فرق الشيعة بين الحقائق والاَوهام


فرق الشيعة بين الحقائق والاَوهام

    إنّ من ثمرات وجود النبي المعصوم بين الاَُمّة هو رأب الصدع بعد ظهوره بينهم ، وفصل القول ، عند اندلاع النزاع ، والقضاء على الفتنة في مهدها ، وكان رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلمّ الشمل ، ويُزيل الخلاف عند بروزه فلاَجل ذلك كان اختلاف الصحابة في عصره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير موَثر في تفرق الاَُمّة ، لاَنّه صلوات اللّه عليه وآله بحنكته ، واعتقاد الاَُمّة بعصمته ، كان يأخذ بزمام الاَُمور ، ويكسح أسباب الشقاق من جذوره.

    فعندما اعترض عليه ذو الخويصرة عند توزيع الغنائم بين المسلمين بقوله : إعدل يامحمّد فإنّك لم تعدل ، فقال عليه الصلاة والسلام : « إن لم أعدل ، فمن يعدل » ثم أعاد اللعين وقال : هذه قسمة ما أُريد بها وجه اللّه ، فعند ذاك لم يجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بُدّاً من أن يعرّفه للاَُمّة الاِسلامية وقال : « سيخرج من ضئضىَ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية » (1)

________________________________________

    1 ـ مضت اسناد الرواية في : 5/480 ـ 502 ، من هذه الموسوعة

________________________________________

(8)

    وليست قصة ذي الخويصرة وحيدة في بابها ، فقد حدثت حوادث وكوارث في زمانه كادت تفرّق الاَُمّة ولكنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى عليها بعلمه وحلمه وحكمته ، ولا يقصر حديث الاِفك (1) عن قصة ذي الخويصرة ، أو قعود بعض الصحابة عن الخروج مع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في جيش العسرة ، أو ما حدث في أيّام مرضه ، حيث طلب دواة وقرطاساً حتى يكتب كتاباً لاتضل الاَُمّة بعده ، فخالف بعضهم ، ووافق البعض الآخر ، فقضى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الاختلاف وقال : « قوموا عنّي ، لا ينبغي عندي التنازع » (2). إلى غير ذلك من حوادث مريرة في عصر الرسالة ، فقد استقبلها القائد الكبير برحابة صدر في غزواته وفي إقامته في المدينة.

    وقد كانت وحدة الاَُمّة الاِسلامية رهن قائد مطاع معصوم ، لا يخضع لموَثرات الهوى ، وتكون الاَُمّة مأمورة باتّباعه قال تعالى : « وَما كَانَ لِمُوَْمِنٍ وَلا مُوَْمِنَةٍ إذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينا » (الاَحزاب ـ 36).

    ولئن تفرقت الاَُمّة إلى فرقتين أو أكثر فإنّما تفرّقوا بعد رحيله ، وسرُّ الاختلاف يكمن في تناسي الاَُمّة الاِمام المعصوم الذي نصبه النبي مرجعاً عند الخلاف ، غير أنّ المهتمّين بأمر الرسول ونصوصه تعلّقوا به تعلّقاً دينياً ولاَجل ذلك قلّ الاختلاف بينهم أو لم يتحقق إلى عصر الصادقين ( عليهما السلام ) وما يذكر من الفرق في عهدهما ، لا صلة لهم بالاِسلام فضلاً عن التشيّع وإنّما كان التفرّق آنذاك ارتداداً عن الاِسلام وخروجاً عن الدين كما سيتضح.

________________________________________

    1 ـ اقرأ تفصيل القصة وتشاجر الحيّين : الاَوس والخزرج في مسجد النبي بحضرته في صحيح البخاري : 5/ 119 باب غزوة بني المصطلق ، والسيرة النبوية : لابن هشام : 3/312. وذكرها الشهرستاني في الملل والنحل في فصل بدايات الخلاف : 1/21.

    2 ـ لاحظ صحيح البخاري : 1/22 ، كتاب العلم ، و2/14 ، والملل والنحل : للشهرستاني : 1/22 عند البحث في بدايات الخلاف.

________________________________________

(9)

    يقول أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي صاحب كتاب الزينة : « كانت طائفة من (1) الشيعة قبل ظهور زيد بن علي مجتمعين على أمر واحد ، فلمّا قتل زيد انحازت منهم طائفة إلى جعفر بن محمّد وقالوا بإمامته » (2).

    إنّ الشيعة هم الذين شايعوا علياً وولديه الحسن والحسين ( عليهم السلام ) وكانوا متمسّكين بإمامتهم وقيادتهم ولم يبرز أيُّ اختلاف ديني بينهم إلى زمن الاِمام الصادق ( عليه السلام ) ، لاَنّ الاعتقاد بوجود المعصوم ، كان يدفعهم إلى سوَاله ورفع الاِبهام عن الملابسات في وجوه المسألة ، وأمّا تاريخ الكيسانية الناجمة في عصر الاِمام السجاد ( عليه السلام ) فسندرسها حسب التاريخ وكلمات أصحاب المقالات.

    هذا ما يلمسه الاِنسان من قراءة تاريخ الشيعة ، ولكن نرى أنّ أصحاب المقالات يذكرون للشيعة فرقاً كثيرة ، وهم بين غلاة وغيرها.

    قال الشهرستاني تبعاً لعبد القاهر البغدادي (3) : والشيعة خمس فرق : كيسانية ، وزيدية ، وإمامية ، وغلاةوإسماعيلية (4). ثم ذكر لكل فرقة طوائف كثيرة ولعل الغاية من إكثار الفرق تطبيق حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في انقسام أُمّته إلى ثلاث وسبعين فرقة ، عليهم.

    ونحن نقف أمام هذا التقسيم وقفة غير طويلة ، فنذكر أمرين :

    الاَوّل : إنّ الغلاة ليسوا من الشيعة ، ولا من المسلمين ، وإنّ عدهم من الطوائف الاِسلامية جناية على المسلمين والشيعة ، وعلى فرض كونهم فرقاً ، فلم يكن لهم أتباع ولم يكتب لهم البقاء إلاّ أياماً قلائل.

________________________________________

    1 ـ كذا في النسخة ، ولعل لفظة « من » زائدة أو بيانيّة.

    2 ـ أبو حاتم الرازي : كتاب الزينة : 207.

    3 ـ عبد القاهر البغدادي : الفرق بين الفرق : 21. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

    4 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/147.

________________________________________

(10)

    الثاني : إنّ الكيسانية لم تكن فرقة نجمت بين الشيعة ، وإنّما خلقتها أعداء أئمة أهل البيت ، ليستغلّوها ويقضوا بها على تماسك الشيعة ووحدتهم ، وأكثر ما يمكن أن يقال في المقام : إنّه كانت هناك شكوك وأوهام عرت بعض البسطاء ثم أُزيلت ، فتجلى الصبح لذي عينين ، وإليك الكلام في كلا المقامين :

 

الغلاة ليسوا من المسلمين :

    قد ذكر أصحاب الفرق فرقاً للشيعة باسم الغلاة ومع أنّهم يصرّحون بأنّهم ليسوا من فرق المسلمين ولكن يذكرونها فرقاً للشيعة ويحملون أوزار الغلاة على الشيعة. والشيعة طائفة من المسلمين فكيف يصح عدّ الغلاة منهم !!.

    قال البغدادي : « فأمّا غلاتهم الذين قالوا بإلهية الاَئمة وأباحوا محرّمات الشريعة وأسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية ، والمغيرية ، والجناحية ، والمنصورية ، والخطابية ، والحلولية ، ومن جرى مجراهم فماهم من فرق الاِسلام وإن كانوا منتسبين إليه » (1).

    وقال أيضاً : الكلام في ذلك (الفرق الاِسلامية) يدور على اختلاف المتكلمين فيمن يعد من أُمّة الاِسلام وملّته ـ إلى أن قال : ـ فإن كان على بدعة الباطنية ، أو البيانية ، أو المغيرية ، أو المنصورية ، أو الجناحية ، أو السبئية ، أو الخطابية من الرافضة ، أو كان على دين الحلولية أو على دين أصحاب التناسخ أو على دين الميمونية ، أو اليزيدية من الخوارج أو على دين الخابطية ، أو الحمارية من

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 23 ـ 24.

(11)

القدرية ، أو كان ممن يحرّم شيئاً ممن نصّ القرآن على إباحته باسمه ، أو أباح ما حرّم القرآن باسمه فليس هو من جملة أُمّة الاِسلام ـ إلى أن قال : ـ فالفرق المنتسبة إلى الاِسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الاَُمّة ، عشرون فرقة هذه ترجمتها :

    سبئية ، وبيانية ، وحربية ، ومغيرية ، ومنصورية ، وجناحية ، وخطّابية ، وغرابية ، ومفوضية ، وحلولية ، وأصحاب التناسخ ، وخابطية ، وحمارية ، ومقنّعية ، ورزامية ، ويزيدية ، وميمونية ، وباطنية ، وحلاّجية ، وعذافرية ، وأصحاب إباحة ، وربما انشعبت الفرقة الواحدة من هذه الفرق أصنافاً كثيرة (1).

    أقول : إنّ البحث في هذا الفصل في كتب الملل والنحل هو التحدث عن الفرق الاِسلامية ولا تكون الفرقة ، إسلامية إلاّ إذا كان المقسم (الاِسلام) موجوداً فيها ، فالاِسلام هو الشهادة على توحيده ورسالة نبيّه وحشر الخلق يوم المعاد ، والتصديق بما جاء به النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على وجه الاِجمال ، فمن أنكر واحداً من هذه ، فليس بمسلم ولا يحمل عقيدة إسلامية ، وهذه الفرق التي جاء بها الاَشعري في كتاب مقالات الاِسلاميين وتبعه البغدادي في الفرق بين الفرق ليسوا من الاِسلام ولا الشيعة بشيء وإنّما هي فرق مرتدة عن الاِسلام ولايمكن الحكم عليهم بالاِسلام ، فالاَولى حذف هوَلاء المرتدين عن كتب الملل والنحل ، والبحث عنهم تاريخياً فقط.

    لا شك أنّ هوَلاء تنزلوا من علياء الاِسلام إلى حضيض الكفر وما جرَّتهم إلى ذلك إلاّ مطامع وشهوات استهوتهم إلى هذه المقالات الباطلة ومن حسن الحظ أنّه لم تكتب عليهم حياة معروفة إنّما كانت أيّاماً قلائل قطعت معرّتَهم حمامُهم فلم يبق منهن ذكر إلاّ بين أسطر التاريخ.

    على أنّ قسماً منهم قاموا بهذه الدعايات من قبل السياسات الزمنية روماً

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 232.

________________________________________

(12)

لتشتيت كلمة الشيعة أو المسلمين ، لكن سرعان ما قلب عليهم الدهر ظهر المجنّ لما تمكنت السياسة من الحصول على غاياتها المنشودة فأُخذوا وقتلوا تقتيلاً.

    هكذا يعامل مع كل عميل يعمل لصالح المستكبر. على أنّه لم يكن لمنهجهم معتنق قابل للذكر إلاّ شذاذ الآفاق أو ساقة الناس فمن مال إليهم لغاية دنيوية أو لشكوك وأوهام عرت لهم لا يتجاوز عددهم عدد الاَصابع إلاّ شيئاً طفيفاً حتى أصبح الجميع في حديث الاَمس الدابر.

 

    والذي يتحمّل وزر ذكر هوَلاء من الفرق الاِسلامية الشيعية هو الشيخ المتكلّم الجليل الحسن بن موسى النوبختي (1) الشيعي من أعلام القرن الثالث المتوفّى حوالي عام 310هـ في كتابه « فرق الشيعة » ثم الشيخ الاَشعري (2) في كتابه « مقالات الاِسلاميين واختلاف المصلّين » ، وتبعهما من جاء بعدهما كالبغدادي في « الفرق بين الفرق » (3) والاِسفرائيني في « التبصير » (4) والشهرستاني في « الملل والنحل » (5).

    وإنّي لاَضن بالحبر والورق على تسطير عقائد هوَلاء وكفرياتهم الذين قضى عليهم الدهر وشرب ، ولكن لاَجل إيقاف القارىَ على إجمال ما كانوا يعتقدونه نذكر أسماء الفرق مع التعريف الاِجمالي لمبادئهم حتى يقف على صدق ما قلناه.

    قال الاَشعري : فمنهم الغالية وإنّما سمّوا الغالية لاَنّـهم غلوا في علي ( عليه السلام ) وقالوا فيه قولاً عظيماً وهم خمس عشرة فرقة :

________________________________________

    1 ـ الحسن بن موسى النوبختي : فرق الشيعة : 36 ، وما بعدها.

    2 ـ الاِمام الاَشعري : مقالات الاِسلاميين واختلاف المصلين : 5 ، وما بعدها.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 225 ، وما بعدها.

    4 ـ الاِسفرائيني : التبصير : 123 ، وما بعدها.

    5 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/150 ، وما بعدها.

________________________________________

(13)

الاَُولى : البيانية :

    وهوَلاء يزعمون أنّ أبا هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية (1) نص على إمامة بيان بن سمعان التميمي ونصبه إماماً ، يقولون بأنّ اللّه عزّ وجلّ على صورة الاِنسان وأنّه يهلك كلّه إلاّ وجهه وادّعى « بيان » أنّه يدعو (كوكب) الزهرة فتجيبه وأنّه يفعل ذلك بالاسم الاَعظم فقتله خالد بن عبد اللّه القسري ، وقيل : إنّ كثيراً منهم يثبت لبيان بن سمعان ، النبوة (2).

    وقال النوبختي : فكان « بيان » تبّاناً يتبن التبن في الكوفة وأخذه خالد بن عبد اللّه القسري هو وخمسة عشر رجلاً من أصحابه ، فشدّهم بأطنان القصب وصبّ عليهم النفط في مسجد الكوفة وألهب فيهم النار فأفلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار فكرّ راجعاً إلى أن ألقى نفسه في النار فأُحرق معهم (3).

    أقول : إنّ البيانية ـ على فرض صحّة وجودها ـ مشتقة من القول بإمامة محمد ابن الحنفية بعد شهادة السبط الاَكبر الحسين بن علي سلام اللّه عليهما وانتقال الاِمامة منه إلى ابنه أبي هاشم ، فلما مات أبو هاشم اختلفوا في وصيّه إلى أقوال فمن قائل بأنّه ابن أخيه الحسن بن علي بن محمد الحنفية ، إلى آخر بأنّه أخوه علي بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن فالاِمامة عندهم في بني الحنفية لاتخرج إلى غيرهم ، إلى ثالث أنّه عبد اللّه بن عمرو بن الكنديّ ، وأنّ الاِمامة خرجت من بني هاشم وتحرّكت روح أبي هاشم إلى عبد اللّه الكندي ، إلى رابع بأنّه أوصى إلى بيان ابن سمعان التميمي(4).

________________________________________

    1 ـ كل فرقة تنتمي إلى أبي هاشم فهي من فروع الكيسانية الممسوخة والفرق الثلاث الاَُول : البيانية ، الجناحيّة ، والحربية ، من هذا الصنف.

    2 ـ الاِمام الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 5 ـ 6.

    3 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 28 ، طبع بيروت ، تحقيق محمد صادق بحر العلوم ، ولاحظ الفرق بين الفرق : 236.

    4 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/151 ـ 152.

________________________________________

(14)

الثانية : الجناحية :

    أصحاب عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ذي الجناحين ، يزعمون أنّ عبد اللّه بن معاوية كان يدّعي أنّ العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكماة والعشب وأنّ الاَرواح تناسخت وأنّ روح اللّه جلّ اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه ، قال : وزعم أنّه ربّ وأنّه نبي فعبدته شيعته وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أنّ الدنيا لاتفنى ويستحلّون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأوّلون قول اللّه عزّ وجلّ : « لَيسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوا » (1).

    هذا ولم يذكر الاَشعري اشتقاقهم من أي فرقة ولكن جاء به النوبختي ، وقال : « فرقة قالت أوصى أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية إلى عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب الخارج بالكوفة ، وهو يومئذ غلام صغير فدفع الوصية إلى صالح بن مدرك وأمره أن يحفظها حتى يبلغ عبد اللّه بن معاوية فيدفعها إليه فهو الاِمام وهو العالم بكل شيء حتى غلوا فيه وقالوا : إنّ اللّه عزّ وجلّ نور وهو في عبد اللّه بن معاوية قتله أبو مسلم في حبسه » (2).

 

الثالثة : الحربية :

    هم أصحاب عبد اللّه بن عمر بن حرب ، ويسمّون الحربية ، يزعمون أنّ روح أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وأنّ أبا هاشم نصّ على إمامته (3). ويرجع جذور هذه الفرق إلى القول بإمامة محمد الحنفية ثم أبي هاشم كما تقدم.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 6.والآية 93 من سورة المائدة.

    2 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 32 ، ولاحظ الفرق بين الفرق : 245.

    3 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 6 ، لاحظ الفرق بين الفرق : 243.

________________________________________

(15)

الرابعة : المغيرية :

    هوَلاء أتباع المغيرة بن سعيد العجلي وكان يظهر في بدء أمره موالاة الاِمامية ويزعم أنّ الاِمامة بعد علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) إلى سبط الحسن محمد (المعروف بالنفس الزكية الذي توفي عام 145هـ) وزعم أنّه المهدي المنتظر ، ثم إنّه أظهر مقالات فاسدة منها دعواه النبوة ، دعواه علمه بالاسم الاَعظم ، وزعم أنّه يحيي بها الموتى ويهزم بها الجيوش ومنها إفراطه في التشبيه وذلك أنّه زعم أنّ معبوده رجل من نور وله أعضاء وقلب ينبع منـه الحكمة ـ إلى أن قال : ـ وكان المغيرة مع ضلالاته يأمر بانتظار محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي (1).

    ويظهر من النوبختي أنّه كان يقول بإمامة الاَئمة إلى أبي جعفر الباقر ( عليهم السلام ) (57 ـ 114هـ) فلما تـوفي أبو جعفر محمد بن علي ، دعا المغيـرة إلى إمامــة محمـد بن عبـد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم وأظهر ما أظهر فبرئت منه أصحاب أبي عبد اللّه جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ورفضوه فزعم أنّهم رافضة وأنّه هو الذي سمّاهم بهذا الاسم وقال : إنّ خالد بن عبد اللّه القسري أخذ المغيرة فسأله عن عقائده فأقر بها ودعا خالداً إليها فاستتابه خالد فأبى أن يرجع عن قوله فقتله وصلبه (2).

 

الخامسة : المنصورية :

    أصحاب أبي منصور ، يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) أبو منصور وأنّ أبا منصور ، قال : آل محمد هم السماء

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 9.

    2 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 63 ، وفيما ذكره تأمل واضح على أنّ خالد بن عبد اللّه القسري من عُمال آل أُمية ، فكيف قتل من كان يدعو بالنفس الزكية الذي خرج في أوائل العباسيين وقتل عام 145هـ؟!. إلاّ أن تكون له دعوة خفيّة بعد استشهاد زيد وابنه يحيى عام 126 هـ.

________________________________________

(16)

والشيعة هم الاَرض وأنّه هو الكسف الساقط من بني هاشم تأويلاً لقوله سبحانه : « وإن يَرَوْا كِسفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَركُوم » (الطور ـ 44) وقد ذكر الاَشعري عقائدهم الفاسدة التي لا تمت صلة بالديانات الاِلهية (1).

    قال البغدادي : وكفرت هذه الطائفة بالقيامة والجنّة والنار وتأوّلوا الجنّة على نعيم الدنيا والنار على محن الناس في الدنيا واستحلّوا مع هذه الضلالة خنق مخالفيهم ، واستمرت فتنتهم على عادتهم إلى أن وقف يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في زمانه على عوارت المنصورية فأخذ أبا منصور العجلي وصلبه ، وهذه الفرقة كالمتقدمة عليها غير معدودة من فرق الاِسلام لكفرها بالقيامة والجنّة والنار (2).

 

السادسة : الخطابية المطلقه :

    أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب ، يقولون : إنّ الاِمامة في أولاد عليّ إلى أن انتهت إلى جعفر الصادق ، ويزعمون أنّ الاَئمة كانوا آلهة ، وكان أبو الخطاب يزعم أوّلاً أنّ الاَئمة أنبياء ، ثم زعم أنّهم آلهة ، وأنّ أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء اللّه وأحباءه ، وكان يقول : إنّ جعفراً إله ، ولما بلغ ذلك جعفراً ( عليه السلام ) لعنه وطرده. وكان أبو الخطاب يدّعي بعد ذلك ، الاِلهية لنفسه وزعم أتباعه أنّ جعفراً إله غير أنّ أبا الخطاب أفضل منه وأفضل من علي (3).

    وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة ، ثم إنّ الذين جاءوا بعد أبي الخطاب انقسموا إلى فرق ذكرها الاَشعري وقد عبر عن موَسس الفرقة بالخطابية المطلقة لتتميز عن الفرق اللاحقة.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 9 ـ 10.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 243.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 247.

________________________________________

(17)

السابعة : الخطابية المعمرية :

    يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له « معمر » وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب. قال : واستحلّوا الخمر والزنا واستحلّوا سائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة (1) وقد لعنه الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وسيأتيك نصه.

 

الثامنة : الخطابية البزيعية :

    أصحاب بزيع بن موسى يزعمون أن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) هو اللّه ، وزعموا أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي ، وأنّ كل موَمن يوحى إليه ، وزعموا أنّ منهم من هو خير من جبرئيل وميكائيل وأن أحدهم إذا بلغت عبادته ، رفع إلى الملكوت (2).

 

التاسعة : الخطابية العميرية :

    أصحاب عمير بن بيان العجلي ، وهذه الفرقة تكذب من قال منهم : إنّهم لا يموتون ويزعمون أنّهم يموتون ولا يزال خَلَفٌ منهم في الاَرض أئمة أنبياء وعبدوا جعفراً كما عبده اليعمريون وزعموا أنّه ربّهم وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة « عمير بن البيان » فقتله في الكناسة وحبس بعضهم (3).

 

العاشرة : الخطابية المفضلية :

    لاَنّ رئيسهم كان صيرفياً يقال له المفضل يقولون بربوبية جعفر كما قال

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 11 ، الرازي : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين : 87 ، البغدادي : الفرق بين الفرق : 248.

    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 12 ، النوبختي : فرق الشيعة : 43.

    3 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 12 ، النوبختي : فرق الشيعة : 44.

________________________________________

(18)

غيرهم من أصناف الخطابية وانتحلوا النبوة والرسالة وإنّما خالفوا في البراءة من أبي الخطاب لاَنّ جعفراً أظهر البراءة منه (1).

    الحادية عشرة :

    من أصناف الغالية يزعمون أنّ روح القدس هو اللّه عزّ وجلّ وكانت في النبي ثم في علي ثم في باقي الاَئمة الاثني عشر ، ولم يذكر الاِمام الاَشعري اسم موَسس الفرقة كالفرقة التالية (2).

    الثانية عشرة :

    يزعمون علياً هو اللّه ، ويكذبون النبي ويشتمونه ويقولون : إنّ علياً وجَّه بهِ ليبين أمره فادّعى الاَمر لنفسه 3 ـ.

    الثالثة عشرة :

    هم أصحاب « الشريعي » يزعمون أنّ اللّه حلَّ في خمسة أشخاص في النبي وفي علي والحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهوَلاء آلهة عندهم وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... 4 ـ .

 

الرابعة عشرة : السبائية :

    أصحاب عبد اللّه بن سبأ ، يزعمون أنّ علياً لم يمت وأنّه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملاَ الاَرض عدلاً كما ملئت جورا 5 ـ.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 13 ، البغدادي : الفرق بين الفرق : 250.

    (2)3ـ4ـ5ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 14 ، 15 ، 16 ، ولاحظ في الوقوف على عقائد هذه الفرق كتب أصحاب المقالات والملل والنحل ، وكأنّ المتأخرين عن الاَشعري عمدوا إلى تحرير ما ذكره ، ولانطيل المقام بذكر المصادر.

________________________________________

(19)

    وقد تعرفت في الجزء السادس على أنّ عبد اللّه بن سبأ على النحو الذي يذكره أصحاب التواريخ والمقالات أُسطورة تاريخية.

 

الخامسة عشرة : المفوضة :

    يزعمون أنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل الاَُمور وفوّضها إلى محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنّه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وأنّ اللّه لم يخلق من ذلك شيئاً ، ويزعمون أنّ الاَئمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة ... (1).

    ونحن بدورنا نعلّق على هذه الفرق التي ذكروها فرقاً للشيعة وبالتالي فرقاً للاِسلام بأمرين :

    الاَوّل : من المظنون جداً ـ أنّ هذه الفرق على فرض التأكد من وجودها في عصورها ممّا صنعتها يد السياسة الاَثيمة لتشويش سمعة الاَئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) بين المسلمين ومحق روعتهم ، وقد استعانت في ذلك ، برجال كانوا غامرين في حبّ التصدر والفخفخة ، وجنون العظمة ، ولما كانت دعوتهم على خلاف العقل والنقل ، والفطرة الاِنسانية ، لم يُقم المجتمع الاِسلامي لهم وزناً ولم يعيشوا إلاّ أيّاماً قلائل وقد قامت أئمة أهل البيت بدورهم على إيقاظ الاَُمّة عند استفحال الفساد وتبرّأوا من أصحاب هذه المقالات وعقائدهم. وسيوافيك كلامهم في حقّ هوَلاء الغلاة فانتظر.

    الثاني : نحن نعاتب المشايخ : النوبختي والاَشعري والبغدادي والاِسفرائيني ، والشهرستاني والرازي وغيرهم من كتّاب تاريخ العقائد ، وأصحاب المقالات ، حيث نسبوا هوَلاء إلى الشيعة مع تصريحهم بأنّهم غلاة كفار ، لايمتّون إلى الاِسلام والمسلمين بصلة ، وأقلُّ ، كلمة يمكن أن يقال في حقهم إنّ الجنون

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 16.

________________________________________

(20)

والمجون ، وحب الجاه والمقام أسفت بهوَلاء إلى هوة المذلة واللعنة ثم الفناء المطلق فليس لاَحد أن يطعن الشيعة بانتماء هوَلاء إليهم ، فما أحسن قول القائل :

غيري جنى وأنّا المعاقب فيكم           فكأنّني سبابة المتندِّم

« قُلْ هذِهِ سَبِيلي أدعُوا إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحانَ اللّهِ وَما أنا مِنَ المُشرِكِين » (يوسف ـ 108).

    وليس انتماوَهم إلى الشيعة إلاّ كانتماء النصارى القائلين بالتثليث إلى المسيح ( عليه السلام ) وهل يوَخذ البريء بجرم المعتدي؟!. لا واللّه.

 

موقف الاَئمة من الغلاة :

    إنّ موقف أئمة أهل البيت من هوَلاء المرتدّين موقف النبي الاَكرم من مشركي عصره والاَعصار الآتية فقد طردوهم ، ولعنوهم وكفّروهم وحذّروا شيعتهم من مكائدهم ومصائدهم ، وإليك قسماً من الروايات الواردة في حقّ سعيد بن المغيرة ، وأبي الخطاب ، ولفيفاً من رجال العيث والفساد الذين كانوا يتظاهرون بالانتماء إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ولم يكونوا منهم بشيء.

    وبما أنّ كتاب الرجال للشيخ الكشي الذي يعد من علماء القرن الرابع أحسن كتاب وضع في مجال التوثيق والجرح على أساس الروايات الواردة عن المعصومين ( عليهم السلام ) في حقّ الرواة ، نقتبس الروايات من هذا الكتاب وإن كان لها مصادر أُخرى.

(21)

المغيرة بن سعيد في روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) :

    1 ـ روى الكشي عن جعفر بن عيسى وأبي يحيى الواسطي قال : قال أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) : « كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر ( عليه السلام ) فأذاقه اللّه حرّ الحديد ».

    2 ـ أخرج الكشي عن عبد اللّه بن مسكان عمّن حدثه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : لعن اللّه المغيرة بن سعيد إنّه كان يكذب على أبي ، فأذاقه اللّه حرّ الحديد. لعن اللّه من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، ولعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه ، الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.

    3 ـ أخرج الكشي عن محمد بن عيسى بن عبيد : أنّ بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمن وأنا حاضر ، فقال له : يا أبا محمد ما أشدَّك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على ردّ الاَحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول : لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يُحدِّث بها أبي فاتقوا اللّه ولاتقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنّا إذا حدّثنا قلنا قال اللّه عزّ وجلّ وقال رسول اللّه.

    4 ـ أخرج الكشي عن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول : « كان المغيرة بن سعيد يتعمَّد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون في أصحاب أبي ، يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ويُسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثّوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسّه المغيرة في كتبهم ».

 

________________________________________

(22)

    5 ـ أخرج الكشي عن علي بن الحسان عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) يوماً لاَصحابه : « لعن اللّه المغيرة بن سعيد ولعن اللّه يهودية كان يختلف إليها يتعلّم منها السحر والشعبذة والمخاريق ، إنّ المغيرة كذب على أبي فسلبه اللّه الاِيمان وإنّ قوماً كذبوا عليّ ، ما لهم ، أذاقهم اللّه حرّ الحديد ، فو اللّه ما نحن إلاّ عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، مانقدر على ضرّ ولا نفع إن رُحمنا فبرحمته وإن عُذّبنا فبذنوبنا ، واللّه مالنا على اللّه من حجّة ولامعَنا من اللّه براءة وإنّا لميتون ومقبورون ، ومنشرون ، ومبعوثون ، وموقوفون ، ومسوَولون ، ويلهم مالهم ، لعنهم اللّه آذوا اللّه وآذوا رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قبره وأمير الموَمنين وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد بن علي ، وها أنا ذا بين أظهركم ، لحم رسول اللّه وجلد رسول اللّه ، أبيت على فراشي خائفاً وجلاً مرعوباً ، يأمنون وأفزع ، وينامون على فرشهم ، وأنا خائف ساهر ، وَجِل اتقلقل بين الجبال والبراري أبرأ إلى اللّه ممّا قال فيّ الاَجدع البّراد عبد بني أسد أبو الخطاب ، لعنه اللّه ، واللّه لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب الاّ تقبلوه فكيف وهم يروني خائفاً وجلاً ، استعدى اللّه عليهم وأتبرّأ إلى اللّه منهم أشهدكم إنّي امروَ ولدني رسول اللّه وما معي براءة من اللّه ، إن أطعته رحمني وإن عصيته عذّبني عذاباً شديداً أو أشد عذابه ».

    6 ـ أخرج الكشي عن سلمان الكناني : قال : قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : هل تدري ما مثل المغيرة؟ قال : قلت : لا ، قال : مثله مثل بلعم بن باعور ، قلت : ومن بلعم قال : الذي قال اللّه عزّ وجلّ : « الّذِي آتَيناهُ آياتِنَا فَانسَلَخَ مِنْها فَأتْبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوين » (1).

    إلى غير ذلك من الروايات التي وردت في ذمّه ونقلها الكشي في رجاله (2)

________________________________________

    1 ـ الاَعراف : 175.

    2 ـ الكشي : الرجال : 194 ـ 198.

________________________________________

(23)

أبو زينب وأتباعه في روايات أئمة أهل البيت :

    قال الكشي في رجاله : محمد بن أبي زينب اسمه مقلاص بن الخطاب البرّاد الاَجدع الاَسدي ويكنّى أبا إسماعيل ويكنّى أيضاً أبا الضبيان :

    1 ـ أخرج الكشي عن عيسى بن أبي منصور قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول وذكر أبا الخطاب فقال : اللهم العن أبا الخطاب فإنّه خوّفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي ، اللهم أذقه حرّ الحديد.

    2 ـ أخرج الكشي عن بريد العجلي عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : سألته قول اللّه عزّ وجلّ « هل أُنَبِّئَكُم على مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطين * تَنَزَّلُ علَى كُلِّ أفّاكٍ أثِيم » (1) قال : هم سبعة : المغيرة بن سعيد ، وبيان ، والصائد النهدي ، والحارس الشامي ، وعبد اللّه بن حارث ، وحمزة بن عمار البربري وأبو الخطاب (2).

    3 ـ أخرج الكشي عن بشير الدهان عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : كتب أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) إلى أبي الخطاب بلغني أنّك تزعم أنّ الزنا رجل ، وأنّ الخمر رجل ، وأنّ الصراط رجل ، وأنّ الصيام رجل ، والفواحش رجل ، وليس هو كما تقول ، أنا أصل الحقّ ، وفروع الحقّ طاعة اللّه ، وعدوّنا أصل الشر وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع » ؟

    4 ـ أخرج الكشي عن الحمادي رفعه إلى أبي عبد اللّه أنّه قيل له : روي عنكم أن الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام رجال؟ فقال : « ما كان اللّه عزّ وجلّ ليخاطب خلقه بما لا يعلمون ».

________________________________________

    1 ـ الشعراء : 221 ـ 222.

    2 ـ جرى الاِمام ( عليه السلام ) في تفسير الآية بهوَلاء السبعة ، مجرى الجري وتطبيق الكلّـي على مصاديقه الكثيرة.

________________________________________

(24)

    5 ـ أخرج الكشي عن سدير عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : كنت جالساً عند أبي عبد اللّه وميسر عنده ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة فقال ميسر بياع الزطي : جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم ، قال : « ومن هم؟ » قلت : أبو الخطاب وأصحابه ، فكان متكئاً فجلس فرفع اصبعه إلى السماء ثم قال : « على أبي الخطاب لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين فاشهدوا باللّه أنّه كافر ، فاسق مشرك وأنّه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدواً وعشياً ، ثم قال : أما واللّه إنّي لانفس (1) على أجساد أُصيبت معه النار ».

    6 ـ أخرج الكشي عن المفضل بن يزيد قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال لي : « يامفضل لاتقاعدوهم ولاتواكلوهم ولاتشاربوهم ولاتصافحوهم ولاتوارثوهم ».

    7 ـ أخرج الكشي عن مرازم قال : قال أبو عبد اللّه : « قل للغالية توبوا إلى اللّه فإنّكم فسّاق كفّار مشركون ».

    8 ـ أخرج الكشي عن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « يا أبا محمد ابرأ ممن يزعم أنّا أرباب » قلت : برىَ اللّه منه ، فقال : « ابرأ ممن زعم أنّا أنبياء » قلت : برىَ اللّه منه.

    9 ـ أخرج الكشي عن قاسم الصيرفي قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول : « قوم يزعمون أنّي لهم إمام واللّه ما أنا لهم بإمام ، مالهم لعنهم اللّه كلما سترتُ ستراً هتكوه ، هتك اللّه ستورهم ».

    10 ـ أخرج الكشي عن الحسن الوشاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « من قال بأنّنا أنبياء فعليه لعنة اللّه ومن شك في ذلك فعليه لعنة اللّه ».

________________________________________

    1 ـ نَفسَ به وعليه : ضنَّ به.

________________________________________

(25)

    11 ـ أخرج الكشي عن زرارة عن أبي جعفر قال : سمعته يقول : « لعن اللّه « بيان التبّان » وأنّ « بياناً » لعنه اللّه يكذب على أبي أشهد أنّ أبي علي بن الحسين كان عبداً صالحاً ».

    12 ـ أخرج الكشي عن أبي يحيى الواسطي قال : قال أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) : « كان بيان يكذب على علي بن الحسين ( عليه السلام ) فأذاقه اللّه حر الحديد ، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر ( عليه السلام ) فأذاقه اللّه حرّ الحديد.

    وكان محمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى فأذاقه اللّه حرّ الحديد.

    وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد اللّه فأذاقه اللّه حرّ الحديد والذي يكذب عليّ ، محمد بن فرات » قال أبو يحيى : وكان محمد بن فرات من الكتاب فقتله إبراهيم بن شكلة.

    13 ـ أخرج الكشي عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصدق البرية لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه ، وكان أمير الموَمنين ( عليه السلام ) أصدق من برأ اللّه ، من بعد رسول اللّه وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد اللّه ابن سبأ لعنه اللّه ».

    ذكر أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) الحارث الشامي وبيان فقال : كانا يكذبان على علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعاً والسريّ وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الاَشعري وحمزة البريري وصائد النهدي فقال : « لعنهم اللّه إنّا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي ، كفانا اللّه موَنة كل كذّاب ، وأذاقهم اللّه حر الحديد ».

 

________________________________________

(26)

    14 ـ أخرج الكشي عن ابن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) فاستأذن عليه رجل حسن الهيئة ، فقال : اتق السفلة فما تقارّت في الاَرض حتى خرجت فسألت عنه فوجدته غالياً.

    إلى غير ذلك من الروايات التي جمعها الكشي في رجاله (1) وقد اكتفينا بهذا المقدار وإلاّ فالروايات التي تذم هوَلاء الغلاة الكفّار كثيرة. وقد أشار الاِمام في ثنايا كلامه أنّهم كانوا بصدد تشويه سمعة الاَئمة بالكذب عليهم حيث قال : فيسقط صدقنا بكذبهم علينا عند الناس.

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 290 ـ 308. ، ولقد قابلنا الاَحاديث مع الطبعة التي حقّقها العلاّمة المصطفويّ ، ومع ذلك لا تخلو أيضاً من هفوات.

________________________________________

(27)

الكيسانية والاِبهامات المحدقة بها

    قد علمت أنّ الغلاة ليسوا من المسلمين ولا من الشيعة ولا يصح عدّهم من الفرق الاِسلامية ، وإنّ هذا الخطأ صدر من النوبختي والاَشعري وجاء الباقون فساروا على سيرتهما. نعم يظهر من كتب الفرق أنّ فرقاً للشيعة برزت إلى حيّز الوجود قبل ثورة زيد بن علي. وفرقاً أُخرى ظهرت بعد ثورته. ولعل القسم الاَوّل منحصر في الكيسانية التي يدعي أصحاب المقالات أنّها ظهرت بعد ثورة الحسين ( عليه السلام ) أيام إمامة ولده زين العابدين ( عليه السلام ) ، وبدورنا نذكر بعـض نصوصهم حول الكيسانية. ثم نرجع إلى تحرير المتحصل منها ، ولاَجل ذكر النصوص في بدء البحث نستغني عن الاِرجاع إلى المصادر عند التحليل فنقول :

    1 ـ قال الاَشعري : الكيسانية وهي إحدى عشرة فرقة ، وإنّما سمّوا كيسانية لاَنّ المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد ابن الحنفية كان يقال له كيسان ، ويقال إنّه مولى لعلي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ.

    الفرقة الاَُولى من الكيسانية يزعمون أنّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) نصّ على إمامة ابنه محمد ابن الحنفية ، لاَنّه دفع إليه الراية بالبصرة.

    والفرقة الثانية : منهم يزعمون أنّ علي بن أبي طالب نصّ على إمامة ابنه الحسن بن علي وأنّ الحسن بن علي نصّ على إمامة أخيه الحسين بن علي وأنّ الحسين بن علي نصّ على إمامة أخيه محمد بن علي وهو محمد ابن الحنفية.

    والفرقة الثالثة : من الكيسانية هي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير

 

________________________________________

(28)

يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية حيّ بجبال رضوى ، أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه ، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه. ومن القائلين بهذا القول كُثَيِّـر الشاعر وفي ذلك يقول :

ألاّ إنّ الاَئمة من قريشعلي والثلاثة من بنيهفسبط ، سبطُ إيمانٍ وبرّوسبط لا يذوق الموت حتىتغيّب لا يُرى فيهم زمان                   ولاة الحقّ أربعة سواءهم الاَسباط ليس بهم خفاءوسبطٌ غيّبته كربلاءيقود الخيل يَقْدُمها اللواءبرضوى عنده عسل وماء

    الفرقة الرابعة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية إنّما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مروان وبيعته إيّاه.

    والفرقة الخامسة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية مات وأنّ الاِمام بعده ابنه أبو هاشم : عبد اللّه بن محمد الحنفية (1).

    والفرقة السابعة : قالت إنّ الاِمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه الحسن بن علي بن محمد ابن الحنفية.

    والفرقة الثامنة : قالت إنّ أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن ، فالاِمامة عندهم في بني الحنفية لاتخرج إلى غيرهم (2).

    والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 18 ـ 20 ، وقد سقط من الطبع الفرقة السادسة من الكيسانية ولذلك ابتدأنا بالسابعة ، ولما كانت نسخة مقالات الاِسلاميين مشوشة في بيان الفرقة السابعة والثامنة أخذناهما من كتاب الملل والنحل للشهرستاني.

    2 ـ هاتان الفرقتان نقلناهما من الملل والنحل للشهرستاني ثم نتابع النقل من مقالات الاِسلاميين.

________________________________________

(29)

اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة (1) منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور.

    الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه.

    الفرقة الحادية عشرة : يزعمون أنَّ الاِمام بعد أبي هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية وعليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (2).

    وقال النوبختي : وفرقة قالت بإمامة محمد ابن الحنفية ، لاَنّه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه فسمّوا الكيسانية ، وإنّما سمّوا بذلك لاَنّ المختار ابن أبي عبيدة الثقفي كان رئيسهم وكان يلقب « كيسان » وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قَـتَل ، وادّعى (المختار) أنّ محمد ابن الحنفية أمره بذلك وأنّه الاِمام بعد أبيه ، وإنّما لقّب المختار كيسان لاَنّ صاحب شرطته المكنّى بأبي عمرة كان اسمه كيسان ، وكان أفرط في القول والفعل والقتل من المختار جداً ، وكان يقول : إنّ محمد ابن الحنفية وصيّ علي بن أبي طالب ، وأنّه الاِمام وأنّ المختار قيّمه وعامله ويُكفر من تقدّم

________________________________________

    1 ـ كذا في النسخة المطبوعة والصحيح « السراة » وهي موضع بالشام.

    (2)2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 20 ـ 21.

________________________________________

(30)

علياً ويُكَّفِر أهل صفين والجمل ، وكان يزعم أنّ جبرئيل ( عليه السلام ) يأتي المختار بالوحي من عند اللّه عزّ وجلّ فيخبره ولا يراه. وروى بعضهم أنّه سمِّي بكيسان مولى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ودلّه على قتلته ، وكان صاحب سرّه وموَامرته والغالب على أمره (1).

    وقالت فرقة من الكيسانية إنّ محمد بن الحنفية ـ رحمه اللّه تعالى ـ هو المهدي ، وهو وصيّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ليس لاَحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولايُشهّر سيفه إلاّ بإذنه ، وإنّما خرج الحسن بن علي ( عليهما السلام ) إلى معاوية محارباً له بإذن « محمّد » وأودعه وصالحه بإذنه ، وأنّ الحسين إنّما خرج لقتال يزيد بإذنه ، ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلاّ وأنّ من خالف محمد ابن الحنفية كافر مشرك وأنّ محمد استعمل المختار بن أبي عبيدة على العراقيين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم الحسين ( عليه السلام ) وثأره وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا ، وسمّاه كيسان لكيسه ولما عرف من قيامه ومذهبه فيهم فهم يسمّون (المختارية) ويدعون (الكيسانية) (2).

 

معتقدهم :

    إنّ الكيسانية على كثرة فرقهم يجمعهم شيئان :

    أحدهما : القول بإمامة محمد ابن الحنفية.

    والثانية : القول بالبداء على اللّه عزّ وجلّ ، وقالت طائفة منهم بأنّه المهدي المنتظر في الرضوى (3).

________________________________________

    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 22 ـ 24.

    2 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 26.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 52.

(31)

الاِبهامات حول هذه الفرقة :

    قد عرفت كلمات أصحاب المقالات وكتاب العقائد والظاهر منهم ومن غيرهم افتراض فرقة إسلامية شيعية نجمت بعد وقعة الطف (61 ـ 67هـ) والتفّت عدّة من الشيعة حول محمد ابن الحنفية واتّخذوه قائداً (في حياة الاِمام زين العابدين ( عليه السلام )) وقد لبّى هو وولده أبو هاشم ووصيه ، ولم يكن هناك أي اعتراض واستنكار من رجالات البيت الهاشمي فاستتب الاَمر لابن الحنفية وابنه ومن بعده واستفحل أمرهم إلى عصر أبي جعفر المنصور العباسي ، وقد كان العباسيون يستمدون شرعية دولتهم وخلافتهم من انتمائهم إلى تلك الفرقة وكانت لهم أُصول عقائد يتميزون بها عن سائر الفرق.

    لكن الاِبهامات التي تحدق بهذه الفرقة من جوانب شتى يدفع الاِنسان إلى التأكد الكثير من وجود هذه الفرقة الاِسلامية في الساحة وبروزهم إليها باسم الدين وإليك بيانها :

 

1 ـ الاختلاف في المسمّى بكيسان :

    إنّ الكيسانية منسوبة إلى « كيسان » وقد اختلفوا في المسمّى به إلى أقوال فمن قائل : إنّه اسم محمد ابن الحنفية ، إلى آخر : إنّه اسم مولى لعلي ، إلى ثالث : إنّه اسم نفس المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، إلى رابع : إنّه اسم صاحب شرطته المكنى بـ « أبي عمرة » وكان اسمه كيسان (1).

 

2 ـ الاختلاف فيمن نصب محمداً الحنفية للاِمامة :

    إنّ القائد الذي تنتهي إليه تلك الفرقة هو محمد الحنفية ، فقد

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 18 ، والبغدادي : الفرق بين الفرق : 3و 38 ، والنوبختي : فرق الشيعة : 22.

________________________________________

(32)

اختلفوا في مرشحه للاِمامة إلى قولين : فمن قائل بأنّ المعيِّن ، هو الاِمام علي ، إلى آخر أنّه الاِمام الحسين وهو الذي نصبه للخلافة.

 

3 ـ الاختلاف في مبدأ قيادته :

    كما اختلفوا في الموصي والمعيّن ، اختلفوا في مبدأ قيادته ، فمن قائل بأنّه الاِمام المنصوب من جانب الاِمام علي وهو الاِمام بعد رحيل والده دون أخويه ، إلى آخر بأنّه الاِمام بعد استشهاد الحسين ( عليه السلام ) .

 

4 ـ الاختلاف في كونه حياً أو ميتاً :

    اختلفوا في كونه حياً أو ميتاً ، فقد نسب إلى جماعة أنّهم قالوا بكونه المهدي المنتظر وأنّه حي بجبال رضوى ، يصونه الاَسد والنمر ، معه العسل والماء ، وفي مقابلهم من قال بموته ، وأنّ الاِمامة انتقلت إلى فرد آخر.

 

5 ـ اختلافهم في كونه حيّاً كرامة أو عقوبة :

    اختلف القائلون بكونه حياً ، فهل هو حي كرامة ، بشهادة أنّه يصان بالاَسد والنمر عن اليمين والشمال ويأتيه رزقه غدواً وعشياً إلى وقت خروجه كما قال به كثير الشاعر ، أو أنّه حي عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مروان وبيعته إيّاه.

 

6 ـ الاختلاف في الاِمام بعد أبي هاشم :

    توفي محمد الحنفية عام ثمانين أو واحد وثمانين وتوفي ابنه أبو هاشم « عبد اللّه ابن محمد الحنفية » سنة ثمان أو تسع وتسعين وعرفه ابن شهر آشوب بأنّه كان ثقة جليلاً من علماء التابعين روى عنه الزهري وأثنى عليه وعمرو بن دينار وغيرهما (1).

    وقد اختلفت الاَقوال في وصيه إلى قائل بأنّه أوصى إلى الحسن بن علي بن

________________________________________

    1 ـ المامقاني : تنقيح المقال : 2/212 برقم 7042.

________________________________________

(33)

محمد الحنفية ، إلى آخر بأنّه أوصى إلى أخيه ، علي بن محمد الحنفية ، وأنّه أوصى إلى ابنه الحسن ، إلى ثالث أنّه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس ، إلى رابع بأنّه أوصى إلى بيان بن سمعان ، إلى خامس أنّه أوصى إلى عبد اللّه بن عمرو بن حرب.

 

7 ـ الاختلاف في المعتقد :

    إنّ الكيسانية على كثرة فرقهم يجمعهم شيئان : أحدهما : القول بإمامة محمد ابن الحنفية والثانية : القول بأنّه المهدي المنتظر مضافاً إلى القول بالبداء (1).

    أقول : إنّ القول بالبداء ليس من عقائد هذه الطائفة وإنّما هو عقيدة إسلامية جاء بها القرآن الكريم ونصت به السنّة النبوية (2) ولو فسرت على وجه صحيح لعلم أنّ المسلمين بأجمعهم متفقون على القول بها.

    وإنّما نشأ النزاع من تفسيره على وجه باطل ، أعني : الظهور بعد الخفاء على اللّه تعالى ، ولا يقول به أحد من المسلمين ، وتفسيره الصحيح قائم بكلمتين : إحداهما يرجع إلى مقام الثبوت ، والاَُخرى إلى مقام الاِثبات ، أمّا الاَُولى ، فالبداء عبارة عن تغيير المصير بالاَعمال الصالحة أو الطالحة ، كما كان الحال كذلك في قوم يونس ، وأمّا الثانية فهي الاِظهار بعد الاِخفاء ، وأمّا علمه سبحانه فلا يتغير ولايتبدل وأوضحنا حقيقتها في الجزء السادس من هذه الموسوعة (3).

    قد نقل في كتب الملل والنحل أنّهم استدلوا على كون محمد ابن الحنفية إماماً بقول علي ( عليه السلام ) له يوم البصرة وقد أقدم بالراية : « أنت ابني حقاً » !

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 52.

    2 ـ الاِمام البخاري : الصحيح : 4/208 ، كتاب الاَنبياء ، باب 51 حديث أبرص وأعمى وأقرع.

    3 ـ بحوث في الملل والنحل : 6/304 ـ 327.

________________________________________

(34)

    وأنت خبير بأنّ أحقّية البنوّة هو كونه شبيه والده في الشجاعة لا أنّه إمام بعده أو بعد السبطين.

    كما نقل أنّهم استدلوا على كونه مهدياً غائباً بقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لن تنقضي الاَيام والليالي حتى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ».

    ولكن الاستدلال في غاية الضعف لاَنّ اسم والد محمد هو علي لا عبد اللّه. نعم كان علي صلوات اللّه عليه عبداً للّه وصفيّاً لا علَمياً.

    على أنّه لو صحّ الاستدلال فالنفس الزكية ، أعني : محمد بن الحسن بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ، أولى منه.

    واستدلوا أيضاً على أنّ خروج المختار كان بإذنه.

    يلاحظ عليه : أنّ الاِذن بالخروج لايدلّ على أنّه ادّعى الاِمامة ودعا الناس إليها ، وقد روى الشيخ المفيد أنّه سئل محمد ابن الحنفية عن ظهور المختار وادّعائه أنّ خروجه بأمره فأجاب :

    واللّه ما أمرته بذلك لكن لا أُبالي أن يأخذ بثأرنا كل أحد ، وما يسوءني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا.

    فاعتمد السائلون على ذلك وكانوا كثيرين. وقد رحلوا إليه بهذا المعنى بعينه ، فنصروا المختار على الطلب بدم الحسين ( عليه السلام ).

    وأخيراً نقول إنّ الاِمامة إمّا بالنصّ أو بالبيعة ، فإن كان الاَوّل فأين النصّ؟ وإن كانت بالبيعة فأين بايعه أهل الحل والعقد؟

    وتوضيح المقال بذكر أمرين :

    الاَوّل : أنّ محمد الحنفية وليد البيت العلوي وربيبه الذي وصفه أمير الموَمنين ، بقوله : « إنّ المحامدة تأبى أن يعصى اللّه عزّ وجلّ » قال الراوي ، قلت :

 

________________________________________

(35)

ومن المحامدة؟ قال ( عليه السلام ) : « محمد بن جعفر ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أمير الموَمنين ابن الحنفية » (1) وكان أعرف الناس بعظم مقام الاِمامة وخطورتها وأنّها لا تصلح إلاّ لمن ثبت في حقّه النص ، من صاحب الرسالة أو من بايعه الناس ، أو خصوص أهل الحل والعقد ومع ذلك كيف يلبّي دعوة نفر أو نفرين للقيام بأعباء الاِمامة ولم يكن هناك تنصيص ولا بيعة من وجوه المسلمين ولم يكن الرجل من الانتهازيين أو من أبناء البيت الساقط الذين كانوا يدوسون كل الاَُصول الاِسلامية ، للحصول على الغايات ويستهويهم النهمة والشره لاختلاس الاَموال أو حيازة جاه.

    ونحن نُجلُّ محمد ابن الحنفية عن الرغبة إلى حيازة المقام الذي لا يصلح إلاّ لمن اجتمع لديه الشرط من التنصيص أوّلاً ، أو البيعة ثانياً.

    والذي يوَيد ذلك أنّه لم تشاهد منه دعوة إلى نفسه ، بإلقاء الخطابة والمحاضرة ، أو بعث الرسل إلى الاَطراف والاَكناف ، أو تصدي أمر ، يعد من شوَون الحكومة ، ولو كان كذلك لكان له أنصار وأعوان ، ولما ألقى عليه القبض ، ابن الزبير لغاية أخذ البيعة والتهديد بالاِحراق عند رفضها. كما أنّه كان يتعاطف مع عبد الملك بن مروان ـ عملاً بواجبه ـ حتى أدركته المنية عام ثمانين أو واحد وثمانين.

    الثاني : لو أغمضنا عن ذلك فهل كان هناك جماعة ، موَمنون بإمامته وقيادته؟ وأنّ الفراغ الذي حصل ، لدى الشيعة بشهادة السبط ، مُلىَ ببيعة أهل العراق ولفيف من أهل المدينة ومكة له ، أو لا ؟.

    والحقّ هو الثاني وأنّ كثير من الشيعة كانوا حيارى في أمر الاِمامة لاَجل الضغط من جانب الحكومة الاَموية إلاّ الاَخصّاء ولكن كانت الشيعة بأجمعهم

________________________________________

    1 ـ المامقاني : تنقيح المقال : 2/57 برقم 10230 ، نقلاً عن رجال الكشي.

________________________________________

(36)

يتعاطفون مع أهل البيت وعلى مقدمتهم الشخصيتان البارزتان : محمد ابن الحنفية ، و علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) من دون أن يتخذ ابن الحنفية إماماً وقدوة للشيعة.

    ففي هذه الظروف نهض إنسان غيور ، وشجاع مقدام ، وسيف بتّار ، لاَخذ ثار الاِمام الحسين ألا وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي كان يحب أهل البيت ( عليهم السلام ) منذ نعومة أظفاره إلى أن ألقى حمامه في طريق أخذ ثارهم ، ونال أُمنيته باجتثاث جذور أعدائهم ، وسفك دمائهم ، فأشفى صدور قلوب الموَمنين وعلى رأسهم أئمة أهل البيت والهاشميون والهاشميات بأجمعهم.

    لقد كان الاتصال الوثيق مع أكابر أهل البيت يوم ذاك رصيداً كبيراً للثائر لغاية التفاف شيعة العراق حول المختار ولولا ذلك لما تمكن من إنهاضهم إلى ميادين القتال. وبما أنّ محمد ابن الحنفية ـ رض ـ كان كبير العلويين في السن لم يكن له بد من التعاطف معه وكان له مثل ذلك سيد الساجدين ، ولاَجل المواصلة والمكاتبة مع العظيمين جلب اهتمام الشيعة لنفسه ، وأقام نهضة كبيرة أخذ بها ثأر الحسين ( عليه السلام ) لا بل كانت ناراً أحرقت أُمنيات بني أُمية وأبادت آثارهم واجتثت جذورهم.

    ولما كانت ثورته ثقيلة على مناوئي أهل البيت ( عليهم السلام ) أرادوا إسقاطه من أعين الناس فتحاملوا عليه من جانب العقيدة فرموه باختراع المذهب حتى رموه بادّعاء النبوة ونزول الوحي حتى صاغوا له جملاً مضاهية لجمل الكهنة ، ونسبوها إليه (1). ولم يكن لهم غاية إلاّ القضاء على نهضته وثورته.

    يقول البغدادي : « فلمّا تمت للمختار ولاية الكوفة والجزيرة والعراقين ،

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 46.

________________________________________

(37)

تكهّن بعد ذلك وسجع كإسجاع الكهنة ، وحكي أيضاً أنّه ادّعى نزول الوحي عليه » (1).

    لم يكن المترقّب من البيت الاَموي وحماته الذين شربوا كأس المنون بيد الثائر المتفاني في حب أهل البيت ، إلاّ رميه بادّعاء النبوة ونزول الوحي ، ولنفترض أنّ الثائر الثقفي لم يكن رجلاً دينياً ، ولم ينهض بدافع إلهي ، وإنّما ثارت ثورته ، بدافع نفسي مادي ، ولكنه كان رجلاً عملاقاً وسياسياً عبقرياً ، قاد أعظم الثورات التي شاهدها التاريخ في ذلك العصر وامتدت سلطته إلى أرمينيا ، وهل مثله ـ وهو يحكم باسم الاِسلام والدين ، وبتأييد من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ يدّعي النبوة ونزول الوحي ويتكلم بكلام الكهنة مع أنّ التاريخ ضبط خطبه وكلامه حتى نقلها البغدادي (2) كلا ، ولا ، وما جاء به البغدادي ، ليس إلاّ نسبة مفتعلة.

    « من يتحقّق في سيرة المختار وحربه للاَمويين ودكه لجيش قائدهم عبيد اللّه ابن زياد ، وفي عدائه للزبيريين ابتداء من انتزاع الحكم منهم في أوّل ثورته حتى قتاله لمصعب الذي سيطر على الحكم بعد المختار ، ـ من يتحقّق في هذا ـ يستطع تحليل اتّـهام المختار بالكذب والانحراف واستغلال الاِسلام وقتل الاِمام الحسين ( عليه السلام ) من أجل مصالحه الشخصية ، وأن تنسب له أقاويل مضادة للاِسلام. وكيف لايتهم بالاَُمور السالفة وأضرابها وقد أطبقت على عدائه دولتان ، دولة ابن الزبير ودولة الاَمويين؟ » (3).

    وهناك بعض التساوَلات على صعيد البحث نشير إليها :

    الاَوّل : روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر ( عليه السلام ) مناشدة محمد ابن الحنفية لعلي بن الحسين في مسألة الوصاية والاِمامة حتى اتفقا

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 45 و 46.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 45 و 46.

    3 ـ محمود البغدادي : النظرية السياسية : 284.

________________________________________

(38)

على تحكيم الحجر الاَسود وطلب الشهادة منه على أحدهما ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الاَسود ، فقال علي بن الحسين لمحمد ابن الحنفية : « إبدأ أنت فابتهل إلى اللّه عزّ وجلّ وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل » فابتهل محمد في الدعاء وسأل اللّه ثم دعا الحجر فلم يجبه ، فعند ذلك تقدم علي بن الحسين وقال : « أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الاَنبياء وميثاق الاَوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا مَن الوصي والاِمام بعد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ؟ » فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم أنطقه اللّه عزّ وجلّ بلسان عربي مبين فقال : اللّهم إنّ الوصي والاِمام بعد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال فانصرف محمد بن علي وهو يتولّى علي بن الحسين ـ عليهما السلامـ (1).

    لكن الاِجابة عن هذا السوَال واضحة ، فإنّا لو افترضنا صحة المضمون ، واكتفينا في مثل هذه الواقعة الخطيرة بالخبر الواحد ، لنا أن نقول بأنّ المناشدة كانت لاَجل إفهام الآخرين بإمامة علي بن الحسين حتى يوجه نظر الجماهير إلى الاِمام الحقيقي.

    إنّ محمد ابن الحنفية أجل من أن لا يعرف شروط الاِمامة وإنّها لم تكن متوفرة في حقّه. إذ لو كانت بالنص فلم يكن هناك نصّ عليه ، ولو كانت بالمبايعة والتصفيق بالاَيدي فلم تكن هناك مبايعة. ومع ذلك فهل يحتمل أن يشهد له الحجر بالاِمامة.

    الثاني : إذا لم تكن هناك دعوة باسم الكيسانية وإنّما خلقها أعداء المختار لاِسقاطه من أعين الناس فبماذا يفسر ما أنشأه الشاعر كُثَيِّـر عزّة.

________________________________________

    1 ـ الكليني : الكافي : 1/348 ح5 ، كتاب الحجّة.

________________________________________

(39)

ألا إنّ الاَئمة من قريشعلي والثلاثة من بنيه                ولاة حقّ أربعة سواءهم الاَسباط ليس بهم خفاء (1)

    أو ما أنشأه السيد الحميري :

ياشعب رضوى ما لمن بك لا يرىحتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى                   وبنا إليه من الصبابة أولقيابن الرسول وأنت حيٌّ ترزق (2)

    والاَجابة عن هذا السوَال واضحة لاَنّا أيضاً نرافق القارىَ في حكاية هذه الاَشعار عن ظهور عقيدة خاصة في حقّ محمد ابن الحنفية ، ولكنها لم تكن تتجاوز عن حدوث فتنة دينية أثارت شكوكاً تارة وأوهاماً أُخرى على بعض الناس ولم يمض شيء حتى ذهبت أدراج الرياح ، ولاتعد مثل ذلك فرقة إسلامية لها دور على بعض الناس على أنّ شعر السيد لا يثبت هذا المطلب لاَنّه يقول : يا ابن الرسول ولم يكن محمد ابن الحنفية ابناً للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

    الثالث : روي أنّ السيد الحميري كان كيسانياً وله شعر في هذا المذهب ولكنه رجع إلى الحقّ بفضل الاِمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) وقال :

تجعفرتُ باسم اللّه واللّه أكبرودنتُ بدينٍ غير ما كنتُ دايناًفقلت هب أنّي قد تهوّدتُ برهةفلست بغال ما حييتُ وراجعولا قائل قولاً لكيسان بعدهاولكنه من قد مضى لسبيله                وأيقنتُ أنّ اللّه يعفو ويغفربه ونهاني سيد الناس جعفروإلاّ فديني دين من يتنصرإلى ما عليه كنت أخفي وأُضمروإن عاب جهال مقالي وأكثرواعلى أحسن الحالات يقضي ويوَثر (3)

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 78 ـ 79 ، طبعة دار الاندلس.

    2 ـ المسعودي : مروج الذهب : 78 ـ 79 ، طبعة دار الاندلس.

    3 ـ السيد المرتضى : الفصول المختارة : 598.

________________________________________

(40)

    إنّ شعره هذا يحكي عن وقوع شبهة لبعض أولياء أهل البيت ( عليهم السلام ) فتصوروا المجاز حقيقة ، ولكنهم رجعوا إلى شرعة الحقيقة وشربوا من مائها العذب المعين.

    وقد اتضح بهذا البحث الضافي على أنّ المذهب الكيساني تحدقه إبهامات وغموض في موَسسه وأتباعه وأهدافه تكاد تدفع الاِنسان إلى أنّه مذهب مختلق من جانب الاَعداء ، ملصق بشيعة أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لغاية تشويش أذهان الشيعة أوّلاً وتحطيم سمعة السيف البّتار المختار بن أبي عبيدة ثانياً.

    وهناك كلمة تدعم ما ذكرنا بأحسن وجه وهي أنّ الباعث الوحيد لترويج هذا المسلك هو العباسيون في بداية أمرهم لاَنّهم كانوا يستمدون شرعية خلافتهم من هذا الطريق إذ يدعون أنّ أبا هاشم أوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس.

    قال الاَشعري : قالوا إنّ أبا هاشم مات بأرض السراة منصرفاً من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، وأوصى محمد بن علي ، إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض(1).

    فالعباسيون لاَجل إضفاء الشرعية على خلافتهم كانوا يدعمون هذا المذهب ويصوّرونه أمراً واقعياً وصل إليهم من أئمة أهل البيت فمن الحسين ( عليه السلام ) إلى أخيه محمد ابن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس إلى أن وصل إلى المنصور ذلك الحاكم الطاغي قاتل العلويين.

    قال ابن خلدون في مقدمته : وآخرون يزعمون أنّ أبا هاشم لما مات بأرض السراة منصرفاً من الشام ، أوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، وأوصى

________________________________________

    1 ـ الاشعري : مقالات الاسلاميين : 21 ، وفي النسخة « الشراة ».

(41)

محمد إلى ابنه إبراهيم المعروف بالاِمام ، وأوصى إبراهيم إلى أخيه عبد اللّه بن الحارثية الملقب بالسفاح ، وأوصى هو إلى أخيه عبد اللّه أبي جعفر الملقب بالمنصور ، وانتقلت في ولده بالنص والعهد واحداً بعد آخر إلى آخرهم ، وهذا مذهب الهاشمية القائمين بدولة بني العباس ، وكان منهم : أبو مسلم وسليمان بن كثير وأبو سلمة الخلاّل وغيرهم من شيعة العباسية وربما يعضدون ذلك بأنّ حقهم في هذا الاَمر يصل إليهم من العباس ، لاَنّه كان حياً وقت الوفاة وهم أولى بالوراثة بعصبيّة العمومة (1).

    والجدير بإلفات نظر القارىَ هو قول ابن خلدون : « وربما يعضدون ذلك بأنّ حقهم في هذا الاَمر يصل إليهم من العباس » فإن ظاهره أنّ العباسيين يعضدون الكيسانية ويروجونها إذ من ذلك الطريق يصلون إلى شرعية حكمهم (2).

    وفي الختام نأتي بكلمتين للشيخ المفيد ، قال :

    1 ـ أنّ جميع ما حكيناه من اعتقادات القوم ، أمر حادث ألجأ القوم إليه الاضطرار ، عند الحيرة ، وفراقهم الحقّ ، والاَصل المشهور ما حكيناه من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم ـ محمد الحنفية ـ بعد أخويه والقطع على حياته وأنّه القائم (وأمّا غير هذا القول فقد حدث بعد زمن ، ألجأهم الاضطرار إليه).

    2 ـ انقرضت الكيسانيـة حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلاّ ما يحكى ولا تُعرف صحته ، ويقول في مورد آخر : « إنّ الكيسانية في وقتنا هذا لا بقية لهم ولا يوجد عدد منهم ، يقطع العذر بنقله ، بل لا يوجد أحد منهم يدخل في جملة أهل العلم بل لا نجد أحداً منهم جملة ، وإنّما تقع مع الناس الحكاية عنهم خاصة (3).

________________________________________

    1 ـ ابن خلدون : المقدمة : 1/250 ، طبع دار الفكر ، بيروت.

    2 ـ لاحظ البغدادي : الفرق بين الفرق : 40 ـ 41.

    3 ـ الشيخ المفيد : الفصول المختارة : 297 ـ 305.

________________________________________

(42)

حول سائر فرق الشيعة

    قد ذكر أصحاب المقالات للشيعة فرقاً بصورة عامة وللزيدية والاِمامية بصورة خاصة ، أمّا فرق الزيدية فسوف نتناولها في مستقبل الكتاب ونثبت أنّ زيداً الثائر لم يكن إماماً في العقائد ولافقيهاً صاحب منهج في الفقه ولم يكن له أي ادّعاء في ذينك المجالين حتى يكون إماماً في أحدهما ويشكل فرقة خاصة باسم الزيدية ، نعم بعدما قتل زيد في المعركة وأدّى واجبه تفرّق أصحابه إلى فرق ومذاهب لاتمت بالثائر بصلة ، فانتماء الفرق الزيدية إلى اتباع زيد الصق بهم من زيد ـ رضي اللّه عنه ـ وسيوافيك التفصيل في محله.

    إنّما الكلام عن الفرق التي ذكروها فرقاً للاِمامية وقد كبّروها وعدّوها خمس عشرة فرقة وهي :

    1 ـ الكاملية 2 ـ المحمدية 3 ـ الباقرية 4 ـ الناووسية 5 ـ الشمطية 6 ـ العماريـة 7 ـ الاِسماعيليـة 8 ـ المباركية 9 ـ الموسويــة 10 ـ القطعيـة 11ـ الاثنا عشرية 12 ـ الهشامية 13 ـ الزرارية 14 ـ اليونسية 15 ـ الشيطانية (1).

    وهوَلاء الذين ذكرهم البغدادي تبعاً للاَشعري ، وتبعهما الاِسفرائيني في كتابه « التبصير في الدين » والشهرستاني في « الملل والنحل » والرازي في « اعتقادات المسلمين والمشركين » تدور بين الصحيح والمختلق ، فإنّ كثيراً منها

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 350.

________________________________________

(43)

فرق في عالم الوهم والخيال نسجها مناوئوا أهل البيت لتشويه سمعة الشيعة الاِمامية ، ولنأتي بنموذج عنها وهم الفرق الاَربعة الاَخيرة ، أعني : الهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية فإنّك لا ترى أثراً من هذه الفرق في كتب الشيعة الاِمامية.

    أمّا الاَُولى : أي المنسوبة إلى هشام بن الحكم فمختلقة ، فإنّ هشام بن الحكم من متكلّمي الشيعة الاِمامية وبطانتهم وممّن دعا له الاِمام الصادق ( عليه السلام ) فقال : « ماتزال موَيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».

    قال الشهرستاني : هذا هشام بن الحكم صاحب غور في الاَُصول لا يجوز أن يُغفل عن إلزاماته على المعتزلة ، فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون مايُظهره من التشبيه!! و ذلك أنّه ألزم العلاّف (1).

    سيوافيك أنّ ما نقله عنه من التشبيه يرجع إلى زمن شبابه قبل اتصاله بالاِمام الصادق ( عليه السلام ) ويعتبر الرجل بخواتيم أعماله ومعتقداته.

    يقول أحمد أمين : أكبر شخصية شيعية في الكلام وكان جداً قوي الحجّة ، ناظر المعتزلة وناظروه ونقلت له في كتب الاَدب مناظرات كثيرة متفرقة تدلّ على حضور بديهته وقوة حجّته.

    إنّ الشيخ الاَشعري قد أطنب الكلام عنه وذكر له عقائد خرافية في تجسيمه سبحانه وعطف عليه هشام بن صادق الجواليقي واشتراكهما في التجسيم ومضاعفاته (2) وذكره البغدادي بنفس النص مع تلخيص (3) ، وتبعهما من جاء بعدهما كالشهرستاني غير أنّ هوَلاء لابتعادهم عن التعرّف برجال الشيعة لم يعرفوا هشام بن الحكم حقّ المعرفة واشتبه عليهم الاَمر ، فإنّ هشام كان بداية أمره

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/185.

    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 1/31 ـ 34.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 65 ـ 69.

________________________________________

(44)

من تلامذة أبي شاكر الديصاني صاحب النزعة الاِلحادية ، ثم تبع جهم بن صفوان الجبري المتطرف المقتول بـ « ترمذ » عام 128هـ ، ولما التحـق بالاِمـام الصادق ( عليه السلام ) ودان بمذهب الاِمامية ترك ما كان يعتقد به من تجسيم وتشبيه فقد تطبعت عقليته على معارف أهل البيت إلى حد كبير ، ولا يخفى على إنسان ملمّ بالحديث والكلام أنّ التنزيه شعار أهل البيت ( عليهم السلام ) ولقد كفانا الشيخ عبد اللّه نعمة في رسم حياة هشام رسماً واقعياً منزّهاً عن كل رأي مفتعل (1).

    وأمّا الثانية : أعني الزرارية فهذه الفرقة المختلقة منسوبة إلى زرارة بن أعين من أجلاّء تلاميذ الاِمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ). يقول النجاشي في حقه : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلماً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين (2) وقد ذكرنا له ترجمة ضافية طبعت في مقدمة مسنده ، مات رحمه اللّه عام 150هـ ، ولم يكن له أي شطح في العقيدة أو اعوجاج في الفكر ، وإنّما كان يسير على ضوء إماميه الباقر والصادق ( عليهما السلام ) وقد أثنيا عليه بجمل ضافية ، ومسنده المطبوع لاَصدق دليل على براءته في الكلام واضطلاعه في الفقه.

    نعم أنّ الضغائن والحقد على هذا المتكلّم وعلى من سبقه ـ هشام بن الحكم ـ دفع المخالفين على رميهم بالانحراف الفكري ، قال البغدادي : ومنهم الزرارية أتباع زرارة بن أعين الرافضي ، في دعواها حدوث جميع صفات اللّه عزّ وجلّ وإنّها من جنس صفات اللّه عزّ وجلّ وزعموا أنّ اللّه تعالى لم يكن في الاَزل حياً ، ولاعالماً ولا قادراً ولا مريداً ولاسميعاً ، ولا بصيراً وإنما استحق هذه الاَوصاف حين أحدث لنفسه حياة وقدرة وعلماً وأرادة وسمعاً وبصراً. (3)

________________________________________

    1 ـ لاحظ كتابه حياة هشام بن الحكم ، طبع بيروت.

    2 ـ النجاشي : الرجال : 1/397 برقم 461. ولاحظ مقدمة الموَلّف على مسنده.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 230.

________________________________________

(45)

    ما عزى إليه ، نسبة مفتعلة ، والرجل ممّن برع في الفقه الاَكبر والاَصغر في أحضان الاِمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) وحاشا أنّ يقول مثله بحدوث الاَوصاف الثبوتية للّه.

    وأمّا الثالثة : فهي اليونسية المنسوبة إلى يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين بن موسى ، مولى بني أسد ، فقد كان حافظاً للحديث ، فقيهاً في الدين ، متكلّماً على مذهب أهل البيت. يقول النجاشي :

    كان وجهاً في أصحابنا ، متقدماً ، عظيم المنزلة ، ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا ( عليهما السلام ) ، وكان الرضا ( عليه السلام ) يشير إليه في العلم والفتيا له كتاب يوم وليلة وقد قال في حقّه الاِمام العسكري ( عليه السلام ) : « أتاه اللّه بكل حرف نوراً يوم القيامة » وكتب أُخرى ذكرها النجاشي (1).

    وقد نسب إليه البغدادي من أنّه كان يقول : إنّ اللّه تعالى يحمله حملة عرشه وإن كان هو أقوى منها (2).

    وأمّا الرابعة : فهوَلاء يريدون من الشيطان ، محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي ، كوفي صيرفي يلقّب بـ « موَمن الطاق » و « صاحب الطاق » ، وإنّما لقبه المخالفون بشيطان الطاق ، وكان دكانه في طاق المحامل بالكوفة فيرجع إليه في النقد فيرد رداً فيخرج كما يقول فيقال شيطان الطاق. له كتاب الاحتجاج في إمامة أمير الموَمنين ، وكتاب رد فيه على الخوارج ، ومناظرات مع أبي حنيفة والمرجئة.

    وقال ابن النديم : كان متكلماً حاذقاً. وله من الكتب : الاِمامة وكتاب المعرفة

________________________________________

    1 ـ النجاشي : الرجال : 2/421 ـ 422.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 228 ، والنسبة مفتعلة ، والعدل والتنزيه من شعار أئمة أهل البيت ، وما نقل أشبه بكلام المجسّمة من الحنابلة والحشوية.

________________________________________

(46)

وكتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول ، وكتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة (1).

    نسب إليه البغدادي من أنّ اّللّه تعالى إنّما يعلم الاَشياء إذا قدرها وأرادها ، ولا يكون قبل تقديره الاَشياء عالماً بها ، وإلاّ ما صحّ تكليف العباد (2).

    إنّ دراسة حياة هوَلاء الاَكابر تشهد على أنّهم من حفاظ أحاديث أهل البيت ومن مقتفي آثارهم ، فعقيدتهم لاتختلف قدر شعرة مما كان عليه الاِمام الصادق والاِمام الكاظم ( عليهما السلام ).

    هوَلاء كانوا صواعق تنزل على روَوس المنافقين وتدمر أوكار أفكارهم ، فلم يجد الخصوم بدّاً من الازدراء بهم حتى لقّبوا بعضهم بالشيطانية تنابزاً بالاَلقاب.

    نحن نسلم أنّ له رأياً فيما ترجع إلى الاستطاعة كما زعمها الاَشعري في موَمن الطاق ومن تقدّمه (3).

    أفيصح أن يعد هوَلاء موَسّسين لفرق إسلامية بحجّة أنّ لهم رأياً في مسألة كلامه ولو صلح ذلك لبلغت عدد الفرق الاِسلامية المائة بل المئات ، إذ ما من مسألة كلامية إلاّ فيها خلاف بين علماء الكلام.

    هذا ما يرجع إلى الفرق الاَربعة التي ذكرها البغدادي في آخر الفرق للاِمامية ، ولنرجع إلى ماصدّر به فرق الاِمامية ونشرحها بالمشراط العلمي.

________________________________________

    1 ـ ابن النديم : الفهرست : 264 ، وأيضاً : 258.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 71.

    3 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 43.

________________________________________

(47)

قالوا : منهم الكاملية :

    يقول البغدادي : هوَلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل ، وكان يزعم بأنّ الصحابة قد كفروا بتركهم بيعة علي ، وكفر عليّ ، بتركه قتالهم ، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب صفين ، وكان بشار بن برد الشاعر الاَعمى على هذا المذهب ، وروى أنّه قيل : له ماتقول في الصحابة؟ قال : كفروا ، فقيل له : فماذا تقول في علي؟ فتمثل بقول الشاعر :

وما شر الثلاثة أم عمرو           بصاحبك الذي لا تصبحينا

    وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنّه ضم إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير علي معهم ضلالتين أُخريتين.

    إحداهما : قوله برجعته إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة.

    الثانية : قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الاَرض ، واستدلوا في ذلك بقول بشار في شعر له :

الاَرض مظلمة والنار مشرقة              والنار معبودة مذ كانت النار (1)

    يلاحظ عليه : بما ذكرنا في أوّل الفصل من أنّ عد فرقة من المذاهب الاِسلامية مشروط بوجود المقسم في القسم فلو لم يشم القسم رائحة المقسم فلا يصح عدّه قسماً منه ، فإنّ التشيع بالمعنى الاصطلاحي هو الاعتقاد بأنّ علياً ( عليه السلام ) هو المنصوب للقيادة بعد رحيل الرسول الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومعنى ذلك لزوم متابعته والاقتفاء بأثره ، وأنّه الرجل الاَمثل والاَفضل بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإذا كان الرجل مبغضاً

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 54 ، والاِسفرائيني ، التبصير : 35 ، تحقيق كمال يوسف الحوت.

________________________________________

(48)

ومكفّراً لعلي وإن كان مكفّراً لسائر الخلفاء ، فهل يصح عدّه من الشيعة وعدّ مذهبه فرقة من فرق الشيعة الاِمامية؟!.

    لا أدري ولا المنجم يدري ولا القراء يدرون !!

    على أنّ الرجعة ليست بمعنى رجوع جميع الناس إلى الدنيا المستلزم لاِنكار البعث ، بل المقصود رجوع عدد قليل من الصلحاء والطواغيت عند ظهور المهدي ( عليه السلام ) ولعل عددهم لا يتجاوز عدد الاَصابع ، وقد أوضحنا معناها في الجزء السادس من هذه الموسوعة (1).

 

ومنهم المحمدية :

    هوَلاء ينتظرون محمد (النفس الزكية) بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ولا يصدّقون بقتله ولا بموته ، ويزعمون أنّه في جبل حاجز من ناحية نجد إلى أن يوَمل بالخروج ، وكان المغيرة بن سعيد العجلي مع ضلالاته في التشبيه يقول لاَصحابه : إنّ المهدي المنتظر ، محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ابن علي ، ويستدل على ذلك بأنّ اسمه كاسم رسول اللّه واسم أبيه عبد اللّه كاسم أبي رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقال في الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله في المهدي : « إنّ اسمه يوافق اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » فلما أظهر محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي دعوته بالمدينة واستولى على مكة والمدينة ، واستولى أخوه إبراهيم بن عبد اللّه على البصرة ، واستولى أخوهما الثالث ـ وهو إدريس بن عبد اللّه ـ على بلاد المغرب ، وكان ذلك في زمان الخليفة أبي جعفر المنصور فبعث المنصور إلى حرب « محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن » بعيسى بن موسى في جيش كثيف قاتلوا محمّداً بالمدينة وقتلوه في المعركة ، ثم أنفذ بعيسى بن موسى أيضاً إلى حرب « إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي » مع جنده ، فقتلواإبراهيم بباب

________________________________________

    1 ـ السبحاني : موسوعة بحوث في الملل والنحل : 6/363.

________________________________________

(49)

حمرين على الستة عشر فرسخاً من الكوفة ، ومات في تلك الفتنة إدريس بن عبد اللّه بن الحسن بأرض المغرب ، وقيل : إنّه سُمَّ بها ، ومات عبد اللّه بن الحسن بن الحسن والد أُولئك الاِخوة الثلاثة في سجن المنصور ، وقبره بالقادسية ، وهو مشهد معروف يزار (1).

    يلاحظ عليه : من سبر تاريخ العلويين يذعن بأنّه كانت في عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وأيام إمامته (114 ـ 148هـ) فكرتان تسودهم ، فمن معتقد بأن طريق إنقاذ الاَُمة الاِسلامية من أيدي الاَمويين ثم العباسيين يكمن في الكفاح المسلّح ، إلى آخر بأنّ الظروف لاتسمح للكفاح المسلح وإنّما الواجب توعية الناس وتثقيفهم وتعليمهم وإعدادهم إلى الظرف المناسب.

    وقد سلك زيد الثائر الدرب وفق المعتقد الاَوّل ، وأعقبه أبناوَه : يحيى بن زيد وعيسى بن زيد ، ثم الحسنيون عامة ، ولذلك قام محمد بن إبراهيم بن الحسن المثنى بطرق هذا الباب وأثار ثورة مع إخوته كما عرفت ، ولم يكن له ولا لاِخوته أو غيره أي دعوة إلى شخصهم وإنّما فرضوا على أنفسهم إزالة الحكومة الجائرة ثم تفويض الاَمر إلى الاَليق والاَمثل من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وعلى ضوء ذلك فلا يصح لنا عد ثائر على الظلم موَسساً لمذهب ومكوناً لفرقة ، وأمّا أنّ أمثال المغيرة بن سعيد من رجال العبث والفساد الذين استبطلوه بتعريفهم إيّاه للملاَ على أنّه المهدي المنتظر فلا يمت إلى الثائر بصلة ، وقد تقدّم أنّ أئمة أهل البيت تبرّأوا من ابن سعيد وأذنابه عملاء الفسق والفساد.

 

ومنهم : الباقرية والجعفرية :

    إنّ الاِمامية عن بكرة أبيهم يعتقدون بأنّ الاَئمة اثنا عشر خلفاء اللّه بعد وفاة

________________________________________

    1 ـ البغداي : الفـرق بين الفـرق : 57 ـ 58 ، وقد بسط الكلام في هذه الفرقة الاِسفرائيني في التبصير : 35 ـ 36.

________________________________________

(50)

الرسول الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ذكر الرسول الاَكرم أسماءهم لخُلَّص أصحابه ، منهم جابر بن عبد اللّه الاَنصاري وغيره (1) وقد تضافر عن الرسول حسب ما رواه أحمد في صحيحه أنّه يملك هذه الاَُمّة اثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل (2) وروى البخاري عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش » (3) وروى مسلم عنه أيضاً يقول : سمعتُ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « لا يزال الاِسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لاَبي : ماقال؟ فقال : كلّهم من قريش (4).

    إلى غير ذلك من الروايات الناصة على أنّ خلفاء الرسول اثنا عشر خليفة ، وقد ذكرنا متون الروايات في الجزء السادس من هذه الموسوعة (5).

    وقد اتفقت الاِمامية على أنّ محمداً الباقر وجعفراً الصادق ( عليهما السلام ) من الاَئمة الاثني عشر بلا ريب أو شك ، كما اتفقت الاَُمّة على فضلهما وجلالتهما بلا ريب أو شك.

    قال ابن خلّكان : أبو جعفر محمد بن زين العابدين الملقب بـ « الباقر » أحد الاَئمة الاثني عشر في اعتقاد الاِمامية ، وهو والد جعفر الصادق ، كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر ، لاَنّه تبقّر في العلم ، أي توسّع ، وفيه يقول الشاعر :

يا باقر العلم لاَهل التقى          وخير من لبّى على الاَجْبُلِ (6)

________________________________________

    1 ـ الحويزي : نور الثقلين : 1/414 ، في تفسير قوله تعالى : (أطيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرسولَ) (النساء ـ 59).

    2 ـ أحمد بن حنبل ، المسند : 1/398.

    3 ـ البخاري : الصحيح : 9/101 ، كتاب الاَحكام الباب51 (باب الاستخلاف)

    4 ـ مسلم : الصحيح : 6/3.

    5 ـ السبحاني : بحوث في الملل والنحل : 6/58 ـ 62.

    6 ـ ابن خلّكان : وفيات الاَعيان : 4/174.

(51)

    وهذا هو الشهرستاني يعرف الاِمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بقوله : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة (1).

    نعم كان الاعتقاد بظهور المهدي أمراً مسلماً بين المسلمين عامّة والشيعة خاصة ، وربما تطرأ الشبهة للعوام في حقّ بعض الاَئمة ، وقد نقل البغدادي أنّ من بين الشيعة من يقول : إنّ الاِمام الباقر هو المهدي المنتظر ، ويستدل بما روي عن النبي أنّه قال لجابر بن عبد اللّه الاَنصاري : « إنّك تلقاه فاقرئه مني السلام » وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة ، وكان قد عمي في آخر عمره ، وكان يمشي في المدينة ويقول : ياباقر ، ياباقر ، متى ألقاك؟ فمرّ يوماً في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبياً كان في حجرها ، فقال لها : من هذا؟ فقالت : هذا محمد ابن علي بن الحسين بن علي ، فضمه إلى صدره وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يابني ، جدّك رسول اللّه يقرئك السلام. ثم قال جابر : قد نعيت إلي نفسي ، فمات في تلك الليلة (2).

    وتبعه الاِسفرائيني في « التبصير » ، ونسبا إلى بعض الشيعة أنّهم اعتقدوا بأنّ المهدي المنتظر هو أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) وليس في كتب الشيعة من هذه الفرقة من أثر ، ولعله كانت هنا شبهة لبعض الناس فماتت الشبهة بموتهم.

 

ومنهم : الناووسية :

    قال الاَشعري : وهوَلاء يسوقون الاِمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي ، وأنّ

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/166.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 60.

________________________________________

(52)

أبا جعفر نصّ على إمامة جعفر بن محمد ، وأنّ جعفر بن محمّد حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره ، وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمّى الناووسية ، لقبوا برئيس لهم يقال له : « عجلان بن ناووس » من أهل البصرة (1).

    وفي الحور العين : إنّهم أتباع رجل يقال له « ناووس » وقيل : نسبوا إلى قرية ناووس (2).

    إذا تردّد أمر موَسس المذهب من أنّه هو « ناووس » أو ابنه عجلان ، أو شخص ثالث منسوب إلى « ناووس » يكون أولى بأن يشك الاِنسان في أصله وغاية ما يمكن أن يقال طروء شبهة لشخص أو شخصين في أمر المهدي فزعموا أنّه الاِمام الصادق ( عليه السلام ) لكن ماتت الشبهة بموت أصحابها ولايعد مثل ذلك فرقة ، غير أنّ حبّ أصحاب المقالات لتكثير فرق الشيعة أوّلاً ، وفرق المسلمين ثانياً لتجسيد حديث افتراق الاَُمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، جرّهم إلى عدّ هوَلاء فرقة.

    والحاصل بما أنّه لم يذكر لهم دور في الحياة ، ولا حركة في المجتمع ، يظن أنّه حصلت شبهة في مسألة المهدي ، فزعم الرجل أنّه الاِمام الصادق وتبعه واحد أو اثنان ، ثم ماتت الفرقة بموت المشتبه فلا يعد مثل ذلك فرقة.

    نحن نطلق الفرقة على جماعة لهم منهج في العقيدة أو مذهب في الفقه أو لهم دعايات وبلاغات وحركات في المجتمع.

    إلى هنا لم نجد للشيعة الاِمامية فرقة صحيحة قابلة للذكر فهي بين خارجة عن الدين من رأس كالغلاة ، ومغمورة في أطباق الاِبهام كالكيسانية ، أو طارئة عليها الشبهة ولم يكتب لها البقاء إلاّ أياماً قلائل ، والمظنون أنّ الشيعة الاِمامية إلى عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) كانوا متماسكين غير منفصلين.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 25.

    2 ـ الحاكم الجشمي : الحور العين : 162.

________________________________________

(53)

    قال الشهرستاني : إنّ الاِمامية متفقون في الاِمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) ، ومختلفون في المنصوص عليه من أولاده ، إذ كانت له خمسة أولاد ، وقيل ستة : محمد وإسحاق وعبد اللّه وموسى وإسماعيل (1).

 

الفرق الواقعية للشيعة بعد رحيل الاِمام الصادق ( عليه السلام ) :

    لقد عرفت أنّ جماهير الشعية كانوا متماسكين غير مختلفين ، ولو طرأت هناك شبهة فلواحد أو اثنين فلم تكن موَثرة على التحامهم.

    نعم ، توفي الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وكان الضغط على الشيعة شديداً وكان أبو جعفر المنصور ذلك الحاكم الطاغي يقتل العلويين بقسوة شديدة ، ففي هذه الظروف أي عام 148هـ لبى الاِمام الصادق ( عليه السلام ) دعوة ربّه ولم يكن في إمكانه التصريح العام بالاِمام الذي بعده ، حتى أنّه لما مات أوصى إلى خمسة أشخاص منهم أبو جعفر المنصور ومنهم حاكم المدينة وثالثهم زوجته ، وبذلك جعل الاَمر مخفياً على الاَعداء. وعند ذلك نشأ اختلاف بين الشيعة وتفرّقوا إلى فرق ثلاث :

 

الاَُولى : السميطية :

    قالوا بأنّ الاِمام هو محمد بن جعفر والاِمامة في ولده ، نسبت تلك العقيدة إلى رئيس لهم باسم يحيى بن سميط (2) ولم يكتب البقاء لهذه الفرقة وليس لها رسم ولا اسم بين كتب الشيعة الذين هم أعرف بفرقهم.

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167.

    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 27 ، البغدادي : الفرق بين الفرق : 61 ، الاِسفرائيني : التبصير : 23.

    وفي الحور العين : يحيى بن أبي شميط.

________________________________________

(54)

الثانية : الفطحية :

    وهم القائلون بإمامة الاثني عشر مع عبد اللّه الاَفطح ابن الصادق ( عليه السلام ) يدخلونه بين أبيه وأخيه (الاِمام الكاظم ( عليه السلام )) ، وعن الشهيد ـ رحمه اللّه ـ أنّهم يدخلونه بين الكاظم والرضا ( عليهما السلام ) وقد كان أفطح الرأس ، وقيل : أفطح الرجلين ، وإنّما دخلت عليهم الشبهة مما رووا عن الاَئمة : الاِمامة في الاَكبر من ولد الاِمام ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده جواب ، ولما ظهرت منه الاَشياء التي لا ينبغي أنّ تظهر من الاِمام ، ثم إنّ عبد اللّه مات بعد أبيه بسبعين يوماً ، فرجع الباقون ـ الشذّاذ منهم ـ عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ.

    وقد أسماهم أبو الحسن الاَشعري بـ : « العماريـة » وقال : وأصحاب هذه المقالة منسوبون إلى زعيم منهم يسمى : عماراً ، ولعل المراد منه هو : عمار بن موسى الساباطي من روَساء الفطحية. قال : الشيخ الطوسي : عمار بن موسى الساباطي وكان فطحياً له كتاب كبير جيد معتمد (1).

 

الثالثة : الاِسماعيلية :

    وربّما يعبر عنهم بالقرامطة : وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر ولما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت الاِمامة في ابنه محمد بن إسماعيل ، وهم فرقة كبيرة موجودة في العصر الحاضر.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 27 ، والبغدادي : الفرق بين الفرق : 62. والنوبختي : فرق الشيعة : 68 ، والطوسي : الفهرست : برقم 527.

________________________________________

(55)

الرابعة : الواقفية :

    إنّ الشيعة الاِمامية القائلة بإمامة الاثني عشر قالت بإنّ الاِمام بعد جعفر الصادق ( عليه السلام ) هو ابنه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ولهم على إمامته براهين وحجج مقنعة ، فلما توفي وقفت عدّة على إمامة موسى ( عليه السلام ) ولم يقولوا بإمامة ولده علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) .

    قال الاَشعري : وهذا الصنف يدعون الواقفة لاَنّهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره ، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعونهم بالممطورة ، وذلك أنّ رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن فقال له يونس : أنتم أهون عليّ من الكلاب الممطورة ، فلزمهم هذا النبز وربما يطلق عليهم : الموسوية (1).

    هذه الفرق الاَربعة ، السميطية ، الفطحية ، الاِسماعيلية والواقفية هي الفرق الواقعية للشيعة بعد الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وقد هلكت جميعها ولم يبق منهم إلاّ الاِسماعيلية وأمّا النصيرية ، أعني : أصحاب محمد بن نصير الفهري ، فهم من الغلاة الذين لا يمتّون إلى الاِسلام والتشيع بصلة ، ظهرت في عصر الاِمام الهادي ( عليه السلام ) وهم أصحاب محمد بن نصير النميريّ وقيل فيهم غير ذلك ومثلهم المفوضة ببعض معانيها. بما أنّ نطاق هذا الجزء يضيق عن التبسط سنبحث عن هذه الفرق في مقدّمة الجزء الثامن المختص بالاِسماعيلية بفضل من اللّه تبارك وتعالى.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 28 ـ 29.