان يدعو الناس إلى الاِسلام على مذهب زيد بن علي ، وكانوا على دين المجوسية فاستجابوا له واستطاع عام 301 ، أن يستولي على طبرستان والديلم إلى أن وافته المنية عام 304 هـ.

    14 ـ وجاء بعده الحسن بن القاسم (الملقب بالداعي) بن الحسن بن علي ابن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط.

    15 ـ وقام مقامه محمد بن الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط المتوفى سنة 360هـ.

    هذه جدولة موجزة وضعتها أمام القارىء للثائرين المشهورين ، وإلاّ الثوار الداعون إلى منهج الاِمام زيد أكثر من ذلك ، وقد ذكر الاِمام الاَشعري منهم اثنين وعشرين نفراً كلّهم من العلويين ، حيث ضرجوا بدمائهم ، أو أُقصوا من ديارهم ، لاِرجاع العدالة والدين إلى الساحة الاِسلامية ، ولعلّ بين قرّاء الكتاب من له رغبة في الوقوف على أسماء الجميع ، ـ ولذلك ـ نذكر نصّ الشيخ الاَشعري بتلخيص.

 

قائمة الثائرين بعد زيد الشهيد :

    قال الاَشعري : هذا ذكر من خرج من آل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فذكر أوّلاً خروج أبي الشهداء الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، ثم خروج زيد بن علي على وجه التفصيل ، وأوجز الكلام فيما يأتي ، أعني بهم :

 

________________________________________

(333)

    1 ـ يحيى بن زيد ...

    2 ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، ذو النفس الزكية.

    3 ـ إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، أخو محمد.

    4 ـ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، قتيل فخ.

    5 ـ يحيى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي ، صار إلى الديلم.

    6 ـ محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى خرج بـ « تاهرت ».

    7 ـ محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي.

    8 ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

    9 ـ إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ـ قدّس سرّه ـ خرج مرة باليمن وبالعراق أُخرى.

    10 ـ محمد بن القاسم من ولد الحسين بن علي ، بخراسان ، خرج ببلدة يقال لها طالقان.

    11 ـ محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الملقب بـ « الديباج » لحسن وجهه ، خرج داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ، فلما مات محمد بن إبراهيم دعا لنفسه.

    12 ـ الاَفطس خرج بالمدينة داعياً لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ، فلما مات محمد بن إبراهيم دعا إلى نفسه.

    13 ـ علـي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ، خرج في خلافة المعتصم.

    14 ـ الحسن بن زيد بن الحسن بن علي أبي طالب ، خرج بطبرستان في سنة 250هـ.

 

________________________________________

(334)

    15 ـ وخرج بقزوين ، الكوكبي وهو من ولد الاَرقط ، واسمه : الحسن بن أحمد بن إسماعيل ، من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب.

    16 ـ وخرج بالكوفة أيام المستعين ، أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

    17 ـ وخرج في أيامه أيضاً ، الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد اللّه من ولد الحسين بن علي.

    18 ـ خرج بسواد الكوفة أيام فتنة المستعين ، ابن الاَفطس.

    19 ـ وخرج بسواد المدينة سنة 250هـ ، إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم من ولد الحسن بن علي فغلب عليها وتوفي عام 252هـ.

    20 ـ خلف أخوه محمد بن يوسف وجاء به أبو الساج ، وقتل كثيراً من أصحابه وهرب محمد فمات في هربه.

    21 ـ خرج بالكوفة في آخر أيام بني أُمية ، عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، وحاربه عبد اللّه بن عمر فغادر الكوفة عازماً إلى فارس ، فمات فيها.

    22 ـ وخرج صاحب البصرة وكان يدّعى أنّه علي بن محمد بن علي بن عيسى ابن زيد بن علي وأنصاره الزنج وغلب على البصرة سنة 257 هـ وقتل سنة 270هـ.

    23 ـ وخرج بأرض الشام المقتول على الدّكة ، فظفر به المكتفي باللّه بعد حروب ووقايع كانت (1).

    والنسبة بين ما ذكرناه وما ذكره الاَشعري عموم وخصوص من وجه ، وهو

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 75 ـ 85.

________________________________________

(335)

بعد لم يذكر الثائر الطائر الصيت يحيى بن الحسين الذي أقام الدولة في اليمن ، كما ترك بعض الثائرين الموَسسين للدولة في طبرستان.

    والجدير بالدراسة ، هو البحث عن الحافز أو الحوافز التي كانت تدفع هوَلاء الاَماثل الاَشراف نحو القتال في الساحة ، فكانوا يرون بأُم أعينهم ، أنّه لا يقوم واحد منهم إلاّ ويقتل أو يسجن ويعذّب بألوان العذاب ، ومع ذلك كانوا يبادلون هدوء الحياة وملاذّها بالشهادة في المعارك ، والصلب على المشانق ، وقتل الاَولاد والاَصحاب ، ونهب الاَموال.

    وهذه هي النقطة الحساسة في حياة العلويين التي تحتاج إلى دراسة معمقة بحياد ورحابة صدر وبما أنّ موسوعتنا ، موسوعة تاريخ العقائد ، لا تاريخ الشخصيات والحوادث ، نرجىء البحث عنها إلى آونة أُخرى ، وفي نهاية المطاف نقول : يُقسّم الثائرون بعد زيد الشهيد إلى أصناف أربعة :

    1 ـ أصحاب الانتفاضة : الذين قاموا بوجه الظلم ، بعد استشهاد زيد في أقطار مختلفة وعلموا أنّ أعواد المشانق نصب أعينهم وكان نصيبهم من القيام هو الشهادة ، وإيقاظ الاَُمّة وأداء الواجب من دون أن يوَسّسوا دولة في قطر من الاَقطار ، وإنّما كانت أعمالهم أشبه بما يعبر عنها اليوم بالانتفاضة.

    الذين ساروا على درب الاِمام زيد وصار التوفيق نصيبهم ، فأسّسوا دولة في قطر من الاَقطار امتدت قرناً أو قروناً ، وهوَلاء عبارة عن :

    2 ـ أئمة الزيدية في اليمن : ابتداءً بالاِمام يحيى بن الحسين الذي قام بالاَمر عام 284 هـ وتوفي عام 298 هـ ، وانتهاءً بحياة المنصور باللّه محمد البدر الذي أُزيل عن الحكم بقيام الجمهورية عام 1382هـ.

    3 ـ أئمة الزيدية في طبرستان : ابتداءً من الحسن بن زيد بن محمد بن

 

________________________________________

(336)

إسماعيل الذي قام بالحكم وأسّس الدولة سنة 250 هـ وانتهاءً بمحمد بن الحسن ابن القاسم الذي توفي سنة 360هـ.

    4 ـ دعاة الزيدية في المغرب : ابتداءً بإدريس بن عبد اللّه المحض وانتهاء بأحد احفاده ، وسيوافيك تفصيله.

    فنذكرهم على وجه التفصيل في فصول :

 

________________________________________

(337)

الفصل الثاني

أصحاب الانتفاضة

    استشهد زيد بن علي ـ رضي اللّه عنه ـ وهو في طريق دعوته إلى كسح الظلم ونشر العدل ، وأشعل فتيل الثورة وبقيت نارها بعد استشهاده متأجّجـة بين أولاده وأصحابه ، بيد كابر بعد كابر. وإليك مَن نهج منهاجه :

1

يحيى بن زيد بن علي

(107 ـ 125 هـ)

هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأُمّه « ريطة » بنت أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية ، وإيّاها عنى أبو ثميلة الآبار بقوله :

فلعل راحم أُمّ موسى والذيسيسرُ « ريطة » بعد حزن فوَادها               نجّاه من لجج خضمّ مزبديحيى ، ويحيى في الكتائب يرتدي

    وأُمّ « ريطة » هي بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، أُمّها ابنة المطلب بن أبي وادعة السهمي.

شرف تتابع كابر عن كابر                  كالرمح انبوب على انبوب

 

________________________________________

(338)

    وقد ذكر أبو الفرج الاَصفهاني ثورته واستشهاده على وجه مبسط ، وجاء الجزري باختصاره في الكامل ونذكر نصّ الثاني :

    لمّا قتل زيد بن علي ودفنه يحيى ابنه ، سار بعد قتل أبيه ، إلى خراسان ، فأتى « بلخ » فأقام بها عند الحريش بن عمرو بن داود حتى هلك هشام ، وولي الوليد بن يزيد. فكتب يوسف بن عمر إلى « نصر » بمسير يحيى بن زيد وبمنزله عند الحريش ، وقال له : خذه أشد الاَخذ ، فأخذ « نصر » الحريش ، فطالبه بيحيى ، فقال : لا علم لي به. فأمر به فجلد ستمائة سوط. فقال الحريش : واللّه لو أنّه تحت قدمي ما رفعتهما عنه. فلما رأى ذلك قريش بن الحريش قال : لا تقتل أبي وأنا أدلّك على يحيى ، فدلّه عليه ، فأخذه « نصر » وكتب إلى الوليد يُخبره ، فكتب الوليد يأمره أن يوَمِّنه ويخلّي سبيله وسبيل أصحابه. فأطلقه « نصر » وأمره أن يلحق بالوليد وأمر له بألفي درهم ، فسار إلى « سرخس » فأقام بها ، فكتب « نصر » إلى عبد اللّه بن قيس بن عباد يأمره أن يسيّره عنها ، فسيّره عنها ، فسار حتى انتهى إلى « بيهق » ، وخاف أن يغتاله يوسف بن عمر فعاد إلى نيسابور ، وبها عمرو بن زرارة ، وكان مع يحيى سبعون رجلاً ، فرأى « يحيى » تجاراً ، فأخذ هو وأصحابه دوابهم وقالوا : علينا أثمانها ، فكتب عمرو بن زرارة إلى « نصر » يخبره ، فكتب « نصر » يأمره بمحاربته ، فقاتله عمرو ، وهو في عشرة آلاف ويحيى في سبعين رجلاً ، فهزمهم يحيى وقتل عمراً وأصاب دواب كثيرة وسار حتى مرّ بهرات فلم يعرض لمن بها وسار عنها.

    وسرّح « نصر بن سيار » سالم بن أحْوز في طلب يحيى ، فلحقه بالجوزجان فقاتله قتالاً شديداً ، فرُمي يحيى بسهم فأصاب جبهته ، رماه رجل من عَنَزة يقال له عيسى ، فقُتل أصحاب يحيى من عند آخرهم وأخذوا رأس يحيى وسلبوه قميصه.

    فلمّـا بلغ الوليد قتل يحيى ، كتب إلى يوسف بن عمر : خذ عُجَيْل أهل العراق فأنزله من جذعه ، ـ يعني زيداً ـ ، وأحرقه بالنار ثم انسفه باليمّ نسفاً. فأمر

 

________________________________________

(339)

يوسف به فأُحرق ، ثم رضّه وحمله في سفينة ثم ذرّاه في الفرات.

    وأمّا يحيى فإنّه لما قتل صلب بالجوزجان ، فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم الخراساني واستولى على خراسان ، فأنزله وصلّى عليه ودفنه وأمر بالنياحة عليه في خراسان ، وأخذ أبو مسلم ديوان بني أُمية وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى ، فمن كان حياً قتله ، ومن كان ميتاً خلفه في أهله بسوء (1).

    وقال السيد المدني في شرح الصحيفة :

    « لما قتل أبوه زيد بن علي ، خرج يحيى حتى نزل بالمدائن ، فبعث يوسف بن عمر في طلبه ، فخرج إلى الريّ ثم إلى نيسابور من خراسان ، فسألوه المقام بها فقال : بلدة لم تُرفع فيها لعلي وآله راية لا حاجة لي في المقام بها ، ثم خرج إلى « سرخس » وأقام بها عند يزيد بن عمر التميمي ستة أشهر ، حتى مضى هشام بن عبد الملك لسبيله ، وولى بعده الوليد بن يزيد فكتب إلى « نصر بن سيار » في طلبه فأخذه ببلخ وقيّده وحبسه ، فقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لما بلغه ذلك :

أليس بعين اللّه ما تفعلونهكلاب عوت لا قدّس اللّه سرها                 عشية يحيى موثق بالسلاسلفجئن بصيد لايحـل لآكل

    وكتب نصر بن سيار إلى يوسف بن عمر ، يخبره بحبسه وكتب يوسف إلى الوليد ، فكتب الوليد إليه بأن يحذره الفتنة ويخلّى سبيله فخلّى سبيله وأعطاه ألفي درهم وبغلين ، فخرج حتى نزل الجوزجان (2) فلحق به قوم من أهلها ومن الطالقان ، زهاء خمسمائة رجل ، فبعث إليه « نصر بن سيار » ، سالم بن أحور فاقتتلوا

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 103 ـ 108 ، والجزري : الكامل : 5/271 ـ 272.

    2 ـ الجوزجان : بزاي بين الجيمين المفتوحتين : كورة واسعة من كور بلخ بخراسان.

________________________________________

(340)

أشد قتال ثلاثة أيام حتى قتل جميع أصحاب يحيى وبقي وحده فقتل عصر يوم الجمعة سنة خمس وعشرين ومائة ، وله ثماني عشرة سنة ، وبعث برأسه إلى الوليد ، فبعث به الوليد إلى المدينة ، فوضع في حجر أُمه « ريطة » فنظرت إليه ، وقالت : شردتموه عنّي طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلاً ، صلوات اللّه عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً.

    فلمّا قتل عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس ، مروان بن محمد بن مروان ، بعث برأسه حتى وضع في حجر أُمّه فارتاعت. فقال : هذا بيحيى بن زيد ، وكان الذي احتز رأس يحيى بن زيد ، سورة بن أبحر ، وأخذ العنبري سلبه ، وهذان أخذهما أبو مسلم المروزي فقطع أيديهما وأرجلهما وصلبهما. ولاعقب ليحيى بن زيد (1).

    هذا ما يذكره الموَرّخون وقد كان ليحيى عند الاِمام الصادق ( عليه السلام ) مكانة عالية ، وقد استشهد ولم يكمل العقد الثاني من عمره الشريف حيث تولد عام 107هـ واستشهد في عام 125هـ ولما سمع الاِمام الصادق شهادته وصلبه حزن حزناً عظيماً ومن كلامه في حقّ يحيى فيما بعد قال : « إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين ابن علي صلوات اللّه عليه فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام ، زيد بن علي فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد ، يحيى بن زيد رحمه اللّه فنزع اللّه ملكه » (2).

    أمّا أعلام الاِمامية فقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وقال : يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدني ، ومن غرائب الكلام عدّه من أصحاب الكاظم ( عليه السلام ) مع أنّه ولد عام 128هـ بعد ثلاثة سنين من استشهاد يحيى بن زيد.

________________________________________

    1 ـ السيد علي خان المدني : رياض السالكين : 1/69 ـ 70.

    2 ـ المجلسي : البحار : 46/182 ح 46.

(341)

يحيى بن زيد والصحيفة السجادية :

    إنّ الصحيفة السجادية نسخة من علوم أئمة أهل البيت ، وهي أدعية للاِمام السجاد تهز كل إنسان إذا قرأها بدقة وإمعان ، وقد أودع فيها الاِمام كنوزاً من المعارف ، وعلّم الاِنسان كيفية الدعاء والابتهال إلى اللّه سبحانه ، انشأها سيد الساجدين في عصر الظلم والقتل والتشريد وقد كانت نسخة منها عند زيد الثائر ، وقد أوصى بها إلى ولده يحيى ، وهو أيضاً أوصى إلى : محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر تفصيله عمير بن المتوكل الثقفي البلخي عن أبيه متوكل بن هارون قال :

    لقيت يحيى بن زيد بن علي ( عليه السلام ) وهو متوجه إلى خراسان فسلّمت عليه ، فقال لي : من أين أقبلت؟ قلتُ : من الحجّ ، فسألني عن أهله وبني عمّه بالمدينة وأحفى السوَال عن جعفر بن محمد فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي ( عليه السلام ) فقال لي : قد كان عمي محمد بن علي ( عليه السلام ) أشار إلى أبي بترك الخروج وعرّفه أنّه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره ، فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ؟ قلت : نعم ، قال : فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ قلتُ : نعم ، قال : بم ذكرني؟ قلتُ : جعلتُ فداك ما أُحبّ أن أستقبلك بما سمعته منه ، فقال : أبالموت تخوفني؟ هات ما سمعته ، فقلت سمعته يقول :

    إنّك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب ، فتغير وجهه وقال : « يَمحُوا اللّهُ ما يَشَاءُ ويُثْبِتُ وعِندَه أُمُّ الكِتاب » يا متوكل إنّ اللّه عزّ وجلّ أيّد هذا الاَمر بنا ، وجعل لنا العلم والسيف ، فجمعا لنا وخصّ بنو عمنا بالعلم وحده ، فقلت : جعلت فداك إنّي رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر ( عليه السلام ) أميل منهم إليك وإلى أبيك ، فقال : إنّ عمي محمد بن علي وابنه جعفر ( عليهما السلام ) دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت ، فقلت : يابن رسول اللّه أهم أعلم أم أنتم؟

 

________________________________________

(342)

فأطرق إلى الاَرض مليّاً ثم رفع رأسه وقال : كلّنا له علم غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم ولا نعلم كلّ ما يعلمون.

    ثم قال لي : أكتبت من ابن عمي شيئاً ؟ قلت : نعم ، قال : أرينه ، فأخرجت إليه وجوهاً من العلم وأخرجت له دعاء أملاه عليّ أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) وحدثني أنّ أباه محمد بن علي ( عليهما السلام ) أملاه عليه ، وأخبره أنّه من دعاء أبيه علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من دعاء الصحيفة الكاملة ، فنظر فيه يحيى حتى أتى على آخره وقال لي : أتأذن في نسخه فقلت : يابن رسول اللّه أتستأذن فيما هو عنكم ، فقال : أما أنّي لاَخرجن إليك صحيفة من الدعاء الكامل ممّا حفظه أبي عن أبيه ، وانّ أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها ، قال عمير : قال أبي : فقمت إليه فقبلت رأسه ، وقلت له : واللّه يابن رسول اللّه إنّي لاَدين اللّه بحبكم وطاعتكم وأنّي لاَرجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم. فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال : أُكتب هذا الدعاء بخط بيّن وحسن وأعرضه عليّ لعلّي أحفظه ، فإنّي كنت أطلبه من جعفر حفظه اللّه فيمنعنيه قال المتوكل : فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع ولم يكن أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) تقدم إليّ ألاّ أدفعه إلى أحد.

    ثم دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة فنظر إلى الخاتم وقبّله وبكى ثم فضّه وفتح القفل ، ثم نشر الصحيفة ووضعها على عينيه وأمرّها على وجهه ، وقال : واللّه يامتوكل لولا ما ذكرت من قول ابن عمي إنّني أُقتل وأُصلب لما دفعتها إليك ولكنت بها ضنيناً ولكني أعلم أنّ قوله حقّ أخذه عن آبائه وأنّه سيصح ، فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أُمية فيكتموه ويدّخروه في خزائنهم لاَنفسهم ، فاقبضها واكفينها وتربص بها ، فإذا قضى اللّه من أمري وأمر هوَلاء القوم ما هو قاض ، فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمي : محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فإنّهما القائمان في

 

________________________________________

(343)

هذا الاَمر بعدي.

    قال المتوكل : فقبضت الصحيفة ، فلما قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) : فحدّثته الحديث عن يحيى فبكى واشتد وجده به ، وقال : « رحم اللّه ابن عمي وألحقه بآبائه وأجداده ، واللّه يا متوكل مامنعني من دفع الدعاء إليه إلاّ الذي خافه على صحيفة أبيه ، وأين الصحيفة؟ » فقلت : ها هي ، ففتحها ، أو قال : « هذا واللّه خط عمي زيد ودعاء جدي علي بن الحسين ( عليهما السلام ) » ثم قال لابنه : « قم يا إسماعيل فأتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه » فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأنّها الصحيفة التي دفعها إليّ يحيى بن زيد فقبّلها أبو عبد اللّه ووضعها على عينه وقال : « هذا خط أبي وإملاء جدي ( عليهما السلام ) بمشهد مني » فقلت : يابن رسول اللّه إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى ، فأذن لي ، وقال : « قد رأيتك لذلك أهلاً » فنظرتُ وإذا هما أمر واحد ولم أجد حرفاً منها يخالف ما في الصحيفة الاَُخرى ، ثم استأذنت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) في دفع الصحيفة إلى ابني عبد اللّه بن الحسن ، فقال : « إنّ اللّه يأمركم أن توَدوا الاَمانات إلى أهلها ، نعم فأدفعها إليهما » فلما نهضت للقائهما قال لي : « مكانك » ثم وجّه إلى محمد وإبراهيم فجاءا ، فقال : هذا ميراث ابن عمكما يحيى من أبيه قد خصّكما به دون إخوته ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً ، فقالا : رحمك اللّه قل فقولك المقبول ، فقال : « لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة » قالا : ولم ذاك؟ قال : « إنّ ابن عمكما خاف عليهما أمراً أخافه أنا عليكما » قالا : إنّما خاف عليها حين علم أنّه يقتل ، فقال : أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « وأنتما فلاتأمنا فواللّه إنّي لاَعلم أنّكما ستخرجان كما خرج وستقتلان كما قتل » فقاما وهما يقولان : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.

    فلمّا خرجا قال لي أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « يامتوكل كيف قال لك يحيى إنّ عمي محمد بن علي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى

 

________________________________________

(344)

الموت » قلت : نعم أصلحك اللّه قد قال لي ابن عمك يحيى ذلك ، فقال : « يرحم اللّه يحيى انّ أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي ( عليه السلام ) إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذته نعسة وهو على منبره ، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة ، يردّون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جالساً والحزن يُعرف في وجهه ، فأتاه جبريل ـ عليه السلام ـ بهذه الآية : « وما جَعَلْنا الرُّوَيا الّتي أرَيْنَاكَ إلاّ فِتنَةً لِلنَّاسِ والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرآنِ ونُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغياناً كَبيراً » (1) يعني بني أُمية قال : ياجبريل أعلى عهدي يكونون وفي زمني ، قال : لا ولكن تدور رحى الاِسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً ، ثم تدور رحى الاِسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً ثم لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثم ملك الفراعنة قال وأنزل اللّه تعالى في ذلك : « إنّا أنزلناهُ فِي ليلة القَدْرِ * وما أدراكَ ما ليلةُ القَدْرِ * ليلةُ القَدْرِ خيرٌ من ألفِ شَهْر » (2) يملكها بنو أُمية ليس فيها ليلة القدر ، قال : فأطلع اللّه عزّ وجلّ نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الاَُمّة وملكها طول هذه المدّة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن اللّه تعالى بزوال ملكهم ، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا ، أخبر اللّه نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم قال وأنزل اللّه تعالى فيهم : « ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وأحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوارَ* جَهنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئسَ القَرَار » (3) ونعمة اللّه محمد وأهل بيته ، حبهم إيمان يدخل الجنة وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار ، فأسر رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك إلى علي وأهل بيته » (4)

________________________________________

    1 ـ الاِسراء : 60.

    2 ـ القدر : 1 ـ 3.

    3 ـ إبراهيم : 28.

    4 ـ الصحيفة السجادية : قسم المقدمة ، لاحظ رياض السالكين : 1/69 ـ 187 قسم المتن.

________________________________________

(345)

    وسيوافيك خبر أخيه : عيسى بن زيد بعد أخبار محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن المثنى وذلك حفظاً للتسلسل الزمني ، فسلام اللّه عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

    وقد رثى يحيى بن زيد لفيف من الشعراء منهم دعبل الخزاعي بتائيته المعروفة المشهورة التي تبلغ مائة وعشرين بيتاً رائعاً وفيها من مناقب أهل البيت ومصائبهم الجم الغفير ومطلعها قوله :

تجاوبن بالاَرنان والزفراتيخبرن بالاَنفاس عن سر أنفس          نوائح عجم اللفظ والنطقاتأُسارى هوىً ماضٍ وآخر آت

    إلى أن انتقل عن كل ما يوشح به أوائل القصائد إلى قوله :

فكيف ومن أنى بطالب زلفةسوى حبّ أبناء النبي ورهطهوهند وما أدّت سمية وابنهاهم نقضوا عهد الكتاب وفرضه               إلى اللّه بعد الصوم والصلواتوبغض بني الزرقاء والعبلاتأُولو الكفر في الاِسلام والفجراتثم إلى أن جدد المطلع بقوله :

   

بكيت لرسم الدار من عرفاتوبانَ عرى صبري وهاجت صبابتيمدارس آيات خلت من تلاوةلآل رسول اللّه بالخيف من منى                   وأجريت دمع العين بالعبراترسوم ديار قد عفت وعراتومنزل وحي مقفر العرصاتوبالبيت والتعريف والجمرات

 

 

________________________________________

(346)

    ثم إلى أن قال عطر اللّه مرقده وفاه :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاًإذاً للطمت الخد فاطم عندهأفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبيقبور بكوفان وأُخرى بطيبةوأُخرى بأرض الجوزجان محلهاوقبر ببغداد لنفس زكيةقبور ببطن النهر من جنب كربلاتوفوا عطاشا بالفرات فليتني              وقد مات عطشاناً بشط فراتوأجريت دمع العين في الوجناتنجوم سماوات بأرض فلاةوأُخرى بفخ نالها صلواتيوقبر بباخمرى لدى الغرباتتضمنها الرحمن في الغرفاتمعرسهم منها بشط فراتتوفيت فيهم قبل حين وفاتي (1)

________________________________________

    1 ـ ذكرها غير واحد من الاَُدباء والموَرخين ، ومن أراد أن يقف على جميعها فليرجع إلى : روضات الجنات : 3/302 ـ 304 والغدير : 2/349.

________________________________________

(347)

أصحاب الانتفاضة

2

عبد اللّه بن الحسن

ابن الحسن بن علي بن أبي طالب

(70 ـ 145 هـ)

    إنّ عبد اللّه بن الحسن والد محمد النفس الزكية وإبراهيم اللّذين استشهدا في عصر المنصور بطيبة والبصرة.

    فلابد من الاِشارة إلى حياة الوالد قبل الولدين.

    يطلق عليه عبد اللّه المحض ، لاَنّ أباه هو الحسن بن الحسن السبط ، وأُمّه فاطمة بنت الحسين السبط ، فهو منسوب إلى رسول اللّه ، من كلا الطرفين وكان قوي النفس شجاعاً ، ولما قدم أبو العباس السفاح وأهله سرّاً على أبي سلمة الخلاّل الكوفة ستر أمرهم ، وعزم أن يجعل الخلافة شورى بين ولد علي والعباس حتى يختاروا من أرادوا ، فكتب إلى ثلاثة نفر منهم : جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) وعمر بن علي بن الحسين ، وعبد اللّه بن الحسن ، ووجّه بالكتب مع رجل من مواليهم من ساكني الكوفة فبدأ بجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ولقيه ليلاً وأعلمه أنّه رسول أبي سلمة وأنّ معه كتاباً إليه منه ، فقال : « ما أنا وأبو سلمة وهو شيعة لغيري » فقال الرسول : تقرأ الكتاب وتجيب عليه بما رأيت ، فقال جعفر لخادمه : « قدّم مني السراج » فقدّمه فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه فقال : ألا تجيبه؟ فقال : « قد رأيت الجواب » (1)

________________________________________

    1 ـ ذكر الشهرستاني أنّ الاِمام الصادق ( عليه السلام ) : قال له : « ماأنت من رجالي ، ولا الزمان زماني » الملل والنحل : 1/154 ، ط 1402.

________________________________________

(348)

    فخرج من عنده وأتى عبد اللّه بن الحسن بن الحسن فقبّل كتابه وركب إلى جعفر بن محمد ، فقال : هذا كتاب أبي سلمة يدعوني لاَمر ، ويراني أحقّ الناس به وقد جاءته شيعتنا ، من خراسان فقال له جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « ومتى صاروا شيعتك؟ أنت وجهت أبا سلمة إلى خراسان؟ وأمرته بلبس السواد؟ هل تعرف أحداً منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون من شيعتك وأنت لاتعرفهم إلاّ يعرفونك؟ فإن هذه الدولة ستتم إلى هوَلاء القوم ولاتتم لاَحد من آل أبي طالب وقد جاءني مثل ماجاءك » فانصرف غير راض بما قاله.

    وأمّا عمر بن علي بن الحسين فردّ الكتاب وقال : ما أعرف كاتبه فأُجيبه.

    ومات عبد اللّه المحض في حبس أبي جعفر الدوانيقي مخنوقاً وهو ابن خمس وسبعين سنة.

    وقد ذكر المسعودي كيفية القبض عليه وقال : وكان المنصور قبض على عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي ( عليه السلام ) وكثير من أهل بيته وذلك في سنة أربع وأربعين ومائة في منصرفه من الحجّ ، فحملوا من المدينة إلى الربذة من جادة العراق وكان ممّن حمله مع عبد اللّه بن الحسن : إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وأبو بكر بن الحسن بن الحسن ، وعلي الخير ، وأخوه العباس ، وعبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ، ومعهم محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان أخو عبد اللّه بن الحسن بن الحسن لاَُمّه فاطمة ابنة الحسين بن علي ، وجدتهما فاطمة بنت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

    فجرد المنصور بالربذة محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان فضربه ألف سوط ، وسأله عن ابني أخيه محمد وإبراهيم فأنكر أن يعرف مكانهما ، فسألت جدته العثماني في ذلك الوقت ، وارتحل المنصور عن الربذة وهو في قبة ، وأوهن القوم بالجهد ، فحملوا على المحامل المكشوفة ، فمر بهم المنصور في قبته على الجمازة ، فصاح به عبد اللّه بن الحسن يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بكم يوم بدر ،

 

________________________________________

(349)

فصيرهم إلى الكوفة ، وحبسوا في سرداب تحت الاَرض لا يفرّقون بين ضياء النهار وسواد الليل ، وخلّـى منهم : سليمان وعبد اللّه ابني داود بن الحسن بن الحسن ، وموسى بن عبد اللّه بن الحسن ، والحسن بن جعفر ، وحبس الآخرين ممن ذكرنا حتى ماتوا وذلك على شاطىء الفرات من قنطرة الكوفة ، ومواضعهم بالكوفة تزار في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ، وكان قد هدم عليهم الموضع ، وكانوا يتوضّوَن في مواضعهم فاشتدت عليهم الرائحة ، فاحتال بعض مواليهم حتى أدخل عليهم شيئاً من الغالية ، فكانوا يدفعون بشمها تلك الروائح المنتنة ، وكان الورم في أقدامهم ، فلا يزال يرتفع حتى يبلغ الفوَاد فيموت صاحبه.

    وذكر أنّهم لمّا حبسوا في هذا الموضع أشكل عليهم أوقات الصلاة ، فجزّأوا القرآن خمسة أجزاء ، فكانوا يصلّون الصلاة على فراغ كل واحد منهم من جزئه وكان عدد من بقي منهم خمسة ، فمات اسماعيل بن الحسن فترك عندهم فجيف ، فصعق داود بن الحسن فمات ، وأتى برأس إبراهيم بن عبد اللّه فوجه به المنصور مع الربيع إليهم فوضع الرأس بين أيديهم وعبد اللّه يصلي ، فقال له إدريس أخوه : اسرع في صلاتك يا أبا محمد ، فالتفت إليه وأخذ الرأس فوضعه في حجره ، وقال له : أهلاً وسهلاً يا أبا القاسم ، واللّه لقد كنت من الذين قال اللّه عزّ وجلّ فيهم :

    « الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ولا يَنقُضُونَ المِيثاقَ * والّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَل » إلى آخر الآية ، فقال له الربيع : كيف أبو القاسم في نفسه؟ قال : كما قال الشاعر :

فتى كان يحميه من الذلّ سيفه           ويكفيه أن يأتي الذنوب اجتنابها

    ثم التفت إلى الربيع : فقال : قل لصاحبك قد مضى من بوَسنا أيّام ومن نعيمك أيّام؟ والملتقى ، القيامة. قال الربيع : فما رأيت المنصور قطّ أشدّ انكساراً منه

 

________________________________________

(350)

في الوقت الذي بلغته الرسالة ... (1).

    وكان يتولى صدقات أمير الموَمنين علي ( عليه السلام ) بعد أبيه الحسن ، ونازعه في ذلك زيد بن علي بن الحسين ، وأعقب عبد اللّه المحض من ستة رجال :

    1 ـ محمد ذي النفس الزكية ، المقتول بقرب المدينة.

    2 ـ إبراهيم قتيل باخمرى ، قريب الكوفة.

    3 ـ موسى الجون.

    4 ـ يحيى بن عبد اللّه صاحب الديلم.

    5 ـ سليمان بن عبد اللّه.

    6 ـ إدريس بن عبد اللّه (2)

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/298. والآيتان 20 و 21 من سورة الرعد.

    2 ـ النسابة ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 101 ـ 103.

(351)

أصحاب الانتفاضة

3

محمد بن عبد اللّه بن الحسن

ابن الحسن بن علي بن أبي طالب

النفس الزكية

(100 ـ 145 هـ)

    محمد بن عبد اللّه المعروف بالنفس الزكية المقتول عام 145هـ في أيّام أبي جعفر المنصور ، هو الثائر الثاني ، وقد ذكر الشهرستاني أنّ يحيى بن زيد أوصى إليه ، ولذلك يعد إماماً ثانياً بعده.

    وتقدّم أنّ أباه عبد اللّه من أكابر بني هاشم وكان الجميع يكِّن له الاحترام ، وكان أكبر سناً من الاِمام الصادق ( عليه السلام ) كما تقدم ـ ومع ذلك كان يدعو الناس لبيعة ولده محمد ، وهذا وما سبق من قبول دعوة أبي سلمة الخلال يكشفان عن روح ثوريّة أوّلاً ، وسذاجة في الاَُمور السياسية ثانياً.

    ولما قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك إثر خلاعته ومجانته عام 126 هـ تهيّأت الظروف المناسبة للدعوة إلى بني هاشم ، ففي هذا الظرف الهادىء جمع عبد اللّه بن الحسن ، بني هاشم وألقى فيهم خطبة نقلها أبو الفرج الاَصفهاني في كتابه وقال : إنّكم أهل البيت قد فضّلكم اللّه بالرسالة واختاركم لها وأكثركم بركة ياذرية محمد بن عبد اللّه بنو عمه وعترته ، وأولى الناس بالفزع في أمر اللّه ، من

 

________________________________________

(352)

وضعه اللّه موضعكم من نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ترون كتاب اللّه معطلاً ، وسنّة نبيه متروكة ، والباطل حياً ، والحقّ ميتاً ، قاتلوا للّه في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه ، وقد علمتهم أنّا لم نزل نسمع أنّ هوَلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الاَمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم ـ يعني الوليد بن يزيد ـ ، فهلم نبايع محمداً ، فقد علمتم أنّه المهدي.

    فقالوا : لم يجتمع أصحابنا بعد ، ولو اجتمعوا فعلنا ، ولسنا نرى أبا عبد اللّه جعفر بن محمد.

    وبعد محاولات حضر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) مجلس القوم فاطلع على أمر القوم وأنّهم يريدون بيعة محمد بن إبراهيم ، فقالوا : قد علمت ماصنعوا بنا بنو أُمية وقد رأينا أنّ نبايع لهذا الفتى.

    فقال : لاتفعلوا فإنّ الاَمر لم يأت بعد ، فغضب عبد اللّه وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ولكنه يحملك على ذلك الحسد لابني ، فقال : لا واللّه ، ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناوَهم دونكم و ضرب يده على ظهر أبي العباس (السفاح) ثم نهض واتبعه عبد الصمد وأبو جعفر المنصور فقالا : يا أبا عبد اللّه أتقول ذلك؟ قال : « نعم واللّه أقوله وأعلمه ».

    وفي رواية قال لعبد اللّه بن الحسن : « إنّها واللّه ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنّها لهوَلاء وإنّ ابنيك لمقتولان » فتفرق أهل المجلس ولم يجتمعوا بعدها.

    وقال عبد اللّه بن جعفر بن المسوّر ، فخرج جعفر بن محمد يتوكأ على يدي فقال لي : « أرأيت صاحب الرداء الاَصفر؟ » يعني أبا جعفر المنصور ، قلت : نعم ، قال : « فإنّا واللّه نجده يقتل محمداً » ، قلت : أو يقتل محمداً ؟! قال : « نعم » فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة. ثم ما خرجت واللّه من الدنيا حتى رأيته قتله (1)

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 171 ـ 172.

________________________________________

(353)

حكى ابن عنبة أنّ محمد بن عبد اللّه بن الحسن ولد سنة 100هـ بلا خلاف ، وقيل مات سنة 145هـ في رمضان ، وقيل في الخامس والعشرين من رجب ، وقال البخاري : وهو ابن خمس وأربعين سنة وأشهراً ، وكان المنصور قد بايع له ولاَخيه إبراهيم مع جماعة من بني هاشم ، فلمّا بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم مدّة خلافة السفاح فلما ملك المنصـور (136 هـ) وعلـم أنّهما على عزم الخروج جدّ في طلبهما وقبض على أبيهما وجماعة من أهلهما فيحكى أنّهما أتيا أباهما وهو في السجن وقالا له : يقتل رجلان من آل محمد خير من أن يقتل ثمانية ، فقال لهما : إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.

    ولما عزم « محمد » على الخروج واعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد ، وذهب محمد إلى المدينة وإبراهيم إلى البصرة ، فاتفق أنّ إبراهيم مرض فخرج أخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة ، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنّه قتل وهو على المنبر يخطب.

    ومن عجيب ما يروى عن محمد بن عبد اللّه أنّه لما أحس بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجّر ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق ، ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ، قريباً من المدينة.

    وكان مالك بن أنس الفقيه قد أفتى بالخروج مع محمد وبايعه ولذلك تغير المنصور عليه فقال : إنّه خلع أكتافه (1).

    وقد ذكر الموَرخون دعوته وشهادته بين موجز في القول ومعتدل في البيان ومفصل في القصة وبما أنّ في كلامهم ما يلقي الضوء على حياة القائد ، نذكر بعض نصوصهم.

________________________________________

    1 ـ النسابة ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 104 ـ 105.

________________________________________

(354)

    وممّن أوجز فيه الكلام أبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ) في « الاَخبار الطوال » قال : وفي ذلك العام (145هـ) خرج على المنصور ، محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الملقب بالنفس الزكية فوجّه إليه أبو جعفر ـ المنصور ـ عيسى بن موسى بن علي في خيل فقتل رحمه اللّه ، وخرج أخوه إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن فقتل رضوان اللّه عليه (1).

    وقال اليعقوبي : « وظهر محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بالمدينة مستهل رجب سنة 145هـ ، فاجتمع معه خلق عظيم وأتته كتب أهل البلدان ووفودهم ، فأخذ رياح بن عثمان بن حيّان المري عامل أبي جعفر ، فأوثقه بالحديد وحبسه ، وتوجه (أخوه) إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن إلى البصرة وقد اجتمع جماعة فأقام مستتراً ، وهو يكاتب الناس ويدعوهم إلى طاعته ، فلما بلغ أبا جعفر أراد الخروج إلى المدينة ثم خاف أن يدع العراق مع ما بلغه من أمر إبراهيم ، فوجّه عيسى بن موسى الهاشمي ، ومعه حميد بن قحطبة الطائي في جيش عظيم فصار إلى المدينة ، وخرج محمد إليه في أصحابه فقاتلهم في شهر رمضان ومضى أصحابه إلى الحبس فقتل رياح بن عثمان وكانت أسماء ابنة عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس بالمدينة وكانت معادية لمحمد بن عبد اللّه ، فوجهت بخمار أسود قد جعلته مع مولى لها حتى نصبه على مأذنة المسجد ، ووجّهت بمولى لها يقال له : مجيب العامري إلى عسكر محمد ، صاح : الهزيمة الهزيمة قد دخل المسوّدة المدينة ، فلمّا رأى الناس العلم الاَسود انهزموا وأقام محمد يقاتل حتى قتل ، فلمّا قتل محمد بن عبد اللّه بن الحسن ، وجه عيسى بن موسى ، كثير بن الحصين العبدي إلى المدينة فدخلها ، فتتبع أصحاب محمد فقتلهم وانصرف إلى العراق (2)

________________________________________

    1 ـ الدينوري الاَخبار الطوال : 385 ، طبع مصر ، الحلبي ، وممّن أوجز الكلام فيه النسابة العلوي العمري صاحب المجدي : 37.

    2 ـ ابن واضح الاِخباري : تاريخ اليعقوبي : 2/376.

________________________________________

(355)

وقال المسعودي : وفي سنة خمس وأربعين ومائة كان ظهور محمد بن عبد اللّه ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم بالمدينة ، وكان قد بُويع له من كثير من الاَنصار وكان يدعى بالنفس الزكية لزهده ونسكه ، وكان مستخفياً من المنصور ولم يظهر حتى قبض المنصور على أبيه عبد اللّه بن الحسن وعمومته ، وكثير من أهله وعدتهم ، ولما ظهر محمد بن عبد اللّه بالمدينة ، استشار إسحاق بن مسلم العقيلي وكان شيخاً ذا رأي وتجربة فأشار إلى ما لم يستحسنه أبو جعفر وبينما كان يتفكر في كيفية المقابلة مع محمد بن إبراهيم بلغه أنّ إبراهيم أخا محمد خرج بالبصرة يدعو إلى أخيه ، فبعث عيسى بن موسى في أربعة آلاف فارس وألفي راجل وأتبعه محمد بن قحطبة في جيش كثيف فقاتلوا محمداً بالمدينة حتى قتل وهو ابن خمس وأربعين سنة ولما اتصل بإبراهيم قتل أخيه ، محمد بن عبد اللّه وهو بالبصرة صعد المنبر فنعاه وتمثّل :

أبالمنازل ياخير الفوارس مناللّه يعلم أنّي لو خشيتُهملم يقتلوه ولم أسلم أخيَّ لهم                 يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعاوأوجس القلب من خوف لهم فزعاحتى نموت جميعاً أو نعيش معا

 

    تفرّق إخوة محمد في البلاد :

    وقد كان تفرّق أخوة محمد وولده في البلدان يدعون إلى إمامته فكان فيمن توجه ابنه ، علي بن محمد إلى مصر فقتل بها ، وسار ابنه عبد اللّه إلى خراسان فهرب لما طُلب ، إلى السند فقتل هناك ، وسار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس ، وسار أخوه موسى إلى الجزيرة ، ومضى أخوه يحيى إلى الري ، ثم إلى طبرستان ، ومضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس

 

________________________________________

(356)

فبعث المنصور من اغتاله بالسم وقام ولده إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن مقامه (1).

    هوَلاء من الموَرخين قد أوجزوا الكلام في دعوته وشهادته ، وقد فصّل أبو الفرج الاَصفهاني (2) في المقامين وابن الاثير في الكامل وقد ذكر كتاب المنصور إلى محمد بن إبراهيم ، كما ذكر جوابه إليه (3)

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/294 ـ 296 ، وسيوافيك ذيل هذا النص في البحث عن تأسيس دولة زيدية في المغرب باسم الاَدارسة.

    2 ـ راجع : مقاتل الطالبيين : 176 ـ 200.

    3 ـ ابن الاَثير : الكامل : 5/522 ـ 554 ، وفيه لما قتل محمد صادر عيسى أموال بني الحسن وحتى أموال الاِمام الصادق ، لاحظ ص 553.

________________________________________

(357)

أصحاب الانتفاضة

4

إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن

(103 ـ 145 هـ)

إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن أخو محمد ذو النفس الزكية الثائر الثالث بعد يحيى بن زيد والنفس الزكية ، وقد تقدم اتفاق الاَخوين على الثورة في يوم واحد في قطرين مختلفين ، وقد عرفت تأخّر إبراهيم عن أخيه في الخروج.

    قال المسعودي : مضى إبراهيم أخوه إلى البصرة وظهر بها ، فأجابه أهل فارس والاَهواز وغيرهما من الاَمصار وسار من البصرة في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول البغداديين من المعتزلة وغيرهم ، ومعه عيسى بن زيد بن علي ابن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسيّر إليه المنصور عيسى بن موسى وسعيد بن سلم في العساكر ، فحارب حتى قتل في الموضع المعروف بـ « باخمرى » وذلك على ستة عشر فرسخاً من الكوفة من أرض الطف ، وهو الموضع الذي ذكرته الشعراء ممن رثى إبراهيم. فممّن ذكر ذلك :

    دعبل بن علي الخزاعي ، في قصيدته الرائعة التائية التي نقل قسم منها عند ذكر شهادة أخيه محمد النفس الزكية وفيها قوله :

قبور بكوفان وأُخرى بطيبةوأُخرى بأرض الجوزجان محلها               وأُخرى بفخّ نالها صلواتوقبر بباخمرى لدى الغربات

 

________________________________________

(358)

    وقتل معه من الزيدية من شيعته أربعمائة رجل ، وقيل : خمسمائة رجل (1).

    وقال صاحب المجدي : وكان إبراهيم يكنى أبا الحسن ، قتل بأرض « باخمرى » وهي قرية تقارب الكوفة وظَهَر ليلة الاِثنين غرة شهر رمضان سنة 145هـ وذلك بالبصرة وكان مقتله بعد مقتل أخيه محمد (رضي اللّه عنهما) في ذي الحجّة من السنة المذكورة.

    وبايع إبراهيم وجوه المسلمين منهم بشير الرحال ، وأبو حنيفة الفقيه ، والاَعمش ، وعباد بن المنصور القاضي صاحب مسجد عباد بالبصرة ، والمفضل بن محمد وشعبة الحافظ إلى نظائرهم (2).

    وقال النسابة ابن عنبة : كان إبرهيم من كبار العلماء في فنون كثيرة ، يقال إنّه كان أيام اختفائه في البصرة قد اختفى عند المفضل بن محمد الضبي ، فطلب منه دواوين العرب ليطالعها فأتاه بما قدر عليه فأعلم إبراهيم على ثمانين قصيدة. فلمّا قتل إبراهيم استخرجها المفضل وسماها بـ (المفضليات) وقرئت بعده على الاَصمعي فزاد بها ، وظهر إبراهيم ليلة الاِثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة بالبصرة وبايعه وجوه الناس ـ إلى أن قال : ـ ويقال : إنّ أبا حنيفة الفقيه بايعه أيضاً وكان قد أفتى الناس بالخروج معه ، فيحكى أنّ امرأة أتته فقالت : إنّك أفتيت ابني بالخروج مع إبراهيم فخرج فقتل. فقال لها : ليتني كنتُ مكانَ ابنك. وكتب إليه أبو حنيفة : أما بعد : فإنّي قد جهزت إليك أربعة آلاف درهم ولم يكن عندي غيرها ، ولولا أمانات الناس عندي للحقت بك ، فإذا لقيت القوم وظفرت بهم فافعل كما فعل أبوك في أهل صفين ، أُقتل مدبرهم وأجهز على جريحهم ، ولا تفعل كما فعل أبوك في أهل الجمل فإنّ القوم لهم فئة. ويقال : إنّ

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/296 ـ 297.

    2 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي في أنساب الطالبيين : 42.

________________________________________

(359)

هذا الكتاب وقع إلى الدوانيقي وكان سبب تغيّره على أبي حنيفة ـ إلى أن قال : ـ وجيء برأس إبراهيم فوضعه في طشت بين يديه والحسن بن زيد بن الحسن بن علي واقف على رأسه عليه السواد فخنقته العبرة والتفت إليه المنصور وقال : أتعرف رأس من هذا؟ فقال : نعم :

فتى كان تحميه من الضيم نفسه                   وينجيــه من دار الهـوان اجتنابها

    فقال المنصور : صدقت ولكن أراد رأسي فكان رأسه أهون عليَّ ولوددت أنّه فاء إلى طاعتي ، ويقول أيضاً : وحمل ابن أبي الكلام الجعفري رأسه إلى مصر (1).

________________________________________

    1 ـ ابن المهنا : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 109ـ 110 ، ولعله دفنه في المحل المعروف برأس الحسين ( عليه السلام ).

________________________________________

(360)

أصحاب الانتفاضة

5

عيسى بن زيد الثائر

( ... ـ 168 هـ)

    أحد أولاد زيد الثائر المعروف بـ « موتم الاَشبال » ، وكان وصي إبراهيم ـ قتيل باخمرى ـ بن عبد اللّه المحض وحامل رايته ، فلمّا قتل إبراهيم اختفى عيسى إلى أن مات ، وكان أبو جعفر المنصور قد بذل له الاَمان وأكده وكان شديد الخوف منه لم يأمن وثوبه عليه ، فقيل لعيسى في ذلك فقال : واللّه لئن يبيتنَّ ليلة واحدة خائفاً منّي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس. وإنّما يسمّى موتم الاَشبال لاَنّه قتل أسداً له أشبال فسمّي موتم الاَشبال. فخرج عيسى مع محمد بن عبد اللّه النفس الزكية ثم مع أخيه إبراهيم ، وكان إبراهيم قد جعل له الاَمر بعده وكان حامل رايته فلمّا قتل إبراهيم استتر ولم يتم له الخروج فبقي مستتراً أيام المنصور وأيّام المهدي وأيام الهادي وصلّى عليه الحسن بن صالح سراً ودفنه.

    وقد ذكر النسابة ابن عنبة من حياته شيئاً كثيراً يوَجّج الفوَاد ومما ذكره أنّه كان في أيّام اختفائه يستقي الماء على جمل ، وقال : حكى لي الشيخ النقيب تاج الدين بإسناده عن محمد بن زيد الشهيد : قال محمد بن محمد : قلت لاَبي محمد بن زيد : أُريد أن أرى عمي عيسى ، فقال : اذهب إلى الكوفة فإذا وصلتها اذهب إلى الشارع الفلاني واجلس هناك فإنّه سيمر عليك رجل آدم طويل ، له سجادة بين عينيه ، يسوق جملاً عليه مزادتان ، كلّما خطا خطوة كبّر اللّه سبحانه ، وسبّحه وهلّله

(361)

وقدّسه ، فذلك عمك عيسى فقم إليه فسلّم عليه ، قال محمد بن محمد بن زيد فذهبت إلى الكوفة فلمّا وصلتها جلستُ حيث أمرني أبي فلم ألبث أن جاء الرجل الذي وصفه لي أبي وبين يديه جمل عليه راوية فقمت إليه وأكببت على يديه أُقبّلهما فذعر مني فقلت : أنا محمد بن زيد (1) فسكن ثم أناخ جمله وجلس إليَّ في ظل حائط هناك وحدثني ساعة ، وسألني عن أهلي وأصحابه ثم ودّعني وقال لي : يابني لاتعد إليّ بعد هذا فإنّي أخشى الشهرة (2).

    وقال صاحب المجدي : وكان من أصحاب محمد بن عبد اللّه قتيل « أحجار الزيت » فاختفى عيسى من يد المهدي ومات في الاستتار على أيام الرشيد وكان شيخنا أبو الحسن يقول : كان ابن دينار يزعم أنّه قتل زيد ولابنه الحسين أربع سنين ولابنه عيسى سنة ولابنه محمد أربعون يوماً (3)وعلى ذلك فقد توفي عيسى حوالي عام 167 للهجرة.

________________________________________

    1 ـ كذا في النسخة المطبوعة والصحيح محمد بن محمد بن زيد ولعل الحذف للسهولة.

    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب ، في أنساب آل أبي طالب : 286 ـ 287.

    3 ـ أبو الحسن العلوي العمري : المجدي في أنساب الطالبيين : 186 ـ 187.

________________________________________

(362)

أصحاب الانتفاضة

6

الحسين بن علي الفخيّ

( ... ـ 169 هـ)

    هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث أي الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال صاحب المجدي : ومن ولد علي زين العابدين الحسن المثلث ، الحسين بن علي وهو الشهيد صاحب فخ ، خرج ومعه جماعة من العلويين زمن الهادي موسى بن المهدي بن المنصور بمكة ، وجاء موسى بن عيسى ابن على ومحمد بن سليمان بن المنصور فقتلاهم بفخ يوم التروية سنة تسع وستين ومائة. وقيل : سنة سبعين ، وحملا رأسه إلى الهادي ، فأنكر الهادي فعلهما وأمضاءهما حكم السيف فيهم دون رأيه ، ونقل أبو نصر البخاري عن محمد الجواد ابن علي الرضا ( عليهما السلام ) أنّه قال : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ (1)

________________________________________

    1 ـ النسابة ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 182 ـ 183.

________________________________________

(363)

أصحاب الانتفاضة

7

محمد بن إبراهيم طباطبا

(173 ـ 199 هـ)

    هو محمد بن إبراهيم (طباطبا) بن إسماعيل بن علي الغمر بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (1).

    قال صاحب المجدي : أمّا إبراهيم بن إسماعيل بن الغمر فهو طباطبا ولقب بذلك لاَنّه أراد أن يقول قبا فقال طبا ، لردّة في لسانه ، وكان له خطر وتقدم وأبرزَ صفحتَه ودعا إلى الرضا من آل محمد. فولد إبراهيم بن إسماعيل بن الغمر ثلاثة عشر ولداً ، منهم : بنتان وهما : لبابة وفاطمة ، والذكور : جعفر ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وهارون ، وعلي ، وعبداللّه ، ومحمد.

    هذا هو الوالد وأمّا الولد أي محمد ، يقول في حقّه : « إنّه صاحب أبي السرايا يكنّى أبا عبد اللّه ، خرج بالكوفة فجأة وانقرض ولده غير انّ رجلاً منهم يقال له محمد بن الحسين بن جعفر بن محمد هذا ، صاحب أبي السرايا خرج إلى بلاد الحبشة فما نعرف له خبراً (2)

________________________________________

    1 ـ سيوافيك في الفصل القادم أنّ الاِمام يحيى موَسس الدولة الزيدية في اليمن عام 284 من أحفاد إبراهيم إذ نسبه : يحيى بن الحسين ، بن القاسم بن إبراهيم طبا طبا.

    2 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 72.

________________________________________

(364)

    وقال ابن عنبة : ومن ولد إبراهيم طباطبا أيضاً محمد بن إبراهيم ويكنى أبا عبد اللّه أحد أئمة الزيدية ، خرج بالكوفة داعياً إلى الرضا من آل محمد ، وخرج معه أبو السرايا (السري بن منصور) الشيباني في أيام المنصور ، فغلب على الكوفة ودعا بالآفاق ولقّب بأمير الموَمنين وعظم أمره ثم مات فجأة ، وانقرض عقبه ، وكان من ولده محمد بن الحسين بن جعفر بن محمد هذا ، خرج إلى الحبشة فما يعرف له خبر. وفي بعض النسخ مات 199هـ وقيل : سمّاه أبو السرايا سماً ومات منه واللّه أعلم (1).

    وقال الطبري في حوادث سنة 199هـ : وفيها خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة يدعو إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنّة وهو الذي يقال له ابن طباطبا وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبا السرايا واسمه السري بن منصور (2).

    وبما أنّ أبا السرايا جاء اسمه في ذكر لفيف من الثائرين ، نذكر عنه شيئاً.

    يقول خير الدين الزركليّ : السري بن منصور الشيباني ثائر شجاع من الاَُمراء العصاميين فجمع عصابة كان يقطع بها الطريق ، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينيا ومعه ثلاثون فارساً فجعله في القواد فاشتهرت شجاعته ، ولما نشبت فتنة الاَمين والمأمون انتقل إلى عسكر هرثمة بن أعين وسار معه نحو ألفي مقاتل وخوطب بالاَمير ، ولما قتل الاَمين نقص هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه فخرج في نحو مائتي فارس فحصر عامل عين التمر وأخذ ما معه من المال ففرّقه في أصحابه ، ثم استولى على الاَنبار وذهب إلى الرقة وقد كثر جمعه فلقيه بهما ابن

________________________________________

    1 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 172.

    2 ـ الطبري : التاريخ : 7/117.

________________________________________

(365)

طباطبا العلوي (محمد بن إبراهيم) وكان قد خرج على بني العباس ، فبايعه أبو السرايا وتولّـى قيادة جنده ، واستوليا على الكوفة ، فضرب بها أبو السرايا الدرهم ، وسيّر الجيوش إلى البصرة ونواحيها ، وعمل على ضبط بغداد ، وامتلك المدائن وواسطاً ، واستفحل أمره ، وأرسل العمال والاَُمراء إلى اليمن والحجاز وواسط والاَهواز ، وتوالت عليه جيوش العباسيين فلم تضعضعه إلى أن قتله الحسن بن سهل وبعث برأسه إلى المأمون ونصبت جثته على جسر بغداد (1).

    وقد فصل أبو الفرج الكلام حول خروج أبو السرايا ولقائه مع محمد بن إبراهيم يرجع ملخصه إلى ما ذكره خير الدين ، ولذلك اقتصرنا عليه (2).

    و ليعلم أنّ القاسم الرسّي الذي يعتبر الاِمام الثاني للزيدية من فريق الاَئمة المجتهدين هو أخو محمد بن إبراهيم ، كما أنّ الاِمام الهادي الذي أسس دولة فيها هو حفيد القاسم الرسّي ، فالكل من أغصان الشجرة الطيبة العلوية.

________________________________________

    1 ـ خير الدين الزركلــي : الاَعلام : 3/82 نقلاً عن البداية والنهاية : 10/244 ومقاتل الطالبيين : 338 ، والطبري : التاريخ : 10/227.

    2 ـ انظر : أبو الفرج الاَصفهاني ، مقاتل الطالبيين : 518 ـ 536.تحقيق سيد أحمد صقر.

________________________________________

(366)

أصحاب الانتفاضة

8

محمد بن محمد بن زيد بن علي

(182 ـ 202 هـ)

    يحدّث صاحب المجدي عن أبيه فيقول : محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) وكان بليغاً ، وله أحد عشر ولداً ، منهم : محمداً الاَكبر وكان على عهد المأمون وهو صاحب أبي السرايا بعد ابن طباطبا قبره بمرو ، وكان سقي سماً (1).

    وقال ابن عنبة : وكان لمحمد بن زيد الشهيد عدّة بنين ، منهم محمد بن محمد ابن زيد. ولما خرج أبو السرايا وأخذ البيعة لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل (المذكور آنفاً) وتوفي « محمد » فجأة نصب أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن زيد هذا ، ولقبه « الموَيد » فندب الحسن بن سهل إليه هرثمة بن أعين ، فحاربه وأسره وحمله إلى الحسن بن سهل فحمله الحسن إلى المأمون ، فتعجب المأمون من صغر سنه وقال : كيف رأيت اللّه في الصنع بابن عمك؟ فقال محمد بن محمد بن زيد :

رأيت أمين اللّه في العفو والحلمفأعرض عن جهلي وداوي سقامه                وكان يسيراً عنده أعظم الجرمبعفو جرى عن جلده هبوه السقم

    وتوفي محمد بن محمد بن زيد بمرو وسقاه المأمون السم 202 هـ وهو ابن عشرين سنة ، فيقال : إنّه كان ينظر كبده يخرج من حلقه قطعاً فيلقيه في طشت ويقلبه بخلال في يده (2)

________________________________________

    1 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 184.

    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 300 ، لاحظ أيضاً مقاتل الطالبيين : 343 و 517 من الطبعة الاَُخرى.

________________________________________

(367)

أصحاب الانتفاضة

9

محمد بن القاسم بن علي بن عمر

ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

( ... ـ بعد 319 هـ)

قال صاحب المجدي : أمّا الوالد أي القاسم بن علي بن عمر فهو يكنى بـ « أبي علي » وكان شاعراً وقد اختفى ببغداد ، وأمّا الولد فقد أشخصه الرشيد من الحجاز وحبسه وأفلت من الحبس (1).

    وقال ابو الفرج : محمد بن القاسم يكنى أبا جعفر ، وكانت العامة تلقّبه الصوفي ، لاِنّه كان يُدْمِن لبس ثياب من الصوف الاَبيض ، وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب ، وكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية ، خرج في أيام المعتصم بالطالقان ، فأخذه عبد اللّه بن طاهر ووجّه به الى المعتصم (2).

    يقول المسعودي : وفي هذه السنة أي 219 هـ أخاف المعتصم ، محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمهم اللّه ، وكان بالكوفة من العبادة والزهد والورع في نهاية الوصف ، فلمّا خاف على نفسه هرب فصار إلى خراسان ، فتنقل في مواضع كثيرة من كورها كمرو ، وسرخس والطالقان ونسا ، فكانت له هناك حروب وكوائن وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير

________________________________________

    1 ـ النسابة العلوي : المجدي : 149.

    2 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 382.

________________________________________

(368)

من الناس ، ثم حمله عبد اللّه بن طاهر إلى المعتصم ، فحبسه في أزج اتخذه في بستان بسر من رأى. وقد تنوزع في محمد بن القاسم ، فمن قائل يقول : إنّه قتل بالسم ، ومنهم من يقول : إنّ ناساً من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ، واتخذوا سلالم من الجبال واللبود والطالقانية ونقبوا الاَزج وأخرجوه ، فذهبوا به فلم يعرف له خبر إلى اليوم ، وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت وهو سنة 333هـ (1)

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/464 ـ 465.

________________________________________

(369)

الفصل الثالث

    أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن

    قد تعرفت على أسماء وحياة الثائرين بعد زيد الشهيد إجمالاً ، وهوَلاء الاَماثل قاموا في وجه الظلم في مناطق مختلفة ، بصورة انتفاضات ناجحة وغير ناجحة.

    ويأتي الآن دور الثائرين الاَفاضل ، الموَسسين دولاً في قطر كبير من الاَقطار الثلاثة وهوَلاء عبارة عن :

    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في اليمن.

    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في طبرستان.

    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في المغرب.

    وإليك البيان ابتداء من أئمتهم في اليمن وأوّل ثائرهم وفي الحقيقة موَسس دولتهم هو :

 

1

يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا

    قال صاحب المجدي في حقّ والده : الحسين بن القاسم الرسّي كان سيداً كريماً ولد له يحيى ، وهو أبو الحسين الهادي ، الجليل ، الفارس ، الديّن ، إمام الزيدية وكان مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن مات سنة 298هـ وكان يتولى الجهاد بنفسه

 

________________________________________

(370)

ويلبس جبة صوف وكان قشفاً رحمه اللّه (1).

    وقال ابن عنبة : أمّا أبو عبد اللّه الحسين بن القاسم الرسي وكان سيداً كريماً ، فأعقب من رجلين :

    1 ـ أبو الحسين يحيى الهادي.

    2 ـ أبو محمد عبد اللّه السيد العالم.

    أمّا يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسّي يكنى أبا عبد اللّه ، كان إماماً من أئمة الزيدية ، جليلاً فارساً ، ورعاً ، مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن ويلقب بالهادي إلى الحقّ ، وكان يتولى الجهاد بنفسه ويلبس جبة صوف ، له تصانيف كبار في الفقه قريبة من مذهب أبي حنيفة ، وكان ظهوره باليمن أيام المعتضد سنة 280 هـ وتوفي هناك عام 298 هـ وخُطِبَ له بمكـة سبع سنين ، وأولاده أئمة الزيدية وملوك اليمن وقد ولي الحكومة بعد رحيل الهادي ولداه :

    1 ـ أبو القاسم محمد المرتضى ، قام بالاَمر بعد أبيه.

    2 ـ أحمد الناصر قام بالاَمر بعد تنازل أخيه.

    وسيوافيك ترجمة الوالد والولدين في الفصل السادس المختص ببيان أعلامهم المجتهدين ، وإليك أسماء الاَئمة الذين كان لهم الحكم إلى قيام الجمهورية عام 1382هـ.

    وقد توالت الاِمامة من عقب الاِمام يحيى بعد الولدين إلى قيام الجمهورية العربية في أرض اليمن إلاّ في فترات قليلة ، فلاَجل إيقاف القارىَ على أسمائهم نأتي بالقائمة التالية ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المعدّة لذلك.

________________________________________

    1 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 78.

(371)

سلسلة أئمة الزيدية في اليمن :

    قد قام غير واحد من الزيدية بذكر أئمتهم حسب التسلسل الزمني ، وتصدّيهم لاَمر الاِمامة منهم :

    أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ) في مقدمة البحـر الزخار قال : « باب في تعداد أئمة الزيدية » والمقصود الدعاة دون المقتصدين هو مرتب على مراتبهم في القيام ( عليهم السلام ) أولهم علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه بويع له في المدينة ...

    ثم ولده الحسن بن علي قام يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان ...

    ثم أخوه الحسين بن علي قام حين أتى نعي معاوية ...

    ثم الحسن بن الحسن قام ودعا وبايعه خلق كثير ...

    ثم زيد بن علي قام يوم الاَربعاء ...

    ثم يحيى بن زيد قام ودعا ...

    ثم ساق أسماء الاَئمة إلى والده الاِمام المهدي علي بن محمد بن علي بن منصور بن يحيى بن مفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن الاِمام يوسف الداعي بن يحيى بن أحمد الناصر بن الهادي إلى الحق ولد سنة 705 هـ وتوفي سنة 774هـ. (1).

    ولا تعجب من ذكر الاِمام علي بن أبي طالب والحسنين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن علي دون الاِمام زين العابدين ، من أئمة الزيدية مع أنّ زيداً تولد وقام بالدعوة بعد قرن وربع وذلك لاَجل أنّ المراد من الزيدية هي يتَّبعُ المنهج

________________________________________

    1 ـ البحر الزخار : 225 ـ 231 ، آخر كتاب الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر.

________________________________________

(372)

الخاص في باب الاِمامة وهو الذي قام ودعا إلى إمامته وبويع وخرج ، وله من الموَهلات والمواصفات المذكورة في بابها ، والاِمام والسبطان مشوا على هذا الدرب دون الاِمام السجاد ( عليه السلام ).

    وممن قام بتدوين أسماء وحياة أئمة الزيدية موَلف كتاب « التحف شرح الزلف » فقد نظم أسماء الاَئمة نظماً وشرحها شرحاً ، والموَلف أُنموذج السلف السيد مجد الدين بن محمد بن منصور الحسن الموَيدي شيخ الزيدية في العصر الحاضر باليمن فقد أتى بأسمائهم وقليلاً من حياتهم إلى الاِمام المتوكل على اللّه يحيى بن الاِمام المنصور باللّه محمد بن يحيى الذي قام بعده وفاة أبيه سنة 1322هـ قال : فجنّد الجنود وخفقت له الرايات ، وصفت البنود ، وفي أيامه النعمة الكبرى والمنة العظمى إخراجه الاَتراك وإجلاوَهم من اليمن وفي هذا التاريخ (1365هـ) أوامره ونواهيه في أرض اليمن جارية (1).

    وقد سبق زمن تأليف الكتاب على دعوة الاِمامين بعد المتوكل ولم يذكر منهما شيئاً أعني :

    1 ـ الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى حميد الدين (ت 1382هـ).

    2 ـ المنصور باللّه محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين.

    حيث لم يحكم الثاني إلاّ أياماً قلائل وأُزيل عن الحكم بقيام الثورة وإعلان الجمهورية بقيام أحد العسكريين باسم السلال عام 1383هـ.

    وبما أنّا استوفينا ذكر الاَئمة الدعاة حتى عصر الاِمام يحيى الهادي نذكر سلسلة الزيدية بعد عصره إلى زماننا هذا ، وقد استخرجت القائمة من عدّة مصادر ولم نذكر فيها الدعاة الذين ليسوا بأئمة بل هم حسب مصطلح الزيدية مقتصدون ،

________________________________________

    1 ـ التحف شرح الزلف : 194 ولاحظ أيضاً كتاب اليمن عبر التاريخ : 250 ـ 259 تأليف أحمد حسين شرف الدين وهو يذكر أئمّة الزيدية باليمن فقط.

________________________________________

(373)

وقد عقد في البحر الزخار باباً لاَسماء هوَلاء أيضاً (1).

    وقد استعنت في تنظيم القائمة ، أحد الفضلاء أعني الشيخ علي اليمني دامت إفاضاته.

    1 ـ الاِمـام المرتضى لديـن اللّه محمـد بن يحيى وهو ابن الهادي يحيى بن الحسين ، بويع له بالاِمامة في غرة محرم سنة 299 هـ بعد وفاة الهادي واستمر في الحكم عشرة أشهر ثم تنازل عن الحكم لما رأى من تخاذل بعض الناس ، وتوفي في أيام أخيه الناصر أحمد سنة عشر وثلاثمائة وعمره اثنتان وثلاثون سنة ، وكان يلقب بجبريل الاَرض لنسكه ، ودفن بجوار الهادي في مدينة صعدة في اليمن.

    2 ـ الاِمام الناصر أحمد بن الهادي يحيى بن الحسين ، بويع له بعد تنازل المرتضى محمد وكان حين وفاة الهادي في الحجاز ثم قدم بعد ذلك ، وكانت له حروب مع القرامطة وهزمهم في جميعها وصفت له أكثر اليمن ، واستمر في الحكم حتى توفي سنة ثلاثمائة وخمسة وعشرين ودفن بجوار أبيه وأخيه.

    3 ـ المنصور باللّه القاسم بن علي بن عبد اللّه العياني قام ببلاد خثعم من أرض الشام ثم خرج إلى اليمن وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة بقرية عيان شمال اليمن وهو من ذرية محمدبن القاسم بن إبراهيم طباطبا.

    4 ـ الاِمام الناصر أبو الفتح الديلمي وهو أبو الفتح بن الحسين بن محمد من ذرية علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قام في بلاد الديلم شمال إيران في عام ثلاثين وأربعمائة ، ثم خرج إلى اليمن فاستولى على أكثر اليمن واستشهد سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة في وقعة بينه وبين علي بن محمد الصليحي.

________________________________________

    1 ـ البحر الزخار : المقدمة/225 ، والمراد من المقتصدين هم الذين لم يتمكنوا من الخروج وإن كانت لهم دعوة.

________________________________________

(374)

    5 ـ الاِمام المتوكل على اللّه أحمد بن سليمان من ذرية الناصر أحمد بن الهادي ، استولى على جميع اليمن وخطب له بينبع وخيبر وتوفي في ربيع سنة ست وخمسين وخمسمائة عن ست وستين سنة.

    6 ـ الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة ينتهي نسبه إلى عبد اللّه بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم طباطبا ، دعوته سنة أربع وتسعين وخمسمائة ويعتبر مجدد المذهب الزيدي في القرن السابع الهجري ، توفي في محرم سنة أربع عشرة وستمائة عن عمر يناهز الثانية والخمسين.

    7 ـ الاِمام المهدي أحمد بن الحسين من ذرية محمد بن القاسم بن إبراهيم طباطبا ، دعا إلى اللّه سنة ست وأربعين وستمائة وقتل سنة ست وخمسين وستمائة.

    8 ـ الاِمام المنصور باللّه الحسن بن بدر الدين دعا في الخامس والعشرين من شوال سنة سبع وخمسين وستمائة وتوفي سنة سبعين وستمائة عن أربع وسبعين عاماً.

    9 ـ الاِمام المتوكل على اللّه المطهر بن يحيى وكانت دعوته سنة ست وسبعين وستمائة وتوفي في سنة سبع وتسعين وستمائة.

    10 ـ الاِمام المهدي محمد بن المطهر وكانت دعوته سنة إحدى وسبعمائة وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عن سبعين عاماً ، ويعتبر من المجددين للمذهب الزيدي في القرن الثامن.

    11 ـ الاِمام الموَيد باللّه يحيى بن حمزة ينتهي نسبه إلى الاِمام علي بن موسى الرضا من جهة الاِمام الجواد ( عليه السلام ) ثم الاِمام علي الهادي ( عليه السلام ) وكان قيامه سنت تسع وعشرين وسبعمائة وتوفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

    12 ـ الاِمـام المهدي لدين اللّه علي بن محمد ، كانت ولادته سنـة سبعمائة وخمسة للهجرة ودعوته سنة سبعمائة وخمسين للهجرة وتوفي في جمادي

 

________________________________________

(375)

الآخرة سنة سبعمائة وأربعة وسبعين للهجرة وقيل في ربيع الاَوّل من نفس العام.

    13 ـ الاِمـام الهادي لدين اللّه علي بن الموَيد ، كانت دعوتـه سنــة سـت وسبعمائة وتوفي في العاشر من محرم سنة ست وثلاثين وثمانمائة عن ثمانين سنة ، ومدّة حكمه ما يقرب من أربعين سنة.

    14 ـ الاِمام المهدي لدين اللّه أحمد بن يحيى المرتضى ، ولادته سنة سبعمائة وأربعة وستين وكانت دعوته سنة سبعمائة وثلاثة وتسعين فأُسر وحبس فلمّا آيس الهادي علي بن الموَيد من خروجه من الحبس دعا لنفسه ، وتوفي المهدي في سنة ثمانمائة وأربعين للهجرة.

    15 ـ الاِمام المتوكـل على اللّه المطهـر بن محمد وهو من ذرية عبد اللّه بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم طباطبا.

    كان قيامه في سنة ثمانمائة وإحدى وأربعين وتوفي في صفر سنة تسع وسبعين وثمانمائة.

    16 ـ الاِمام الهادي عز الدين بن الحسن ، كانت دعوته في تسعة شوال سنة ثمانين وثمانمائة ويعتبر مجدداً للدين في القرن التاسع الهجري ، وحكم اليمن ومكّة وكانت وفاته في رجب سنة تسعمائة عن خمس وخمسين عاماً.

    17 ـ الاِمام المتوكل على اللّه يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن الاِمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ، كانت بيعته في جمادي الاَُولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة وفي أيامه خرج الجراكسة والاَتراك من اليمن وتوفي سنة خمس وستين وتسعمائة وهو ابن سبع وثمانين سنة.

    18 ـ الاِمام الهادي الحسن بن عز الدين ، كانت دعوته أواخر أيام الاِمام شرف الدين وذلك بإشارة من الاِمام شرف الدين بعد ذهاب بصره ، فبويع له سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وتوفي سنة سبع وثمانين وتسعمائة عن سبع وسبعين سنة.

 

________________________________________

(376)

    19 ـ الاِمام الناصر لدين اللّه الحسن بن علي بن داود ، بويع له سنة أربع وثمانين وتسعمائة ، أسّره الاَتراك سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة في سادس عشر من شهر رمضان وسجن في اليمن سنة ثم أُرسل إلى القسطنطينية وبقي مسجوناً إلى أن توفي سنة أربع وعشرين وألف للهجرة.

 

    20 ـ الاِمام المنصور باللّه القاسم بن محمد بن علي ، بويع له في محرم سنة ألف وستة هجرية ، وهو مجدد القرن الحادي عشر ، وهو وأولاده الذين أخرجوا الاَتراك من اليمن وتوفي سنة ألف وتسعة وعشرين هجرية.

    21 ـ الاِمام الموَيد باللّه محمد بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة أبيه القاسم بن محمد وتوفي بعد صلاة الجمعة في اليوم الثامن من شهر رجب في سنة ألف وأربع وخمسين للهجرة ، وفي أيامه تم خروج الاَتراك نهائياً من اليمن.

    22 ـ الاِمام المتوكل على اللّه إسماعيل بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة الموَيد سنة أربع وخمسين وألف وتوفي في جمادي الآخر سنة سبع وثمانين وألف وامتدّ حكمه إلى ظفار عمان.

    23 ـ الاِمام المنصور باللّه القاسم بن الموَيد باللّه محمد بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة عمه المتوكل على اللّه إسماعيل وتوفي سنة ألف وسبعة وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها وآله السلام.

    24 ـ الاِمام الموَيد باللّه محمد بن المتوكل على اللّه إسماعيل ، دعا بعد وفاة الموَيد وتوفي سنة سبع وتسعين وألف للهجرة.

    25 ـ الاِمام المتوكل على اللّه إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه الكبسي المغلس دعوته سنة إحدى وعشرين ومائتين وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائتين ويعتبر مجدداً للمذهب الزيدي في القرن الثاني عشر.

    26 ـ الاِمـام المنصور باللّه أبو محمد أحمد بن هاشم بن المحسن ، كانت

 

________________________________________

(377)

دعوته سنة ألف ومائتين وأربع وستين وتوفي سنة ألف ومائتين وتسع وستين.

    27 ـ الاِمام المنصور باللّه محمد بن عبد اللّه الوزير ، كانت دعوته سنة ألف ومائتين وسبعين ثم اعتزل بعد سنة من قيامه وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة.

    28 ـ الاِمام المتوكل على اللّه المحسن بن أحمد الحوثي ، كانت دعوته في سنة ألف ومائتين وإحدى وسبعين وتوفي سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين.

    29 ـ الاِمام المهدي لدين اللّه أبو القاسم محمد بن القاسم بن إسماعيل الحسيني يرجع نسبه إلى الاِمام يحيى بن حمزة الحسيني ، كانت دعوته سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين للهجرة ثم أُخذ بعد ذلك وسجنه الاَتراك وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وتسعة عشر للهجرة.

    30 ـ الاِمام الهادي لدين اللّه شرف الدين بن محمد الحسيني ، يرجع نسبه إلى الاِمام يحيى بن حمزة الحسيني خرج أواخر القرن الثالث عشر أثناء سجن الاِمام المهدي وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة.

    31 ـ الاِمام المنصور باللّه محمد بن يحيى بن محمد حميد الدين وهو من ذرية الاِمام القاسم بن محمد ، دعا سنة سبع وثلاثمائة وهو وابنه الاِمام يحيى حميد الدين من أخرج الاَتراك من اليمن وتوفي سنة ألف وثلاثمائة واثنين وعشرين.

    32 ـ الاِمام المتوكل على اللّه يحيى بن محمد حميد الدين ، دعا بعد وفاة والده المنصور باللّه محمد في سنة ألف وثلاثمائة واثنين وعشرين ، وهو الذي أخرج الاَتراك نهائياً من اليمن وله المنة الكبرى في إبقاء اليمن بعيداً عن الاستعمار والاَجانب ، واستمرّ حكم الاِمام يحيى حتى استشهد سنة ألف وثلاثمائة وسبع وستين.

    هوَلاء هم الاَئمة الذين حكموا اليمن بعد الهادي يحيى بن الحسين وهم

 

________________________________________

(378)

الذين أجمعوا على إمامتهم وكان هناك غيرهم ممن حكم اليمن إلاّ أنّهم لم يصلوا إلى درجة الاِمامة عندهم وهم إمّا دعاة أو محتسبون ، وجاء بعد الاِمام يحيى من أخذ بثأره الاِمام أحمد بن يحيى حميد الدين كان عالماً جليلاً وفارساً شجاعاً وكان عادلاً في حكمه إلاّ أنّه لم تكتمل شروط الاِمامة فيه واستمر حكمه إلى سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة وثمانين للهجرة.

 

________________________________________

(379)

الفصل الرابع

أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان

    وقد أسّس بعض الثائرين على منهج زيد الثائر دولة زيدية في طبرستان ، وهم بين داع وإمام ، أو بين إمام جهاد ، وإمام اجتهاد ، نعم هنا مشكلة وهو اجتماع إمامين في عصر واحد وإن كانا في قطرين ، وسيوافيك أنّ الناصر الاَطروش من أئمة الزيدية في طبرستان كان معاصراً مع الاِمام الهادي يحيى بن الحسين الذي توفي 298هـ ، وإليك أسماءهم وقليلاً من حياتهم :

    1 ـ الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 270هـ) .

    قال المسعودى : وفي خلافة المستعين وذلك في سنة 250هـ ، ظهر ببلاد طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل ، بن الحسن ، بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنهم ـ فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد وما زالت في يده إلى أن مات سنة سبعين و مائتين (1).

    وقال الجزري : وفيها توفي الحسن بن زيد العلوي ، صاحب طبرستان ، في رجب وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وستة أيام ، وولي مكانه أخوه

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 4/68.

________________________________________

(380)

محمد بن زيد.

    وكان الحسن جواداً مدحه رجل فأعطاه عشرة آلاف درهم ، وكان متواضعاً للّه تعالى.

    حكى عنه أنّه مدحه شاعر فقال : اللّه فرد ، وابن زيد فرد ، فقال : بفيك الحجر ، ياكذاب ، هلا قلت اللّه فرد ، وابن زيد عبد. ثم نزل عن مكانه ، وخرّ ساجداً للّه تعالى ، وألصق خده بالتراب وحرم الشاعر (1).

    2 ـ أخوه : محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل ، فقام مكانه أخيه « الحسن » وحاربه رافع بن هرثمة ودخل محمد بن زيد إلى الديلم في سنة 277هـ ، فصارت في يده وبايعه بعد ذلك رافع بن هرثمة ، وصار في جملته وانقاد لدعوته والقول بطاعته (إلى أن توفي سنة 287هـ بعد ما أُثخن في معركة الحرب مع السامانيين) وكان الحسن بن زيد ومحمد بن زيد يدعوان إلى الرضا من آل محمد وكذلك من طرأ بعدهما ببلاد طبرستان (2).

    3 ـ الاِمام الناصر للحقّ الاَطروش ، أبو محمد : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الاَشرف (3) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (032 ـ 304هـ) وستوافيك ترجمته في الفصل القادم.

    4 ـ الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ت 316هـ).

    قال الموَيدي : هو الاِمام الداعي إلى اللّه أبو محمد الحسن بن القاسم بن

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل : 7/407.

    2 ـ المسعودي : مروج الذهب : 4/68.

    3 ـ إنّما يوصف بالاَشرف لكونه من جانب الاَب والاَُمّ علوياً في مقابل عمر الاَطرف إذ كان علوياً من جانب الاَب.

(381)

الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري : كان هذا الاِمام من أركان الناصر للحق الحسن بن علي الاطروش ، وكان يضرب بعدله المثل ، واستشهد سنة ست عشرة وثلاثمائة وله اثنتان وخمسون سنة ، وأقام أود الدين الحنيف في نيسابور والري ونواحيهما وفي الجبل والديلم.

    وقال الموَيدي في الزلف :

كذا الحسن بن القاسم بن الفرد بعده              فلم يبق في جيلان للحقّ مانع (1)

    5 ـ محمـد بن الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ت 360هـ).

    قال الموَيدي : هو الاِمام أبو عبد اللّه المهدي لدين اللّه محمد بن الاِمام الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن السبط.

    وهذا الاِمام الذي جمع بين القاسمية والناصرية بعد التباين العظيم بسبب الاختلاف في الاجتهاد فأظهر القول بأنّ كل مجتهد يصيب في الاجتهاديات وهو الذي قيل فيه لو مادت الاَرض لشيء لعظمه لمادت لعلم أبي عبد اللّه الداعي ووالده الاِمام الحسن بن القاسم الذي تقدم بعد الاِمام الناصر الاطروش.

    قام ببغداد ثم وصل الديلم وبايعه من علماء الاَُمّة أربعة آلاف ، سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة قبضه اللّه بـ « هوسم » سنة 360هـ ، روي عن الاِمام أبي طالب أنّه مات مسموماً (2).

    وبذهاب هوَلاء ، ذهبت الدولة الزيدية في طبرستان ولهم إلى الآن آثار وقبور تزار.

________________________________________

    1 ـ مجد الدين الموَيدي : التحف شرح الزلف : 72 ـ 73.

    2 ـ التحف شرح الزلف : 83 ـ 84.

________________________________________

(382)

الفصل الخامس

الدولة الزيدية في المغرب

الادارسة :

    كان لعبد اللّه المحض أي عبد اللّه بن الحسن بن الحسن السبط ( عليه السلام ) ستة أبناء قد ذكرنا أسماءهم عند ذكر ثورة محمد بن عبد اللّه النفس الزكية ، منهم :

 

1 ـ إدريس بن عبد اللّه المحض :

    قال المسعودي : لما خرج محمد بن عبد اللّه المحض المعروف بالنفس الزكية تفرق إخوته في البلاد ، يدعون إلى إمامته ، فكان فيمن توجه ، ابنه علي بن محمد إلى مصر ، فقتل هناك ، وسار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس ، وسار إخوة موسى إلى الجزيرة ، ومضى أخوه يحيى إلى الريّ ، ثم إلى طبرستان ، ومضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس فبعث المنصور من اغتاله بالسم فيما احتوى عليه من مدن المغرب (1).

    قال العلوي العمري النسابة : كان إدريس بن عبد اللّه مع الحسين صاحب

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/396.

________________________________________

(383)

الفخ (1) ، فلما قتل الحسين انهزم حتى لحق بالمغرب فسمّ هناك (2).

    وقال ابن عنبة : لما قتل الحسين انهزم إدريس حتى دخل المغرب فسمّ هناك بعد أن ملك ، وكان قد هرب إلى فاس وطنجة ومعه مولاه راشد ودعاهم إلى الدين فأجابوه وملكوه ، فاغتم الرشيد (هارون) لذلك حتى امتنع من النوم ودعا سليمان ابن جرير الرقي متكلم الزيدية وأعطاه سماً ، فورد سليمان بن جرير متوسماً بالمذهب فسرّ به إدريس بن عبد اللّه ثم طلب منه عزة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم فهرب ، فخرج راشد خلفه فضربه على وجهه ضربة منكرة وفاته ، وعاد وقد مضى إدريس لسبيله.

    كانت بيعة إدريس بن عبد اللّه في شهر رمضان سنة 172هـ واستمر بالاَمر إلى ست سنين إلاّ ستة شهر (3).

    وقال الزركلي : إدريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب : موَسس دولة الاَدارسة في المغرب وإليه نسبتها ، أوّل ما عرف عنه أنّه كان مع الحسين بن علي بن الحسن المثلث ، في المدينة أيام ثورته على الهادي العباسي سنة 169هـ ثم قتل الحسين ، فانهزم إدريس إلى مصر فالمغرب الاَقصى سنة 172هـ ، ونزل بمدينة وليلي (على مقربة من مكناس وهي اليوم مدينة قصر فرعون) وكان كبيرها يومئذ إسحاق بن محمد فعرّفه إدريس بنفسه ، فأجاره وأكرمه ، ثم جمع البربر على القيام بدعوته ، وخلع طاعة بني العباس ، فتم له الاَمر (يوم الجمعة 4 رمضان 172هـ) فجمع جيشاً كثيفاً وخرج به غازياً فبلغ بلاد تادَلة

________________________________________

    1 ـ فخ ـ بفتح أوّله وتشديد ثانيه ـ واد بمكة قتل فيه الحسين بن علي بن الحسن العلوي يوم التروية سنة 169 هـ وقتل معه جماعة من أهل بيته وفيه دفن عبد اللّه بن عمرو جماعة من الصحابة ، انظر مراصد الاِطلاع ، ما دة فخ.

    2 ـ النسابة العلوي العمرى : المجدي : 62.

    3 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 157 ـ 158.

________________________________________

(384)

(قرب فاس) ففتح معاقلها ، وعاد إلى وليلي ، ثم غزا تلمسان فبايع له صاحبها ، وعظم أمر إدريس فاستمر إلى أن توفي مسموماً في وليلي في عام 177 هـ وهو أول من دخل المغرب من الطالبيين ، ومن نسله الباقي إلى الآن في المغرب شرفاء العلم (العلميون) والشرفاء الوزانيون ، والريسيون ، والشبيهيون ، والطاهريون الجوطيون ، والعمرانيون ، والتونسيون (أهل دار القيطون) والطالبيون ، والغالبيون ، والدباغيون ، والكتانيون ، والشفشاويون ، والوَدْغيريون ، والدرقاويون ، والزكاريون (1).

 

2 ـ إدريس بن إدريس بن عبد اللّه المحض :

    يقول ابن عنبة : وأعقب إدريس بن عبد اللّه المحض من ابنه إدريس وحده ، وكان إدريس بن إدريس لما مات أبوه حملاً ، وأُمه أم ولد بربرية ، ولما مات إدريس ابن عبد اللّه وضعت المغاربة التاج على بطن جاريته أُم إدريس فولدته بعد أربعة أشهر ، قال الشيخ أبو نصر البخاري : قد خفي على الناس حديث إدريس لبعده عنهم ونسبوه إلى مولاه راشد ، وقالوا : « إنّه احتال في ذلك لبقاء الملك له ، ولم يعقب إدريس بن عبد اللّه وليس الاَمر كذلك فإنّ داود بن قاسم الجعفري وهو أحد كبار العلماء وممن له معرفة بالنسب ، حكى أنّه كان حاضراً قصة إدريس بن عبد اللّه وسمّه وولادة إدريس بن إدريس ، قال : وكنت معه بالمغرب فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجهاً ، وقال الرضا بن موسى الكاظم ( عليهما السلام ) : « إدريس بن إدريس ابن عبد اللّه من شجعان أهل البيت واللّه ماترك فينا مثله » وقال أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحق بن عبد اللّه بن جعفر الطيار : أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه ـ أبياتاً شعرية ـ.

________________________________________

    1 ـ الزركلي : الاَعلام : 1/ 279.

________________________________________

(385)

    وكان لاِدريس بن إدريس بن عبد اللّه المحض أحد عشر رجلاً وبنتين : رقية وأُم محمد ، ولكنه أعقب من سبعة ، وهم :

    1 ـ القاسم 2 ـ عيسى 3 ـ عمر 4 ـ داود 5 ـ يحيى 6 ـ عبد اللّه 7 ـ حمزة.

    وقد قيل : إنّه أعقب من غير هوَلاء أيضاً ولكل منهم ممالك في بلاد المغرب هم بها ملوك إلى الآن (1).

    وفي تعليقة الكتاب : والذي أولدهم إدريس بن إدريس أحد عشر رجلاً ، وبنتين : رقية وأُم محمد ، والذي أعقب فيهم سبعة ، والذي ملك الاَمر منهم في بلاد المغرب محمد واستمر بالاَمر ثماني سنين ثم توفي في شهر ربيع الاَوّل سنة 221 هـ ، وقام بعده أولاده ثم أحفاده وكان آخرهم الحسن بن القاسم كنون بن محمد بن القاسم بن إدريس الذي تولى الملك سنة 348 وقتل سنة 375 وبموته انقرضت دولة الاَدارسة من بلاد المغرب وقد ملكوا الاَمر 200 سنة تقريباً.

    وقال ابن عذارى المراكشي : أخذت الهجرات العربية تنثال على مراكش من أفريقية والاَندلس ، فقرر إدريس الثاني تأسيس عاصمة له وشرع في إنشاء مدينة فاس عام 192 هـ حيث سكن البربر المنطقة الشرقية والعرب المنطقة الغربية ، وقد أصبحت هذه المدينة مركزاً من أكبر مراكز الاِسلام علمياً ودينياً وتجارياً وصناعياً.

    قام إدريس الثاني بحملات عسكرية في جبال أطلس وظل يتنقل بعدها بين فاس وتلمسان ووليله إلى أن مات مسموماً عام 213 هـ في ظروف غامضة.

    ترك اثني عشر ولداً هم : محمد وأحمد و عبد اللّه وعيسى وإدريس وجعفر

________________________________________

    1 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 159 ومعنى ذلك بقاء حكمهم وسلطتهم إلى أوائل القرن التاسع.

________________________________________

(386)

ويحيى وحمزة وعبد اللّه والقاسم وداود ويحيى ، ولّي منهم : محمد بن إدريس ، ففرّق البلاد على إخوته بأمر جدته البربرية « كنزة » ولكن الخلاف نشأ بين بعض الاِخوة ولم تستقرّ بعدها دولة الاَدارسة بسبب منازعة الخوارج لهم برئاسة عبد الرزاق الخارجي الصفري إلى أنّ انتهت عام 323هـ(1).

    وقال الزركلي : إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ، أبو القاسم : ثاني ملوك الاَدارسة في المغرب الاَقصى ، وباني مدينة فاس. ولد في وليلي (بجبل زرهون. على نحو 30 كم من مكناس) وتوفي أبوه وهو جنين ، فقام بشوَون البربر راشد (مولى أبيه إدريس الاَوّل وأمينه) وقتل راشد سنة 186هـ فقام بكفالة إدريس أبو خالد العبدي ، حتى بلغ الحادية عشر ، فبايعه البربر في جامع وليلي سنة 188هـ فتولّى ملك أبيه وأحسن تدبيره وكان جواداً فصيحاً حازماً ، أحبته رعيته. واستمال أهل تونس وطرابلس الغرب والاَندلس إليه (وكانت في يد العباسيين بالمشرق ، يحكمها ولاتهم) وغصت وليلي بالوفود والسكان فاختلط مدينة « فاس » سنة 192 هـ وانتقـل إليها. وغزا بلاد المصامدة فاستولى عليها ، وقبائل نفزة (من أهل المغرب الاَوسط) فانقادت إليه ، وزار تلمسان ـ وكان أبوه قد افتتحها ـ فأصلح سورها وجامعها وأقام فيها ثلاث سنوات ، ثم عاد إلى فاس. وانتظمت له كلمة البربر وزناتة ، واقتطع المغربين (الاَقصى والاَوسط) عن دولة العباسيين من لدن السوس الاَقصى إلى وادي شلف. وصفا له ملك المغرب وضرب السكة باسمه وتوفي بفاس (2) في 312هـ. وكان قد ولد عام 771هـ وبذلك يكون عمره 36عاماً.

________________________________________

    1 ـ ابن عذارى المراكشي : البيان المغرب في أخبار الاَندلسي والمغرب : 210 كما في الزيدية للدكتور أحمد محمود صبحي : 113.

    2 ـ الزركلي : الاَعلام : 1/ 278.

________________________________________

(387)

الفصل السادس

الاَعلام المجتهدون من الزيدية

    إنّ أعلام الزيدية بين إمام جهاد واستشهاد وإمام فقه واجتهاد ، فمن الطبقة الاَُولى :

    1 ـ يحيى بن زيد.

    2 ـ محمد النفس الزكية.

    3 ـ إبراهيم بن عبد اللّه.

    4 ـ عيسى بن زيد.

    5 ـ الحسين الفخيّ.

    6 ـ يحيى بن عبد اللّه .

    7 ـ ابن طباطبا.

    8 ـ محمد بن محمد بن زيد ، وغيرهم.

    وقد تعرفت على موجز أحوالهم وجهادهم واستشهادهم.

    نعم هناك أئمة فقه واجتهاد أشادوا هذا المذهب بتفكيرهم وبجهادهم العلمي المتواصل عبر القرون منضماً إلى حروبهم مع المتمردين والظالمين ، وها

 

________________________________________

(388)

نحن نأتي على ذكر لفيف منهم مع الاِشارة إلى حياتهم وتأليفاتهم ، وأفضل مرجع لدراسة أحوالهم إلى القرن السابع ، كتاب « الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية » ، تأليف أبي الحسن حسام الدين حميد بن أحمد المحلي (582ـ 652هـ).

    وقد ألّف في ذلك المجال كتب تتضمن حياة أئمة الزيدية نشير إلى أسمائها :

    1 ـ « قرة العيون في أخبار اليمن الميمون » لوجيه الدين عبد الرحمن بن علي (ت944هـ) نشرها القاضي محمد بن علي الاَكوع.

    2 ـ « مصـادر الفكر العربي الاِسلامي » في اليمـن لعبد اللّه الحبشي ، طبع بيروت ـ 1978 م.

    3 ـ « اتحاف المهتدين بذكر الاَئمة المجدّدين » لمحمد بن محمد بن يحيى « زبارة » (ت 1380هـ).

    4 ـ « البـدر الطالـع بمحاسن من بعد القرن السابــع » للشوكاني (ت 1250هـ).

    5 ـ « حكام اليمن المجتهدون » لعبد اللّه محمد الحبشي ، طبع بيروت.

    6 ـ « مطلـع البدور ، ومجمـع البحــور » لابن أبي الرجــال صفـي الدين (ت 1092هـ) مخطوط.

    7ـ « طبقات الزيديّة » تأليف إبراهيم بن القاسم الشهاري (ت 1153هـ) مخطوط.

    إلى غير ذلك ممّايقف عليه المتتبع في آثار الزيدية.

 

________________________________________

(389)

1

أحمد بن عيسى بن زيد بن علي

(157 ـ 247 هـ)

    الاِمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) يكنّى أبا عبد اللّه ، وأُمّه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العباس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

    ولد يوم الثاني من شهر محرم الحرام سنة 157هـ ، توفي والده وهو صغير السن.

    قال أبو الفرج الاَصفهاني : إنّه وُشيَ إلى هارون بأحمد بن عيسى والقاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين فأمر بإشخاصهما إليه من الحجاز فلمّا وصلا إليه ، أمر بحبسهما فحبسا في سعة عند الفضل بن الربيع مكاناً عنده قال : فاحتال بعض الزيدية فدسّ إليهما فالوذجاً في حاجات أحدهما مُبْنج فأطعما المُبْنج الموكّلين فلمّا علما إلى ذلك قد بلغ فيهم خرجا ، ـ إلى أن قال : ـ ولم يزل مدّة ببغداد مستتراً ، وقد بلغ الرشيد خبره ، فوضع الرصد في كل موضع ، وأمر بتفتيش كل دار ، يتّهم صاحبهما بالتشيع وطلب أحمد فيها ، فلم يزل ذلك دأبه حتى أمكنه التخلص فمضى إلى البصرة فأقام بها (1).

    وقال الذهبي : أحمد بن عيسى بن زيد له كتاب « الصيام » روى عن حسين (يريد الحسين بن علوان) روى عنه محمد بن منصور الكوفي (2).

    وقال السيد الموَيّدي : الاِمام أبو عبد اللّه أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 408 ـ 409.

    2 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 1/127 برقم 512.

________________________________________

(390)

الحسين السبط ( عليهم السلام ) فقيه آل محمد ، وله الاَمالي المعروفة بعلوم آل محمد سمّاها الاِمام المنصور باللّه « بدائع الاَنوار » توفي وقد جاوز الثمانين سنة 247هـ وقد كان حبسه الرشيد ثم أخرجه اللّه تعالى وبقي في البصرة إلى أن توفّي.

    أولاده : محمد وعلي (1).

    أقول : يروي عن حسين بن علوان كثيراً ومحمد بن بكر العلائي ، وعن محمد ابن بكر عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ).

    وروى عنه : ابناه : علي ومحمد ، ومحمد بن المنصور المرادي بواسطة ابنيه المذكورين وبلا واسطة ولم يرو عن أبيه.

    وأمّا كتاب الاَمالي فهو الذي طبع باسم « رأب الصدع » في ثلاثة أجزاء بتحقيق العلامة علي بن إسماعيل بن عبد اللّه الموَيد الصنعاني وصدر عن دار النفائس ببيروت عام 1410هـ وقال محقق الكتاب إنّه كصحيح البخاري عند أهل البيت النبوي الشريف (2).

    وقد أخرج الموَلف فيه 2790 حديثاً عن الرسول وأئمة أهل البيت والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ، وقد أكثر النقل عن النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن غير طريق علي وأبنائه ( عليهم السلام ) ، كما حدّث عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) والكتاب جدير بالمطالعة والدراسة والاستفادة والاعتماد عليه ، عند صحّة السند ، فلا يتمّ جامع حديثي للشيعة إلاّ بنقل ما ورد فيه عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ.

    وقد استخرج المحقّق ـ المغفور له ـ مصادر ما رواه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن طريق الصحابة والتابعين ، وقصرت يده عن استخراج ما رواه عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن المصادر الحديثية الشيعيّة ، ليكون آية للصحة والاِتقان. وذيّل الجزء الثالث برسالة أسماها : « تعريف برواة الاَحاديث والآثار الواردة في الكتاب » وهي ممتعة.

    الجامع لاَحاديثه هو أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد المرادي. وإليك

________________________________________

    1 ـ الموَيدي : التحف شرح الزلف : 45.

    2 ـ رأب الصدع : 1/11.

(391)

سند الحديث الاَوّل :

    أخبرنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد ، قال : حدثني أحمد بن عيسى بن زيد عن حسين بن علوان ، عن أبي خالد ، عن زيد عن آبائه عن علي ( عليه السلام ) وإليك ترجمتهم :

    1 ـ محمد بن منصور بن يزيد (1) ولقد رجعت في ترجمة محمد بن منصور المرادي إلى العلامة بدر الدين أحد العلماء الكبار في اليمن والذي يزور حالياً الجمهورية الاِسلامية في إيران ، وحرّر شيئاً ما هذا ملخصه :

 

ترجمة محمد بن منصور الكوفي المرادي موَلف الامالي :

    قال العلامة أحمد بن صالح ابن أبي الرجال أحد كبار علماء الزيدية في كتابه مطلع البدور :

    شيخ العترة والشيعة ، عذب الشريعة ، لمن أراد بحار الشريعة محمد بن منصور المقري المرادي كان الاَئمة يجلّونه إجلال الاَب الكريم وهو ينزلهم في منزلهم الشريف العظيم ، وكان شيخاً معمّراً قد ذكر في عمره بخط بعض الطلبة كلام لم يتفق عندي فانقله.

    وهو الذي جمع أمالي أحمد بن عيسى ، وهو أحد الاَربعة الذين اعتمد عليهم في الجامع الكافي ، لاَنّ موَلف الجامع الكافي وهو صاحب « المقنع » وهو الذي قال الذهبي فيه : الامام المحدث الثقة العالم مسند الكوفة أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي جمع كتاباً فيه علم الاَئمة بالعراق فاجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره.

    وقال السيد العلاّمة صارم الدين إبراهيم بن محمد ( عليه السلام ) لمحمد بن منصور ، تفسير ، قلت : وذكر بعض شيوخنا رضى اللّه عنه أنّ لمحمد بن منصور

________________________________________

    1 ـ لم يترجمه الذهبي في سير أعلام النبلاء ، ولافي ميزان الاعتدال ، ولا جمال الدين المزّي في تهذيب الكمال.

________________________________________

(392)

كتاب التفسير الكبير ، وكتاب التفسير الصغير ، وكتاب أحمد بن عيسى ( عليه السلام ) لعله يريد الاَمالي وسيرة الاَئمة العادلة ، وكتاب رسالة بخراسان ، وبعض ينسبها إلى الحسن بن زيد بطبرستان. انتهى.

    وقال ابن النديم : المرادي من الزيدية وهو أبو جعفر محمد بن منصور المرادي الزيدي وله من الكتب : كتاب التفسير الكبير ، كتاب التفسير الصغير ، كتاب أحمد بن عيسى ، كتاب سيرة الاَئمة العادلة ، وله كتب في الاحكام مثل طهارة وصلاة وغير ذلك على تلاوة كتب الفقه ، وله كتاب الخميس. كتاب رسالته على لسان بعض الطالبيين إلى الحسن بن زيد بطبرستان (1).

    2 ـ أحمد بن عيسى بن زيد ، وقد مرت ترجمته.

    3 ـ حسين بن علوان ، قال النجاشي : الكلبي ولاءً كوفي عامي (غير شيعي) وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ، ثقة ، رويا عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) وليس للحسن كتاب ، والحسن أخص بنا وأولى ، روى الحسين عن الاَعمش ، وهشام بن عروة ، وللحسين كتاب تختلف رواياته (2).

    4 ـ أبو خالد : قال النجاشي : عمرو بن خالد الواسطي عن زيد بن علي له كتاب كبير رواه عنه نصر بن مزاحم المنقري وغيره (3) روى الصدوق في أماليه بإسناده عن عمرو بن خالد قال : قال لي زيد بن علي بن الحسين : في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج اللّه به على خلقه ، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) لايضل من تبعه ولا يهتدي من خالفه (4) وضعفه الذهبي تبعاً لعادته من تضعيف شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ومواليهم (5)

________________________________________

    1 ـ ابن النديم : الفهرست : 244.

    2 ـ النجاشي : الرجال : برقم 11.

    3 ـ النجاشي : الرجال : برقم 769.

    4 ـ المامقاني : تنقيح المقال : 2/330 برقم 8691.

    5 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 3/257 برقم 6359.

________________________________________

(393)

2

القاسم الرسي

 

(169 ـ 246هـ)

القاسم بن إبراهيم (طباطبا) بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى المعروف بالقاسم الرسي ، فهو الحجر الاَساس لظهور الاَئمة في اليمن وهو جد الاِمام الهادي يحيى بن الحسين الذي خرج في اليمن وأسّس حكومة زيدية فيها طالت قروناً.

    وممن ترجمه : أبو الحسن حسام الدين حميد الدين المحلي فقد ذكر نسبه ، وصفاته ، وطرفاً من مناقبه وأحواله وزهده وقسماً من الوصايا والحكم والآداب المنقولة منه ، ثم شرح دعوته وقال : لما استشهد أخوه محمد بن إبراهيم ( عليه السلام ) وهو بمصر دعا إلى نفسه وبثّ الدعاة وهو على حال الاستتار فأجابه عالَم من الناس من بلدان مختلفة ، وجاءته بيعة أهل مكة ، والمدينة ، والكوفة ، وأهل الريّ ، وقزوين ، وطبرستان وتخوم الديلم ، وكاتبه أهل العدل من البصرة والاَهواز ، وحثّوه على الظهور وإظهار الدعوة.

    وأقام ( عليه السلام ) بمصر نحو عشر سنين واشتد الطلب له هناك من عبد اللّه ابن طاهر فلم يمكنه المقام ، فعاد إلى بلاد الحجاز وتهامة وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ والطالقان والجوزجان ، فبايعه كثير من أهلها وسألوه أن ينفذ إليهم بولد له ليظهروا الدعوة ، فانتشر خبره قبل التمكن من ذلك ، فوجهت الجيوش في طلبه فانحاز إلى حيّ من البدو ، واستخفى فيهم وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الاَوقات فأشار عليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك ـ إلى أن قال : ـ ولم يزل على هذه الطريقة ، مثابراً على الدعوة ، صابراً على التغرّب والتردّد في النواحي والبلدان متحملاً للشدة مجتهداً في إظهار دين اللّه.

    ولما تهيّأت مقدمات ظهوره وكانت له بيعات كثيرة في أوقات مختلفة أوّلها

 

________________________________________

(394)

(سنة 199هـ) والبيعة الجامعة كانت سنة 219 هـ في منزل محمد بن منصور المرادي بالكوفة. فشلت دعوته ولم تساعده المقادير إلى كل ما أراد ، فانتقل إلى الرسِّ في آخر أيامه ، وهي أرض اشتراها وراء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة ، وبنى هناك لنفسه ولولده وتوفي بها سنة 246هـ وله سبع وسبعون سنة ، ودفن فيها ومشهده معروف يزوره من يريد زيارته.

    وله من الموَلفات :

    1 ـ الدليل الكبير ، وقد بالغ فيه في الكلام على الفلاسفة.

    2 ـ الدليل الصغير.

    3 ـ كتاب العدل والتوحيد الكبير ، وفيه من أُصول العدل والتوحيد وتصديق الوعد والوعيد والمبالغة في الكلام على الجبرية على لطافة حجمه ، ما يشهد بغزارة علمه ، ووفور فهمه.

    4 ـ الرد على ابن المقفّع.

    5 ـ الرد على النصارى.

    6 ـ كتاب المسترشد.

    7 ـ كتاب الرد على المجبرة.

    8 ـ كتاب تأويل العرش والكرسي.

    9 ـ كتاب المسألة وفيها مناظرته مع الملحد

    10 ـ كتاب تثبيت الاِمامة وتقديم أمير الموَمنين على المشايخ.

    11 ـ كتاب الفرائض والسنن.

    12 ـ كتاب الطهارة.

    13 ـ كتاب صلاة اليوم والليلة.

    14 ـ كتاب مسائل علي بن جهشيار.

    15 ـ كتاب الناسخ والمنسوخ.

    16 ـ كتاب سياسة النفس (1).

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : 2/2 ـ 6؛ ولاحظ الاَعلام للزركلي : 5/171. التحف شرح الزلف 63 ـ 70.

________________________________________

(395)

3

يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي

(245 ـ 298هـ)

هو الاِمام الهادي إلى الحقّ المبين ، أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد بالمدينة المطهرة سنة 245هـ وحمل إلى جده القاسم فوضعه في حجره المبارك وعوّذه ، وقال لابنه : بم سمّيته؟ قال : يحيى ، وقد كان للحسين أخ يسمى يحيى توفي قبل ذلك ، فبكى القاسم حين ذكره وقال : هو واللّه ، يحيى صاحب اليمن. ـ إلى أن قال : ـ أقام اللّه به الدين في أرض اليمن وأحيا به رسوم الفرائض والسنن ، فجدد أحكام خاتم النبيين ، وآثار سيد الوصيين.

    قيامه سنة 280هـ ، وله مع القرامطة الخارجين عن الاِسلام نيف وسبعون وقعة كانت له اليد فيها كلها ، ومع بني الحارث نيف وسبعون وقعة ـ إلى أن قال : ـ وخطب له بمكة المشرفة سبعة سنين كما ذكر ذلك في عمدة الطالب وغيره ، وقبضه اللّه إليه شهيداً بالسم وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة الاَحد لعشر بقين من ذي الحجّة سنة 298هـ ، ودفن يوم الاِثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسّسه بصعدة (1).

    ذكر حسام الدين المحلّـي طرفاً من مناقبه وأحواله وسيرته ، وأنّه الموَسس للدولة الزيدية في اليمن ، وإليك فهرساً من أسماء كتبه التي ذكرها المحلي وقال : وصنف التصانيف الفائقة والكتب البديعة :

________________________________________

    1 ـ مجد الدين الموَيدي : شرح الزلف : 62 ـ 70 بتلخيص.

________________________________________

(396)

    1 ـ كتاب المنتخب في الفقه ، وهو من جلائل الكتب وفيه فقه واسع وعلم رائع. 2 ـ كتاب الفنون في الفقه ، مهذب ملخص. 3 ـ كتاب المسائل. 4 ـ كتاب مسائل محمد بن سعيد. 5 ـ كتاب الرضاع.6 ـ كتاب المزارعة.7 ـ كتاب أُمهات الاَولاد. 8 ـ كتاب الولاء. 9 ـ كتاب القياس.

    ومنها في التوحيد كتب جليلة القدر : 1 ـ كتاب التوحيد 2 ـ كتاب المسترشد 3 ـ كتاب الاِرادة والمشيئة 4 ـ الرد على ابن الحنفية في الكلام على الجبرية 5 ـ نوادر القرامطة 6 ـ كتـاب أُصول الديـن 7 ـ كتـاب الاِمـامـة 8 ـ كتـاب إثبات النبوة والوصية 9 ـ كتاب الرد على الاِمامية 10ـ كتاب البالغ المدرك 11 ـ كتاب المنزلة بين المنزلتين 12 ـ كتـاب الحملة 13 ـ كتـاب الديانة 14 ـ كتـاب الخشيـة 15ـ كتاب تفسير خطايا الاَنبياء 16 ـ كتـاب الرد على ابن جرير 17 ـ كتــاب التفسير في 6 أجزاء 18 ـ كتاب معان القرآن في 9أجزاء 19 ـ كتاب الفوائد جزءان إلى غير ذلك ، وقد ذكر عبد اللّه بن محمد الحبشي له 77 أثراً أتى بأسمائها وخصوصياتها ومحل نسخها المخطوطة.

    وقد طبع منه كتابان :

    الاَوّل : كتاب الاَحكام وقد طبع في جزأين وهو يشمل الكتب التالية :

    1 ـ الطهـارة. 2ـ الصلاة. 3 ـ الجنائـز. 4 ـ الزكاة. 5 ـ الصيام. 6 ـ الحجّ. 7 ـ النكاح. 8 ـ الطلاق. 9 ـ الرضاع. 10 ـ النفقات. 11ـ البيوع. 12ـ الشفعة. 13ـ الشركة. 14 ـ المضاربة. 15 ـ الرهن. 16 ـ الكفالة ، والضمان ، والحوالة ، والوكالة.17 ـ الغصب والاِقـرار. 18 ـ التفليس. 19 ـ الصلـح. 20 ـ الاِيمـان ، والنذور ، والكفارات. 21ـ الدعـوى. 22 ـ المزارعـة. 23 ـ الهبـة ، والصدقــة ، والعمرى ، والرقبي ، والعارية ، والوديعة. 24 ـ الضالة ، واللقطة ، واللقيط. 25ـ الحدود. 26 ـ الديات ، والجراحة ، والجنايات. 27 ـ الفرائض. 28 ـ الصيد.

 

________________________________________

(397)

29 ـ الذبائح. 30ـ الاَطعمة والاَشربة واللباس. 31 ـ الوصايا. 32 ـ القاضي ، والقضاء ، والشهادات. 33 ـ السير. 34 ـ الزهد ، والآداب ، وغيره من محاسن الاَخلاق.

    الثاني : كتاب الردّ والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية أجاب فيه على ثلاث وأربعين سوَالاً وجهه الحسن على القائلين بالاختيار.

    قال الاِمام ، في صدر الكتاب : فإنّه وقع إلينا كلام الحسن (1) بن الحنفية ، يوَكد فيه الجبر ، ويشدد في ذلك منه الاَمر ، ويزعم فيه أنّ اللّه سبحانه جبر العباد أجمعين من الملائكة المقربين ، والاَنبياء المرسلين ، وجميع الثقلين على كل الاَعمال من صالح أو طالح فرأينا أن نجيبه في ذلك وننقض عليه ما جاء به من المهالك ونثبت عليه في ذلك كله لربنا وسيدنا وخالقنا ما هو أهله مما هو عليه وما لا يجوز لخلق اللّه ، أن يقول بغيره فيه ، فاختصرنا له في قوله الجواب ، وتركنا خشية التطويل ، كثيراً من الاَسباب ، فلينظر من نظر في قولناوقوله ، وجوابنا لسوَاله بلب حاضر ورأيٍ حيٍّ صادر ، يبن له الحقّ إن شاء اللّه ويثبت في قلبة الصدق (2).

    طبعت الرسالة ضمن رسائل العدل والتوحيد في 177 صفحة.

    وطبعته معها ، رسائل أُخر عام 1400هـ في بيروت بإشراف سيف الدين الكاتب المجاز من جامعة الاَزهر.

    وقد خرج مرتين ، مرة سنة 280 هـ حتى بلغ موضعاً يقال له الشرفة بالقرب من صنعاء وأذعن له الناس بالطاعة ، وأقام مدّة يسيرة ، حتى خذله أهل البلاد ، فعاد إلى الحجاز ثم وصلت كتبهم إليه سنة 283 هـ فأجاب طلبهم.

________________________________________

    1 ـ وهو من أحفاد محمد الحنفية ، أعني : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن محمد الحنفية ، ألّف رسالة يوَكّد فيها الجبر ، طبعت الرسالة في ضمن البدايات الكلامية من جانب المستشرقين.

    2 ـ الاِمام الهادي يحيى بن الحسين : الرد والاحتجاج ضمن رسائل العدل والتوحيد : 19.

________________________________________

(398)

    وقد ذكر الموَيدي قسماً من أشعاره وقصائده ، ومما قال :

نحن الفواطم لهونا طعن القنا             ومدامنا حرب يدور رحاها

    ومما كتب إلى بني حرث مع كتاب :

خذوا حذركم مني فإنّي مسيِّر            إليكم جيوش اللّه واللّه غالب (1)

   

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : 2/13 ـ 21 ، عبد اللّه محمد الحبشي : حكام اليمن الموَلفون المجتهدون 21 ـ 45.

________________________________________

(399)

4

الناصر للحقّ ، الاَطروش أبو محمد الحسن بن علي

(230 ـ 304هـ)

هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن ، بن علي بن عمر الاَشرف بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ).

    أحد الاَئمة الزيديين ، موَسس دولتها في طبرستان ، صاحب التآليف والتصانيف ، وقد كان مع محمد بن زيد إلى أن قتل محمد بجرجان فجرّه القضاء إلى بلاد الديلم وهم كفار فأسلموا على يديه ، وظهروا وذلك سنة 287هـ بعد ظهور الهادي في اليمن بسبع سنين (1) واستنقذهم من الضيم وبقي على هذه الحالة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلى أن استولى على أهلها سنة 301هـ.

    ذكره حسام الدين المحلي وحكى طرفاً من مناقبه فقال : وحكي أنّه ( عليه السلام ) حضر لغذاء بعض الاَشراف فلما سمع البكاء من داره ، قال : هذا الميت الذي يبكى عليه مات حتف أنفه على فراشه وبين أهله وعشيرته ، وإنّما الاَسف على أُولئك النفوس الطاهرة التي قتلت تحت أديم السماء ، وفرّق بين الاَجساد والروَوس ، وعلى الذين قتلوا في الحبوس وفي القيود والكبول.

    وله تآليف نذكرها :

    1 ـ كتاب « البساط » 2 ـ كتاب في التفسير احتج فيه بألف بيت من الشعر

________________________________________

    1 ـ التقدير بالسبع باعتبار القيام الاَوّل ، لاَنّه قام أوّلاً سنة 280 هـ ولم يكن ناجحاً ، وقام ثانياً عام 283 هـ.

________________________________________

(400)

3 ـ كتاب « الحجـاج الواضحـة » ، وفيه دلائـل حسنة على إمامة أمير الموَمنين. 4ـ كتاب « الاَمالي » ، إلى غير ذلك مما يبلغ إلى أربعة عشر كتاباً واسع وأُلِّفَ في فقهه كتاب « الحاصر لفقه الناصر » للسيد الموَيد باللّه ، وكتاب « الناظم » للسيد أبي طالب ، وكتاب « الموجز » للشيخ أبي القاسم البستي ، وكتاب « الاِبانة » للشيخ العالم أبي جعفر محمد بن يعقوب الهوسمي ، (هذه الكتب الاَربعة أُلفت في فقه الناصر وجميع أهل الجبل من الزيدية كلهم على مذهبه في الفروع) توفي ليلة الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة 304هـ وله أربع وسبعون سنة. ومن أحسن شعره قصيدة أوّلها :

أناف على السبعين ذا الحول رابعوصرت تقومنــي العصــا              ولابـد لي إلاّ إلى اللّه راجــعأدبّ كأنّي كلما قمت راكــع (1)

    وكانت مدّة ظهوره بـ « آمل » ثلاث سنين وأشهراً ودفن فيها ومشهده هناك معروف. وعلى ضوء ذلك فلو كانت إمامته مختصة بهذه السنين الاَخيرة فلا يكون في وقت واحد إمامان. ولكن المعروف أنّه دعا إلى نفسه قبل ذلك كما عرفت حيث دخل بلاد ديلم عام 287هـ داعياً إلى نفسه.

    قال مجد الدين الموَيدي : وكان يرد بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه ، ويقول : أنا ابن رسول اللّه وهذا كتاب اللّه ، فمن أجاب إلى هذا وإلاّ فهذا. قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه ، ولم ير الناس مثل عدل الاَطروش وحسن سيرته وإقامته الحقّ. وقال ابن حزم : كان الاَطروش ، فاضلاً حسن المذهب ، عدلاً في أحكامه ، ولى طبرستان ...

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : 2/28 ـ 40. والتحف شرح الزلف : 70 ـ 73.

(401)

    وقال الاِمام أبو طالب : وكان يحث الناس على نصرة الهادي يحيى بن الحسين (1) ويقول من يمكنه أن ينصره وقرب منه فنصرته واجبة عليه. ومن تمكن من نصرتي وقرب مني فلينصرني. كان طويل القامة يضرب إلى الاَُدمة ، به طرش من ضربة.

 

أولاده:

    أبو الحسن الاَديب الشاعر ، وأبو القاسم جعفر وأبي الحسين أحمد وقد أشار ، موَلف التحف إلى تعاصر الاِمامين : الهادي والناصر في قطرين بقوله :

وعاصره في الجيـل أفضـل قائـم                 وأبسل من يدعى إذا انحاز هالع (2)

   

________________________________________

    1 ـ في المصدر الحسن وهو مصحف الحسين.

    2 ـ الموَيدي : التحف شرح الزلف : 70 ـ 73.الهالع : الجبان

________________________________________

(402)

5

الاِمام المرتضى أبو القاسم محمد بن يحيى

(278 ـ 313هـ)

    هو ابن الاِمام الهادي بايعه الناس بعد وفاة والده سنة 299هـ ، وأقام بصعدة وفي يده بلاد همدان ونجران وخولان ، وسيّر جنوده لقتال القرامطة ، فقتلوا في كل فج واستقامت له الاَُمور ، وبويع يوم الخميس لاِحدى وعشرين ليلة مضت من ذي القعدة من سنة 299هـ وكان ورعاً متقللاً من المعاش كثير العبادة موَثراً للعلم والعمل وقد تخلّـى عن الحكم بعد سنتين لاَخيه الناصر بعد أن رأى أشياء ساءته من عشيرته وله من العمر 32 سنة.

    موَلفاته :

    1 ـ الاَُصول في العدل والتوحيد 2 ـ تفسير القرآن 7 أجزاء 3 ـ جواب ابن فضل القرمطي 4 ـ جواب مسائـل ابن مهـدي 4 أجــزاء 5 ـ رسالة الاِمام المرتضى إلى أهل طبرستان 6 ـ الرسائـل السبع المنتقاة 7 ـ الرد على الروافض 8 ـ الرد على القرامطة أتباع علي بن فضل 9 ـ الشرح والبيان في تفسير القرآن.

    وله شعر جيد ، وله قصيدة مطلعها :

ياحي همدان انّ اللّه فضلكم              بنصر آل رسول اللّه في الكتب (1)

    ولما تنازل ورثه في الحكم أخوه الآتي :

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : 2/ 41ـ 46 ، الحبشي : حكام اليمن : 46.

________________________________________

(403)

6

الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى ابن الحسين

ولد الاِمام الهادي

( ... ـ 320هـ)

    ذكر حسام الدين المحلي طرفاً من مناقبه وشعره وظهوره وأجمل الكلام في سبب تنازل أخيه الاِمام المرتضى عن الحكم لصالحه ، وقد كانت بيعته سنة 301 هـ ، يقول : وبويع له بالخلافة يوم الجمعة في مسجد الهادي إلى الحقّ (والده) واجتمع إليه خلق كثير من الناس ، ثم أقبلت نجران وأهل همدان فبايعوه على الطاعة ، فأرسل قواده واعماله إلى جميع مخالفيه وساس الاَُمور أحسن سياسة ، وكانت أكثر حروبه مع الباطنية ، إلى أن وافته المنية سنة 320هـ وكانت مدّة ظهوره نحو عشرين سنة ودفن بصعده إلى جنب أخيه وأبيه ومشاهدهم معروفة مزورة (1).

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : 2/46 ـ 53 ، وحكام اليمن للحبشي : 54 وفيه أنّه توفي عام 325 هـ.

________________________________________

(404)

7

الاِمام السيد الموَيد أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون

(333 ـ 411هـ)

    من أئمة الزيدية في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس ، ترجمه حسام الدين المحلي في الحدائق الوردية وقال : نسب تعنو له الاَنوار ، وتغض من شعاعها الشموس والاَقمار ، ينتهي إلى جوهر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جواهره ، ونمت إلى عنصره الكريم عناصره ، وهذا هو الفضل الرائق ، والحسب الفائق.

    كان وحيد عصره وفريد دهره ، والحافظ لعلوم العترة ( عليهم السلام ) والناصر لفقه الذرية الكرام فَأُخذ عنه مذهب الزيدية ، وقرِىَ عليه الكلام على طريقة البغدادية وكان في الاَصل إمامياً فوضح له الحقّ فانقاد له أحسن انقياد واختلف أيضاً إلى أبي الحسين علي بن إسماعيل بن إدريس. وقُرأ عليه فقه الزيدية والحنفية وروى عنه الحديث عن الناصر للحق ( عليه السلام ).

    وكان أبو الحسين هذا من أجلة أهل طبرستان رئاسة وستراً وفضلاً وعلماً ، قال مصنف سيرته : وكان ( عليه السلام ) في الورع والتقشف والاحتياط والتفرد إلى حد يقصر العبارَة عنه ، والفهم عن الاِحاطة وتصوّف في عنفوان شبابه حتى بلغ في علومهم مبلغاً منيعاً وحلّ التصوف والزهد محلاّ ً رفيعاً وصنف سياسة المريدين.

    وكان يحمل السمك من السوق إلى داره ، وكانت الشيعة يتشبثون ويتبركون بحمله فلا يمكن أحداً من حمله ، ويقول : أنا أحمله قسراً للهوى وتركاً للتكبر لا لاعواز من يحمله.

 

________________________________________

(405)

    وكان قدس اللّه روحه يجالس الفقراء وأهل المسكنة ويكابر أهل السير والعفة ويميل إليهم ، وكان يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال وكان يكثر ذكر الصالحين وإذا خلى بنفسه يتلو القرآن بصوت حزين إلى آخر ما ذكره (1).

    وقال الزركلي : أحمد بن الحسين بن هارون الاَقطع ، من أبناء زيد بن الحسن العلوي الطالبي القرشي ، أبو الحسين : إمام زيدي ، من أهل طبرستان. مولده بها في آمل ، ودعوته الاَُولى سنة 380 بويع له بالديلم ولقب بالسيد « الموَيد باللّه » ومدة ملكه عشرون سنة. وكان غزير العلم ، له مصنفات في الفقه والكلام ، منها « الاَمالي » و « التجريد » في علم الاَثر ، و « شرحه » في أربعة مجلدات (2).

    أقول : له ترجمة ضافية في مقدمة الجزء الاَوّل من كتابه « شرح التجريد في فقه الزيدية ».

    وما ذكره حسام الدين المحلي من أنه كان إمامياً ، ثم صار زيدياً ، حقّ ، وقد نبه بذلك الشيخ الطوسي في أوائل كتاب التهذيب ناقلاً عن الشيخ المفيد أنّه قال : إنّ أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحقّ ويدين بالاِمامة فرجع عنها لما التبس عليه الاَمر في اختلاف الاَحاديث وترك المذهب ، ودان بغيره لما لم يتبين له وجوه المعاني فيها. وهذا يدل على أنّه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التقليد ، لاَنّ الاختلاف في الفروع لا يوجب ترك ما ثبت بالاَدلة من الاَُصول (3).

    أقول : قد ذكرنا علل اختلاف الاَخبار المروية عن أئمة أهل البيت وذكرنا أسبابها المختلفة ، مقرونا بالشواهد في محاضراتنا في الاَُصول (4) وكان الشيخ أبا

________________________________________

    1 ـ حسام الدين المحلى : الحدائق الوردية : 2/65ـ 66.

    2 ـ الزركلي ، الاَعلام : 1/116.

    3 ـ الطوسي : التهذيب : 1/2ـ3.

    4 ـ المحصول : 4/429 ـ 437.

________________________________________

(406)

الحسين لم يكن واقفاً عليها عن كثب ، وإلاّ لما ترك المذهب ، وقد وصل إلينا من كتبه ، كتابه « شرح التجريد في فقه الزيدية » في ثلاثة أجزاء كبار ـ على القطع الرحلي ، نشرته مكتب عنبر بدمشق عام 1405 والكتاب شرح لفتاوى الاِمامين : القاسم بن إبراهيم الرسي ، والهادي يحيى بن الحسين بوجه مبّسط ، وقد تجلّـى فيه تبحره في الفقه الزيدي بعيداً عن الفقه الحنفي كما هو ظاهر لمن طالع الكتاب بالاِمعان والدقة ولاَبي الحسين الهاروني ، شعر رائق منه ما يمدح به الصاحب بن عباد نقتبس منه ما يلي :

سقى عهدها ، صوب من المزن الهاطلمنازل نجم الوصل فيهن طالع              يحيّى بها تلك الربا والمنازليضىء ونجم الهجر فيهن آفل

    إلى أن يقول :

ألا أيّها ذا الصاحب الماجد الذيأنامل لو كنت تشير إلى الصفاإليك عميد المجد سارت ركابهموأسعدتهم والنحس لولاك ناجمفكل زمان لم تزينه عاطل           أنا مله العليا غيوث هواطلتفجر للعافين منها جداولوليس لهم إلاّ علاك وسايلوأعذرتهم والذل لولاك شاملوكل مديح غير مدحك باطل (1)

________________________________________

    1 ـ شرح التجريد : قسم المقدمة : بقلم يوسف بن السيد محمد الموَيد الحسن : 71 ـ 72.

________________________________________

(407)

8

الحاكم الجشمي

(413 ـ 494هـ)

    المحسـن بن محمد بن كرامة الجشمـي البيهقـي ، المعروف بـ « الحـاكم الجشمي » ، أحد المفسرين العظام المتبحرين في علام الكلام ، شيخ الزمخشري. قرأ بنيسابور وغيرها. واشتهر بصنعاء « اليمن » وتوفي مقتولاً بمكة. له تآليف يبلغ إلى اثنين وأربعين ، وإليك بعضها :

    1 ـ « التهذيب » في تفسير القرآن ، في ثمانية أجزاء ، ويوجد منها الجزء 4 ، 6 ، 8 في مكتبة الفاتيكان تاريخ كتابتها سنة 565هـ.

    2 ـ شرح عيون المسائل في علم الكلام.

    3 ـ التأثير والموَثر في الكلام.

    4 ـ المنتخب في فقه الزيدية .

    5 ـ السفينة في التاريخ إلى زمانه في أربعة أجزاء.

    6 ـ تحكيم العقول في الاَُصول.

    7 ـ الاِمامة على مذهب الزيدية.

    8 ـ الرسالة التامة في نصيحة العامة.

    9 ـ جلاء الاَبصار في علم الحديث.

    10ـ « تفسيران » بالفارسية ، مبسوط وموجز (1).

    إنّ الكعبي المعتزلي ألف كتاباً باسم « ذكر المعتزلة » وأكمله عبد الجبار القاضي المعتزلي بكتاب أسماه « فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة » وقد استدركه الحاكم الجشمي بطبقتين من طبقات المعتزلة : الحادية عشرة ، والثانية عشرة ، وقد طبعه فوَاد السيد ، أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية عام 1406هـ (2)

________________________________________

    1 ـ الزركلي ، الاَعلام : 5/289.

    2 ـ لاحظ : بحوث في الملل والنحل : 3/408 ـ 409.

________________________________________

(408)

9

أبو سعيد نشوان بن سعيد الحميري

( ... ـ 573هـ)

    كان أوحد أهل عصره ، وأعلم أهل زمانه في اللغة والنحو والاِنسان والتواريخ وسائر ما يتصل بفنون الاَدب ، شاعراً ، كاتباً خطيباً مفوها. وكانت له في الفرائض اليد الطولى.

    قال السيوطي : الفقيه العلاّمة المعتزلي النحوي اللغوي ، كذا ذكره الخزرجي ، وقال : كان أوحد أهل عصره ، وأعلم أهل دهره ، فقيهاً نبيلاً ، عالماً متفنّناً ، عارفاً بالنحو واللغة والاَُصول والفروع والاَنساب والتواريخ وسائر فنون الاَدب ، شاعراً فصيحاً بليغاً مفوهاً.

    صنف : شمس العلوم في اللغة ، ثمانية أجزاء.

    قال في البلغة : سلك فيها مسلكاً غريباً ، يذكر الكلمة من اللغة ، فإن كان لها نفع من جهة الطلب ذكره ، فاختصره ولده في جزأين وسمّاه « ضياء الحلوم ».

    وقال ياقوت : استولى نشوان على تلاع وحصون وقدّمه أهل جبل صَبِـر ، حتى صار ملكاً.

    وقال غيره : مات بعد عصر يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة (1).

    وكان نشوان ذا نفس وثّابة ، طموحة إلى المعالي ، لاترضى إلاّ بالوصول إلى قمة المجد والجمع بين شرف العلم وشرف الملك.

________________________________________

    1 ـ بغية الوعاة : 2/312 برقم 2057.

________________________________________

(409)

موَلفاته :

    1 ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من العلوم ، وهـو من كتب الاَدب الهامة ألّفه في ثمانية أجزاء ورتبه على حروف المعجم ، وهو أشبه بدائرة المعارف الرائجة في عصرنا ، وقد اختصر هذا الكتاب ابنه في جزأين وسمّاه « ضياء الحلوم » كما مرّ وقد نشرت منتخبات منه في أخبار اليمن بعناية عظيم الدين أحمد مطبوعة في مطبعة بريد في مدينة ليدن في سنة 1916م.

    2 ـ القصيـدة الحميريـة أو النشوانية ، وهي خلاصــة السيرة لملوك حمير ، والاِذواء والاِقبال ، مطلعها.

الاَمر جـد وهـو غـير مزاح               فاعمل لنفسك صالحاً ياصاح

    3 ـ كتاب القوافي

    4 ـ التبيان في تفسير القرآن

    5 ـ أحكام صنعاء وزبيد

    6 ـ ارجوزة في الشهور الرومية

    7 ـ رسالة على التصريف

    آخرها رسالة « الحور العين وتنبيه السامعين ».وقد طبعت عام 1367هـ بتحقيق كمال مصطفى وذكر ترجمة الموَلف في أوّله شكر اللّه مساعيه. وقدّم له المحقق محمد زاهد الكوثري. ومن قرأ الكتاب يقف على أنّه كان زيدياً ، ومع ذلك ربما لا يصرح بمذهبه.

    ومن ذلك ما يذكره في باب الاِمامة عدّة نظريات ، منها : نظرية إبراهيم بن سيار النظام ، وهي إمامة أكرم الخلق وخيرهم عند اللّه ، فمن كان أتقى الناس للّه ،

 

________________________________________

(410)

وأكرمهم عند اللّه ، وأعلمهم باللّه ، وأعملهم بطاعته ، كان أولاهم بالاِمامة ، والقيام في خلقه ، كائناً من كان منهم ، عربياً كان أو أعجمياً ، ثم يقول : قال مصنف الكتاب : وهذا المذهب الذي ذهب إليه النظام هو أقرب الوجوه إلى العدل وأبعدها عن المحاباة (1).

    ومن المعلوم أنّ الضابط الذي أعطاه النظام وقبله الموَلف لا ينطبق إلاّ على علي ( عليه السلام ) ، مع ذلك لم يصرّح الموَلف بالاسم.

    وقد خص فصلاً لفضل زيد (2) وذكر خروجه : ويظهر منه أنّ باليمن في عصره كان فرقتين فقط :

    الجارودية من الزيدية ، والمباركية من الاِسماعيلية (3).

    وفي الكتاب بحوث واسعة حول الفرق الاِسلامية ، ولاَجل ذلك صار الكتاب ممتعاً.

    وقد ترجمه الزركلي (4) ولم يزد شيئاً عما جاء في مقدمة ذلك الكتاب.

________________________________________

    1 ـ الحور العين : 252.

    2 ـ الحور العين : 188.

    3 ـ نفس المصدر : 156.

    4 ـ الاَعلام : 8/20.

(411)

10

الاِمام المنصور باللّه : عبد اللّه بن حمزة بن سليمان

(561 ـ 614هـ)

    عبد اللّه بن حمزة بن سليمان المنتهي نسبه إلى إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الحسن بن المثنى ، كان آية في الحفظ ، قرأ الاَُصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص. وألف كتباً كثيراً وله شعراً رائق نقلها حسام الدين المحلي في الحدائق الوردية وترجم له ، ترجمة ضافية استغرق خمسين صفحة ذكر أنّه دعا لنفسه عام 593هـ ، وبويع عام 594هـ وتوفي عام 614 هـ بأرض حولان ، قال عبد اللّه الحبشي : تسلم الاِمامة بتكليف من أهل عصره. وكان يأمل في دعوة الاَمير عماد الدين بن يحيى فاعتذر عنها وتحملها الاِمام عبد اللّه ، على مشقّة. وفي بداية دعوته جاءت رسائل من أهل حصن « ميتك » يطلبونه لتخليصهم من نفوذ بني حاتم. وكانوا قد استولوا على ناحيتهم فاعتذر فلم يقبلوا عذره وما زالوا به حتى أقبل عليهم وخلّصهم من بني حاتم. ويقول الموَرخون : إنّه قبل أن يدخل حصن « ميتك » أرسل إلى أهله يقول : « قد ملكت هذا الحصن ولكم فيه حقّ العمارة ولست أُقيم إلاّ برضاكم ، فإن تأذنوا لي وإلاّ خرجت عنه » فقالوا بأجمعهم : رضينا بك ، فأقام بين ظهرانيهم سنتين وثلاثة أشهر.

    وأكثر أخباره معارك مع سلاطين بني حاتم ، وكان قد أتى من مصر إلى اليمن سيف الاِسلام « طغتكين » سنة 579هـ ، فوقعت بينه وبين الاِمام بعض المعارك كتلك الوقعة التي قتل فيها أخوه الاِمام محمد بن حمزة.

    وما زالت الحروب بينهم حتى مات « طغتكين » سنة 593هـ. وتم الصلـح

 

________________________________________

(412)

بينه وبين السلطان علي بن حاتم بعد أن جدّد لنفسه الدعوة.

    وله كتب في شتى المواضيع من الفقه وأُصوله والكلام والحديث والاَدب :

    1ـ صفوة الاَخيار في أُصول الفقه 2ـ حديقة الحكم النبوية شرح الاَربعين السلفية 3ـ الشافي في أُصول الدين أربعة أجزاء4ـ الرسالة الهادية بالاَدلة البادية في السبي 5ـ الاَجوبة الكافية بالاَدلة الوافية 6ـ الدرة اليمنية في أحكام السبي والغنيمة 7ـ الاختيار المنصورية في المسائل الفقهية 8ـ الاِيضاح لعجمة الاِفصاح أكثره يتعلق بالسير 9ـ كتاب الفتاوى مرتب على كتب الفقه 10ـ الرسالة القاهرة بالاَدلة الباهرة في الفقه 11ـ الرسالة الحاكمة بالاَدلة العالمة 12ـ الرسالة الناصحة المشيرة بترك الاعتراض على السيرة.13ـ العقيدة النبوية في الاَُصول الدينية. 14ـ الرسالة الفارقة بين الزيدية والمارقة. 15ـ الرسالة النافعة بالاَدلة القاطعة 16 ـ الرسالة الكافية إلى أهل العقول الوافية 17ـ الرسالة الناصحة بالاَدلة الواضحة. 18ـ الجوهرة الشفافة الرادعة للرسالة الطوافة 19ـ الاَجوبة الرافعة للاِشكال 20ـ الزبدة في أُصول الدين 21ـ العقد الثمين في الاِمامة 22ـ القاطعة للاَوارد في الجهاد 23ـ كتاب تحفة الاِخوان 24ـ الرسالة التهامية 25ـ ديوانه.

    ومن شعره الرائق قوله في حقّ الوصي :

   

بني عمنا! إنّ يوم « الغدير »أبينا علي وصي الرسوللكم حرمة بانتساب إليهلاَن كان يجمعنا هاشموإن كنتم كنجوم السماءونحن بنو بنته دونكمحماه أبونا أبو طالب                   يشهد للفارس المعلمومن خصه باللوا الاَعظموها نحن من لحمه والدمفأين السنام من المنسم؟فنحن الاَهلّة للاَنجمونحن بنو عمه المسلموأسلم والناس لم تسلم

 

 

________________________________________

(413)

وقد كان يكتم إيمانهوأي الفضائل لم نحوهاقفونا محمد في فعلههدى الملك هدي العروسورثنا الكتاب وأحكامهفإن تفزعوا نحو بارئكمأشرب الخمور وفعل الفجورقتلتم هداة الورى الطاهرينفخرتم بملك لكم زائلولابد للملك من رجعهإلى النفر الشمّ أهل الكسا             فأمّا الولاء فلا يكتمببذل النوال وضرب الكمي؟وأنتم قفوتم أبا مجرم (1)فكافئتموه بسفك الدمعلى مفصح الناس والاَعجمفزعنا إلى آية المحكممن شيم النفر الاَكرم؟كفعل يزيد الشقي العمييقصر عن ملكنا الاَدومإلى مسلك المنهج الاَقومومن طلب الحقّ لم يظلم (2)

    وقد ترجمه الزركلي في الاَعلام وذكر صورة تآليفه مشيراً إلى المخطوط منه والمطبوع وذكر « العقد الثمين » ورمز بعلامة « خ » مشيراً إلى أنّه مخطوط (3) مع أنّه طبع في الثمانينات بعد قيام الجمهورية وهو رد على الاِماميّة ، ولاَجل إيقاف القارىَ على نماذج من نقده على الاِمامية نأتي بنظره في النص على إمامة علي ، وهو ممن يقول بأنّ النص كان خفياً لا جليّاً ، قال :

    الخلاف بين الشيعة في علي بن أبي طالب أمير الموَمنين في وجوه :

    أحدها : في كيفية النصّ عليه ( عليه السلام ) بعد اتفاقهم على ثبوت إمامته بالنص.

________________________________________

    1 ـ يعني أبا مسلم الخراساني ، عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة 129هـ.

    2 ـ مصادر الترجمة : الحدائق الوردية : 2/132 ـ 182. الغدير : 5/396 ـ 400 ، حكّام اليمن : 82.

    3 ـ الزركلي : الاَعلام : 4/83 ولاحظ : التحف شرح الزلف : 103 ـ 105.

________________________________________

(414)

    ثانيها : في حاله بعد ظهور قتله وإخبار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك وإخبار علي ( عليه السلام ) بذلك من بعده وكون ذلك معلوماً بالضرورة.

    وثالثها : في حكم المتقدمين عليه ، المخالفين له :

    ونحن نترك كلامه في الاَمرين الاَخيرين ونقتصر بكلامه في الاَمر الاَوّل ، وقد اختار أن النصّ على إمامته لم يكن جلياً بل كان خفياً ولكن الاِمامية تقول بكونه جلياً قال : وأمّا الاِمامية فقد ادّعوا أنّ النصّ جلي بحيث نعلم أنّ الجميع اضطروا إلى العلم بالمراد ، وان الكلّ علموا أنّ قصد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كون علي إمام الاَُمّة بعده بلا فصل ... ..

    ثمّ أشكل عليه بقوله : إنّه لو كان المراد من النصّ معلوماً بالضرورة لاستغنوا عن الكشف والبيان كما هو الحال في الاَُمور الضرورية ، مثلاً إنّا لا ننصب لاَهل الاِسلام الدليل على أنّ الصلوات خمس ، وأنّ الزكاة مفروضة في الاَموال ، وأنّ الحجّ إلى بيت اللّه ، وأنّ نبيّ هذه الاَُمّة محمّد رسول اللّه ، لما كانت هذه معلومة ضرورة ، لم تفتقر إلى بيان ولا كشف. ولما رأى علماءهم المبرزين كالشريف المرتضى الموسوي ومن تقدمه وتأخر عنه من أهل الكلام ، بالغوا في تبيين معنى الآية والخبر بل الاَخبار علمنا أنّهم من اعتقاد الضرورة ، على شفا جرف هار ، لاَنّ من تحمل المشقة في إظهار الظاهر كان عابثاً وكيف يكشف المكشوف أو مجتهد في صفة المشاهد المعروف.

    ولاَنّا قد اتفقنا نحن وإيّاهم ونحن الجم الغفير والعدد المتعذر الانحصار الكثير ، فكيف لم يحصل العلم لكلّنا أو بعضنا. ونحن وإيّاهم قد اتفقنا على أنّ الاِمام بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بلا فصل علي بن أبي طالب وأنّ من تقدم عليه فقد أخطأ وعصى ، فلو كان ما ذكروا من النصّ يوصل إلى الضرورة لوصلنا لاتفاقنا نحن وإيّاهم على العلم بالدليل وكيفية ترتيب الاستدلال فلو حصل العلم لهم ، لحصل

 

________________________________________

(415)

لنا ضرورة (1).

    يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاِمامة ـ حسب عقيدة الشيعة ـ من الاَُصول التي يعتبر فيها العلم ، ولا يكفي فيها الظن والحدس ولا خبر الآحاد ، والمراد من العلم ، هو العلم بما صدر عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإذا كان المطلوب فيها العلم ، ثم الاعتقاد وعقد القلب فهو يطلب لنفسه أن يكون النص الوارد في ذلك المجال جلياً مورثاً للعلم واليقين ، ذابّاً للشك والريب عن أذهان المكلّفين حاضرهم وغائبهم ، وكل من وصل إليه خطابه إلى يوم القيامة ، وإلاّ فلا ينتج إلاّ الظن والشك غير المفيدين في ذلك الباب.

    وبعبارة أُخرى : إذا كان الاِعلام بإمامة علي واجباً على النبي من اللّه سبحانه ، اذاً لا يخلو الاَمر من حالتين : إمّا أن يكون مع تمكنه من النص الجليّ ، أو لا معه ، والثاني لا تصدقه حياة النبي خصوصاً القسم الاَخير منها ، عندما استقر الاسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه (2) فكان النبي ، مطاعاً ومهاباً ، منذ وعى الوحي الاِلهي بملاَ قلبه « الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسالاتِ اللّه وَيَخْشَونَهُ وَلا يَخْشَونَ أحداً أبداً وَكَفى باللّه حسيباً » (الاَحزاب ـ 39) وعلى ضوء ذلك فكان في وسع النبي ، التنصيص الواضح بولاية الاِمام في أنّه سبحانه جعله إماماً للناس بعد رحيله. إذاً العدول عنه إلى النص الخفي ، تعريض للاَُمّة ، للتفرقة والنزاع ، وزرع لبذر الخلاف والنقاش ومع أنّه سبحانه يقول : « وَاعَتَصِمُوا بِحَبلِ اللّهِ جَميعاً ولا تَفَرَّقوا » (آل عمران ـ 103).

    ثانياً : أنّ القضايا البديهية في المنطق تنقسم إلى أقسام ، بعضها غنية عن

________________________________________

    1 ـ الاِمام المنصور باللّه حمزة بن عبد اللّه بن سليمان : العقد الثمين : 7 ـ 8.

    2 ـ اقتباس من كلام الاِمام علي نهج البلاغة : الخطبة 56.

________________________________________

(416)

الكشف والبيان والبرهنة والاستدلال دون البعض الآخر والمجموع عبارة عن :

    1 ـ الاَوّليات 2 ـ المشاهدات 3 ـ المتواترات 4 ـ التجربيات 5 ـ الحدسيات 6 ـ الفطريات.

    ولكل تعريف واحد ، والثلاثة الاَُول وإن كانت غنية عن البرهنة والاستدلال ، لكن الثلاثة الاَخيرة ، بحاجة إليها. مع كونها من أُصول اليقينيات والبديهيات لدى المنطقيين.

    مثلاً كون نور القمر مستفاداً من الشمس من الحدسيات ، لكن الاِذعان بالحكم المذكور غير غني عن البيان ، ولاَجل ذلك يستدل عليه بتشكل القمر عند اعتراض الاَرض بينه وبين الشمس ، ومثلها التجربيات التي لا تفارق عن بذل الجهد ، في طريق المطلوب أيّاماً وشهوراً. وأمّا الفطريات فمصطلح المنطقيين فيها غير مصطلح القرآن ، فهي عندهم عبارة عما لا يصدقه العقل بمجرد تصور طرفيها ـ كالاَوّليّات ـ بل لا بد من وسيط إلاّ أنّ هذا الوسيط ليس مما يذهب عن الذهن حتى يحتاج إلى الفكر.

    وعلى ذلك فليس كل قضية ضرورية ، غنية عن الكشف والبيان.

    إنّ الاِمام ابن حمزة جعل القضايا الضرورية مساوية للاَوّليّات التي يصدقها العقل لذاتها وبدون سبب خارج عن ذاتها مثل قولنا ، الكل أعظم من الجزء وغفل عن أنّ المراد من النصّ الجلي هو المفيد للعلم بالضرورة وإن كانت الاِفادة متوقفة على أُمور بسيطة ، لو التفت إليها ، لحصل العلم ، فبذل الجهد في الاستدلال بحديث الغدير ، سنداً ومضموناً لا ينافي كونها من القضايا اليقينية المفيدة لليقين ولو بعد التأمل في أُمور حوله.

    وثالثاً : أنّ النبي الاَكرم ألقى حديث الغدير الذي هو من أوضح الاَدلة على إمامة علي ( عليه السلام ) في منصرفه عن حجة الوداع في أرض تسمى بـ « غدير

 

________________________________________

(417)

خم » ، ألقاه في محتشد عظيم ضمّ إلى نفسه أزيد من ثمانين ألف صحابي من أقطار مختلفة.

    وقد وقف من شهد الواقعة على مقاصد النبي ومآربه ، من غير شك ولا ترديد فيها ، ولكن ابتعاد الاَجيال اللاحقة ، عن عصر الرسول ، صار سبباً ، لاختفاء كثير من القرائن اللفظية والحالية التي كان لها دور في تبيين المقصود فمست الحاجة بجمعها وترصيفها على وجه ، تحكي لنا الواقعة على ما هي عليها ، بلا زيادة ولا نقيصة حتى يصير الغائب كالحاضر في فهم المراد ، وينتقلا بالضرورة إلى معنى واحد.

    وبعبارة أُخرى : الغرض من البيان والكشف إحضار الواقعة بمالها من الخصوصيات المسموعة والمرئية في عقلية الغائب حتى يكون هو والحاضر في رحاب الخطاب سيان ، وهذا طبيعة كل قضية حصل الفصل الزمني بينها والجيل اللاحق ، فليس للقائل بصحة الواقعة إلاّ مسير واحد ، وهو إخراج الواقعة عن ملفِّ التاريخ وتصويرها على وجه كأنّ الجيل اللاحق ، يرى نفس ما رآه السابق حتى يكون الجيلان أمام التاريخ سواسية ، ومثل ذلك لا يُخرج الواقعة عن كونها جلية.